المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الرد على القائلين بخلق القرآن] - الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية لابن قتيبة

[ابن قتيبة]

الفصل: ‌[الرد على القائلين بخلق القرآن]

[الرد على القائلين بخلق القرآن]

وقالوا في كلام الله أنه مخلوق لأن الله تعالى قال: {إنا جعلناه قرآنا عربياً} والجعل بمعنى الخلق ولأنه قال: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} وكل محدث مخلوق وأن معنى: {كلم الله} أوجد كلاماً و: {كلم الله موسى تكليماً} أوجد كلاماً سمعه فخرجوا بهذا التأويل من اللغة والمعقول، لأن معنى تكلم الله أتى بالكلام من عنده، وترحم الله أتى بالرحمة من عنده، كما يقال تخشع فلان أتى بالخشوع من نفسه، وتشجع أتى بالشجاعة من نفسه، وتبتل أتى بالتبتل من نفسه، وتحلم أتى بالتحلم من نفسه، ولو كان المراد أوجد كلاماً لم يجز أن يقال: يتكلم، وكان الواجب أن يقال: أكلم، كما يقال أقبح الرجل أتى بالقباحة وأطاب أتى بالطيب وأخس أتى بالخساسة، وأن يقال أكلم الله موسى إكلاماً، كما يقال أقبر الله الميت: أي جعل له قبراً أو أرعى الله الماشية جعلها ترعى، في أشباهٍ لهذا كثيرة لا تخفى على أهل اللغة.

والعرب تسمي الكلام لساناً لأنه على اللسان يكون.

ص: 38

قال الشاعر وهو أمية بن أبي الصلت:

واسمع كلام الله كيف شكُوله

فاعجب ويُلسِنك الذي تستنشد

أراد اسمع كلام الله ثم قال: (ويلسنك) أي يكلمك الذي تستنشده أي كأنه يكلمك.

وقال الله عز وجل حكاية عن إبراهيم: {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} وقال الشاعر:

إني أتتني لسان لا أسر بها

أي أخبرت.

وأما استشهادهم بالجعل على خلق القرآن في قول الله: {إنا جعلناه قرآناً عربياً} فإن الجعل يكون بمعنيين: أحدهما خلق، والآخر غير خلق فأما الموضع الذي يكون فيه خلقاً: فإذا رأيته متعدياً إلى مفعول واحد لا يجاوزه كقول الله: {خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور} فهذا بمعنى خلق، وكذلك:{وجعل منها زوجها} أي خلق منها.

وأما الموضع الذي يكون فيه غير الخلق فإذا رأيته متعدياً إلى مفعولين كقوله: {وقد جعلتم الله عليكم كفيلا} أي صيرتم. وكقوله: {فحعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها} وكقول القائل (جعل فلانٌ أمر امرأته في يدها) فإن هم وجدوا في القرآن كله جعل متعديه إلا القرآن وحده ليقضوا عليه بالخلق فنحن نتابعهم، وكذلك المحدث ليس هو في موضع بمعنى مخلوق، فإن أنكروا ذلك فليقولوا في قول الله:{لعل الله يحدث بعد ذلك أمراً} أنه يخلق وكذلك قوله: {لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا} أي يحدث لهم القرآن ذكراً. والمعنى يجدد عندهم ما لم يكن.

وكذلك قوله: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} أي ذكر حدث عندهم لم يكن قبل ذلك.

ص: 39