المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(الرد على أهل الجبر) - الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية لابن قتيبة

[ابن قتيبة]

الفصل: ‌(الرد على أهل الجبر)

غير المعجمة والنصب وقرأ جميع ما في القرآن من المخلصين بكسر اللام وإن كان قرأ بذلك بعض القراء يريد أن يجعل الإخلاص لهم ولا يكون لله في ذلك صنع فكيف يصنع بقوله: {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار} وقرأ: {ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً} بكسر إنما الأولى وفتح الثانية يريد لا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً إنما نملي لهم خير لأنفسهم فحرف المعنى عن جهته ونقله عن سننه وجعل الإملاء للكفار من الله إنما هو لخير يريده بهم.

وقد حمل بعضهم على أنه قرأ (ليزدادوا إيماناً) وألحقها في بعض المصاحف طمعاً في أن تبقى على الدهر ويجعلها الناس وجهاً وكيف له ما قدر والله يقول إلى جنبها: {ولهم عذاب مهين} .

(الرد على أهل الجبر)

ولما رأى قوم من أهل الإثبات إفراط هؤلاء في القدر وكثر بينهم التنازع حملهم البغض لهم واللجاج على أن قابلوا غلوهم بغلو وعارضوا إفراطهم بإفراط فقالوا بمذهب جهم في الجبر المحض وجعلوا العبد المأمور المنهي المكلف لا يستطيع من الخير والشر شيئاً على الحقيقة ولا يفعل شيئاً على الصحة وذهبوا إلى أن كل فعل ينسب إليه فإنما ينسب إليه على المجاز كما يقال في الموات: مال الحائط وإنما يراد أميل وذهب البرد وإنما ذهب به وكلا الفريقين غالط وعن سواء الحق حائد.

ص: 30

ولو كان الأمر على ما قالوا لم يكن القدر سراً ولم يكن الناظر إليه كالناظر في شعاع الشمس ففيم اختصمت الملائكة.

ص: 31

وفيم ألح عزير حتى محي من ديوان النبوة.

ص: 32

وفيم احتج آدم وموسى.

ص: 33

وإنما صار سراً لأنك ترى قادراً وهو عاجز، ومؤيداً وهو ممنوع، وترى حازماً محروماً، وعاجزاً مرزوقاً، وشجاعاً مخذولاً، وجباناً منصوراً، وعاقلاً لا يستشار في الأمور ولا يستعمل، وساقطاً متهافتاً لا يعطل، وعالمين متقاربين في العلم والنظر في الدين خصمين وهما مختلفان فهذا يقول بالإهمال المحض وذاك يقول بالإجبار المحض وهذا حروري وذاك

ص: 34

رافضي وترى أعداء الله يدالون أولياءه حتى يقتلوهم كل قتلة ويمزقوهم كل ممزق.

وترى الناس أصنافاً في التفضيل فمنهم قوم ابتدأهم الله بالنعم وأسكنهم ريف الأرض وأكرمهم وأخدمهم وحسن وجوههم وبيض ألوانهم وسقاهم العذب النقاح ورزقهم من الطيبات وأطعمهم من كل الثمرات ووفر عليهم العقول والأفهام وفتق ألسنتهم بالحكمة وألبابهم بالعلم وبعث فيهم بالقرب منهم الرسل لأهل هذا الإقليم الذي أسكنناه الله بفضله.

ومنهم قوم أنزلهم أطراف الأرض وجدوبة البلاد وأذلهم وأعراهم وشوه خلقهم وسود ألوانهم وسقاهم الملح الأجاج وجعل أقواتهم الحشرات والنبات وسلبهم العقول وباعدهم من مبعث الرسل ومنتهى الدعوة فهم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً ثم جعلهم لجهنم حصيباً ولسعيرها وقوداً كالزنج وصنوف كثيرة من السودان وأصناف من الأعاجم ويأجوج ومأجوج فهل لهؤلاء أن يحتجوا على الله بما منح غيرهم ومنعهم؟

لا لعمر الله ما لأحد عليه حجة ولا قبله حق ولا فيما خلق شرك بل له الحجة البالغة، وهو الفعال لما يريد.

وعدل القول في القدر أن تعلم أن الله عدل لا يجور: كيف خلق، وكيف قدر، وكيف أعطى، وكيف منع، وأنه لا يخرج من قدرته شيء ولا يكون في ملكوته من السموات والأرض إلا ما أراد، وأنه لا دين لأحد عليه ولا حق لأحد قبله، فإن أعطى فبفضل، وإن منع فبعدل، وأن العباد يستطيعون ويعملون ويجزون بما يكسبون، وأن لله لطيفة يبتدئ بها من أراد ويتفضل بها على من أحب، ويوقعها في القلوب فيعود بها إلى طاعته ويمنعها

ص: 35