المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الرد على النواصب والروافض] - الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية لابن قتيبة

[ابن قتيبة]

الفصل: ‌[الرد على النواصب والروافض]

[الرد على النواصب والروافض]

وقد رأيت هؤلاء أيضاً حين رأوا غلو الرافضة في حب علي وتقديمه على ما قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته عليه وادعاءهم له شركة النبي صلى الله عليه وسلم في نبوته، وعلم الغيب للأئمة من ولده وتلك الأقاويل والأمور السرية التي جمعت إلى الكذب والكفر إفراط الجهل والغباوة، ورأوا شتمهم خيار السلف وبغضهم وتبرأهم منهم، قابلوا ذلك أيضاً بالغلو في تأخير علي كرم الله وجهه وبخسه حقه، ولحنوا في القول وإن لم يعرضوا إلى ظلمه، واعتدوا عليه بسفك الدماء بغير حق ونسبوه إلى الممالأة على قتل عثمان رضي الله عنه، وأخرجوه بجهلهم من أئمة الهدى إلى جملة أئمة الفتن ولم يوجبوا له اسم الخلافة، لاختلاف الناس عليه، وأوجبوها ليزيد بن معاوية لإجماع الناس عليه واتهموا من ذكره بغير خير.

وتحامى كثير من المحدثين أن يحدثوا بفضائله كرم الله وجهه أو أن يظهروا ما يجب له، وكل تلك الأحاديث لها مخارج صحاح، وجعلوا ابنه الحسين عليه السلام خارجياً شاقاً لعصا المسلمين حلال الدم لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((من خرج على أمتي وهم جميع فاقتلوه كائناً من كان)) وسووا بينه في الفضل وبين أهل الشورى لأن عمر لو تبين له فضله لقدمه عليهم ولم يجعل الأمر شورى بينهم وأهملوا من ذكره أو روى حديثاً من فضائله، حتى تحامى كثير من المحدثين أن يتحدثوا بها وعنوا بجمع فضائل عمرو بن العاص ومعاوية كأنهم لا يريدونها بذلك وإنما يريدونه فإن قال قائل: أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم علي وأبو سبطيه الحسن والحسين وأصحاب الكساء علي

ص: 54

وفاطمة والحسن والحسين، تمعرت الوجوه وتنكرت العيون وطَرَّت حسائك الصدور، وإن ذكر ذاكر قول النبي صلى الله عليه وسلم:((من كنت مولاه فعلي مولاه)) .

و (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) وأشباه هذا التمسوا لتلك

ص: 55

الأحاديث المخارج لينتقصوه ويبخسوه حقه بغضاً منهم للرافضة وإلزاماً لعلي عليه السلام بسببهم ما لا يلزمه وهذا هو الجهل بعينه.

والسلامة لك أن لا تهلك بمحبته ولا تهلك ببغضه، وأن لا تحتمل ضغناً عليه بجناية غيره فإن فعلت فأنت جاهل مفرط في بغضه، وأن تعرف له مكانه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتربية والأخوة والصهر، والصبر في مجاهدة أعدائه وبذل مهجته في الحروب بين يديه مع مكانه في العلم والدين والبأس والفضل من غير أن تتجاوز به الموضع الذي وصفه به خيار السلف لما تسمعه من كثير من فضائله فهم كانوا أعلم به وبغيره، ولأن ما أجمعوا عليه هو العيان الذي لا يشك فيه.

والأحاديث المنقولة قد يدخلها تحريف وشوب ولو كان إكرامك لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي دعاك إلى محبة من نازع علياً وحاربه ولعنه إذ صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخدمه وكنت قد سلكت في ذلك سبيل المستسلم لأنت بذلك في علي عليه السلام أولى لسابقته وفضله وخاصيته وقرابته والدناوة التي جعلها الله بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المباهلة حين قال تعالى: {قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} فدعا حسناً وحسيناً {ونساءنا ونساءكم} فدعا فاطمة عليها السلام {وأنفسنا وأنفسكم} فدعا علياً عليه السلام ومن أراد تبصيره بصره ومن أراد غير ذلك حيره.

ص: 56