المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب أهل الزكاة - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٢

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌باب أهل الزكاة

وبهذا تجتمع النصوص: لأن الأصل في عمل النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يأخذ الزكاة إلا عن كل حول بحوله ولكن وجدناه مرة أخذ واستسلف حولين فدل على أنه يرجع للمصلحة ولا نقول أنه كطلقاً لا يستحب فكأنا نحكم على عمل النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يستحب.

‌باب أهل الزكاة

• ثم قال رحمه الله:

باب أهل الزكاة.

مقصود المؤلف رحمه الله بهذا الباب بيان من يجوز أن تصرف لهم الزكاة وما يتعلق بهذا من تفصيلات.

• قال رحمه الله:

ثمانية.

مقصود المؤلف رحمه الله بقوله: ثمانية. أي: ولا يجوز أن تصرف لغيرهم مهما بلغت الجهة المصروف إليها من الفضل والإغراق في العبادة.

فلا يجوز في بناء المساجد ولا في طباعة المصاحف ولا في شق الطرق ولا في إقامة الجسور ولا في أي عمل مهما بلغ من الفضل إلا في هؤلاء الثمانية.

الدليل على ذلك:

- أن الله سبحانه وتعالى قال: {إنما الصدقات للفقراء

}. وإنما: عند الأصوليين جميعاً تقتضي الحصر. ومعنى الحصر عند الأصوليين: إثبات الحكم فيمن ذكر ونفيه عما عداه.

فالآية أثبتت الحكم وهو جواز دفع الزكاة في الأصناف الثمانية ونفته عما عداهم.

وحصر الزكاة في الأصناف الثمانية محل إجماع فلم يخالف فيه إلا الحسن رحمه الله فجوز إعطاء الزكاة في الطرق والجسور. ولكن لم يوافقه رحمه الله العلماء على هذا ورأوا انحصار الزكاة في الأصناف الثمانية.

لكن هذه الفتوى عن الحسن تفيد طالب العلم مقدار فضل بناء الجسور أو تعبيد الطرق وأنه من العبادات المهمة في الإسلام مما جعل الحسن يدخل هذه العبادة في أصناف الزكاة.

والصحيح والراجح خلاف قوله رحمه الله لكن مع ذلك يدل على أن هذا من أعظم الطاعات.

ثم قال رحمه الله:

(1)

الفقراء: وهم من لا يجدون شيئاً أو يجدون بعض الكفاية (2) والمساكين: يجدون أكثرها أو نصفها.

في مسألة الفقراء والمساكين عدة مسائل:

- المسألة الأولى: أن الفقراء والمساكين صنفان في باب الزكاة وصنف واحد في غيره من الأبواب.

- المسألة االثانية: أن الفقير على الصحيح أشد حاجة من المسكين. لأن الله بدأ به ولا يبدأ سبحانه وتعالى إلا بالأهم.

ص: 432

- المسألة الثالثة: الفرق بين المسكين والفقير هو ما ذكره المؤلف.

فالفقراء عند المؤلف هم: هم من لا يجدون شيئاً أو يجدون بعض الكفاية.

وقوله: (أو يجدون بعض الكفاية.) ينبغي أن يقيد بما دون النصف.

والمساكين هم: (يجدون أكثرها أو نصفها.).

فالفقير من يجد من الكفاية دون النصف.

والمسكين من يجد الأكثر أو النصف فأكثر.

وبعبارة أدق: النصف فأكثر يعتبر مسكين. وأقل: يعتبر فقير. والنصف بالذات: مسكين.

وبهذا يصح ما تقدم من أن الفقير أشد حاجة من المسكين.

عرفنا الآن من هو الفقير؟ هو: من لا يجد كفايته أكثر السنة.

وأن المسكين: هو من لا يجد كفايته النصف فأكثر.

فأي إنسان ما يجد كفايته من الأشياء المهمة والضرورية هذا المقدار فهو إما مسكين أو فقير وكلاهما من أصناف الزكاة.

- المسألة الرابعة: يرتفع اسم الفقر والمسكنة بأحد ثلاثة أمور:

= الأمر الأول: أن يجد مالاً يكفيه مهما كان نوع المال. سواء كان من الأثمان أو من المتاع.

فإذا وجد الإنسان مبلغاً من المال يكفي مؤونته وحاجاته فإنه ليس بفقير ولا يجوز له أن يأخذ من الزكاة.

وإن وجد من الأعيان ما يكفيه لو باعه وجب عليه أن يبيع هذا الشيء وينفق من ثمنه على نفسه. إلا أن يكون هذا الشيء من الحاجات الأصلية له كمسكنه ووسيلة التنقل التي لا يستغني عنها.

أما ما زاد عن حاجاته الأصلية فيجب عليه وجوباً أن يبيعه وينفق على نفسه منه ولا يجوز أن يأخذ من الزكاة.

فإن كان الفقير يسكن في بيت تقدر قيمته بخمسمائة ألف ويستطيع أن يسكن في بيت تبلغ قيمته ثلاثمائة ألف وجب عليه أن يصنع ذلك: أي أن يبيع ويشنري ما يناسبه من المنازل وينفق الباقي على نفسه ومن تجب عليه نفقتهم.

إلا أن يكون البيت الذي يبلغ قيمته خمسمائة ألف لا يعتبر من يسكنه مسرفاً أو مبالغاً بل يتناسب مع وضع عامة الناس فإنه يجوز له أن يسكن فيه.

وكذلك لو كان بيع هذا البيت يسبب ضرراً كبيراً عليه بحيث لو باع هذا البيت لم يتمكن من إيجاد مسكن بنصف قيمته مناسب لمثله أن يسكن فيه.

الأمر الثاني: - الرافع لاسم الفقر والمسكنة -: أن يوجد من يجب عليه أن ينفق على الفقير ويستطيع. كالأب بالنسبة للإبن والزوج بالنسبة للزوجة.

ص: 433

فإذا كان الإنسان فقير لكن يوجد من يجب عليه أن ينفق عليه فلا نعطيه من الزكاة بل نقول: يجب على وليك أن ينفق عليك.

مسألة: فإذا امتنع ولي الأمر من النفقة فهو آثم لأنه ترك ما وجب عليه لكن يجوز أن نعطي الفقير من الزكاة لأنه يصدق عليه حينئذ أنه لا يجد كفايته.

الأمر الثالث: - الذي يرفع اسم الفقر والمسكنة - أن يوجد للإنسان مرتب يكفيه أو صنعة يتكسب منها. ولو لم يكن هو مالكاً للمال الآن وإنما يأتيه تباعاً فإنه لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة.

مسألة: لا يجوز أن نعطي من الزكاة من كان قادراً على التكسب ولو ترك التكسب تفرغاً للعبادة بل يقال له إعمل واكسب وأنفق على نفسك.

ويجوز أن نعطي الزكاة من ترك التكسب تفرغاً للعلم ولا ينبغي له أن يصنع ذلك. لا ينبغي له أن يترك التكسب ويبقى على زكوات الناس لكن إن صنع فيجوز أن نعطيه. لأنه يعمل في مصلحة المسلمين فإن العلم نوعى من الجهاد.

• ثم قال رحمه الله:

(3)

والعاملون عليها: وهم جباتها وحفاظها.

العمال على الصدقة هم الذين يبعثهم الإمام ولي الأمر - لجمع وتحصيل الزكوات والقدوم بها عليه.

مسألة: ويدخل فيهم كل من لا يتم العمل إلا به كالرعاة والذين يحسبون والذين يكتبون وكل من لا يقوم العمل إلا به يدخل في العاملين عليها.

مسألة: ما يعطى هذا العامل من الأجر من المال يعتبر أجرة مقابل عمله تصرف من الزكاة.

بناء على تقرير هذا المبدأ: يعطى أجرة نظيره - أجرة المثل.

فإذا قررنا أن ما يعطى هذا العامل هو أجره فيرجع في تقدير هذه الأجرة إلى نظيره ومثيله فيرجع إلى أهل العرف من عمل نظير هذا العمل فكم يعطى؟ فيعطى من الزكاة بهذا المقدار.

وعرف مما تقدم - من التعريف - أن الذين يجتهدون في جمع الزكاة ممن لم يرسلهم ولي الأمر لا يعتبرون في عرف الفقهاء من العاملين عليها وإنما يختص هذا بمن يرسله الإمام.

وسهم العاملين عليها محل إجماع. ودل عليه: الإجماع والكتاب والسنة.

- فالإجماع: حكاه غير واحد من أهل العلم.

- والكتاب: الآية.

ص: 434

- والسنة: ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل العمال لإحضار الصدقة ويعطيهم وممن أرسل صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرسل غيره أيضاً.

• ثم قال رحمه الله

(4)

الرابع: المؤلفة قلوبهم ممن يرجى إسلامه أو كف شره، أو يرجى بعطيته قوة إيمانه ،

المؤلفة ينقسمون إلى قسمين:

- من المسلمين.

- ومن الكفار.

والمؤلفة من الكفار ينقسمون إلى قسمين:

- القسم الأول: من يعطى رجاء إسلامه.

- والقسم الثاني: من يعطى لكف شره ولو لم يرجا أن يسلم.

- القسم الثاني: المؤلفة من المسلمين وهم أنواع:

- النوع الأول: من يعطى ليسلم نظرائه. ولو كان هذا الشخص الذي يعطى ممن أسلم وحسن إسلامه. فإنه يعطى ليسلم نظرائه.

بدليل: أن عدي بن حاتم رضي الله عنه أسلم وحسن إسلامه ومع ذلك أعطي من هذا السهم ليتألف من هم على شاكلته.

- النوع الثاني: من يعطى ليزداد إيمانه وليثبت في الإسلام.

بدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الأقرع بن حابس وأعطى مسلمة الفتح تقوية لإيمانهم.

- النوع الثالث: من يكون من المسلمين في أطراف البلاد فيعطون ليكفوا الشر عمن دونهم.

- النوع الرابع والأخير: من إذا أعطي سعى بجمع الزكاة ممن حوله وتحصيلها للإمام.

مسألة: نص الحنابلة في أكثر الكتب أن سهم المؤلفة يتعلق بمن كان رئيساً في قومه وسيداً مطاعاً. أما غير الرئيس والسيد فإنه لا يعطى فإذا رجي إسلام شخص من عامة الكفار فإنه لا يعطى.

= والقول الثاني: أنه يعطى.

وهذه المسألة: نريد أحد الإخوة يتبرع ببحثها وهي مسألة مهمة وفيها أقوال وأدلة ونحن لن نعين شخصاً لكن نقول إذا أحد نشط لبحثها فهي مسألة مهمة لا سيما من الإخوة الذين ليس عندهم اختبارات في الوقت القريب.

• ثم قال رحمه الله:

(5)

الخامس: الرقاب وهم المكاتبون، ويفك منها الأسير المسلم.

في الرقاب: يتناول صنفين: وعلى ما ذكر المؤلف ثلاثة:

ص: 435

- الصنف الأول: المكاتبون. فيجوز أن نعطي المكاتب ليكمل المكاتبة ويتحرر. لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. ولا يجوز أن نعطي المكاتنب القادر على تسديد ما عليه من الأقساط ولا يجوز أن نعطيه أكثر مما يحتاج إليه في تسديد دين المكاتبة إنما يقتصر على ما يحتاج إليه بشرط أن لا يتمكن هو من تسديد ماعليه.

- الصنف الثاني: أن نشتري عبداً من مال الزكاة ثم نعتقه. = وذهب إلى جواز ذلك الجمهور. وذهب إليه الإمام أحمد ثم صار في آخر أمره يتردد في جواز ذلك. وسبب التردد عن الإمام أحمد أنه إذا جاء زيد ممن يخرج الزكاة واشترى العبد وأعتقه صار الولاء لمخرج الزكاة فصارت الزكاة تجر على المخرج نفعاً فلهذا تردد فيها الإمام أحمد رحمه الله.

والأقرب والله أعلم ما ذهب إليه الجمهور من جواز إعتاق العبيد من الزكاة لأن الآية عامة بل المتبادر إلى الذهن في قوله: (وفي الرقاب) هم الذين يشترون ويعتقون.

فالأقرب والله أعلم الجواز لا سيما إذا كان العبد له غناء في الإسلام كأن يكون من العلماء أو من المجاهدين أو يحسن صنعه لا يحسنها غيره فالمهم أن يكون فيه صفة مرغوب فيها فينبغي أن يتبارى الناس في إعتاق مثل هذا الشخص وفي المقابل إذا كان العبد ممن يحسن صنعة محرمة كأن يكون مغنياً فإنه لا ينبغي أولا يجوز أن يعتق من مال الزكاة فاحتمال أنه لا ينبغي أو أنه لا يجوز. لأن اعتاق مثل هذا الشخص مفسدة في الحقيقة.

الصنق الثالث: هم من أشار إليهم المؤلف رحمه الله: (ويفك منها الأسير المسلم).

= ذهب الإمام أحمد في رواية اختارها المجد وحفيده أنه يجوز أن نعتق الأسير.

- أولاً: لأن هذا فك رقبة الأسير من الأسر.

- ثانياً: لأنه أولى من المؤلف فهو مسلم مأسور فيكون أولى من المؤلفة.

= والقول الثاني: أنه لا يجوز أن نفك الأسير بمال الزكاة وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد لأنه لا يدخل في عموم: (وفي الرقاب).

والصواب الأول إن شاء الله - وهو جواز فك الاسير من الزكاة.

والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد ....

مسألة: تلحق في الكلام عن المؤلفة قلوبهم.

سؤال: ألم يسقط سهم المؤلفة قلوبهم؟

ص: 436

الجواب: = من الفقهاء من ذهب إلى أن سهم المؤلف سقط ولا يشرع الآن أن نعطي أحداً من المؤلفة.

- لقوة الإسلام واستقراره.

- ولأن الصحابة رضي الله عنهم لم يعطوا هذا السهم في خلافتهم.

= والقول الثاني وهو الذي عليه الجماهير أن هذا السهم باق كما هو.

- لأن آية حصر الزكاة في الأصناف الثمانية من آخر القرآن نزولاً ولم يثبت لها ناسخ لا في السنة ولا في صريح فتاوى الصحابة.

وهذا القول الثاني - هو الصواب.

والجواب عن أن الصحابة - الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم لم يعطوا هذا السهم لأصحابه: أنهم لم يحتاجوا إلى ذلك لقوة الإسلام.

فنحن نقول إذا لم يحتنج ولي الأمر إلى هذا السهم فإنه لا يخرجه. وإذا احتاج إليه يخرجه.

أما أنه ينسخ ونقول لا يجوز فهذا قول مرجوح.

انتهى الدرس

ص: 437

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

انتهى المؤلف رحمه الله من الكلام عن خمسة من الذين يستحقون الزكاة بنص كتاب الله وانتقل إلى السادس:

• فقال رحمه الله:

باب أهل الزكاة

(6)

السادس: الغارم لإصلاح ذات البين.

قوله: (الغارم). الغارم يقصد به هنا المدين.

والغارم الذي يستحق الزكاة ينقسم إلى قسمين - ذكرهما المؤلف:

- - القسم الأول: هو الغارم لإصلاح ذات البين.

وتعريفه هو: من يتحمل في ذمته مالاً لإصلاح الخصومة التي تقع بين فئتين في مال أو دم.

فهذا الرجل الذي يتحمل هذا المال في ذمته للإصلاح بين المتخاصمين يستحق أن يعطى من الزكاة.

والدليل على هذا من وجهين:

- الوجه الأول: عموم الآية فإن هذا الرجل يصدق عليه أنه غارم.

- الوجه الثاني: ما ثبت في الصحيح أن فبيصة رضي الله عنه تحمل حمالة بين فئتين متخاصمتين ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وطلب أن يساعده فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمكث عندنا فإن الصدقة تأتي ونعطيك). ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة:) ثم قال في تعريف الأول: (إلا لثلاثة: من تحمل حمالة فيسأل حتى يقضيها).

ص: 438

فهذا الحديث نص لقوله: (من تحمل حمالة فيسأل حتى يقضيها).

فإذاً: أخذ الغارم دل عليه في الحقيقة الكتاب والسنة وعرفنا من هو الغارم لإصلاح ذات البين؟

ثم قال رحمه الله:

ولو مع غنى.

يعني يجوز لمن تحمل حمالة للإصلاح أن يأخذ من الزكاة ولو كان غنياً.

الدليل على هذا أيضاً من وجهين:

- الوجه الأول: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة) وذكر منهم الغارم.

- الوجه الثاني: - أو الدليل الثاني لجواز أخذه مع غناه - أنه إنما يأخذ لمصلحة المسلمين لا لمصلحة نفسه فجاز أن يأخذ ولو كان غنياً. كالعامل والمؤلفة قلوبهم.

مسألة: فهم مما تقدم أن المصلح لو تحمل مالاً بين الناس ودفعه نقداً ولم يلتزمه في ذمته فإنه لا يجوز له أن يأخذ من الصدقات.

التعليل:

- أنه بعد أن دفعه نقداً لا يسمى مديناً والغارم هو المدين. والله سبحانه وتعالى إنما أجاز للمدين أن يأخذ دون من دفع نقداً.

= والقول الثاني: أنه يجوز له أن يأخذ ولو دفع نقداً.

- لأن لا ينسد باب الإصلاح.

- ولأن لا يدخل الضرر على المصلحين.

ويشترط لأخذه على هذا القول أن: - ينوي الرجوع: أي حال الدفع نقداً.

ثم انتقل المؤلف رحمه الله للقسم الثاني: وهو الغارم لنفسه مع الفقر.

• فقال رحمه الله:

أو لنفسه مع الفقر.

- - فالقسم الثاني - من الغارمين -: الغارم لإصلاح نفسه.

وتعريفه هو: الفقير الذي يستدين لينفق على نفسه ومن يعول أو ليعالج نفسه أو نحو هذا من المهمات.

فهذا يجوز له أن يأخذ من الزكاة ويقضي الدين الذي عليه بإجماع العلماء. فلم يخالف فيه أخد.

ودل على مشروعية أخذه: - عموم الآية.

ويشترط ليأخذ شرطان:

- الشرط الأول: أن لا يكون اقترض الدين لمعصية فإن كان اقترض الدين ليعصي الله فإنه لا يجوز أن يسدد عنه من الزكاة إلا إذا تاب.

- الشرط الثاني: أن لا يوجد عنده من المال ما يتمكن به من السداد مهما كان نوع المال سواء كان هذا المال أثمان كالذهب والفضة أو عروض منقولة أو ثابتة. المهم أنه يشترط أن لا يكون عنده أي مال يستطيع أن يسدد به هذا الدين سواء كانت التسديد مباشرة أو بأن يبيع العرض ويسدد دينه.

ص: 439

فإن أخذ مع وجود ما يمكن أن يسدد به الدين فقد أخذ مالاً محرماً عليه.

• ثم قال رحمه الله:

(7)

السابع: في سبيل اللَّه.

السابع من مصارف الزكاة: في سبيل الله.

ويقصد به: المجاهد. وهذا عند الحنابلة.

فإن المجاهد في سبيل الله يجوز له أن يأخذ من الزكاة.

واختلف العلماء في تحديده:

= فذهب الجماهير من الأئمة الأربعة وجمهور السلف والخلف وعامة العلماء إلى أن المقصود بسبيل الله هو: المجاهد في سبيل الله فقط.

واستدلوا على هذا بأدلة:

- الدليل الأول: أن مصطلح في سبيل الله يراد به في الشرع المجاهد. فإن كلمة في سبيل الله جاءت في كتاب الله في جميع المواضع - إلا شيئاً يسيراً -: يقصد بها المجاهد.

وإذا كان يقصد بها المجاهد فإن العلماء قرروا قاعدة وهي: ((أن حمل اللفظ على معناه المتبادر المعروف المنتشر أولى من حمله على غيره من المعاني)).

- الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاتحل الصدقة لغني إلا لخمسة: ثم قال: (لغاز في سبيل الله). فنص على الغازي. والغازي هو: المجاهد.

- الدليل الثالث: أن القول بأن مصرف في سبيل الله يقصد به: جميع أوجه البر والخير يؤدي إلى إلغاء الحصر الموجود في الآية فيصبح كأنه لا معنى له.

= القول الثاني: وهو قول لبعض الأحناف وقول لبعض المعاصرين أن فس سبيل الله يقصد به جدميع أوجه البر.

واستدلوا بدليلين:

- الأول: أن سبيل الله لفظ عام يقصد به جميع أنواع رالطاعات والبر والخير. فحصر مدلول اللفظ على شيء واحد - وهو الغازي - بلا دليل لا يجوز.

والجواب: نقول: تقدمت الأدلة الواضحة على هذا الحصر.

- الثاني: قالوا: أنه روي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا: الحج من سبيل الله. والحج نوع من الطاعات يختلف كما هو معلوم عن الجهاد.

والجواب: أن الحج من سبيل هذا صحيح. لكن لا يقصد به السبيل الذي ذكر في الآية بل يقصد به السبيل العام.

وبهذا أجاب الجمهور. وبكل حال لا يمكن لفتوى ابن عباس وابن عمر أن يعارض بها النص الصريح وأنا أعتبر أن الآية صريحة بأن المقصود المجاهد لأنه لا معنى للحصر لو جعلنا المقصود بها جميع أنواع الطاعات.

ص: 440

ثم يكون التنصيص على الفقير والمسكين والعامل والمؤلفة والغارم لا معنى له مطلقاً لأن هذه جميعاً تدخل في سبيل الله وغيرها من بناء الجسور وتمهيد الطرق والحج وغيره فصارت الآية لا معنى لها ولا مفهوم ولذلك لم يذهب إلى هذا القول أحد من الأئمة المتقدمين سوى بعض الأحناف وأولع به بعض المعاصرين وصار يتبناه وهو قول فيما أرى ضعيف بل ضعيف جداً.

• ثم قال رحمه الله:

وهم الغزاة المتطوعة الذين لا ديوان لهم.

قوله: (وهم الغزاة) يدل على أنه يجب أن نعطي المجاهد في سبيل الله المال مباشرة ولا يجوز أن نشتري له فرساً أو آلة حرب.

الدليل:

- أنا إذا أعطيناه الفرس فقد أعطيناه فرساً ولم نعطه الزكاة. قال الإمام أحمد: آتاه فرساً ولم يؤته الزكاة. والواجب أن يؤتيه الزكاة.

= القول الثاني: أنه يجوز للإنسان أن يشتري بماله الزكوي ما يتعلق من آلاته ووسائل النقل الخاصة به التي تستعمل فيه أي في الحرب ثم يعطيها المجاهدين أو يرسلها للثغور.

واستدلوا على هذا:

- بأن من اشترى بزكاته آلة الحرب فقد صرف الزكاة في سبيل الله أي في الجهاد.

وهذا القول الثاني إن شاء الله هو الأقرب وإن كان القول الأول أحوط. لكن القول الثاني هو الراجح.

ومن أسباب ترجيحه أن الله تعالى قال: - (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ).

فعبر بفي ولم يعبر باللام.

واللام: هي التي تقتضي التمليك.

وفي: تقتضي أن يبذل مال الزكاة في هذه الجهة.

ومن اشترى آلة حرب وأرسلها للمجاهدين فقد بذل هذا المال في هذه الجهة.

ولهذا نقول أن الثاني إن شاء الله أرجح لكن الأول أحوط باعتبار أنه إذا أعطى المجاهد المال مباشرة فقد أخرج الزماة في مصرفه بإجماع أهل العلم.

وقوله: (وهم الغزاة المتطوعة) قوله وهم الغزاة لم يقيد هذا بأن يكونوا فقراء فيجوز أن تعطي المجاهد ولو كان غنياً ولو كان يستطيع أن يجهز نفسه.

= وإلى هذا ذهب الجماهير: أنه يجوز أن نعطي المجاهد ولو كان غنياً.

واستدلوا على هذا:

- بأن الآية عامة: (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) ومن أعطاها مجاهداً غنياً فقد بذلها في سبيل الله.

ص: 441

- واستدلوا بدليل آخر: وهو: أن المجاهد إنما يأخذ الزكاة لمصلحة المسلمين لا لمصلحة نفسه وكل من أخذ الزكاة لمصلحة المسلمين جاز أن يأخذ مع غناه كالعامل كما تقدم.

= وذهب الأحناف إلى أنه لا يجوز أن نعطي المجاهد زكاة إلا إذا كان فقيراً.

- لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم.

والصواب اتلقول الأول: - لأن قوله صلى الله عليه وسلم فترد في فقرائهم مخصوص بالنصوص العامة. هذا أولاً.

- وثانياً: لأن اشتراط الفقر في المجاهد يلغي مصرف في سبيل الله مستقلاً يعني: يصبح مصرف في سبيل الله غير مستقل فيصير تبعاً للفقير فيكون لا حاجة لذكره.

والقول الذي يؤدي إلى إلغاء مصرف من المصارف الثمانية دليل على ضعفه ولذلك لم يذهب إليه أحد من الأئمة الأربعة إلا أبو حنيفة فقط وأما الجماهير من الأئمة الثلاثة وغيرهم من السلف فيرون جواز إعطاء المجاهد ولو كان غنياً.

• ثم قال رحمه الله:

المتطوعة أي - وفي نسخة - (الذين) لا ديوان لهم.

ونسخة الذين أوضح.

وقوله: (الذين لا ديوان لهم) أي: فإن كان لهم مرتب من الديوان فإنه لا يجوز أن نعطيهم من الزكاة لاستغنائهم بما يأخذون من بيت المال عن الزكاة.

إلا في حالة واحدة: إذا كان الذي يأخذون من بيت المال لا يكفي فيجوز أن نعطيهم كمال الكفاية من الزكاة.

ثم قال رحمه الله:

(8)

الثامن: ابن السبيل.

وعرف ابن السبيل بقوله:

المسافر المنقطع به.

ابن السبيل: تعرفه: هو المسافر الذي ليس له ما يرجع به إلى بلده.

فإذا وجدنا رجلاً فقيراً انقطع ولم يستطع الرجوع إلى بلده جاز أن نعطيه من الزكاة ولو كان غنياً في بلده كما سيأتينا في كلام المؤلف رحمه الله.

مسألة: تبين من هذا التعريف أنه لا يعتبر داخل في مفهوم ابن السبيل من أراد أن يسافر من بلده إلى بلد آخر ولو كان فقيراً.

ويجب أن تفهموا أنه إذا قيل المسافر إذا أراد أن يسافر من موطنه لا نعطيه من الزكاة ولو كان فقيراً أنا لا نعطيه بسبب ابن السبيل لكن إذا أردنا أن نعطيه لكونه فقير فهذا باب آخر وإنما البحث الآن في مصرف ابن السبيل.

ص: 442

فالإنسان الذي في بلده يريد أن يسافر ولو كان فقيراً ولو كان سيسافر لحاجة مهمة فإنه لا يجوز أن عطيه.

الدليل: الدليل: - أن المتبادر من إطلاق ابن السبيل: الغريب. ومن كان في وطنه فهو في وطنه وليس غريباً.

- ثانياً: أن قوله: (ابن السبيل) تعني: من يلازم السبيل أي الطريق ومن كان في بلده فليس كذلك.

مسألة: علم من التعريف أن من كان مسافراً ويريد أن يسافر إلى بلد غير بلده ثم يرجع إلى بلده فإنه لا يعطى من الزكاة إنما الذي يعطى من أراد أن يرجع إلى بلده.

فإن كان يريد أن يذهب من البلد التي هو فيها إلى بلد آخر ثم يرجع إلى بلده فإنه لا يعطى.

= وإلى هذا ذهب بن قدامة ونصره.

واستدل على هذا:

- بأن النص إنما جاء بإعطاء من يريد أن يرجع إلى بلده لحاجته أما من يريد أن يذهب إلى بلد آخر ثم يرجع إلى بلده فلا يدخل في هذا المصرف.

= القول الثاني: - وهو وجه للحنابلة - أنه يجوز أن نعطي من كان هذا شأنه ليذهب إلى البلد التي يريد ثم يرجع إلى بلده إلا إذا كان ذهابه لتلك البلد على سبيل النزهة.

الدليل:

- لأن هذا الرجل يصدق عليه أنه ابن السبيل وكونه سيذهب إلى بلده أو سيذهب إلى بلد آخر ثم يرجع إلى بلده لا يرفع عنه أنه ابن سبيل لا سيما وأن سفره سيكون لحاجة لأنه اشترطنا أن لايكون سفره سفر نزهة.

ويبدو لي والله أعلم أن هذا القول - الثاني - أقرب لمقصود الشارع وهذا فيما يبدو لي مع العلم أن المسألة تحتمل البحث وما ذكره ابن قدامة قوي.

لأنا نقول: إذا كنت فقير إذهب إلى بلدك مباشرة وخذ من الزكاة لكن الذي يجعل الإنسان يرجح القول الثاني أنه قد يحتاج الإنسان إلى الذهاب إلى بلد آخر قبل أن يذهب إلى بلده إما لحاجة العلاج أو لأي حاجة لابد له منها فيعطى وحتى لا تكون المسألة شكلية لأنه إذا ذهب إلى البلد الآخر ثم أراد أن يرجع إلى بلده فسنعطيه عند جميع المذاهب.

فبقينا فقط في ذهابه من البلد الآخر إلى البلد الذي سيذهب منه إلى بلده فما دام أنه محتاج وفقير ولا يستطيع أن يسافر وهو منقطع الآن ولن يصل إلى بلده ويريد أن يذهب إلى بلد آخر ثم بلده فالأقرب والله أعلم أنه يعطى.

• ثم قال رحمه الله:

فيعطى قدر ما يوصله إلى بلده.

ص: 443

يعني: ولو كان غنياً فيه.

- لأن المال الذي في بلده لا قدرة له عليه فوجوده كعدمه.

وفهم من هذا - بطبيعة الحال - أنه إذا كان له مال في بلده وهو بلد آخر لكن يتمكن من الحصول على هذا المال كما في وقتنا هذا ببساطة وسهولة فإنه يحرم عليه أن يأخذ من الزكاة وليس مصرفاً من مصارف الزكاة.

فإن أخذه فقد أخذ مالاً محرماً.

• ثم قال رحمه الله:

دون المنشئ للسفر من بلده.

هذه تحدثنا عنها

ثم انتقل المؤلف رحمه الله للكلام عن قدر ما يعطى الفقير.

فقال رحمه الله:

ومن كان ذا عيال: أَخَذَ ما يكفيهم.

يعني أن الفقير يجوز له أن يأخذ ما يكفيه ويكفي من يعول سواء كان من يعول من عياله أو من أقاربه الذين يجب عليه أن ينفق عليهم.

التعليل:

- لأن مقصد دفع الزكاة كفايته وكفاية من يعول.

فإذا كان مع الرجل في منزله عشرة أنفس فإنه يعطى من الزكاة قدر ما يكفي عشرة ولا يعطى قدر ما يكفيه هو فقط.

عرفنا الآن أنه يجوز أن نعطي الفقير كفايته وكفاية من يعول.

ننتقل إلى مسألة أخرى وهي: كم يعطى؟ وما هي الكفاية؟

اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافاً طويلاً:

= فالجمهور ومنهم الحنابلة: أنه يعطى ما يكفيه لسنة واحدة فقط.

واستدلوا:

- بأن الله سبحانه وتعالى شرع الزكاة حوليه فيأخذ ما يكفيه لسنة فإن استغنى فبها ونعمت وإلا أخذ من الزكاة للسنة القادمة.

= القول الثاني: أنه يأخذ ما يغنيه لفتح متجر أو لشراء آلة عمل. يعني: يعطى من المال ما يكون سبباً في غناه عن طريق فتح متجر أو اشتراء آلة عمل.

وإلى هذا ذهب الشيخ ابن قاضي الجبل - وقد تقدم معنا أن له اختيارات قوية.

= القول الثالث: أنه يعطى من المال دفعة واحدة ما يكون به غنياً ولو كثر.

وهذا قول لبعض الحنابلة ونسب إلى شيخ الاسلام اختياراً.

= القول الرابع: أنه يعطى مقدار النصاب فقط. يعني يعطى مقدار مائتي درهم فقط فاضلاً عن مسكنه وفرشه وخادمه.

يعني: يعطى ما يتمكن به من السكن واللباس والأكل والخادم ثم يعطى فوق ذلك النصاب مائتي درهم.

استدلوا:

- بأن من ملك نصاباً فهو غني لقوله: (تؤخذ من أغنيائهم). ومن ملك نصاباً فعليه زكاة.

ص: 444

= [القول الخامس] وقيل: يعطى من المال ما يكفيه العمر كله حسب الغالب في سنه.

= [والقول السادس] وقيل: أنه لاحد لذلك. فليس لما يعطى حد معروف بل يرجع فيه إلى رأي ولي الأمر حسب ما تقتضيه الحال.

وإلى هذا ذهب ابن حزم رحمه الله. لأنه ليس في الباب أدلة.

وذكرنا ستة أقوال في المسألة.

والأقرب والله أعلم القول الأول وهو رأي الجمهور إلا في حالة واحدة إذا كثرت الزكاة واتسع الأمر فإنه يعطى ما يصير به غنياً مما يتمكن به من التجارة. يعني القول الثاني.

يعني ما نعطيه نقداً ما يكون به غنياً كما هو القول الثالث ولكن نعطيه ما يتمكن به من الشراء شراء ما يتاجر به ويصبح غنياً وينتفع المجتمع به.

فالحقيقة هذا القول جيد جداً ويكاد يكون هو الراجح.

لكن لابد من تقييده أنه في حال السعة فليس من المعقول ولا من المقبول أن يبقى رجل فقير لا يجد ما يأكل ونعطي الفقير الآخر ما يشتري به حانوتاً أو يشتري به آلة ليتاجر بها.

لكن في حال السعة إخراج هذا الفقير من فقره إلى حد الغنى عن طريق التجارة ونفع المسلمين أمر مقصود للشارع بهذا القيد.

ولعل هذا القول الأخير يكون جامعاً بين القول الأول والثاني وهو الأقرب.

• ثم قال رحمه الله:

ويجوز صرفها إلى صنف واحد.

إذا أراد الإنسان أن يخرج الزكاة فإما أن يخرج الزكاة إلى جميع الأصناف أو إلى صنف واحد.

فإن أخرج الزكاة إلى جميع الأصناف فهو المستحب ويجزيء بالإجماع. فهو خارج محل النزاع.

وإن أخرجها - وهو القسم الثاني - إلى بعض الأصناف ففيه خلاف:

= القول الأول وهو مذهب الحنابلة والجمهور: أنه يجوز أن تدفع الزكاة إلى صنف واحد بل إلى رجل واحد من صنف واحد.

أي فلا يجب أن نقسم الزكاة بين المستحقين من صنف واحد.

واستدل هؤلاء:

- بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم). فنص على صنف واحد.

- وقوله: {وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} [البقرة/271]. ونص على صنف واحد.

= القول الثاني: وهو للإمام مالك أنها تصرف حسب الحاجة الأولى فالأولى مهما كان الصنف.

= القول الثالث: وهو للشافعية: أنه يجب أن نقسم الصدقة على الأصناف الثمانية وجوباً.

ص: 445

- لأن الله سبحانه وتعالى عطف الأصناف بالواو مما يدل على التشريك بينهم حال التوزيع.

والراجح والله أعلم: أنه يجوز أن تصرف لصنف واحد وتعطى الأولى فالأولى على سبيل الاستحباب لا الوجوب.

- لأن من أعطى الزكاة صنفاً ولم يعطه آخر أو أعطى شخصاً مع وجود من هو أولى منه يصدق عليه أنه أخرج الزكاة لمستحقها.

والقول بأنه يجب استيعاب الأصناف الثمانية بل والقول بأنه يتحتم إعطاء الأولى فالأولى يتعذر العمل به ولا تكاد تجد أحداً يعمل بهذا القول: - أولاً: لصعوبة التقصي ومعرفة حال الناس.

- وثانياً: لتوزع الأصناف واختلافها ووجود بعضها في منطقة دون بعض فلا شك أن هذا متعذر العمل به.

فنقول: نجمع بين القول الأول والثاني. أنه يجوز صنف ويستحب فقط أن نعطيها الأولى فالأولى.

• ثم قال رحمه الله:

ويسن إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم.

يعني: يسن أن يقدم الإنسان من هذه الأصناف قريبه. يسن وليس ذلك من المحابات في شيء

بشرط: أن لا يلزم المخرج نفقة الفقير.

والدليل على استحباب هذا الأمر من وجهين:

- الأول: الإجماع. وحكاه المجد. وقال رحمه الله:إجماعاً.

- الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: (الصدقة على القريب صدقة وصلة).

فلاشك أنه ينبغي للإنسان أن يعطي قريبه ويقدم هذا القريب على غيره من الناس مادام من أهل الزكاة.

فصل

• ثم قال رحمه الله:

(فصل).

المقصود بهذا الفصل:

- بيان الأصناف الذين لا يجوز أن نعطيهم من الزكاة ولو كانوا في الجملة من الأصناف الثمانية.

- وليبين مسألة صدقة التطوع وما يتعلق بها من أحكام.

• قال رحمه الله:

ولا يدفع: إلى هاشمي.

الهاشمي هو من كان من سلالة: هاشم جد النبي صلى الله عليه وسلم.

فلا يجوز لمن كان هاشمياً أن يأخذ من الصدقة. ولا يجوز لمن أراد أن يدفع الصدقة أن يعطيها من يعلم أنه من بني هاشم.

والدليل على هذا أيضاً من وجهين:

- الأول: الإجماع. فقد أجمعوا - في الجملة - على أن الهاشمي لا يأخذ من الصدقات. أجمعوا - في الجملة - ففي بعض المسائل فيها خلاف لكن في الجملة أن الهاشمي لا يجوز أن يأخذ من الزكاة.

ص: 446

- الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن الصدقة لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس).

- الثالث: ما صح أن الحسن رضي الله عنه أراد أن يأخذ تمرة من الصدقة فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أما علمت أن الصدقة لا تحل لآل محمد).

فلم يبق شك ولا إشكال بعد هذه النصوص والإجماع أن الصدقة أي الزكاة لا تحل لآل النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم.

• ثم قال رحمه الله:

ومطلبي.

= يعني أيضاً: لا يجوز أن نعطي المطلبي من الزكاة.

واستدلوا على هذا بدليلين:

- الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بنو المطلب بنو هشام شيء واحد).

- الثاني: أنه ثبت في السنة أن المطلبي له حق في الخمس كما للهاشمي فاستووا في استحقاق الخمس فيستوون في منع الزكاة.

= والقول الثاني: أنه يجوز دفع الزكاة للمطلبي.

- لأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على المنع في آل محمد وليسوا من آله.

وأما أن الخمس يستحقه المطلبي فلأن هذا مرجعه إلى النصرة لا إلى القرب بدليل: أن الذين يساوونهم في القرب من النبي صلى الله عليه وسلم كبني عبد شمس ليس لهم من الخمس شيء فدل على أنهم استحقوا الخمس بالنصرة والوقوف مع النبي صلى الله عليه وسلم لا بالقرابة.

وهذا القول الثاني هو الصواب.

بناء على هذا: يحصر المنع في الهاشمي فقط.

مسألة/ هل يجوز أن يأخذوا من الصدقة التي ليست واجبة؟

فيه خلاف:

= القول الأول: أنه لا يجوز.

- لأنها تسمى صدقة.

= القول الثاني: أنه يجوز.

- لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل بأنها أوساخ الناس وصدقة التطوع ليست من أوساخ الناس بل من فضائل الناس.

مسألة / هل يجوز للهاشمي أن يأخذ من زكاة الهاشمي؟

فيه خلاف:

والأقرب والله أعلم في مسألة هل يجوز للهاشمي أن يأخذ من زكاة الهاشمي؟ - أنه لا يجوز.:

- لأن النص عام.

- ولأن الزكاة سواء كانت من بني هاشم أو من غيرهم إنما هي أوساخ الناس. مهما كان المخرج.

ففي المسألة الثانية وهي: صدقة الهاشمي: لا يجوز أن يأخذ.

• ثم قال رحمه الله:

ومواليهما.

يعني مولى الهاشمي ومولى المطلبي.

مولى الهاشمي ومولى المطلبي: لا يجوز له أيضاً أن يأخذ.

ص: 447

- أما مولى الهاشمي: فلا يجوز له أن يأخذ. ولا إشكال: لأن أبا رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخرج مع عامل الصدقة ليأخذ معه فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إن مولى القوم من أنفسهم).

فحكم مولى بني هاشم حكم بني هاشم.

- وأما مولى المطلبي فإذا كان الراجح في المطلبي أنه يأخذ فمولاه من باب أولى.

ولو رجحنا أن المطلبي لا يأخذ لكان المولى أيضاً لا يأخذ.

• ثم قال رحمه الله:

ولا إلى فقيرة تحت غني منفق.

لا يجوز للفقيرة أن تأخذ إذا كانت تحت غني منفق سواء كان هذا الغني المنفق زوج أو أب أو أي قريب ممن يجب عليه أن ينفق عليها.

والتعليل:

- أنها مستغنية بهذه النفقة. والمستغني بالنفقة لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة. وهذا الحكم معلوم مما تقدم معنا حين بحثنا مسألة: متى يرتفع اسم الفقر؟ وأخذنا أنه يرتفه بثىثة أمور منها: وجود المنفق.

فتلك المسألة توضح هذه ولكن نص المؤلف رحمه الله عليها لكزيد الإيضاح.

فنقول: من وجد من ينفق عليه فإنه لا يجوز أن يأخذ من الزكاة.

• ثم قال رحمه الله:

ولا إلى فرعه وأصله.

لا يجوز للانسان أن يدفعه الزكاة إلى فرعه ولا يجوز أن يدفع الزكاة إلى أصله.

والمقصود بالأصل: الوالد وإن علا.

وبالفرع: الولد وإن نزل.

والكلام حول هذا الموضوع ينقسم إلى قسمين:

ــ القسم الأول: من تجب عليه نفقتهم: سواء كان والد أو ولد.

= فهذا لا يجوز أن يدفع الزكاة لهم بالإجماع.:

- لأن دفعه الزكاة فيه وقاية لماله.

- ولأن حقيقة هذه الزكاة تعود إليه. ولأن فائدة هذه الزكاة تعود إليه لأنه يوفر على نفسه في النفقة.

ــ القسم الثاني: من لا تلزمه نفقته: - إما أنه لا يرثه كابن البنت. - أو لأن ماله لا يتسع له. فهذا فيه خلاف.

= القول الأول: للحنابلة أن أيضاً هذا لا يجوز أن ندفع الزكاة له.

- لدخوله في عموم مسمى الابن ولو لم يرث.

= والقول الثاني: أنه يجوز أن نعطي من كان هذه حاله من الزكاة.

- لوجود المقتضي السالم من المعارض.

المقتضي للزكاة: هو أنه فقير. وهذا المقتضي لا يجوز له معارض أو دافع لأنه ليس هو الذي ينفق عليه.

ص: 448

بناء على هذا: إذا كان شخص عنده عائلة ويخرج الزكاة ولا يستطيع أن ينفق إلا على من في بيته وله ابن بنت فقير:

= فعند الحنابلة: لا يجوز له أن يعطيه من الزكاة.

= وعلى القول الصواب يجوز أن يعطيه من الزكاة.

وهذا القول الأخير اختيار شيخ الإسلام رحمه الله وهو اختيار قوي ومسدد لأن لا يدفع الإنسان زكاته للغريب مع حاجة القريب لأن هذا الابن بكل حال لن ينفق عليه فدفع الزكاة للبعيد مع بقاء حاجة القريب.

مسألة / يجوز أن يدفع الزكا للوالد وإن علا والولد وإن نزل إذا كانت الزكاة تعطى لمصلحة المسلمين لا لمصلحته الخاصة: كأن يكون مجاهداً أو عامل أو من المؤلفة أو كل من يعطى الزكاة لمصلة المسلمين. أو أن يكون غارماً لإصلاح ذات البين.

فإذاً إذا كان الإنسان ابن مجاهد أو ابن لأحد العاملين عليها أو من المؤلفة قلوبهم أو غارم لإصلاح ذات البين فيجوز أن يعطيه من الزكاة ولو كثرت.

حتى لو كان هو الذي ينفق عليه.

مسألة / يجوز للوالد أن يعطي ابنه وللابن أن يعطي أباه من الزكاة في كل ما لا يجب عليه أن يقضيه عنه.

مثاله: الدين.

فإذا كان الأب مديناً فإنه لا يجب على الابن أن يقضي دين أبيه.

كذلك العكس: لو كان الابن مديناً فإنه لا يجب على الأب أن يقضي دين الإبن.

بل يجب عليه فقط أن ينفق أما قضاء الديون فليس بواجب.

فإذا كان لا يجب عليه جاز أن يعطيه من الزكاة.

• ثم قال رحمه الله:

ولا إلى عبد.

- لأن العبد مستغني بنفقة سيده.

- ولأن حقيقة الأمر أن المال سيذهب إلى السيد فسيكون ملكاً للسيد.

بناء على هذا التعليل: يجوز أن نعطي العبد إذا كان السيد يستحق الزكاة. لأن إعطاء العبد هو بمثابة إعطاء السيد.

ثم قال رحمه الله:

وزوج.

لا يجوز للمرأة أن تعطي زوجها: = عند الحنابلة.

وعللوا ذلك:

- بأنها تنتفع من الزكاة. لأن الزوج سينفق على الزوجة.

= والقثول الثاني: أنه يجوز للزوجة أن يعطي الزوج.

واستدلوا:

- بحديث ابن مسعود لما ذهبت زوجه زينب تستفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ان تعطيه من الصدقة أولا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (زوجك وولدك أحق من تصدقت عليه).

ص: 449

فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجوز بل هم أحق من غيرهم.

وهذا القول هو الصحيح لأن الحديث فيه نص.

مسألة / هل يجوز أن تعطي زوجها ولو كان لها أولاد منه وهو وهم فقراء؟

فيه خلاف قوب:

= اقول الأول: أنه لا يجوز.

- لأنه سينفق المال على الأولاد الفقراء. وهؤلاء الأولاد الفقراء إذا كانوا لا يجدون كفايتهم يجب على الأم أن تنفق عليهم.

= والقول الثاني: أنه يجوز أن تعطي زوجها ولو كان لها منه أولاد فقراء.

لدليلين:

- الأول: أنه لا يجب على الأم أن تنفق على الأبناء بوجود الأب. كما قال الحافظ بن حجر رحمه الله.

- الثاني: - وهو الدليل الأقوى - أن حديث ابن مسعود عام ولم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم هل لك منه أولاد أو لا؟ وإنما أمرها بدفع الصدقة له بلا تفصيل.

فإن قيل: الصدقة في حديث ابن مسعود هي صدقة التطوع لا الواجبة.

فالجواب: من وجهين:

- الأول: أنه لا دليل على تخصيص الصدقة للتطوع بل الحديث شامل التطوع والواجبة لأنه لا يوجد ما يدل على التخصيص وتخصيص اللفظ بلا دليل لا يجوز.

- والثاني: أنه في صدقة التطوع أيضاً لا يجوز أن ترجع المصلحة للمتصدق أو المتطوع ولو كانت صدقة تطوع. وذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشتري الإنسان ما تصدق به مع أنه سيأخذه بالثمن ومع ذلك نهاه.

فالأقرب والله أعلم أنه يجوز للزوجه أن تعطي زكاتها للزوج مطلقاً بلا تفصيل كما جاء في الحديث فتعطيه ولو كان لها منه أولاد.

• ثم قال رحمه الله:

وإن أعطاها لمن ظنه غير أهل فبان أهلاً

لم يجزئه.

يعني لم تجزئ عنه.

لماذا؟

لأنه أعطى وهو شاك. والعبادة يجب أن يؤديها الإنسان وهو جازم على يقين. هذا شيء.

الشيء الثاني: ان من أعطى زكاته لرجل يظن أنه ليس أهلاً للصدقة فهو إما متساهل أو متلاعب.

ولا نقول دائماً أنه متلاعب. بل الغالب أنه متساهل. ولا يجوزأن يتساهل الإنسان في إبراء ذمته حين إخراج الزكاة.

• ثم قال رحمه الله:

أو بالعكس. لم يجزئه. إلاّ لغني ظنه فقيراً.

يعني: لايجوز ولا تجزئ الزكاة إذا أعطاها لمن يظن أنه أهل ثم بان أنه ليس من أهل الزكاة إلا الغني إذا ظنه فقيراً.

ص: 450

إذاً: = عند الحنابلة إذا أعطى الزكاة لمن يظنه أهلاً للزكاة ثم تبين أنه ليس من أهل الصدقات فإنه لا يجزئه إلا في صورة واحدة إذا أعطاها غنياً يظنه فقيراً.

الدليل على أنها لا تجزئه:

- أن بالإمكان لنخرج الزكاة أن يتثبت بالعلامات الظاهرة من حال الفقير أو من حال المستحق. فإذا لم يفعل لم يجزئه لأنه ترك ما يستطيع فعله أثناء أداء الواجب.

وأما استثناء الغني:

- فلما ثبت في الصحيح أن رجلاً قال: لأتصدقن وفي رواية الليلة ثم خرج ووضع الصدقة في يد فقير ثم لما أصبحوا تحدثوا أنه تصدق البارحه على غني فقال على غني: الحمد لله ثم أتي أي في المنام وقيل له قد قبل الله صدقتك.

فاستدلوا بهذا الدليل على استثناء الغني فقط من بين أصناف أهل الزكاة.

= والقول الثاني: أن من دفع إلى من يظن أنه من أهل الزكاة فبان من غيرهم أجزأته مهما كان الصنف سواء كان غنياً أو غير هذا الصنف.

- قياساً على الغني: لأنه لا يوجد ما يدل على تخصيصه بالحكم وإنما هذه حادثة عين.

- والدليل الثاني: أن معن بن يزيد رضي الله عنه أخذ صدقة والده ظاناً أنه يريده هو بالصدقة فقال والده: والله ما أردتك. فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لك ما أخذت يا معن ولك ما نويت يا يزيد).

فصحح الصدقة مع العلم أن الأب ما كان ناوياً الابن فدل على أن الإنسان إذا وضع الزكاة في غير محلها أو أخطأ في مراده فإن صدقته تجزئ وتجوز.

وهذا القول هو الصواب أنه مادام اجتهد ثم وضعها في غير أهلها تجزئ عنه.

فائدة:/ ظاهر مذهب الحنفية: التفصيل التالي:

- أنه إن اجتهد وبذل الوسع أجزأت عنه.

- وأن لم يجتهد وفرط لم تجزئ عنه.

وقالوا: الاجتهاد يكون بالنظر إلى المظاهر الخارجية للفقير ومعرفة أحواله التي يمكن للإنسان أن يعرفها من مظهره فهذا هو الاجتهاد.

فإن اجتهد أجزأت وإن لم يجتهد لم تجزئ.

هذا تفصيل عند الأحناف.

والقول الثاني: الذي ذكرت أنه هو الراجح هو الأقرب.

ص: 451

أما مسألة: اجتهد أو لم يجتهد إذا لم يجتهد وفرط فهو آثم بكل حال وفي كل مناسبة فلا نحتاج أن نقيد في مثل هذا السياق مسألة أنه اجتهد أو لم يجتهد لكن الأصل أن من أراد أن يخرج الزكاة أن يجتهد في وضعها في أهلها فإن لم يجتهد فهو آثم بل ربما نقول: لو أن الإنسان لم يجتهد ووضعها في أهلها فإنه لا يسلم من الإثم مع أنها تجزئ عنه لأنه فرط لأن الواجب على من أراد أن يخرج أن يجتهد في إيقاعها في الأصناف التي نص الله عليها في كتابه.

والله أعلم.

ص: 452

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

(نقص من التسجيل)

وإلا فقد يعرض لصدقة العلانية ما تكون به أفضل من صدقة السر. لكن الأصل أن صدقة السر أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله

وذكر منهم رجل تصدق بصدقة قال في الحديث فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) ففي قوله: أخفاها وفي قوله: حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. تأكيد على أن السر أفضل من العلانية.

وصدقة التطوع: مستحبة.

• ثم قال رحمه الله:

وفي رمضان. يعني: أفضل.

أي أن هذا الوقت المحدد وهو شهر رمضان الصدقة فيه أفضل من الصدقة في سائر الشهور.

ويدل على هذا عدة أمور:

- الأول: أن الحسنات تضاعف في هذا الشهر الكريم.

- الثاني: أنه يستعان بالصدقة في هذا الشهر بالذات على أعمال البر والخيرات. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائماً فله مثل أجره).

- الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أجود ما يكون في رمضان. وكونه صلى الله عليه وسلم يجتهد في إخراج الصدقة في رمضان ما لا يجتهده في سائر الشهور دليل على فضل هذا الشهر.

• ثم قال رحمه الله:

وأوقات الحاجات: أفضل.

أوقات الحاجات الإطعام فيها أفضل من غيرها من أوقات السعة. فإذا تصدق الإنسان على الناس الفقراء في أوقات الحاجة فهو أفضل.

ص: 453

وكذلك يقال: أن الصدقة على الأشد حاجة أفضل من الأقل حاجة ولو كانت الحاجة ليست عامة لقوله تعالى: - (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) -[البلد/14] فنص على أن الإطعام في اليوم الشديد أحب إلى الله ولأن حاجة المسكين أشد في هذه الأحوال سواء كان حاجة خاصة كما قلت أو حاجة عامة كأن تنزل بالمسلمين نازلة عامة.

• ثم قال رحمه الله:

وتسن: بالفاضل عن كفايته ومن يمونه.

يعني أن الصدقة تكون سنة ومحبوبة إلى الله إذا تصدق الإنسان بما يزيد عن نفقته ونفقة من يمونهم. فحينئذ تكون مستحبة.

- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الصدقة ما كان عن ظهر غنىً وابدأ بمن تعول).

ففي هذا الحديث دليل على أن الصدقة المستحبة إنما تكون بما زاد عن نفقته ونفقة من يمونهم ولا يريد المؤلف في هذه العبارة أن يبين حكم النقص من النفقة للصدقة فإن هذا سيذكره بالعبارة التالية لكنه يريد أن يبين أن الصدقة إنما تستحب في هذه الحال بأن تكون بالزائد عن حاجته ونفقته.

• ثم قال رحمه الله:

ويأثم بما ينقصها.

يُنَقِّصُهَا أو: ولعله الأقرب: يُنْقِصُهَا كما ضبطها شيخنا رحمه الله.

والمعنى قريب إن شاء الله.

إن تصدق بصدقة أدت إلى النقص في نفقته أو نفقة من يمونهم فهو آثم.

- لأنه قدم المستحب على الواجب. فإن نفقة الإنسان على نفسه وعلى من يجب عليه أن ينفق عليهم واجبة ولا يجوز للإنسان أن يقدم المستحب على الواجب.

- ويستدل لهذا أيضاً بما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول).

فهذا الحديث دليل على أنه لايجوز للإنسان أن يضيع من يعول بأن ينفق نفقة تنقص من الواجب لهم.

- ويدل على ذلك أيضاً أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن عنده دينار يريد أن يتصدق به فقال: (تصدق به على نفسك) فقال عندي آخر فقال: (على ولدك) فقال عندي آخر فقال: (على زوجك) فقال عندي آخر فقال: (على خادمك) فقال عندي آخر فقال: (أنت أبصر). يعني ضعه حيث تشاء. فجعل الصدقة في المرتبة الرابعة أو الخامسة مما يدل على وجوب تقديم النفقات المذكورة في الحديث على صدقة التطوع.

- - مسألة: هل يجوز للإنسان أن يتصدق بكل ماله؟

ص: 454

الجواب: أن هذا فيه تفصيل:

- فإن كان يصبر على شظف العيش وقلة المؤونة هو وأهله ولا يترتب على هذا مفاسد فإنه يجوز له أن يتصدق بكل ماله وقد صنعه أبو بكر الصديق أكثر من مرة.

- وإن كان لا يتحمل شظف العيش ولا نقص المؤونة فإنه يحرم عليه أن يتصدق بكل ماله لما يترتب على هذا من الضرر عليه وعلى من يعول.

وفي الحقيقة حال غالب الناس هو هذا: أنهم لا يتمكنون من الصبر على شظف العيش.

فإذا كان الإنسان يعلن من نفسه هذا فإنه لا يجوز له أن يتصدق بكل ماله.

وبهذا انتهى ولله الحمد الكلام على كتاب الزكاة.

وقبل أن ننتقل إلى كتاب الصوم أريد أن أتكلم عن مسألة الهاشمي والمطلبي لأني لا حظت أن بعض الإخوان لم تتضح لهم من حيث النسب تماماً.

فسأذكر ما يتعلق بالشجرة الشريفة من كان منهم من المسلمين ويلحق ما سأذكره الآن (بالنسبة لأخينا الذي يكتب) بالكلام عن الهاشمي.

نقول: جد النبي صلى الله عليه وسلم الثالث هو عبد مناف بن قصي بن كلاب.

عبد مناف هذا ولد له أربعة:

1 -

هاشم.

2 -

والمطلب.

3 -

وعبد شمس.

4 -

ونوفل.

هؤلاء أربعة.

1 -

هاشم - والذي هو جد النبي صلى الله عليه وسلم ولد له عبد المطلب.

وعبد المطلب ولد له أولاد هم:

1 -

أبو طالب. وهو والد: علي، وجعفر. كما هو معلوم.

2 -

وعبد الله: والد نبينا صلى الله عليه وسلم.

3 -

والعباس: كما هو معروف.

4 -

وحمزة.

5 -

والحارث بن عبد المطلب.

تقدم معنا عند قول المؤلف: (ولا يدفع إلى هاشمي ومطلبي).

وذكرنا الآن أن عبد مناف له من الولد: هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل.

- فالمقصود بقوله: (مطلبي). هو هذا: المطلب بن عبد مناف أخو هاشم وهو يختلط بعبد المطلب عند كثير من الطلاب يخلطون بين عبد المطلب والمطلب.

فعبد المطلب ابن لهاشم وأما المطلب فعمه.

وهاشم هذا اسمه: عمرو. وهو أول من سافر إلى الشام واليمن - رحلة المشرق والمغرب وهذا الرجل - هاشم - تزوج من بني النجار ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يعتبرهم أخواله.

هذا بالنسبة لهاشم.

ص: 455

بالنسبة لعبد المطلب فإن هاشم لما تزوج من بني النجار اشترطوا عليه أن تبقى زوجته في المدينة فبقيت في المدينة وولدت له عبد المطلب وهو جد النبي صلى الله عليه وسلم. وعبد المطلب اسمه شيبة الحمد كما هو معروف وسمي بعبد المطلب لأن هاشم لما تزوج ودخل بزوجته سافر إلى الشام وتوفي فالمطلب صار هو الذي يرعى عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم فظنه الناس عبد للمطلب فسموه عبد المطلب وإلا فاسمه شيبة الحمد وهو أول من خضب بالسواد.

المهم عبد المطلب كما تقدم أتى له من الأبناء أبو طالب وعبد الله والعباس

إلخ.

فالمطلب الآن وهاشم أخوين والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما بنوا هاشم وبنوا المطلب شيء واحد) وبني المطلب لهم الخمس كما أن لهاشم خمس.

بينما عبد شمس ونوفل وهم في درجة واحدة ليس لهم شيء.

وعبد شمس من أحفاده أمير المؤمنين عثمان بن عفان.

ونوفل من أحفاده جبير بن مطعم.

فعثمان بن عفان وجبير بن مطعم أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثم قالوا: أنت تعطي بني المطلب من الخمس ولا تعطينا ونحن وهم سواء - يعني من حيث النسب.

فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن بني هاشم والمطلب شيء واحد.

الخلاصة: الذين لهم ذرية من بني هاشم من الذين لا تجوز لهم الصدقة هم هؤلاء الذين سأذكرهم فقط وأما الباقي فليس لهم ذرية.

: - آل علي بن أبي طالب. - وآل جعفر. - وآل عقيل. كلهم أبناء أبي طالب.

: - وآل العباس. - وآل أبي لهب. - وآل الحارث بن عبد المطلب.

هؤلاء هم الذين لهم نسل ويوجد إلى الآن وهم الذين لا يجوز لهم أن يأخذوا الصدقة. فكل إنسان من قريش عدا هؤلاء الذين ذكرت تجوز له الصدقة.

إنما الذي تحرم عليه الصدقة هؤلاء الذين بقي لهم ذرية توجد إلى عصرنا هذا.

ص: 456