المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما جاء في زكاة الحلي: - شرح الموطأ - عبد الكريم الخضير - جـ ٥٠

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب ما جاء في زكاة الحلي:

هاه؟

طالب:. . . . . . . . .

يقول: "أن عبد الله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة".

"قال مالك: من كان عنده تبر أو حلي من ذهب أو فضة لا ينتفع به للبس فإن عليه فيه الزكاة في كل عام، يوزن فيؤخذ ربع عشره" هذا إذا كان لا يستعمل؛ لأنه صار كنزاً "إلا أن ينقص من وزن عشرين ديناراً عيناً، أو مائتي درهم، فإن نقص من ذلك فليس فيه زكاة، وإنما تكون فيه الزكاة إذا كان إنما يمسكه لغير اللبس، فأما التبر والحلي المكسور الذي يريد أهله إصلاحه ولبسه، فإنما هو بمنزلة المتاع الذي يكون عند أهله، فليس على أهله فيه زكاة".

"قال مالك: ليس في اللؤلؤ ولا

" إلى آخره.

الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- يقول:

‌باب ما جاء في زكاة الحلي:

وأورد فيه حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: ((يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن)) هذا دليل على وجوب الزكاة في الحلي أو حث على الصدقة؟ حث على الصدقة، ((اتقوا النار ولو بشق تمرة)) نعم، اللي ما عنده إلا تمرة واحدة، وأراد أن يتصدق بنصفها هذا عليه زكاة وإلا ما عليه زكاة؟ المقصود أن هذا فيه حث على الصدقة.

وقال: وقد روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى في الحلي زكاة وفي إسناده مقال.

ص: 19

والسبب في ذلك أنه من طريق ابن لهيعة، وابن لهيعة ضعيف، وأورده من طريق أخرى، وفيها المثنى بن الصباح وهو ضعيف أيضاً، ولذا قال الترمذي: لا يصح في الباب شيء، يعني في باب وجوب زكاة الحلي، هذا كلام الترمذي، وهذا ما أورده، لكن فيه أحاديث يعني في الوجوب أحاديث، حديث عمرو بن شعيب الذي يحتجون به أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها، وفي يديها مسكتان من ذهب أو فضة، فقال:((أتعطين زكاة هذا؟ )) قالت: لا، قال:((أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ )) فخلعتهما، وألقتهما إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وفي الباب ثلاثة أحاديث عند أبي داود والنسائي وغيرهما، لا تسلم، لكن بمجموعها تثبت، يدل على أن الأمر بإخراج زكاة الحلي له أصل، في الاختيارات لشيخ الإسلام يقول: حلي النساء لا زكاة فيها، ولكن عليها أن تعيرها لمن تثق به، ممن يطلبها إن لم يكن في ذلك ضرر عليها، أما إن كانت تكريها ففيها الزكاة، إن كانت تؤجرها ففيها الزكاة، هذا كلام الشيخ رحمه الله، ليس فيه زكاة إلا الإعارة، وإعارة الحلي هو زكاته، زكاة كل شيء بحسبه، زكاة الماعون؛ لأنه جاء ذم منع الماعون، زكاته إعارته لمن ينتفع به من غير ضرر على صاحبه، ومن هذا زكاة الحلي، يعني تعيرينه لمن يحتاجه؟ هذا جواب من يقول بعدم وجوب زكاة الحلي، وهم جمهور أهل العلم، عامة أهل العلم على هذا، لكن العبرة والمعول على ما ينسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام.

أولاً: عائشة صح الخبر عنها بأنها لا تخرج الزكاة من الحلي، هل يقول قائل: إن الزكاة .. ؛ لأن صواحب الحلي غير مكلفات؟ نعم؟ لماذا؟

طالب:. . . . . . . . .

نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

افترض أن هناك حلي لأيتام ما بلغوا الحنث، تخرج منه الزكاة أو لا تخرج؟ أنا أقول: عائشة الآن ما تخرج، هل نقول: لأن عائشة لا ترى الزكاة في مال الصبي؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

لا، أنا أقول: منهم من يقول: عائشة لا تخرج الزكاة من هذا الحلي لأنه مال يتامى، والأيتام صبيان ما بلغوا الحنث، وإلا فقد ارتفع وصف اليتم.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 20

نعم، نعم الحديث الذي يليه، يعني في حديث الباب الثاني، الذي أشرنا إليه سابقاً "تليني وأخاً لي يتيمين في حجرها، فكانت تخرج من أموالنا الزكاة" كانت ترى وجوب الزكاة في مال الصبي، لكنها لا ترى وجوبه في الحلي.

أيضاً ابن عمر صح عنه أنه لا يخرج زكاة الحلي، وعائشة أقرب الناس إلى النبي عليه الصلاة والسلام وابن عمر من أحرص الناس على الاقتداء به عليه الصلاة والسلام.

المسألة لا شك أن الأدلة تكاد تكون متكافئة.

هنا يقول الشيخ الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى-:

المسألة الثالثة: اختلف العلماء في زكاة الحلي المباح؛ فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا زكاة فيه؛ وممن قال به مالك، والشافعي وأحمد في أصح قوليهما، وبه قال عبد الله بن عمر بن الخطاب، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعائشة، وأسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، والشعبي، ومحمد بن علي، والقاسم بن محمد، وابن سيرين، والزهري، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، وابن المنذر، جمع، يعني هو قول الجمهور على كل حال.

وممن قال بأن الحلي المباح تجب فيه الزكاة أبو حنيفة رحمه الله، وروي عن عمر بن الخطاب، قال: وروي عن عمر بن الخطاب،؛ لأن فيه انقطاع، وابن عباس، وبه قال ابن مسعود، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وميمون بن مهران، وجابر بن زيد، والحسن بن صالح، وسفيان الثوري، وداود، وحكاه ابن المنذر أيضاً عن ابن المسيب، يعني قول آخر، وابن جبير، وعطاء، ومجاهد، وابن سيرين، وعبد الله بن شداد، والزهري، يعني هؤلاء روي عنهم هذا وهذا.

يقول: وسنذكر -إن شاء الله تعالى- حجج الفريقين، ومناقشة أدلتهما على الطرق المعروفة في الأصول وعلم الحديث؛ ليتبين للناظر الراجح من الخلاف.

يقول: اعلم أن من قال بأن الحلي المباح لا زكاة فيه تنحصر حجته في أربعة أمور:

الأول: حديث جاء بذلك عن النَّبي صلى الله عليه وسلم.

الثاني: آثار صحيحة عن بعض الصحابة يعتضد بها الحديث المذكور.

الثالث: القياس.

الرابع: وضع اللغة.

ص: 21

يقول: أما الحديث: فهو ما رواه البيهقي في (معرفة السنن والآثار) من طريق عافية بن أيوب عن الليث عن أبي الزبير عن جابر عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا زكاة في الحلي)).

قال البيهقي: وهذا الحديث لا أصل له، إنما روي عن جابر من قوله غير مرفوع، والذي يروى عن عافية بن أيوب عن الليث عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً لا أصل له، وعافية بن أيوب مجهول، فمن احتج به مرفوعاً كان مغرراً بدينه، داخلاً فيما نعيب به المخالفين من الاحتجاج برواية الكذابين، والله يعصمنا من أمثال هذا.

قال مقيده -عفا الله عنه- المؤلف رحمه الله: ما قاله الحافظ البيهقي -رحمه الله تعالى- من أن الحكم برواية عافية المذكور لهذا الحديث مرفوعاً من جنس الاحتجاج برواية الكذابين فيه نظر؛ لأن عافية المذكور لم يقل فيه أحد: إنه كذاب، وغاية ما في الباب أن البيهقي ظن أنه مجهول؛ لأنه لم يطلع على كونه ثقة، وقد اطلع غيره على أنه ثقة فوثقه، فقد نقل ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي زرعة.

قال ابن حجر في (التلخيص): عافية بن أيوب قيل: ضعيف، وقال ابن الجوزي: ما نعلم فيه جرحاً، وقال البيهقي: مجهول، ونقل ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي زرعة.

يقول: ولا يخفى أن من قال: إنه مجهول يقدم عليه قول من قال: إنه ثقة، لماذا؟ لأنه اطلع على ما لم يطلع عليه مدعي أنه مجهول، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، والتجريح لا يقبل مع الإجمال، فعافية هذا وثقه أبو زرعة، والتعديل والتجريح يكفي فيهما واحد على الصحيح في الرواية دون الشهادة.

ص: 22

هذه المسألة مسألة الحكم بالجهالة على الراوي مسألة تحتاج إلى مزيد عناية؛ لأنك مجرد ما تقف على راوٍ قيل فيه: إنه مجهول تضعف الخبر بهذا، والجهالة مترددة بين كونه مجروحاً وبين عدم العلم بحاله، فعدم العلم بحال الراوي جهالة، ومنهم من يرى أن الجهالة ضرب من الجرح فيضعف من أجله، جهالة العين، يعني من أطلق جهالة العين غاية ما هنالك أنه ما عرف فيه شيء، خفي عليه من روى عنه، ما عرف إنه ما روى عنه إلا واحد، لكن غيره أثبت غيره، كما في كثير من الرواة، يقول: فلان مجهول العين لم يروِ عنه إلا فلان، ثم يثبت كثير من الأئمة جمع من الرواة رووا عنه، ترتفع عنه جهالة العين، وجهالة الحال ما يعرف فيها جرح ولا تعديل، ويثبت غيره أنه عدل وإلا مجروح، فغاية ما في الجهالة أنها عدم علم بحال الراوي، البيهقي أثبت أن عافية مجهول، وقد وثقه أبو زرعة، هل يمكن أن يقال: مجهول مع التوثيق؟ ما يمكن إطلاقاً، فالجهالة هذه عدم علم بحال الراوي، فلا اعتبار لها مع العلم بحاله من قبل غيره.

طالب:. . . . . . . . .

لا، هذا القول وجوده مثل عدمه، ما دام أثبت أنه ثقة؛ لأن المثبت مقدم على النافي.

طالب:. . . . . . . . .

يقول: مجهول، عدم العلم، حتى على القول بأن الجهالة جرح، الآن في كثير من الرواة يقول أبو حاتم: فلان ابن فلان مجهول، أي: لا أعرفه، تصريح بأن الجهالة عدم علم بحاله، ولذا يقول ابن حجر في النخبة وشرحها: ومن المهم معرفة أحوال الرواة جرحاً أو تعديلاً أو جهالة، فجعل الجهالة قسيم للجرح، وليست بقسم منه، مثل التعديل، لكن أيضاً أهل العلم لا سيما من رتب ألفاظ الجرح والتعديل وجعلها مراتب يجعلون لفظ مجهول في ألفاظ الجرح، لكن إذا تأملنا حقيقة الحال وجدنا أن من يحكم على راوٍ من الرواة بأنه مجهول أنه لم يبلغه فيه توثيق، ولذا يقول: مجهول فلان، ويقول غيره: ثقة، ويقول ثالث: ضعيف، ويقول آخر: لا بأس به

إلى آخره.

طالب:. . . . . . . . .

لا، الجهالة غاية ما فيها عدم العلم بحاله، نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

ابن حجر وضعها في مراتب الجرح.

طالب:. . . . . . . . .

لا، مقتضى الوضع في مراتب الجرح أنها جرح.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 23

لا، لا إذا قلنا: جرح قلنا: الحديث ضعيف؛ لأن فيه فلاناً وهو مجهول؛ لأنه وضع .. ، وإذا قلنا: إن عدم علم بحاله توقفنا في الحكم، ما نحكم عليه حتى نعلم حال الراوي، النتيجة تختلف، النتيجة مختلفة، إذا قلنا: إن من صنف في مراتب الجرح والتعديل وضع هذه اللفظة في ألفاظ الجرح، نعم، تحكم على الخبر بأنه ضعيف؛ لأن فيه فلان وهو مجهول، والجهالة من ألفاظ الجرح، لكن الذي يقول: إن الجهالة عدم علم بحال الراوي ما تحكم على الحديث، لا يجوز لك أن تحكم على الحديث.

يعني كونك لا تعلم عن حاله شيء لا يعني أنه ضعيف، فتتوقف في حكمك على الخبر حتى تعرف حاله، وذكرت أن أبا حاتم في مواضع كثيرة يمكن مئات من الرواة يقول: مجهول أي لا أعرفه، إذا كانت الجهالة عدم علم بحاله لا يعول عليها، يبحث عن أقوال أخرى في الراوي.

طالب:. . . . . . . . .

يقول: ما يدري عنه، يتوقف فيه، ما يدري، مجهول يعني لا يعرف عن حاله شيء.

طالب:. . . . . . . . .

نفس الشيء ما يعرف عن حاله شيء، نفس الشيء، لا يعرف، ذكرت لك الآن أنه إذا قال مثلاً، سئل شخص فقال: مجهول، نعم، أو قال أبو حاتم: مجهول أي لا أعرفه، من أكثر من شهر الجهالة أبو حاتم، في الجرح والتعديل ما يزيد على ألف وخمسمائة راوٍ قال أبو حاتم: مجهول، مع أنه يطلق المجهول بإزاء بعض الصحابة، وقال في بعضهم: من السابقين الأولين، مجهول، فالجهالة ليس على إطلاقها أنها حط من قدر الراوي، أبداً، إنما قد يطلقونها بإزاء قلة الرواية وندرتها، وقد تطلق بإزاء قلة من يروي عن هذا الراوي، وعدم اشتهاره بالعلم، فلذا قل الآخذون عنه، وإن كان ثقة.

يقول الشيخ: فلا شك أن قول البيهقي في عافية: إنه مجهول أولى منه بالتقديم قول أبي زرعة: إنه ثقة؛ لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وإذا ثبت الاستدلال بالحديث المذكور فهو نص في محل النزاع.

يقول: لا زكاة في الحلي.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 24

. . . المقصود أن مثل هذه الألفاظ التي تأتي منسوبة إلى الشارع في محل خلاف طويل بين أهل العلم، ونص على أحد القولين يعني كأنها تركيب، نعم، كأنها تأتي تركيب، فتكون بألفاظ الفقهاء أشبه منها بألفاظ النبوة، نعم، المقصود أننا ننظر ماذا يقول الشيخ والنتيجة فيما بعد.

يقول: ويؤيد ما ذكر من توثيق عافية المذكور أن ابن الجوزي مع سعة اطلاعه، وشدة بحثه عن الرجال؛ قال: إنه لا يعلم فيه جرحاً.

وأما الآثار الدالة على ذلك: فمنها ما رواه الإمام مالك في الموطأ -المرفوع يعني ما فيه إلا هذا الحديث- عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن عائشة زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي، فلا تخرج من حليهن الزكاة، وهذا الإسناد عن عائشة في غاية الصحة كما ترى.

ومنها ما رواه مالك في الموطأ أيضاً عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يحلي بناته وجواريه الذَّهب، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة؛ وهذا الإسناد عن ابن عمر رضي الله عنهما في غاية الصحة أيضاً كما ترى.

وما قاله بعض أهل العلم من أن المانع من الزكاة في الأول أنه مال يتيمة، وأنه لا تجب الزكاة على صبي، كما لا تجب عليه الصلاة مردود بأن عائشة ترى وجوب الزكاة في أموال اليتامى، يعني كما في الخبر الذي سيأتي، فالمانع من إخراجها الزكاة كونه حلياً مباحاً على التحقيق؛ لا كونه مال يتيمة، وكذلك دعوى أن المانع لابن عمر من زكاة الحلي أنه لجوار مملوكات؛ وأن المملوك لا زكاة عليه مردود أيضاً بأنه كان لا يزكي حلي بناته مع أنه كان يزوج البنت له على ألف دينار يحليها منها بأربعمائة، يعني عشرين نصاب، يحليها منها بأربعمائة، ولا يزكي ذلك الحلي، وتركه لزكاته لكونه حلياً مباحاً على التحقيق.

ومن الآثار الواردة في ذلك ما رواه الشافعي، قال: أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار سمعت رجلاً يسأل جابر بن عبد الله عن الحلي فقال: "زكاته عاريته" يعني ما دام جابر يقول: بأنه لا زكاة فيه، والحديث الذي يرفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام لا زكاة في الحلي، يعني يشم منه رائحة الوقف، وأنه من قوله واجتهاده.

ص: 25

ذكره البيهقي في السنن الكبرى، وابن حجر في التلخيص، وزاد البيهقي فقال: وإن كان يبلغ ألف دينار، فقال جابر: كثير.

ومنها ما رواه البيهقي عن علي بن سليم قال: سألت أنس بن مالك عن الحلي، فقال: ليس فيه زكاة.

ومنها ما رواه البيهقي أيضاً عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تحلى بناتها الذهب ولا تزكيه، نحواً من خمسين ألفاً.

وأما القياس فمن وجهين:

الأول: أن الحلي لما كان لمجرد الاستعمال لا للتجارة والتنمية ألحق بغيره من الأحجار النفيسة كاللؤلؤ والمرجان بجامع أن كلاً منها معد للاستعمال لا للتنمية، معد للاستعمال مثل أثاث البيت، مثل الدابة، مثل العبد الذي يحتاجه الإنسان، وليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة؛ لأنه للقنية.

وقد أشار إلى هذا الإلحاق مالك رحمه الله في الموطأ بقوله: فأما التبر والحليّ المكسور الذي يريد أهله إصلاحه ولبسه فإنما هو بمنزلة المتاع الذي يكون عند أهله، فليس على أهله فيه زكاة، قال مالك: ليس في اللؤلؤ ولا في المسك والعنبر زكاة.

الثاني من وجهي القياس: هو النوع المعروف بقياس العكس، ثم أطال على هذا القياس، ومثل له، لكن من أوضح أمثلته: النبي عليه الصلاة والسلام لما قيل له: "أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟! قال: ((أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ )) .. الحديث، فإن النَّبي –عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أثبت في الجماع المباح أجراً، وهو حكم عكس حكم الجماع الحرام؛ لأن فيه الوزر؛ لتعاكسهما في العلة.

يقول: ووجه هذا النوع من القياس في هذه المسألة التي نحن بصددها هو أن العروض لا تجب في عينها الزكاة، فإذا كانت للتجارة والنماء وجبت فيها الزكاة، عكس العين فإن الزكاة واجبة في عينها، فإذا صيغت حلياً مباحاً للاستعمال، وانقطع عنها قصد التنمية بالتجارة صارت لا زكاة فيها، فتعاكست أحكامهما لتعاكسهما في العلة، ومنع هذا النوع من القياس بعض الشافعية

إلى آخره.

ولا يخفى أن القياس يعتضد به ما سبق من الحديث المرفوع، والآثار الثابتة عن بعض الصحابة، لما تقرر في الأصول من أن موافقة النص للقياس من المرجحات.

ص: 26

وأما وضع اللغة: فإن بعض العلماء يقول: الألفاظ الواردة في الصحيح في زكاة العين لا تشمل الحلي في لسان العرب، قال أبو عبيد: الرقة عند العرب الورق المنقوشة ذات السكة السائرة بين الناس، ولا تطلقها العرب على المصوغ، وكذلك قيل في الأوقية.

قال مقيده -عفا الله عنا وعنه-: ما قاله أبو عبيد هو المعروف في كلام العرب، قال الجوهري في صحاحه: الورق الدراهم المضروبة، وكذلك الرقة، والهاء عوض عن الواو، مثل العدة والزنة، وفي القاموس: الورق مثلثة، وككتف الدراهم المضروبة، وجمعها أوراق.

هذا هو حاصل حجة من قال: لا زكاة في الحليّ.

وما ادعاه بعض أهل العلم من الاحتجاج لذلك بعمل أهل المدينة فيه أن بعض أهل المدينة مخالف في ذلك، والحجة بعمل أهل المدينة عند من يقول بذلك كمالك إنما هي في إجماعهم على أمر لا مجال للرأي فيه، لا إن اختلفوا، أو كان من مسائل الاجتهاد.

وأما حجة القائلين بأن الحلي تجب فيه الزكاة فهي منحصرة في أربعة أمور أيضاً:

الأول: أحاديث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه أوجب الزكاة في الحلي.

الثاني: آثار وردت بذلك عن الصحابة.

الثالث: وضع اللغة.

الرابع: القياس.

ثم ذكر الأحاديث: منها ما رواه أبو داود في سننه قال: حدثنا أبو كامل وحميد بن مسعدة

حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وقد ذكرناه، وهذا الذي ضعفه الترمذي، لكنه من طريق حسين المعلم؛ لأن الترمذي ذكره من حديث ابن لهيعة، ومن حديث المثنى بن الصباح، وضعفهما، وضعف الحديث بهما، لكن خفي عليه حديث حسين.

وقال النسائي في سننه: أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد عن حسين عن عمرو بن شعيب

إلى آخره، ثم قال: أخبرنا محمد بن عبد الأعلى

يقول: وهذا الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي من طريق حسين المعلم عن عمرو بن شعيب أقل درجاته الحسن، وبه تعلم أن قول الترمذي رحمه الله: لا يصح في الباب شيء غير صحيح؛ لأنه لم يعلم برواية حسين المعلم له عن عمرو بن شعيب، بل جزم بأنه لم يروِ عن عمرو بن شعيب إلا من طريق ابن لهيعة والمثنى بن الصباح، وقد تابعهما حجاج بن أرطأة، والجميع ضعاف.

ص: 27

لكن مع ضعف الجميع الثلاثة، يعني الضعف في الثلاثة غير شديد، صحيح المرجح الضعف، لكن الضعف في الثلاثة يقبل الانجبار وليس بشديد.

ومنها: ما رواه أبو داود أيضاً قال: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا عتاب -يعني ابن بشير- عن ثابت بن عجلان عن عطاء عن أم سلمة قالت: كنت ألبس أوضاحاً من ذهب، فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال: ((ما بلغ أن تؤدي زكاته)) يعني بلغ إيش؟ النصاب، ((فزكي فليس بكنز)) وأخرج نحوه الحاكم والدارقطني والبيهقي.

ومنها: ما رواه أبو داود أيضاً قال: حدثنا محمد بن إدريس الرازي، قال: حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق قال: حدثنا يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن أبي جعفر أن محمد بن عمرو بن عطاء أخبره أن عبد الله بن شداد بن الهاد أنه قال: دخلنا على عائشة زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يديَّ فتخات من ورق، فقال:((ما هذا يا عائشة؟! )) فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله، قال:((أتؤدِّين زكاتهن؟ )) قلت: لا، أو ما شاء الله، قال:((هو حسبك من النار)).

قال: حدثنا صفوان بن صالح، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا سفيان عن عمر بن يعلى

فذكر الحديث نحو حديث الخاتم، قيل لسفيان: كيف تزكيه؟ قال: تضمه إلى غيره.

وحديث عائشة هذا أخرج نحوه أيضاً الحاكم والدارقطني والبيهقي.

وأخرج الدارقطني

قال: لا بأس بلبس الحلي إذا أعطي زكاته، قال البيهقي: وقد انضم إلى حديث عمرو بن شعيب حديث أم سلمة وحديث عائشة، وساقهما.

ومنها: ما رواه الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد بلفظ، قالت: "دخلت أنا وخالتي على النَّبي صلى الله عليه وسلم وعلينا أساور من ذهب، فقال لنا:((أتعطيان زكاته؟ )) أقول: هذه المسألة من عضل المسائل، وأنتم تسمعون فتاوى أهل العلم المضطربة في هذه المسألة، تسمعون الفتاوى المضطربة، يمكن تسمعونها كل يوم، ولذا لا بد من العناية بها.

طالب:. . . . . . . . .

يعني تطلب الزكاة قبل أن تفرض؟

طالب:. . . . . . . . .

لا، لا قالوا غير هذا، بيجي، قبل أن يباح الحلي؟

طالب:. . . . . . . . .

إيه.

ص: 28

قال البيهقي رحمه الله: وقد انضم إلى حديث عمرو بن شعيب حديث أم سلمة وحديث عائشة، وساقهما.

ومنها: ما رواه الإمام أحمد عن أسماء بنت يزيد بلفظ، قالت: "دخلت أنا وخالتي على النَّبي صلى الله عليه وسلم وعلينا أساور من ذهب، فقال لنا:((أتعطيان زكاته؟ )) فقلنا: لا، قال:((أما تخافان أن يسوركما الله بسوار من نار، أديا زكاته)).

وروى الدارقطني نحوه من حديث فاطمة بنت قيس، وفي سنده أبو بكر الهذلي وهو متروك، قاله ابن حجر في التلخيص.

الآن عندنا من الأحاديث ثلاثة، وكلها صالحة للاحتجاج، الضعيف منها قابل للانجبار.

وأما الآثار: فمنها ما رواه ابن أبي شيبة والبيهقي من طريق شعيب بن يسار قال: كتب عمر إلى أبي موسى: أن مُرْ مَنْ قِبَلَكَ من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهنَّ، يعني هذا الموافق لقوله عليه الصلاة والسلام:((تصدقن ولو من حليكن)) يعني امتثال لأمره عليه الصلاة والسلام.

قال البيهقي: هذا مرسل شعيب لم يدرك عمر.

وقال ابن حجر في التلخيص: وهو مرسل، قاله البخاري، وقد أنكر الحسن ذلك فيما رواه ابن أبي شيبة قال: لا نعلم أحداً من الخلفاء قال: "في الحليّ زكاة" أنكر ذلك الحسن البصري فيما رواه ابن أبي شيبة قال: لا نعلم أحداً من الخلفاء قال: "في الحليّ زكاة".

ومنها: ما رواه الطبراني والبيهقي عن ابن مسعود أن امرأته سألته عن حلي لها، فقال: إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة، قالت: أضعها في بني أخ لي في حجري؟ قال: نعم.

قال البيهقي: وقد روي هذا مرفوعاً إلى النَّبي عليه الصلاة والسلام، وليس بشيء، قال البخاري: مرسل، ورواه الدارقطني من حديث ابن مسعود مرفوعاً، قال: وهذا وهم، والصواب موقوف.

ومنها: ما رواه البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه كان يكتب إلى خازنه سالم -جد عبد الله بن عمرو- إلى خازنه أن يخرج زكاة حلي بناته كل سنة، وما روي من ذلك عن ابن عباس قال الشافعي: لا أدري أيثبت عنه أم لا؟ وحكاه ابن المنذر والبيهقي عن ابن عباس وابن عمر وغيرهما، قاله في التلخيص أيضاً، لكن الثابت عن ابن عمر ما سمعناه في الموطأ.

ص: 29

وأما القياس: فإنهم قاسوا الحلي على المسكوك والمسبوك بجامع أن الجميع نقد؛ لأن الصياغة للذهب والفضة هل تخرجهما عن كونهما ذهب وفضة؟ بدليل أن الربا يجري فيهما ولو بعد الصياغة.

أما القياس: فإنهم قاسوا الحلي على المسكوك والمسبوك بجامع أن الجميع نقد.

وأما وضع اللغة: فزعموا أن لفظ الرقة، ولفظ الأوقية الثابت في الصحيح يشمل المصوغ كما يشمل المسكوك، وقد قدمنا أن التحقيق خلافه.

فإذا علمت حجج الفريقين، فسنذكر لك ما يمكن أن يرجع به كل واحد منهما.

أما القول بوجوب زكاة الحلي فله مرجحات:

منها: أن من رواه من الصحابة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أكثر، كما قدمنا روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعائشة وأم سلمة وأسماء بنت يزيد رضي الله عنهم.

أما القول بعدم وجوب الزكاة فيه فلم يرو مرفوعاً إلا من حديث جابر كما تقدم، وكثرة الرواة من المرجحات على التحقيق.

ومنها: أن أحاديثه كحديث عمرو بن شعيب ومن ذكر معه أقوى سنداً من حديث سقوط الزكاة الذي رواه عافية بن أيوب، حتى على القول بأنه ثقة.

ومنها: أن ما دل على الوجوب مقدم على ما دل على الإباحة؛ لأن الإباحة جارية على الأصل، والقول بالوجوب ناقل عن الأصل، ولا شك أن الناقل مقدم، والمؤسس مقدم على المؤكد؛ لأن الذي لا ينقل على الأصل، وباقي على أصل الإباحة هذا لو جاء فيه نص فهو مؤكد لما قبله، وأما بالنسبة لما يأتي بحكم جديد ينقل عن البراءة الأصلية يكون مؤسساً، والتأسيس عند أهل العلم مقدم على التأكيد.

ومنها: أن ما دل على الوجوب مقدم على ما دل على الإباحة؛ للاحتياط في الخروج من عهدة الطلب كما تقرر في الأصول.

ومنها: دلالة النصوص الصريحة على وجوب الزكاة في أصل الفضة والذهب، وهي دليل على أن الحلي من نوع ما وجب الزكاة في عينه، هذا حاصل ما يمكن أن يرجح به هذا القول.

وأما القول بعدم وجوب الزكاة في الحليّ المباح فيرجح بأن الأحاديث الواردة في التحريم إنما كانت في الزمن الذي كان فيه التحلي بالذهب محرماً على النساء، والحلي المحرم تجب فيه الزكاة اتفاقاً، يعني لو لبس الرجل حلي وجبت فيه الزكاة، لو اتخذت المرأة آنية من الذهب والفضة وجبت فيها الزكاة، وأما أدلة عدم الزكاة فيه فبعد أن صار التحلي بالذهب

ص: 30