الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سمع قائلاً يقول: قراءتي للقرآن ولفظي بالقرآن، قراءة القرآن مفردة عن القرآن واللفظ منفرد عن القرآن، توهم أن كل واحد منهما غير ممازج للقرآن وليس كذلك وإنما قوله للقرآن بالقرآن تمييز للقرآن من غيره لأن القارئ قد يقرأ غير القرآن وهذا من أغمض ما مر وأدقه فتأمله وتدبره حتى تفهمه وسأزيده إيضاحاً:
كأن رجلاً يسمى محمداً قرأ فسمعه رجل فقال عبد الله: ماذا قرأ.
فيقول زيد: القرآن.
وكذلك لو قال: ما أحسن لفظ محمد.
فقال عبد الله: وبماذا لفظ؟
فيقول له زيد: بالقرآن.
فالقرآن ههنا إنما هو تمييز وتبيين وكل واحد من القرآن واللفظ يجمع معنيين عملاً وقرآناً.
[هل الإيمان مخلوق أم لا
؟]
وذهب قوم من منتحلي السنة: إلى أن الإيمان غير مخلوق خوفاً من أن يلزمهم أن يقولوا {لا إله إلا الله} مخلوق. إذ كانت رأس الإيمان فركبوها شنعاً وجعلوا أفاعيل العباد غير مخلوقة صفات الله عز وجل.
فيا سبحان الله ما أعجب هذا وأعجب قائليه ولقد آلف الناس (غير مخلوق) وأنسوا به حتى أنه ليخيل إلي أن رجلاً لو ادعى أن العرش غير مخلوق وأن الكرسي غير مخلوق لوجد على ذلك أشياعاً ينتحلون السنة فماذا جر جهم لا رحمه الله على متبعيه بنحلته وعلى مخالفيه ببغضته.
وقد بلغني أن قوماً يذهبون إلى أن روح الإنسان غير مخلوقه، وأنهم يستدلون على ذلك بقول الله في آدم:{ونفخت فيه من روحي}
وهذا هو النصرانية والقول باللاهوت والناسوت قال النابغة الجعدي:
من نطفة قدرها مقدرها
…
يخلق منها الإنسان والنسما
والنسم: الأرواح.
وأجمع الناس على أن الله خالق الجن وبارئ النسمة (1) : أي خالق الروح. والإيمان مخلوق لأنه لفظ باللسان وعقد بالقلب واستعمال للجوارح وكل هذه أفعال للعباد ثم كل هذه غرائز ركبها الله في العباد وسماها الرسول صلى الله عليه وسلم إيماناً.
قال أبو محمد: وقد كان بعض الجهمية سألني مرة عن تكلم الناس في
(1) من طبعة دار الكتب العلمية، وفي المطبوع: والنسمة.
الحرف والحرفين، ولذلك أصل في الكتاب، أمخلوق هو أم غير مخلوق؟
فقلت: هو غير مخلوق ما لم يقصد به إلى تلاوة القرآن.
فقال لي: فإذن القرآن يصير كلاماً بنيتك والكلام يصير قرآناً بنيتك.
قلت له: إن القول القليل قد يتغير بالنية والقصد وأنا أقر لك بذلك.
ثم قلت له: أما تعلم أن {لا إله إلا الله} رأس الإيمان وكلمة التوحيد.
قال: بلى.
قلت: فما تقول في ملحد قال: (لا إله) . يريد النفي ماذا تكون كلمته؟
فقال: كفراً.
قلت: فإذن شطر كلمة التوحيد قد صار كفراً بالنية.
ثم قلت له: ما تقول في مؤمن أراد أن يقول: {لا إله إلا الله} فقال: (لا إله) ثم انقطع نفسه وسها. ما كان قوله؟
قال: إيماناً بحاله.
قلت له: فإذن ما كان هناك كفراً بالنية قد صار ههنا إيماناً بالنية.
وقلت له: ما تقول أنت في القرآن؟
قال: مخلوق.
قلت: وفي أفعال العباد؟
قال: غير مخلوقة.
قلت: ما تقول في قول الله: {ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} ما هو؟
قال: آية.
قلت: فهي عندك أمخلوقة أم غير مخلوقة؟
قال: مخلوقة.
قلت: فإن دعبل بن علي الشاعر جعلها بيتاً في شعر له طويل فقال:
ويخزهم وينصركم عليهم
…
ويشف صدور قوم مؤمنينا
فما هي في شعر دعبل؟
قال: قول لدعبل.
قلت: مخلوق أم غير مخلوق؟
قال: بل غير مخلوق.
قلت: فأراه صار فعلاً بالنية وخلقاً بالنية فما الذي أنكرته من قولنا هذا؟
هذا منتهى الاختلاف في اللفظ بالقرآن وهو بلاغ لمن خضع للحق وتلقاه بقلب سليم ومن استكبر وجمحت به الحمية فيستغني الله الحق عنه والله غني حميد.