المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: التكبير على الجنائز: - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ٤٥

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: التكبير على الجنائز:

يقول: "وحدثني عن مالك عن سعيد بن أبي سعيد - كيسان - المقبري عن أبي هريرة أنه نهى أن يتبع بعد موته بنار" قال ابن عبد البر: جاء النهي عن أن يتبع الميت بنار عن ابن عمر مرفوعاً، وأخرج أبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار)) قال لما فيه من التفاؤل بالنار لماذا لم يقل: لما فيه من التشاؤم؟ على كل حال من الأضداد التفاؤل والتشاؤم بمعنى إلا أنه غالب ما يقال: التفاؤل في الخير والتشاؤم بالشر، لكن هي من الأضداد كالبشارة، البشارة والنذارة، البشارة بالخير والنذارة بالشر، لكن {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [(24) سورة الإنشقاق] الثواب في الغالب في الأجر {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ} [(36) سورة المطففين] يعني أعطوا ثواب، المقصود أنه قد يأتي على خلاف الأصل، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

في إيش في النار؟ نعم قال ابن عبد البر: إن هذا من فعل النصارى، ومنهم من يقول: إنه من فعل الجاهلية، ونحن مأمورون بمخالفة الكفار، والله المستعان.

أهل العلم يقولون: يسن التربيع في حمله بأن يحمل من جوانبه، يستحبون التربيع لعله لئلا يشق على الحاملين

"قال يحيى: سمعت مالكاً يكره ذلك" قال ابن عبد البر: ولا أعلم بين العلماء خلاف في كراهية ذلك مَن مِن أهل العلم يجيز أن تتبع الجنازة بنار؟ لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك، جنازة في الليل في أخر الشهر، في ظلام دامس، والنار من أجل ضوئها، الأمور بمقاصدها، ما أتبعت الجنازة بنار إنما نور الطريق لم تتبع الجنازة بنار، كما أن إضاءة المقبرة من أجل الدفن لا يعني أن من أضاءها مؤقتاً بغير شيء ثابت لا يجوز إضاءتها بشيء ثابت إنما شيء مؤقت من أجل أن يتمكن من الدفن في الليل لا بأس، وإلا جاء النهي عن اتخاذ المساجد والسرج في المقابر.

سم.

أحسن الله إليك.

‌باب: التكبير على الجنائز:

حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي للناس في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى وصف بهم، وكبر أربع تكبيرات.

ص: 18

وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره أن مسكينة مرضت فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المساكين، ويسأل عنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا ماتت فآذنوني بها)) فخرج بجنازتها ليلاً فكرهوا أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بالذي كان من شأنها، فقال:((ألم أخبركم أن تؤذنوني بها؟ )) فقالوا: يا رسول الله كرهنا أن نخرجك ليلاً ونوقظك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس على قبرها وكبر أربع تكبيرات.

وحدثني عن مالكِ أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يدرك بعض التكبير على الجنازة ويفوته بعضه فقال: يقضي ما فاته من ذلك.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: التكبير على الجنائز" التكبير على الجنائز أختلف السلف في عدد التكبيرات، ففي صحيح مسلم عن زيد بن أسلم:((كبروا خمساً)) ورفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام وعن ابن مسعود أنه صلى على جنازة فكبر عليها أربعاً، وكان يكبر على أهل بدر ستاً، وعلى الصحابة خمساً، وعلى سائر الناس أربعاً، وللبيهقي عن أبي وائل كانوا يكبرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً وخمساً وستاً وأربعاً، فجمع عمر رضي الله عنه الناس على أربع، قال ابن عبد البر: انعقد الإجماع على أربع، وعليه فقهاء الأمصار، معنا في الباب حديثان، الأول حديث النجاشي، والثاني حديث المرأة المسكينة، الأول يمثل علية القوم ملك، والثاني يمثل مساكين المسلمين، وهذا الملك كبر عليه أربعاً، وهذه المسكينة كبر عليها أربعاً، فكأن عمر رضي الله عنه نظر إلى الأمرين فجمع الناس على أربع تكبيرات، وأخذ به فقهاء الأمة، أخذ بهذا الاجتهاد من عمر-رضي الله عنه فقهاء الأمة، واجتهاد عمر في هذه المسألة له نظائر، اجتهادات مصيبة وموفقه لها أصلاً في الشرع، وتسندها العمومات.

ص: 19

يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي" النجاشي بفتح النون، ويقال بكسرها النِجاشي، وخفت الجيم وتشديد أخره النجاشي، يعني الياء، الياء مشددة؛ لأنها على زنة ياء النسب، وحكى المطرزي التخفيف النجاشي بدون. . . . . . . . . نظير ذلك ما تقد ذكره في النسبة إلى اليمن إذا قلت: يماني فالياء خفيفة، الياء مخففة وليست مشددة؛ لأن ياء النسب عبارة عن ياءين، مشددة عبارة عن ياءين، هذه الألف المزيدة قامت مقام إحدى الياءين فخفف، وجوز بعضهم التشديد، ولعلى هذا من ذلك الباب، إذا قلنا: النجاشي مأخوذ من النجش وما أشبهه، قلنا: إن الألف زائدة تقوم مقام الياء الثانية، وعلى كل حال هو ملك الحبشة لقب لكل من ملك الحبشة، والمراد بهذا الحديث هو المعاصر للنبي عليه الصلاة والسلام أصحمة بن ابحر، واسمه: بالعربية عطية كان ردءاً نافعاً للمسلمين في بلده، هاجر الصحابة إليه مرتين، أسلم في بلده ولم يهاجر، فحكمه حكم كبار التابعين؛ لأنه ما هاجر ولا رأى النبي عليه الصلاة والسلام.

ص: 20

"نعى النجاشي للناس" أي أخبرهم بموته، والنعي جاء ذمه، وهنا يراد بالنعي مجرد الإخبار أي أخبرهم بموته ومجرد الإخبار إخبار الأهل والأقارب وخواص الرجل ومعارفه وأهل الصلاح هذا مشروع؛ لأنه ترجى إجابة دعوتهم له هذا مشروع إخبارهم بذلك مجرد إخبار من غير أن يصحب الإخبار شيء أخر، والحالة الثانية: دعوة الناس الجفلا كل الناس يدعون للصلاة عليه من أجل المفاخرة، أقاربه وذووه وتلاميذه مثلاً وأتباعه يدعون الناس كلهم للصلاة على فلان ليقولوا: إنه صلى على والدنا عشرة آلاف عشرين ألف وهكذا، وكذلك لو فعله الأتباع ليبينوا للناس أن شيخهم أو متبوعهم أفضل من فلان أو علان للمفاخرة، صلى على شيخنا أكثر ممن صلى على

، وهكذا، هذا مكروه عند أهل العلم، ولا زاد الأمر عن ذلك لما بعد تحريمه، أما الإعلام المقرون بالنياحة وما أشبهها هذا حرام بلا شك، والنعي الموجود في الجاهلية والذي جاءت النصوص بمنعه هو يصحبه رفع صوت، وذكر محاسن، ووقوف من جمع غفير في أبواب السكك والطرقات ألا أن فلان ابن فلان الفاعل التارك الذي كذا وكذا قد مات، هذا النعي، ما يذكر في الصحف من الأخبار الأمور بمقاصدها إذا أعلن الأولاد عن موت أبيهم وفي ذهنهم أنه يحضر من له أو عليه حق له ممن لا يمكن إبلاغهم مباشرة هذا مقصد صحيح، وإذا كان القصد بذلك المفاخرة والمكاثرة هذا له حكم، وإن اقترن بذلك ذكر محاسن وإطراء ومبالغات هذا أيضاً له حكم، فالأمور بمقاصدها، في اليوم الذي مات فيه في رجب سنة تسع وإن كان على النحو الذي يذكر في كتب التراجم عند أهل العلم ومثل ما قلنا سابقاً: الأمور بمقاصدها، إذا كان ذكر محاسنه للمفاخرة بهذه المحاسن هذا هو النعي المنهي عنه، وإن كان القصد من ذكر محاسنه الإفادة من مؤلفاته والانتفاع بمنهجه وطريقته وليستفيد الناس مما يمكن الإفادة منه فهذا شيء حسن هذا كلام الإمام أحمد رحمه الله: بيننا وبينكم الجنائز، وهذا شي مشاهد، إذا مات شخص من أهل العلم اجتمع الناس الجموع الغفيرة للصلاة عليه، وإذا مات مبتدع ما يجد من يصلى عليه، نعم بدون إعلان، القلوب بيد الله -جل وعلا-، الناس لا يساقون بالقوة إلى الصلاة على فلان أو علان، لكن قد يرد على

ص: 21

هذا أنه قد صلي على بعض من ليس له شأن في الدين أو أعظم من ذلك له أثر سيئ في الدين كثرت عليه الجموع لأنه متبوع، على كل حال الإنسان لن ينفعه إلا عمله هذا الأصل {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [(39) سورة النجم] هذا الأصل كونه يحتف به أمور لأمر من الأمور اجتمع الناس للصلاة عليه أو لبعض أقاربه وبعض معارفه وفاءاً لهم لا له هذه أمور أخرى لا ترجع إلى الشخص نفسه، المقصود أنه إذا كان من أتباعه الذين لا أثر لدعوتهم فالعبرة في أهل الصلاح في صلاة أهل الصلاح وأهل الفضل الذين ترجى إجابة دعوتهم.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 22

السفر من أجل الصلاة لا بأس بها، حكمها حكم زيارة المريض وحكم الصلة وحكم

ما في شيء؟ هم لا يسافرون إلى البقعة المنهي عنه، المنهي السفر إلى شد الرحل إلى البقاع، لو سافر شخص لصلة الرحم ليحضر زواج مثلاً قريب أو صديق نقول: شد الرحل ما في شيء أبداً، حكمها حكم عيادته لو كان مريضاً، أو زيارته في الله إن كان سليماً "وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم وكبر أربعاً" في هذه القصة -قصة النجاشي- علم من أعلام النبوة حيث أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بموته في اليوم الذي مات فيه والمسافة بين المدينة والحبشة تحتاج إلى زمن طويل، أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بموته في اليوم الذي مات فيه، وليس هناك وسائل اتصال ولا شيء، إذاً جاءه الخبر من الله -جل وعلا-، هذا علم من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام، استدل به بعضهم على منع الصلاة على الميت في المسجد كما هو قول الحنفية والمالكية، وسيأتي ما يعارضه في حديث عائشة -إن شاء الله تعالى-، استدل به أيضاً على مشروعية الصلاة على الغائب عن البلد، وبهذا قال الجمهور، الشافعي وأحمد وجمهور السلف، حتى قال ابن حزم: لم يأت عن أحد من الصحابة منعه، عند الحنفية والمالكية لا تشرع الصلاة على الغائب؛ لأنه لم يؤثر أن النبي عليه الصلاة والسلام أنه صلى على أحد غير النجاشي، والنجاشي له ظروفه حيث مات في بلدٍ ليس فيها أحد، واحتمال أنه ما صلي عليه، هذا توجيه لشيخ الإسلام وغيره أنه البلد الذي لم يصل عليه فيه يصلي عليه المسلمون صلاة الغائب، لكن من أين لهم أن يقولوا: إنه لم يصل عليه أحد؟ هذا دون إثابته خرط القتاد، ما الذي يمنع أن يكون له أتباع أسلموا معه ولو لم يهاجروا وصلوا عليه؟ المقصود أنه ما دام الاحتمال قائم فلا مانع من الصلاة على الغائب، والأصل أصيل في هذا الباب، قال بعضهم: يصلى عليه في اليوم الذي مات فيه، أما إذا طالت المدة لا يصلى عليه، منهم من قال كابن حبان: إنه يصلى عليه إذا كان في جهة القبلة، في جهة القبلة تصلي عليه، أما إذا كان في غير جهة القبلة لا تصلي عليه؛ لأنه إذا كان في جهة القبلة يكون بين يديك، وهذا هو مكان الميت من المصلي، أما إذا لم يكن في جهة القبلة

ص: 23

فإنه لا يصلى عليه، وهذا استنباط من ابن حبان، استنبطه من قصة النجاشي؛ لأن النجاشي بالنسبة لأهل المدينة في جهة القبلة، يعني إذا توجهوا إلى مكة الحبشة أمامهم، لكن لو كان الميت في الشام مثلاً أهل المدينة يستدبرونه، فلا تصح الصلاة عليه، هذا كلام ابن حبان، لكنه جمود على القصة، جمود على قصة النجاشي، فإذا أخذنا الحكم والنجاشي غائب عن البلد إذاً كل غائب عن البلد بصفة النجاشي مما له أثر في الإسلام يصلى عليه، وقد يقول قائل: إن هذا أيضاً جمود على قصة النجاشي لماذا لا يصلى على كل أحد؟ نقول: يرد على هذا أنه ما صلي على كل أحد، فالنجاشي له أثر في الإسلام بلا شك، فمن كان له أثر في الإسلام يصلى عليه.

"فصف فيهم وكبر أربع تكبيرات" فيه أن التكبير في صلاة الجنازة أربع تكبيرات، وهو الشاهد من الحديث، وفيه مشروعية الخروج إلى المصلى لقصد تكثير الجمع الذين يصلون عليه، وقصد الإشاعة لموته على الإسلام؛ لأن بعض الناس لم يعلم أنه أسلم، فلما أخبروا بموته وصلى عليه النبي عليه الصلاة والسلام عرف الجميع أنه أسلم، هذا غائب عن البلد هل يأخذ حكم الغائب من غاب بدنه يعني ولو غاب في البلد نفسه من غرق في البحر أو قتل ولم يُتمكن من غسله والصلاة عليه أو أكله السبُع فلم يبقِ منه شيء؟ يقول الباجي: من غرق في البحر أو قتل ولم يتمكن من غسله أو أكله السبُع فلم يبق منه شيئاً فقد قال ابن حبيب: يصلى عليه كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام بالنجاشي؛ لأنه غائب لا وجود له بين المصلين، فهو في حكم الغائب، يقول: وقال غيره من أصحابنا لا يصلى عليه، لكن المتجه أنه يصلى عليه؛ لأنه غائب حكماً والأصل في المسلم أنه يصلى عليه.

يقول: هل يشترط إذن ولي الأمر لصلاة الغائب؟ هل هناك وقت محدد للصلاة عليه؟ هل يشترط الصلاة عليه جماعة أو يكفي المنفرد؟

ص: 24

بالنسبة لإذن ولي الأمر في هذا الباب إذا كان المفتى به في البلد عدم الصلاة عليه أو وجد خلاف قوي في المسألة في البلد الذي يفتي به من عينه ولي الأمر للإفتاء فلا بد من إذنه؛ لأن حكم الحاكم عند أهل العلم يرفع الخلاف، إذا كانت المسألة معروف الخلاف فيها في البلد، والمسألة خلافية، والذي يفتى به في البلد عدم الصلاة على الغائب أو وجد خلاف قوي بين أهل العلم في البلد نفسه لا بد من إذن ولي الأمر ليرفع الخلاف.

ص: 25

يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة -أسعد- بن سهل بن حنيف أنه أخبره أن مسكينة" في البخاري وغيره: "أنها امرأة سوداء كانت تقم المسجد واسمها: محجنة أو أم محجن كما في الإصابة "مرضت فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المساكين ويسأل عنهم" يقول الباجي: فيه دليل على اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأخبار ضعفاء المسلمين، يعني اهتمام النبي عليه الصلاة والسلام بأخبار ضعفاء المسلمين، وتفقده لهم، ولذلك كان يخبر بمرضاهم، وذلك من كريم خلقه صلى الله عليه وسلم، وتواضعه كما وصفه الله –عز وجل:{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [(43) سورة الأحزاب] ولذا أمر صلى الله عليه وسلم أن يؤذن بها، يعني يعلم بها ويخبر بشأنها إذا ماتت لئلا يخفى أمرها عليه "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المساكين ويسأل عنهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ماتت فآذنوني)) " كأنه أحس عليه الصلاة والسلام بدنو أجلها، آذنوني يعني أعلموني واخبروني "فخرج بجنازتها ليلاً" والدفن ليلاً جائز "فكرهوا أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم" إجلالاً له وهيبة له وشفقة عليه عليه الصلاة والسلام "فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بالذي كان من شأنها" يعني بعد سؤاله عليه الصلاة والسلام عنها أخبر بشأنها "فقال:((ألم أمركم أن تؤذنوني بها؟ )) فقالوا: يا رسول الله كرهنا إن نخرجك ليلاً ونوقظك" ولابن أبي شيبة: "فقالوا: أتيناك لنؤذنك بها فوجدناك نائماً فكرهنا أن نوقظك" وللبخاري: "كأنهم حقروا شأنها" وفي مسلم: "صغروا أمرها" يعني العلة مركبة، حقروا أمرها وكرهوا أن يوقظوا النبي عليه الصلاة والسلام فلم يوقظوه "فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس على قبرها فصلى" فيه دليل على مشروعية الصلاة على القبر وبهذا قال الشافعي وأحمد، ومنعها مالك وأبو حنيفة، وقالوا: هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، لكن الخصائص لا تثبت بمجرد الاحتمال، بل لا بد من دليل يدل على التخصيص "وكبر أربع تكبيرات" فيه دليل على أن التكبيرات في صلاة الجنازة

ص: 26

أربع، وعرفنا أن النبي عليه الصلاة والسلام كبر أربعاً على النجاشي، وهو من علية القوم، وكبر على هذه أربع وهي من ضعفاء المسلمين ومساكينهم.

يقول: "وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يدرك بعض التكبير على الجنازة ويفوته بعضه فقال: يقضي ما فاته من ذلك" لأن صلاة الجنازة يشملها عموم ((فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) نعم يقضي ما فاته، ويكون على صفته، ويكون ما أدركه أول صلاته؛ لعموم ((فأتموا)) والمسألة فرع عما يدركه المصلي في الصلاة المفروضة عند من يقول: إن ما يدركه المصلي أخر صلاته فإذا جاء بعد تكبير الإمام التكبيرة الثالثة يكبر ويدعو للميت، لكن على القول وهو المرجح أن ما يدركه المسبوق أول صلاته يكبر فيقرأ الفاتحة ثم يكبر ثانية إذا كبر الإمام للرابعة فيصلي على النبي عليه الصلاة والسلام، فإذا سلم الإمام كبر الثالثة ودعاء للميت، ثم كبر رابعة وسلم ((وما فاتكم فأتموا)) والذي يقول: إنما يدركه أخر صلاته وهو المعروف عند الحنابلة والحنفية يقول: إذا كبر مع الإمام الثالث يدعو للميت، فإذا كبر الرابعة ثم سلم الإمام يأتي بما فاته، يأتي بالتكبيرة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة.

المسألة إذا سلم الإمام وهو مسبوق فإذا خشي أن ترفع الجنازة عرفنا أنه يقضي ما فاته على صفته وهكذا في جميع الصلوات في صلاة العيد في صلاة الكسوف في صلاة الجمعة في صلاة

، على صفته، لكن هنا إذا خشي أن ترفع الجنازة فهل يتابع التكبير من غير ذكر يكبر تكبيرتين ثلاث ويسلم أو يقضيها على صفتها ولو رفعت أو يدعو بما تيسر ويستعجل في ذلك؟ المسألة خلافية، فقال: يقضي ما فاته من ذلك يعني بعد سلام الإمام، وبه قال الجمهور، وقال ابن عمر والحسن وربيعة والأوزاعي لا يقضي، واختلف في كيفية القضاء، فقال مالك: يتابع التكبير بلا دعاء، وقال: أبو حنيفة يدعو، واختلف عن الشافعي لكن ينبغي أن يفرق بين ما إذا كان يدرك الدعاء قبل أن ترفع بحيث يستوفي الدعاء وإلا فيدعو بما تيسر بأخص ما يدعى به للميت، ثم يتابع التكبير ويسلم، جمع من أهل العلم يقول: لا يجوز الجمع بين الصلاتين بشخص واحد، لكن الذي لم يصل يصلي.

أحسن الله إليك:

ص: 27