المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب زكاة النقدين - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٢

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌باب زكاة النقدين

والقول الأول يتعين فيه الاحتياط لأنه مروي عن عمر رضي الله عنه ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه خالفه أو اعترض عليه.

فينبغي لمن ملك عسلاً أن يحتاط ويخرج العشر من القيمة أو من نفس العسل.

وكما قلت الاحتياط في هذا في الحقيقة متعين - نقول الاحتياط متعين لا الزكاة ..

• ثم قال رحمه الله:

والركاز: ما وجد من دفن الجاهلية.

الركاز عرفه المؤلف. فهو ما يوجد من دفن الجاهلية.

يعني: ما يجده الإنسان مدفوناً عليه من العلامات ما يدل أنه دفن في العهد الجاهلي.

فتبين من هذا أنه إذا وجد مدفوناً عليه من العلامات ما يدل أنه دفن في عهد المسلمين فليس من الركاز. وهو كذلك ويعتبر من اللقطة.

ثم بين المؤلف رحمه الله حكمه:

• فقال رحمه الله:

فيه الخمس في قليله وكثيره.

الركاز: تميز بأحكام يختص يها لا يشترك معه غيره من الأموال الزكويه:

- منها: أن الزكاة تجب في قليله وكثيره.

- ومنها: أنه لايشترط له حول وأنه - كما قلنا لا يشترط له نصاب.

- ومنها: أن مصرفه في مصالح المسلمين لا كما في الزكاة في الأصناف الثمانية التي ستأتينا.

إذاً اختلف عن غيره من الأموال الزكوية بهذه الثلاثة أمور.

الدليل على هذا:

- قوله صلى الله عليه وسلم: (وفي الركاز الخمس).

وقوله: الخمس.

قال الحنابلة: المقصود بالخمس هنا ال في الخمس للعهد الذهني يعني: الخمس المذكور في كتاب الله (لله ولرسوله) يعني بعبارة أخرى: الخمس الذي يجب في الفيء وهو يصرف في مصالح المسلمين العامة.

فإذا أخرج الخمس من الرماز مهما كانت قيمة هذا الركاز فإن الباقي له قد ملكه إياه الشارع مهما كان نوع الموجود فما دام له قيمة وثمن سواء كان من الذهب أو الفضة أو من غيرهما.

فإذا وجد معدناً نفيساً ففيه الخمس ولو لم يكن من الذهب والفضة.

‌باب زكاة النقدين

.

• ثم قال رحمه الله:

باب زكاة النقدين. يجب في الذهب: إذا بلغ عشرين مثقالاً .. الخ.

الذهب تجب في الزكاة بالإجماع فلم يخالف في هذا أحد من أهل العلم ولله الحمد.

وقد دل على وجوبه: الكتاب والسنة.

- أما من الكتاب: فقوله تعالى: - (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) -[التوبة/34].

ص: 388

ومن المعلوم أن البشارة بالعذاب الأليم لا تكون إلا على ترك واجب بل على ترك فريضة.

- ومن السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار ثم أحمي عليها في نار جهنم ثم كوي بها جنبه وجبينه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين الناس). ولا يخفى مقدار المبالغة في العذاب المذكور في هذا الحديث فإنه ذكر أنها تصفح صفائح من نار ومع هذا يحمى عليها في نار جهنم ومع هذا يبقى يكوى عليها لمدة طويلة وهي خمسين ألف سنة ومع هذا يكوى في أكثر من موضع ومع هذا يكوى في أماكن يشتد فيها الألم وهو الجنب والظهر والجبين ومع هذا يكوى في موقع فيه إهانة وتوبيخ وهو الجبين.

فلاحظ كيف شدد في العذاب على تارك الزكاة ولهذا اتفقوا على أن تارك الزكاة مرتكب كبيرة.

• قال رحمه الله:

يجب في الذهب: إذا بلغ عشرين مثقالاً: ربع العشر.

مع اتفاق العلماء على وجوب الزكاة في الذهب إلا أنه ليس في السنة حديث صحيح يدل على نصاب الذهب وهذا من الغرائب ومن حكمة الله.

إذاً: ما هو الدليل؟ الدليل: ذكروا أشياء:

- الأول: الإجماع فإن أهل العلم أجمعوا على أن نصاب الذهب عشرين دينار إلا واحد من السلف خالف وهو الحسن البصري فقال: النصاب أربعين مثقالاً.

إذاً الدليل الأول الإجماع إلا ما يذكرلا عن الحسن.

- الثاني: روي في الباب أحاديث عن عائشة رضي الله عنها وعن علي رضي الله عنه ولكنها ضعيفة.

- الثالث: فيه آثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

فلا إشكال إن شاء الله في أن النصاب هو عشرون مثقالاً.

ـ مسألة - مهمة جداً -: هل نصاب الذهب يعتبر نصابا مستقلا أو يعتبر بالفضة؟

أي: إذا وجدنا عشرين دينار قيمتها أقل من مائتي درهم فهل تجب فيها الزكاة؟

وأيضاً: إذا وجدنا أقل من عشرين دينار لكن قيمتها مائتي درهم فهل تجب فيها الزكاة؟

هذه المسألة اختلف فيها الفقهاء على قولين:

= القول الأول: أن الذهب له نصاب مستقل لا يعتبر ولا يرتبط بالفضة فيجب لكي نخرج زكاة الذهب أن يبغ عشرين مثقالاً برأسه.

ص: 389

= القول الثاني: أن نصاب الذهب معتبر بالفضة. ففي الحقيقة نصاب الذهب هو ما يبلغ قيمته مائتي درهم سواء كان أقل أو أكثر من عشرين ديناراً.

واستدل هؤلاء:

- بأن الله ورسوله أوجبا في الذهب ومع ذلك لم يأت عنهم ما يدل على النصاب فدل على أنهم أرادوا ربطها بالفضة وأنه يعتبر نصاب الذهب بنصاب الفضة.

وإلى هذا القول - الثاني - ذهب عدد من السلف.

وأنا أرى أنه هو القول الراجح وأن نصاب الذهب يعتبر بالفضة وأنه لهذا المعنى لم يأت في السنة ما يدل على نصاب الذهب ليرتبط بالفضة.

أضف إلى هذا أن ربط الذهب بالفضة في الغالب هو من صالح الفقير.

فإذا تقرر هذا تبين أن الأصل في اعتبار القيمة في باب الزكاة هو الفضة لا الذهب. هذا إذا رجحنا القول الثاني فدل هذا على أن الأصل أن نعتبر القيمة في الفضة لا بالذهب.

فإذا بلغت قيمة الريالات بالفضة زكاة ولم تبلغه بالذهب فهل فيها زكاة أو ليس فيها زكاة؟

الجواب: فيها زكاة. لأن المعتبر هو الفضة.

هذا إذا رجحنا القول الثاني وهو قول وجيه جداً كما ترى.

ثم قال رحمه الله:

وفي الفضة: إذا بلغت مائتي درهم، ربع العشر منهما.

نصاب الفضة دل عليه النص والإجماع.

فقد أجمع العلماء على أن نصابه مائتي درهم.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة).

والأوقية الواحد أربعين درهماً. فالمجموع: مائتي درهم.

وهي تساوي في موازيننا المعاصرة: خمسمائة وخمس وتسعين جراماً.

وأما الذهب - ولم نذكره في محله - يساوي خمس وثمانون جراماً.

فمن ملك خمس وثمانين جرام وجبت عليه الزكاة.

ومن ملك من الريالات ما قيمته خمس وثمانون جراماً وجبت عليه الزكاة.

ومن ملك من الريالات ما قيمته خمسمائة وخمس وتسعين جراماً وجبت عليه الزكاة.

وهذا كما هو معلوم يختلف باختلاف سعر الجرام.

فإذا أراد الإنسان أن يعرف هل ملك نصاباً من الريالات أو من العملة أي نوع من أنواع العملة المعاصرة فعليه أن يسأل عن سعر الجرام ثم يضرب السعر بالذهب بخمس وثمانين وبالفضة بخمسمائة وخمس وتسعين.

• ثم قال رحمه الله:

ويضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب.

يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب في كل منهما.

ص: 390

فإذا كان عنده نصف نصاب من الفضة وعنده من الذهب ما قيمته مائة درهم صار مجموع ما عنده مائتي درهم وهو نصاب الفضة.

إذاً يضم نصاب الذهب إلى الفضة في التكميل - يكمل الذهب من الفضة والفضة من الذهب.

الدليل:

- أولاً: قالوا: الدليل على ذلك: أن المقصود من الذهب والفضة واحد وجهة الانتفاع منهما واحدة لأن كلا منهما يعتبر ثمناً للأشياء.

- ثانياً: أن الذهب والفضة كل منهما يقيم ويضم في عروض التجارة. يعني: الذهب يضم إلى عروض التجارة والفضة تضم إلى عروض التجارة فدل على أنهما واحد.

= القول الثاني: أن لكل منهما نصاباً مستقل فلا يضم نصاب الذهب إلى الفضة ولا نصاب الفضة إلى الذهب.

- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة). قالحديث نص على أن الإنسان إذا ملك من الفضة دون خمس أواق أو دون مائتي درهم فإنه لا يجب عليه أن يزكي ولم يشر الحديث لا من قريب ولا من بعيد إلى التكميل بالذهب بالنسبة للفضة.

وهذا القول هو الصواب إن شاء الله.

والسبب في ترجيحه أن مال المسلم الأصل فيه العصمة في الحقيقة فما دام لا يوجد دليل صحيح في الضم نبقى على الأصل وهو عدم الوجوب.

وإن كان ما ذهب إليه الجنابلة وجيه جداً في الحقيقة لأن الذهب والفضة وعروض التجارة سيأتينا أنها شيء واحد لكن الذي سبب ترجيح القول الثاني هو عصمة مال المسلم وأن الأصل عدم الوجوب وبراءة الذمة.

ـ مسألة: هل المعتبر بالفضة الوزن أو العدد؟

اختلف الفقهاء:

= فذهب الجماهير والجم الغفير إلى أن المعتبر الوزن لا العدد.

فإذا ملك الإنسان أقل من مائتي رهم لكن وزنها خمس أواق فتجب عليه الزكاة.

واستدلوا:

- بقول النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيما دون خمس أواق صدقة.

= القول الثاني: أن المعتبر في الدراهم في تافضة العدد لا الوزن.

- لقول النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بلغ مائتي درهم وجبت فيه الزكاة فنص على العدد.

والحديثان صحيحان.

وإلى هذا القول - الثاني - ذهب شيخ الاسلام ابن تيمية.

واستدل على هذا:

- بأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب في مائتي درهم زكاة مع العلم أن الدراهم في وقته تختلف أوزانها فدل على أن المعتبر العدد لا الوزن.

ص: 391

والأقرب: أنه ينظر في ذلك إلى مصلحة الفقير فإذا وجبت الزكاة باعتبار الوزن أو باعتبار العدد وجبت الزكاة.

لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الزكاة باعتبار الوزن تارة وباعتبار العدد تارةة فمتى وجبت الزكاة بأي منهما وجبت الزكاة.

فإذا ملك مائتي درهم تساوي أربعة أواق:

= فعند الجمهور: لا تجب.

= وعلى القول الثاني: تجب.

وإذا ملك الإنسان مائة درهم وزنها خمس أواق:

= فعند الجمهور: تجب.

= وعلى القول الثاني: لا تجب.

= وعلى القول الثالث: في المسألتين: تجب.

• ثم قال رحمه الله:

وتضم قيمة العروض إلى كل منهما.

يعني: يكمل النصاب في قيمة عروض التجارة من:

- الذهب.

- ويكمل أيضاً من الفضة.

- ويكمل من الذهب والفضة.

الأول والثاني واضح.

وأما الثالث فمثاله: لو ملك عروض تجارة قيمتها خمسين درهماً وعنده خمسين درهم وعنده ذهب بقيمة مائة درهم.

فكم قيمة المجموع؟

مائتي درهم. وهو النصاب.

فالآن أكملنا العروض بالذهب والفضة.

وإلى هذا ذهب العلماء كلهم وهي محل إجماع.

والدليل على هذا:

- أن عروض التجارة تقوم بالذهب تارة وبالفضة تارة. فدل على أنه يكمل منهما النصاب جميعاً.

وهذا واضح جدا لأن عروض التجارة أحياناً نعتبرها بالفضة وأحياناً نعتبرها بالذهب.

بناء على هذا: نكمل النصاب من الذهب ومن الفضة. وهذه ليست محل خلاف.

وقبل الدخول في مسألة ما يباح للذكر وما لا يباح:

- ذكرنا أنه الأقرب أنه لا يكمل نصاب الذهب من الفضة ولا نصاب الفضة من الذهب:

ـ مسألة: تضاف إلى هذا: مع ذلك الصواب أنه يجوز أن يخرج زكاة الذهب من الفضة وزكاة الفضة من الذهب خلافاً للحنابلة.

الدليل:

- لأن الغرض يحصل بإخراج الزكاة من أي منهما. وإذا حصل مقصود وغرض الشارع فأي مانع من أن نخرج الزكاة من الذهب عن الفضة أو العكس.

بشرط أن لا يضر ذلك بالفقراء.

(((الأذان))).

انتهى الدرس

ص: 392

توقفنا بالأمس عند الكلام عن حكم الفضة عند قوله رحمه الله: ويباح للذكر.

• فقال المؤلف رحمه الله:

ويباح للذكر من الفضة: الخاتم وقبيعة السيف وحلية المنطقة ونحوه.

ظاهر كلام المؤلف رحمه الله عندما قال: (ويباح للذكر). أن الأصل في الفضة التحريم. إلا ما دل الدليل على جوازه مما سيذكره المؤلف رحمه الله.

= وإلى هذا ذهب الجمهور.

= والقول الثاني: أن الأصل في الفضة الإباحة وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الاسلام رحمه الله وعدد من المحققين.

لدليلين:

- الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: (أما الفضة فالعبوا بها لعباً).

- الثاني: عدم وجود دليل صريح صحيح يدل على تحريم الفضة مطلقاً.

وهذا القول أقرب للدليل.

• قال رحمه الله:

ويباح للذكر من الفضة: الخاتم وقبيعة السيف

عرفت أن هذا التفصيل إنما هو على القول بالمنع المطلف للفضة.

فإذا قلنا: تمنع مطلقاً فيجوز منها:

ــ الخاتم: فيجوز للإنسان أن يتخذ خاتماً من فضة.

- لأن النبي صلى الله عليه وسلم صح عنه في الصحيحين أنه اتخذ خاتماً من وَرِقٍ.

فدل هذا على جواز أن يتخذ الذكر المسلم خاتماً من وَرِقٍ.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اتخذه تارة باليمين وتارة بالشمال ولم يخص إحدى اليدين بوضع الخاتم فيها.

وهذا يدل على أن ما يلبس في اليدين مما هو من جنس الخاتم ليس هناك سنة فيه: أن يكون في اليمين أو أن يكون في الشمال لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعله تارة في اليمين وتارة في الشمال.

ثم قال رحمه الله:

وقبيعة سيف.

قبيعة السيف هي: ما يجعل على طرف المقبض من السيف. فهذا يجوز أن يكون من الفضة.

بعبارة أخرى: يجوز أن نحلي السيف بالفضة.

الدليل من وجهين:

- الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ سيفاً وفي طرف قبضته فضة. وهذا الحديث حكم الأئمة بالإرسال وله شواهد.

- الثاني: أن الزبير بن العوام وعروة رضي الله عنهما اتخذوا سيوفاً محلاة بالفضة.

فدل هذا على الجواز.

• ثم قال رحمه الله:

وحلية المنطقة.

المنطقة هي: ما يشدها الرجل على وسطه ليضع فيها ما يشاء من أشيائه.

فهذه المنطقة يجوز أن نحليها بالفضة.

والدليل على هذا:

- ما اشتهر بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم فعلوا ذلك. يعني: حلوا المناطق التي يشدونها بأوساطهم بالفضة فدل هذا على الجواز.

ص: 393

• ثم قال رحمه الله:

ونحوه.

المقصود بنحوه: في هذا السياق يعني: آلات الحرب والملبوسات.

فيجوز في هذين الأمرين أن نحليها باليسير من الفضة كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه.

وقد سمعت الخلاف في الأصل من حيث حكم الفضة.

ولما انتهى المؤلف رحمه الله من الفضة انتقل إلى الذهب.

قال رحمه الله:

ومن الذهب: قبيعة السيف.

= يعني: أنه يجوز أن نحلي قبيعة السيف أو أن تكون قبيعة السيف من الذهب.

وقوله قبيعة السيف: يعني فقط دون غيره من آلات الحرب.

- لأنه جاة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم اتخذوا السيوف المحلاة بالذهب. يعني: التي كانت يوضع في طرفها شيء من الذهب.

= والقول الثاني: أنه يجوز أن نحلي كل آلات الحرب السيف وغيره وأن الحكم لا يختص بالسيف.

- إذ لا يوجد معنى يخصص الحكم بالسيف.

= والقول الثالث: أنه يجوز اليسير من الذهب في آلات الحرب وفي الملبوسات جميعاً. بشرط أن يكون يسيراً.

والدليل على ذلك:

- أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس قباءً أزراره من ذهب. وهذا الحديث ثابت في صحيح البخاري.

فدل هذا على جواز لبس اليسير من الذهب سواء كان في آلات الحرب من السيف والرمح والسهم وغيرها أو في الملبوسات بشرط أن يكون يسيراً كما جاء في هذا الحديث الأزرار ونحوها.

وهذا القول الأخير: اختيار شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله.

والأقرب أن يسير الذهب جائز فإن فيه نص في البخاري.

• ثم قال رحمه الله:

وما دعت إليه ضرورة كأنف ونحوه.

- لأن عرفجة بن أسعد رضي الله عنه قطع أنفه في الجهاد فاتخذ أنفاً من فضة فأنتن ثم اتخذ أنفاً من ذهب.

فدل على أنه يجوز أن نضع من الذهب ما دعت ليه الحاجة.

ويدل على ذلك أيضاً:

- النصوص العامة الدالة على رفع الحرج.

- وأن الضروران تبيح المحرمات.

ويدل عليه أيضاً:

- ما اشتهر عن عدد كبير من السلف رضي الله عنهم أنهم شدوا أسنانهم بالذهب.

فإذاً: مجموع هذه النصوص يدل دلالة أشبه ما تكون بالقطعية على جواز استخدام الذهب للضرورة.

• ثم قال رحمه الله:

ويباح للنساء من الذهب والفضة: ما جرت عادتهن بلبسه ولو كثر.

يجوز للنساء أن تتحلى بالذهب.

ص: 394

وهذا أمر مجمع عليه. ودلت عليه النصوص.

فمن ذلك:

- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب يوم العيد ثم انتقل إلى النساء وأمرهن بالصدقة صرن يتصدقن بحليهن والنبي صلى الله عليه وسلم يأخذ ذلك بقبول.

فدل على أن اتخاذ المرأة للحلي جائز.

- الدليل الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الذهب والحرير. أحل لإناث أمتي وحرم على ذكورها.

- والإجماع: فقد أجمعوا على جواز لبس الذهب بالنسبة للنساء.

ولو كان كثيراً: - لأن النصوص عامة.

ويستثنى من هذا إذا كانت الكثرة تدخل في حد الإسراف. فإنه حينئذٍ يعتبر محرم.

مسألة / دَلَّ عموم كلام المؤلف رحمه الله أن الذهب يجوز بجميع أنواعه سواء كان محلق أو غير محلق.

وهذه المسألة في الحقيقة أشبه ما تكون متفق عليها بين أهل العلم أن الذهب المحلق يجوز ولك تزل نساء الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم يلبسن الذهب المحلق وأكثر ما يتخذ الذهب إنما يتخذ محلقاً ووجد الخلاف عند بعض المعاصرين المتأخرين فذهب إلى المنع من الذهب المحلق متمسكاً بظواهر بعض النصوص والصواب الذي لا إشكال فيه إن شاء الله وعليه عامة السلف ولا أذكر الآن خلاف أصلاً بين السلف أن الذهب بجميع أنواعه جائز سواء كان محلق أو غير محلق.

وربما يوجد عن واحد أو اثنين - أنا لا أذكر الآن لكن أقول ربكا نقل عن رجل أو اثنين من السلف: المنع من المحلق.

لكن هذا القول أصبح كالمهجور واستقر أهل الرأي وأهل الفتوى من علماء المسلمين وأقصد بذلك المتقدمين بالقرون الأولى والثانية والثالثة والرابعة أن المحلق جائز ولا إشكال فيه.

ثم قال رحمه الله:

ولا زكاة في حليهما المعد للإستعمال أو العارية.

أفادنا المؤلف رحمه الله أنه لا زكاة في الحلي المعد للاستعمال أو العارية: يعني الذي يعار ويقاس عليه كل ذهب مباح. كل ذهب أبيح اتخاذه واستعماله.

وهذه المسألة مسألة كبيرة وهي هل في الذهب - الحلي المعد للاستعمال زكاة أو لا؟

فيه خلاف كبير: على أقوال:

- القول الأول: الذي ذكره المؤلف رحمه الله وهو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد وجماهير الصحابة وعلمة العلماء أنه ليس في الذهب إذا اتخذ حلياً زكاة.

ص: 395

واستدل هؤلاء بأدلة:

- الدليل الأول: صح عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت لا تخرج الزكاة عن الذهب إذا اتخذ حلياً.

- الدليل الثاني: صح عن ابن عمر رضي الله عنه أنه لا يرى في الذهب الذي اتخذ حلياً زكاة.

- الدليل الثالث: أن الذهب إذا اتخذ على هيئة الحلي أن هذا الذهب يشبه أدوات القنية أكثر منه الأموال النامية فهو يشبه الملبوس والمركوب والسكن وآلات القنية أكثر منه شبهاً بالأموال الزكوية الأخرى باعتبار أن المناط المشترك أو القاسم المشترك بين الأموال الزكوية قبولها للنماء وهذا الذهب غير قابل للنماء باعتبار أنه يعد للاستعمال.

فهذه ثلاثة أدلة تدل على عدم وجوب الزكاة في الحلي وسيأتي إتمام لهذه الأدلة وتأكيد عندما نذكر الراجح.

= القول الثاني وهو مذهب الأحناف ومال إليه ونصره بقوة ابن حزم وكثير من المتأخرين. أن الزكاة تجب في الحلي المعد للاستعمال.

واستدل هؤلاء بنوعين من الأدلة:

1 -

أدلة عامة.

2 -

وأدلة خاصة.

ــ النوع الأول: الأدلة العامة. استدلوا:

- بقوله تعالى {

والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} [التوبة/34]. ولاشك أن الحلي ذهب أو فضة.

والجواب على هذا الدليل: أن الكنز في لغى العرب واستعمال الشارع لا يطلق إلا على الدراهم والدنانير دون الحلي فإن الحلي لا يسمى في اللغة ولا في العرف: كنزاً.

ويدل على هذا المعنى أنه سبحانه وتعالى قال: {

ولا ينفقونها .. } والتي تنفق هي الدراهم والدنانير لا الحلي المعد للإستعمال فإن الحلي المعد للإستعمال لا ينفق وإنما يبقى للإستعمال.

فهذا الدليل الأول وجوابه.

- الدليل الثاني: استدلوا أيضاً بالعمومات من السنة: ــ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وفي الرقة ربع العشر).

ــ وكقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها

) الحديث.

والجواب عليه: أن الرقة والفضة تطلق في العرف والاستعمال على المضروب دون الحلي.

ص: 396

فما أجبنا به عن الآية هو الجواب عن نصوص السنة العامة وهو أنه يقصد بالذهب والفضة في هذه النصوص الدراهم والدنانير التي تتخذ للإنفاق والتنمية دون الحلي فإنها لا تدخل في منطوق هذه النصوص.

ــ النوع الثاني: الأدلة الخاصة. واستدلوا بعدة أدلة:

- الدليل الأول: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها مسكتان من ذهب فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أتؤدين زكاة هذين). قالت: لا. قال: (أيسرك أن يطوقك الله بهما طوقين من نار يوم القيامة).

- الدليل الثاني: حديث عائشة رضي الله عنها نحو حديث عمرو بن شعيب تماماً.

- الدليل الثالث: حديث أم سلمة رضي الله عنها وهو أيضاً نحو حديث عائشة وعمرو بن شعيب.

فإن ألفاظ هذه الأحاديث الثلاثة متقاربة.

وهذه الأحاديث الثلاثة: عمرو وعائشة وأم سلمة هي أقوى الأدلة في الباب. يوجد أدلة أخرى لكن لا نشتغل بها لضعف أسانيدها.

نبقى في هذه الأدلة التي تنص على وجوب الزكاة في الحلي.

أجاب الجمهور عن هذه الأدلة بجوابين:

ــ الجواب الأول: أن المقصود في هذه النصوص: العارية وأن هذا فهم الصحابة فإن الصحابة فهموا أن زكاة الحلي بإعارته.

ــ الجواب الثاني: أن هذه الأحاديث ضعيفة. وممن ضعف هذه الأحاديث جميعاً الحافظ الترمذي فإنه قال في السنن: ولا يصح في هذا الباب شيء. وممن ضعف هذه الأحاديث ابن حزم فإنه قال: إنه في وجوب زكاة الحلي آثار ضعيفة. فهو رحمه الله يرى وجوب الزكاة لكن مع ذلك يضعف جميع الأحاديث فهو يعتمد في الوجوب على العمومات حتى لا يشكل على الإخوان كيف يضعف الأحاديث ويقول بوجوب زكاة الحلي.

وممن أشار إلى ضعفها أيضاً الإمام الكبير الشافعي فإنه أشار إلى أنه لا يثبت في وجوب زكاة الحلي شيء.

فهؤلاء ثلاثة من الأئمة وهذه الأحاديث لا تخلو أسانيدها من ضعف ولا تخلو متونها من بعض النكارة. فكل متن من هذه المتون فيه نوع نكارة والكلام عن كل واحد من هذه الأحاديث من حيث المتن يطول جداً فإن متون هذه الآثار أعلت كل واحد منها بأكثر من وجه.

ص: 397

والذي يظهر والله أعلم أن هذه الأحاديث لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن الجواب الثاني هو الأقرب ولا يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر تلك المرأة أو عائشة أو أم سلمة بزكاة ما عليها من حلي.

- الدليل الأخير لهم: ثبت عن ابن مسعود أنه يرى وجوب الزكاة في الحلي. ونقل عن غيره. والصواب أنه لا يثبت القول بوجوب الزكاة عن أحد من الصحابة إلا عن ابن مسعود فقط. وقد صرح بهذا عدد من الحفاظ. وابن مسعود سكن الكوفة وفقهاء الكوفة أخذوا عنه هذا القول ولذلك تجد أن أبا حنيفة وروي أحد القولين عن الثوري يرون وجوب الزكاة في الحلي لأنهم أخذوا فقه هذه المسألة عن الصحابي الفقيه الجليل الكبير ابن مسعود رضي الله عنه.

الراجح:

الراجح والله أعلم بالصواب: أنه لا تجب الزكاة في الحلي.

لماذا؟

أولاً: لأن المنقول عنهم من الصحابة القول بعد الوجوب فيهم امرأتان عائشة وأختها. ومن المعلوم لكل إنسان أن أكثر الناس عناية بحكم الحلي هم النساء لا سيما هذه المرأة الفقيهه العارفة الفاهمة عائشة رضي الله عنها فإنه يبعد جداً أن لا تعرف حكم زكاة الحلي. كيف وهي بيت النبوة وتأخذ العلم عنه صلى الله عليه وسلم فهذا بعيد كل البعد أن لا تعرف حكم زكاة الحلي.

أضف إلى هذا أن الغالب أن ابن عمر رضي الله عنه أخذ حكم هذه المسألة عن حفصة أخته رضي الله عنها وهي أيضاً نشأت في بيت النبوة ويبعد جداً أن لا تعرف حكم زكاة الحلي.

فإذا كان ثبت عن زوجتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عدم وجوب زكاة الحلي ففي الحقيقة المصير إلى قول هاتين الفقيهتين أشبه ما يكون بالمتعين.

ثانياً: أن هذا هو قول جمهور الصحابة قال الإمام أحمد رحمه الله عن خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تجب الزكاة في الحلي وعرفنا أن الذي نقل عنه الوجوب هو ابن مسعود فقط أما خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بإثبات الإمام أحمد رحمه الله يرون عدم الوجوب فنستطيع أن نقول جمهور الصحابة وجمهور الأئمة يرون عدم الوجوب.

ص: 398

ثالثاً: لو كانت زكاة الحلي واجبة لما خفي هذا على المسلمين فكل بيت من بيوت المسلمين فيه حلي فلو كانت الزكاة واجبة لعرف ونقل واشتهر كيف وقد نقل عن خمسة من الصحابة منهم عائشة عدم الوجوب.

أما الخلفاء الراشدون فإنه لم ينقل عنهم شيء في هذه المسألة. فلم يصح عن الخلفاء الراشدين شيء في هذه المسألة. فإذا وجدت أحداً ممن يسوق الخلاف ينسب إلى أحد من الخلفاء الراشدين رضي الله عنه أنهم يرون وجوب زكاة الحلي أو عدم وجوب زكاة الحلي فهو ليس بصحيح فلن يثبت عنهم شيء.

والخلاصة: أن الأقرب للآثار وللمعنى المفهوم من الزكاة عدم وجوب زكاة الحلي.

ولعلك عرفت من خلال سياق الخلاف والنصوص أن الاحتياط في مثل هذه المسألة جيد ووجيه بسبب وجود بعض النصوص التي اختلف الفقهاء في تصحيحها وتضعيفها وبسبب وجود آثر عن ابن مسعود وكل هذا يستدعي أن الإنسان يحتاط بإخراج الزكاة.

أما الوجوب فأنا أرى أنه لا يجب على المرأة أن تخرج زكاة الحلي.

• ثم قال رحمه الله:

ولا زكاة في حليهما المعد للإستعمال أو العارية.

يقاس على هذا: ما أبيح استعماله للرجل فلا زكاة فيه أيضاً.

فلو كان عند الإنسان مائة سيف وفي مقابض هذه السيوف ذهب يبلغ نصاباً فإنه لا زكاة فيه لأنها معدة للاستعمال.

ولو اتخذ الإنسان - مثلاً - أنفاً من ذهب واحتاج إلى سن من ذهب فلو فرضنا أنه بلغ مجموع ما احتاج إليه إلى نصاب وهذا بعيد لم تجب الزكاة عليه فيه لأنه استعمله استعمالاً مباحاً.

إذاً: أي ذهب يستعمل استعمالاً مباحاً للرجل أو للمرأة فلا زكاة فيه.

فقولهم: زكاة الحلي. هذا خرج مخرج الغالب لأن الغالب في استعمال الذهب أن يكون على شكل حلي.

ثم قال رحمه الله:

وإن أُعد للكرى أو النفقة أو كان محرماً: ففيه الزكاة.

إذا أعدت المرأة الحلي للإيجار: تؤجره أو أعدته للنفقة أو كما يصنع الآن كثير من النساء للإدخار أو بضابط أعم: إذا اتخذت الحلي لا للاستعمال. وإنما للنفقة أو للإيجار أو للادخار أو لغيرها مما قد يطرأ فإنه تجب فيه الزكاة.

لماذا؟

لأن الحلي المستعمل استثنيناه من وجوب الزكاة لكونه خرج من المعنى وهو أن يكون مالاً نامياً إلى أن يكون مالاً مستعملاً.

ص: 399