الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه سلم)
أمان لأصحابه وبقاء أصحابه أمان للأمة قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم
[2531]
(النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَمَنَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَالْأَمْنُ وَالْأَمَانُ بِمَعْنًى وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ النُّجُومَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فَالسَّمَاءُ بَاقِيَةٌ فَإِذَا انْكَدَرَتِ النُّجُومُ وَتَنَاثَرَتْ فِي الْقِيَامَةِ وَهَنَتِ السَّمَاءُ فَانْفَطَرَتْ وَانْشَقَّتْ وَذَهَبَتْ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ أَيْ مِنَ الْفِتَنِ وَالْحُرُوبِ وَارْتِدَادِ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ الْأَعْرَابِ وَاخْتِلَافِ الْقُلُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَنْذَرَ بِهِ صَرِيحًا وَقَدْ وَقَعَ كُلُّ ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ) مَعْنَاهُ مِنْ ظُهُورِ الْبِدَعِ وَالْحَوَادِثِ فِي الدِّينِ وَالْفِتَنِ فِيهِ وَطُلُوعِ قَرْنِ الشَّيْطَانِ وَظُهُورِ الرُّومِ وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ وَانْتَهَاكِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صلى الله عليه وسلم
(بَاب فَضْلِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم
[2532]
(يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ) هُوَ بِفَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ أَيْ جَمَاعَةٌ وَحَكَى الْقَاضِي فِيهِ بِالْيَاءِ مُخَفَّفَةً بِلَا هَمْزٍ وَلُغَةً أُخْرَى فَتْحُ الْفَاءِ حَكَاهَا عَنِ الْخَلِيلِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفَضْلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ
وَالْبَعْثُ هُنَا الْجَيْشُ قَوْلُهُ
[2533]
(عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالسِّينِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي سَلْمَانَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (خير كم قَرْنِي) وَفِي رِوَايَةٍ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ إِلَى آخِرِهِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ قَرْنُهُ صلى الله عليه وسلم وَالْمُرَادُ أَصْحَابُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا
أَنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ سَاعَةً فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَرِوَايَةُ خَيْرُ النَّاسِ عَلَى عُمُومِهَا وَالْمُرَادُ مِنْهُ جُمْلَةُ الْقَرْنِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا أَفْرَادُ النِّسَاءِ عَلَى مَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَغَيْرِهِمَا بَلِ الْمُرَادُ جُمْلَةُ الْقَرْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ قَرْنٍ بِجُمْلَتِهِ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْقَرْنِ هُنَا فَقَالَ الْمُغِيرَةُ قَرْنُهُ أَصْحَابُهُ وَاَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ أَبْنَاؤُهُمْ وَالثَّالِثُ أَبْنَاءُ أَبْنَائِهِمْ وَقَالَ شَهْرٌ قَرْنُهُ مَا بَقِيَتْ عَيْنٌ رَأَتْهُ وَالثَّانِي مَا بَقِيَتْ عَيْنٌ رَأَتْ مَنْ رَآهُ ثُمَّ كَذَلِكَ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْقَرْنُ كُلُّ طَبَقَةٍ مُقْتَرِنِينَ فِي وَقْتٍ وَقِيلَ هُوَ لِأَهْلِ مُدَّةٍ بُعِثَ فِيهَا نَبِيٌّ طَالَتْ مُدَّتُهُ أَمْ قَصُرَتْ وَذَكَرَ الْحَرْبِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي قَدْرِهِ بِالسِّنِينَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ إِلَى مِائَةٍ وعشرين ثم قال وليس منه شئ وَاضِحٌ وَرَأَى أَنَّ الْقَرْنَ كُلُّ أُمَّةٍ هَلَكَتْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا أَحَدٌ وَقَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ الْقَرْنُ عَشْرُ سِنِينَ وَقَتَادَةُ سَبْعُونَ وَالنَّخَعِيُّ أَرْبَعُونَ وَزُرَارَةُ بْنُ أَبِي أَوْفَى مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَعَبْدُ الملك بن عمير مائة وقال بن الْأَعْرَابِيِّ هُوَ الْوَقْتُ هَذَا آخِرُ نَقْلِ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَرْنَهُ صلى الله عليه وسلم الصَّحَابَةُ وَالثَّانِي التَّابِعُونَ وَالثَّالِثُ تَابِعُوهُمْ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (ثم يجئ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِيُنُهُ شَهَادَتَهُ) هَذَا ذَمٌّ لِمَنْ يَشْهَدُ وَيَحْلِفُ مَعَ شَهَادَتِهِ وَاحْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ من خلف معها وجمهور
العلماء أنها لاترد وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالشَّهَادَةِ فَتَارَةً تَسْبِقُ هَذِهِ وَتَارَةً هَذِهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الاخرى تبدر شهادة أحدهم وهو يعنى تَسْبِقُ قَوْلُهُ يَنْهَوْنَنَا عَنِ الْعَهْدِ وَالشَّهَادَاتِ أَيِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالشَّهَادَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ قَوْلِهِ عَلَى عَهْدِ اللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (ثُمَّ يَتَخَلَّفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ يَتَخَلَّفُ وَفِي بَعْضِهَا يَخْلُفُ بِحَذْفِ التاء وكلاهما صحيح أي يجئ بَعْدَهُمْ خَلْفٌ بِإِسْكَانِ اللَّامِ هَكَذَا الرِّوَايَةُ وَالْمُرَادُ خَلْفُ سُوءٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْخَلْفُ مَا صَارَ عِوَضًا عَنْ غَيْرِهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ خَلَفَ بِخَيْرٍ أَوْ بِشَرٍّ لَكِنْ يُقَالُ فِي الْخَيْرِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَإِسْكَانِهَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَشْهَرُ وَأَجْوَدُ وفي الشر باسكانها عن الْجُمْهُورِ وَحُكِيَ أَيْضًا فَتْحُهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم
[2534]
(ثُمَّ يَخْلُفُ قَوْمٌ يُحِبُّونَ السَّمَانَةَ يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا) وَفِي رِوَايَةٍ وَيَظْهَرُ قَوْمٌ فِيهِمُ السِّمَنُ السَّمَانَةُ بِفَتْحِ السِّينِ هِيَ السمن قال جمهور العلماءفي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ الْمُرَادُ بِالسِّمَنِ هُنَا كَثْرَةُ اللحم ومعناه أنه يكثر ذلك فيهم وليسن مَعْنَاهُ أَنْ يَتَمَحَّضُوا سِمَانًا قَالُوا وَالْمَذْمُومُ مِنْهُ
مَنْ يَسْتَكْسِبُهُ وَأَمَّا مَنْ هُوَ فِيهِ خِلْقَةً فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا وَالْمُتَكَسِّبُ لَهُ هُوَ الْمُتَوَسِّعُ فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ زَائِدًا عَلَى الْمُعْتَادِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالسِّمَنِ هُنَا أَنَّهُمْ يَتَكَثَّرُونَ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ وَيَدَّعُونَ مَا لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الشَّرَفِ وَغَيْرَهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ جَمْعُهُمُ الْأَمْوَالَ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا) هَذَا الْحَدِيثُ فِي ظَاهِرِهِ مُخَالَفَةٌ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ خَيْرُ الشُّهُودِ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الذَّمَّ فِي ذَلِكَ لِمَنْ بَادَرَ بِالشَّهَادَةِ فِي حق الآدمي هو عالم بها قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهَا صَاحِبُهَا وَأَمَّا الْمَدْحُ فَهُوَ لِمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةُ الْآدَمِيِّ وَلَا يَعْلَمُ بها صاحبها فيخبره بها ليستشهد بِهَا عِنْدَ الْقَاضِي إِنْ أَرَادَ وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةُ حِسْبَةٍ وَهِيَ الشَّهَادَةُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَأْتِي الْقَاضِيَ وَيَشْهَدُ بِهَا وَهَذَا مَمْدُوحٌ إِلَّا إِذَا كَانَتِ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ وَرَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي السِّتْرِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقِيلَ فِيهِ اقوال ضعيفة منها قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالذَّمِّ مُطْلَقًا وَنَابَذَ حَدِيثَ المدح ومنها مَنْ حَمَلَهُ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ وَمِنْهَا قَوْلُ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالْحُدُودِ
وَكُلُّهَا فَاسِدَةٌ وَاحْتَجَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شُبْرُمَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَذْهَبِهِ فِي مَنْعِهِ الشَّهَادَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَبُولُهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم
[2535]
(وَيَخُونُونَ وَلَا يَتَمَنَّوْنَ) هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ يَتَمَنَّوْنَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَفِي بَعْضِهَا يُؤْتَمَنُونَ وَمَعْنَاهُ يَخُونُونَ خِيَانَةً ظَاهِرَةً بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مَعَهَا أَمَانَةٌ بِخِلَافِ مَنْ خَانَ بِحَقِيرٍ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَانَ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْأَمَانَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وينذرون ولا يوفون) هوبكسر الذَّالِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ وَفِي رِوَايَةٍ يَفُونَ وَهُمَا صَحِيحَانِ يُقَالُ وَفَى وَأَوْفَى فِيهِ وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَهُوَ وَاجِبٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ النَّذْرِ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَائِلُ لِلنُّبُوَّةِ وَمُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ كُلَّ الْأُمُورِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا وَقَعَتْ كَمَا أَخْبَرَ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةَ قَالَ حَدَّثَنِي زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ) أَمَّا أَبُو جَمْرَةَ فَبِالْجِيمِ وَهُوَ أَبُو جَمْرَةَ نصْرُ بْنُ عِمْرَانَ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ ثُمَّ فِي مَوَاضِعَ وَلَا خلاف أنه المراد