المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في دية العمد إذا قبلت وجناية المجنون - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ١٦٠

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في دية العمد إذا قبلت وجناية المجنون

على كل حال كون الدية مائة من الإبل هذا نص، وأما تقويمها وتقديرها بما تقابله وتساويه من العملات المختلفة في البلدان والأوقات والأزمان هذه مسائل اجتهادية.

قال: "وحدثني يحيى عن مالك أنه سمع أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو أربع" يعني تنجم، كل سنة ثلث الدية، أو ربع الدية على السنين.

"قال مالك رحمه الله: والثلاث أحب ما سمعت إلي في ذلك" الثلاث عند مالك أرجح من الأربع؛ لأن إلزام الجاني، أو عاقلة الجاني بدفعها في وقت واحد يشق عليه {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج] وهو لم يقصد القتل، ما قصد القتل، ولو كان في حق الله -جل وعلا- لكان إثمه مرفوعاً، ومع ذلك هو في حق آدمي الإثم مرفوع، لكن إلزامه بالدية والكفارة من باب ربط السبب بالمسبب، فهو حكم وضعي وإلا تكليفي؟ وضعي لا تكليفي، ولذا يقول أهل العلم: إن عمد الصبي والمجنون حكمه حكم الخطأ، حكمه حكم قتل الخطأ من البالغ، ولو كان متعمداً؛ لأن الإثم مرفوع عنه، فهو كالجاني الكبير إذا أخطأ فقتل.

"قال مالك: المجتمع عليه عندنا" يعني المتفق عليه عندهم في بلدهم "أنه لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل" لأن عمر لما حددها بالدراهم والدنانير صار حكمه ملزماً، باعتبار أنه واحد من الخلفاء الراشدين الذين أمرنا بالاقتداء بهم ((اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر)) ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)) فكأنه يرى أن حكم عمر ملزم.

"أنه لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل، ولا من أهل العمود" الذين هم أهل البادية، يعني العمود عمود البيت بيت الشعر أو الخيمة، وما أشبه ذلك لا يقبل منهم الذهب ولا الورق، وإنما يقبل منهم الإبل "ولا من أهل العمود الذهب والورق، ولا من أهل الذهب الورق" يعني ما يقبل من أهل مصر والشام الفضة، كما أنه لا يقبل من أهل الورق الذهب لا يقبل من أهل العراق الذهب باعتبار أن هذا نص ملزم توقيفي، أمرنا بالاقتداء به وإتباعه، أعني من قام بالمعادلة، وهو عمر -رضي الله تعالى عنه-، نعم.

أحسن الله إليك.

‌باب: ما جاء في دية العمد إذا قبلت وجناية المجنون

ص: 13

حدثني يحيى عن مالك أن ابن شهاب كان يقول: في دية العمد إذا قبلت خمس وعشرون بنت مخاض، وخمس وعشرون بنت لبون، وخمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة.

وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان: أنه أتي بمجنون قتل رجلاً فكتب إليه معاوية: أن اعقله ولا تقد منه، فإنه ليس على مجنون قود.

قال مالك رحمه الله في الكبير والصغير إذا قتلا رجلاً جميعاً عمداً: إن على الكبير أن يقتل، وعلى الصغير نصف الدية.

قال مالك رحمه الله: وكذلك الحر والعبد يقتلان العبد، فيقتل العبد، ويكون على الحر نصف قيمته.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: ما جاء في دية العمد إذا قبلت

يعني عفي عن القصاص، عفي عن القود، وعدل إلى الدية "إذا قبلت وجناية المجنون" يعني وما جاء في جناية المجنون، وحكمه كالصبي، عمده حكم الخطأ بالنسبة للكبير.

قال رحمه الله: "حدثني يحيى عن مالك أن ابن شهاب كان يقول: في دية العمد إذا قبلت خمس وعشرون بنت مخاض" يعني إذا عدل عن القود والقصاص إلى الدية يعني إذا قبلت الدية فإنها تنوع، إذ لو كانت من سن واحدة لشقت، لو قال: عليه مائة جذعة، مائة بنت لبون، مائة بنت مخاض، يشق عليه أن يجتمع عنده هذا، وإنما تنوع رفقاً به، ومن باب التوسط في الأمور، إذ لو شرعت كلها من الكبار لأجحفت بالجاني، ولو اتفق أو صنفت كلها من الصغار لأضر بأولياء المقتول المجني عليهم.

ابن شهاب كان يقول: "في دية العمد إذا قبلت خمس وعشرون بنت مخاض" وهي التي تمت لها سنة ودخلت في الثانية "وخمس وعشرون بنت لبون" كملت الثانية ودخلت في الثالثة، وبعدها الحقة والجذعة أرباع، بنت مخاض خمس وعشرين، بنت لبون خمس وعشرون، حقة خمس وعشرون، جذعة خمس وعشرون، فيكون المجموع مائة.

قوله: "بنت مخاض، بنت لبون، حقة، جذعةً" منصوبة على إيش؟ على التمييز، كلها منصوبة على التمييز.

ص: 14

قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان: أنه أتي بمجنون قتل رجلاً" عن مالك عن يحيى بن سعيد أن مروان بن الحكم كان عامل لمعاوية على المدينة "كتب إلى معاوية بن أبي سفيان: أنه أتي بمجنون قتل رجلاً فكتب إليه معاوية: أن اعقله ولا تقد منه" يعني لا تقتله بسبب القتل، قد يقول قائل: إن العاقل أكمل من المجنون، ما دام مجنون قتل عاقلاً، فلماذا لا يقاد به وهو أكمل منه؟ وقد جرت العادة أن الأدنى يقاد منه دون العكس، لو أن حراً قتل عبداً يقاد به أو ما يقاد؟ لا يقاد، لكن العكس يقاد، فلماذا لا يقال: بأن المجنون يقاد؟ الصغير يقاد؟ لأن الكبير أكمل منه دون عكس.

لو أن عاقلاً مكلفاً قتل مجنوناً يقاد منه أو لا يقاد؟ أو قتل صغيراً عمداً يقاد وإلا ما يقاد؟ يقاد، فلماذا لا نقول: إنه العكس؟ النظر في مثل هذا إلى التكليف ورفع القلم، فالمكلف يقاد وغير المكلف رفع عنه القلم.

"فكتب إليه معاوية: أن اعقله" يعني خذ الدية من أولياء القاتل، وتدفع إلى أولياء المقتول "ولا تقد منه" يعني لا تقتله به، يقول:"فإنه ليس على مجنون قود" باعتبار أن ما فعله مرفوع عنه القلم، لكن إلزامه بالدية إنما هو كما تقدم من باب ربط الأسباب بالمسببات، هو ليس من باب الحكم التكليفي، وإنما هو من باب الحكم الوضعي.

ص: 15