المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الزكاة قال شيخنا حفظه الله: • قال رحمه الله: كتاب الزكاة   [المسألة الأولى:] - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٢

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌ ‌كتاب الزكاة قال شيخنا حفظه الله: • قال رحمه الله: كتاب الزكاة   [المسألة الأولى:]

‌كتاب الزكاة

قال شيخنا حفظه الله:

• قال رحمه الله:

كتاب الزكاة

[المسألة الأولى:] عقب المؤلف الصلاة بالزكاة لأمرين:

- الأول: اقتداء بالكتاب الكريم ففيه: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} .

- الثاني: أن الزكاة الركن الثاني من أركان الاسلام بعد الصلاة فذكرها رحمه الله بعد الصلاة.

ـ المسألة الثانية: الزكاة في:

- اللغة: معناها: النماء والزيادة والطهارة والبركة والمدح.

فكل هذه المعاني تصدق عليها. إلا أن المعنى الأقرب الذي تتفرع عنه المعاني هو: الزيادة والطهارة.

- وفي الشرع: فهي إخراج مال مخصوص لأناس مخصوصين على صفة مخصوصة.

• قال رحمه الله:

تجب بشروط خمسة.

الزكاة لا تجب إلا إذا تحققت فيها خمسة شروط وإلا فإنها لاتجب.

والزكاة تتعلق بأموال معينة وهي في الشرع أربعة فقط: فما عدا هذه الأربع لا تجب فيها الزاكاة ولا ينظر في تحقق الشروط أصلاً لأنها ليست من الأموال الزكوية - أي ما عدا هذه الأربع.

والأموال الأربع هي:

1 -

بهيمة الأنعام.

2 -

والخارج من الأرض.

3 -

والذهب والفضة.

4 -

وعروض التجارة.

قال رحمه الله:

تجب بشروط خمسة: حرية.

- فالأول الحرية: فإنه يشترط لوجوب الزكاة أن يكون مالك المال حراً فإن كان عبداً فإنها لا تجب عليه الزكاة.

والدليل على هذا من وجهين:

- الأول: الإجماع. فإنه حكي الإجماع على أن الزكاة لا تجب على العبد. إلا ما يذكر من الخلاف عن عطاء وأبي ثور. أما ما عداهما فهم يرون أن الزكاة لا تجب على العبد.

- الثاني: أن الزكاة فرع عن الملك. والعبد ماله لسيده.

بناء على هذا: ما يكون في يد العبد من مال تجب زكاته على سيده.

• ثم قال رحمه الله:

وإسلام.

-[الثاني: الإسلام] يعني: ويشترط لوجوب الزكاة أن يكون مالك المال: مسلماً.

ـ ومعنى أنه شرط وجوب: أي أنه شرط أداء. ويتفرع على هذا: أنه إذا أسلم لا يؤمر أو يطالب بقضاء الزكاة.

ـ وأما أنه واجب بمعنى: أنه يعاقب على تركه فهو واجب بهذا الاعتبار حتى على الكافر.

ـ إذاً: إذا قيل لك: هل تجب الزكاة على الكافر؟

ص: 350

فتقول: - باعتبار الأداء: لا. - وباعتبار العقوبة: نعم.

والدليل على عدم وجوب الزكاة على الكافر:

- الأول: حديث معاذ المشهور: حيث أمره بأن يأمرهم بشهادة أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة. ثم قال: (فإن هم أطاعوا لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) فنص الحديث على أن وجوب الزكاة يكون بعد الاسلام.

- الثاني: أن الزكاة عبادة والكافر ليس من أهل العبادات.

- الثالث: الإجماع. فقد أجمعوا على أن الكافر لا تجب عليه الزكاة.

فهذه المسألة لا إشكال فيها.

ثم قال رحمه الله:

وملك نصاب.

-[الثالث: ملك النصاب]. ملك النصاب من شروط وجوب الزكاة.

والنصاب هو: القدر الذي إذا بلغه المال وجبت فيه الزكاة.

وبلوغ النصاب شرط بالإجماع:

- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ولا فيما دون خمس نوق صدقة ولا فيما دون خمس أواق صدقة) وهذا الحديث في البخاري.

فنص النبي صلى الله عليه وسلم على أن المال إذا لم يبلغ النصاب الشرعي ليس فيه صدقة أي: ليس فيه زكاة.

* * مسألة: من ملك النصاب فهو غني شرعاً. - لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم). فكل من أخرج الزكاة بعد أن يبلغ ماله النصاب فهو غني في الشرع.

• ثم قال رحمه الله:

واستقراره.

-[الرابع: استقراره]. الضمير يعود على الملك: أي استقرار الملك. وعَبَّرَ غير المؤلف رحمه الله من الحنابلة: بقوله: (تمام الملك). إذاً الشرط: استقرار الملك وتمامه.

ومعنى: استقرار الملك: أي أن لا يتعلق به حق الغير بحيث يتصرف فيه كما يشاء.

وبالإمكان أن نضيف ضابط يسهل الأمر فنقول: - (أن لا يكون المال عرضة للزوال).

وهذا الضابط يمكن أن يؤخذ من أمثلة الفقهاء، فمن أمثلة عدم استقرار الملك:

ـ مال المكاتب: فلا زكاة فيه لأن المكاتب قد ينصرف عن المكاتبة ويعجز نفسه ولا يدفع المال.

والمكاتب هو: من اتفق مع سيده أن يدفع له مبلغاً معيناً يكون العبد بعده حراً وعادة ما يكون المال الذي يدفعه المكاتب لسيده أقساط أو منجماً فبإمكانه أن يعجز نفسه في أي وقت ولذلك نقول مال المكاتبة ليس مستقراً.

ص: 351

من الأمثلة أيضاً على المال الذي لم يستقر الملك فيه:

ـ ربح المضارب: فإذا أعطى شخص شخصاً مالاً ليضارب به ونتج عن هذا المال ربح فإن هذا الربح بعضه للمضارب وبعضه لرب المال. فهذا الربح ليس فيه زكاة إلا بعد القسمة.

لماذا؟ - لأن ربح مال المضاربة تعوض به خسارة رأس المال.

فإذاً لا يمكن أن نوجب على المضارب زكاة إلا إذا تمت القسمة بعد استكمال رأس المال.

هذان مثالان لمسألة استقرار الملك.

واستقرار الملك محل إجماع.

• ثم قال رحمه الله:

ومضي الحول.

-[الخامس: ومضي الحول] يشترط لوجوب الزكاة مضي الحول: أي أن يملك الإنسان حولاً كاملاً.

والدليل على اشتراط مضي الحول من وجوه:

- الأول: حكي فيه الإجماع.

- الثاني: فيه حديث رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول).

وهذه الأحاديث ضعيفة لكنها تقوى بالآثار.

- الثالث: وهو الآثار. فقد صح عن أبي بكر وعلي وعثمان رضي الله عنهم أنهم اشترطوا الحول لوجوب الزكاة.

وهذا صحيح عنهم رضي الله عنهم أجمعين -.

- الرابع: - وهو أيضاً من الأدلة القوية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث عمال الصدقة والسعاة في كل سنة مرة واحدة.

فإذاً اشتراط الحول ثابت ولله الحمد.

ثم لما ذكر مسألة اشتراط الحول بدأ فيما يستثنى:

• فقال رحمه الله:

في غير المعشر.

المعشر: هي الحبوب والثمار.

فالزروع والثمار لا يشترط لها الحول بل متى نبتت وخرجت وصلحت وجبت فيها الزكاة بعد الحصاد.

- لعموم قوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} .

وسميت المعشرات بذلك: لأنه يؤخذ منها العشر أو نصف العشر كما سيأتينا.

فهذا الأمر الأول الذي يستثنى.

ثم قال رحمه الله:

إلاّ نتاج السائمة وربح التجارة ولو لم يبلغ نصاباً، فإن حولهما حول أصليهما: إن كان نصاباً، وإلاّ فمن كماله.

- نتاج السائمة وربح التجارة: لا يشترط فيه الحول.

[= الأول: نتاج السائمة]:

ص: 352

ـ فإذا جاء عمال الصدقة إلى من يملك المواشي ونتجت - يعني ولدت هذه المواشي قبل حولان الحول بشهر فكانت مثلاً: تسعين شار ثم أصبحت مائة والعشر الزائدة لم تأت إلا قبل حولان الحول بشهر واحد فإن عامل الصدقة يأخذ الزكاة من المائة.

- لأنه لا يشترط في نتاج السائمة أن يحول عليه الحول بل حولها حول أصلها.

وأصلها: يعني الأمهات.

والسائمة: هي التي ترعى الحول ويقصد بها الآن بهيمة الأنعام: البقر والغنم والإبل.

ـ فالبقر والغنم والإبل: لا يشترط في نتاجها يعني فيما تلده أن يحول عليه الحول بل يأخذ الساعي الزكاة من مجموع - الأغنام مثلاً - وإن كان بعضها نتج أثناء الحول.

ما الدليل؟

- الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث السعاة إلى أصحاب المواشي فيأخذون الزكاة من الموجود كله ولا يسألون عن ما ولد أثناء الحول.

- الدليل الثاني: أنه صح عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يجعلون حول المولود من بهيمة الأنعام حول أصله.

= الثاني: ربح التجارة:

ربح التجارة لا يشترط له الحول بل حول الربح حول الأصل.

ـ فإذا ملك الإنسان مائة ألف وتاجر بها ثم ربحت بعد ستة أشهر خمسين ألف وحال الحول على المائة وخمسين ألفاً فالزكاة تجب فيها مع أن الذي حال عليه الحول كاملاً المائة ألف والخمسين ربح لكن الفقهاء يقولون: ربح التجارة تابع لأصله فلا يشترط له حول جديد.

الدليل على هذا من وجهين:

- الأول: أن ربح التجارة تابع لأصله. والتابع لا يفرد بحكم.

- الثاني: أن المسلمين ما زالوا يخرجون صدقة عروض التجارة ويخرجون الزكاة من رأس المالل والأرباح ولو كانت حاصلة أثناء الحول.

ـ إذاً: الذي يستثنى من الحول فقط ثلاثة أشياء:

1 -

المعشرات.

2 -

ونتاج السائمة.

3 -

وربح التجارة.

فيما عدا هذه الثلاثة أموال كل شيء يحتاج إلى حول. وهذه قاعدة تريح طالب العلم.

ـ مثال ذلك:

- رجل يملك خمسين رأس من الغنم وفي أثناء الحول اشترى خمسين أخرى.

فالخمسين الجدد التي اشتراها أخيراً: هل نقول: حولها حول الأول أو تحتاج إلى حول جديد؟

الجواب: أنها تحتاج إلى حول جديد: لأنها ليست من الثلاثة.

ص: 353

- رجل يملك مائة ألف ثم بعد مضي ستة أشهر وهبت له خمسين ألف أو ورث خمسين ألف.

فهذه الخمسين: تحتاج إلى حول جديد لأنها ليست من الأشياء المستثناة.

إذاً نقول: ما عدا هذه الثلاثة أشياء يحتاج إلى حول جديد.

وعرفنا الآن نتاج السائمة وربح التجارة

• يقول رحمه الله:

فإن حولهما حول أصليهما: إن كان نصاباً.

يشترط في عدم اعتبار حول جديد لنتاج السائمة أن يكون الأصل بلغ النصاب.

فإن لم يكن بلغ النصاب فإنه لا يبدأ الحول إلا من بلوغ النصاب.

ـ مثال ذلك: رجل يملك أربعاً من الإبل. ثم في أثناء الحول ولدت واحدة فصار المجموع خمسة. فإن الحول يحتسب من ولادة هذه الخامسة.

لماذا؟

لأنته يقول: بشرط أن يكون حول أصلهما أذا كان يبلغ النصاب.

• قال: وإلا فمن كماله:

أي وإلا نبدأ احتساب الحول من كمال النصاب ولو كان الكمال حصل بنتاج السائمة أو بربح التجارة.

ثم قال رحمه الله:

ومن كان له دين أو حق من صداق أوغيره.

المؤلف رحمه الله يريد أن يبين في هذه العبارة حكم زكاة الدائن ثم سيذكر بعدها حكم زكاة المدين.

وهاتان مسألتان غاية في الأهمية لا سيما في وقتنا هذا فإنه لا يخلوا أحد من أن يكون دائن في الغالب أو مدين.

نبدأ بما بدأ به المؤلف رحمه الله وهو أن يكون دائناً: ـ من كان له دين.

الدين في اللغة: كل ما كان غائباً فهو دين في لغة العرب.

وفي الشرع: - وهو الذي يهمنا -: اسم للمال الواجب في الذمة بدلاً عن قرض أو مبيع أو منفعة أو إتلاف.

فمن خلال هذا التعريف أيهما أعم: القرض أو الدين؟

- الدين: لأن القرض نوع من أنواع الدين.

عرفنا الآن الدين لغة واصطلاحاً.

الأذان

انتهى الدرس

ص: 354

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

بالأمس توقف الكلام عن زكاة الدين: يعني: زكاة مال الدائن.

وقلت أن مسائل زكاة الدين مسائل مهمة وتشتد حاجة الناس إليها.

وذكرت تعريف الدين لغة واصطلاحاً.

وأضيف الآن وأقول: أن حكم زكاة الدين فيه اختلاف شديد بين أهل العلم وتعدد في الأقوال وتتداخل، فهي من المسائل التي قد تعتبر مشكلة.

ونأتي إلى حكم زكاة الدين:

ينقسم الدين إلى قسمين:

ـ القسم الأول: الدين المرجو.

ـ والقسيم الثاني: الدين غير المرجو.

- فالدين المرجو: هو الدين على غني باذل.

- والدين غير المرجو: هو الدين على معسر أو مماطل.

نأتي إلى:

القسم الأول: الدين المرجو - وقد عرفت ما هو الدين المرجو - اختلف فيه الفقهاء على أقوال:

= فالقول الأول: للجمهور: أنه تجب فيه الزكاة لكل سنة.

إلا أن بعض الجمهور قال: يجوز له أن يؤخر إخراج الزكاة إلى حين القبض ثم يخرج زكاة السنين جميعاً.

واستدل هؤلاء بعدة أدلة:

- الدليل الأول: أنه جاء في الآثار عن عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إيجاب الزكاة.

- الدليل الثاني: أن الدين المرجو كالدين الذي في يده [لا يجب أن يزكيه].

- الدليل الثالث: عموم الأدلة.

= القول الثاني: أنه لا تجب الزكاة مطلقاً.

واستدل هؤلاء:

- بأن المال إذا كان ديناً لا يعتبر من الأموال النامية والزكاة تتعلق بالأموال النامية.

والجواب: أنه يعتبر نام حكماً لا حقيقة ويكتفى بكونه نام حكماً لا حقيقة.

= القول الثالث: أنه تجب فيه الزكاة إذا قبضه لسنة واحدة.

واستدل هؤلاء:

- بأن من شروط وجوب الزكاة: القدرة على الأداء. وهذا المال ليس بيده.

والجواب من وجهين:

- الأول: أن الصواب أنه لا يشترط في وجوب الزكاة القدرة على الأداء - كما سيأتينا في كلام الماتن.

- الثاني: أن الدائن بإمكانه أن يأخذ المال إلا أنا نفترض أن المدين باذل وغني فيستطيع هو أن يأخذ المال فإذا لم يأخذ المال هو فلا يسقط حق الله فإذا أسقط حق نفسه لا يسقط حق الله وهو الزكاة.

والصواب: إن شاء الله مع القول الأول وهو: وجوب الزكاة وله أن يؤخر إخراج الزكاة إلى أن يقبض المال بشرط أن يحسب زكاة كل سنة.

ورجح هذا القول عدد من المحققين منهم: أبو عبيد رحمه الله.

القسم الثاني: الدين غير المرجو - وقد عرفت ما هو الدين غير المرجو - واختلف أيضاً فيه الفقهاء على قولين:

ص: 355

= القول الأول: وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار شيخ الاسلام: أنه لا تجب الزكاة فيه مطلقاً.

واستدل هؤلاء:

- بأن هذا الدين لا يمكن الانتفاع به بحال.

= والقول الثاني: وجوب الزكاة فيه.

واستدل هؤلاء:

- بأثر عن علي رضي الله عنه.

- وأثر عن أبي هريرة رضي الله عنه.

- وأثر عن ابن عمر رضي الله عنه.

ولا يصح من هذه الآثار إلا أثر علي رضي الله عنه.

= والقول الثالث: أنه تجب فيه الزكاة إذا قبضه لسنة واحدة.

والصواب مع القول الثاني. وسبب الترجيح: صحة أثر علي رضي الله عنه ولولا وجود هذا الأثر لكان القول الأول وهو: عدم الوجوب مطلقاً هو القول الصواب.

لكن مع وجود أثر علي رضي الله عنه صرح فيه بأنه يخرج زكاته إذا قبضه فيكون هذا القول هو الراجح.

وله أيضاً أن يؤخر إخراج الزكاة إلى أن يقبض المال فيزكي عن الجميع.

وأما القول الأخير ففيه ضعف ظاهر. لأنه إما أن تجب الزكاة في كل السنين أو تنتفي في كل السنين. لأن هذا المال على حال واحدة وله حكم واحد فالتفريق بين السنة الأخيرة وما قبلها من السنوات لا دليل عليه.

فيكون الراجح مذهب الحنابلة.

• ولذلك يقول المؤلف رحمه الله:

ومن كان له دين أو حق من صداق أو غيره، على مليء أو غيره: أدّى زكاته إذا قبضه لما مضى.

فما ذكره المؤلف هو الراجح في المرجو وغير المرجو.

* * مسألة: حكم زكاة مال الصبي والمجنون: - ومكانها المناسب بعد الشرط الثاني.

ولا حظ معي فإن المؤلف رحمه الله يقول في المتن:

(تجب بشروط خمسة: حرية وإسلام): هذان الشرطان يتعلقان بالمزكي.

ثم قال رحمه الله: (وملك النصاب واستقراره ومضي الحول) وهذه الشروط تتعلق بالمال.

فمن قول المؤلف رحمه الله: (حرية وإسلام) عرفنا أن الحنابلة لا يشترطون في المزكي أن يكون بالغاً.

= وهذا مذهب الجماهير والجم الغفير من أهل العلم من السلف والصحابة ومن يعدهم فكلهم يرى أن الصبي تجب في ماله الزكاة.

واستدلوا:

ـ أولاً: بالنصوص الصريحة الصحيحة:

- كقوله تعالى: {خذ من أموالهم

}.

فعلق الوجوب بالمال.

- وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ: (صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم).

ص: 356

ـ وثانياً: الآثار المتكاثرة عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفيها الأمر بإخراج الزكاة عن مال الصبي.

فهذا القول هو القول الراجح. وهو منذهب الجماهير.

= والقول الثاني: عدم الوجب.

واستدلوا:

- بأن الزكاة عبادة والصبي ليس من أهل العبادات.

- وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة

).

والصواب مع الجماهير. لكثرة الآثار ولأن ظواهر النصوص ربط الزكاة بالمال لا بالمزكي.

[ثم ننتتقل إلى زكاة المدين بعد أن بينا أحكام زكاة الدائن:].

• قال رحمه الله:

ولا زكاة في مال: من عليه دين ينقص النصاب، ولو كان المال ظاهراً.

تنقسم الأموال في الشرع إلى قسمين: - ونحن الآن في صدد الكلام عن زكاة المدين.

ـ القسم الأول: أموال ظاهرة.

ـ والقسم الثاني: أموال أو باطنة.

- فالأموال الظاهرة:

تعريفها: هي الأموال التي لا يمكن إخفائها.

وتعدادها هي: - الزروع. - والثمار. - والمواشي.

- وأما الأموال الباطنة:

تعريفها: هي الأموال التي يمكن إخفائها.

وتعدادها هي: - الذهب والفضة. - وعروض التجارة.

* * مسألة: جنح كثير من المتأخرين بل من المعاصرين إلى أن عروض التجارة أصبحت من الأموال الظاهرة لا من الأموال الباطنة في وقتنا هذا: - لا تساع التجارات وتنوعها وتنوع طريقة العرض فيها.

والصواب: أن عروض التجارة من الأموال الباطنة كما هو مذهب الجماهير.

وعلة كون عروض التجارة من الأموال الباطنة: أن المنظور فيها إلى القيمة. فهي باعتبار القيمة لا تعرف. لا كما ظن بعض أهل العلم أن المنظور فيها إلى طريقة العرض وكثر أو قلة البضائع. فليس الأمر كذلك. بل هي من الأموال الباطنة باعتبار الثمن وقيمة العروض.

ولذلك يحصل كثيراً أن تدخل محلاً ولا تتصور أن تبلغ البضاعة الموجودة في هذا المحل هذا المبلغ الكبير من حيث القيمة ويتفاجأ الإنسان أنه قيمة هذه البضائع تبلغ مبلغاً كبيراً.

وهذا دليل على أنها باطنة. لأن المنظور فيها للقيمة.

ولا نريد الإطالة في هذه المسألة. لكن هذا هو الراجح مع كذر أقوى دليل وهو أنها باطنة باعتبار الثمن.

وقبل نأتي إلى حكم زكاة المدين نبين ما معنى أنه لا زكاة على المدين؟

ـ معنى أنه لا زكاة على المدين:

ص: 357

أن المسلم إذا أراد أن يخرج الزكاة يخصم من الأموال التي بيده قدر الدين الذي عليه ويزكي الباقي إن بلغ نصاباً.

فهذا معنى أنه لا زكاة على المدين عند من يقول بهذا القول.

نأتي إلى الأحكام:

ـ أولاً: حكم زكاة المدين في الأموال الباطنة - ونبدأ بها لأنها الأهم - وقد عرفنا ما هي الأموال الباطنة:

= القول الأول: أنه لا تجب الزكاة على المدين في الأموال الباطنة.

وإذا قلنا لا تجب الزكاة - عرفنا ما معنى لا تجب الزكاة وليس المقصود لا تجب مطلقاً كما قد يفهم البعض - ولكن المعنى هو ما ذكرت لك كما قرره الفقهاء.

وإلى هذا القول ذهب الجماهير من الصحابة والسلف والتابعين وتابعوهم وجمهور الأئمة وعامة العلماء.

واستدلوا بأدلة كثيرة:

- الدليل الأول: ما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه خطب الناس وقال: قد جاء شهر زكاتكم فأخرجوا ديونكم لتزكوا أموالكم.

وجه الاستدلال: أنه لم يأمر بإخراج الزكاة من مبلغ الدين الذي سيقضى.

- الدليل الثاني: إجماع الصحابة. وممن أشار إلى هذا الإجماع ابن سيرين والزهري وذكره غيرهما من العلماء المتأخرين لكن من السلف أشار هذان الإمامان إلى الإجماع.

- الدليل الثالث: - مع إجماع الصحابة: الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم.

= القول الثاني: أنه تجب الزكاة على المدين في الأموال الباطنة.

وهؤلاء استدلوا:

- أولاً: بعموم الأدلة.

- وثانياً: أنه لا دليل على استثناء مقدار الدين من الزكاة.

والجواب على هذا الاستدلال: أن ما ذكره أصحاب القول الأول من أدلة هي الدالة على الاستثناء.

والراجح القول: الأول. كيف وقد حكي إجماع الصحابة.

ـ بناء على أن هذا القول هو الراجح: إذا كان الإنسان يملك مائة ألف ريال وهو مدين بثلاثين ألف ريال فالواجب عليه أن يخرج الزكاة عن سبعين ألف ريال.

وقد فصَّل هذا التفصيل تماماً من التابعين ميمون بن مهران فذكر أن الإنسان إذا أراد أن يزكي يصنع كما قلت لكم يخصم مما بيده مقدار الدين.

* * مسألة: - وهي مهمة جداً -:

يشترط لخصم الدين من الزكاة أن لا يجد سوى النصاب ليقضي به الدين.

فإن وجد غير النصاب زكى النصاب كاملاً سواء وجد أموالاً نقدية أو عينية.

ص: 358

مثال ذلك: إذا كان الإنسان يملك ألف وهو مدين بألف ويملك سيارة زائدة عن حاجته بألف فكم سيزكي؟

ألف. مع أنه مدين بألف. لكن الدين يقابله العرض الذي يساوي ألف.

وتطبيق هذا الشرط لا بد منه.

وإذا طبقنا هذا الشرط يندر أن يخصم الإنسان من الوعاء الزكوي لديه مقدار الدين لأنه غالباً يكون عنده عروض أخرى تصلح لسداد الدين.

ـ بناء عليه: ليس من المقبول أن يقول شخص: أنا مدين بمائة ألف وهو يملك سيارات واستراحات وأراضي. فنقول له: إذا كنت مديناً فسدد الدين من غير الزكاة وإنما مما تملك من العروض سواء كانت أراضي أو استراحات أو سيارات زائدة عن حاجتك.

* * مسألة: رجل يملك عشرة آلاف: وهو مدين بخمسة آلاف وعنده سيارة هي السيارة التي يتنقل عليها.

فكم سيزكي؟

خمسة آلاف.

ويصح هنا أن يخصم مقدار الدين من الزكاة لأن السيارة التي معه تقوم بحاجته التي لا يستغني عنها.

إذاً: لا بد أن ننتبه لهذا الشرط.

وهذا الشرط اشترطه جمهور الفقهاء ونص عليه الإمام أحمد وهو شرط صحيح.

ـ ثانياً: بقينا في الأموال الظاهرة:

والأموال الظاهرة هي: الزروع والثمار والمواشي كما تقدم معنا.

اختلف فيها الفقهاء على قولين:

= القول الأول: أنه لا يخصم الدين من الزكاة في الأموال الظاهرة.

فإذا كان عند الإنسان مائة من الإبل وهو مدين بعشرة آلاف فالواجب أن يخرج زكاة كم؟

مائة من الإبل. ولا يخصم مقدار الدين من الزكاة في الأموال الظاهرة.

وإلى هذا ذهب الجمهور.

واستدلوا بأدلة قوية جداً:

- الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء رضي الله عنهم كانوا يبعثون عمال الصدقة - السعاة - إلى أصحاب الإبل والمواشي فيأخذون منهم الصدقة ولا يسألون عن مقدار الدين.

- الدليل الثاني: أن الزهري وابن سيرين نصوا على أن الإنسان يخصم الدين من العين دون المواشي والثمار ونسبوا هذا إلى الصحابة فقالوا: كانوا - يعني الصحابة -.

= والقول الثاني: أنه يخصم الدين حتى من الأموال الظاهرة.

واستدلوا:

- بما استدل به الجمهور بمسألة الأموال الباطنة.

ص: 359

والجواب عليه: أن الأدلة التي استدل بها الجمهور في المسألة الأولى وهي الأموال الباطنة هي بنفسها تفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة كما نقلنا عن ابن سيرين والزهري فإنهم نصوا على الفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة.

فالسلف أنفسهم يفرقون بين الأموال الظاهرة والأموال الباطنة.

والراجح القول الأول.

فصار القول الراجح: التفريق بين الأموال الظاهرة والأموال الباطنة. وهذا مذهب الجمهور وممن رجحه من المتأخرين الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله.

وبهذا اكتمل الكلام عن مسألة الأموال الظاهرة والباطنة في زكاة المدين.

قال رحمه الله:

ولا زكاة في مال: من عليه دين ينقص النصاب، ولو كان المال ظاهراً.

فعرفنا أن: = مذهب الحنابلة أنه يخصم الدين من الزكاة في الأموال الظاهرة وكذلك في الأموال الباطنة على حد سواء.

وتقدم معنا الراجح وهو: أنه لا يخصم في الأموال الظاهرة.

• ثم قال رحمه الله:

وكفارة كدين.

مقصود المؤلف أن دين الآدمي يخصم وكذلك دين الله.

أي التسوية بين دين الآدمي والدين الذي لله سواء كان الدين الذي لله مما له مطالب كالزكاة أو مما ليس له مكالب كالكفارات.

والدليل على أن دين الله كدين الآدمي فيخصم من الزكاة:

- قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري: (اقضوا الله فالله أحق بالوفاء). فهذا نص أن دين الله كدين الآدمي.

• ثم قال رحمه الله:

وإن ملك نصاباً صغاراً: انعقد حوله حين مَلَكَهُ.

يعني: إذا ملك الإنسان من الموشي قدر النصاب إلا أنها صغيرة فتجب فيها الزكاة إذا حال الحول إذا بلغت صاباً.

ولا يشترط في المواشي أن تبلغ سناً معينة لكي تجب فيها الزكاة.

واستدل هؤلاء:

- بعموم ما أخرجه البخاري: (في كل أربعين شاة شاة). وهذا عام سواء كانت هذه الأربعين صغيرة أو كبيرة.

• ثم قال رحمه الله:

وإن نقص النصاب في بعض الحول

انقطع الحول.

إذا نقص النصاب أثناء الحول انقطع الحول.

مثال ذلك: رجل يملك خمساً من الإبل وهو النصاب ثم بعد مضي ستة أشهر ماتت واحدة أو ذهبت لأي سبب فأصبح المجموع: أربع.

فإذا أصبح المجموع أربع انقطع الحول من حين ينقص النصاب.

ص: 360

فإذا اكتمل النصاب مرة أخرى استأنفنا الحول من جديد.

الدليل:

- أن اشتراط النصاب في كل الحول دلت عليه النصوص فإذا تخلف النصاب في بعض الحول انقطع.

• ثم قال رحمه الله:

أو باعه.

يعني: إذا باع النصاب أو باع بعض النصاب انقطع الحول أيضاً.

فإذا كان يملك ثلاثين من البقر ثم باع منها خمساً في أثناء الحول انقطع الحول.

فإذا اشترى ما يكمل النصاب استأنف الحول من جديد.

والدليل:

- هو: نفس الدليل السابق.

• ثم قال رحمه الله:

أو أبدله بغير جنسه.

إذا باعه أو أبدله بغير جنسه: انقطع الحول.

وتقدم معنا صورة البيع.

أما صورة الإبدال: فهي أن يبيع النصاب معاطاة وبعبارة أخرى: المؤلف رحمه الله يقول: إذا باعه أو أبدله وسيأتينا أن البيع هو عبارة عن إبدال فلذلك هم يصدرون تعريفه بقولهم: مبادلة مال بمال.

فلماذا فرق المؤلف رحمه الله بين البيع والإبدال؟

- نقول: نحمل الإبدال على أحد صورتين:

ـ الصورة الأولى: أن يكون: - البيع يقصد به: مبادلة عين بنقد.

- والإبدال: مبادلة عين بعين. والذي يسمى المقايضة.

ـ الصورة الثانية: أن يكون المقصود: - بالبيع: البيع الذي يتم بالإيجاب والقبول.

- وبالمبادلة: المبادلة التي ننم عن طريق المعاطاة بدون صيغة إيجاب وقبول.

بناء على هذا: إذا أعطى رجل رجلاً آخر ثلاثين من البقر وأخذ منه عشرين من الإبل.

فهل هذا بيع أو إبدال؟

الجواب: - باعتبار المصطلح الخاص الذي نتكلم به: إبدال.

وإذا باع الثلاثين بعشرة آلاف درهم؟

بيع.

إذاً هذا مال بمال أو مال بنقد.

إذا باع ثلاثين من البقر بعشرة آلاف درهم بإيجاب وقبول. قال: بعت. وقال الآخر: اشتريت. وتمت المبادلة فهذا: بيع.

وإذا كان عن طريق المعاطاة بأن يعطيه البقر ويأخذ النقد بدون كلام وإنما عن طريق المعاطاة فهو: مبادلة.

والأمر بسيط لكن نريد أن نعرف لماذا غاير المؤلف رحمه الله وفاوت بين البيع والإبدال فخرجوه على أحد هذه التخريجات.

• ثم قال رحمه الله:

لا فراراً من الزكاة: انقطع الحول.

فصار الحول ينقطع:

- إذا نقص النصاب.

- أو باع النصاب.

- أو أبدل النصاب.

ففي هذه الصور الثلاث ينقطع الحول. وإذا اكتمل النصاب بدأ الحول من جديد.

ص: 361

قال: لا فراراً من الزكاة:

فإن كان يريد الفرار من الزكاة فإن عمله لا يقطع الحول.

بناء على هذا: إذا ملك الإنسان ثلاثين من البقر فلما بقي على حولان الحول شهر باع البقر بعشرة آلاف درهم ثم بعد عشرة أيام أو أقل أو أكثر اشترى الثلاثين أو غير هذه الثلاثين.

فهل يستأنف الحول أو لا؟

نقول: ما دام قصدك قطع الحول فتستمر على حولك الأول كأنك لم تصنع شيئاً.

- لأن القاعدة تقول: (أن الحيل لا تسقط الواجبات). بدليل أن الله سبحانه وتعالى ذم اليهود الذين احتالوا على صيد السمك في يوم السبت والأحد وذمهم بذلك واعتبر عملهم محرم مع أن الصورة جائزة.

وكذلك كل الحيل.

- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن المحلل والمحلل له) ولماذا لعنه؟ لأنهم يحتالون على العقود الشرعية.

إذاً إذا كان قصد الإنسان الحيلة فلا يعتبر أن الحول انقطع

• ثم قال رحمه الله:

وإن أبدله بجنسه: بنى على حوله.

إذا أبدل النصاب بجنسه فإنه لا ينقطع الحول.

فإذا كان الإنسان يملك ثلاثين من البقر وباعها بثلاثين من البقر أخرى فإن الحول يستمر ولا ينقطع.

لكن إذا أبدل ثلاثين من البقر بعشرين من الإبل ينقطع الحول لأن البقر جنس والإبل جنس آخر.

إذاً إذا أبدل الإنسان الشيء بجنسه فإنه لا ينقطع.

استثنى الحنابلة من هذه القاعدة وهي: أنه إذا أبدله بغير جنسه انقطع: استثنوا الذهب والفضة وعروض التجارة.

- فإذا أبدل الإنسان دراهم بدنانير لا ينقطع الحول.

- وإذا أبدل دراهم بعروض تجارة أو دنانير بعروض تجارة لا ينقطع الحول.

والصواب أنه: لا يستثنى إلا فقط عروض التجارة. أما الذهب والفضة فهما جنسان إذا أبدل أحدهما بالآخر انقطع الحول إلا إذا كان الإبدال على سبيل التجارة فإنها تصبح الآن عروض تجارة.

فالآن: الذين يتعاملون بالعملات ما نقول: إذا اشتريت بالريال السعودي جنيه مصري أنه انقطع الحول أو درهم إماراتي أو أي عملة أخرى ما نقول انقطع الحول لأنهم الآن يبادلون هذه العملات على سبيل التجارة ونحن نقول أنه إذا أبدله بجنسه أو بغير جنسه ما دام على سبيل عروض التجارة فإن الحول لا ينقطع.

ص: 362

لكن لو أن قائلا قال: أنا أحتاج بدل الدراهم دنانير فاستبدل دراهمه بدنانير لينتفع بها لا للتجارة فإنه عند الحنابلة لا ينقطع الحول.

والصواب أنه ينقطع: لأن الذهب جنس والفضة جنس آخر.

• ثم قال رحمه الله:

وتجب الزكاة: في عين المال، ولها تعلق بالذمة.

اختلف الفقهاء في هذه المسألة وهي: هل تجب الزكاة في عين المال أو في الذمة على أقوال كثيرة:

= المذهب خلاف ما ذكره المؤلف: فالمذهب أن الزكاة تجب في عين المال.

واستدلوا:

- بقوله تعالى: {خذ من أموالهم

}.

- وقوله صلى الله عليه وسلم: (في كل أربعين شاة شاة).

وقالوا: إن في في هذه النصوص للظرفية يعني أن مقدار الزكاة واجب في عين المال.

بناء على هذا القول:

- لو تلف النصاب لم يلزمه شيء لأن الوجوب يتعلق بالعين والعين تلفت.

وبناء على هذا القول:

- لا يجوز له أن يتصرف بمقدار الزكاة من المال.

ويترتب على هذا القول أيضاص أشياء كثيرة.

= القول الثاني: أن الزكاة تتعلق بالذمة لا بعين المال.

واستدلوا على هذا:

- بأنه يجوز أن نخرج الزكاة من غير النصاب. فدل على أنها تتعلق بالذمة لا بالعين.

مثال ذلك: لة كان عندي عدد من الإبل ووجب فيها بنت لبون أو حقه أو جذعة فهل يجوز أن أشتري من السوق بنت لبون وأخرجها زكاة؟ أو يجب أن أخرج من الإبل التي عندي؟

الجواب: يجوز أن أخرج ولو من غير الإبل التي أملك.

فهذا دليل على أن الزكاة تتعلق بالذمة. فلو كانت تتعلق بالعين لوجب أن أخرج من عين الإبل التي عندي.

= القول الثالث: أنها تجب في العين وتتعلق بالذمة. وهو القول الذي ذكره المؤلف رحمه الله.

= القول الرابع: أنها تجب في الذمة وتتعلق بالعين - عكس ما ذكره المؤلف رحمه الله. وهذا اختيار شيخ الاسلام رحمه الله.

وهو الأقرب والله أعلم. أن الأصل في الزكاة أنها تتعلق في الذمة لكن لها تعلق بالعين. فهذا القول تجتمع به المعاني والعلل التي ذكرها أصحاب القول الأول والثاني.

إذاًَ هذا القول الأخير هو الراجح.

ص: 363

وأرغب من كل طالب - وإن شئتم أن تعتبرونه ملزماً - أن يراجع آخر قواعد بن رجب فإنه في آخر قواعد بن رجب ذكر عدة مسائل ينبني عليها فروع كثيرة منها: هل تجب أو تتعلق الزكاة بعين المال أو بالذمة ثم ذكر ما يترتب على كل قول في تفريع بديع جداً يصقل طالب العلم ويدربه على فهم ما يترتب على القول.

فإنا أرجو من جميع الإخوة أن يقرأوا هذا الموضع وهو في آخر قواعد ابن رجب.

• ثم قال رحمه الله:

ولا يعتبر في وجوبها: إمكان الأداء.

ليس من شروط الزكاة إمكان الأداء بل تجب ولو لم يتمكن من الأداء.

مثال عدم التمكن من الأداء:

- أن يكون المال غائباً.

- أو أن يكون المال ديناً.

فهل يتمكن الإنسان أن يخرج الزكاة من المال الغائب؟

لا. لا يتمكن ومع ذلك نقول تجب الزكاة ولولم يتمكن من الأداء.

الدليل:

- قالوا: الدليل: قياساً على سائر العبادات فإن الصوم يجب على المريض وإن كان لا يستطيع.

فإذاً لا يشترط في وجوب الزكاة إمكان الأداء.

* * مسألة: يشترط لوجوب الإخراج إمكان الأداء.

فإذا لم يتمكن من الأداء لم يجب عليه أن يخرج الآن وله أن ينتظر إلى أن يتمكن.

فتحصل عندنا الفرق بين وجوب الزكاة ووجوب الإخراج.

فالأداء شرط في الإخراج. وليس شرطاً في الوجوب.

• ثم قال رحمه الله:

ولا بقاءُ المال.

يعني: أنه لا يشترط لوجوب الزكاة بقاء المال فلو تلف رالمال كله لوجبت الزكاة فيه.

وهذا القول يتوافق مع القول بأن الزكاة تجب في الذمة أو في العين؟؟

- في الذمة. وهذا مما يقوي القول الذي رجحه شيخ الاسلام رحمه الله.

إذاً الحنابلة يرون أنه يجب عليه أن يخرج الزكاة ولو تلف كل المال.

الدليل:

- قالوا: الدليل أن هذا مال وجب في ذمته فيجب أن يخرجه ولو تلف كدين الآدمي. إذا كان الإنسان مطلوب مائة ألف ريال واحترق كل ما يملك من المال فهل يسقط هذا الدين؟ أو يبقى في ذمته؟

يبقى. فكذلك دين الله وهو الزكاة.

= والقول الثاني: أن المال الزكوي:

- إذا تلف بغير تفريط ولا تعدي فإنه لا يجب عليه أن يخرج شيئاً.

- وإن تلف بتفريط أوتعدي وجب عليه أن يخرج مقدار الزكاة.

وهذا القول اختيار شيخ الاسلام واختيار ابن قدامة.

ص: 364

لكن ابن قدامة بين التفريط فقال: والتفريط أن يتأخر بالإخراج مع إمكان الأداء.

وظاهر كلام غيره من الفقهاء أن التفريط لا يتعلق بمسألة الإخراج وإنما يتعلق بكيفية حصول التلف:

فإن كان لم يفرط بأن جائه آفة سماوية أو حريق ليس له يد في منعه فإنه لا يلزمه إخراج شيء.

وإن فرط بأن وضع المال في مكان لا ينبغي أن يوضع فيه أو قرب النار المهم فرط بإتلافه بأي طريقه فإنه تجب عليه.

هذا ظاهر كلام الفقهاء فيما عدا ابن قدامة الذي يرى أن التفريط هو بمجرد التأخر في إخراج الزكاة.

وهذا القول الذي مال إليه ابن قدامة قوي جداً ويتوافق مع ما سيأتينا من وجوب إخراج الزكاة فوراً.

ولذلك أنا أميل إلى هذا الضابط وهو أنه: إذا أخر إخراج الزكاة مع قدرته على إخراجها ثم تلف المال ولو بغير تفريط منه وجب عليه أن يؤدي الزكاة. لأن التفريط حصل بالتأخر في إخراج الزكاة.

وهذا الضابط الذي ذكره ابن قدامة جيد وقوي.

• ثم قال رحمه الله:

والزكاة كالدين في التركة.

الزكاة كالدين في التركة يعني: أنها مقدمة على الورثة وعلى الوصية.

فإذا مات الإنسان ولم يخرج زكاة ماله فإنا نخرج الزكاة قبل أن ننفذ الوصية أو نقسم التركة على الورثة.

وسواء في ذلك كان إخراج الزكاة من الميت على سبيل الجواز أو على سبيل التحريم: يعني: سواء كان أخرها قداً وهو آثم بذلك وارتكب محرماً أو مات قبل أن يتمكن من إخراج الزكاة ففي الصورتين يجب أن يخرج الزكاة من مال الميت. لأن الزكاة فيها حق للفقراء فيجب أن يصل إليهم ولو كان الميت أخر إخراج الزكاة تعدياً وظلماً.

لكن إن كان الميت لم يتمكن من الإخراج أجزأت عنه ولا إثم وإن كان أخرها عمداً وقصداً وتعدياً وظلماً فإنا ندفعها للفقراء ومع ذلك يأثم بتركه الزكاة.

إذاً الزكاة كالدين في التركة تماماً تستوي مع دين الآدمي.

بقينا في مسألة: هل هي مثل دين الآدمي أو أقل من دين الآدمي إذا تعارض دين الله ودين الآدمي؟

الصواب: أنهما بمنزلة واحدة فنسدد دين الله ودين الآدمي بالمحاصة إذا لم يتسع المال للجميع.

أما إذا اتسع المال للدينين فلا إشكال فسنسدد دين الله ودين الآدمي.

ص: 365