الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اثْنَانِ دُونَ اثْنَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالْإِجْمَاعِ وَاللَّهُ أعلم
(باب الطب والمرض والرقى)
قوله
[2185]
(إن جبرائيل رَقَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ الْأَحَادِيثَ بَعْدَهُ فِي الرُّقَى وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَدْ يظن مخالفا لهذه الأحاديث ولامخالفة بَلِ الْمَدْحُ فِي تَرْكِ الرُّقَى الْمُرَادُ بِهَا الرُّقَى الَّتِي هِيَ مِنْ كَلَامِ الْكُفَّارِ وَالرُّقَى المجهولة والتى بغير العربية ومالا يُعْرَفُ مَعْنَاهَا فَهَذِهِ مَذْمُومَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَعْنَاهَا كُفْرٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ أَوْ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلانهى فِيهِ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ إِنَّ الْمَدْحَ فِي ترك الرقى للأفضيلة وَبَيَانِ التَّوَكُّلِ وَالَّذِي فَعَلَ الرُّقَى وَأَذِنَ فِيهَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ مَعَ أَنَّ تَرْكَهَا أَفْضَلُ وَبِهَذَا قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَحَكَاهُ عَمَّنْ حَكَاهُ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَقَدْ نَقَلُوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ الرُّقَى بِالْآيَاتِ وَأَذْكَارِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْمَازِرِيُّ جَمِيعُ الرُّقَى جَائِزَةٌ إِذَا كَانَتْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِذِكْرِهِ وَمَنْهِيٌّ عَنْهَا إِذَا كَانَتْ بِاللُّغَةِ الْعَجَمِيَّةِ أَوْ بما لايدرى مَعْنَاهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كُفْرٌ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي رُقْيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَجَوَّزَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه وَكَرِهَهَا مَالِكٌ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ مِمَّا بَدَّلُوهُ وَمَنْ جَوَّزَهَا قَالَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ لَمْ يُبَدِّلُوا الرُّقَى فَإِنَّهُمْ لَهُمْ غَرَضٌ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِمَّا بَدَّلُوهُ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ اعْرِضُوا على رقاكم لابأس بالرقى مالم يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الأخرى يارسول اللَّهِ إِنَّكَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى فَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عنه بأجوبة أحدها كان نهى أولاثم نَسَخَ ذَلِكَ وَأَذِنَ فِيهَا وَفَعَلَهَا وَاسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَى الْإِذْنِ وَالثَّانِي أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الرُّقَى الْمَجْهُولَةِ كَمَا سَبَقَ وَالثَّالِثُ أَنَّ النَّهْيَ لِقَوْمٍ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ مَنْفَعَتَهَا وَتَأْثِيرَهَا بِطَبْعِهَا كَمَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَزْعُمُهُ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ أَمَّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ لَمْ يُرِدْ بِهِ حَصْرَ الرُّقْيَةِ الْجَائِزَةِ فِيهِمَا وَمَنْعَهَا فِيمَا عداهما وانما المراد لارقية أَحَقُّ وَأَوْلَى مَنْ رُقْيَةِ الْعَيْنِ وَالْحُمَّةِ لِشِدَّةِ الضَّرَرِ فِيهِمَا قَالَ الْقَاضِي وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ سُئِلَ عَنِ النَّشْرَةِ فَأَضَافَهَا إِلَى الشَّيْطَانِ قَالَ وَالنَّشْرَةُ
مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ أَهْلِ التَّعْزِيمِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَنْشُرُ عَنْ صَاحِبِهَا أَيْ تُخَلِّي عَنْهُ وَقَالَ الْحَسَنُ هِيَ مِنَ السَّحَرِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا أَشْيَاءُ خَارِجَةٌ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَذْكَارِهِ وَعَنِ الْمُدَاوَاةِ الْمَعْرُوفَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحِ وَقَدِ اخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ هَذَا فَكَرِهَ حَلَّ الْمَعْقُودِ عَنِ امْرَأَتِهِ وَقَدْ حَكَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ بِهِ طِبٌّ أَيْ ضَرْبٌ مِنَ الْجُنُونِ أَوْ يُؤْخَذُ عَنِ امْرَأَتِهِ أَيُخَلَّى عَنْهُ أَوْ يُنْشَرُ قال لابأس بِهِ إِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهِ الصَّلَاحَ فَلَمْ يَنْهَ عَمَّا يَنْفَعُ وَمِمَّنْ أَجَازَ النَّشْرَةَ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ الصحيح قال كثيرون أو الأكثرون يجوز الاسترقاءللصحيح لِمَا يَخَافُ أَنْ يَغْشَاهُ مِنَ الْمَكْرُوهَاتِ وَالْهَوَامِّ وَدَلِيلُهُ أَحَادِيثُ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ تَفَلَ فِي كَفِّهِ ويقرأ قل هوالله أَحَدٌ وَالْمُعَوِذِّتَيْنِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدَهُ مِنْ جَسَدِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ
[2186]
(بسم اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ) هَذَا تصريح بالرقى بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ تَوْكِيدُ الرُّقْيَةِ وَالدُّعَاءِ وَتَكْرِيرُهُ وَقَوْلُهُ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْسِ نَفْسُ الْآدَمِيِّ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْعَيْنُ فَإِنَّ النَّفْسَ تُطْلَقُ عَلَى الْعَيْنِ وَيُقَالُ رَجُلٌ نَفُوسٌ إِذَا كان يصيب الناس بعبنه كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ مِنْ بَابِ التَّوْكِيدِ بِلَفْظٍ مُخْتَلِفٍ أَوْ شَكًّا مِنَ الرَّاوِي فِي لَفْظِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2187]
[2188]
(الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا استغلتم فاغسلوا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ أَخَذَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا الْعَيْنُ حَقٌّ وَأَنْكَرَهُ طَوَائِفُ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِمْ أَنَّ كُلَّ مَعْنًى لَيْسَ مُخَالِفًا فى نفسه ولايؤدى إلى قلب حقيقة ولاإفساد دَلِيلٍ فَإِنَّهُ مِنْ مُجَوِّزَاتِ الْعُقُولِ إِذَا أَخْبَرَ الشرع بوقوعه وجب اعتقاده ولايجوز تَكْذِيبُهُ وَهَلْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ تَكْذِيبِهِمْ بِهَذَا وتكذيبهم بما يخبر بِهِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ قَالَ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الطَّبَائِعِيِّينَ مِنَ الْمُثَبِّتِينَ لِلْعَيْنِ أَنَّ الْعَائِنَ تَنْبَعِثُ مِنْ عَيْنِهِ قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ تَتَّصِلُ بِالْعَيْنِ فيهلك أو يفسد قالوا ولايمتنع هذا كما لايمتنع انْبِعَاثُ قُوَّةٍ سُمِّيَّةٍ مِنَ الْأَفْعَى وَالْعَقْرَبِ تَتَّصِلُ بِاللَّدِيغِ فَيَهْلَكُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْسُوسٍ لَنَا فَكَذَا الْعَيْنُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَهَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّا بَيَّنَّا فِي كُتُبِ عِلْمِ الْكَلَامِ أَنَّ لافاعل إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَبَيَّنَّا فَسَادَ الْقَوْلِ بِالطَّبَائِعِ وبينا أن المحدث لايفعل فِي غَيْرِهِ شَيْئًا وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا بَطَلَ مَا قَالُوهُ ثُمَّ نَقُولُ هَذَا الْمُنْبَعِثُ مِنَ الْعَيْنِ إِمَّا جَوْهَرٌ وَإِمَّا عَرَضٌ فَبَاطِلٌ أَنْ يكون عرضا لأنه لايقبل الِانْتِقَالَ وَبَاطِلٌ أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا لِأَنَّ الْجَوَاهِرَ مُتَجَانِسَةٌ فَلَيْسَ بَعْضُهَا بِأَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا لِبَعْضِهَا بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ قَالَ وَأَقْرَبُ طَرِيقَةٍ قَالَهَا مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامُ مِنْهُمْ أن قالوا لايبعد أَنْ تَنْبَعِثَ جَوَاهِرُ لَطِيفَةٌ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ مِنَ الْعَيْنِ فَتَتَّصِلُ بِالْمَعِينِ وَتَتَخَلَّلُ مَسَامَّ جِسْمِهِ فَيَخْلُقُ اللَّهُ سبحانه وتعالى الْهَلَاكَ عِنْدَهَا كَمَا يَخْلُقُ الْهَلَاكَ عِنْدَ شُرْبِ السُّمِّ عَادَةً أَجْرَاهَا اللَّهُ تعالى وليست ضرورة ولاطبيعة أَلْجَأَ الْعَقْلُ إِلَيْهَا وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْعَيْنَ إِنَّمَا تَفْسُدُ وَتَهْلَكُ عِنْدَ نَظَرِ الْعَائِنِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَجْرَى اللَّهُ سبحانه وتعالى الْعَادَةَ أَنْ يَخْلُقَ الضَّرَرَ عِنْدَ مُقَابَلَةِ هَذَا الشخص لشخص
آخر وهل ثم جواهر خفية أم لاهذا من مجوزات العقول لايقطع فِيهِ بِوَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَإِنَّمَا يُقْطَعُ بِنَفْيِ الْفِعْلِ عَنْهَا وَبِإِضَافَتِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ قَطَعَ مِنْ أَطِبَّاءِ الْإِسْلَامِ بِانْبِعَاثِ الْجَوَاهِرِ فَقَدْ أخطأفى قطعه وانما هو من الجائزات هذا مايتعلق بعلم الأصول أما مايتعلق بِعِلْمِ الْفِقْهِ فَإِنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْوُضُوءِ لِهَذَا الْأَمْرِ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ لَمَّا أُصِيبَ بِالْعَيْنِ عِنْدَ اغْتِسَالِهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَائِنَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَصِفَةُ وُضُوءِ الْعَائِنِ عِنْدَ العلماء أن يؤتى بقدح ماء ولايوضع الْقَدَحُ فِي الْأَرْضِ فَيَأْخُذَ مِنْهُ غَرْفَةً فَيَتَمَضْمَضُ بِهَا ثُمَّ يَمُجَّهَا فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُ مَاءً يَغْسِلُ وَجْهَهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِشِمَالِهِ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ كَفَّهُ الْيُمْنَى ثُمَّ بِيَمِينِهِ ماء يغسل به مرفقه الأيسر ولايغسل مَا بَيْنَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَهُ اليمنى ثم اليسرى على الصفةالمتقدمة وَكُلُّ ذَلِكَ فِي الْقَدَحِ ثُمَّ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ وَهُوَ الطَّرَفُ الْمُتَدَلِّي الَّذِي يَلِي حِقْوَهُ الْأَيْمَنَ وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ دَاخِلَةَ الْإِزَارِ كِنَايَةٌ عن الفرج وجمهور العلماء على ماقدمناه فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذَا صَبَّهُ مِنْ خَلْفِهِ عَلَى رأسه وهذا المعنى لايمكن تَعْلِيلُهُ وَمَعْرِفَةُ وَجْهِهِ وَلَيْسَ فِي قُوَّةِ الْعَقْلِ الاطلاع على أسرار جميع المعلومات فلايدفع هذا بأن لايعقد مَعْنَاهُ قَالَ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعَائِنُ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْوُضُوءِ لِلْمَعِينِ أَمْ لَا وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هَذِهِ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا وَبِرِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي الْوُجُوبُ وَيَبْعُدُ الْخِلَافُ فِيهِ إِذَا خَشِيَ عَلَى الْمَعِينِ الْهَلَاكِ وَكَانَ وُضُوءُ الْعَائِنِ مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالْبُرْءِ بِهِ أَوْ كَانَ الشَّرْعُ أَخْبَرَ بِهِ خَبَرًا عَامًّا ولم يكن زوال الهلاك إلابوضوء الْعَائِنِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مِنْ بَابِ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إِحْيَاءُ نَفْسٍ مُشْرِفَةٍ عَلَى الْهَلَاكِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَذْلِ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ فَهَذَا أَوْلَى وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فِيهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ الْمَازِرِيِّ الَّذِي حَكَيْتُهُ بَقِيَ مِنْ تَفْسِيرِ هَذَا الْغُسْلِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَمَا فَسَّرَهُ بِهِ الزُّهْرِيُّ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْعُلَمَاءَ يَصِفُونَهُ وَاسْتَحْسَنَهُ عُلَمَاؤُنَا وَمَضَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ غُسْلَ الْعَائِنِ وَجْهَهَ إِنَّمَا هُوَ صَبُّهُ وَأَخْذُهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَكَذَلِكَ بَاقِي أَعْضَائِهِ إِنَّمَا هُوَ صَبُّهُ صَبَّةً عَلَى ذَلِكَ الْوُضُوءِ فِي الْقَدَحِ لَيْسَ عَلَى صِفَةِ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ غَسْلُ دَاخِلَةِ الْإِزَارِ إِنَّمَا هُوَ إِدْخَالُهُ وَغَمْسُهُ فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يَقُومُ الَّذِي فِي يَدِهِ الْقَدْحُ فَيَصُبُّهُ عَلَى رَأْسِ الْمَعِينِ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى جَمِيعِ جَسَدِهِ ثم يكفأ القدح وراءه على ظ هر الْأَرْضِ وَقِيلَ يَسْتَغْفِلُهُ
بذلك عند صبه عليه هذه رواية بن أبى ذئب وقد جاء عن بن شِهَابٍ مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ مِثْلُ هَذَا إِلَّا أَنَّ فِيهِ الِابْتِدَاءَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ وفيه فى غسل القدمين أنه لايغسل جميعهما وَإِنَّمَا قَالَ ثُمَّ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي طَرَفِ قَدَمِهِ الْيُمْنَى مِنْ عِنْدِ أُصُولِ أَصَابِعِهِ وَالْيُسْرَى كَذَلِكَ وَدَاخِلَةُ الْإِزَارِ هُنَا الْمِئْزَرُ وَالْمُرَادُ بِدَاخِلَتِهِ مَا يَلِي الْجَسَدَ مِنْهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَوْضِعُهُ مِنَ الْجَسَدِ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَذَاكِيرُهُ كَمَا يُقَالُ عَفِيفُ الْإِزَارِ أَيِ الْفَرْجِ وَقِيلَ الْمُرَادُ وَرِكُهُ إِذْ هُوَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي صِفَتِهِ أَنَّهُ قَالَ لِلْعَائِنِ اغْتَسِلْ لَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ وَفِي رِوَايَةٍ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَغَسَلَ صَدْرَهُ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ قَدَمَيْهِ ظَاهِرَهُمَا فِي الْإِنَاءِ قَالَ وَحَسِبَتْهُ قَالَ وَأَمَرَ فَحَسَا مِنْهُ حَسَوَاتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَنْبَغِي إِذَا عُرِفَ أَحَدٌ بِالْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ أَنْ يُجْتَنَبَ وَيُتَحَرَّزَ مِنْهُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مَنْعُهُ مِنْ مُدَاخَلَةِ النَّاسِ وَيَأْمُرَهُ بِلُزُومِ بَيْتِهِ فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَزَقَهُ مَا يَكْفِيهِ وَيَكُفُّ أَذَاهُ عَنِ النَّاسِ فَضَرَرُهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ آكِلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ الَّذِي مَنَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دُخُولَ الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ ضَرَرِ الْمَجْذُومِ الَّذِي مَنَعَهُ عُمَرُ رضي الله عنه وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَهُ الِاخْتِلَاطَ بِالنَّاسِ وَمِنْ ضَرَرِ الْمُؤْذِيَاتِ مِنَ الْمَوَاشِي الَّتِي يُؤْمَرُ بِتَغْرِيبِهَا إِلَى حَيْثُ لايتأذى بِهِ أَحَدٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ صحيح متعين ولايعرف عَنْ غَيْرِهِ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ النَّشْرَةِ وَالتَّطَبُّبِ بِهَا وَسَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[2188]
قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ أَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ وَبِالرَّاءِ وَبِالشِّينِ المعجمة وهو الصواب ولاخلاف فِيهِ فِي شَيْءٍ مِنَ النُّسَخِ وَهُوَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ قِيلَ إِنَّهُ وَهْمٌ وَصَوَابُهُ أَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ بِفَتْحِ الْجِيمٍ وَبِوَاوٍ مُشَدَّدَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ هَذَا كَلَامُ القاضي وهو غلط فاحش ولاخلاف أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي مُسْلِمٍ إِنَّمَا هُوَ بِالْخَاءِ المعجمة والراء والشين المعجمة كما سبق وهوالراوى عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورِ فِي صَحِيحِ مسلم هنا وأما بن جَوَّاسٍ بِالْجِيمِ فَهُوَ أَبُو عَاصِمٍ الْحَنَفِيُّ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الموضع ولكنه لايروى عن مسلم بن ابراهيم ولاهو الْمُرَادُ هُنَا قَطْعًا وَكَانَ سَبَبُ غَلَطِ مَنْ غلط كون