الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة العيدين
.
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
لما أنهى المؤلف الكلام عن صلاة الجمعة بدأ بالكلام عن صلاة العيد. لأن بين صلاة العيد والجمعة تشابه كبير جداً كما سيأتينا وقيست مسائل كثيرة من مسائل العيد على مسائل الجمعة فهو ترتيب منطقي. وقدم الجمعة على العيد لأنها أوكد منها وأفرض ولأنها تتكرر أكثر من العيد. فهي عيد الأسبوع وصلاة العيدين تتكرر في السنة مرة بالنسبة لكل عيد.
• قال رحمه الله:
باب صلاة العيدين.
العيد أصله من: عود المسرَّة.
ولا يطلق العيد على ما ليس فيه مسرَّة.
وهو في اللغة: يطلق على ما يعود ويتكرر ويقصد مجيئه في الزمان والمكان.
وأما في الشرع: - فهو معلوم - المقصود بصلاة العيدين أي: صلاة عيد الفطر والأضحى.
• قال رحمه الله تعالى:
وهي فرض كفاية.
صلاة العيد مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع. كما ستأتينا النصوص في أفراد المسائل.
وأجمع أهل العلم قاطبة على أنها مشروعة محبوبة للشارع لكن الخلاف وقع في الحكم التكليفي لها.
= فذهب الحنابلة: إلى أن صلاة العيدين فرض كفاية.
واستدلوا على هذا بعدة أدلة منها:
- أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم داوم عليها ولم يتركها أبداً.
- وثانياً: أنها من شعائر الدين الظاهرة.
= والقول الثاني: أن صلاة العيدين سنة.
واستدلوا على هذا:
- بأن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ما فرض عليه. فذكر له الصلوات الخمس فقال: هل علي من شيء بعدهن؟ قال: لا. إلا أن تتطوع.
فالحديث نص على أن غير الفروض الخمسة لا يعتبر من الفرائض.
= والقول الثالث: وهو مذهب الأحناف ورواية عن أحمد واختاره شيخ الاسلام وعدد من المحققين. أنها فرض عين.
واستدلوا على هذا بأدلة:
- الأول: أنه ثبت في السنة أنه إذا اجتمع عيد وجمعة سقطت الجمعة بالعيد: أي: سقط الفرض. والمندوب لا يسقط واجباً.
- الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه أمر الناس بالخروج لصلاة العيد حتى أمر النساء الحيض وذوات الخدور.
ومن المعلوم أن الشارع متشوف جداً لبقاء المرأة في بيتها - فهذا كالمواتر في الشرع - ومع ذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم وأكد حتى ذهب بعض العلماء إلى وجوب خروج النساء مما رأى من تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا يدل على أنه على الأقل في حق الرجال واجباً باعتبار أنه أمر النساء به مع محبة الشارع بقاء المرأة في البيت.
- الثالث: - الأخير -: أن صلاة العيد من شعائر الإسلام الظاهرة والإجتماع لها أكبر من الإجتماع لصلاة الجمعة فلا يناسب مع ذلك أن تكون سنة.
والراجح. القول الأخير لقوة ما استدل به أصحابه.
والجواب عن دليل المالكية والشافعية: القائلين بالسنية: أن المسؤول عنه في الحديث الفرائض اليومية فقط ولذلك توجد صلوات واجبة بالإجماع لم تذكر في الحديث لأنها ليست يومية كالصلاة المنذورة.
إذاً قال: وهي فرض كفاية. وعرفنا أن الراجح - إن شاء الله - أنها فرض عين.
• ثم قال رحمه الله:
إذا تركها أهل بلد: قاتلهم الإمام.
أي: أنه يجب على الإمام إذا ترك أهل بلد صلاة العيدين أن يقاتلهم حتى يرجعوا.
والدليل على ذلك من وجهين:
- الأول: أن في تركها تهاوناً في الدين.
- ثانياً: أن صلاة العيد من أعظم شعائر الإسلام فإذا تركوها قوتلوا.
•
ثم قال رحمه الله:
ووقتها كصلاة الضحى.
يعني أن وقت صلاة العيدين يبدأ مع بداية وقت صلاة الضحى.
ومعلوم أن المؤلف لم يذكر هنا الوقت بالتفصيل وإنما أحال على وقت صلاة الضحى. مع العلم أن صلاة العيد أوكد بل الراجح أنها فرض أوكد من صلاة الضحى فينبغي أن ينص على الوقت بوضوح.
المهم: أن صلاة الضحى يبدأ وقتها من خروج الشمس وارتفاعها رمح كما تقدم معنا.
واستدل الحنابلة على أن وقت صلاة العيد يبدأ من طلوع الشمس وارتفاعها بأدلة ليست من النصوص. بدليل من النص ودليل من النظر.
- أما الدليل من النظر: فقالوا: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في هذا الوقت. لماذا؟ لأن العلماء أجمعوا أن وقت الفضيلة لصلاة العيد يبدأ من هذا الوقت ويبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها في وقت الفضيلة.
إذاً هذا دليل مركب لا يعتمد على نص صريح لكنهم يركبون ذلك من إجماع العلماء على أن أفضل الأوقات يبدأ من بعد طلوع الشمس وارتفاعها ويبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها في هذار الوقت المجمع على أنه أفضل الأوقات.
- الدليل الثاني: من الأثر أيضاً - وهو: أن الصحابي الجليل عبد الله بن بسر رضي الله عنه خرج لصلاة عيد أو أضحى فتأخر الإمام فأنكر رضي الله عنه تأخر الإمام وقال: قد كنا صلينا صلاتنا في ساعتنا هذه - يعني: مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان وقت صلاة التسبيح.
فدل هذا الحديث على أن بداية صلاة التسبيح - يعني النافلة - هو وقت بداية صلاة العيدين وهو: طلوع الشمس وارتفاعها.
= وهذا مذهب الجمهور: فالجماهير من أهل العلم ذهبوا إلى هذا القول.
= خالف الشافعي رحمه الله وهو: القول الثاني: فقال: بل يبدأ وقت صلاة العيدين من طلوع الشمس ولو لم ترتفع.
والشافعي رحمه الله محجوج بجميع الأدلة الدالة على أن هذا الوقت وقت نهي ومذهبه رحمه الله في هذه المسألة ضعيف.
فالصواب مع الجمهور أن وقت صلاة العيدين يبدأ بعد طلوع الشمس وارتفاعها وأن هذا وقت الجواز والأفضلية.
•
ثم قال رحمه الله:
وآخره الزوال.
الزوال تقدم معنا مراراً بيانه وهو: ميلان الشمس عن كبد السماء.
فإذا دخل وقت صلاة الظهر انتهى وقت صلاة العيد.
ومعنى كلام الفقهاء: أن أوله طلوع الشمس وارتفاعها وآخره الزوال - أنه يفهم من كلام الفقهاء أنه يجوز للإمام والناس أن لا يصلوا صلاة العيد إلا في آخر النهار مثلاً - يعني بعد طلوع الشمس بساعتين.
هذا الذي يفهم من كلام الفقهاء ولم أقف على خلاف في أنه يجوز أداء صلاة العيد في كل هذا الوقت.
ولو قال قائل: أن تأخير الصلاة عن الوقت الذي كان يصليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو صدر النهار أقل أحوال الكراهة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء كلهم ومعاوية إلى عمر بن عبد العزيز إلى من بعده كانوا يصلون العيد في صدر النهار.
فالقول بحواز التأخير إلى بعد طلوع الشمس بساعات كثيرة أقل أحواله في الحقيقة الكراهة لمخالفة السنة مخالفة ظاهرة.
• ثم قال رحمه الله:
فإن لم يعلم بالعيد إلاّ بعده: صلوا من الغد.
أي: أنه إذا لم يعلم الناس والإمام بصلاة العيد إلا بعد الزوال فإنه يجوز لهم أن يصلوات صلاة العيد من الغد.
= وهذا مذهب الجماهير - في الجملة.
واستدلوا على ذلك:
- بما صح عن أبي عمير بن أنس بن مالك أن أعماماً له من الأنصار أخبروه أن هلال شوال غم عليهم فأتموا الشهر حتى جاء ركب فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رأو الهلال فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا وأن يخرجوا لصلاتهم من الغد.
وهذا الحديث صحيح.
وكما قلت لكم هذا مذهب الجماهير.
= القول الثاني: للإمام مالك رحمه الله. فإنه يرى أنه إذا فاتت الصلاة بأن لم يعلموا بالهلال فإنها لا تصلى من الغد: - لأن وقتها فات.
- وقياساً على الجمعة. فإن الجمعة إذا خرج وقتها لا تصلى جمعة وإنما تصلى ظهراً.
والراجح مع الجماهير لوضوح النص وصراحته بذلك.
* مسألة: = والحنابلة يرون أن صلاة العيد من الغد قضاء مطلقاً.
= والقول الثاني: أن صلاة العيد من الغد: - إن كانت بعذر فهي أداء وليست قضاء.
والقول الثاني أقرب إن شاء الله.
* مسألة: أيضاً تتعلق بمسألة فوات العيد: هل يشرع لمن فاتته صلاة العيد أن يصليها أو لا يشرع؟
اختلفوا في ذلك على أقوال:
= فالمذهب أنه يصلي العيد على هيئة العيد. يعني ركعتين.
واستدلوا على ذلك:
- بأن أنس بن مالك رضي الله عنه فاتته صلاة العيد مع الإمام فجمع أهله وأمر من يصلي بهم العيد.
= والقول الثاني: أن من فاتته صلاة العيد والخطبة يصلي أربعاً. وهو قول عند الحنابلة.
= والقول الثالث: أن من فاتته صلاة العيد فإنه لا يشرع له أن يقضيها. وهو للأحناف واختيار شيخ الاسلام بن تيمية.
واستدل على ذلك:
- بأن صلاة العيد شرعت على هيئة وصفة معينة: منها تقدم الخطبة واجتماع الناس وكل ذلك مفقود في المنفرد فلا يشرع له أن يقضي الصلاة.
ولولا أثر أنس رضي الله عنه لكان هذا القول هو أقوى الأقوال.
• ثم قال رحمه الله:
وتسن: في صحراء.
السنة في صلاة العيد أن تصلى في الصحراء.
ومعنى قوله تسن: أنه لو صلاها في البلد لجاز لكن مع الكراهة كما سيأتينا.
= وإلى هذا ذهب جميع الأئمة إلا الشافعي.
واستدل الأئمة على هذا الحكم:
- بما نقل متواتراً عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الراشدين أنهم كانوا يصلون العيد في الصحراء القريبة من البلد وأن صلاة العيد في الصحراء القريبة أفضل من صلاة العيد في المساجد الجوامع.
= والقول الثاني: - وهو الذي أشرت إليه - للشافعي رحمه الله أن صلاة العيد في الجامع إذا كان يتسع أفضل.
واستدل بدليلين:
- الأول: أن المسجد أفضل من بقعة الصحراء.
- الثاني: أنه أنظف وأهيأ للناس.
كأن الإمام الشافعي - نقول: كأنه: هو لم يذكر هذا - كأنه فهم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما خرج بسبب ضيق المسجد كأنه فهم هذا ولذاك يقول: إن اتسع المسجد فالأفضل في الجامع داخل البلد.
ولكن هذا المذهب ضعيف وخالفه جميع الأئمة سواء من بقية الأربعة أو غيرهم من أئمة المسلمين وأخذوا بهذه السنة المتواترة التي قعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وهذا هو الراجح إن شاء الله أن الإنسان ينبغي له أن يصلي في مكان قريب من البلد.
ومع الأسف الشديد هذه السنة عطلت في كثير من الأماكن وإن كانت باقية ولله الحمد في كثير من الأماكن لكن كثير من المدن الآن يصلون العيد في الجوامع وهو خلاف السنة وكما سيأتينا أن الإمام أحمد يرى أن هذا العمل مكروه.
• ثم قال رحمه الله:
وتقديم صلاة الأضحى وعكسه الفطر.
يعني: أنه ينبغي للإمام أن يبادر بصلاة الأضحى ويؤخر صلاة عيد الفطر وأنه إن فعل ذلك فقد أصاب السنة وإن خالف فقد ترك السنة.
واستدلوا على هذا بأدلة كثيرة:
- الدليل الأول: عدة نصوص فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وكل هذه النصوص ضعيفة. فإذا رأيت حديثاً فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم عجل الأضحى وأخر الفطر فهو ضعيف.
- ثانياً: استدلوا بالإجماع. فقد أجمع الفقهاء على هذا الحكم.
- ثالثاً: استدلوا بعلل ومعاني استنبطها الفقهاء:
فقالوا: بالنسبة لصلاة الفطر ينبغي أن تؤخر لأمرين:
- الأول: ليتهيأ للناس إخراج زكاة الفطر.
- والثاني: أيضاً ليتمكن الناس من تطبيق سنة الأكل قبل الصلاة.
وبالنسبة للأضحى: استدلوا بمعنيين أيضاً: - الأول: أنه يندب للإنسان أن لا يأكل إلا بعد الأضحى من أضحيته وفي الإمساك مشقة فينبغي أن يبادر الإمام بالصلاة ليأكل الناس.
- الثاني: أن ذبح الأضاحي لا يشرع ولا يجوز إلا بعد الصلاة فينبغي أن يبادر بالصلاة ليذبح الناس أضاحيهم.
وكما ترون - الإجماع وهذه التعليلات قوية وهي كفيلة إن شاء الله بإثبات هذه السنة مع أن الأحاديث ضعيفة.
• ثم قال رحمه الله:
وأكله قبلها.
يعني أنه يشرع للإنسان أن يأكل قبل أن يخرج لصلاة الفطر.
- لما ثبت في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يغدو لعيد الفطر حتى يأكل تمرات.
وفي رواية معلقة في صحيح البخاري موصولة عند أحمد بإسناد صحيح: وتراً.
فتلخص لنا الآن بالنسبة لصلاة عيد الفطر أنه يستحب أن يأكل هذا أولاً.
ثانياً: يستحب أن يكون الأكل من التمر.
ثالثاً: أن يأكل وتراً.
فإذا طبق هذه الثلاث فقد اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم.
• ثم قال رحمه الله:
وعكسه في الأضحى إن ضحى.
يعني أنه يستحب للإنسان أن لا يأكل في الأضحى قبل الصلاة وإنما يؤخر إلى أن يأكل بعد الصلاة.
استدلوا على هذا:
- بحديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأكل في الأضحى إلا بعد الصلاة. وهذا الحديث فيه ضعف ولكنه يقبل التحسين.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: كان صلى الله عليه وسلم يأكل من أضحيته. واستدل على هذا بعدم الأكل قبل الصلاة.
ومثل هذه العبارة كما تقدم معنا من الإمام أحمد مقبولة جداً لمعرفته رحمه الله بالسنة والسيرة فهو يخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يأكل إلا من أضحيته صلى الله عليه وسلم.
• ثم اشترط شرطاً لهذا: فقال رحمه الله:
لمضح.
يعني أن ترك الأكل قبل صلاة الأضحى سنة لمن أراد أن يضحي بعد الصلاة.
أما من لم يرد الأضحية فالأمر سيان إن شاء أكل وإن شاء لم يأكل.
واستدلوا على هذا:
- برواية في حديث بريدة أخرجها الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يرد أن يضحي لم يبال أن يأكل.
- واستدلوا بدليل آخر وهو: أن المنع من الأكل إنما كان ليبدأ بأكل الأضحية تقرباً إلى الله فإذا لم يضحي إن شاء أكل وإن شاء ترك.
إذاً: إذا قيل لك: ما هي السنة بالنسبة لمن لم يرد أن يضحي؟
- لا نقول: أن السنة أن يأكل. ولا نقول أن السنة أن لا يأكل: ولكن نقول: السنة إن شاء أكل وإن شاء ترك.
• ثم قال رحمه الله:
وتكره في الجامع بلا عذر.
ومن المعلوم أن هذه العبارة لو قدمها المؤلف بعد قوله: في صحراء لكان أنسب فيكون الكلام عن موضوع واحد في موضع واحد.
إذا صلى في الجامع فإما أن يكون بعذر أو بغير عذر.
- فإن كان بعذر صحت بلا كراهة. لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يصلي العيد فمطروا فصلاها في الجامع.
وهذا فيه ضعف.
- وأما إن كان بلا عذر فهو مكروه. ودليل الكراهة: أن في هذا مخالفة صريحة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
* مسألة: يستثنى من هذا:
صلاة العيد في الحرم المكي فإنها تكون في الحرم لا في الصحراء.
واستدلوا على هذا بدليلين:
- الأول: شرف البقعة وعظم الأجر في المسجد الحرام.
- الثاني: أن هذا عمل السلف والأئمة من القديم فإنه لم يحفظ أن أحداً منهم خرج من مكة ليصلي العيد.
- الثالث - وهو تعليل يستأنس به: أن الخروج لضواحي مكة فيه صعوبة لكثرة الجبال.
أي هذه الأدلة أقوى؟
الأقوى: الاستدلال بعمل السلف لأن الاستدلال بمسألة كثرة الأجر موجود في حرم المدينة ومع ذلك لم تؤثر.
إذاً علمنا أن الذي يؤثر فعلاً هو أن هذا هو عمل السلف.
لكن تذكر مثل هذه الأشياء للإستئناس والتقوية.
• ثم قال رحمه الله:
ويسن: تبكير مأموم إليها.
يسن أن يأتي المأموم لا الإمام إلى الصلاة مبكراً.
والدليل على هذا من أوجه:
- أولاً: فعله عدد من الصحابة. (وإذا قلنا فعله عدد من الصحابة تعلم مباشرة أنه ليس في المسألة نص).
- ثانياً: أن في هذا دنو من الإمام وهو محبوب للشارع في الجملة.
- ثالثاً: ما ثبت في السنة أن المسلم في صلاة ما انتظر الصلاة وصلاة العيد داخلة في عموم هذا الحديث.
• ثم قال رحمه الله:
ماشياً.
يعني أنه يندب أن يخرج الإنسان إلى صلاة العيد ماشياً.
والدليل: - أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: المشي إلى العيد من السنة.
وهذا الحديث ضعيف لا تقوم به حجة.
- الدليل الثاني: أن في المشي الأجر الذي رتبه الشارع في الخروج للصلاة.
- الثالث: أنه روي عن التابعين منهم عمر بن عبد العزيز.
= والقول الثاني: إن شاء ذهب ماشياً وإن شاء ذهب راكباً ولا سنة معينة في ذلك.
وإلى هذا مال الإمام البخاري رحمه الله.
والأقرب والله أعلم - ما مال إليه البخاري رحمه الله لا سيما وأن صلاة العيد تتكرر ويأتي إليها الصحابة من بعيد ومن قريب ولم يأت ما يدل على أن المشي بحد ذاته سنة وهذه الأمور التعبدية تحتاج إلى توقيف.
فنقول: يذهب إن شاء ماشياً وإن شاء راكباً.
• ثم قال رحمه الله:
بعد الصبح.
يعني أن السنة أن يكون الذهاب بعد صلاة الصبح:
- لأنه وقت الفضيلة.
- وليتمكن من التبكير.
- وليضمن عدم فوات الصلاة.
- وأخيراً: لأنه مروي عن بعض الصحابة.
= والقول الثاني: أن السنة أن يخرج إلى المصلى
بعد طلوع الشمس.
واستدلوا على ذلك:
بما ثبت عن ابن عمر أنه كان يخرج بعد طلوع الشمس.
والصواب مع الحنابلة. لقوة ما استدلوا به من التعليلات ولأن ابن عمر روي عنه الخروج بعد الصبح وبعد طلوع الشمس.
وحمل بعض الفقهاء خروج ابن عمر بعد طلوع الشمس بمسألة القرب لأن مصلى العيد كان قريباً فإذا خرج بعد طلوع الشمس حصل له الدنو وأمن فوات الركعة الأولى.
•
ثم قال رحمه الله:
وتأخر إمام إلى وقت الصلاة.
يعني أنه بالنسبة للإمام يستحب أن يتأخر وأن لا يأتي إلا إذا أراد أنى يصلي.
ولم يذكروا هذه العبارة في صلاة الجمعة فعلمنا أنها سنة خاصة بصلاة العيد.
واستدلوا على هذه المسألة:
- بحديث جابر في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مصلى العيد أول ما يبدأ به الصلاة.
فدل على أنه يبنغي أن يتأخر لكي يكون أول ما يبدأ به الصلاة واو أنه تقدم لكان أول ما يبدأ به تحية المسجد عند من يرى وجوبها في مصلى العيد أو الجلوس والتكبير عند من لا يرى تحية المسجد.
• ثم قال رحمه الله:
على أحسن هيئة.
يعني أنه: يستحب للإنسان في يوم العيد أن يخرج على أحسن هيئة وذلك يكون بعدة أمور:
الأول: الاغتسال.
والثاني: التطيب.
والثالث: الاستياك.
والرابع: أن يلبس أحسن ثيابه.
فإذا فعل ذلك فقد خرج على أحسن هيئة.
- أما الاغتسال: فدليله: أولاً: أنه مروي عن علي وابن عمر وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وثانياً: أنها صلاة شرع لها الاجتماع فاستحب لها الاغتسال كالجمعة.
- وأما بالنسبة للبس أحسن الثياب:
أولاً: فلما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حلة حمراء يلبسها في الأعياد. وهو حديث ضعيف لا يثبت.
ثانياً: استدلوا: بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم ألا أشتري لك حلة تتجمل فيها بالأعياد وعند الوفود. فدل ذلك على أنهى معروف عندهم التجمل في العيد. وأيضاً أقره النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر هذا المعنى.
= والرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله أن الإنسان إن شاء خرج في لباس حسن وإن شاء خرج مبتذلاً بلباس ليس بحسن.
قال: إن خرج بلباس حسن فهو من التجمل للعيد. وإن خرج بلباس ليس بحسن - أو مبتذل - فلما فيه من الخشوع والخضوع ولأنه مروي عن عطاء - يعني الخروج بلباس فيه تواضع.
فالإمام أحمد خيَّر في الرواية الثانية بين أن تخرج بهذا أو بهذا.
والصواب روايته الأولى. لأن المعاني التي ذكرها الحنابلة والنص الذي ذكر عن عمر رضي الله عنه صريح في السنية.
- وأما الاستياك والتطيب: فلا إشكال فيه - أنه من الجمال.
• ثم قال رحمه الله:
إلاّ المعتكف ففي ثياب اعتكافه.
يعني أنه يستحب لكل الناس التجمل إلا المعتكف فإنه يشرع له أن يخرج من اعتكافه بثيابه التي اعتكف بها ويذهب إلى المصلى بلا تجمل بل على هيئته التي اعتكف بها.
واستدلوا على هذا بأمرين:
- الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: (والمعتكف يخرج بثياب اعتكافه).
وهو حديث ضعيف لا يثبت.
- الثاني: أن هذا اللباس من أثر العبادة ولا ينبغي أن يزال.
= والقول الثاني: أن المعتكف كغيره من الناس يذهب إلى بيته ويتجمل ويتزين ويتطيب ويغتسل ويلبس من أحسن ثيابه ويذهب إلى العيد.
واستدلوا بدليلين:
- الأول: أن عموم النصوص والعلل المذكورة يشمل المعتكف وغير المعتكف.
- الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف ومع ذلك يلبس الثياب الحسنة.
وهذا القول الثاني - كما ترون - أنه غاية في القوة. وهو الراجح إن شاء الله.
• ثم قال رحمه الله:
ومن شرطها: استيطان وعدد الجمعة.
القاعدة العامة عند الفقهاء أنه يشترط في صلاة العيدين الشروط المذكورة في صلاة الجمعة إلا إن في صلاة العيدين شروط وجوب لا صحة بخلافها في الجمعة فهي شروط وجوب وصحة.
فهذه قاعدة المذهب العامة.
واستدلوا على هذا:
- بأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون لم يصلوا العيد في أسفارهم وقد صادف العيد النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ولم يصله صلى الله عليه وسلم.
= والقول الثاني: أنه لا يشترط للعيد ما يشترط للجمعة.
وهذا مذهب مالك والشافعي واختاره من المحققين الشيخ الفقيه المجد.
واستدلوا على هذا:
- بأن أنس بن مالك رضي الله عنه صلى بأهله العيد.
- ثانياً: استدلوا على ذلك بأنه يجوز أن تقضى صلاة العيد عند الحنابلة بلا خلاف ولو بلا هذه الشروط - شروط الجمعة - أي ولو بلا دون عدد واستيطان وما صح قضاء صح أداء.
وأجابوا عن كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في منى بأن النبي صلى الله عليه وسلم في منى شغل بالواجب والفريضة وهي أعمال نسك وصلاة العيد للمسافر سنة فقدم عمل الفريضة على السنة.
وأما وجه الاستدلال بأثر أنس فمعلوم أن أثر أنس لم يستكمل العدد فدل على أن هذه الشروط لا تشترط في العيد كما في الجمعة.
بناء على هذا القول - الثاني -: المرأة والمسافر والعبد والنفرد يصلون العيد أصالة لا تبعاً.
وبناء على القول الأول: هؤلاء يصلون العيد تبعاً ولا يجوز أصالة.
والراجح في الحقيقة من حيث النصوص والأثر القول الأول.
والأسهل للناس لا سيما للمغتربين الثاني. لأنهم يتمكنون أن يقيموا صلاة العيد ولو كانوا كلهم من المسافرين.
انتهى الدرس الأول
الدرس الثاني بعد العشاء:
قال شيخنا - حفظه الله -:
بسم الله الرحمن الرحيم
• قال رحمه الله تعالى:
لا إذن إمام.
يعني أنه لا يشترط لصلاة العيدين إذن الإمام كما تقدم معنا في الجمعة أنه لا يشترط لها أيضاً إذن الإمام.
وتعليل ذلك: أن هذه الصلاة من شعائر الدين الظاهرة التي لا تتوقف على إذن الإمام أو عدم إذنه بل يقيمها المسلمون إذا توفرت الشروط مباشرة.
• ثم قال رحمه الله:
ويسن: أن يرجع من طريق آخر.
يعني: أنه يسن للإنسان إذا ذهب إلى صلاة العيد من طريق أن يرجع من طريق آخر.
والدليل على ذلك:
- ما ثبت في الصحيح عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب من طريق رجع من طريق آخر فهي سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
واختلفوا في العلة أو الحكمة التي من أجلها صنع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقوال كثيرة بلغت نحو عشرة أقوال كلها في تحديد أو معرفة الحكمة التي من أجلها يصنع النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
والصواب: أن رجوعه - والله أعلم - يحقق حكماً كثيرة ليست حكمة معينة واحدة وإنما يحقق حكماً كثيرة:
- منها: شهادة الأرض.
- ومنها: إعطاء أهل الطريقين كل منهما حقه في مرور النبي صلى الله عليه وسلم من حيث سؤاله والانتفاع بعلمه والتبرك به صلى الله عليه وسلم.
وذكروا عللاً كثيرة خلاصتها أنها في الجملة تصح أن تكون كلها حكم لإخلاف الطريق.
* * مسألة: اختلفوا هل الذهاب من طريق والرجوع من طريق آخر سنة خاصة بصلاة العيدين أو هي تشمل الجمعة والاستسقاء والفروض الخمسة؟
= فمن الفقهاء من قال: هذه سنة في جميع الصلوات فإذا ذهب من طريق ينبغي أن يرجع من طريق آخر.
= ومن الفقهاء من قال: بل هذه سنة خاصة لصلاة العيدين فقط لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل ذلك إلا في صلاة العيدين فقط.
والصواب مع القول الثاني: أنها سنة خاصة بصلاة العيدين دون سواها من الصلوات.
• ثم قال المؤلف رحمه تعالى:
يصليها ركعتين.
أجمع الفقهاء على أن صلاة العيد ركعتان فلم يخالف في هذا أحد من الفقهاء.
ودل عليه:
- النص الصريح: فعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة العيد ركعتين.
- وعن جابر رضي الله عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة العيد ركعتين بلا أذان ولا إقامة.
فكونها ركعتين - هذا القدر - دل عليه الإجماع والنص.
• ثم قال رحمه الله:
قبل الخطبة.
يعني: أن المشروع أن تكون الصلاة قبل الخطبة. فإن كانت الخطبة قبل الصلاة بطلت الخطبة.
وهذا القدر - وهو تقدم الصلاة على الخطبة عكس الجمعة - هذا القدر أجمع عليه الأئمة إلا ما يذكر عن بني أمية فإنهم غيروا هذه السنة وأول من غير هذه السنة مروان بن الحكم وفعله لا يعتبر معتداً به في الخلاف بل هو هدر لأن الصحابة أنكروا عليه تقديم الخطبة على الصلاة إنكاراً بالقول والعمل فأنكر عليه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه باللسان بأن هذا خلاف السنة وبالعمل بأن جذبه لما أراد أن يصعد ليخطب قبل الصلاة.
فعمله هذا مهدر لا قيمة له وأجمع الفقهاء والعلماء المعتد والمشار إليهم على أن الصلاة في العيد قبل الخطبة وأنه إن خطب قبل الصلاة بطلت ووجب أن يعيدها بعد الصلاة.
• ثم قال رحمه الله:
يكبر في الأُولى بعد الإحرام والإستفتاح وقبل التعوذ والقراءَة: ستاً.
أفاد المؤلف رحمه الله في هذه العبارة مسألتين:
* الأولى: أن التكبيرات الزوائد ست.
* والثانية: أن هذه التكبيرات الزوائد تكون بعد الاستفتاح.
بناء على هذا نقول: السنة أن الإمام يكبر تكبيرة الاحرام ثم يقرأ دعاء الاستفتاح ثم يكبر ستاً ثم يستعيذ ويقرأ.
= وهذا القول إحدى الروايتين عن الإمام أحمد.
= والرواية الثانية: أن الإمام يسرد التكبيرات الزوائد بعد الإحرام. وهذه الرواية اختارها من العلماء الكبار: الخلال وأيضاً اختارها الحافظ ابن القيم وهي: أن التكبيرات الزوائد تكون بعد الإحرام مباشرة ثم يقرأ دعاء الاستفتاح.
واستدلوا على هذا:
- بأن ظواهر النصوص أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي بالتكبيرات متتالية.
المسألة الثانية: أن التكبيرات الزوائد بعد تكبيرة الإحرام ست وهذا هو مذهب الإمام أحمد.
واستدلوا على هذا:
- بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة العيد فكبر في الأولى سبعاً وفي الثانية خمساً.
قالوا: سبعاً. يعني: مع تكبيرة الإحرام.
وهذا الحديث صححه الإمام أحمد والبخاري وعلي بن المديني.
وتكون التكبيرات الزوائد في الركعة خمساً ليس منها تكبيرة الانتقال. فإذا قال: الله أكبر واستتم قائماً يكبر خمساً متتالية.
واستدلوا أيضاً:
- بحديث عمر بن شعيب.
وفي هذه المسألة: أي في عدد التكبيرات الزوائد خلاف كبير بين هل العلم. اختلفوا على نحو عشرة أقوال أو أكثر.
والسبب في الاختلاف أن الآثار المروية عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مختلف فيها ففيها أعداد مختلفة.
ولكن = مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن الأمر في التكبيرات واسع. فيقول الإمام أحمد رحمه الله: اختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والأمر فيه واسع.
والخلاف هذا لا يقوم في الحقيقة على نصوص وإنما آثار عن أصحابالنبي صلى الله عليه وسلم والأقوال كثيرة نأخذ بعض هذه الأقوال حتى يكون عند الإنسان اطلاع.
= فمن الفقهاء من قال: - نحن نتكلم عن الزوائد فلا أحد يقول هل هذا مع تكبيرة الإحرام أو لا؟ إنما نحن نتكلم عن الزوائد.
= فالقول الأول: المذهب. ما تقدم ست وخمس.
= والقول الثاني: سبع وسبع.
= القول الثالث: ثلاث وثلاث.
= القول الرابع: أربع وأربع.
هذه أبرز الأقوال وهي مروية عن الصحابة.
فالإنسان: إن كبر تارة بهذا وتارة بهذا فالأمر واسع وإن التزم أن يكبر ست وخمس فهو في الحقيقة موافق للنص وهو حديث عمرو بن شعيب.
في مسألة: مع التسليم في أن الأمر واسع: لكن:
= الحنابلة يقولون: ست وخمس.
= الرواية الثانية عن الإمام أحمد: سبع وخمس.
لماذا؟
قال: الحديث فيه أنه كبر سبعاً وخمس. لكن في
- رواية للإمام أحمد قال: سبع مع تكبير الإحرام.
- وفي رواية قال: سبع بلا تكبيرة الإحرام.
وفي الحقيقة الأقرب للنص أن نقول: أنها سبع وخمس. لأنك تقول الخمس زوائد أيضاً السبع يبنبغي أن تكون زوائد.
على كل حال الأمر واسع جداً والخلاف فيه ثابت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
والعمل على ست وخمس هنا في هذه البلاد.
• ثم قال رحمه الله:
وفي الثانية قبل القراءَة: خمساً.
وتقدم معنا الكلام عن هذه المسألة.
• ثم قال رحمه الله:
يرفع يديه مع كل تكبيرة.
لما تبين معنا أن التكبيرات الزوائد ست وخمس فالسنة أن يرفع يديه مع كل تكبيرة زائدة.
والدليل على ذلك:
- حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع كل تكبيرة. قال الإمام أحمد رضي الله عنه وصلاة العيد من ذلك.
- وبإنه ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يرفع يديه في الجنائز والعيد.
وهذا إن شاء الله هو الصواب: أن الإنسان يرفع يديه مع كل تكبيرة.
• ثم قال رحمه الله:
ويقول: ((اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيراً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيراً وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً كَثِيْراً)) وإن أحب قال غير ذلك.
أفادنا المؤلف رحمه الله مسألتين:
- الأولى: أنه يستحب أن يكون هناك ذكر بين التكبيرات.
- الثانية: أن الأمر واسع في هذا الذكر. فإن شاء قال ما ذكره المؤلف رحمه الله وإن شاء كبر وهلل وإن شاء كبر وسبح فالأمر فيه واسع.
الدليل على مشروعية الذكر بين التكبيرات:
- أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إذا كبر فإنه يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم قال حذيفة وأبو موسى رضي الله عنهما صدق أبو عبد الرحمن.
فصار الأثر ثابت عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
= والقول الثاني: أنه لا يشرع أن يقول شيئاً بين التكبيرات.
- لأنه لو وجد ذكر مخصوص لنقل. فلما لم ينقل علمنا أنه لا يشرع.
والصواب أن الأمر واسع إن شاء أخذ بهذه الفتوى عن مثل هذا الصحابي الجليل ابن مسعود وحذيفة وأبو موسى وإن شاء أخذ بظاهر النص ولم يذكر بين التكبيرات شيء فالأمر إن شاء الله واسع.
• ثم قال رحمه الله:
يقرأ جهراً.
أي أن السنة: للإمام أن يجهر بالقراءة.
= وهذا مذهب الجماهير وحكي إجماعاً.
واستدلوا على هذا:
- بأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخبروا بما كان يقرأ في الصلاة. فدل على أنه يجهر بالقراءة.
وعلى هذا عمل المسلمين من قديم الزمان.
• قال رحمه الله:
في الأُولى بعد الفاتحة: ((بِسَبْحِ))، و ((بِالْغَاشِيَةِ)) في الثانية.
تقدم معنا: في حديث النعمان وهو في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهاتين السورتين في الجمعة والعيد فإذا وافق يوم الجمعة العيد قرأ بهما في الصلاتين.
وفي هذه المسألة سنة أخرى وهي:
- مارواه أبو واقد الليثي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأله عن السنة في صلاة العيد فقال: يقرأ بـ: ق واقتربت. وهو حديث صحيح في مسلم.
فالسنة أن يقرأ هذا أحياناً وهذا أحياناً.
وفي هذا الحديث من الفوائد أن العالم الكبير والفقيه المنظور إليه قد يجهل بعض السنن ولذا نجد أن عمر رضي الله عنه يسأل هذا الصحابي عن سنة القراءة في صلاة العيد مع العلم أن صلاة العيد أمرها لا يخفى وعمر رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك سأله فقد يخفى على كبير الشأن ما يعلمه من هو أقل منه.
= والقول الثاني: أنه ليس لصلاة العيد سنة معينة في القراءة وهذا رواية عن الإمام وكأنه حمل هذه الأحاديث على أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها مصادفة لا قصداً - كأنه انا أقول: كأنه رحمه الله في هذه الرواية حمل الأحاديث على هذا أنه قرأها مصادفة لا قصداً.
والصواب بلا شك مع القول الأول وهو: أنه يقرأ أحياناً بهذا وأحياناً بهذا لأن الصحابة الذين رووا هذه الأحاديث ومنهم عمر فهموا أن هذا سنة.
• ثم قال رحمه الله:
فإذا سلم: خطب خطبتين كخطبتي الجمعة.
يعني: أن المشروع في خطبة العيد أن يخطب خطبتين.
وقد اتفق على هذا الفقهاء رحمهم الله.
واستدلوا على ذلك:
- بأن صلاة العيد تقاس على صلاة الجمعة لكثرة الشبه بينهما.
- ثانياً: بما رواه عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: وهذا تابعي كبير القدر وهو من الفقهاء السبعة وهو شيخ عمر بن عبد العزيز ومعلمه. أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين.
ولكن هذا الأثر في إسناده ضعف.
ثم أن العلماء اختلفوا في قول التابعي: من السنة. هل له حكم الرفع؟ أو حكم الوقف؟
- إذا قال الصحابي من السنة فله حكم: الرفع.
لكن إذا قال التابعي من السنة فاختلفوا هل له حكم الرفع؟ أو حكم الوقف؟
فيخ خلاف بين الفقهاء: والأقرب عندي والله أعلم: أن له حكم الرفع. إذا كان القائل بمنزلة هذا التابعي الكبير من العلم والفهم فإنه لا ينسب عملاً إلى السنة إلا وقد علم أنه من السنة.
= والقول الثاني: أن المشروع أن تكون خطبة واحدة.
وكأن هذا القول فيه خلاف للإجماع. وممن مال إلى هذا القول شيخنا رحمه الله وأظن أن الشيخ رحمه الله أخذه من الصنعاني في سبل السلام لأنه ذكر هذا الشيء وهو أن ظاهر النص أنها خطبة واحدة.
ولكن في الحقيقة الصنعاني والقول الذي مال إليه شيخنا فيه مخالفة للإجماع فمهما بحثت ف"إنك لا تجد أن أحداً يقول بسنية أن تكون خطبة واحدة وهو أمر معهود معروف من القديم.
يعني: نشأ الإمام مالك وهم يخطبون العيد خطبتين.
وهذا التابعي الكبير عبيد الله بن عبد الله بن عتبة كذلك يثبت أنها خطبتان
فالمهم أنني أظن أن هذا فيه مخالفة للإجماع وخالف هؤلاء الذين ذكرت وكأنهم تفقهوا بالنص مباشرة ولكن الواقع أن أئمة المسلمين كلهم يرون أن المشروع في صلاة العيد أن يخطب الإمام خطبتين.
وهذا هو الراجح.
• ثم قال رحمه الله:
كخطبتي الجمعة.
يعني أن المشروع أو بعبارة أخرى أن شروط خطبتي العيد كشروط خطبتي الجمعة في كل شيء إلا في بعض المسائل غير المهمة نتركها ونأخذ مسألتين مهمتين:
- الأولى: أنه لا يشرع للإمام في خطبتي العيد أن يجلس إذا حضر. لأنه في الجمعة يجلس الإمام لينتظر المؤذن وهنا لا أذان.
- الثانية: أنهم اختلفوا في الكلان أثناء خطبة العيد:
= فمن الفقهاء من قال: يجوز أن يتكلم الإنسان أثناء خطبة العيد.
واستدل على ذلك:
- بأن حضور الخطبة كله سنة فالاستماع لا يكون واجباً.
= والقول الثاني: أن الا ستماع وترك الكلام واجب فإن تكلم فهو آثم مع الإقرار بأن حضور الخطبة سنة كما سيأتينا.
- وذلك لأنه لارتباط بين حكم حضور الشيء والأحكام التفصيلية فيه. فهذا الإنسان يجوز له أن يكبر في النفل ويجوز له أن لا يفعل لكنه إذا كبر وجب عليه واجبان وبطلت صلاته إن لم يستوف مافيها من شروط وأركان.
فنقول: لك أن تحضر ولك أن تغيب لكن إذا حضرت لا يجوز لك أن تتكلم ولذلك قال الإمام أحمد: في الرواية التي ينصر فيها تحريم الكلام: أرأيت إذا تكلموا على من يخطب. وهذا معنى كلامه رحمه الله أي: إذا صار الناس يتكلمون إذاً الخطيب يخطب على من؟ لا شك أن هذا مخالف لمقتضى الشرع ومخالف للمقصود من خطبة العيد وأيضاً هو فيه من الإخلال بمظهر المسلمين مافيه لو فتح هذا الباب.
فالراجح إن شاء الله أنه يحرم لمن أراد أن يحضر الخطبة أن يتكلم.
• ثم قال رحمه الله:
يستفتح الأُولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع.
يستفتح الخطبة الأولى بتسع والثانية بسبع.
وهذه السنة أيضاً ليس فيها نص عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما فيها حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة السابق وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر بتسع وبسبع في الخطبة الثانية.
واستدلوا على ذلك:
- بأن التكبير شعار صلاة العيد فاستحب أن يبدأ الخطبة به.
وهذا القول - الأول - قول الجماهير: افتتاح خطبتي العيد بالتكبير.
= والقول الثاني: أن المشروع للإنسان أن يبدأ بالحمد. وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام رحمه الله وبعض الفقهاء.
واستدل:
- بأنه لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بدأ خطبة بغير الحمد.
وهذا القول الثاني: أصح. وهو أنه يبدأ بالحمد. لأن هذا هو المعهود عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفتح الخطبة بالتكبير بهذا الشكل تسع تكبيرات قبل أن يقول الحمدلله رب العالمين لكان مثل هذا مما توافر الهمم على نقله وبيانه لا سيما وأنه لو كان وقع فهو يخالف المعهود عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن الفقهاء جميعاً أقروا أن المعهود عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدأ الخطبة بالحمد لله رب العالمين.
لهذا فإن الراجح إن شاء الله أن الإنسان يبدأ خطبة العيد بالحمد لله رب العالمين ولا يكبر.
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
• قال رحمه الله:
يحثهم في الفطر: على الصدقة ويبين لهم ما يخرجون.
ما زال المؤلف في بيان بعض أحكام خطبة العيدين وذكر منها أن المستحب والمسنون للإمام في خطبة عيد الفطر أن يبين لهم أحكام الفطر.
فيبين لهم المقدار الذي يخرجون والفئة المستحقة للإخراج ووقت الإخراج.
والدليل على ذلك:
- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب قال: (تصدقوا تصدقوا .. ) - مرتين - ثم قال الرواي: وكان أكثر من يتصدق النساء.
وهذا الحديث متفق عليه.
- والقول الثاني: أن التذكير بأحكام زكاة الفطر يكون في آخر جمعة من رمضان لا في خطبة العيد.
- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أداها قبل الصلاة فهي مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.
وإلى هذا القول مال شيخنا رحمه الله وهو قول كما ترى وجيه وقوي جداً لأنه لا فائدة من التذكير بأحكام زكاة الفطر بعد مضي وقت زكاة الفطر.
• ثم قال رحمه الله
ويرغبهم في الأضحى: في الأُضحية ويبين لهم حكمها.
يعني: أن المستحب للإمام في خطبة عيد الأضحى أن يبين لهم أحكام الأضحية من حيث السن المجزئ ووقت الذبح وما يتعلق بهذه الأحكام.
والدليل على ذلك:
- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبة الأضحى: (من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى ومن ذبح بعد الصلاة فقد أصاب سنة المسلمين). فبين لهم صلى الله عليه وسلم أحكام الأضحية في خطبة عيد الأضحى.
وهذا صحيح ومناسب ولا يريد المؤلف رحمه الله أن يقتصر الإمام على ذكر هذه الأحكام ولكن يريد أنه ينبغي أن تشتمل الخطبة على إيضاح هذه الأحكام.
• ثم قال رحمه الله تعالى
والتكبيرات الزوائد والذكر بينها: سنة.
التكبيرات الزوائد التي تقدمت معنا والذكر الذي يقال بينها على ما جاء في أثر ابن مسعود: سنة. فإن تركها المصلي سهواً أو عمداً صحت صلاته.
والدليل على هذا:
- إجماع الفقهاء على سنية هذين الأمرين.
فإذا دخل المسبوق بعد تكبير الإمام يعني: إذا كبر الإمام سبعاً ثم دخل المسبوق معه فهل المشروع في حقه أن يكبر أو أن لا يكبر؟
فيه خلاف:
- من الفقهاء من قال: يكبر. - لأنه صادف محل التكبير فيكبر.
- ومن الفقهاء من قال: بل يستمع لقراءة الإمام ولا يكبر. - لأن الإستماع لقراءة الإمام واجبة.
وهذا القول الثاني هو الصواب.
• ثم قال رحمه الله تعالى
والخطبتان .. : سنة.
خطبتا صلاة العيد سنة عند الجماهير والجم الغفير من أهل العلم.
واستدلوا على هذا:
- بما رواه عطاء عن ابن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنا نخطب خطبتنا هذه فمن شاء أن يجلس فليجلس ومن شاء أن يذهب فليذهب.
ولو كانت الخطبة واجبة لكان الاستماع واجباً.
وهذا الحديث صححه جمهور المتأخرين. وضعفه المتقدمون. فضعفه أبو داود والنسائي وابن معين. حكموا عليه أنه مرسل يعني أن الصواب فيه أن عطاء قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقول ..... بإسقاط ابن السائب وأن من ذكر ابن السائب فقد أخطأ في الرواية وهذا هو الصواب: أن ذكر ابن السائب خطأ ولا يثبت الحديث إلا مرسل من رواية عطاء.
- والقول الثاني: أن خطبة العيد من شرائط صلاة العيد وإلى هذا ذهب من الحنابلة ابن عقيل وغيره من الحنابلة.
لكنه أبرز من ذهب إلى هذا القول.
وظن الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار أن سنية الخطبة: خطبتي العيد محل إجماع ولذلك قال: لا أعلم قائلاً بالوجوب وكأنه لم يقف على اختيار ابن عقيل هذا الذي فيه أنه من شرائط العيد.
والمسألة محتملة في الحقيقة فيحتمل أن نقول أنها سنة كما هو مذهب الجماهير ويحتمل أن نقول أنها واجبة لأن لا ينفض الناس عن الإمام فتكون خطبته لا فائدة منها.
في الحقيقة مسألة حكم خطبة صلاة العيد محتملة.
• ثم قال رحمه الله
ويكره: التنفل قبل الصلاة وبعدها.
نص الإمام أحمد على أنه يكره للإنسان أن يتنفل قبل وبعد صلاة العيد.
واستدل على هذا:
- بالحديث المتفق عليه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي قبل العيد ولا بعدها.
- والدليل الثاني: ما ذكره الزهري أنه قال: لا أعلم أحداً من العلماء نقل عن أحد من السلف أنه صلى قبل العيد أو بعدها.
وقال الزهري أيضاً: لم يصلها بدري قط.
وإذا كان الصحابة من أهل بدر كلهم لم يصلوها فهو إجماع وَمَنِ الناس بعد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بدر.
- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان يصلي هو أصحابه لنقل.
- ومن الفقهاء من قال: الصلاة قبل العيد جائزة لا مندوبة ولا مكروهه.
وكأن الشوكاني يميل إلى هذا.
والصواب لا شك مع الإمام أحمد إن شاء الله لما استدل به من الإجماع وحكاية عمل عامة الصحابة لا سيما الكبار منهم كأهل بدر فمعنى هذا أن أبا بكر وعمر وعلي وعثمان وأبو عبيدة وفقهاء الصحابة وكبارهم كلهم لم يكونوا يصلون قبل صلاة العيد.
وهذا القول هو الصواب ومن رجح أنه يجوز وأنه لا دليل على المنع فمن وجهة نظري أن قوله بعيد مع ما قاله الزهري.
مسألة: هل يشمل ذلك تحية المسجد؟
الجواب: نعم. بل نص الإمام أحمد على أنه لا يصلي ولا تحية المسجد بل يأتي ويجلس بلا صلاة.
- والقول الثاني: في مذهب الحنابلة: أن تحية المسجد تستثنى.
وإلى هذا ذهب بعض محققي الحنابلة.
واستدلوا على ذلك:
- بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين.
وهذا القول الثاني: هو الصواب في مسألة تحية المسجد إذا حكمنا أن مصلى العيد مسجد.
عرفنا الآن مما نقله الزهري أن الشارع الحكيم يحب من الإنسان أن لا يصلي قبل صلاة العيد والكلام الآن في النفل المطلق أما النفل المعين فبالإجماع فليس لصلاة العيد نفلاً معيناً قبلها ولا بعدها لكن الكلام الآن في النفل المطلق فإذا أتينا مصلى العيد ووجدنا أحداً يتنفل نفلاً مطلقاً فنقول له أنت على خلاف هدي السلف .. فعلك خلاف هدي السلف لما نقله - كما تقدم - الزهري.
هذا علمنا أن الشارع الحكيم أحياناً يحب من الإنسان في بعض الأزمنة والأمكنة أن يصلي وأحياناً يحب من الإنسان في بعض الأزمنة أو الأمكنة أن لا يصلي وما ذلك إلا لتعويد النفس على الانقياد والطاعة لله في العبادة فعلاً وتركاً.
• ثم قال رحمه الله تعالى:
في موضعها.
يعني أن الكراهة تختص بموضع صلاة العيد. أما إذا أراد أن يصلي بعدها في بيته فهو جائز.
- وهو مذهب الإمام أحمد بل كان يفعل ذلك.
والدليل من وجهين:
- الوجه الأول: أنه جاء في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رجع إلى بيته من صلاة العيد صلى نفلاً وهذا الحديث فيه ضعف ولكنه يسير لأن ضعفه أتى من قبل أحد الرواة الذين خف ضبطهم.
- الدليل الثاني: ما صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يصلي في بيته بعد صلاة العيد.
- الدليل الثالث: أن الإمام أحمد فهم من حديث ابن عباس السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي قبل العيد ولا بعدها أن هذا في مصلى العيد - فهم هذا الفهم.
فهذه ثلاثة أدلة كل واحد منها يقوي الآخر - أن حديث ابن عباس خاص بمصلى العيد وأثر ابن مسعود والحديث المرفوع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في بيته بعد صلاة العيد.
إذاً قول الحنابلة أن الكراهة تختص بمكان صلاة العيد صحيح.
•
ثم قال رحمه الله:
ويسن لمن فاتته
…
قضاؤها على صفتها.
تقدم معنا الكلام عن حكم قضاء المنفرد لصلاة العيد وأن الجمهور في الجملة يرون مشروعية القضاء وأن الإمام أبا حنيفة وتبعه شيخ الاسلام يرون أنه لا يسن قضاء صلاة العيد - تقدم معنا هذا.
والشيء الذي ممكن أن نضيفه هنا أن نقول:
أنه صح عن ابن مسعود بإسناد صحيح جيد أنه كان يقضي صلاة العيد أربع ركعات وهو قول عند الحنابلة.
فصارت الأقوال
- تقضى على هيئتها وهو الموافق لأثر أنس الذي تقدم معنا.
- لا يسن أن تقضى.
- تقضى أربع ركعات.
والذي يظهر لي والله أعلم أن الأمر واسع وإن كان اختيار شيخ الاسلام قوي باعتبار أن هذه الصلاة شرعت بهيئة معينة مع الخطبة والجماعة ولا يوجد هذا الشيء في المنفرد وهذا القول أقعد وأقرب للنصوص لكن مع ذلك أقول الأمر فيه واسع إن شاء الإنسان أن يصليها على هيئتها وإن شاء أن يصليها أربعاً وإن شاء أن لا يصلي فالأمر فيه واسع.
• ثم قال رحمه الله
أو بعضها.
يسن لمن فاته بعض صلاة العيد أن يقضي صلاة العيد على صفتها.
ومن فاته بعضها هو: كل من أدرك الإمام قبل أن يسلم.
فكل من أدرك الإمام قبل أن يسلم فقد أدرك بعض صلاة العيد فيشره له أن يقضي الصلاة على صفتها.
- لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا.
وتقدم معنا: هل المدرك لبعض الصلاة يعتبر ما أدرك هو أول الصلاة أو هو آخر الصلاة؟
والثمرة عندنا هنا: - إن قلنا أن المُدْرَك هنا هو آخر الصلاة فالمشروع في حقه إذا قام ليأتي بالتكملة أن يكبر ست أو يبع - حسب الخلاف السابق.
- وإذا قلنا أن ما أدرك هو الأول وما يقضي هو آخر الصلاة فالمشروع في حقه إذا قام أن يكبر خمس.
إذاً يترتب على هذا القول أشياء كثيرة جداً منها ما يتعلق بصلاة العيد.
وتقدم أن الراجح أن ما يدرك هو أول الصلاة وأن ما يقضي هو آخر الصلاة.
ثم بدأ المؤلف بموضوع آخر خارج عن مسألة ذات الصلاة وهو التكبير:
• فقال رحمه الله تعالى:
ويسن التكبير المطلق.
التكبير المطلق هو: التكبير الذي لا يختص بأدبار الصلوات بل يكون في الأسواق والطرقات والمساجد والدور وفي كل مكان.
هذا هو التكبير المطلق.
• يقول رحمه الله تعالى:
في ليلتي العيدين.
يعني: أنه يشرع في ليلة عيد الفطر وفي ليلة عيد الأضحى أن يكبر المسلم تكبيراً مطلقاً.
نبدأ بليلة عيد الفطر:
- ذهب العلماء إلى أنه يشرع للإنسان أن يكبر تكبيراً مطلقاً.
واستدلوا: بنصوص كثيرة:
- منها قوله تعالى: {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} .
فالعدة قي الآية: أي أيام رمضان ثم قفال: {ولتكبروا.
- الدليل الثاني: أنه ثبت عن ابن عمر أنه كان يكبر في ليلتي العيد.
- الدليل الثالث: أن هذا التكبير من شعائر الاسلام الظاهرة
فهذه ثلاثة أدلة تدل على التكبير المطلق ليلة عيد الفطر - ونحن الآن نتكلم حول التكبير في عيد الفطر فقط.
مسألة: ذهب الحنابلة إلى أن التكبير ليلة عيد الفطر مطلق ولا يسن أن يكبر تكبيراً مقيداً.
بناء على هذا: ما يصنعه بعض الناس اليوم في ليلة عيد الفطر - نشاهد الآن كثير من الناس بل عامة الناس إذا صلى المغرب والعشاء والفجر ليلة عيد الفطر يكبر بعد الصلاة مباشرة فهذا عمله عند الحنابلة لا يسن غير مشروع بل المشروع أن يكبر تكبيراً مطلقاً فقط.
- والقول الثاني: أنه يشرع أن يكبر تكبيراً مقيداً في ليلة عيد الفطر بل التكبير المقيد فيها يستحب أكثر من المطلق عندهم.
والراجح: أن في الأمر سعة إن شاء الإنسان أن يكبر تكبيراً مقيداً أو مطلقاً مع وجاهة وقوة ما ذهب إليه الإمام أحمد من منع التكبير المطلق ليلة الفطر لأن ظاهر الآثار اختصاص التكبير المقيد بعيد الأضحى كما سيأتينا.
إذا عرفنا الآن حكم التكبير ليلة العيد وهل يكون مطلقاً أو مقيداً؟
باقي آخر مسألة: وقت التكبير ليلة العيد.
يبدأ من مغيب الشمس ليلة العيد وينتهي بانتهاء الخطبة.
- والقول الثاني: أنه ينتهي بحضور الإمام.
إذاً الخلاف في الانتهاء لا في الابتداء.
والقول الأول في مسألة الانتهاء اختيار شيخ الاسلام.
والقول الثاني صح عن ابن عمر وهو الراجح: أنه ينتهي بحضور الإمام لأنه بحضور الإمام ينشغل الإنسان بالصلاة وسماع الخطبة.
على أن الأمر في مثل هذه الأحكام واسع ليس فيها نصوص صريحة وإنما هي آثار وشعائر عامة وليست من المسائل التي تنكر فيما لو كبر الإنسان بعد حضور الإمام.
لكن نقول: الأقرب باعتبار الآثار وصحة الفتوى عن ابن عمر أن التكبير ينتهي بحضور الإمام لا بالخطبة.
• ثم قال رحمه الله:
وفي فطر آكد.
يعني أن التكبير في عيد الفطر آكد منه في عيد الأضحى.
الدليل على أنه آكد:
- أنه نص القرآن عليه.
- والقول الثاني: أن التكبير في عيد الأضحى آكد.
لوجهين:
- الأول: أنه اختلف في مشروعية تكبير عيد الفطر ولم يختلف في التكبير في عيد الأضحى.
- الثاني: أن في عيد الأضحى تكبيراً مقيداً دون عيد الفطر.
- القول الثالث: أن كلاً منهما أرجح من جهة. فهذا أرجح من جهة النص وهذا أرجح من جهة عدم الاختلاف فيه.
وهذا هو الصواب.
مسألة: عيد النحر أفضل من عيد الفطر.
على هذا تدل عبارات السلف وهو اختيار شيخ الاسلام بل رأى أن عيد النحر أفضل أيام السنة.
فعيد النحر أعظم وأفضل وأحب إلى الله من عيد الفطر.
ثم بدأ المؤلف رحمه الله بالكلام عن التكبير في عيد الأضحى:
• فقال رحمه الله
وفي كل عشر ذي الحجة.
يعني: ويشرع التكبير المطلق في كل أيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة.
- ويبدأ التكبير عند الحنابلة من فجر أول يوم من أيام العشر وينتهي بانتهاء الخطبة يوم العيد.
والدليل على مشروعية هذا التكبير:
- قوله تعالى: { .. ويذكروا اسم الله في أيام معلومات
…
} [الحج/28
وابن عباس فسر الأيام المعلومات بأنها أيام العشر.
- وبقوله صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله).
- وبأن ابن عمر وغيره من الصحابة كانوا يكبرون في العشر تكبيراً مطلقاً.
- والقول الثاني: أن التكبير المطلق في العشر لا ينتهي إلا بغياب الشمس من آخر أيام التشري.
استدل هؤلاء (على امتداد التكبير المطلق إلى نهاية أيام التشريق):
- بحديث: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله)
- وبقوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات
…
} [البقرة/184
وابن عباس فسرها بأنها أيام التشريق.
- وأن ابن عمر رضي الله عنه كان يكبر في منى في أيام التشريق ويكبر معه الناس.
فهذه ثلاثة أدلة تدل على استمرار التكبير إلى نهاية أيام التشسريق وهذا اختيار شيخ الاسلام وهو الصواب إن شاء الله.
فصار التكبير المطلق في عيد الأضحى يبدأ من دخول العشر ولا ينتهي إلا بغياب الشمس من آخر أيام التشريق وعند الحنابلة يبدأ من أول يوم وينتهي بانتهاء الخطبة.
•
ثم قال رحمه الله:
والمقيد: عقب كل فريضة في جماعة.
يعني: ويشرع التكبير المقيد في عيد الأضحى عقب كل فريضة في جماعة.
أولاً: التكبير المقيد هو: التكبير الذي يختص بأدبار الصلوات.
ثانياً: خصصه الحنابلة بأمرين: - الأول: أن يكون بعد الفريضة.
والثاني: أن يكون في جماعة.
- أما أنه بعد الفريضة فهذا محل اتفاق بين الأئمة كلهم إلا الشافعي فقط فإنه يرى مشروعية التكبير بعد النوافل.
والصواب مع الأئمة: لأن ظواهر الآثار أن ذلك يتعلق بالفرائض.
- وأما أنه في جماعة: فإن صلى الإنسان بمفرده فإنه لا يشرع له أن يكبر.
والدليل على هذا
- أنه صح عن الصحابة: عن ابن عمر وابن مسعود أنهم كانوا لا يرون التكبير المقيد إلا لمن صلى في جماعة.
ونحن نلتزم فتوى ابن عمر وابن مسعود لأن فهمهم مقدم على الآراء المطلقة فهم فهموا أنه مخصوص بصلاة الجماعة.
إذاً الصواب إن شاء الله مع الجماهير في أن التكبير المقيد مقيد بالفريضة وبصلاة الجماعة.
• ثم قال رحمه الله:
في الأضحى من صلاة الفجر يوم عرفة.
يبدأ التكبير المقيد بالنسبة لصلاة الأضحى من فجر يوم عرفة بالنسبة للمحل - وسيأتينا المحرم.
- وهذا هو مذهب الحنابلة كما ترون الآن وهو مذهب المالكية ونصره جداً شيخ الاسلام ابن تيمية.
واستدل على ذلك:
- بأن هذا إجماع الصحابة.
إذاً مسألة بداية التكبير من فجر يوم عرفة بالنسبة للمحل هذا محل إجماع من الصحابة وإن وقع خلاف بين الأئمة المتأخرين - أقصد: الذين في القرن الثاني والثالث. لكن يقول شيخ الاسلام أنه محل إجماع من أكابر الصحابة وهو الصواب.
فمذهب الحنابلة والمالكية واختيار شيخ الاسلام هو الصواب.
•
ثم قال رحمه الله:
وللمحرم من صلاة الظهر يوم النحر.
يعني: أن المحرم يبدأ التكبير المقيد له من صلاة الظهر يوم النحر.
- لأنه مشغول قبل ذلك بالتلبية.
وإنما علقوه بقولهم: من صلاة الظهر. تغليباً. وطردوا الحكم بمعنى: لو رمى الإنسان قبل صلاة الفجر من اليوم العاشر كما يفعل بعض الضعفة والنساء فإنهم أيضاً لا يكبرون التكبير المقيد إلا بعد الظهر.
وكذلك لو أخر أحد الحجاج الرمي إلى ما بعد صلاة الظهر فإنه يبدأ بعد صلاة الظهر.
إذاً هذا مذهب الحنابلة وهكذا يرون. يرون أنا نعلق بداية التكبير المقيد بصلاة الظهر تغليباً لأن الحجاج عامتهم سيرمون في الضحى ثم يتحللون فإذا صلى الظهر يبدأ بالمقيد وطردوا هذا في من رمى قبل وفي من رمى بعد.
- والقول الثاني: أن الحاج أيضاً يبدأ من فجر يوم عرفة لأنه لا تعارض بين التلبية والتكبير فقد نقل عن الصحابة أنهم قالوا: منا المكبر ومنا الملبي.
وفي الحقيقة مسألة بداية التكبير المقيد بالنسبة للحاج تحتاج إلى جمع الآثار أكثر فإن الآثار التي جمعت لم تسعف في تبيين الراجح في الحقيقة لكن على كل حال نقول: القول الثاني الآن باعتبار قول الصحابة منا المكبر ومنا الملبي أقرب - فالقول الثاني أقرب.
فالحاج إذا صلى الفجر يوم عرفة يبدأ بالتكبير المقيد مع استمرار التلبية ولا تعارض بين التلبية والتكبير.
وكما قلت أن المسألة تحتاج إلى جمع الآثار.
• ثم قال رحمه الله:
إلى عصر آخر أيام التشريق.
وهذا بالنسبة للمحرم والمحل. فيستمر التكبير المقيد إلى نهاية أيام التشريق كما جاء في الآثار.
•
ثم قال رحمه الله:
وإن نسيه: قضاه.
إذا نسي الإنسان التكبير المقيد فإنه يشرع له أن يقضيه بعد الصلاة ما لم يطل الفصل.
وهذا بلا نزاع في الجملة بين الحنابلة.
استثنى المؤلف مسألتين:
• فقال رحمه الله:
ما لم يحدث أو يخرج من المسجد.
فإن أحدث أو خرج من المسجد فإنه لا يقضي التكبير ولو كان الفصل قليلاً - ولو كان الوقت بين الترك والتذكر قليلاً.
استدلوا على هذا:
- بالنسبة للحدث: بأن الحدث يبطل الصلاة فمن باب أولى يبطل ما يتعلق بالصلاة وهو التكبير المقيد.
- وبالنسبة لمسألة المسجد: أن المسجد يختص بصلاة الفريضة فإذا خرج انقطعت توابعها ومنها التكبير.
- والقول الثاني: وهو قول عند الحنابلة اختاره المجد وابن قدامة.
أن الإنسان يقضي مطلقاً ما لم يطل الفصل ولو أحدث ولو خرج من المسجد.
- لأنه لا ارتباط بين التكبير والطهارة بدليل: أن التسبيح والتهليل المشروع أدبار الصلوات يندب أن يذكره الإنسان ولو خرج ولو أحدث مع أن التصاق هذا التسبيح والأذكار الخاصة بالصلاة أكبر منها بالنسبة للتكبير لأنها في كل السنة والتكبير في وقت محدد.
- ولأنه لا دليل على عدم القضاء إذا أحدث أو خرج.
فصار القول الراجح: أن الإنسان إذا نسي فإنه يقضي التكبير دائماً ولو أحدث ولو خرج إلا إذا طال الفصل.
• ثم قال رحمه الله:
ولا يسن عقب صلاة عيد ..
يعني: لا يسن للإنسان أن يكبر التكبير المقيد بعد صلاة العيد.
واستدلوا على هذا بدليلين:
- الأول: أنه لم يأت في الآثار أن الصحابة كانوا يكبرون أدبار صلوات العيد.
- والثاني: أن الإنسان بعد صلاة العيد مأمور باستماع الخطبة فلا يشتغل بالتكبير.
• ثم قال رحمه الله:
وصفته شفعاً:.
يعني صفة التكبير المندوب إليه أن يشفعه فيقول: ((اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
جاء التكبير بصفات كثيرة هذه الصفة التي ذكرها المؤلف عليها أكثر الصحابة وجمهور العلماء.
وروي عن الصحابة صفات أخرى كثيرة كلها جائزة:
- منها: أن يكبر ثلاثاً. وفي الصف التي ذكر المؤلف يكبر مرتين.