الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: الموقف الصحيح من علم الاستغراب
لا يخفى على أحد دور المستشرقين في نقل الحضارة الإسلامية إلى أوروبا، وكذلك دورهم في إدارة المعارك الثقافية والسياسية ضد الإسلام، وعلى الرغم من وجود العديد من المستشرقين والمثقفين الغربيين المنصفين، إلا أن هذا العلم كان له الدور الأكبر في الحرب ضد الإسلام.
ومن الملاحظ أن ما أفاده الغرب من هذا العلم، إنما تركز حول الأمور العلمية والأخلاقيات الاجتماعية والسياسية ولم يفيدوا مطلقا من العقيدة، ومما لا شك فيه أن هذا الأمر لم يكن مصادفة، بل كان وراءه تخطيط محكم، ضمن لهم الاستفادة من كل ما لدى الحضارة الإسلامية، دون مساس بالعقيدة التي انبنت عليها دولهم وممالكهم.
واليوم وبعد أن انقلبت الأوضاع، وصار الغرب مركز التقدم في العلوم الدنيوية والتقنية، كان من الطبيعي أن تتجه إليه بلاد الإسلام، محاولة الاستفادة مما توصلوا إليه من تقدم في مختلف المجالات، وهذا لا غبار عليه من حيث المبدأ، ولكن مع الأسف، كان هذا التوجه عشوائيا، وغير محصن بقوة العقيدة، فكان من نتيجة ذلك تشوهات فكرية وأخلاقية لا حصر لها، حتى أصبح بعضنا بلا هوية.
ولهذا فعلى الأمة إرساء قواعد علمية، تنظم عملية التواصل بيننا وبين هذه الحضارة، بحيث نستفيد منها دون مساس بثوابت العقيدة الإسلامية.
وقد استفاد النبي صلى الله عليه وسلم من تجارب الأمم في الأمور العادية والعلمية فعن عائشة رضي الله عنها عن جدامة بنت وهب الأسدية رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم»
(1)
.
إن وجود هذا العلم لا يتوقف على أهمية فرز ما نأخذه من الغرب واستخلاص ما يناسبنا وترك ما عداه، ولكن تحقيق هذا المبدأ لن يتم ما لم نقم بوضع قواعد علمية محددة، تضمن تحقيقه، كما أن طلاب هذا العلم سيكون هدفهم من البداية واضحا جليا لا تشوبه شائبة
…
نقل ما يفيد الأمة الإسلامية، وهو ما يضعف احتمال افتتانهم بالحياة الغربية ومفاسدها.
فلا بد من إعداد الأمة الإسلامية نفسها بأن تكون لها الهيبة والرهبة في نفس الآخرين. وهذا ما يؤيده الأمر الرباني في قوله تعالى: {يُعْجِزُونَ (59) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ} [الأنفال: 60]، ويؤيده قول المصطفى صلى الله عليه وسلم:(المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير)
(2)
.
إن علماء الأمة الإسلامية لا يرون تعارضاً بين الأخذ بوسائل المدينة المعاصرة مع المحافظة على الشخصية الإسلامية والقيم الإسلامية.
(1)
صحيح مسلم كتاب النكاح، باب جواز الغيلة وهي وطء المرضع وكراهة العزل رقم 1442.
(2)
صحيح مسلم كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة رقم 2664.
ولقد طالب الدكتور حسن حنفي في كتابه الاستغراب أن نأخذ المبادرة لدراسة الغرب ولمعرفته معرفة علمية موثقة، ولا ننتظر أن يخبرنا الغرب عن نفسه فقط حتى لا نتحول إلى مجرد متلقين لما يقوله الغرب عن نفسه وعنّا.
ومعرفة الآخر أمر أساسي حيث إن القرآن الكريم قد قسم الناس إلى ثلاثة أقسام في سورة البقرة فهم إما مؤمنون أو كافرون أو منافقون. ثم وضح صفات كل فئة في سور القرآن الكريم. كما جاءت السنّة النبوية المطهرة توضح هوية المسلم ليستطيع بعد ذلك أن يعرف الآخرين معرفة صحيحة متمسكاً بهويته ومستعلياً بإيمانه.
والآخر في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا كفار قريش، واليهود، والنصارى، والمنافقون. وقد قدمت الآيات الكريم صوراً واضحة لكل فئة من هؤلاء، وأوضحت كيفية التعامل معهم، فبالإضافة إلى توضيح صورة الآخر عقديا فقد اهتم أيضا بالجوانب الأخرى، فها هي صورة العربي الجاهلي وموقفه من المرأة:{يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا} [النحل: 58 - 59]. وأوضح القرآن الكريم انحرافات قوم لوط وانحرافات قوم شعيب، وقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها صور النكاح في الجاهلية مقارنة إياها بالصورة التي ارتضاها الإسلام
(1)
.
ويقول أحمد شحلان عن دراسة الغرب: " أليس من الجميل أن يصبح في جامعاتنا أقسام نسميها أقسام الاستغراب في مقابل الاستشراق؟ أليس من الجميل أن نعتبر الطرف الآخر هو أيضاً موضوع الدرس والتنقيب؟ "
(2)
.
ولذا يقول الدكتور مازن مطبقاني: "إننا نحتاج بالفعل إلى إنشاء كلية للدراسات الأوروبية (والأمريكية) ولا بد من التفكير الجاد في هذا الاقتراح بإنشاء كلية متخصصة لدراسة الغرب دراسة عميقة، وهذه الدعوة موجهة إلى الجامعات الإسلامية بعامة وإلى الجامعات في بلادنا بخاصة. وإن جامعة الإمام التي كانت سبّاقة ورائدة في دراسة الاستشراق لقادرة بإذن الله على مثل هذه المشروعات الكبرى بعد دراستها من قبل المتخصصين. ونبهت إلى أن الذي يدرس الغرب ينبغي له أن يكون على معرفة عميقة وصحيحة بالإسلام، حتى يكون قادراً على فهم الغرب من منطلق إسلامي"
(3)
.
(1)
صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلاّ بولي رقم 5127.
(2)
جريدة الشرق الأوسط، عدد 5667، 25 ذو الحجة 1414 (4 يونيه 1994).
(3)
دراسة الاستشراق وريادة جامعة الإمام 1" لمازن مطبقاني، جريدة المدينة المنورة، ع 11396، 4 محرم 1415، وعدد 11397، 11 محرم 1415.
ويقول أيضا: " أليس الغرب أمة يجب أن نتوجه إليهم بالدعوة ونحن مطالبون بالشهادة على الأمم فكيف للشاهد أن يشهد دون أن يعرف معرفة دقيقة موضوع شهادته"
(1)
.
وقد ازدادت الأصوات المنادية بدارسة الغرب فقد كتب قسطنطين زريق يقول: " إن الحضور الأمريكي في الذهن العربي ليس في مجمله صحيحاً وكافياً لأنه ليس وليداً لدينا من معرفة صادقة وموثوق بها ومن علم حي متنام"
(2)
.
ولذا تجد أن الغرب يسعى لطلب الكتابة عن الشرق من قبل أهله، فهذا معهد الدراسات الإسلامية في جامعة مقيل قد وجه طلابه المسلمين ليكتبوا عن بلادهم، وأقنعهم بأن هذه الكتابة ستكون في مصلحتهم لأنهم سينظرون إلى مشكلاتهم من بعد (مسافة) وربما قيل لهم " إنكم ستحررون هناك من بعض القيود في بلادكم".
ولكن الأمر المراد من هذا هو أن تتحول بعض الرسائل إلى نوع من التجسس على العالم العربي الإسلامي، بما تقدمه من معلومات يصعب على الغربيين الوصول إليها، كما أشار إلى ذلك أحمد غراب من توجيه بعض الأساتذة تلاميذهم من العرب والمسلمين دراسة قضايا معينة في بلادهم
(3)
.
وفي الطرف الأخر نجد من يعترض على هذا العلم ويرفضه ويرفض المبالغة فيه، فهذا عبد الرحمن العرابي ينتقد الاهتمام الزائد بالغرب والكتابة عنه، وكتب هاشم صالح منتقداً الدعوة إلى " علم الاستغراب" بدعوى أننا ما زلنا غير قادرين على الوصول إلى ما وصل إليه الغرب من تقدم في العلوم ومناهج البحث، بل إنه استهزأ بمشروع حسن حنفي في دراسة الغرب (الاستغراب) بقوله:" كيف يمكن لهذا "العلم" الغريب الشكل أن ينهض على أسس قويمة إذا كنّا عاجزين حتى الآن عن استيعاب الثورات اللاهوتية والابستمولوجية والفلسفية للفكر الغربي، وإذا كنّا عاجزين عن إحداث مثلها في ساحة الفكر العربي؟ وكيف يمكن لنا أن نقف موقف الند من الغرب إذا كنّا لا نملك أبسط المقومات حتى مشروع الترجمة لم نقم به كما ينبغي"
(4)
.
(1)
متى نخضعهم لدراستنا؟ جريدة المدينة المنورة، عدد 11534، 24 جمادى الأولى 1415.
(2)
حضور أمريكا في الذهن العربي والحضور العربي في الذهن الأمريكي، قسطنطين زريق، جريدة الحياة، عدد 12134، 28 ذو الحجة 1416 (16 مايو 1996).
(3)
رؤية إسلامية للاستشراق، أحمد عبد الحميد غراب: ط 2 بيرمنجهام: المنتدى الإسلامي 1412 هـ.
(4)
علم الاستغراب لا يضير الغرب بل يرتد علينا بأفدح الأخطار، هاشم صالح.، جريدة الحياة، عدد 11740، 13 ذو القعدة 1415.
فنقول لهما إن الذي يدرس الغرب ينبغي له أن يكون على معرفة عميقة وصحيحة بالإسلام، حتى يكون قادراً على فهم الغرب من منطلق إسلامي، ولابد أن تنطلق رحلتة لمعرفة الآخر من أسس شرعية، ويحدد الشيخ الدكتور جعفر شيخ إدريس ذلك في عدة نقاط هي:
1 -
الدعوة إلى الحق عملا بقوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125][النحل: 25.].
2 -
إعداد القوة الرادعة، فلابد أن يكون للمسلمين قوة حتى لا يظهر أحد تحدثه نفسه بالغزو، وحتى لا يكون المسلمون فتنة حيث نكون على الحق ونكون الأضعف فينفر الناس من الحق الذي معنا. (القوة من أجل السلام).
3 -
الجنوح للسلم.
4 -
تبادل المنافع
(1)
.
(1)
موقفنا من الحضارات والأديان الأخرى، رؤية شرعية جعفر شيخ إدريس، جريدة الشرق الأوسط، ع 6311.