المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب دخول مكة - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٣

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌باب دخول مكة

شرح كتاب المناسك الدرس رقم (9)

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

‌باب دخول مكة

- قال رحمه الله:

باب دخول مكة.

يعني: باب يوضح فيه الأحكام المتعلقة بدخول مكة، وذكر رحمه الله أن أول سنة في دخول مكة أن يدخل من أعلاها وفاته رحمه الله بعض السنن التي تسبق هذه السنة، فمما فات المؤلف رحمه الله:

- استحباب الاغتسال: = فقد ذهب الأئمة الأربعة والجماهير وحكي إجماعاً أنه يستحب للإنسان إذا أراد أن يدخل مكة أن يغتسل.

- ويستحب أيضاً: أن يدخل نهاراً.

- ودليل ذلك: أن ابن عمر رضي الله عنه لما أراد أن يدخل مكة توقف وبات فيها واغتسل نهاراً وقال: هكذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 133

والأئمة رحمهم الله أخذوا من هذا الحديث وفهموا استحباب الاغتسال وأن يدخل نهاراً. وأما الدخول في الليل: فهو أيضاً جائز ولم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً إلا مرة واحدة. وهو دليل الجواز، فيجوز أن يدخل ليلاً ويستحب أن يدخل نهاراً وهو أمر مقصود كما فهم الأئمة وليس أمراً عرضياً وقع صدفة بل ينبغي ويستحب للإنسان أن يتقصد أن يغتسل وأن يدخل مكة نهاراً.

ثم نأتي إلى السنة التي ذكرها المؤلف:

- فقال رحمه الله:

يسن: من أعلاها.

استحباب دخول مكة من أعلاهاً من حيث الجملة لا أعلم فيه خلافاً.

لكن ذهب بعض الشافعية إلى أنه يستحب الدخول من أعلى مكة لمن كان طريقه يمر بأعلى مكة وإلا فلا.

ويفهم من هذا الخلاف أن جميع أهل العلم يرون استحباب الدخول من أعلى مكة إذا كان طريق الإنسان يمر بأعلى مكة، وكما قلت: الجماهير يرون الاستحباب مطلقاً فقط بعض الشافعية يرون أنه مستحب في حال واحدة: إذا كان طريقه يمر بأعلى مكة.

وهذا القول الراجح وهو أرجح من القول بأن هذا الدخول وقع لأنه الأسهل أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما طريقه من هذا الطريق فإن الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد كلهم يرون أن هذا أمر مقصود وأن النبي صلى الله عليه وسلم تقصد الدخول من أعلاها.

واستدلوا:

- بما ثبت في حديث ابن عمر وحديث عائشة وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم: دخل مكة من أعلاها.

بل نستطيع أن نقول: أن هذا فهم حتى الصحابة فإنا لا نعلم فائدة من قول عائشة أو ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل من أعلا مكة إلا أن هذا أمر مستحب أو أنه أمر مقصود.

فإذاً هذه سنة ثابتة نستطيع أن نقول بالإجماع لمن كان طريقه يمر بأعلى مكة وعند الجماهير لمن كان طريقه يمر بغير هذا الطريق يعني: من غير أعلى مكة.

- ثم قال رحمه الله:

والمسجد من باب بني شيبة.

يعني: ويستحب أن يدخل المسجد الحرام من هذا الباب.

والدليل على استحباب هذه السنة:

- ما أخرجه البيهقي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد من هذا الباب.

ص: 134

- وأيضاً ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يحكم بين قريش في وضع الحجر دخل من باب بني شيبة.

وحديث البيهقي نسبه بعضهم خطأ إلى مسلم وهو في البيهقي وليس في مسلم: يعني دخول النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني شيبة، وهذا الباب لا وجود له الآن بعد العمارة الحديثة للحرم لكن اشتهر أن الدخول من باب السلام أن من دخل من باب السلام ثم اتجه إلى الكعبة فإنه سيمر من باب بني شيبة وإلا فإن الباب نفسه لم يعد موجوداً الآن.

- قال رحمه الله:

فإذا رأى البيت: رفع يديه وقال ما ورد.

يعني: ويستحب عند رؤية البيت أن يرفع الإنسان يديه ويدعو بما ورد.

والدليل على هذا العمل:

- ما رواه ابن جريج رحمه الله مرسلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصنع ذلك، ومراسيل بن جريج ضعيفة أو ضعيفة جداً لا تصلح للاستدلال.

= القول الثاني: أنه لا يشرع للإنسان أن يصنع ذلك بأن يرفع يديه ويدعو. وإلى هذا ذهب الإمام مالك رحمه الله.

واستدل على ذلك:

- بأن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنكر ذلك وقال: لم يكن يصنعه النبي صلى الله عليه وسلم.

وآراء هذا الصحابي الجليل في الحج لها أهمية والسبب في ذلك أنه اعتنى عناية خاصة بحج النبي صلى الله عليه وسلم ومن هنا كان لفتاويه وآرائه ورواياته منزلة كبيرة عند الترجيح في مسائل الحج والعمرة.

- ثم قال رحمه الله:

ثم يطوف مضطبعاً.

الاضطباع هو أن يضع وسط الرداء تحت عاتقه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر، والاضطباع سنة لثبوته في الأحاديث الصحيحة.

وينبغي أن يعلم أن:

- الاضطباع إنما يسن عند إرادة الطواف لا عند الإحرام، فإذا أوشك أن يبدأ الإنسان بالطواف اضطبع لا من حين يحرم من الميقات.

- الأمر الثاني: أن الإضطباع سنة في طواف القدوم فقط دون غيره من طوافات الحج.

-

ثم قال رحمه الله:

يبتدئ: المعتمر بطواف العمرة، والقارن والمفرد للقدوم.

- طواف القدوم: سنة بإجماع أهل العلم لم يختلفوا في أنه سنة مندوب إليها.

ص: 135

وقول الماتن رحمه الله: (يبتدئ). مقصود. لأنه يسن - عند أهل العلم من الحنابلة وغيرهم -:لمن دخل المسجد الحرام ليطوف يسن أن يبدأ بالطواف وأن لا يشتغل بأي عبادة أخرى حتى ولا بتحية المسجد.

واستثنوا من هذا مسألة واحدة وهي: أنه إذا دخل وصادف إقامة الفريضة فإنه يصلي معهم الفريضة. فيما عدا هذه الصورة فإنه يشرع له أن يبدأ بالطواف.

وطواف العمرة بالنسبة للمتمتع يغني عن طواف القدوم. وعلى هذا يدل كلام المؤلف رحمه الله لأنه جعل طواف القدوم خاصاً بالقارن والمفرد. وهذا صحيح. فلا يشرع للمتمتع أن يطوف أولاً للقدوم ثم يطوف ثانياً للعمرة.

والدليل على ذلك:

- أن ظاهر حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين قدموا متمتعين أنهم اكتفوا بطواف واحد وهو طواف العمرة وقد أجزأهم عن طواف القدوم.

- ثم قال رحمه الله:

فيحاذي الحجر الأسود: بكله.

يشترط لصحة الطواف: أن يحاذي الطائف إذا أراد أن يبدأ: الحجر بكله.

ويجوز أن يحاذي بكله بعض الحجر.

ولا يجوز أن يحاذي ببعضه الحجر أو بعض الحجر.

إذاً: الشرط هو أن يكون كل الجسم محاذي لكل أو لبعض الحجر.

الدليل على هذا:

- قالوا: الدليل على هذا: أن ما شرط استقباله وجب أن يستقبل بكل الجسم كما في استقبال القبلة في الصلاة. كأنها قاعدة عندهم.

بناء على هذا: إن بدأ الطواف وبعض جسمه من جهة باب الكعبة ولو استقبل بالبعض الآخر الحجر فإن الطواف لا يصح لأنه لم يستقبل بجميع جسده الحجر.

= القول الثاني: أنه يجوز أن يقابل ببعض جسده بعض الحجر، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله.

والدليل على ذلك:

- أن الظاهر من حال النبي صلى الله عليه وسلم وحال الصحابة أنهم لم يكونوا ينتصبون انتصاباً تاماً كاملاً أمام الحجر بحيث يكون جسد المعتمر أو الحاج مقابل بكله للحجر الأسود.

- كما أن في هذا الشرط لا سيما في هذه الأزمان مشقة ظاهرة وزائدة وهو أن نوجب أن يستقبل الإنسان بكل جسده كل الحجر ففي هذا مشقة عظيمة لا سيما في المواسم.

- كما أنه لا دليل على هذا الشرط. إنما الواجب أن يبدأ الإنسان من الحجر إلى الحجر سواء استقبل الحجر ببعضه أو بكله وسواء استقبل بعض الحجر أو كل الحجر.

ص: 136

وهذا القول الثاني هو القول الراجح إن شاء الله وهو الذي يسع العمل به ولو اشترطنا ما اشترط الحنابلة لدخل مشقة عظيمة على الناس.

- قال رحمه الله:

ويستلمه ويقبله.

الاستلام هو: المسح باليد. وظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يستحب الاستلام والتقبيل وأن الدرجة الأولى من مراتب استلام الحجر هو أن يجمع بين الاستلام وهو المسح باليد والتقبيل.

وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم أن السنة: الاستلام مع التقبيل.

ولكني بحثت في جميع الأحاديث بحثاً كثيراً فلم أجد أي حديث فيه الجمع بين الاستلام والتقبيل إلا في حديثين صريحين في سنية الجمع بينهما ولكن فيهما ضعف، أما الأحاديث الصحيحة الصريحة فهي تشير إلى الاستلام أو التقبيل.

- ففي حديث جابر رضي الله عنه: الاستلام بلا تقبيل.

- وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قبل الحجر وقال لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. وفيه التقبيل ولم يذكر الاستلام.

لذلك الأظهر والله أعلم أن:

- المرتبة الأولى: التقبيل بدون استلام. بحيث يضع الإنسان فمه على الحجر بلا إظهار صوت عند الحنابلة وإنما يضع شفتيه على الحجر وضعاً بدون تقبيل بصوت وينقلون أن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا صنع ولأن هذا فيه نوع من التأدب عند بيت الله وهذا بخلاف ما يصنعه كثير من الناس اليوم حيث يقبلون بطريقة تخالف هذه الطريقة.

إذاً الأقرب والله أعلم أن المرتبة الأولى: التقبيل بلا استلام. هكذا ظهر لي لأنه لا يوجد حديث يجمع بينهما. وهذه الأمور تعبدية.

- المرتبة الثانية: الاستلام مع تقبيل اليد. ودل على هذا: الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم استلم الحجر بيده وقبل يده.

- ثم قال رحمه الله:

وإن شق قبّل يده.

(وإن شق) يعني: الاستلام مع التقبيل (قبل يده) تقدم معنا أنه إذا شق عليه فإنه يستلم الحجر يعني يمسح عليه ويقبل يده وأن هذا ثابت في حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.

- ثم قال رحمه الله:

فإن شق اللمس أشار إليه.

ص: 137

ترك المؤلف رحمه الله مرتبة من مراتب الاستلام وهي: أن يستلم الحجر بشيء مع ويقبل هذا الشيء.

- لما صح في الحديث الذي رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم استلم الحجر بمحجن وقبله.

ثم المرتبة الأخيرة: (فإن شق اللمس أشار إليه). يعني: بيده بلا تقبيل، فيشير الإنسان إلى الحجر بدون أن يقبل يده.

فصارت المراتب:

- التقبيل مجرداً عن الاستلام.

- ثم الاستلام مع التقبيل.

- ثم استلام الحجر بشيء من عصا أو نحوه مع تقبيله.

- ثم الإشارة بلا تقبيل.

فهذه هي مراتب استلام الحجر.

وكما لا يخفى أن هذه المراتب ما عدا الأخير نستطيع أن نقول أنها في مواسم الحج المعاصرة غير مشروعة لكثرة الزحام وما يؤدي إليه هذا الأمر - وهو الاستلام أو التقبيل - من شقاق ونزاع ومدافعة لا يأتي الإسلام بمثلها لا سيما وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يزاحم ليقبل وسواء صح هذا الحديث أو لم يصح لاشك أن قواعد الإسلام تقتضي أنه في مثل هذه المواسم - مواسم الحج والعمرة في رمضان أنا نستطيع أن نقول أن التقبيل لا يشرع لما يترتب عليه من زحام شديد وإضرار بالآخرين.

وذهب الجمهور إلى أن التقبيل لا يشرع للمرأة وبنو هذا على أن التقبيل يؤدي إلى اختلاط المرأة بالرجال وكثرة المساس بين المرأة والرجل مما تأباه النصوص العامة الدالة على وجوب محافظة المرأة على جسدها من الاختلاط بالرجال.

ثم نقول: ما يقع اليوم من تقبيل النساء للحجر الأسود اليوم في الزحام في الحج أو في العمرة في رمضان لا يشك أي إنسان أنه محرم وأن المرأة آثمة بهذا التقبيل لما يلحظه الإنسان من تعرض المرأة لشيء عظيم من ذهاب الحياء والمساس بالرجال والاختلاط على وجه يحرمه الشرع بلا إشكال فإن التقبيل غاية ما هنالك أنه سنة بينما اختلاط المرأة بالرجال مع الالتصاق والمساس محرم بإجماع الفقهاء بإجماع أهل العلم وهذا الذي تقتضيه النصوص ولذلك ينبغي على طالب العلم أن يشير على المرأة أو على ولي المرأة أن التقبيل في الزحام محرم.

- ثم قال رحمه الله:

ويقول ما ورد.

ص: 138

- ثبت في حديث جابر وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يبدأ بالطواف واستقبل الحجر كبر.

فالتكبير ثابت في الأحاديث الصحيحة، وليس في الأحاديث الصحيحة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم دعاء يثبت عند بداية الطواف إلا التكبير فقط، لكن صح عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان يبسمل فيقول:(بسم الله، والله أكبر) عند بداية الطواف، فإن أخذ الإنسان بهذا الأثر فقد أخذ بأثر عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإن تركه فهو عندي أولى لأن الحج أمر مضبوط منقول عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان هذا الذكر مشروعاً لنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما مع شدة عناية أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بحجه الأخير وأما أثر ابن عمر فلا يمتنع أن يكون اجتهاداً منه رضي الله عنه لكثرة بداية الأعمال بالبسملة في الشرع. كما عند الوضوء إن صح وهو ضعيف. وكما عند الأكل وعند قراءة القرآن وغيره فقد جاء في الشرع في مواضع كثيرة أن الإنسان إذا شرع في العبادة يبسمل فلعل ابن عمر رضي الله عنه قاس على عبادة الطواف على غيره من العبادات.

والأقرب والله أعلم فيما يظهر لي أنه لا يشرع للإنسان إلا أن يقول: (الله أكبر)، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم.

- ثم قال رحمه الله:

ويجعل البيت عن يساره.

دل النص والإجماع: على أن الطائف إذا بدأ بالطواف فإنه يجب أن يجعل الكعبة عن يساره فإذا استقبل الحجر وكبر انصرف عن يمينه.

والدليل على ذلك:

- قول النبي صلى الله عليه وسلم (خذوا عني مناسككم) وقد طاف كذلك صلى الله عليه وسلم.

وذكر أهل العلم حكماً كثيرة لكون الطواف يكون على هذه الهيئة أي أن يجعل الإنسان البيت عن يساره، أما الدليل فهو السنة المستفيضة، وهذه الحكم استنباطات من أهل العلم:

ص: 139

- منها: ونقتصر عليه: أن الطائف إذا جعل البيت عن يساره فإنه يعتمد على الشق الأيسر وبذلك يكون الشق الأيمن أرفع شأناً ومن المعلوم أن الشارع كرم الشق الأيمن للإنسان، هذا أقوى الحكم المذكورة. وفيه ما فيه من التكلف. وما ذكر من التعليلات الأخرى والحكم أيضاً فيها تكلف أكثر من هذه الحكمة فالواجب أن يقتصر الإنسان في مثل هذا على ما جاء في النصوص لا سيما في الحج فإنه يكثر في الحج الأعمال التي قد يصعب تعليلها وطلب الحكمة عدا أن الحكمة هي امتثال الأوامر وتعظيم الله وذكره في هذا الحج، هذا هو الذي يظهر وواضح من النصوص كما سيأتينا، أما التماس بعض الحكم في الحج ففيها تكلف ظاهر.

- ثم قال رحمه الله:

ويطوف سبعاً.

أي: أن عدد الأشواط في الطواف سبعة ولا يجوز له أن يزيد على هذا المقدار فإن زاد تعبداً فهو مبتدع ولا يجوز له أن ينقص فإن نقص متعبداً فهو مبتدع بالإضافة إلى بطلان الطواف لأنه نقص منه ركناً وهذا الأمر مجمع عليه بين أهل العلم.

- ثم قال رحمه الله:

يرمل الأفقي.

الرمل هو: مقاربة الخطى مع الإسراع، وهو سنة باتفاق الأئمة.

قوله: (الأفقي) هذا يدل على أن الرمل سنة خاصة بغير المكي، فالأفقي يسن له أن يرمل والمكي لا يسن له أن يرمل.

والدليل على ذلك:

- ما ثبت عن ابن عمر وابن عباس أنهم قالوا: ليس على المكي رمل، فثبت بهذه الفتاوى أنها سنة خاصة بمن قدم من خارج مكة.

- كما أنه يدل على ذلك: الآثار المروية عن حال الصحابة أن الذين كانوا يرملون هم الذين يقدمون من خارج مكة دون المكيين.

- ثم قال رحمه الله:

يرمل الأفقي في هذا الطواف ثلاثاً ثم يمشي أربعاً.

أفاد المؤلف رحمه الله أن الرمل سنة خاصة بطواف القدوم وأنه يختص بالأشواط الثلاثة.

والدليل على ذلك:

- ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل مكة طاف في قدومه ثلاثاً سعياً وأربعاً مشياً.

ص: 140

ففي حديث ابن عمر النص على أن الرمل كان في قدومه. يعني: في طواف القدوم، وعلى أنه كان في الثلاثة الأشواط الأولى لأنه يقول (سعى ثلاثاً ومشى أربعاً) فالحديث نص في تخصيص طواف القدوم وتخصيص الأشواط الثلاثة فإذاً لا يشرع ولا يسن أن يستمر الإنسان في الرمل إلى نهاية الطواف.

* * مسألة / فإن لم يستطع أن يأتي بهذه السنة إلا بالابتعاد عن الكعبة:

= فمن الفقهاء من قال: القرب من الكعبة أولى من هذه السنة.

- لأن الطواف إنما كان حول الكعبة لتعظيم الكعبة. وكلما قرب الإنسان من الكعبة كان أولى في الإتيان بمعنى الطواف.

- كما استدلوا: بفتاوى لبعض التابعين. وليست بدليل. - الفتوى من التابعي ليست بدليل - لكن اعتاد أهل العلم أن يذكروا في سياق إثبات الحكم الفتاوى التي تأتي عن التابعين.

= والقول الثاني: أنه يأتي بالسنة ولو كان بعيداً عن الكعبة ولو أد الإتيان بالسنة إلى البعد عن الكعبة.

- للقاعدة المشهورة أن السنة المتعلقة بذات العبادة أولى ومقدمة على السنة التي تتعلق بمكان العبادة.

وهذا القول الثاني هو الصحيح.

-

ثم قال رحمه الله:

يستلم الحجر والركن اليماني كل مرة.

- ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستلم الحجر الأسود والحجر اليماني.

وهذا يدل بمفهومه أن الركنين الشاميين لا يشرع للإنسان أن يستلمهما.

وأطبق أهل العلم واستقر الأمر على هذا وهو أنه لا يستلم من البيت إلا الحجر الأسود والركن اليماني، إلا أن الركن اليماني يشرع الاستلام فيه دون التقبيل. لأنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه إلا الاستلام دون التقبيل، كذلك لا يشرع في الحجر اليماني الإشارة إذا لم يستطع الإنسان أن يستلم، وتبين من هذا أن مرتبة الحجر اليماني بالنسبة للاستلام والتقبيل وغيره مرتبة واحدة وهي الاستلام فقط فإن استطاع أن يستلم وإلا ينصرف.

والسنة: أنه إذا استلم الحجر اليماني يدعو فيقول: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)، وهذا ثابت في حديث عطاء بن السائب رضي الله عنه وهو حديث صحيح ثابت.

ص: 141

ولا يشرع بين الركنين أن يدعو بأي دعاء آخر على سبيل التعيين والقصد، وله أن يدعو بما شاء على سبيل الدعاء المطلق، كذلك: لا يشرع أنه يدعو الإنسان بين الحجر الأسود والركن اليماني. ونحن تحدثنا عن الدعاء بين الركن اليماني والحجر الأسود - الآن لا يشرع له أن يدعو بدعاء معين بين الحجر الأسود والركن اليماني. يعني: تكملة الدورة فلا يشرع في هذا أن يتقصد دعاء معيناً فإن تقصد دعاء معيناً رأى أنه خاص بهذا المكان فإنه مبتدع وإن دعا بدعاء عام فهذا هو الواجب، وينبغي للإنسان أن لا يطوف وهو صامت فإما أن يدعو أو أن يقرأ القرآن لأن هذا مكان عبادة وخضوع يناسب أن يبتهل الإنسان إلى الله فيه إما بالدعاء أو بقراءة القرآن غير المعين والمقصود وإنما بدعاء عام مطلق.

- ثم قال رحمه الله:

ومن ترك شيئاً من الطواف

لم يصح.

من ترك شيئاً من الطواف ولو يسيراً فإن الطواف باطل.

والدليل على هذا:

- أن النبي صلى الله عليه وسلم استغرق في طوافه ما بين الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ولم يترك منه شيئاً، فإذا نقص الإنسان عن هذا المقدار فقد عمل عملاً ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيبطل طوافه.

-

ثم قال رحمه الله:

أو لم ينوه

إذا طاف الإنسان بلا نية: فطوافه: = عند الحنابلة غير صحيح.

والطواف بلا نية ينقسم إلى قسمين:

- القسم الأول: أن يطوف بلا نية مطلقاً. كمن يطوف حول الكعبة بقصد إتباع رجل من الرجال أو لحاقه لأي سبب من الأسباب، فهذا لاشك أن طوافه باطل ولا يعتبر طوافاً ولو كان محرماً، ولو كان بصدد أن يطوف للعمرة أو للقدوم، لأنه لم ينو الطواف مطلقاً وإنما نوى أن يتبع هذا الرجل، وهذا قد يقع اليوم كثيراً فيمن تطوف أو يطوف للبحث عن طفل فهذا الطواف لا يجزئ لأنه إنما يطوف حول الكعبة لكن بقصد البحث عن طفل لا بقصد التعبد لله بالدوران حول الكعبة.

- القسم الثاني: أن يطوف ناوياً الطواف العام بلا تخصيص فلم ينو أنه طواف قدوم أو طواف إفاضة أو طواف نفل وإنما يطوف طوافاً عاماً:

= فعلى المذهب لا يصح أيضاً.

- لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الإعمال بالنيات).

ص: 142

= والقول الثاني: أن الطواف مع وجود نية التعبد لله صحيح ولو لم ينو العبادة المخصصة، ويكتفى بالنية العامة لعبادة الحج.

- قياساً على من ركع وسجد وقرأ في الصلاة بنية الصلاة العامة بدون أن ينو أنه سيركع الآن أو سيسجد الآن فنكتفي بنية الصلاة العامة وهي تغني عن النية الخاصة لمفردات وأجزاء العبادة.

والأحوط: القول الأول. وينبغي للإنسان إذا أراد أن يطوف أن يعلم أنه سيطوف قدوماً أو عمرة أو حجاً أو إفاضة فيحدد ما الذي سيطوف الآن، والسبب أن بين الصلاة والحج فروقاً منها: أن الصلاة وقتها قصير ومجتمع بخلاف الحج فهو متباعد وأعماله كثيرة فقد ينسى الإنسان أن يستحضر نية خاصة للعبادة الجزئية داخل الحج، ولذلك الأحوط لاشك أن الإنسان إذا أراد أن يطوف أن يعين نوع الطواف، والغالب على المسلمين الآن أنهم يطوفون بتعيين هذه النية.

-

ثم قال رحمه الله:

أو نكسه.

تنكيس الطواف هو أن يجعل الكعبة عن يمينه، فإذا جعل الكعبة عن يمينه وطاف سبعة أشواط فإن الطواف باطل، والسبب: أن هذا الطواف مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابتداع في هيئة وصفة الطواف، وهذا بحث نظري. وهو بحث نظري من وجهين:

- الوجه الأول: أنه لا يقع. فلم نر أحداً فعله ولا من الجهال، لأنه يرى الطواف الصحيح يجري أمامه فيجري معه.

- والوجه الثاني: هو طواف نظري من حيث: عدم المقدرة. فإن الإنسان بالكاد يستطيع الطواف الآن فكيف بمن يطوف بالعكس.

فهو نظري من هذين الوجهين. وعلى كل حال إن طاف فطوافه باطل.

يقول هنا (أو نكسه) وفي نسخة: (نسكه). ونحن شرحنا النسخة المعتمدة (أو نكسه) أما على النسخة الثانية (نسكه) يعني أو لم ينو نسكه بأن أحرم إحراماً مطلقا ولم يعين قبل أن يبدأ بالطواف: فهذا الطواف باطل وملغى لأنه لا يوجد شيء يبني عليه باقي نسكه لأن هذا الطواف لم يعين فيه نسكاً معيناً. وهذا صحيح أنه إذا أحرم إحراماً مطلقاً ولم يعين قبل أن يبدأ بالطواف فإن هذا الطواف لا يصح.

ص: 143

وهذا يقع اليوم كثيراً من الجهال فإذا جاء الحاج إلى الميقات تجد أنه لا يعرف الأنساك الثلاثة ولا كيفية الأنساك فيحرم بالحج إحراماً مطلقاً لا يعين لا الإفراد ولا التمتع ولا القران ثم يأتي ويطوف قبل أن يحدد فمثل هذا طوافه لا يصح إلا أنه إذا كان الإنسان لما أحرم يقول أنا أحرمت بالحج أقصد الحج فحينئذ يعتبر مفرداً. لكن إذا أحرم إحراماً مطلقاً ولم يعين شيئاً تقول له: هل تقصد أنك معتمر أو حاج أو حاج ومعتمر؟ ويقول لم أقصد شيئاً فهذا يجب أن يعيد الطواف أما إذا قال أنا أقصد الحج ولا أقصد شيئاً آخر فهذا مفرد ولا إشكال فيه.

- ثم قال رحمه الله:

أو طاف على الشاذَروان.

فإنه لا يصح طوافه، لأن هذا الجزء يعتبر من الكعبة، والشاذروان هو: الجزء الزائد في أصل الكعبة، وهو معروف، وكان هذا الجزء مربعاً بحي يستطيع الإنسان أن يطوف عليه ثم إن الذين بنوه فلا أدري هل هي الحكومة السعودية وفقها الله أو الذين قبلهم بنوه مائلاً بحيث لا يستطيع الإنسان أن يمشي عليه وبهذا انتهت هذه المشكلة من أصلها وهي أنه لا يستطيع الإنسان أن يطوف أصلاً وملاحظ الآن أنه مائل وبالإضافة إلى أنه مائل أيضاً هو ناعم فلا أحد يستطيع أن يطوف على هذا الجدار لأنه يتعذر على الإنسان المشي عليه إلا إنسان يتكلف أن يمشي عليه متكأ على من بجواره وهذا تكلف ولا أظنه يقع الآن، المهم: أنه إذا طاف الإنسان على هذا الشاذروان فطوافه لا يصح.

= والقول الثاني: أن الطواف عليه صحيح ويجزئ وأنه ليس من الكعبة ولا يدخل في مسماها وإنما وضعه من وضعه دعامة لجدار الكعبة.

وهذا القول فيه وجاهة لأن الظاهر أن الكعبة هي الكعبة المربعة بدون هذه الزوائد لكن في الحقيقة الترجيح في هذه المسألة يستدعي أولاً معرفة تاريخ البناء وهل هذا الجزء هو من مسمى البيت الكعبة أو أنه ليس من مسمى البيت. فالترجيح في هذه المسألة يرجع إلى معرفة بناء الكعبة وما الذي يدخل فيه وما الذي يخرج منه.

- ثم قال رحمه الله:

أو جدار الحِجر.

- لأن الحجر من الكعبة.

فإذا طاف عليه الإنسان فقد طاف في الكعبة وليس حول الكعبة، والواجب الطواف حول الكعبة ولذلك يكون طوافه باطلاً وعليه أن يعيد.

ص: 144

- فإن علم أثناء الطواف أعاد هذا الشوط فقط.

- وإن علم فيما بعد أعاد الطواف كاملاً.

- ثم قال رحمه الله:

أو عريان.

إذا طاف الإنسان عرياناً: فإن الطواف لا يصح:

- لما رواه ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام).

- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأمره أن يأمر الناس أن لا يطوف بالبيت عريان ولا مشرك.

فهذان دليلان على بطلان طواف من طاف بلا سترة.

-

ثم قال رحمه الله:

أو نجس: لم يصح.

إذا طاف الإنسان نجساً فطوافه باطل.

والدليل على هذا:

- الحديث السابق: (أن الطواف بالبيت صلاة).

- وأيضاً أن الطواف للمتنجس ربما يؤدي إلى تنجيس المسجد والله تعالى أمر بتطهيره للطائفين.

= والقول الثاني: أن الطواف طاهراً بلا نجاسة ليس شرطاً في الصحة فإذا طاف وهو متنجس فالطواف صحيح.

واستدل هؤلاء:

- بأنه لا يوجد دليل على اشتراط على اشتراط الطهارة من النجاسة في الطواف، وهذا الحديث لا يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا القول هو الصواب: والحاجة إلى مثل هذه المسألة كثيرة فإنه قد يطوف الإنسان وعليه نجاسة إما عالماً بها ولم يتمكن من الغسل أو أن لا يعلم بها، فقد يكون الإنسان تنجس إحرامه بالدم بسبب جرح أو غيره وعلم به ولا يتسنى له ولا يتهيأ أن يغسل هذه النجاسة قبل أن يطوف، فعلى الصحيح إن شاء الله أن طوافه صحيح، وعلى المذهب عليه أن يعيد.

- ثم قال رحمه الله:

ثم يصلي ركعتين خلف المقام -

يستحب للإنسان أن يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم.

- لقوله تعالى: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى).

- ولما تواتر في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما طاف ذهب إلى المقام وصلى خلفه ركعتين.

= والجمهور على أن الركعتين: سنة.

- لعدم الدليل على الوجوب.

= والقول الثاني: أن الركعتين واجبتان إذا كان الطواف في نسك واجب. وسنة إذا كان الطواف لنسك مسنون.

= والقول الثالث: أن ركعتي الطواف واجبة مطلقاً. وإلى هذا القول مال الفقيه ابن مفلح رحمه الله.

ص: 145

واستدل هؤلاء:

- بقوله تعالى) وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى (. فالآية فيها الأمر الصريح.

- كما أنه لا يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه مطلقاً أنه طاف بلا صلاة.

وهذا القول هو الراجح بالنسبة لي بلا إشكال. لوضوح النصوص الآمرة به ولأن هذه صلاة معتبرة مقصودة من النسك فكيف نقول أنها سنة، فالأقرب ما اختاره ابن مفلح وه، وجوب ركعتي الطواف.

المسألة الأخيرة: إذا ترك الصلاة خلف المقام فيجوز له أن يصليها في أي مكان من مسجد الكعبة ويجوز له أن يصليها في أي مكان من الحرم ويجوز له أن يصليها في الحل.

- لأن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لم يصل إلا بذي طوى.

وفي هذه المسائل خلاف لكن هذا هو الراجح الذي تعضده الآثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجوز أن يصلي الركعتين في أي مكان من الحل أو الحرم.

ص: 146

شرح كتاب المناسك الدرس رقم (10)

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

انتهى الكلام بنا في الدرس السابق إلى نهاية الطواف، ثم بدأ المؤلف رحمه الله بالكلام عن ما يتعلق بالسعي:

- فقال رحمه الله:

ثم يستلم الحجر.

- ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من ركعتي الطواف استلم الحجر قبل أن يذهب إلى الصفا.

فهذه سنة ثابتة في صحيح مسلم لا إشكال فيها، لكن اختلف الفقهاء: هل هذه السنة تختص بطواف القدوم أو هي عامة لكل طواف أو تختص بشيء ثالث؟ على قولين:

= القول الأول: الذي عليه الجمهور أن الرجوع إلى الحجر لاستلامه بعد صلاة ركعتي الطواف إنما يشرع فقط بعد طواف القدوم فقط، إلى هذا ذهب النووي رحمه الله وغيره من أهل العلم.

= القول الثاني: أنه يشرع بعد كل طواف بعده سعي.

ص: 147

والصحيح القول الأول، وهو أنه مشروع بعد طواف القدوم فقط، وهذه السنة: سنة مهجورة. ولا أقصد أنها مهجورة بسبب الزحام بل حتى في أيام السعة قل أن تجد أحداً يصلي ركعتي الطواف ثم يذهب ليستلم الحجر مع أنها سنة ثابتة.

- ثم قال رحمه الله:

ويخرج إلى الصفا من بابه: فيرقاه حتى يرى البيت.

- ثبت أيضاً في حديث جابر رضي الله عنه في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من الطواف خرج إلى الصفا من بابه فلما دنى قرأ - (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) -[البقرة/158] أبدأ بما بدأ الله به ثم رقى الصفا واستقبل القبلة ووحد الله وكبره.

فاشتمل الحديث على السنن التي ذكرها المؤلف رحمه الله.وهي: - الصعود على الجبل. - واستقبال القبلة. - والتوحيد. – والتكبير، وهذه الأشياء كلها سنن. فإن فعلها فقد اتبع النبي صلى الله عليه وسلم وإن تركها فقد ترك سنة لا حرج عليه فيها، إلا أن كثيراً من الفقهاء أو الجماهير منهم ولم أقف على خلاف وأيضاً لم أقف على حكاية إجماع أن سنة صعود الجبل خاصة بالرجال، وأما باقي السنن فهي عامة للرجل وللمرأة.

- قال رحمه الله:

ويكبر ثلاثاً.

في مسلم: وحد الله وكبره وذكر بعضهم أن الإمام أحمد زاد في مسنده: وحد الله وكبره ثلاثاً. واستدلوا بهذه الزيادة على أن التكبير عند الصفا ثلاثاً، واجتهدت أن أجد هذه الفظة في مسند الإمام أحمد فلم أجدها من خلال البحث اليدوي وغير اليدوي لم أجد هذه اللفظة في مسند الإمام أحمد، ويغلب على ظني أنها لا تثبت وأنها من الزيادات الشاذة، لكن الإشكال هو أني لم أجد هذه اللفظة حتى ينظر الإنسان في الإسناد ويحكم عليها بما يقتضيه من حيث الشذوذ لكن بداية فإن مسلماً تركها ولم يذكرها وهذا بحد ذاته يشعر الإنسان أنه هذه الزيادة تفرد بها راوي مما يشير إلى شذوذها وضعفها.

- ثم قال رحمه الله:

ويقول ما ورد.

ص: 148

الذي ورد هو قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كي شيء قدير، لا إله إلا الله أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده) فهذا الذكر مشروع ويقال على الصفا، ولا أعلم في السنة ذكر خاص يقال عند الصفا سوى هذا الذكر، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر هذا الدعاء ثم دعا الله بدعاء عام ثم كرر هذا الدعاء ثم دعا دعاء عاماً ثم كرر هذا الدعاء فعل ذلك ثلاثاً، ومعنى هذا أن هذا الدعاء سيكرر ثلاثاً والدعاء العام سيكون مرتين، هذا ظاهر السنة أن الإنسان يصنع هذا العمل إذا كان على الصفا.

- ثم قال رحمه الله:

ثم ينزل ماشياً إلى العلم الأول، ثم يسعى شديداً إلى الآخر، ثم يمشي.

أفادنا المؤلف رحمه الله بأمرين:

- الأمر الأول: أن السنة بين العلمين: هي السعي الشديد.

- والأمر الثاني: أن السن فيما عدا ذلك أن يمشي بهدوء.

والأمران مسنونان.

والدليل على السعي:

- أن جابر رضي الله عنه قال: فلما انصبت قدماه في بطن الوادي سعى صلى الله عليه وسلم.

واختلف العلماء: متى يبدأ السعي:

= فالمذهب أنه يبدأ بالسعي الشديد قبل العلم بستة أذرع.

= والقول الثاني: وهي منصوص الإمام أحمد رحمه الله أنه من العلم إلى العلم فقط ولا يبدأ قبل العلم بستة أذرع.

والراجح إن شاء الله أنه من العلم إلى العلم، قال الإمام أحمد رحمه الله: السعي من العلم إلى العلم، ولا أدري ما هو دليل الحنابلة فقد بحثت لهم عن دليل: لماذا يرون أن الإنسان يتقدم قبل العلم بستة أذرع؟ فلم أجد لهم دليلاً وهم لم يذكروا دليلاً لكن لعلهم يستدلون بهذا الوادي أنه لما انصبت قدماه في بطن الوادي فلعلهم يرون أنه لن يتمكن الإنسان من السعي الشديد إلا إذا تقدم وسعى بقوة قبل أن يصل إلى العلم حتى يستكمل المسافة التي بين العلمين اجتهاداً وسعياً فربما هم يستدلون بهذا، على كل حال: الأمر على ما قال الإمام أحمد رحمه الله أنه من العلم إلى العلم.

- ثم قال رحمه الله:

ويرقى المروة ويقول ما قاله على الصفا.

ص: 149

يصنع عل المروة كما صنع على الصفا وظاهر الحديث أنه بما في ذلك قراءة الآية (إن الصفا والمروة). في أول مرة.

- لقول جابر رضي الله عنه: وصنع على المروة كما صنع على الصفا.

فالسنن المذكورة على جبل الصفا تفعل على المروة.

- ثم قال رحمه الله:

ثم ينزل فيمشي في موضع مشيه ويسعى في موضع سعيه إلى الصفا.

وهذا واضح. والدليل عليه:

- ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سعى على هذه الصفة. فما كان يصنع من الصفا إلى المروة هو نفس الشيء الذي يصنعه من المروة إلى الصفا تماماً. فالدليل على التشابه هو السنة.

-

ثم قال رحمه الله:

يفعل ذلك سبعاً: ذهابه سعية ورجوعه سعية.

= ذهب الجماهير من أهل العلم وحكاه بعض الفقهاء إجماع العلماء أن الذهاب يعتبر واحدة والإياب واحدة.

= والقول الثاني: وهو لبعض الشافعية ونقل عن ابن جرير رحمه الله أن الذهاب والإياب واحدة.

قال ابن قدامة رحمه الله معلقاً على هذا القول: (وهذا خطأ) لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان ذهابه وإيابه واحدة لانتهى بالصفا وهو صلى الله عليه وسلم انتهى في الصحيحين بالمروة، فدل انتهاؤه بالمروة على أن هذا القول كما قال ابن قدامة: خطأ، ثم هذا القول ترك: وربما نقول حصل الإجماع على خلافه.

- ثم قال رحمه الله:

فإن بدأ بالمروة: سقط الشوط الأول.

إن بدأ بالمروة سقط الشوط الأول. لأن الواجب أن يبدأ بالصفا.

- - لقوله صلى الله عليه وسلم: (أبدأ بما بدأ الله به).

ذوفي لفظ: (نبدأ). وفي لفظ (ابدأوا) وهذه الألفاظ كلها تدل على وجوب البداية بالصفا، فإذا خالف وبدأ بالمروة فإن هذا الشوط يسقط ويستأنف بداية جديدة من الصفا.

- ثم قال رحمه الله: - مبيناً السنن -

وتسن فيه: الطهارة.

الطهارة من سنن السعي ليؤدي العبادة على طهارة وليست من الواجبات بإجماع العلماء.

- لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها (افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت).

وإذا كانت الحائض يجوز لها أن تسعى ففي هذا دليل على أنه يجوز لمن لم يكن على طهارة أن يسعى ولا يعتبر من شروط السعي كما يقوله الجمهور في الطواف.

ص: 150

هذا الحكم بالنسبة للطهارة الصغرى لا إشكال فيه مطلقاً. فإذا لم يكن الإنسان على طهارة بأن أحدث حدثاً أصغر فلا إشكال في صحة السعي مطلقاً، وفي القديم قبل أن يوسع الحرم هذه التوسعة لما كان المسعى خارج الحرم وكان الناس يخرجون من باب الحرم ويدخلون في باب المسعى في ذلك الوقت لا إشكال أيضاً في هذا الحكم وهو أن الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر سنة، لكن الإشكال: والذي يحتاج إلى وقفة وتحرير وأنا أذكره الآن مذاكرة لأنها مسألة تحتاج إلى وقت أكبر: أن الفقهاء رحمهم الله يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم منع الحائض من الطواف. ثم اختلفوا في ما هو السبب في المنع:

= فمن العلماء من قال: أن سبب المنع هو أنها ليست على طهارة وأن الطواف بذاته من شروطه الطهارة.

= ومن العلماء من قال: بل السبب في منع الحائض من الطواف هو أنه فقط أنه لا يجوز لها أن تدخل المسجد.

وإلى هذا القول الثاني ذهب شيخ الإسلام رحمه الله فإنه يرى أن سبب المنع هو تحريم دخول الحائض للمسجد والمنع من ذات الطواف لمن لم تكن طاهرة.

فإذا كان السبب في منع الحائض من الطواف هو دخول المسجد نأتي إلى البحث الآخر: هل المسعى الآن يعتبر ضمن حدود المسجد ودخل في حكم المسجد الآن من حيث الصلاة واتصال الصفوف ودخول الحائض ومن حيث جميع الأحكام أو إلى الآن لا يعتبر من المسجد؟ هذه المسألة أيضاً: الثانية محل خلاف:

= فمن الفقهاء المعاصرين من يرى أن المسعى إلى الآن لم يدخل المسجد فبناءً عليه يجوز للحائض أن تسعى ولا يأخذ أحكام المسجد فمن دخل إلى المسعى مباشرة لا يجب عليه أن يصلي تحية المسجد ويجوز للحائض التي يصلي أهلها في المسجد أن تمكث في المسعى، ويترتب على هذا أحكام كثيرة، والمهم أنه ليس من المسجد.

=والقول الثاني: أن المسعى الآن من المسجد. وأن الجدار الفاصل بين المسعى والسرحة الخلفية يدل على أن المسعى من ضمن حدود المسجد. كما أن التوسعة الخلفية للمسجد التي تلي المسعى دلت على أن المسعى دخل ضمن المسجد.

ص: 151

والترجيح في هذه المسألة يحتاج إلى نظر أكثر وتأني واستفسار من القائمين على المسجد هل هم يرون أن التوسعة التي من قبل المسعى توسعة ضمن المسجد؟ وهذا هو الظاهر أو لا يرون ذلك، والمهم هو أن الترجيح في هذه المسألة يحتاج كما قلت لكم إلى مزيد عناية وتأمل وتأني لكثرة ما يترب عليها من أحكام، لكن الذي يظهر لي بداية وأميل إليه الآن ويحتاج - كما قلت - إلى تحرير أنه من المسجد، بدليل أن الناس يصلون في التوسعة ولو لم تتصل الصفوف، وبدليل أن البناء الخاص بالتوسعة يشبه الخاص بالمسجد مما يدل على أنهم أرادوا أن يكون من المسجد توسعة على المصلين وحتى يتسع لهم في المواسم، وإذا كانت التوسعة من المسجد فمن باب أولى أن المسعى يكون من المسجد، فالذي يظهر الآن أن المسعى من المسجد، وكما قلت لكم: أنه يترتب عليه مسائل كثيرة جداً فيحتاج إلى نظر آخر وتلمس لأدلة أخرى.

-

ثم قال رحمه الله:

والستارة.

يعني: ليس من شروط صحة السعي أن يستر الإنسان عورته، بل هو مستحب، وستر العورة واجب من حيث هو لكن هو الآن يتكلم عنه في السعي.

واستدلوا على عدم اشتراط السترة في السعي:

- بأنه إذا سقط شرط الطهارة وهو أعظم فالستر من باب أولى أن يسقط.

- ثم قال رحمه الله:

والموالاة.

الموالاة بين أشواط السعي، عند المؤلف سنة، = والمذهب أنه شرط لصحة السعي، فالمؤلف رحمه الله خالف المذهب في هذه المسألة.

واستدل الحنابلة على اشتراط الموالاة:

- بالقياس على الطواف فقط.

= والقول الثاني: وهو مروي عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سنة كما قال المؤلف رحمه الله. قال الإمام أحمد: السعي أهون. يعني من الطواف.

ودليلهم:

- أنه لا يوجد في النصوص نص واضح على وجوب الموالاة بين أشواط السعي. هذا أولاً.

- وثانياً: أنه ثبت عن ابنة ابن عمر أنها سعت في ثلاثة أيام لأنها كانت امرأة ثقيلة لم تتمكن من السعي المتواصل فكانت تسعى القدر الذي تستطيعه ثم تذهب للراحة وترجع واستمرت هكذا لمدة ثلاثة أيام حتى أتمت السعي.

وفي هذا دليل على أنه لا تشترط له الموالاة. لا سيما وأنه لم ينقل عن المعاصرين لها الإنكار عليه رضي الله عنها.

ص: 152

* * مسألة/ هل تشترط الموالاة بين الطواف والسعي؟ وبعبارة أخرى: هل يشترط أن يقع السعي بعد الطواف؟

= ذهب الجماهير من أهل العلم. بل حكاه الماوردي رحمه الله إجماع أهل العلم: إلى أن السعي لا يصح إلا إذا كان بعد الطواف. مطلقاً في العمرة والحج.

= والقول الثاني: أن هذا لا يشترط مطلقاً لا في العمرة ولا في الحج.

= والقول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله: أنه شرط إلا للمعذور.

والراجح: هو القول الأول المحكي أجماعاً. وأن من سعى قبل أن يطوف فإن سعيه لا يجوز.

لكن نحتاج إلى تأني في فهم هذا القول: لذلك سنورد إيراداً ليتضح هذا القول:

- فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم سأل يوم العيد عن رجل سعى قبل أن يطوف فقال: (افعل ولا حرج).

فالجواب: أن هذا السعي الذي وقع يوم العيد تقدمه طواف وهو طواف القدوم أو طواف العمرة، وبهذا أجاب الخطابي والنووي عن هذا الحديث وهو جواب صحيح، وبهذا نعلم أنه يجب لمن أراد أن يفتي بجواز تقديم السعي على الطواف يوم العيد أن يعلم أن هذا مشروط بأن يتقدم هذا السعي طواف ولو قبل يوم العيد كما قال الأئمة، وأن ما يذكره بعض الفقهاء من أن تقديم السعي على الطواف يجوز وأن هذا الجواز خاص بيوم العيد ليس بصحيح، إذاً هذا الجواز لا يتعلق بيوم العيد وإنما سببه أن هذا السعي تقدمه في الأصل طواف، ولذلك لابد أن ينتبه الإنسان إلى أن الحجاج الذين يأتون إلى منى أو عرفة مباشرة ولا يتقدم يوم العيد لهم أي طواف ولا عمرة أنه لا يجوز لهم أن يقدموا السعي وأن هذا الجواز خاص بمن تقدم منه الطواف قبل يوم العيد، فهذه مسألة يجب أن ينتبه إليها طالب العلم ويفهمها وينبه الذين يقدمون السعي على الطواف بدون تقديم طواف لأن السعي سيأتينا أنه ركن من أركان الحج وأن من صنع ذلك ثم رجع إلى أهله يجب عيه أن يأتي ويسعى وأنه لم يتحلل التحلل الكامل إلى الآن، ولذلك مسائل الحج بعضها ينبني على بعض ويجب أن ينتبه الحاج إلى هذا التسلسل حتى لا يقع في نسك خطأ.

((سؤال: لو أن إنساناً ذهب من الصفا إلى المروة ثم رجع مع نفس طريقه فهل هذا يعتبر إخلال؟

ص: 153

الجواب: لا يعتبر إخلالاً لأن الواجب هو أن يسعى بين الصفا والمروة أما الذهاب والإياب الموجود الآن فهو محدث وضعوه أخيراً لتسهيل الزحام فلو أن الإنسان ذهب مع الإياب ورجع مع الذهاب لصح نسكه.

* * مسألة أخرى/ وهي الواجب الذي يتأدى به هذا ركن (السعي) هو: أن يستكمل ما بين الجبلين ذهاباً وإياباً، وهذا يؤكد ما قلته لكم أن الصعود عل الجبل سنة ولو أنه سعى ما بين الجبلين بدون صعود على الجبل لكان سعيه صحيحاً، قال شيخنا رحمه الله: والواجب الآن يتوافق مع ممر العربات، وهذا كلام جيد منه رحمه الله يسهل المسألة ويوضح المقصود، فلو أن الإنسان بمجرد ما ينتهي من ممر العربات يعطف ويبدأ بالشوط الثاني لكان شوطه صحيحاً وكل ما فوق ذلك زيادة وهو من الجبل، إذاً عرفنا الآن حدود السعي.

-

ثم قال رحمه الله:

ثم إن كان متمتعاً لا هدي معه: قصر من شعره وتحلل.

أفادنا المؤلف رحمه الله أمرين:

- الأول: أن السنة للمتمتع أن يقصر ولا يحلق ليبقى من شعره شيء لنسك الحج.

وعلم من هذا أن الحاج لو أخذ العمرة في وقت مبكر وعلم أنه سينبت له من الشعر ما يقوم بنسك الحج فإن السنة له أن يحلق ولا يقصر، لكن عبارة المؤلف رحمه الله خرجت مخرج الغالب وهو: قرب نسك العمرة من نسك الحج عند كثير من الناس.

- الثاني: أن المتمتع الذي لم يسق الهدي: السنة في حقه إذا طاف وسعى أن يحلق ويتحلل:

- لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتم السعي وصار على المروة أمر أصحابه أن يقلبوا النسك إلى متعة.

وتقدم معنا: هل هذا القلب واجب أو سنة؟ وأن الراجح: أنه سنة.

ص: 154

والنبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أصحابه على المروة أن يتحللوا تحلل بعضهم وذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكانه ثم تحدث الصحابة في استغرابهم من أن يأمروا بجعل هذا النسك عمرة وهم لا يعرفون العمرة في أشهر الحج وقد أتوا للحج. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم إما من أحد الصحابة أو أبلغه الله سبحانه وتعالى أن الصحابة صاروا يتحدثون ويستغربون من هذا الأمر وأن بعضهم لم يمتثل الامتثال الكامل فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وخطبهم. وأمرهم وشدد عليهم أن يتحللوا فتحلل كل الصحابة الذين لم يسوقوا الهدي.

ولهذا نقول كما قال المؤلف: أن السنة أن الإنسان إذا طاف وسعى ولم يسق الهدي أن ينوي هذا النسك عمرة إذا لم ينوه ويقصر ويتحلل.

- ثم قال رحمه الله:

وإلاّ حلّ إذا حج.

(وإلا) أي: وإلا يكن متمتعاً بأن كان مفرداً أو قارناً أو كان متمتعاً لكنه ساق الهدي فهؤلاء الثلاثة كلهم لا يحلون إلا بعد الحج، أي إلا بعد استكمال المناسك ورمي جمرة العقبة كما سيأتينا، إذاً: السنة للقارن والمفرد والمتمتع إذا ساق الهدي أن لا يحلوا إلا بعد رمي جمرة العقبة. وهذا معنى قول الشيخ (إذا حج).

-

ثم قال رحمه الله:

والمتمتع إذا شرع في الطواف: قطع التلبية.

المتمتع إذا شرع في الطواف قطع التلبية أي ولا يشرع أن يقطع التلبية قبل ذلك.

واستدلوا على هذا:

- بأنه مروي بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنه.

واستدلوا بدليل آخر وهو:

- أن من تتبع المناسك علم أن التبية تنقطع إذا أخذ الحاج في التحلل. بدليل: أن الحاج أيضاً يقطع التلبية إذا رمى جمرة العقبة يعني إذا بدأ في التحلل فكذلك بالنسبة للمتمتع إذا شرع في طواف العمرة فقد شرع في التحلل فيشرع له أن يقطع التلبية.

وكل هذه التعليلات تعليلات قوية وتفيد أن من علل بها قد استند على مقصود الشارع.

= القول الثاني: أن الإنسان يقطع التلبية من حين يدخل حدود الحرم. وليس الحرم الذي هو المسجد.

واستدلوا على هذا:

- بأن ابن عمر ثبت عنه في الصحيح أنه كان يقطع التلبية إذا دخل الحرم ويقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك.

ص: 155