الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ـ أولاً: أن هذا الشرط لم يشترطه أحد من الفقهاء. بل الذين قالوا بالجواز قالوا: هو مطلقا. يعني: قرروا الجواز. وقرروا أنه جائز مطلقاً بدون شرط أو قيد.
ـ ثانياً: لأن النصوص التي استدل بها المجيزون تدل على مطلق الجواز. لأنهم يستدلوا بالعمومات والعمومات تدل على الجواز المطلق.
لكن مع ذلك نقول: ينبغي للإنسان أن لا يتعاطى عقد التورق إلا مع حاجة واضحة. لأنه حينئذ يقرب تماماً للجواز ولا يبقى في النفس شيء وتردد من منع هذا العقد.
وأما إذا أخذه تزيداً وتوسيعاً للتجارات فإنه يكون في النفس من جوازه شيء. وإن كان الراجح الجواز لكن تعلمون أنتم كما تقدم معنا مراراً أن المسائل الفقهية ليست أبداً على مستوى واحد من الوضوح وأن بعض المسائل يجزم الإنسان بأنها مباحة وجائزة وبعضها يتوقف فيها وبعضها تكون قريبة للجواز مع أن الإنسان ينبغي أن يحتاط وينبغي لطالب العلم أن يعلم ذلك وأن المسائل ليست على حد سواء وإنما المسائل على حد سواء عند العوام والجهَّال الذين عندهم المسائل قسمين فقط: حلال وحرام. هذا عند العوام. أما طالب العلم الذي يتعاطى النصوص يجب أن يعلم أن المسائل ليست على مستوى واحد وأن دلالات النصوص عليها تختلف فينبغي أن يتعامل معها على قدر دلالة النص على الجواز أو المنع.
باب الخيار
- ثم قال رحمه الله:
- باب الخيار.
الخيار في لغة العرب: اسم مصدر من الفعل اختار.
وأما في الاصطلاح فهو: طلب خير الأمرين بين الإمضاء والفسخ.
وهذا التعريف لا يتعلق فقط بالبيع بل في البيع وغيره.
فالخيار في الاصطلاح ولا أقصد في الاصطلاح الفقهي - في الاصطلاح العام العلمي هو هذا.: طلب خير الأمرين بين الفسخ والإمضاء.
والحنابلة في باب الخيار أبدعوا وحققوا وأجادوا حيث أثبتوا من أنواع الخيار ومن صفات أنواع الخيار ما لم يثبته كثير من الفقهاء.
فالإمام أحمد رحمه الله أخذ في هذا الباب بالآثار والنصوص والمعاني الصحيحة كما سيأتينا عند مناقشة كل نوع من أنواع الخيار.
- قال رحمه الله:
- وهو أقسام.
أقسام الخيار عند الحنابلة سبعة.
والتقسيم راجع لسبب الخيار فبحسب السبب تنقسم أنواع الخيار.
- قال رحمه الله:
- الأول: خيار المجلس.
خيار المجلس هو الخيار المنسوب للمجلس.
والمجلس في الأصل هو مكان الجلوس.
والمقصود به هنا: مكان التعاقد. سواء تم التعاقد وهو جالس أو وهو قائم أو وهو مضطجع أو على أي صفة.
إذاً: المقصود بخيار المجلس في الاصطلاح الفقهي في هذا الباب: خيار المكان الذي وقع فيه التعاقد سواء كان عن طريق الجلوس وقع أو بغير هذه الصفة.
-
ثم قال رحمه الله:
- يثبت في البيع.
بدأ المؤلف رحمه الله بخيار المجلس وأنه مشروع في عقد البيع.
وإلى هذا:
= ذهب الجماهير من السلف والخلف: وهو إثبات خيار المجلس. على رأسهم الإمام أحمد رحمه الله.
واستدل الفقهاء الذين ذهبوا هذا المذهب بأدلة صحيحة ثابتة في الصحاح - في الصحيحين وغيرهما:
- الدليل الأول: حديث ابن عمر وهو الصحيحين وهو: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايع الرجل فهما بالخيار ما لم يخخير أحدهما صاحبه فإن خير أحدهما صاحبه فقد وجب البيع).
واستدلوا أيضاً بـ:
- حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه وهو قوله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار مالم يفترقا فإن صدقا وبينا بورك لهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما).
وهذا أيضاً في الصحيح.
واستدلوا بـ:
- أن الصحابة عملوا بخيار المجلس. ومنهم ابن عمر راوي الحديث.
مما يدل على أن هذا المعنى محفوظ ثابت عمل به الصحابة ولم ينسخ.
= القول الثاني: وهو مذهب أبي حنيفة ومالك. وهو: أنه لا يثبت للمتبايعين خيار المجلس، بل إذا تم العقد بالإيجاب والقبول فقد لزم ولا خيار ولو كانوا في المجلس.
واستدلوا على هذا بنصوص:
- الدليل الأول: قوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم). وجه الاستدلال: أن الله تعالى اشترط لصحة البيع التراضي ولم يذكر التفرق.
- الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الرجل أن يبيع الطعام إذا ابتاعه حتى يستوفيه.
فاشترط النبي صلى الله عليه وسلم لجواز بيع البائع لما اشتراه أن يستوفيه فقط ولم يشترط انتهاء خيار المجلس.
وهذا القول الثاني: قول ضعيف جداً ولذلك استغرب كل العلماء المعاصرون للإمام مالك والذين أتوا بعد ذلك إعراض الإمام مالك رحمه الله عن هذا الحديث. استغربوه جداً وبعضهم لام الإمام مالك رحمه الله وبعضهم تكلم في هذا القول للإمام مالك بكلام شديد جداً لأن الإمام مالك أخرج هذا الحديث في الموطأ ويعرفه ومع ذلك لم يأخذ به رحمه الله. وإنما استغربوا على الإمام مالك رحمه الله ولم يستغربوا على الأحناف لأن هذا ليس بغريب على الأحناف لأنهم دائماً يتركون النصوص.
ولذلك: إذا رجعت لكلام اهل العلم تجد أنهم يشنون حملة على الإمام مالك ولا يتكلمون عن أبي حنيفة لأن هذا ليس بغريب عن أبي حنيفة لكن بالنسبة للإمام مالك رجل معروف بالأخذ بالآثار والعمل بها ولذلك يستغرب عليه جداً أنه لم يأخذ بحديث ابن عمر في مسألة خيار المجلس.
وهذا يعطي الإنسان صورة واضحة وجلية وأنه لا أحد معصوم وأنه ينبغي للإنسان أن يتبع النص ولا يتبع الرجال.
- ثم قال رحمه الله:
- والصلح بمعناه.
أي: ويثبت خيار المجلس في الصلح الذي هو بمعنى البيع.
- لأن الصلح كما سيأتينا ينقسم إلى قسمين:
ـ صلح بمعنى البيع.
ـ وصلح ليس بمعنى البيع.
ولا يعنينا الآن هذا التقسيم. لأنه سيأتي في باب الصلح.
الذي يعنينا هنا: ما هو الصلح الذي بمعنى البيع؟ فالصلح الذي بمعنى البيع هو: الصلح على مال.
مثاله/ أن يقر الإنسان بأن في ذمته دين لفلان أو أن هذه السلعة التي في يده هي لفلان ثم يصالحه عن الدين أو عن السلعة بمال.
فهذا الصلح بمعنى البيع ويثبت فيه خيار المجلس. لماذا؟ لأنه بمعنى البيع. وإذا ثبت الخيار في البيع فيثبت أيضاً فيما يكون بمعناه.
- ثم قال رحمه الله:
- والإجارة.
يعني: ويثبت خيار المجلس في الإجارة.
- لأن الإجارة في الواقع ليست في معنى البيع بل هي بيع لكنها بيع للمنافع وليست بيعاً للأعيان.
وليس هناك فرق بين الإجارة والبيع في حقيقة العقد إلا من حيث أن هذا بيع للمنافع وهذا بيع للأعيان.
وإذا كانت بيعاً دخلت في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تبايع الرجلان فهما بالخيار).
فإذا أجر زيد بيته لعمرو فكل من المؤجر والمستأجر بالخيار ما داما في المجلس.
- ثم قال رحمه الله:
- والصرف والسلم.
أي: ويثبت خيار المجلس في الصرف ويثبت أيضاً في السلم.
- لأن الصرف والسلم بيع إلا أنه أضيفت إليه شروط بالإضافة إلى شروط البيع. فهو بيع مخصوص.
ولذلك سيأتينا في باب السلم أن المؤلف رحمه الله يقول: (ويسترط فيه ما يشترط في البيع والشروط التالية) فنصوا على أنه يشترط في السلم شروط البيع وزيادة فهوز بيع إلا أنه بيع خاص له شروط خاصة.
فإذا تبين وثبت أنه بيع دخل في عموم حديث ابن عمر رضي الله عنه.
- ثم قال رحمه الله:
- دون سائر العقود.
يعني: دون باقي العقود التي لم تذكر فليس فيها خيار المجلس.
والعقود التي لم تذكر تنقسم إلى أقسام:
ـ القسم الأول: العقود اللازمة من الطرفين لا على سبيل المعاوضة. كالنكاح والعتق.
فإن عقد النكاح لازم من الطرفين لكن لا على سبيل المعاوضة.
ـ القسم الثاني: العقود اللازمة من طرف ولو كانت لى سبيل المعاوضة. كعقد الرهن.
ـ القسم الثالث: العقود الجائزة من الطرفين ولو على سبيل المعاوضة.
كعقد الشركة والوكالة. فهذه عقود جائزة من الطرفين. أي: لكل من أطراف العقد فسخ العقد بدون رضى الآخر.
وهذا معنى أن يكون العقد جائزاً.
ـ القسم الأخير: اعقود التي اختلف في كونها جائزة أو لازمة وهي على المذهب جائزة. كعقد المزارعة والمساقاة.
هذه أربعة أنواع للعقود التي تدخل في قول المؤلف رحمه الله: (دون سائر العقود).
الدليل على استثناء هذه العقود: - الدليل على ذلك:
- أن العقود الجائزة والمختلف في جوازها يستغنى بجوازها عن اشتراط خيار المجلس. لأن لكل من طرفي العقد فسخ العقد وليس بحاجه إلى خيار المجلس.
ـ أما القسم الأول: فهو لازم لا يدخل فيه خيار المجلس لأنه ليس من المعاوضات والنبي صلى الله عليه وسلم إنما نص على البيع فيدخل في البيع وما في معناه دون ما ليس في معناه من العقود التي ليست من عقود المعاوضات.
فإذا قلت: ما هو الضابط الذي يضبط العقود التي ليس فيها خيار مجلس؟
فالجواب:
الضابط: ان نقول: (كل عقد ليس من عقود المعاوضات أو منها لكنه من العقود الجائزة فلا خيار مجلس فيه).
هذا ضابط يريح الإنسان من تعداد العقود: كل عقد تعرضه على هذا الضابط فيتبين هل هو من عقود خيار المجلس أو ليس من عقود خيار المجلس.
- قال رحمه الله:
- ولكل من المتبايعين الخيار.
هذا هو ثمرة إثبات خيار المجلس: أن العقد يقع جائزاً في مدة خيار المجلس وإن كان أصله اللزوم. فالبيع الأصل فيه أنه من العقود اللازمة التي ليس لأحد من الطرفين الفسخ فيها إلا بسبب شرعي.
فثمرة خيار المجلس: وقوع العقد اللازم جائزاً مدة خيار المجلس.
فالمؤلف رحمه الله يريد أن يصرح بثمرة إثبات هذا العقد بقوه: (ولكل من المتبايعين الخيار).
- ثم قال رحمه الله:
- ما لم يتفرقا عرفاً. بأبدانهما.
المفصود بالتفرق: = عند الجماهير: التفرق بالأبدان.
والمقصود بالتفرق عند: = المالكية والأحناف: التفرق بالأقوال. ومعنى التفرق بالأقوال: أنه متى تم الإيجاب والقبول: فقد حصل التفرق قولاً ولزم البيع وحملوا حديث ابن عمر رضي الله عنه على هذا المعنى يعني: (ما لم يتفرقا) بأقوالهما لا بأبدانهما.
الذي يعنينا الآن أن الجماهير يقصدون بالتفرق التفرق بالأبدان.
ثم يحملون هذا التفرق على العرف.
واستدلوا على هذا:
- بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما لم يتفرقا) وهذا اللفظ موجود في حديث ابن عمر وفي حديث حكيم وفي الصحيحين كلاهما. والنبي صلى الله عليه وسلم وقت خيار المجلس بالتفرق ولم يجعل لهذا التف رق بالأبدان حداً معلوماً وكل ما اتى في الشرع ولم يحدد بحد جاء عن الشارع فمرجعه إلى العرف. فالتفرق المذكور في هذا الحديث نرجع في معناه إلى العرف لأنه لم يرد في الشرع ما يبين حده.
ولذلك نقول: إذا تبايع الرجلان في الصحراء وهما يمشيان فالتفرق بأن ياخذ هذا من هنا وهذا من هنا كما قال الإمام أحمد رحمه الله. لأن هذا التفرق هو التفرق المعروف في اعراف الناس في الصحراء. لأنه لا يمكن أن يتفرقا بحيث لا يرى بعضهما الآخر لانهم الآن في الصحراء. فإذا أخذ أحجهما من هنا وأخذ أحدهما من هنا فقد تفرقا ولزم البيع.
والتفرق حين إجراء العقد في غرف المنازل يكون بالخروج من الغرفة إلى غرفة أخرى.
والتفرق في السفينة الكبيرة بأن ينزل إلى الأسفل أو يصعد إلى الأعلى أو يذهب إلى مقدم السفينة أو غلى مؤخر السفينة بشرط: أن تكون السفينة كبيرة.
وإذا كانت السفينة صغيرة: جلس أحدهما أمام الآخر: متى يكون التفرق؟ كيف يتفرقون؟
(غرضي من هذا المثال: انه لا يشترط أن يحصل التفرق. إذا كانوا في مكان صغير محدود وبقيا بأبدانهما في هذا المكان فإنه لا تفرق لو يبقى العقادان في البحر سنة فلا تفرق).
ولذلك حتى تتضح هذه المسألة - تكتبون -:
* * مسألة: إذا بقي العاقدان في غرفة واحدة لم يخرجا منها فإن خيار المجلس يبقى ولو بقيا مدة طويلة ولو ناما واستيقظا واكلا وشربا وبقيا على ذلك مدة طويلة فإن خيار المجلس يبقى.
وقد نص الفقهاء على هذه المسألة بل نصوا على مسألة النوم ولو طال في غرفة بلا تفرق فإنه يبقى خيار المجلس كما هو ولا يسقط لأن الشارع ربط التفرق بالأبدان فما دامت الأبدان موجودة ولم تتفرق فإن الحكم يبقى كما هو ولو طالت المدة.
وإذاً هذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (ما لم يتفرقا عرفاً بأبدانهما).
إذاً: التفرق يكون بتفارق الأبدان فقط.
* * مسألة/ إذا تم البيع بالهاتف: متى ينتهي خيار المجلس؟
الجواب: ينتهي خيار المجلس: عند إنهاء المكالمة.
* * مسألة/ فإن انتهت المكالمة بسبب خلل في الاتصالات لا باختيار كل من المتعاقدين. فهل نقول لهما أن يستئنفا المكالمة لإتمام العقد؟ أو بهذا التفرق انتهى مجلس الخيار؟
الأقرب أنه لم ينته أن هذا التفرق حصل بغير اختيارهما فهو يقاس على ما لو أكرها على التفرق.
ولذلك نقول: عند العود للمكالمة يستمر خيار المجلس إلى أن يتم إنهاء المكالمة بخيارهما وبتصرفهما.
شرح كتاب البيع الدرس رقم (9)
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
- قال رحمه الله:
- وإن نفياه أو أسقطاه: سقط.
معنى قول المؤلف رحمه الله: (وإن نفياه) يعني: وإن نفى البائع والمشتري خيار المجلس بأن تبايعا على أن لا خيار أصلاً: سقط.
- لأنه حق لهما وقد أسقطاه.
[ومعنى قوله رحمه الله: (أو أسقطاه) يعني: بعد أن ثبت لهما خيار المجلس: أسقطاه في أثناء المجلس.
فأيضاً يسقط:
- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن تبايعا على أن لا خيار بينهما فقد وجب البيع).
فصار الفرق بين قوله رحمه الله: (نفياه) و: (أسقطاه):
ـ أن النفي يكون إسقاط لأصل الخيار من حين انعقاد العقد.
ـ والإسقاط يكون تنازل عن خيار المجلس في أثناء المجلس.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن أسقطه أحدهما: بقي خيار الآخر.
إذا أسقط أحد المتبايعين إما البائع أو المشتري: خيار المجلس ولم يسقطه الآخر: بقي حق الآخر على وجهه.
- لأنه حق ثابت له لم يسقطه فبقي على حاله. لأن الحقوق الشرعية التي ثبتت بمقتضى النصوص لا تسقط إلا بتنازل صاحب الحق عنها أو بإسقاط الشارع عنها أو لها بسبب خلل معين في العقد. فيما عدا هاتين الصورتين لا تسقط الحقوق التي أكسبها الشارع لأحد المتبايعين.
-
ثم قال رحمه الله:
- وإذا مضت مدته: لزم البيع.
معنى قوله رحمه الله: (وإذا مدته) يعني: قضى مجلس العقد.
- لأن خيار المجلس ليس له مدة معينة في الشرع وإنما مدته هي مدة خيار المجلس.
إذاً: معنى: (إذا انقضت مدته) يعني: إذا تفرقا.
ولو أن المؤلف رحمه الله قال: (وإذا تفرقا) لكان أوضح وأقرب للفظ الحديث.
والدليل على أنهما إذا افترقا سقط الخيار:
- قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا افترقا فقد وجب البيع).
فهذا نص صريح على أنه إذا انتهت بتفرق الأبدان سقط خيار وليس لأحد منهم أن يرجع عن العقد.
وبهذا انتهى الكلام عن خيار المجلس. وبدأ المؤلف رحمه الله بخيار الشرط:
وخيار الشرط من حيث الأصل: (ويجب أن تتنبه إلى هذه المسألة) - خيار الشرط من حيث الأصل:
- فقال رحمه الله:
- الثاني: أن يشترطاه في العقد.
أي: والثاني: من أنواع الخيارات خيار الشرط.
وهو: أن يشترط كل من البائع أو المشتري أو أحدهما الخيار في إمضاء البيع أو فسخه مدة معلومة.
فهذا هو خيار الشرط.
- ثابت بالسنة والإجماع. فإن أحداً من الفقهاء لم ينازع في أصل مشروعية خيار الشرط. إنما اختلفوا في بعض تفاصيل أحكامه - أما هو من حيث هو فإنه مشروع باتفاق الفقهاء.
وقدحكى الإجماع على مشروعية خيار الشرط: الإمام النووي من الشافعية والشيخ الفقيه ابن الهمام من الأحناف وهو إجماع ثابت إن شاء الله.
ـ وأما الدليل من السنة:
- فقول النبي صلى الله عليه وسلم: لحبان بن منقذ وكان يخدع في البيع قال له النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتكى هذا الصحابي كون النتس يخدعونه قال صلى الله عليه وسلم: (إذا بايعت فقل: لا خلابة) يعني: لا مخادعة.
فثبت الخيار لهذا الصحابي بهذا الشرط. أنه متى خدع وغبن فإن له أن يرجع في البيع ويفسخ العقد.
- والدليل الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يفترقا إلا بيع خيار) وهذا اللفظ ثابت في الصحيح.
وقد فسره الفقهاء والشراح كلهم فيما وقفت عليه على أنه خيار الشرط.
فإذاً: خيار الشرط مشروع بالسنة الصحيحة الثابتة وبالإجماع المحفوظ إن شاء الله.
فهذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (الثاني: أن يشترطاه في العقد).
- ثم قال رحمه الله:
- مدة معلومة.
أي: أنه يشترط لصحة خيار الشرط أن تكون المدة معلومة محددة معروفة لطرفي العقد.
وإلى اشتراط معلومية المدة:
= ذهب الجماهير من اهل العلم والجم الغفير. واعتبوا تخلف معلومية المدة مفسد للعقد وللشرط.
- لأن جهالة شرط الخيار يفضي إلى الجهالة والغرر وهي أسباب تفسد العقود.
= والقول الثاني: وهو قول عند الحنابلة. أن العقد يصح والشرط يفسد ويكون العقد لازم من حين العقد وسقط خيار الشرط.
= والقول الثالث: أن العقد والشرط صحيح. ولمل كان الشرط مجهولاً قالوا: يكون له الخيار لمدة ثلاثة أيام.
- قياساً على حديث حبان بن منقذ حيث جعل النبي صلى الله عليه وسلم له الخيار ثلاث ليال.
فقالوا: يثبت الشرط والخيار ويوقت له هذا التوقيت الشرعي.
- ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الخيار لمن اشترى شاة مصراة ثلاثة أيام وهذا في (([مسلم] أو في [المسند] لم تتضح لي)).
فاعتبار هذه المدة جاءت النصوص في الخيارات بالذات.
وهذا القول الثالث: اختاره شيخ الإسلام رحمه الله. وهو قول - كما ترى - وجيه جداً يليه في القوة القول الأول وهو مذهب الجماهير يليه وهو أضعف الأقوال: الثاني. لأن الثاني: يلزم العاقدين بالعقد ويسقط حقهما في الخيار.
والإنسان إذا تأمل هذا القول يشعر أن الشارع لا يأتي بمثل هذا الحكم. بل إبطال العقد أرفع للضرر من إمضاء العقد وإلغاء الشرط.
على كل: القول الثالث هو أحسن الأقوال والثاني هو أضعف الأقوال.
-
ثم قال رحمه الله:
- ولو طويلة.
مدة الشرط تنقسم إلى قسمين:
ـ قصيرة. ـ وطويلة.
- فأما القصيرة: فلا حد لأقلها بالإجماع ولو كانت لحظة.
- وأما الطويلة: فهي محل خلاف.
= فذهب الحنابلة: إلى أنه لا حد لطول مدة خيار الشرط. بشرط أن لا تكون مدة متطاولة تفسد المقصود من البيع كأن يشترط عشر سنين. وإلا فإنها صحيحة مهما طالت.
واستدل الحنابلة على هذا القول:
- بأن النصوص التي دلت على مشروعية خيار الشرط جاءت مطلقة ولم تبين مدة معينة يصح الشرط فيها وبعده لا يصح. فإذا أخذنا بإطلاق النصوص دلت على صحة اشتراط المدة ولو كانت طويلة.
= القول الثاني: للأحناف أن خيار الشرط لا يجوز أن يتجاوز ثلاثة أيام.
- لأن الشارع حد لحبان رضي الله عنه ثلاث ليال. وفي المصراة أيضاً ثلاثة أيام. فدل على أن الخيارات تحد بمثل هذا المقدار.
والجواب عليه: ـ أن حديث حبان الذي فيه التحديد بثلاث ليال أن رواية التحديد بثلاث ليال: ضعيفة. وأن الحديث في الصحيح بدون تحديد.
ـ وأما المصراة فهي رد بالعيب وهو يختلف عن خيار الشرط.
= القول الثالث: أن خيار الشرط يختلف باختلاف السلعة. وهو مذهب المالكية.
واستدلوا على هذا:
- بأن المقصود من خيار الشرط هو أن يقوم المشتري بتجربة السلعة. وتجربة السلعة تختلف باختلاف السلع. فبعضها يحتاج إلى وقت طويل وبعضها يحتاج إلى وقت قصير.
والراجح والله أعلم مذهب الحنابلة فهو محكم في هذه المسألة ومضبوط وينسجم مع النصوص.
أما مذهب المالكية فهو أضعف الأقوال. مع أنهم أي المالكية لهم أقوال مسددة في المعاملات لكن في هذه المسألة قولهم ضعيف لأنه يفضي إلى الاختلاف الشديد ومن يضبط المدة المناسبة لهذه السلعة والمدة المناسبة لهذه السلعة ويصبح ضبط الخيارات أمر صعب ويدخل الناس في متاهات ونزاعات.
فالأقرب أن للبائع أو المشتري أن يشترط المدة التي تناسبه سواء كانت ثلاثة أيام أو أربعة أو أكثر أو أقل حسب ما يناسبه ويتسنى له الفحص عن السلعة.
- ثم قال رحمه الله:
- وابتداؤها من العقد.
أي: وابتداء المدة الطويلة أو القصيرة من العقد.
والمقصود: إذا شرطا خيار الشرط حين العقد فإن لم يشرطاه أثناء العقد فمن حين شرطاه فيما إذا كان في مدة خيار المجلس.
فإذا عقدا العقدة وهما في المجلس في الساعة الخامسة ولم يشترط هو شرط خيار الشرط إلا في الساعة السادسة وهم ما زالوا في المجلس فخيار الشرط يبدأ من الساعة السادسة: من حين شرطاه. أما إن شرطاه من العقد فمن العقد.
فإذاً: قول المؤلف رحمه الله: (وابتداؤها من العقد) لا يؤخذ على إطلاقه: ابتداؤه من العقد إذا شرطاه في العقد وإلا فمن حين شرطاه.
- ثم قال رحمه الله:
- وإذا مضت مدته أو قطعاه: بطل.
قوله: (وإذا مضت مدته .. : بطل).
يعني: ولم يفسخا العقد لزم البيع.
فمن حين تنتهي المدة فإن البيع يصبح لازماً والسلعة ملك المشتري والثمن ملك للبائع.
استدل الحنابلة على هذا:
- بأن الأصل في عقد البيع اللزوم. ومنع منه خيار الشرط وقد بطل فإذا بطل لزم العقد.
وهذا القول هو في الواقع شبه إجماع. اتفق عليه جميع الفقهاء اللهم إلا قول للمالكية حيث يرون أنه إذا انتهت والسلعة ما زالت بيد البائع فإن انتهاء المدة هو في الواقع فسخ للبيع وليس إلغاء له.
فالمالكية ينازعون في هذه الصورة وهي: ما إذا انتهت المدة والسلعة في يد البائع.
أما إذا انتهت المدة والسلعة في يد المشتري فبإجماع الفقهاء تم البيع وانعقد ولزم وبطل خيار الشرط.
إذاً: عرفنا الآن لماذا أنا قلت أن هذا القول أشبه ما يكون إجماعاً؟
لأنه لم يستثنى إلا هذه الصورة المعينة.
والصواب مع الجمهور أن العقد يصبح لازماً ولو كانت السلعة في يد البائع.
فمن حين ينتهي مدة خيار الشرط يلزم العقد وينتهي خيار الشرط.
-
ثم قال رحمه الله:
- أو قطعاه .. بطل.
يعني: خيار الشرط ولزم البيع.
فإذا قطعاه:
ـ بأن قالا: أبطلنا خيار الشرط الذي لنا.
ـ أو أوجبنا البيع.
ـ أو أتممنا البيع.
ـ أو أي لفظ يدل على قطع خيار الشرط لزم البيع وانتهى خيار الشرط بإجماع الفقهاء بلا مخالف.
إذاً: إذا أبطلاه بإرادتهما هنا لم يخالف أحد أن البيع لزم وأن خيار الشرط انتهى إنما الخلاف اليسير فيما إذا انتهت المدة.
- ثم قال رحمه الله:
- ويثبت في البيع
…
معنى قوله رحمه الله: (ويثبت في البيع
…
إلى آخره) يعني: لا يثبت إلا في المذكورات.
فكل ما لم يذكره تالمؤلف رحمه الله فلا خيار شرط فيه.
إذاً لو أن المؤلف رحمه الله قال: (ولا يثبت إلافي البيع والصلح بمعناه والإجارة على على مدة تلي العقد) لكان أوضح لأن هذا مقصود الحنابلة.
أن خيار الشرط لا يثبت إلا في هذه العقود المذكورة فقط.
= القول الثاني: أن خيار الشرط يثبت في كل العقود. فللإنسان أن يشترط في كل العقود.
- لأن الحكمة التي من أجلها شرع الشارع خيار الشرط موجودة في كل العقود.
وهذا القول اختاره أيضاً شيخ الإسلام وهو كما ترى من اقوة والانسجام مع مقاصد الشرع.
فهو الراجح إن شاء الله.
- قوله رحمه الله: (ويثبت في البيع).
يثبت خيار الشرط في البيع: بالإجماع.
- لأن النص الذي جاء في السنة لإثبات خيار الشرط إنما ورد في البيع.
فلا إشكال في ثبوته في عقد البيع.
-
ثم قال رحمه الله:
- والصلح بمعناه.
أي: ويثبت في الصلح الذي بمعنى البيع.
وتقدم معنا نظير هذه العبارة في خيار المجلس وبينا أن الصلح الذي هو بمعنى البيع ما يكون بعوض عن عين أو دين ثابتة في الذمة.
وسيأتينا الصلح الذي هو بمعنى البيع والصلح الذي ليس بمعنى البيع في كتاب الصلح، إنما الذي يعنينا الآن أن الصلح بهذا المعنى وهو ما يكون بعوض مقابل عين أو دين حكمه حكم البيع في ثبوت خيار الشرط.
- ثم قال رحمه الله:
- والإجارة في الذمة.
يعني: ويثبت خيار الشرط في الإحارة التي في الذمة.
معنى قول المؤلف رحمه الله: (الإجارة في الذمة) يعني: الإجارة على عمل في الذمة.
وبهذا يتضح المقصود بعبارة سهلة.
إذاً: الإجارة في الذمة: الإجارة على عمل في الذمة.
فهذه الإجارة يثبت فيها خيار الشرط.
فإذا قال زيد لعمرو: استأجرتك على أن تبني لي هذا الحائط فالبناء هذا عمل في الذمة. فيثبت فيه خيار الشرط.
كذلك لو قال: استأجرتك على أن تخيط هذا الثوب فكذلك.
استأجرتك على أن تعلم زيد الكتابة والقراءة فكذلك.
استأجرتك على أن تحفظ عمرو الألفية كذلك.
- لأن هذا عمل في الذمة. فيدخله خيار الشرط.
الدليل على ذلك:
- أن الإجارة كما تقدم معنا مراراً إنما هي بيع لكنه بيع للمنافع. وإذا كانت بيع دخلت في النصوص الدالة على مشروعية خيار الشرط.
ثم بين المؤلف رحمه الله ما يستثنى من ذلك:
- فقال رحمه الله:
- أو على مدة لا تلي العقد.
إذا استأجر شيئاً مدة معلومة فينقسم إلى قسمين:
ـ إما أن تلي المدة العقد.
ـ أو أن لا تلي العقد.
ـ القسم الأول: أن لا تلي العقد: كأن يستأجر هذا البيت في محرم على أن يبدأ الأجار في صفر. فالعقد وقع في محرم وبداية الأجار في صفر فالمدة لا تلي العقد بل بعد العقد بشهر.
فهذا النوع من الإجارة على الوقت أو من استئجار الشيء وقتاً معلوماً: يصح فيها خيار الشرط. بشرط: أن ينتهي وقت خيار الشرط قبل أن يبدأ الأجار.
ففي هذه الصورة يصح خيار الشرط وهو لازم للطرفين.
ـ القسم الثاني: أن يسنأجر مدة معلومة تلي العقد. كأن يستأجر الآن بيتاً معلوماً يبدأ من حين انعقاد العقد. فهذا النوع من الإجارة لا يدخله خيار الشرط: = عند الحنابلة.
واستدل الحنابلة على هذا:
- بأنه إذا أدخل خيار الشرط على استئجار بيت مدة معلومة فإنه لا يخلو من أمرين: - الأمر الأول: أن لا يبدأ بالانتفاع بالعين المستأجرة إلا بعد انتهاء خيار الشرط. وهذا لا يجوز لأن للمستأجر الحق في الانتفاع بالعين المستأجرة من بداية العقد.
- الحال الثانية: أن يبدأ بالانتفاع بالعين المستأجرة من حين العقد وهذا لا يجوز لأنه يناقض خيار الشرط إذاً ما الفائدة من خيار الشرط.
ولهذا قال الحنابلة: أن خيار الشرط لا يكون في استئجار عين معلومة مدة معينة إذا كانت المدة تلي العقد.
= القول الثاني: أن خيار الشرط يدخل الإجار ولو على مدة تلي العقد.
- لأنه لا ضرر ولا ظلم لأي منهما.
فإن تم العقد وأمضياه فالأمر واضح.
وإن اختار المستأجر الفسخ فإنه يدفع من الأجار بقسط ما انتفع من المستأجر. أي: من العين المستأجرة. وبهذا لا يقع ظلم على أي منهما.
وهذا القول الثاني هو الأقرب والأصح إن شاء الله.
واليوم الناس على هذا العمل.
يقول: استأجرت منك البيت ولي الخيار يوم أو يومين أو ثلاثة أو أقل أو أكثر ثم يذهب ويتأمل في أمره وينظر هل يناسبه ثم يأتي ويتم العقد فهذا لا حرج فيه.
لكن ينبغي أن يعلم أنه إذا اختار المستأجر الفسخ فيجب عليه أن يدفع بالقسط من قيمة مدة الإجارة وهذا ما لا يفعله كثير من الناس بل يختار الفسخ ويظن أنه بالشرط الأول لم يجب عليه أن يدفع القسط المقابل للمدة التي بين تمام الشرط وانعقاد العقد. وهذا خطأ.
فبهذا الشرط يكون القول الثاني إن شاء الله هو الأقرب وهو الأنفع للناس.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن شرطاه لأحدهما دون صاحبه: صح.
إن اتفق البائع والمشتري على أن يكون خيار الشرط لأحدهما دون الآخر صح هذا الشرط.
والتعليل:
- أن الشارع الكريم إنما شرع هذا الخيار رفقاً بالنتعاقدين ولمصحتهما فإذا رضيا أن يكون الخيار لأحدهما: صح.
وفي بعض العقود لا يمكن أن ينتفع مشترط الخيار إلا إذا كان خيار الشرط له دون صاحبه. فإن كان لهما لم ينتفع بخياره مطلقاً لا سيما في العقود المعاصرة.
فالقول بتصحيح أن يكون خيار الشرط من أحدهما إذا رضي الطرف الآخر قول مهم وفيه نفع للناس ولا تأباه النصوص ولا القواعد العامة.
ولذلك نقول إذا شرط المشتري أو البائع هذا البائع فلا بأس.
وفي الغالب يكون من يشترط هو المشتري لغرض أو لآخر.
وكما قلت لكم ربما لا يتحقق انتفاعه من الشرط إلا إذا كان هو الذي اشترط فقط دون البائع.
- ثم قال رحمه الله:
- وإلى الغد أو الليل يسقط بأوله.
يعني: بأول لحظه يدخل فيها الغد أو الليل فإنه يسقط خسار الشرط.
واستدل الحنابلة على هذا الحكم:
- بأن إلى في لغة العرب موضوعة لانتهاء الغاية ومعنى انتهاء الغاية أن ما بعدها لا يدخل فيما قبلها. وهذا يدل على أن الوقت الذي بعد إلى لا يدخل في حكم الوقت الذي قبل إلى وهو ثبوت خيار الشرط.
= والقول الثاني: أنه إذا قال: إلى الغد. دخل الغد في خيار الشرط.
- لأن العرب تستعمل أيضاً إلى في معنى مع. كقوله: (ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم) يعني: مع أموالكم.
- والأصل في أموال المسلمين الحرمة فإذا أمكن إدخال الوقت في خيار الشرط فهو أحفظ لمال المسلم.
والراجح والله أعلم بقوة ووضوح مذهب الحنابلة. لأن حمل اللفظ على المتعارف عليه في اللغة والذي استعمل أكثر أولى وأوجب من الحمل على ما استعمل على خلاف الأصل.
وأما التعليل بحرمة مال المسلم فحرمة مال البائع ليست بأكثر من حرمة مال المشتري ولا العكس فربما كان من مصلحة المشتري انتهاء الخيار ليتملك العين تملكاً تاماً.
فإذاً: لا يرد علينا في مثل هذه المسألة أن نقول: أن نحفظ مال المسلم لأنه قد يكون حفظ مال المسلم بإنهاء خيار الشرط.
فالراجح إن شاء الله هو القول الأول وهو مذهب الحنابلة لما ذكرت لكم.
- ثم قال رحمه الله:
- ولمن له الخيار: الفسخ ولو مع غيبة الآخر وسخطه.
يعني: أن من له الخيار يجوز له أن يفسخ العقد ولو كان الآخر غائباً أو كان ساخطاً.
والدليل على هذا:
- قاعدة شرعية وهي: (أن من جعل الشارع من حقه حل العقود فإنه لا يتوقف على رضا الطرف الآخر ولا حضوره كما نقول في الطلاق).
فالطلاق الآن: حل للعقد وقد جعله الشارع من حقوق الزوج فله أن يحل هذا العقد بحضور أو غياب الزوجة وبرضاها أو سخطها. كذلك نقول: الشارع الكريم جعل لمن له خيار الشرط الحق في حل العقد وكل من له الحق في حل العقد فإنه يحل العقد بحضور أو غياب الآخر وسخطه أو رضاه.
وهذه قاعدة مفيدة ما دام الشارع جعل لك الحق في حل العقد فأنت تستخدم هذا العقد متى شئت ولا يشترط لا الحضور ولا الرضى من الطرف الآخر.
- ثم قال رحمه الله:
- والملك مدة الخيارين: للمشتري.
المقصود بالخيارين: ـ خيار الشرط. ـ وخيار المجلس.
وهذه المسألة مسألة مهمة.
= ذهب الحنابلة إلى أن ملك السلعة مدة الخيار للمشتري.
وسيأتينا ما يترتب على هذا القول بعد مناقشة هذا القول بنفسه.
واستدلوا على هذا بأدلة:
- الدليل الأول: أن العقد الذي فيه خيار الشرط عقد تام مكتمل الشروط فيسبب نقل الملك.
- الدليل الثاني: ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من باع عبداً وله مال فماله لسيده إلا أن يشترط المبتاع).
- وقال صلى الله عليه وسلم: (من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها لمن باعها إلا أن يشترط المبتاع).
فالحديثان نص على أن السلعة تدخل في ملك المشتري بمجرد الشرط.
= والقول الثاني: أن السلعة مدى الخيارين تبقى على ملك البائع.
- لأن هذا العقد وإن استوفى الشروط إلا أنه عقد ناقص بوجود خيار الشرط والعقد الناقص لا ينقل الملك.
= القول الثالث: أن ملك السلعة يتوقف فيه فإن فسخ المشتري تبينا أنه مدة الخيارين من ملك البائع وإن أمضيا البيع تبينا أن مدة الخيارين من ملك المشتري.
والراجح والله اعلم. مذهب الحنابلة. لأن ما استدلوا به من نصوص واضحة ولأن القول الثالث فيه تردد في ملك السلعة في زمنه. ولا يمكن أن توجد سلعة ليس لها مالك.
لهذا نقول هذا القول الذي ذهب غليه الحنابلة وهو مهم جداً قول سديد وفيه فقه للنصوص لا سيما حديث ابن عمر الذي ذكرت فإنه أشبه ما يكون بالنص على مثل هذه المسألة.
- ثم قال رحمه الله:
- وله نماؤه المنفصل.
أي: وللمشتري نماء السلعة المنفصل.
ومقصود المؤلف رحمه الله ولو فسخا العقد بعد ذلك.
فالنماء المنفصل من حق المشتري.
والسبب في ذلك:
- أنا حكمنا أن السلعة ملك له في مدة الخيار والإنسان إذا ملك الشيء ملك نمائه.
والنماء المنفصل: أمثلته كثيرة مثل: ما يخرج من بهيمة الانعام من لبن وما يخرج من الدجاج ومنه الكسب فإن الكسب من النماء المنفصل فإذا كسب على هذه السيارة مدة الخيارين فإن الكسب له.
= القول الثاني: أن النماء المنفصل يرجع أيضاً للبائع فإذا فسخ المشتري العقد رجعت السلعة والنماء المنفصل للبائع وهذا القول مبني على أن ملك السلعة في مدة الخيارين للبائع وإذا كانت السلعة على ملك البائع فالنماء أيضاً للبائع.
والراجح هو الأول بلا إشكال إن شاء الله. لأن ضمان السلعة في مدة الخيارين على المشتري والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الخراج بالضمان).
وفهم من قول المؤلف رحمه الله: (النماء المنفصل والكسب) للمشتري أن النماء المتصل للبائع.
وهو مذهب الحنابلة بل مذهب الجمهور أن النماء المتصل للبائع.
((الأذان)).
من الأسئلة:
ـ ما هي ثمرة الخلاف في مسألة الملك مدة الخيار؟
- ثمرة الخلاف في هذه المسألة المهمة تنقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: الضمان. وسياتينا في الفصل الذي سيعقد المؤلف رحمه الله بضمان السلع قبل القبض والخلاف في ضمان السلع قبل القبض هو نفس الخلاف في ضمان السلعة مدة الخيارين.
- الثمرة الثانية: هو الذي نتحدث عنه وهو النماء المتصل والمنفصل والكسب فهو ينبني تماماً على مدة الملك مدة الخيارين. وتحدثنا عن المنفصل وغداً نتحدث عن المتصل إن شاء الله.
بالمناسبة تحدثت في أول كتاب البيوع عن التورق الذي تجريه المصارف وضربت به بعض الأمثلة وذكر لي عدد منكم انه فهم من هذا المثال أني أقول بجواز التورق وهو أن يشتري أسهم أو سلعة حسب ما تجريه البنوك.
وانا لم أقصد لما ضربت هذا المثال أن أتكلم عن حكم هذه المسألة وهذه المسألة التي تجريها البنوك التورق المنظم تختلف تماماً عن مسألة التورق التي تجحدثنا عنها في الدرس السابق وما قبل السابق.
فالتورق المنظم الذي تجريه البنوك حالياً هذا له حكم آخر وفي كثير من صورة هو حيلة مكشوفة على الربا فأنا لا أريد مطلقاً الكلام عن حكمه وإنما مثلت به تمثيلاً لأظن لبيع المضطر أو لمسألة أخرى.
المهم أني لا أريد أن أتحدث في ذلك الدرس عن حكم هذه المسألة.
سبحانك اللهم وبحدمك أستغفرك وأتوب إليك.
شرح كتاب البيع الدرس رقم (10)
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أحب أن أنبه قبل أن نبدأ بالشرح أن هذا آخر درس في الزاد مغرب الغد يكون للآجرومية وبعد غدً يكون لنظم الورقات. وتكون بداية الدروس بعد الحج مع أول يوم في الدراسة. وتكون الدراسة لمدة أسبوعين ثم نتوقف قبل الامتحانات بأسبوع ليكون فرصة للمراجعة والاستعداد لها.
- قال رحمه الله:
- وله نماؤه المنفصل وكسبه.
تقدم معنا الكلام عن النماء المنفصل والكسب والخلاف فيه وبيان أن مذهب الحنابلة إن شاء الله في هذه المسألة قوي وتوقفنا عند النماء المتصل.
فالنماء المتصل حكمه: = عند الحنابلة: أنه للبائع. وأنتم تعلمون أن هذه المسألة مفروضة فيما إذا فسخ العقد.
فإذا فسخ العقد فالنماء المتصل بكل حال للبائع.
- قياساً على الرد بالعي فإنه إذ ردها مع العيب فالنماء المتصل للبائع.
وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم: أن النماء المتصل في مدة زمن الخيارين للبائع.
= القول الثاني: أن النماء المتصل أيضاً للمشتري.
- لأنه نماء وقع في ملكه وحصل بفعله فهو له.
وإلى هذا القول ذهب شيخ الإسلام بن تيمية وهو الراجح. وعلى هذا القول: على القول بأن النماء المتصل للمشتري إذا اختار الرد فإن السلعة تحسب قيمتها قبل النماء الكتصل وبعد النماء المتصل ويدفع البائع الفرق بين القيمتين للمشتري.
ومن أمثلة النمار المتصل/ ـ السمن بالنسبة للدواب. ـ وتعلم صنعة بالنسبة للعبيد. وما أشبه هذين المثالين.
فنقول: كم قيمة هذه الشاة قبل أن تسمن وكم قفيمتها بعد أن سمنت فالفرق بين القيمتين يلزم البائع بدفعه للمشتري.
وقوله رحمه الله: (وكسبه) الكلام فيه كالنماء المنفصل كما تقدم لأن الكسب هو نوع من النماء المنفصل وكنا تكلمنا عن النماء المنفصل والكسب بكلام واحد فكل ما قيل عن النماء المنفصل يقال تماماً عن الكسب ولذلك شرح العبارة واحد.
- ثم قال رحمه الله:
- ويحرم ولا يصح: تصرف أحدهما في المبيع وعوضه المعين.
مقصود المؤلف رحمه الله أيضاً في الخيارين: في خيار الشرط وفي خيار المجلس.
يحرم تصرف المشتري بالسلعة وتصرف البائع بالثمن زمن الخيارين.
التعليل:
- أن هذا التصرف يسقط حق الآخر ولا يجوز للمسلم أن يسقط حق أخيه بلا مسوغ شرعي.
ويستثنى من هذا الحكم مسألتان:
ـ الأولى: إذا كان الخيار للمشتري فقط وتصرف في السلعة فإن هذا يعتبر إمضاء منه وقطع للخيار. لأن هذا التصرف دليل على الرضا. وكذلك إذا كان الخيار للبائع فقط وتصرف في الثمن فإنه قطع للخيار وهو إمضاء للبيع لأنه دليل على الرضا.
ـ ويستثنى أيضاً: إذا تصرف البائع مع المشتري أو بإذنه. أو العكس: تصرف المشتري مع البائع أو بإذنه. فإنه حينئذ يصح التصرف.
مثال ذلك/ إذا استأجر البائع بالثمن أرضاً أخرى للمشتري فهو الآن تصرف مع: المشتري.
أو استأجر بالثمن أرضاً لزيد لكن بإذن المشتري فهذا التصرف جائز وصحيح.
كذلك العكس إذا باع المشتري السلعة على البائع أو باعها على زيد بإذن البائع فإن الخيار يسقط لأنه تم بإذن من له الحق.
- ثم قال رحمه الله:
- وعوضه المعين فيها.
قوله: (فيها) يعني: في مدة الخيار.
وقزله: (عوضه المعين) يعني: أن المشتري يحرم عليه أن يتصرف بالثمن المعين.
فإذا قال المشتري اشتريت هذه السيارة بهذا المال وعينه فإن هذا المبلغ المعين في العقد لا يجوز للمشتري أن يتصرف فيه بل عليه أن يبقيه في مكان مستقل إلى أن إما أن يمضي البيع أو يفسخ العقد.
وقوله: (عوضه المعين) أي أنه لو كان في الذمة فإنه لا يمنع المشتري من التصرف فلو قال: اشتريت هذه السيارة بمائة ألف ولم يعين المائة ألف فالمائة ألف هذه في الذمة وللمشتري أن يتصرف فيها كيف يشاء هذا بالنسبة للمشتري.
نأتي إلى البائع: البائع ليس له أن يتصرف بالثمن لا المعين ولا الذي في الذمة. بخلاف المشتري.
فلو قال له: اشتريت منك هذه السيارة بعشرة آلاف واعطاه العشرة آلاف وأخذ السيارة فليس للبائع أن يترف في العشرة آلاف مدة زمن الخيار.
ولو قال: اشتريت منك هذه السيارة بعشرة آلاف غير المعينة في الذمة فالبائع لم يقض شيئاً الآن ومع ذلك لا يجوز له أن يتصرف في هذا الثمن الذي في الذمة بأن يحيل عليه مثلاً هذه الحوالة خطأ ولا تجوز.
لماذا؟ لأنها تصرف في المبيع في العوض ولا يجوز له أن يتصرف في العوض.
الخلاصة: المشتري يجوز له أن يتصرف في الثمن الذي في الذمة ولا يجوز له أن يتصرف في الثمن المعين.
والبائع لا يجوز له أن يتصرف في الثمن لا المعين ولا الذي في الذمة.
وبهذا عرفنا حكم تصرف كل من البائع والمشتري في كل من السلعة والثمن.
- ثم قال رحمه الله:
- بغير إذن الآخر.
تقدم معنا أن التصرف بغذن الآخر جائز.
- لأن التصرف منع منه لحق الآخر فإذا أذن به فقط أسقط حقه.
- ثم قال رحمه الله:
- بغير تجربة المبيع.
أي: يستثنى من تحريم التصرف أن يتصرف على سبيل التجربة كأن يركب الدابة. أو يحلب الشاة. أو يبحر في السفينة. أو يقود السيارة.
فمثل هذا جائز.
- لأن هذا التصرف على سبيل الاختبار والتجربة. وإنما شرع خيار الشرط لتجربة المبيع.
فهذا التصرف لا يتعارض مع خيار الشرط.
ويقيد ذلك: بالتصرف الذي يفهم منه عرفاً أنه للتجربة. فليس من المقبول مثلاً: أن يأخذ سيارة للتجربة ويسافر بها إلى مكة لمدة شهر وإلى ابها لمدة شهر ويقول إنما سافرت على سبيل التجربة.
فهذه ليست تجربة هذا استهلاك للسلعة. فإذاً يقيد جواز التصرف في العين على سبيل التجربة بأن يكون مقبولاً في العرف وإلا فإنه لا يجوز وهو آثم.
-
ثم قال رحمه الله:
- إلاّ عتق المشتري.
أي: ويستثنى أيضاً من تحريم التصرف عتق المشتري فيجوز مع التحريم.
فإذا أقدم المشتري عللى عتق العبد فنقول: انت آثم بهذا العتق وعليك التوبة والعتق صحيح.
واستدلوا على هذا:
- بأن الشارع الحكيم يتشوف للعتق وحث عليه وفي تجويز هذا الحكم تأدية لمقصود الشارع.
= والقول الثاني: أنه لا يجوز حتى العتق. ان العتق أيضاً محرم.
- لأن في هذ العتق اعتداء على حق البائع ولا يجوز للمشتري أن يعتدي على حق البائع.
وهذا القول الثاني هو الصحيح. لأن الشارع تشوف لعتق العبيد لكن ذلك مشروط بأن لا يدخل الضرر على الآخرين.
* * مسألة/ قول المؤلف رحمه الله (عتق المشتري) يدل بمفهومه على أن عتق البائع لا يستثنى وإنما الذي يستثنى عتق المشتري وهو كذلك. فإن:
= المذهب يرون أن عتق البائع لا يجوز مطلقاً.
وعللوا ذلك:
- بأن السلعة ليست في ملك البائع حتى يعتق أو لا يعتق. لما تقدم معنا أن السلعة زمن الخيارين هي من أملاك المشتري. فعتق البائع لا يجوز مطلقاً عند الحنابلة.
فتبين لنا الآن: أن الحنابلة يفرقون في مسألة العتق زمن الخيارين بين تصرف البائع وبين تصرف المشتري وأنه على القول الصواب: تصرف البائع وتصرف المشتري واحد كلاهما لا يجوز لما فيه من الاعتداء على حق الآخرين.
- ثم قال رحمه الله:
- وتصرف المشتري فسخ لخياره.
تصرف المشتري فسخ لخياره: يعني: إذا كان الهيار للمشتري فقط.
ولو أن المؤلف رحمه الله نبه إلى هذا بعبارة أو بشرط لكان أولى وأوضح.
إذاً: تصرف المشتري فسخ لخياره إذا كان الخيار له وحده.
والدليل على ذلك:
- أن هذا التصرف دليل على الرضا وإذا رضي فقد لزم البيع ومنع من الرد.
وفهم من كلام المؤلغ رحمه الله أن تصرف المشتري فسخ لخياره أن البائع ليس كذلك. وهذا هو المذهب: ان تصرف البائع في السلعة لا يعتبر فسخاً للخيار.
لماذا؟ لما تقدم معنا أن لاالملك زمن الخيارين للمشتري.
فعرفتم الآن: كثرة الفروع التي تنبني على هذه المسألة: - مسألة ملك السلعة زمن الخيارين لمن؟ ومن المفيد جداً لطالب العلم أن يراجع ما كتبه ابن رجب حول هذه المسألة في القواعد ويرى كيف فرع فروعاً كثيرة على هذه المسألة وهو مفيد لطالب العلم.
- ثم قال رحمه الله:
- ومن مات منهما بطل خياره.
أي واحد منهما يموت يبطل خياره. إن مات المشتري بطل خياره وإن مات البائع بطل خياره.
- لأن حق الخيار لا يورث.
ولذلك بمجرد الموت انتهى حقه وبطل ولزم البيع للورثه.
=والقول الثاني: ان حق الخيار من جملة الحقوق التي تورث.
وهي حق ينتقل للورثة ويستمر الحق مدة خيار الشرط وإلى انتهاء المجلس في خيار المجلس.
وهذا القول الثاني هو الصحيح إن شاء الله لأن هذا من جملة الحقوق التي تورث. فلا يجوز أن نمنع الورثة من هذا الحق.
- ثم قال رحمه الله:
- الثالث: إذا غبن في المبيع غبناً يخرج عن العادة، بزيادة الناجش والمسترسل.
(الثالث: إذا غبن) أي والثالث من أنواع الخيارات: خيار الغبن.
والغبن في لغة العرب: هو النقص والخديعة.
هذا هو الغبن في لغة العرب.
وأما الغبن في الاصطلاح ففسره المؤلف رحمه الله بقوله: (إذا غبن في المبيع غبناً يخرج عن العادة)
إذاً: خيار الغبن أن يغبن البائع أو المشتري غبناً يخرج عن العادة.
وذلك بزيادة الثمن بالنسبة للمشتري وبنقص الثمن بالنسبة للبائع.
* * مسألة - مهمة - / = ذهب الجمهور إلى أن خيار الغبن لا يثبت بمجرده حق للمشتري والبائع ولو كان فاحشاً بل لا يثبت إلا في حالات معينة سأتي ذكرها.
= والقول الثاني: أن خيار الغبن يثبت مطلقاً.
واستدل الحمهور:
- بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لحبان رضي الله عنه: (إذا بايعت فقل لا خلابة). وجه الاستدلال: ان الحديث أفاد ان خيار الغبن لا يثبت إلا بالشرط.
واستدل أصحاب القول الثاني: [ان الغبن يثبت مطلقاً.
- بأن الغبن خديعة ولا يجوز للمسلم أن يخدع غيره.
-
قال رحمه الله:
- إذا غبن في المبيع غبناً يخرج عن العادة.
قيد المؤلف رحمه الله الغبن با؟ ن يكون خارجاً عن العادة. يعني: ان يغبن في السعر بالزيادة عليه غبناً يخرج عن العادة.
فدلت عبارة المؤلف رحمه الله على أن الغبن ليس له حد معين ولا قدر محدود بل يرجع فيه إلى عرف التجار فما اعتبروه غبناً فهو كذلك وإلا فلا.
= والقول الثاني: أن الغبن يقدر بالثلث. فإذا كانت الزيادة الثلث ثبت الحق للمشتري وإذا كان النقص الثلث ثبت الحق للبائع.
= وقيل: الضابط في ذلك: الخمس.
= وقيل: الربع.
ولا يخفى إن شاء الله أن الصواب انه يرجع في ذلك إى العرف.
ومن أقوى الأدلة على أنه يرجع في ذلك إلى العرف أن الشارع أثبت الحق للمغبون بلا حد وكل شيء جاء في الشرع بلا حد فإنه يرجع فيه إلى العرف.
الأمر الثاني: الدال على رجحان تقييده بالعرف أنه لا يمكن أن تنضبط السلع بمقدار معين.
فالثلث مثلاً في بعض السلع غبن وفي بعضها ليس بغبن بل زيادة مائة بالمائة في بعض السلع ليست بغبن وزيادة عشرة في المائة في بعض السلع يعتبر غبن وهذا يرجع إلى طبيعة السلعة والقيمة.
فالسلعة التي قيمتها ريال إذا زيد عليه مائة بالمائة تصبح كم؟ ريالين. هل هذا غبن؟ ثلاثة أو أربعة أو خمسة؟ فليس بغبن.
لكن البيت الذي اشتري بمليون زيادة عشرو بالمائة كم؟ مائة ألف. هل هذا غبن؟ (
…
).
إذاً: تفترق السلع من حيث هي: طبيعة السلعة ومن حيث القيمة.
فلا يمكن أبداً أن نضع حداً معلوماً بأن نقول الثلث أو الربع أو الخمس أو أكثر أو أقل بل لابد أن يرجع في ذلك إلى العرف لهذين الدليلين الذين ذكرتهما لك.
-
ثم قال رحمه الله:
- بزيادة الناجش والمسترسل.
خيار الغبن: = عند الحنابلة لا يثبت إلا في ثلاث صور. فالحنابلة مع الجمهور في الخلاف الذي ذكرته آنفاً: خيار الغبن لا يثبت عند الحنابلة إلا في ثلاث صور.
ـ الصورة الأولى: تلقي الركبان.
ـ والصورة الثانية: بيع النجش.
ـ والصورة الثالثة: بيع المسترسل.
ولذلك: في الحقيقة من الخطأ أن المؤلف رحمه الله حذف الكلام عن تلقي الركبان فإنه كما تلاحظ بدأ المؤلف رحمه الله بالكلام عن بيع النجش وترك تلقفي الركبان مع أن تلقي الركبان موجود في الأصل الذي اختصر منه المؤلف رحمه الله كتابه موجود في جميع الكتب أضف إلى هذا أن المذهب المعتمد عند الحنابلة أنه لا يوجد خيار غبن إلا في ثلاث صور. فكلهم ىنص على هذه الثلاث صور.
فلذلك حذفها ليس من المناسب مطلقاً في الحقيقة.
إذاً: نبدأ بالصورة الأولى: وهي: تلقفي الركبان.
بعد أن عرفنا أن الحنابلة يخصصون خيار الغبن في ثلاث صور.
فالصورة الأولى منها: تلقي الركبان.
وفي تلقي الركبان مباحث:
ـ المبحث الأول: تعريفه: هو أن يخرج الرجل لتلقي الركبان والشراء منهم قبل القدوم إلى السوق ومعرفة الأسعار.
هذا هو تلقي الركبان.
ـ حكمه: تلقي الركبان: محرم. والعقد صحيح.
الدليل: الدليل على ذلك:
- قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه فسيده بالخيار إذا أتى السوق)
فالحديث دل على المنع وعلى تصحيح العقد إلا أن صاحب السلعة بالخيار إذا هبط إلى السوق.
- الدليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تلقوا الركبان ولا يبع بعضكم على بعض ولا تناجشوا)
الشاهد منه: ولا تلقوا الركبان. فهو نهي صريح.
ـ المسألة الثالثة: الصحيح من قولي أهل العلم أن تلقي الركبان محرم قبل أن يهبطوا إلى السوق سواء داخل البلد أو خارج البلد فليس المناط أبداً دخولهم البلد وإنما وصولهم إلى السوق.
ـ المسألة الرابعة: اختلف الفقهاء فيما إذا تلقى الركبان واشترى منهم بنفس سعر السوق. ولم يدخل عليهم أي نوع من الغبن.
= فمن الفقهاء من صحح العقد. ومعنى صحح العقد يعني: بلا خيار للبائع.
واستدل على ذلك:
- بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أثبت له الخيار دفعاً لضرر الغبن عليه وهو الآن لم يغبن.
واستدل الذين يرون أن له الخير حتى لو اشترط منه بسعر السوق:
- بظاهر النص. قالوا: فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تلقي الركبان وأثبت للركبان الحق والخيار مطلقاً ولم يشر إلى التفريق بين إذا باع وبنفس سعر السوق أو بأقل منه.
وهذه المسألة مفيدة لطالب العلم وستتكرر معه.
أقصد أصل هذه المسألة فإنه غالباً ما يقع خلاف بين أهل العلم فمنهم من يأخذ بالمعنى الذي جاء النص من أجله ومنهم من يأخذ باللفظ الذي جاء الحديث على وفقه.
وهي مسألة مهمة.
الراجح فيها إن شاء الله الراجح في أصل المسألة: أن الإنسان يأخذ بالمعنى بشرط: أن يكون معنىً متفق عليه ليس فيه خلاف وهو من الظهور بحيث لا يختلف فيه.
وإلى هذا القيد أشار عدد من المحققين منهم (؟ إن لم أنس) الشيخ الفقيه ابن دقيق العيد. فله كلام حول هذه المسألة مهم أشار فيه إلى أنه في حالة ما إذا ظهر المعنى بحيث لا يتوقف فيه الإنسان فإن الأرجح الأخذ بالمعنى.
وإذا تردد الإنسان أو لم يظهر له المعنى أو اختلف العلماء فيه فالأسلم أن يأخذ بظاهر اللفظ ولا يعول على المعنى.
بناء على هذا الترجيح في أصل المسألة: نقول الراجح إن شاء الله في هذه المسألة أنه لا خيار للركبان. لأنه من المقطوع به أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أثبت لهم الخيار دفعاً للضرر والغبن الذي ربما وقع عليهم بسبب عدم معرفتهم للسوق. فإذا كان اشترى منهم بسعر السوق فلا حرج عليه إن شاء الله.
فالراجح إن شاء الله في هذه المسألة أنه لا خيار وأن البيع يقع صحيحاً وهو إن شاء الله أي هذا القول الذي رجحناه لا يتعارض مع ظاهر النص. لأن الإنسان يأخذ بالمعنى متى كان ظاهراً واضحاً.
ولا يأثم لأن الإثم مترتب على الغبن والاثم ملازم للخيار إذا أثمناه فنحكم بالخيار.
-
ثم قال رحمه الله:
- بزيادة الناجش.
بعد أن بينا الصورة الأولى ننتقل للصورة الثانية التي يتحقق فيها خيار الغبن وهي: بيع النجش.
والنجش في لغة العرب: الاستخراج والإثارة.
كأن الناجش يثير غيره ليشتري السلعة.
وأما في الاصطلاح فهو زيادة من لا يريد شراء السلعة في قيمتها تغريراً للمشتري.
والنجش حرام: لما أخرجه البخاري ومسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش.
ولما في الصحيح أيضاً: من قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تلقوا الركبان ولا تناجشوا).
* * مسألة/ عرفنا الآن أن النجش إذا ثبت فإنه يثبت لصاحبه الخيار وهو خيار الغبن فإذا تبين أن في العقد نجش فللمشتري المغبون الخيار بين إمضاء العقد وبين فسخه.
* * مسألة/ إذا زاد الناجش لتصل إلى ثمنها الحقيقي. فما الحكم؟
الجواب: أن أهل العلم اختلفوا اختلافاً كثيراً في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
= القول الأول: أن هذا العمل محرم. وأن أي إنسان يزيد في السلعة وهو لا يريد الشراء فعمله محرم.
بناء عليه: يثبت الخيار للمشتري.
= القول الثاني: أن هذا العمل مندوب إليه.
- لأن في هذه الزيادة تحصيل لحق البائع.
- ولان المقصود من النهي عن النجش الزيادة التي يحصل بها تغرير للمشتري وهذه الزيادة ليس فيها تغرير.
= والقول الثالث: أنها مباحة. لا مندوبة ولا محرمة.
والراجح: (
…
) [محرم] فيما يظهر لي .. لماذا؟ أولاً: لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض.
ثانياً: لأنه يزيد كذباً.
ثالثاً: لأنه يزيد ولا يريد الشراء.
فهو في الواقع غرر حتى بالمشتري لان المشتري يظن ان الناس لهم رغبة في هذه السلعة ولو توقف عن المزايدة ربما لم يشتر فلما رآه يزيد في السلعة ظن أنها مرغوبة فالذي يظهر لي أنه محرم وأنه لا يخرج عن الحكم العام للنجش.
باقي مسألة وهي: من صور النجش أن يقول: اعطيت فيها هكذا أو أعطيت فيها كذا ولم يعط فيها هذا المبلغ فهذا من النجش.
ويترتب على حكمنا على هذه الصورة أنه من النجش إثبات الخيار وهذا هو بيت القصيد في المسألة.
فكل مسألة نثبت فيها أنها من النجس فنحن تبعاً لذلك نثبت خيار الغبن فللمشتري أن يفسخ رضي البائع أو سخط.
ـ من صور النجش: أن يسومها سوماً مرتفعاً ليشتري المشتري بثمن قريب من هذا السوم. لأن هذا في الحقيقة تغرير وهو إذا تأملت يشبه تماماً الزبادة في أثناء الحراج.
((الأذان))
نتم هذه المسألة حتى ننتهي - وهي آخر مسألة/فإذا سامها البائع بأكثر من ثمنها بكثير ليشتري المشتري بثمن قريب من هذا الثمن فإنه نجش ويثبت له خيار الغبن.
ومعنى سامها: هو ما نعبر عنه بعرف الناس اليوم: (حدها) يعني إذا حد السلعة نقول: كم تحد سلعتك؟ يقول: أنا أحدها يعني سأبيع عليك بكذا ورفع ثمنها رفعاً عظيماً حتى تشتري انت بثمن ولو كان أقل من هذا إلا أنه قريب منه فهذا يتعبر لاشك من التغرير ومن النجش وإلى هذا القول يعني: إلى اعتبار هذه الصورة من صور النجش ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وهو قول وجيه جداً وهو قول صحيح ويثبت بناء عليه الخيار للمشتري إن شاء أخذ السلعة وإن شاء ردها.
شرح كتاب البيع الدرس رقم (11)
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
مع بداية الدروس بعد هذه الإجارة أرحب بإخواني سائلاً المولى سبحانه وتعالى أن يقبل الأعمال الصالحة في الأيام الفاضلة سبقت من عشر ذي الحجة
…
وكنا توقفنا في آخر درس وتكلمنا فيه عن الخيارات على الخيار الثالث وهو خيار الغبن وتحدثت فيه عن الصور الثلاث التي يعتبرها الحنابلة من صور خيار الغبن.
وهي: تلقي الركبان وزيادة الناجش. وتوقفنا عند المسترسل ولم نتكلم عنه وهو الصورة الثالثة التي يثبت فيها الخيار وهو خيار الغبن للمشتري.
- يقول المؤلف رحمه الله:
- والمسترسل.
المسترسل: هو الذي يجهل الثمن ولا يحسن المماكسة ولا المبايعة فتجتمع فيه صفتان:
- الأولى: أن لا يعرف الثمن.
- والصفة الثانية: أنه لا يحسن البيع والشراء والمماكسة والمبايعة ومحاولة الحط من الثمن. سواء كان البائع أو المشتري.
ويسمى عند الفقهاء: غبن المسترسل.
بعد أن عرفنا ما هو المسترسل نأتي إلى حكمه. ومعنى قولنا (حكمه) يعني: حكم غبن المسترسل.
ـ غبن المسترسل: محرم.
- لقوله صلى الله عليه وسلم (غبن المسترسل حرام).
- والدليل الثاني: أن غبنه من الغش والخداع للمسلم وهو محرم.
بهذه الصورة الثالثة اكتملت صور خيار الغبن.
بعد ذلك نبين مسألة تشترك فيها جميع الصور وهي مسألة مهمة/ إذا وقع الغبن فإنه يثبن للمغبون في الصور الثلاث: الخيار.
لكن اخلتفوا في الخيار:
= فالحنابلة يرون: أنه مخير بين أن يمسك السلعة أو يردها بلا أرش. إما إمساك أو رد.
= والقول الثاني: أن المغبون مخير بين الرد أو الامساك مع حط الثمن الذي غبن فيه.
يعني: مع حد مقدار ما غبن فيه من الثمن.
فإذا اشترى السلعة بمائة وهي بخمسين: فهو مغبون بخمسين فله أن يمسك ويأخذ من البائع خمسين.
والراجح والله أعلم مذهب الحنابلة له أن يمسك أو يرد فقط.
والدليل على ذلك:
- ان النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المصراة - سيأتينا - خير المشتري بين أمرين: إما أن يمسك أو يرد.
فإن رد رد معها صاعاً من تمر وهذا لا يعنينا في مسألتنا لكنه صلى الله عليه وسلم خير المشتري بين أمرين فقط إما الإمساك أو الرد.
فإذا نظرنا إلى هذا الحديث علمنا أن ما ذهب إليه الحنابلة إن شاء الله أقرب وهو أن المشتري مخير بين الإمساك والرد فقط.
ثم لما أنهى المؤلف رحمه الله النوع الثالث من الخيارات بدأ بالرابع.
- فقال رحمه الله:
- الرابع: خيار التدليس.
يعني: الخيار الذي يثبت بسبب التدليس.
والتدليس في لغة العرب: مأخوذ من أحد شيئين: - إما من الدلسة وهي الظلمة.
- أو من الدلس وهو الخديعة.
والأقرب والله اعلم أنه مأخوذ منهما. لأن المدلس أخفى وخدع.
وأما في الاصلاح: فأحسن وأوضح التعاريف أن يقال هو: كل فعل يزيد به الثمن ولو لم يكن عيباً.
فالعيوب لا تدخل معنا في خيار لأن لها خياراً خاصاً وهو خيار العيب.
إذاً: المقصود بخيار التدليس الأفعال التي يقوم بها البائع والتي تؤدي إلى زيادة الثمن من غير العيوب.
ثم لما بين المؤلف رحمه الله أن التدليس يثبت الخيار ذكر الأمثلة:
- فقال رحمه الله:
- كتسويد شعر الجارية.
هذا المثال الأول من أمثلة التدليس.
وهو أن يعمد البائع إلى الجارية التي لون شعرها أشقر أو أبيض أو أسود وليس بسواد ناصع ثم يصبغ هذا الشعر ليكون أسوداً سواداً ناصعاً ترغيباً للمشتري.
فهذا البائع أظهر شعر الجارية بخلاف ما هو عليه لزيادة السعر.
ونحن نقول التدليس كل فعل يزيد بعه الثمن ولو لم يكن عيباً.
فهذا ليس من العيوب: كون شعر الجارية أشقر ليس من العيوب لكنه صبغه بالأسود لزيادة السعر إذا علم أن المشتري يرغب بأن يكون شعر الجارية لونه أسود.
وهو مثال واضح.
الثاني:
- قال رحمه الله:
- وتجعيده.
يعني: وكتجعيد شعر الجارية.
كأنه والله أعلم كان تجعيد الشعر نوع من الصفات المرغوبة في الجواري في وقتهم.
فإذا قام البائع بتجعيد الشعر الناعم ترغيباً للمشتري فقد دلس عليه.
هذا إذا اعتبرنا أن تجعيد الشعر من الصفات المحمودة المرغوبة ولا شك أن الفطر السليمة تأبى مثل هذا العمل لأن تجعيد الشعر الناعم ليس من صفات الجمال. وإن اعتبر في عرف قوم من الجمال فهو في الحقيقة ليس من الجمال كما أن تنعيم الشعر الجعد ليس من الجمال بل الجمال إبقاء الشيء على ما خلقه الله سبحانه وتعالى إذا لم يكن عيباً ونحن نتحدث في التدليس الذي ليس من العيوب.
فإذا كان شعر الجارية جعداً وليس جعودة تعتبر من العيوب فالأولى تركه على ما هو عليه.
الذي يعنينا الآن أنه إذا جعد شعر الجارية الذي أصله ناعم تدليساً على المشتري لأنه يرغب في هذه الصفة فعمله محرم.
-
ثم قال رحمه الله:
- وجمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها.
الرحى: هي التي تطحن الحب.
فإذا جمع الماء ثم تركه إذا جاء المشتري لينظر إلى الرحى فإن الرحى ستتحرك بشرعة وتطحن كمية أكبر وتعمل بشكل فعال أكثر فيظن المشتري أن هذا من عادة هذه الرحى. والواقع أن ليس من عادتها أن تطحن بهذه السرعة وإنما طحنت بسرعة بسبب إمساك الماء.
فهذا من التدليس. لماذا؟ لأن جريان الرحى ببطء ليس من العيوب ما دام طبيعياً وهو يزيد زيادة السرعة لتظهر السلعة بصفة ليست هي عليها في الواقع.
هذا هو المثال الأخير من أمثلة المؤلف رحمه الله على التدليس.
حكمه:
التدليس: محرم.
- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تصروا الإبل ولا الغنم فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء ردها وصاعاً من تمر وإن شاء أمسكها) أو إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعاًمن تمر.
فهو مخير إما أن يمسك ويعطي البائع صاعاً من تمر أو يرد.
التدليس بنص هذا الحديث محرم.
وهو محرم لثلاثة أمور:
ـ لهذا الحديث.
ـ وللإجماع،
ـ ولما تقدم أنه من الغش والخداع. والغش والخداع في جميع الأمور لا سيما في المعاملات: محرم.
وخيار التدليس يثبت:
= عند الحنابلة على التراخي. يعني: له أن يرد بخيار الندليس متى شاء إلا في التصرية. فالخيار فيها فقط ثلاثة أيام.
فيفرقون في التدليس بين التصرية وغيرها من التدليسات.
سبب التفريق: قالوا: أنه في حديث التصرية في اللفظ الذي أخرجه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فهو بالخيار ثلاثة أيام).
فأثبت له الخيار في التصرية لمدة ثلاثة أيام فقط.
وسيأتينا مسألة مدة الخيار في خيار العيب وهو ينطبق على خيار التدليس ونذكر الخلاف والراجح في هذه المسألة.
- ثم قال رحمه الله:
- الخامس: خيار العيب.
يعني: الخيار الذي يثبت بسبب وجود عيب في السلعة أو في الثمن.
وخيار العيب ثابت بالنصوص من الكتاب والسنة.
ـ أما الكتاب: فقوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم).
ومن المعلوم أنه لن يرضى بالسلعة المعيبة.
ـ وأما من السنة. فحديث عائشة رضي الله عنها أن رجلاً باع عبداً فيه عيب فرده المشتري فقال البائع: وغلت العبد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الخراج بالضمان) يعني: كما أن المشتري كان ضمان العبد عليه في فترة التجربة كذلك له غلته.
وهذا الحديث فيه خلاف كثير وممن صححه يحيى بن سعيد القطان. وضعفه أو أشار إلى ضعفه عدد من الأئمة لكن معنى الحديث صحيح وثابت أن الخراج بالضمان ويكاد يجمع اهل العلم على معنى هذا الحديث.
- قال رحمه الله:
- وهو ما ينقص قيمة المبيع.
يريد المؤلف رحمه الله أن يعرف العيب الذي يثبت به الخيار. فيقول: (هو ما ينقص قيمة المبيع).
لكن الحنابلة لا يريدون قصره على العيب الذي يسبب نقص القيمة بل يشمل مع ذلك نقص العضو وإن لم ينقص معه الثمن.
ولا يخفى عليكم أنه توجد عيوب قد لا ينقص معها الثمن وإن كانت عيب في عرف الناس أو عيب عند المشتري بالذات لحاجته الخاصة لهذه السلعة.
لذلك نقول: التعريف الأعم والأحسن أن نقول: أن العيب: هو كل وصف مذموم يقتضي سلامة السلعة منه.
في هذا يكون التعريف يشمل الصور جميعاً إن شاء الله.
ثم شرع المؤلف رحمه الله بذكر الأمثلة.
وأما الحكم أي: ماذتا يترتب على خيار العيب فسيتكلم عنه المؤلف رحمه الله بالتفصيل.
إذاً: الآن عرفنا خيار العيب وأنه ثابت بالشرع وما هو العيب الذي يثبت معه الخيار.
-
ثم قال رحمه الله: في التمثيل.
- كمرضه.
يعني: كمرض المبيع.
وهو يقضصد كل ماله من نفس وحياة مما يمرض.
وقوله: (كمرضه) يعني: مهما كان المرض يسيراً.
فجنس المرض يعتبر من العيوب التي يثبت بها لخيار للمشتري وهذا يؤخذ من عموم كلام المؤلف رحمه الله.
وهو صحيح: فالمرض بأنواعه سواء كان يسيراً أو شديداً هو من العيوب.
- ثم قال رحمه الله:
- وفقد عضو وسِنْ أو زيادتهما.
إذا فقد عضو أوسن في المبيع أو فقد جزء في المبيع الذي ليس له حياة فهو من العيوب. وهو نقص بين ظاهر في المبيع.
- ثم قال رحمه الله:
- وزنا الرقيق.
(زنا الرقيق) يشمل زنا الغلام وزنا الجارية.
أما زنا الجارية فهو من العيوب بإجماع العلماء فلم يخالف فيه أحد من الفقهاء.
وأما زنا الغلام فهو عيب كذلك عند جماهيثر أهل العلم لم يخالف إلا الأحناف فهم الذين فرقوا بين زنا الجارية وزنا الغلام.
والصواب الذي لاشك فيه أن زنا الجارية والغلام من أكبر العيوب.
ومذهب الأحناف في الغلام ضعيف جداً.
والزنا عيب في الدين والدنيا: يعني: عيب في دين العبد وأيضاً في الدنيا لأنه يفسد الجارية أو الغلام على المالك والرد به من أظهر ما يكون.
- ثم قال رحمه الله:
- وسرقته.
يعني: وكون العبد ممن يسرق هذا من العيوب التي للمتري رد العبد إذا تبين أنه من الذين يسرقون وهو كما قلنا في الزنا عيب في الدين والدنيا.
-
ثم قال رحمه الله:
- وإباقه.
يعني: وهربه.
إذا كان العبد معروف بأنه يهرب من سيده فهذا من أكبر العيوب لأن هذا العيب يؤدي إلى عدم انتفاع المشتري بالعبد.
- ثم قال رحمه الله:
- وبوله في الفراش.
إذا كان العبد أو الجارية عف عنه أنه يبول في الفراش فإن هذا من العيوب التي يرد بها لأنه يتعب أهل البيت ويلوث فرشهم.
قوله رحمه الله: (وزنا الرقيق. وسرقته. وإباقه. وبوله في الفراش) هذه العيوب يشترط لتكون من العيوب أن تقع من ابن عشر فما فوق. فإن وقعت من ابن تسع فأقل فليست من العيوب وليس للمشتري أن يرد بها.
لأن الصغير قد يقع منه مثل هذه الاعمال ثم تستقيم حاله.
والقاعدة عند الحنابلة: (ان كل عيب ينسب إلى فعل العبد وقصده يشترط فيه ان يكون من ابن عشر فما فوق).
سواء كانت هذه الأشياء: الزنا والسرقة والإباق والبول أو غيرها.
كل فعل ينسب إلى العبد من العيوب يشترط فيه ان يكون من ابن عشر فما فوق.
ووجهة نظر الحنابلة في اشتراط هذا الشرط قوية لأن الطفل الصغير قد يقع منه بعض الممارسات التي لا تكون له خلقاً وإنما بسبب صغر سنه ثم إذا كبر اعتدل حاله.
- ثم قال رحمه الله: مبيناً ماذا يترتب على خيار العيب.
- فإذا علم المشتري العيب بعد: أمسكه بأرشه - وهو قسط ما بين قيمة الصحة والعيب - أو رده وأخذ الثمن.
= عند الحنابلة في خيار العيب يختلف حكمهم عن خيار التدليس.
ففي خيار العيب المشتري مخير بين أمرين: ـ إما أن يمسك مع أخذ الارش وسيأتينا ما هو الأرش وكيف نخرج الارش.
ـ أو يرد.
واستدل الحنابلة على هذا:
- بقولهم: إن العيب هو عبارة عن نقص في العين المباعة وإذا فات على المشتري جزء من العين المباعة فله أن يأخذ مقابل ذلك وهو الأرش.
= والقول الثاني في هذه المسألة: أن المشتري ليس له إلا الإمساك أو الرد. إلا - في صورة واحدة: - إذا تعذر الرد - بتلف المبيع مثلاً فحينئذ له الأرش.
واستدل أصحاب هذا القول - أي الثاني -:
- بحديث المصراة وقالوا: إن التصرية نوع من العيب فإنه المشتري خدع بإظهار الحليب على غير ما هو عليه. ومع ذلك خيره النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إما الإمساك أو الرد مع صاع من تمر.
والقول الثاني صحيح ويؤيده النص وإن كان الإنسان من حيث النظر قد يترائى له أن المذهب أقوى لكن مع وجود هذا النص الذي يخير المشتري بين الرد والإمساك فقط ليس للإنسان أن يصير إلى هذا الحديث وإن رأى أنه يخالف المعنى الذي يقع في ذهنه.
على كل حال: الراجح إن شاء الله أنه ليس له إلا الرد أو الإمساك إلا في صورة واحدة وهي إذا تعذر الرد.
ثم نأتي إلى كلام المؤلف رحمه الله وكيفية تحديد الأرش.
- يقول رحمه الله:
- فإذا علم المشتري العيب بعد: أمسكه بأرشه - وهو قسط ما بين قيمة الصحة والعيب -.
كيفية تحديد الأرش تقدمت معنا ونعيد الآن بيانها.
كيفية ذلك: ان ينظر الإنسان إلى قيمة هذه السلعة معيبة وقيمة هذه السلعة صحيحة.
فإذا فرضنا أن قيمة السلعة صحيحة مائة وقيمة السلعة معيبة خمس وسبعين فتلاحظ أن الفرق من حيث النسبة بين العدد: الربع.
نأخذ هذا الربع وهو الفرق بين القيمتين ونطبقه على الثمن الحقيقي فإذا كانت هذه السلعة بيعت بثمن مقداره ثمانين فتكون القيمة كم؟ ستين. وعلى البائع أن يرد عشرين ريالاً مثلاً إلى المشتري إذا رأى المشتري أن يمسك السلعة.
فنقول: الآن أنت مخير بين أن تمسك السلعة وتأخذ عشرين ريالاً عند الحنابلة على المذهب على المثال الذي قلت أو ترد السلعة وتأخذكامل الثمن.
وعرفت أن قضية الإمساك مع الأرش محل خلاف.
-
يقول رحمه الله:
- فإذا علم المشتري العيب بعد.
(بعد) يعني: بعد العقد.
فإذا يشترط لثبوت الخيار أن يعلم بالعيب بعد العقد أما إذا علم بالعيب قبل العقد فلا خيار له ولا أرش ولا يستطيع أن يرد وليس هناك إلا حل واحد وهو أن يأخذ السلعة ويدفع الثمن لأنه دخل في العقد على بينة فإنه علم بالعيب قبل العقد.
- قوله رحمه الله:
- أو رده وأخذ الثمن.
إذا اختار المشتري الرد فإن مؤونة الرد على المشتري. مهما بلغت.
- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه).
لم أجد خلافاً في هذه المسألة مع بعض البحث بين الفقهاء في أن مؤونة الرد على المشتري وهو من وجهة نظري قول ضعيف جداً إذا كان البائع يعلم بالعيب.
فإذا كان البائع يعلم بالعيب وأرسل السلعة إلى المشتري عالماً بالعيب ثم اكتشف المشتري العيب فإلزام المشتري برد السلعة على نفقته يتنافى مع الظلم الذي وقع على المشتري لا سيما في وقتنا هذا إذ قد يكون إرسال السلعة ومؤونة تحميلها وإرسالها بالبريد أو بغيره تفوق قيمة السلعة فكيف نلزم المشتري بمؤونة الرد مع أن البائع هو الذي كتم العيب فإذا كان أحد من الفقهاء قال: بأن مؤونة الرد على البائع فهو لاشك الراجح وإن كانت المسألة إجماع بأن مؤونة الرد على المشتري فمؤونة الرد على المشتري وليس للإنسان أن يخرج عن الإجماع.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن تلف المبيع أو عتق العبد: تعين الأرش.
يعني: عند المشتري بأن أكله أو أتلفه بإحراق كالحطب أو بأي صورة من الصور.
هذه الصورة الأولى: إذا تلف المبيع.
(أو أعتق العبد) أي: أو أعتق المشتري العبد فهنا فاتت السلعة لأن العبد صار حراً لا يباع ولا يشترى.
-
يقول رحمه الله:
- تعين الأرش.
يتعين في هذه الصورة الأرش:
- لأن الرد متعذر.
ونحن سبق وأن قلنا أنه إذا تعذر الرد فإنه يتعين الأرش حتى على القول الثاني الذين لا يرون أخذ الأرش إذا اختار المشتري الإمساك.
ففي هذه الصورة كالاتفاق بينهم أنه إذا تعذر الرد فله الأرش لأنه ليس هناك حل آخر.
ثم انتقل المؤلف رحمه الله إلى نوع آخر من التعذرات:
- فقال رحمه الله:
- وإن اشترى ما لم يعلم عيبه بدون كسره، كجوز هند وبيض نعام، فكسره فوجده فاسداً فأمسكه: فله أرشه، وإن رده: رد أرش كسره، وإن كان كبيض دجاج: رجع بكل الثمن.
هذه المسائل واحدة وهي: إذا لم يمكن العلم بالعيب إلا بعد كسر السلعة فهذا ينقسم إلى قسمين:
ـ القسم الأول: ما لمكسوره قيمة مالية. يعني: السلعة التي لها قيمة مالية حتى بعد الكسر. كبيض النعام وجوز الهند. لأن بيض النعام وجوز الهند يستخدم بعد الكسر كإناء أو كوعاء. فلمكسوره قيمة مالية.
فإذا كان لمكسوره قيمة مالية خير المشتري بين أمرين: ـ إما أن يرد السلعة ويرد معها الأرش لأنه أتلف ما لمكسوره ماليه - أتلفه على البائع.
ـ أو يمسك وله الأرش.
ويستثنى من هذا صورة واحدة وهي واضحة عند التأمل وهي: ما إذا كسر هذه السلعة بما لا يفوت ماليتها كأن يكسرها بالنصف فالآن يستطيع البائع أن ينتفع بها تماماً أي: كوعاء. لكن إن كسرها بما يفوت ماليتها فالحكم هو: أنه يخير بين: الإمساك وأخذ الأرش. أو الرد ودفع الأرش.
ـ القسم الثاني: ما ليس لمكسوره مالية كالبيض والبطيخ. فهذه السلع إذا كسرت ليس لقشور البيض ولا لقشور البطيخ أي ثمن ولا ينتفع به بشيء.
فهذا حكمه أن يرجع المشتري بكامل الثمن. لأنا تبينا أن هذه السلعة لا نفع فيها ومن شروط صحة البيع أن يكون المبيع مما ينتفع به.
ويترتب على ذلك: أنه لا يجب على المشتري أن يرد الكسر لا كسر البيض في المثال ولا كسر البطيخ لأنه لا قيمة له شرعاً فلم يلزم برده.
إذاً: عرفنا الآن الفرق بين ما يكسر وله قيمة وما يكسر وليس له قيمة. وأن بينهما فرقاً في النتيجة.
وإذا تأملت وجدت أن هذا معنى كلام المؤلف رحمه الله وقد أوضحه إيضاحاً جيداً:
يقول رحمه الله: (وإن اشترى ما لم يعلم عيبه بدون كسره، كجوز هند وبيض نعام) هذا أمثلة ما لا يعلم عيبه بدون كسره. لكن إذا كان مما ينتفع بكسره (فكسره فوجده فاسداً) فالحكم (أمسكه: فله أرشه، وإن رده: رد أرش كسره).
(وإن كان كبيض دجاج) وهذا هو القسم الثاني الذي ليس لمكسوره مالية (رجع بكل الثمن) لأنا تبينا أنه ليس له قيمة في الشرع.
ثم انتقل المؤلف رحمه الله إلى مدة خيار العيب:
- فقال رحمه الله:
- وخيار عيب متراخ.
(خيار العيب متراخ) يعني: أنه يثبت للمشتري على التراخي ولو لم يبادر برد السلعة.
دليل الحنابلة:
- قالوا: أن هذا الخيار إنما شرع لدفع ضرر متحقق فلم يبطل بالتراخي.
وإذا اختار المشتري الرد فإن السلعة تكون أمانة في يده. هذا كله تفصيل مذهب الحنابلة.
= القول الثاني: أن خيار العيب يثبت على الفور: إما أن يرد أو يمسك.
- لأن في التأخير إيقاع الضرر على البائع والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار).
وهذا القول اختاره شيخ الإسلام ولا يخفى إن شاء الله أنه أرجح القولين.
لأن المشتري: نقول له: إما أن ترد وإما أن تمسك. أما أن لا ترد ولا تمسك فإن هذا لا معنى له وهو من الإضرار بالبائع.
يستثنى من هذا إذا لم يعلم المشتري بالعيب إلا بعد حين.
ويستثنى أيضاً: إذا علم بالعيب ولم يتمكن لظرف خاص من إخبار البائع ولا من تسليم السلعة إلا بعد زمن فكذلك يثبت له الخيار ولو بعد فترة في هاتين الصورتين. أنه معذور.
(الصورة الثانية/ أن يعلم بالعيب لكن لا يتمكن من إخبار البائع ولا من إرجاع السلعة إلا بعد فترة لظرف طارئ فحينئذ له الخيار ولو تباعد الوقت).
-
ثم قال رحمه الله:
- ما لم يوجد دليل الرضا.
هذا مفرع على قول الحنابلة أن خيار العيب يثبت على التراخي يشترط الحنابلة أنه يثبت على التراخي إلا إذا ظهر من المشتري ما يدل على الرضا. كتصرفه. وهو أوضح علامات الرضا.
إذا تصرف بالمبيع ببيع أو هبة أو إهداء فإن هذا من أدلة الرضا.
وهذا مثال/ التصرف مثال. كل ما يدل على الرضا فإنه يقطع خيار العيب.
وظاهر كلام احنابلة هنا أنه من غير الأرش. إذا ظهر منه ما يدل على الرضا مع علمه بعيب السلعة فإن العقد يثبت ولا خيار للمشتري ولا أرش.
= والقول الثاني: أنه إذا ظهر منه ما يدل على الرضا ثبت العقد لكن مع الأرش.
- لأن غاية ما يدل عليه التصرف الرضا بالمبيع دون إسقاط حقه بالأرش.
وهذا القول الثاني هو القول الصحيح إذا قلنا بأخذ الأرش في العيوب.
وتقدم معنا الخلاف في قضية هل يؤخذ الأرش أو لا يؤخذ الأرش؟
- ثم قال رحمه الله:
- ولا يفتقر إلى حكم ولا رضا ولا حضور صاحبه.
(ولا يفتقر) يعني: الفسخ لا إلى الرضا ولا إلى الحضور ولا إلى حكم حاكم.
لماذا؟
- لأن الفسخ من الحقوق الثابتة للمشتري فلا تحتاج مع ذلك إلى رضا ولا حكم حاكم كالطلاق. فالطلاق من حقوق الزوج له أن يطلق بلا رضا الطرف الآخر ولا حكم حاكم.
وكالرجعة فإن الرجعة من حقوق الزوج فله أن يراجع بلا رضا الزوجة ولا الأولياء وبلا حكم حاكم.
وهكذا كل حق ثابت للشخص فله أن يستعمل هذا الحق بدون رضا الطرف الآخر ما دام حقاً خاصاً به.
-
قال رحمه الله:
- وإن اختلفا عند من حدث العيب: فقول مشتر مع يمينه.
مسألة مهمة جداً وتكثر الحاجة إليها: وهي: إذا اختلفا عند من حدث العيب؟
= فالحنابلة يرون أنه إذا اختلف البائع والمشتري عند من حدث البيع فالقول قول المشتري. فقوله مقدم وهو من المفردات التي انفرد بها الحنابلة عن بقية المذاهب الأربعة.
واستدلوا على هذا:
- بأن العيب جزء الأصل فيه عدم التسليم فثبت الخيار لذلك للمشتري.
هذا مذهب الحنابلة وهو كما قلت من المفردات.
= القول الثاني: مذهب الجماهير من اهل العلم - من المذاهب الثلاثة وغيرهم من فقهاء المسلمين أن القول قول البائع.
واستدلوا بدليلين:
- الأول: أن الأصل السلامة من العيوب. فإن العيب الأصل عدمه وهذا صحيح./ الأصل عدم العيب.
- الثاني: استدلوا بحديث ابن مسعود وهو حديث صحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع أو يترادان).
وهذا الحديث نص في أنه عند الاختلاف فالقول المقدم قول البائع.
وهذا القول الثاني هو القول الصحيح.
والسبب: أن الحديث نص في المسألة. فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع أو يترادان).
* * مسألة/ الحنابلة يرون أن القول قول المشتري لكن يشترطون لهذا شرطاً وهو أن لا تخرج السلعة من يده إلى يد شخص آخر فإن خرجت فليس له خيار لأن العيب قد يحدث عند هذا الشخص الآخر.
فإذا أعار المشتري السلعة لأحد أو وضعها عنده أمانة أو خرجت إلى يد شخص آخر بأي سبب من الأسباب حينئذ سقط خيار المشتري لأن العيب قد يحدث عند هذا الشخص الآخر. هذه المسألة مفرعة على اختيار الحنابلة وهو أن يكون القول قول المشتري وعرفت أن الراجح أن القول قول البائع أو يترادان كما في الحديث.
-
ثم قال رحمه الله:
- وإن لم يحتمل إلاّ قول أحدهما: قبل بلا يمين.
إذا دلت القرينة أن قول أحدهما هو الصواب فالقول قوله ولا يطالب باليمين.
- لأنا لا نطالب أحداً باليمين إذا ثبت صدقه وظهر بما لا يدع مجالاً للشك.
فمثلاً/ إذا كان العيب هو عبارة عن زيادة أصبع فقال المشتري هذا العيب موجود من قبل العقد وقال البائع بل هو بعد العقد. فالقول قول من؟ المشتري. لماذا؟ لأنه لا يمكن أن يظهر الأصبع وينبت بساعة فهذا غير مقبول.
مثال آخر/ ((نقص في التسجيل ....................................... ))
مذهب الحنابلة أن خيار التخبير بالثمن يثبت في هذه الصور فقط دون ما داها من الصور.
وهذه الصور: التولية والشركة والمرابحة والمواضعة. يثبت فيها خيار التخبير إذا بان الأمر على خلاف ما أخبر به البائع. وهذه البيوع من أنواع البيوع وإنما اختصت باسم لاختصاصها بصفات كما نقول في السلم. السلم نوع من البيوع لكنه اختص بهذا الاسم لاختصاصه بصفات خاصة به.
كذلك التولية والمرابحة والشركة والمواضعة هي من البيوع لكنها اختصت بهذا الاسم لاختصاصها بصفات معينة.
- قال رحمه الله:
- ويثبت في التولية.
التولية: هو البيع برأس المال مع الإخبار به.
كأن يقول البائع/ بعته عليك بمثل ما اشتريته به.
فإذا قال: بمثل ما اشتريته به فهذا بيع يسمى بيع: تولية. لأنه باع سلعة بنفس ما اشتراها به.
- ثم قال رحمه الله:
- والشركة.
الشركة: أن يبيع بعض السلعة بقسطها من الثمن.
كأن يقول/ شاركتك في هذه السلعة.
وإذا قال: شاركتك وأطلق فالأصل عند الحنابلة أنه شريك معه في النصف لأن الشراكة المطلقة تتقتضي التنصيف.
وإذا قال: شاركتك في هذه السلعة بالربع فعلى المشتري أن يدفع كم؟ ربع الثمن وهو شريك في ربع السلعة.
إذاً: المشاركة هي أن يدخل المشتري مع البائع شريكاً في السلعة بقسطها من الثمن.
وإنما صارت من بيوع التخبير لأنه يبيع عليه جزء السلعة بما أخبر به من رأس المال.
فإذا قال اشتريت هذه السلعة بمائة ريال ثم اشترك معه مشاركة مطلقة فكم سيدفع المشتري؟ خمسين ريالاً.
إذاً: لهذا السبب صارت من بيوع التخبير.
- ثم قال رحمه الله:
- والمرابحة.
المرابحة أن يبيع السلعة برأس لمال وربح معلوم.
فإذا قال البائع بعت عليك هذه السلعة مرابحة عشرة بالمائة واشتريتها بمائة كم سيدفع المشتري؟ مائة وعشرة.
إذاً هي البيع برأس المال مع ربح لابد أن يكون هذا الربح معلوماً.
عكسها المواضعة: وهي أن يبيع برأس المال مع خسارة معلومة.
كأن يقول/ أبيع عليك برأس مالها مع خسارة عشرة بالمائة فإذا اشتراها بمائة فكم سيدفع المشتري؟ تسعين.
إذاً المواضعة هي عكس المرابحة.
وهذه هي صور خيار التخبير وسيأتينا إن شاء الله في الدرس القادم كيفية الخيار والخلاف بين أهل العلم فيه.
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
…
شرح كتاب البيع الدرس رقم (12)
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كنت بالأمس تكلمت عن الخيار الذي يثبت بسبب التخبير بالثمن، وأخذنا تبعاً لذلك البيوع الاربعة وعرفنا ما هي البيوع الأربعة، اليوم نبين ما يتعلق بهذه البيوع الاربعة من أحكام.
- فيقول المؤلف رحمه الله:
- ولابد في جميعها من معرفة المشتري رأس المال.
لابد لصحة هذه البيوع أن يعرف المشتري وأيضاً البائع، لكن المؤلف رحمه الله اكتفى بالمشتري لأن البائع غالباً ما يكون عارفاً بالثمن، لكن في الأصل يشترط معرفة البائع والمشتري لرأس المال، بأن يخبر البائع المشتري عن رأس المال.
علة هذا الوجوب:
- أن معرفة الثمن من شروط صحة البيع كما تقدم معنا، ولا يمكن أن تعرف قيمة هذه السلعة إلا إذا عرف رأس المال، لأنه يبيع برأس المال إما بزيادة أو نقص أو مساوياً، ولا يمكن أن نعرف الثمن إلا إذا عرفنا رأس المال.
فإذاً بيوع التولية والمرابحة والشركة والمواضعة لا تصح إلا إذا بين البائع للمشتري رأس المال، والسبب في ذلك كما قلت: أن معرفة الثمن من شروط صحة البيع، ولا يمكن معرفة الثمن في هذه البيوع الأربعة إلا إذا عرف مقدار رأس المال.
* * مسألة/ ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه يثبت الخيار للمشتري في هذه البيوع الأربع إذا بان أقل أو أكثر، إذا بان الأمر على خلاف ما أخبر به البائع: بين الإمساك والرد.
وقد خالف المؤلف رحمه الله المذهب في هذه المسألة.
عرفنا ما هو قول المؤلف رحمه الله وهو ثبوت الخيار بين الإمساك والرد، وباقي أن نعرف المذهب الذي خالفه المؤلف رحمه الله.
= فالمذهب أن البيع في هذه البيوع الاربع يصح ويقع لازماً ولو أخبر البائع بخلاف الصدق، لكنه يصح ويلزم مع حط الثمن، أي: مع حط المقدار الزائد الذي أخبر به البائع على غير وجه الصدق، ومع حطه أي: الزائد، ومقدار الربح في المرابحة، ومع حطه ومقدار الخسارة في المواضعة.
المثال الموضح: ـ إذا باع شخص على شخص سلعة وأخبره أن رأس المال فيها مائة وباعها تولية، فكم الثمن؟ مائة، ثم إذا تبين أن القيمة الحقيقية لهذه السلعة هي ثمانون، فعلى قول المؤلف رحمه الله: للمشتري الخيار بين الإمساك والرد، وعند الحنابلة ليس له خيار وإنما يقع البيع لازماً ولكن له أن يحط مقدار الزيادة، فيصبح السعر: بثمانون.
كذلك في المرابحة والمشاركة والمواضعة، ففي المرابحة مثلاً: إذا باع عليه السلعة مع ربح عشرة بالمائة، ونحن عرفنا أن المرابحة هي البيع مع ربح معلوم، فإذا باع عليه مع ربح معلوم وهو عشرة بالمائة - في المثال - وأخبره أن رأس المال مائة، فكم الثمن؟ مائة وعشرة، ثم إذا تبين أن الثمن الحقيقي يعني: رأس المال هو: تسعون، فسنحط من الثمن الأصلي عشرة ومن مقدار الربح عشرة بالمائة: واحد لأنك ستنقص من مقدار الربح، فستنقص من رأس المال وستنقص من مقدار الربح بنفس القيمة الحقيقية، فسيدفع بدل مائة وعشرة تسعة وتسعون، فسيدفع بعد خصم ما يقابل رأس المال وما يقابل نسبة الربح، وهكذا في الشركة وفي الوضيعة نفس الشيء، فلو باع وضيعة، يعني: برأس المال وخسارة عشرة بالمائة، ففي المثال إذا أصبح تسعين فسيكون الثمن ثامنين وننقص عشرة بالمائة، وهكذا نجري المثال كما قلنا في المرابحة.
هذا هو القول الثاني وهو الذي يمثل المذهب.
دليل الحنابلة:
- قالوا: أنه إذا ظهر أن البائع تولية أو مرابحة لم يخبر برأس المال على الوجه المطلوب ثم تبين أنه أقل فإن هذا لم يزد المشتري إلا ربحاً، فهو قد رضي بشراء السلعة في المثال بمائة وعشرة والآن أصبحت بتسعة وتسعين، فإذا هذا البيان لم يزد المشتري إلا خيراً، فلا يثبت له الخيار وإنما له أن يحط من الثمن فقط.
وإذا تأملت وجدت أن قولهم قوي جداً وأنه لا معنى لإثبات الخيار بين الفسخ والرد للبائع في مثل هذه الصور لأنه رضي بالأكثر فكيف لا يرضى بالأقل.
= القول الثالث: أنه يثبت الخيار للمشتري مطلقاً.
- لأن المشتري يخشى أن البائع كما خان في الثمن الأول يخون في الثمن الثاني.
- ولأن المشتري قد يكون له غرض في الثمن الأول الذي تبين أنه ليس بصحيح. فيثبت له الخيار.
من أمثلة أن يكون له غرض في الثمن الأكثر أن يكون المشتري قد حلف أن يشتري هذه السلعة بهذا الثمن فهو لا يخرج من يمينه إلا إذا اشتراها بالثمن الأول، فالذي يحقق غرض المشتري هو الثمن الأكثر في مثال المرابحة.
الراجح: الراجح هو المذهب، وأنه لا يثبت الخيار، بل له فقط أن يحط بمقدار الزيادة، إلا إذا تبين أن هناك سبباً يقتصي ثبوت الخيار كالأمثلة المذكورة في القول الثاني.
إذاً نقول الأصل أنه لا يثبت الخيار إلا إذا وجد ما يدعو إلى إثبات الخيار فحينئذ نثبت الخيار، وإلا من حيث الأصل أنه لا خيار، ومذهب الحنابلة وجيه جداًومتوافق مع المنطق وقل أن يكون للمشتري غرض بأن يشتري بأكثر من السعر الذي حصل له بعد اكتشاف خيانة البائع، فهذا قل أن يقع، والحكم في الشرع للغالب لا للنادر، فنحن نقول: الراجح أنه لا خيار والبيع لازم وإنما يحط له من القيمة بمقدار ما زاد البائع.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن اشتراه بثمن مؤجل.
يعني: وإن اشترى البائع هذه السلعة بثمن مؤجل ولم يبين للمشتري أنه اشترى هذه السلعة بهذا الثمن لكن مؤجلاً، فإنه يثبت للمشتري الخيار بين الإمساك والرد، وهذا عند المؤلف رحمه الله.
مثال ذلك: إذا اشترى زيد سلعة (سيارة) بمائة ألف أقساط ثم ذهب يبيع هذه السيارة تولية، و
…
للمشتري الجديد أنه اشترى هذه السيارة بمائة ألف وأنه سيبيع عليه بمثل ما اشترى به يعني تولية، فيقوم المشتري ويدفع مائة ألف ثم يتبين بعد ذلك أنه اشترى هذه السيارة بثمن مؤجل، فعند المؤلف رحمه الله للمشتري الثاني الخيار بين الفسخ والرد لأنه تبين أن البائع غشه بإخبار الثمن من حيث الصفة لا من حيث المقدار.
= والقول الثاني: أنه لا يثبت للمشتري الخيار بل يقع البيع لازماً ولكن للمشتري الثاني الأجل الذي يساوي أجل البائع الأول. فنثبت للمشتري نفس الأجل الذي ثبت للبائع ونجعل البيع لازماً.
- لأن المشترب الثاني لم يزده هذا الحكم إلا خيراً فإنه اشترى في الأول مائة نقداً والآن اشترى بمائة مؤجلاً، وهذا فيه زيادة خير للمشتري كما قلنا في المسألة السابقة.
وهذا هو الراجح، إل في صورة واحدة وهي إذا دخل الضرر على المشتري بسبب التأجيل فحينئذ له الرد، يعني: الفسخ.
من أبرز وأوضح وأشهر الأمثلة على أن يدخل الضرر على المشتري بسبب تمكينه من الشراء مؤجلاً: أن يكون هذا سبباً في إضاعة المال، لأن بعض الناس إذا بقي المال بيده ضاع عليه وصرفه في ما ينفع وما لا ينفع بينما إذا دفع نقداً صار هذا سبباً في حفظ المال، فإذا كان هذا البائع الثاني من الناس الذين لا يحسنون التصرف بالمال فلاشك أن تمكينه من البيع المؤجل فيه إضاعة للمال عليه، فحينئذ يثبت له الخيار بين الفسخ والرد، ولا نقول: إذا خشي من تلف المال فليدفع المال نقداً، لأن البائع باع عليه تولية برأس المال وكتم عنه التأجيل، فثمن هذه السلعة في الواقع إذا أراد أن يشتريها نقداً أقل من مائة، فإذاً لا يجوز أن نلزمه بالدفع إذا كان يضره الانتظار بل له الفسخ لأنه مظلوم.
- ثم قال رحمه الله:
- أو ممن لا تقبل شهادته له.
معنى هذه العبارة: أي إذا اشترى البائع ممن لا تقبل شهادته له كأبيه وابنه وزوجته ولم يخبر المشتري أنه اشترى من هذا الشخص، فحينئذ يثبت للمشتري الثاني الخيار بين الإمضاء والإمساك وبين الرد والفسخ.
وهذا الحكم عند المؤلف رحمه الله وعند الحنابلة، فالمؤلف رحمه الله لم يخالف في هذا الحكم الحنابلة، وإنما خالفهم في مسألة البيع المؤجل، وفي مسألة بيوع التولية إذا أخبر بخلاف الواقع.
التعليل في أنه يثبت له الخيار أن الإنسان إذا باع واشترى مع مثل هؤلاء، مع من لا تقبل شهادته له فإنه غالباً سيراعيه ويجامله وهذا يكون على حساب المشتري الجديد، فالواجب أن يخبر المشتري الجديد أنه اشترى هذه السلعة بهذا الثمن لكن ممن لا تقبل شهادته له، وهذا يؤكد ما تقدم معنا في الدرس السابق أن هذه البيوع - البيوع بتخبير الثمن - أضيق من بيوع السوم، لأنه ملزم بالإخبار عن التفاصيل الدقيقة حتى أنه يجب عليه أن يخبر ممن اشترى إذا كان لهذا أثر على الثمن كما في هذا المثال.
فهو في الحقيقة ما ينبغي أن الإنسان يبيع بيوع تخبير إلا إذا بين كل شيء حتى ما يظن هو أنه ليس له علاقة.
ثم قال رحمه الله:
- أو بأكثر من ثمنه حيلة.
يعني: إذا اشتارى البائع هذه السلعة بأكثر من ثمنها حيلة ليرجع فيبيع هذه السلعة تولية على شخص آخر.
مثاله: أن يشتري الشخص من غلامه الذي أعتقه بثمن مرتفع حيلة فيشتري السيارة التي تقدر بسبعين بمائة ويعطي الثمن لغلامه وهو إذا أعطى الثمن إنما يعطيه لغلامه الحر وهم قالوا الحر لأن العبد لا يشتري من سيده ولا يشتري سيده منه ثم يذهب إلى السوق ويبيع هذه السلعة بيع تولية بمائة وهذه الزيادة حيلة ليتمكن من تصريف هذه السلعة بثمن أكبر من ثمنها الحقيقي، ففي مثل هذه الحالة يثبت الخيار للمشتري بين الإمساك والرد ويعتبر هذا العمل من الغش والخداع للمسلمين، لأنه لا شك خدعه وغشه بأن يشتري بأكثر من ثمنها حيلة.
ـ من ذلك أيضاً وهو أقبح من هذه السورة: أن يشتري من شخص آخر من أجنبي بثمن مرتفع ويتفقا أن الربح الذي يحصل بعد ذلك إذا باعه تولية يقسم بينهما. فيأتي لزيد ويقول: سأشتري منك هذه السلعة بثمن أكثر من ثمنها الحقيقي ليتمكن من بيعها تولية وأقول اشتريت برأس المال لأن كثيراً من الناس إذا جاء ورأى التاجر الذي يعرف الأسعار وقال له التاجر أنا اشتريت هذه السلعة بهذا الثمن سأبيعها بنفس الثمن يتشجع لأنه يعلم أن هذا التاجر لم يخدع فيقول إذا كان هذا التاجر اشترى بهذا السعر فأنا أشتري بهذا السعر فإذا كان التاجر زاد في السعر حيلة ليتمكن من أخذ ربح زائد على الثمن الحقيقي للسلعة فهو حيلة محرمة وهو آثم وللمشتري إذا تبين الأمر الخيار بين الإمساك والرد.
وألحق الفقهاء ثلاث صور ذكرها في الشرح:
ـ الصورة الأولى: المحاباة. أن يشتري بثمن مرتفع محاباة لا حيلة، يعني: أن يأتي شخص إلى رجل فقير يبيع السلع ويشتري منه السلعة التي تقدر بخمسين بمائة محاباة وإعانة له، نقول له: أنت محسن بالإعانة لكن إذا أردت أن تبيع هذه السلعة بتخبير الثمن فيجب أن تخبر برأس المال وأنك اشتريت هذه السلعة محاباة وإعانة للبائع، فإن لم يخبر فإنه يثبت أيضاً للمشتري الخيار بين الإمساك والرد.
- والصورة الثانية: إذا اشترى لرغبة تخصه. إذا كان في السلعة رغبة تخص هذا المشتري الأول بالذات وأما سائر الناس فلا تعنيهم هذه الصفة فإذا أراد الإنسان أن يشتري لرغبة تخصه فسيشتري السلعة مهما ارتفع الثمن، وإن ارتفع عن السعر المعتاد بالنسبة لهذه السلعة لأن فيها صفة خاصة تخصه هو، فإذا اشترى على هذه الطريقة فيجب عليه أن يبين أنه اشتراها لوجود صفة خاصة به وأن سعر هذه السلعة في السوق ليس بهذا الارتفاع الذي اشتراها هو به.
وهذا موجود كأن يشتري سيارة لصفة تخصه هو ولا تخص الناس أو يشتري كتاباً وهذا قد يقع - يخصه هو ولا يخص الناس، مثال ذلك وهو كثير أن يشتري الإنسان مخطوطة باهضة الثمن لأن له فيها حاجة خاصة بأن يراجع مسألة لا توجد إلا في هذا المخطوط أو لأي غرض بينما سائر الناس لا تعنيهم هذه المخطوطة لا من قريب ولا من بعيد فليست من المخطوطات النفيسة ولا فيها زيادة عن غيرها، فإذا أراد أن يبيع وأراد ن يبيع بتخبير الثمن فيجب أن يخبر أنه اشتراها لصفة خاصة به.
- والمثال الأخير: إذا اشترى في موسم يفوت. إذا اشترى في موسم ترتفع فيه بعض السلع ثم فات فلا يجوز له أن يبيع بتخبير الثمن بدون أن يخبر أنه اشترى هذه السلعة في موسم فات.
مثال ذلك: مع بداية الدراسة موسم للأدوات القلمية، ومع قرب الحج موسم لأشياء كثيرة مثل السيارات الكبيرة والهدي والأضاحي التي تهدى للحرم.
فإذا اشتراها بثمن مرتفع بسبب أنها في موسم الحج ثم أراد أن يبيع هذه السلعة فلا يجوز أن يبيع بتخبير الثمن إلا إذا أخبر ألأنه اشتراها في الموسم.
- ثم قال رحمه الله:
- أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن ولم يبين ذلك في تخبيره بالثمن: فلمشتر الخيار بين الإمساك والرد.
أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن ولم يبين ذلك في تخبيره بالثمن، يعني: ثبت للمشتري الخيار بين الإمساك والرد.
صورة هذه المسألة: إذا اشترى الإنسان شيئين بصفقة واحدة بثمن واحد، ثم أراد أن يبيع أحد هذين الشيئين بقسطه من الثمن فإنه يجب عليه وجوباً أن يخبر أنه اشترى هذه السلعة صفقة، يعني: مع سلعة أخرى، بهذا القيد: أن يكون بثمن واحد.
لماذا؟
تعليل أنه يجب أن يخبر: التعليل أن تقسيط الثمن على السلعتين مما تختلف فيه الأنظار وهو من الظن والاحتمال وليس من القطع فيجب أن يعلم المشتري أن تقسيم وتقسيط الثمن على السلعتين قام به البائع حتى يقرر هو هل يشتري أو لا يشتري.
ويستثنى من هذا صورة واحدة: إذا كان البائع الأول اشترى سلعتين متطابقتين تماماً فحينئذ لا يجب عليه حتى لو باع بتخبير الثمن أن يخبر أنه اشترى هذه السلعة صفقة، لأن هذه السلعة كالسلعة الأخرى تماماً فالثمن يقسم على السلعتين بالمناصفة ولا إشكال ولو لم يخبر بالثمن أما إذا اشترى مثلاً سيارتين من نوعين مختلفين صفقة يعني بسعر واحد ثم هو يرى أن هذه السيارة لها ثلث الثمن وهذه السيارة لها ثلثا الثمن وأراد أن يبيع بتخبير الثمن فيجب أن يخبر المشتري الجديد أن تقدير الثمن من سعر الصفقة قام به هو حتى ينظر المشتري الجديد إن رأى أن هذا التقسيم صحيح قبل وإلا رد.
إذاً: هذا هو الحكم.
يقول المؤلف رحمه الله: في الصور السابقة جميعاً من قوله: (وإن اشتراه بثمن مؤجل) هذه المسألة الأولى، والثانية:(أو ممن) والثالثة: (أو بأكثر) والرابعة: (أو باع بعض الصفقة) فالحكم في الصور جميعاً:
فلمشتر الخيار بين الإمساك والرد.
لما تقدم من أن هذه الأعمال تعتبر من الغش والخيانة والخديعة التي تثبت للمشتري الجديد الخيار بين الإمساك والرد.
وتقدم معنا أن المؤلف رحمه الله متوافق مع الحنابلة في المسائل الثلاث الأخيرة وأنه يختلف مع الحنابلة في المسألة الأولى، ففي المسألة الأولى تقدم أن الصواب أنه لا يثبت للمشتري الخيار وهو المذهب وتقدم معنا.
- ثم قال رحمه الله:
- وما يزاد في ثمن أو يحط منه في مدة خيار.
المقصود هنا: خيار الشرط أو خيار المجلس.
فإذا اشترى الإنسان السلعة بثمن معين ثم في مدة الخيار زاد في الثمن أو نقص فإنه يجب على البائع بتخبير الثمن أن يخبر المشتري الجديد بالسعر الأول والزيادة ولا يكتفي بالسعر الأول دون الإخبار بالزيادة أو بالنقص، والتعليل: أن الزيادة أصبحت جزءاً من الثمن الذي هو رأس المال والذي يجب أن يبين في بيوع التخبير، فيجب عليه أن يبين فإن لم يبين يثبت للمشتري الخيار.
مثال هذا: إذا اشترى أرضاً بمائة ألف ثم في مدة خيار المجلس - إن تصور المثال - أو في مدة خيار الشرط وهو يتصور كثيراً ارتفعت الأسعار فجأة فحينئذ سيقول البائع للمشتري إما أن تزيد في الثمن أو أستعمل خيار الشرط وأبطل البيع، فإذا زاد في الثمن واشترى المشتري مع الزيادة فعليه إذا أراد أن يبيع أن يبين رأس المال الأصلي مع الزيادة وكذلك رأس المال الأصلي مع النقص.
- ثم قال رحمه الله:
- أو يؤخذ أرشاً لعيب أو جناية عليه: يلحق برأس ماله ويخبر به.
يعني: وإذا أخذ البائع مع الثمن أرشاً عن العيب أو أرشاً على الجناية على المبيع فإنه يجب عليه أن يبين إذا أراد أن يبيع بالتخبير الثمن الأصلي والأرش المضاف على الثمن.
وقال الحنابلة في هذه الصورة: يجب أن يبين على وجهه، معنى ذلك: أن يقول: اشتريت هذه السلعة بمائة وأخذت أرش العيب ثلاثين، صارر الثمن: سبعين، فلا يجوز له أن يقول: ثمن هذه السلعة سبعين، بل يجب أن يقول: اشتريت هذه السلعة بمائة وأخذت أرش العيب ثلاثين، فأصبح الثمن سبعين.
كذلك الجناية على المبيع: فلو جنى على المبيع الذي اشتراه بمائة وكانت قيمة الجناية ثلاثين فستكون قيمة المبيع سبعين، فيجب أن يبين بالتفصيل ما حصل له.
هذا هو مذهب الحنابلة.
= والقول الثاني: أن له أن يحط الأرش من السعر ويخبر بالباقي، لأن هذا حقيقة السلعة فهي الآن أصبحت بسبعين كما في المثال - مثلاً - وهو إذا أخبر فإنما يخبر بالواقع.
وهذا القول - من وجهة نظري - ضعيف جداً بل يجب أن يخبر بالتفصيل لأن النقص الذي كان بسبب العيب ينقص السلعة، ثم هل يستوي أن يشتري الإنسان السلعة ابتداء بسبعين وبين أن يشتري السلعة بمائة ثم يكتشف عيب ويأخذ أرش هذا العيب وتصبح بسبعين هل يستوي هذا عند المشتري الجديد أن يعلم أو أن لا يعلم ذلك؟ قطعاً أنه لا يستوي فإنه في المثال الثاني ستنقص السلعة لأن نقصان السعر صار بسبب العيب أو بسبب الجناية وكل منهما يسبب نقصان مالية السلعة.
فالصواب: كما قال الحنابلة أنه يجب أن يخبر بدقة وتفصيل، وإذا استثقل هذا التفصيل وهذه الدقة فليبع مساومة ولا يبع بتخبير الثمن.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن كان ذلك بعد لزوم البيع: لم يلحق به.
الإشارة بذلك: فقط إلى مسألة الزيادة والنقص في الثمن دون أخذ أرش العيب أوالجناية فأخذ أرش العيب أو الجناية يجب أن يخبر به مطلقاً ولو بعد العقد.
أما الزيادة والنقص فيجب أن يخبر بها قبل العقد يعني قبل تمام العقد ولا يجب أن يخبر بها بعد تمام العقد.
لماذا؟
- أما وجوب الإخبار بأرش العيب وأرش الجناية فلأن هذا أصبح جزءاً من الثمن الذي يجب أن يخبر به وهذا لا يختلف أن يكون بعد أو قبل العقد.
- وأما عدم وجوب الإخبار بالزيادة والنقص بعد العقد لأن هذه الزيادة أو النقص في الحقيقة ليست من الثمن وإنما هي تبرع.
مثال ذلك: إذا اشترى زيد من عمرو سلعة بمائة ريال ثم لما أراد عمرو أن يسلم مائة ريال قال زيد يكفي أن تسلم تسعين بعد تمام العقد وانتهاء خيار الشرط وخيار المجلس.
في الحقيقة خصم هذه العشرة إنما هي تبرع وليس لها علاقة بقيمة المبيع، فلا يجب على البائع بتخبير الثمن أن يقول أنه خصم لي في هذه السلعة كذا وكذا لأن هذا تم بعد العقد.
وهذا هو مذهب الحنابلة وهو وجيه ومع ذلك أقول: لو أنه أخبر بذلك لكان هو الأولى ما دام يبيع بتخبير الثمن لماذا؟ لأن الغالب أن البائع الأول إنما يحط من الثمن لأنه غالباً يكون رفع سعر السلعة فإذا أراد أن يستلم الثمن الباهض حط له من السعر اختياراً لكن مراعياً سعر السلعة في السوق فينبغي ويتأكد حتى ولو كان بعد العقد إذا حط البائع الأول من الثمن أن تخبر بذلك إلا فتجنب قضية البيع بتخبير الثمن.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن أخبر بالحال فحسن.
يعني: في الأحوال التي لا يجب أن يخبر فيها بالحال فالأولى والأحسن أن يخبر لأن هذا أكمل في الورع وأقرب إلى الصدق.
وبهذا انتهى النوع السادس من الخيار ونبدأ بالنوع السابع.
- قال رحمه الله:
- السابع: خيار لاختلاف المتبايعين.
النوه السابع هو الخيار الذي يثبت بسبب اختلاف المتبايعين ولاحظ أن المؤلف رحمه الله أطلق الاختلاف لأنه سيبين أنواع هذا الاختلاف إذ قد يكون الاختلاف في قدر الثمن وقد يكون في قدر المثمن وقد يكون في نوع السلعة وقد يكون في نوع الثمن وقد يكون في اشتراط شرط وقد يكون في التأجيل وقد يكون في الرهن.
إذاً أنواع الاختلافات بين البائع والمشتري كثيرة ولذلك أطلق ثم سيبين كل نوع على حدة.
بدأ الشيخ بالاختلاف المتعلق بقدر الثمن وإنما بدأ به المؤلف رحمه الله لأنه أكثر أنواع الاختلافات بين المتبايعين فإن الاختلاف غالباً هو في القيمة في قدر الثمن، قد يكون فيه اختلاف في السلعة وسيأتينا لكن الغالب أنه في قدر الثمن. = المذهب:
- يقول المؤلف رحمه الله:
- فإذا اختلفا في قدر الثمن تحالفا.
إذا اختلفا في قدر الثمن فالحكم عند الحنابلة أن يحلف كل منهما - سيأتينا من يبدأ وكيف يبدأ؟ - لكن نحن الآن معنيون بالحكم الأصلي تحالفا ثم إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر انفسخ البيع. هذا هو الحكم عند الحنابلة. ولو أن المؤلف رحمه الله قال: تحالفا ولكل الفسخ ثم بين طريقة الحلف لكان أوضح وأكمل في الحكم. على كل الآن نقول: إنه إذا اختلفا في قدر الثمن في قدر الثمن تحالفا ثم إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر - كما سيأتينا - انفسخ البيع.
الدليل:
- قالوا: الدليل على هذا: أن كلاً من البائع والمشتري مدع لما ينكره الآخر فكل منهما مدع من وجه ومنكر من وجه آخر. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (البينة على المدعي، واليمين على من أنكر) وهنا كل منهما منكر، فاليمين على كل منهما. هذه وجهة نظر الحنابلة.
= القول الثاني: أن القول قول البائع ليمينه أو يترادان.
واستدل هؤلاء:
- بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إذا اختلف البيعان فالقول قول البائع أو يترادان). فالحديث نص وهو حديث صحيح.
= والقول الثالث: أن القول قول المشتري.
- لأنه منكر لوجوب الثمن عليه، وفي الشرع القول قول المنكر بيمينه.
والراجح والله أعلم القول الثاني. لأن حديث ابن مسعود نص في المسألة.
لكن أشار الشيخ الفقيه ابن قدامة إلى شيء لو تأملت أنت أيضاً لوجدته وهو أن القول الأول والقول الثاني في المعنى متقاربان جداً أو متفقان، لأن القول الثاني القول قول البائع لكن إذا لم يرض المشتري يترادان بنص الحديث وفي القول الأول يتحالفان وإذا لم يرض أحدهما بالقول الآخر أيضاً فسخ البيع. فهما في الحقيقة متقاربان لكن نقول ما دام النبي صلى الله عليه وسلم أثبت القول للبائع فنحن نقول للمشتري القول قول البائع إن رضيت وإلا خذ الثمن وانصرف.
إذاً القول الراجح هو القول الثاني مع العلم أن القول الأول والثاني متقاربان.
- ثم قال رحمه الله: مبيناً كيفية الحلف:
- فيحلف بائع أولاً.
يجب أن يبدأ البائع بالحلف.
لأمرين:
- الأمر الأول: أن جانبه أقوى لأن السلعة سترجع إليه عند الفسخ وهذا نوع قوة في جانبه.
- والأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود جعل القول قول البائع يعني بيمينه فإذاً نبدأ به.
= والقول الثاني: أنا نبدأ بالمشتري. لأنه منكر.
والصحيح مذهب الحنابلة: أنا نبدأ بالبائع. لأن جانبه أقوى لاشك لا سيما مع وجود حديث ابن مسعود.
- ثم قال رحمه الله:
- ((مَا بِعْتُهُ بِكَذَا وَإِنَّمَا بِعْتُهُ بِكَذَا)).
اشتملت العبارة على أن يمين البائع يجب أن يشتمل على نفي وإثبات ويجب أن يبدأ بالنفي.
أما اشتماله على النفي والإثبات فلتحقيق السعر لأنا نطلب من البائع أن يثبت السعر الذي يدعيه وأن ينفي السعر الذي يدعيه المشتري وأما
أنه يبدأ بالنفي فلأن شأن اليمين في الدعاوى أنها للنفي لأن البينة على المدعي واليمين على من أنكر فهو ينكر وينفي فلذلك دائماَ الشأن في أيمان الدعاوى أن يبدأ بالنفي.
وما ذكروه وجيه سواء لاشتماله على نفي وإثبات وأيضاً البدء بالنفي فهو وجيه ولا ضرر بإلزام البائع بهذا ولا يفوت عليه المقصود.
- ثم قال رحمه الله:
- ثم يحلف المشتري: ((مَا اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ بِكَذَا)).
ما قيل في البائع يقال في المشتري تماماً فإن السبب الذي جعلنا نقدم البائع هو السبب الذي جعلنا نؤخر المشتري، وأما مسألة أن يجمع بين النفي والإثبات وأن يبدأ بالنفي للعلل السابقة.
-
ثم قال رحمه الله:
- ولكل الفسخ: إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر.
إذا تحالفا لا يخرج الأمر عن أنواع:
ـ النوع الأول: أن ينكل أحدهما عن اليمين. فإذا قلنا لهما تحالفا وأحدهما قال لن أحلف فالحكم إذا نكل أحدهما عن اليمين أن القول قول الآخر.
والدليل على ذلك: قصة ابن عمر مع زيد وعثمان رضي الله عنهما فإن ابن عمر لما رفض اليمين حكم عليه عثمان ورد السلعة.
ـ الثاني: أن يتحالفا ثم يرضى أحدهما بقول الآخر فيسلم ويقول فعلاً ما ذكره الآخر صحيح فحينئذ يقع البيع لازماً وينفذ وتنتهي الدعوى.
ـ الثالث: أن يتحالفا ولا يرضى أحدهما بقول الآخر فحينئذ وهو الذي يريد المؤلف رحمه الله أن يشير إليه يحصل فسخ للعقد وينتهي العقد ويأخذ البائع السلعة والمشتري الثمن. لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أو يترادان).
فإذا لم يرض أحدهما بقول الآخر فسخ البيع.
- قال رحمه الله:
- ولكل الفسخ: إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر.
الفسخ لا يحصل بمجرد التحالف وإنما لا يحصل الفسخ إلا بتصريحهما بالفسخ فإذا انتهى التحالف نقول لهما: هل رضي أحدكما بقول الآخر؟ فإذا قالا: لا. فماذا نقول؟ افسخا العقد. لماذا؟ لأن هذا العقد عقد صحيح لازم مستوفي الشروط ر نفسخ بمجرد التحالف وإنما يحتاج إلى فسخ بإرادة المشتري والبائع.
إذاً نقول لا يقع الفسخ بمجرد التحالف بل لابد من التصريح بالفسخ، ولا يقع الفسخ أيضاً بمجرد عدم الرضا بل لابد من الفسخ، وهذه تدقيقات عند الفقهاء لكن بالنسبة للعوام الأمر يرجع للعرف إذا رأى أنهما تفاسخا بمجرد اليمين أو بعدم الرضا بالثمن أو بالسلعة حصل الفسخ لأن الفسخ أمر يرجع إلى عرف الناس.
-
ثم قال رحمه الله:
- فإن كانت السلعة تالفة: رجعا إلى قيمة مثلها، فإن اختلفا في صفتها: فقول مشتر.
هذه المسائل ملحقة بمسألة اختلاف المتبايعين.
المسألة الأولى يقول رحمه الله:
فإن كانت السلعة تالفة: رجعا إلى قيمة مثله.
إذا اختلفا في السلعة ثم تلفت فإنهما يتحالفان على التفصيل السابق تماماً فإن رضي أحدهما بالقول الآخر وإلا انفسخ العقد.
إذاً لماذا أعاد المؤلف رحمه الله هذه المسألة مع أن لها نفس حكم المسألة الأخرى؟
ليبين ما هو العوض، وهو قوله:(رجعا إلى قيمة مثلها) أما الاختلاف في السلعة سواء كانت تالفة أو ليست بتالفة فهو واحد: أنهما يتحالفان ثم يحصل الفسخ.
= القول الثاني: في هذه المسألة إذا تلفت السلعة أنهما لا يتحالفان وإنما القول قول المشتري.
- لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة فالقول قول البائع أو يترادان) فمفهوم الحديث أنه إذا كانت السلعة ليست قائمة فالقول قول المشتري.
والصحيح: الأول وأن حكم هذه المسألة حكم المسالة السابقة والجواب عن هذا الحديث أن الإمام أحمد حكم على هذه الزيادة بالضعف والشذوذ وأن الرواة الذين رووا هذا الحديث لم يزيدوا هذه الزيادة وإنما زاده رجل واحد فيه ضعف.
الخلاصة: أن هذه الزيادة ضعفها الإمام أحمد.
إذاً تبين معنا حكم الإختلاف على السلعة التالفة.
- قال رحمه الله:
- رجعا إلى قيمة مثلها.
ظاهر كلام المؤلف رحمه الله أنه إذا تلفت السلعة نرجع إلى قيمة المثل مباشرة بدون نظر هل يوجد مثلها أو لا يوجد؟ وهذا مذهب عامة الحنابلة فجماهير الحنابلة يرون أنه في هذه الصورة نرجع إلى القيمة لا إلى المثل.
= وذهب أحد الحنابلة وهو الشيخ مجد الدين بن تيمية إلى أنه في هذه الصورة ننظر إن كان للسلعة مثل أتينا بالمثل وإلا رجعنا إلى القيمة، فنبدأ بالمثل، فإن لم يوجد رجعنا إلى القيمة.
وما اختاره الشيخ - هذا الشيخ الجليل - هو الصحيح، فما دام أنا نستطيع أن نوجد مثل هذه السلعة فلماذا نذهب إلى القيمة؟
وهذا الشيخ - مجد الدين - له ترجمة في ذيل طبقات الحنابلة بينه وبين ابن قدامة مراسلات لطيفة جداً طيب أن طالب العلم يطلع عليها فيها من العلم والأدب شيءٌ كثير جداً، فقد حصل بينهما مراسلات كثيرة في مسألة من المسائل وكتب له الشيخ ابن قدامة كتاب ينضح بالأدب والعلم والتواضع مع أنه يخالفه وبين له قوله وأدلته. ((الأذان)) ..
- قال رحمه الله:
- فإن اختلفا في صفتها فقول مشتر.
فإن اختلفا في صفتها فقول مشتر) الضمير في صفتها يعود للسلعة التالفة، يعني: إذا اختلفوا في صفة هذه السلعة التالفة فزعم البائع أن صفتها كذا والمشتري أن صفتها كذا فالقول قول المشتري.
لماذا؟
لأن القاعدة عند الفقهاء أن القول قول الغارم دائماً، فإذا اختلف اثنان أحدهما غارم والآخر غير غارم فالقول قول الغارم.
ما هو دليل هذه القاعدة؟
دليل هذه القاعدة: القاعدة الأخرى المتفق عليها: وهي: أن الأصل براءة الذمة.
فإذا تلفت السلعة وزعم البائع أن - مثلاً - العبد - لو كانت السلعة كاتب - وزعم المشتري أن العبد عامي لا يكتب ولا يقرأ فالقول قول المشتري. لماذا؟
لأنه غارم.
وجه الغرم: أنه إذا أثبتنا هذه الصفة فقيمة هذا المتلف سترتفع، ونفي الشيء في السلع الأخرى: السيارات المطعومات فكل صفة يزيد بها الثمن.
وكذلك: لو زعم البائع أن المشتري اشترى منه سيارتين والمشتري يقول اشتريت سيارة واحدة فالقول قول المشتري. لماذا؟ لأنه غارم. لأنا لو أخذنا بقول البائع للزم أن يدفع المشتري قيمة سيارتين فهو غارم فالقول قوله.
هذا من حيث الأصل والقاعدة، أما إذا دلت القرائن والبينات والأدلة على خلاف ذلك فلا شك أن القاضي سيأخذ بالبينات والأدلة، لكن الأصل أن القول قول المشتري.
- ثم قال رحمه الله:
- وإذا فسخ العقد: انفسخ ظاهراً وباطناً.
يعني: في حق المشتري والبائع، لأن هذا الفسخ إنما ثبت لحق من عليه الظلم دفعاً لهذا الظلم، وهذه المسألة تحتاج إلى مزيد تفصيل نرجئها للدرس القادم.
شرح كتاب البيع الدرس رقم (13)
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
- قال رحمه الله:
- فإذا فسخ العقد انفسخ ظاهراً وباطناً.
تقدم معنا بالأمس أن الحنابلة يرون أنه في الصور التي نحكم فيها بانفساخ العقد فإن العقد ينفسخ في الظاهر والباطن.
ومعنى الظاهر والباطن: يعني في أحكام الدنيا وأحكام الآخرة وهذا بالنسبة للمشتري وبالنسبة أيضاً للبائع.
دليل الحنابلة على هذا:
- أن هذا الفسخ ثبت لتلافي الظلم الواقع في وجود الخلل فهو مقيس على الفسخ بالعيب والفسخ بالعيب يقع ظاهراً وباطناً في حق المشتري وفي حق البائع.
= والقول الثاني: أن الفسخ يقع فسخاً في الظاهر والباطن في حق الصادق ويقع فسخاً في حق الظاهر فقط بالنسبة للكاذب. ويكون أخذه لما أخذ أي الكاذب ظلماً وتصرفه كتصرف الغاصب.
- لأن ليس له حق في أخذ هذا الثمن أو المثمن حسب ما يكون الكاذب.
إذاً القول الثاني أنه فسخ في الظاهر والباطن في حق الصادق دون الكاذب. سواء كان البائع أو المشتري - يعني سواء كان الكاذب البائع على المشتري فإنه لا ينفسخ في حقه إلا ظاهراً دون الباطن ويحاسب على هذا الغش يوم القيامة ويعاقب عليه.
-
ثم قال رحمه الله:
- وإن اختلفا في أجل أو شرط فقول من ينفيه.
إذا اختلفا هل اشترطا هذا الشرط أو لم يشترطاه؟ أو هل أجل الثمن أو لم يؤجل؟ فإن القول قول من ينفيه: سواء كان النافي هو البائع أو النافي هو المشتري.
والدليل على ذلك:
- أن الأصل براءة الذمة والأصل العدم.
ودائماً القول مع من يؤيده الأصل والظاهر.
والقول الثاني: أنه إذا اختلفا في الشرط أو الأجل ونحوهما فإنهما يتحالفان على قاعدة المذهب السابقة.
والراجح: أن القول قول من ينفيه. لأن الأصل عدمه.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن اختلفا في عين المبيع: تحالفا وبطل البيع.
إذا اختلفا في عين المبيع: كأن يقول المشتري: اشتريت منك هذه السيارة. ويقول البائع: بل بعتك السيارة الأخرى.
فالآن حصل اختلاف في عين المبيع.
فالحكم: يقول المؤلف رحمه الله: (تحالفا وبطل البيع) الحكم: أنه ليس القول قول المشتري ولا القول قول البائع بل يتحالفان.
الدليل؟ الدليل على ذلك:
- أن كلاً منهما يدعي ما ينكر الآخر.
فالبائع يدعي أن هذه هي السلعة والمشتري ينكر ذلك.
والمشتري يدعي أن تلك هي والبائع ينكر ذلك.
= والقول الثاني: أن القول قول البائع.
- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا اختلفا المتبايعان فالقول قول البائع أو يترادان)
فالاختلاف في تعيين المبيع كالاختلاف تماماً في الثمن.
والراجح إن شاء الله أنه القول قول البائع. وكما تقدم معنا التنبيه إلى ما ذكره ابن قدامة في المسألة السابقة وكذلك هنا وهو أن القول الأول والثاني متقاربان.
-
ثم قال رحمه الله:
- وإن أبى كل منهما تسليم ما بيده حتى يقبض العوض والثمن عين: نصب عدل يقبض منهما.
إذا تم البيع بشروطه وأركانه وصح ولزم ثم اختلفا هل يبدأ البائع بتسليم السلعة أو المشتري بتسليم الثمن؟ ولم يتفقا فإنه ينصب لهما عدل يأخذ منهما ويسلم كل واحد منهما حقه. فلا نقدم المشتري ولا نقدم البائع.
الدليل أنا لا نقدم أياً منهما؟ الدليل على ذلك:
- أنهما استويا في الحق فلا وجه لتقديم أحدهما على الآخر.
فصار الحكم أن ينصب عدل خارج عنهما ليستلم منهما ويسلم كل واحد منهما نصيبه.
= والقول الثاني: أن المشتري يلزم بدفع الثمن.
= والقول الثالث: أن البائع يلزم بدفع السلعة.
والصواب: الأول. لأنه لا يوجد أي معنى يجعلنا نوجب على المشتري أن يبدأ ولا على البائع أن يبدأ. لأنهما مستويان. فالصواب إن شاء الله مع مذهب الحنابلة في هذه المسألة.
- قال رحمه الله:
- ويسلم المبيع ثم الثمن.
يعني: يجب على العدل أن يسلم المبيع أولاً. لمن؟ للمشتري. ثم يسلم الثمن: للبائع.
هكذا مذهب الحنابلة: أنه يبدأ بتسليم المبيع أولاً.
= والقول الثاني: أن العدل يسلمهما معاً. فيسلم هذا الثمن وذاك السلعة في وقت واحد.
وإذا تأملت تجد أن القول الثاني ينسجم مع المسألة الأولى لأنا إذا كنا نقول يجب أن ينصب رجل عدل يأخذ منهما ولا نلزم أحدهما أن يبدأ كذلك هذا العدل لماذا نلزمه أن نلزمه أن يبدأ بالسلعة قبل الثمن بأي شبء نستدل على هذا الإلزام؟
إذاً: الأقرب إن شاء الله: أن نقول يسلمهما معاً.
ولا يخفى عليك إن شاء الله أن هذه المسألة إلى حد كبير: نظرية. يعني: يبعد أن يقع التنازع إلى درجة أن يقول أينا يسلم الثمن وأينا
…
ثم هذه المسألة قد لا نحتاج إليها من الأساس في وقتنا هذا لأنه إذا لم يركن أحدهما للآخر فبإمكانه أن يستخدم طريقة أخرى في السداد تضمن له إذا لم يستلم السلعة أن لا يستلم البائع الثمن بأن يكتب له شيك ومن خصائص الشيك أنه بإمكان محرر الشيك إيقاف التعامل به لاحقاً. فإذا أعطاه شيك ولم يستلم السلعة فبإمكانه بعد ذلك أن يوقف هذا التعامل. وهذا أولى وأحسن وابعد من إقامة عدل يستلم منهما ثم يسلمهما معاً.
إذاً بالإمكان تفادي هذا الاختلاف في وقتنا هذا باستخدام طرق أخرى في السداد.
-
ثم قال رحمه الله:
- وإن كان ديناً حالاً: أُجبر بائع ثم مشتر إن كان الثمن في المجلس.
إذا كان الثمن ديناً حالاً أجبر أولاً البائع ثم المشتري.
تعليل الحنابلة: تعليلهم:
= أن تعلق الحق بالعين أكبر من تعلق الحق بالدين.
فمن تعلق حقه بالعين مقدم على من تعلق حقه بالدين ولذلك نبدأ به. ثم نلزم المشتري بدفع الثمن حالاً.
- لأنه بتسلم المشتري السلعة وجب عليه وثبت في حقه جفع الثمن وهو حال وموجود فيجب أن يبادر بدفع الثمن مباشرة.
إذاً: إذا كان ديناً حالاً فهذا هو الحكم.
وقد نقول فعلاً إذا كان الثمن ديناً حالاً نبدأ بالمشتري لأن تعلق حقه بالعين مقدم على التعلق بالدين ونحن نحفظ حق البائع بأن نوجب على المشتري بالمبادرة بدفع الثمن.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن كان غائباً في البلد: حجر عليه في المبيع وبقية ماله حتى يحضره.
يعني: وإذا كان الثمن غائباً داخل البلد وكذلك لو كان خارج البلد دون مسافة القصر فإنا نجبر البائع على تسليم المبيع ولكن نحفظ حقه بأن نحجر على المبيع بل وعلى بقية مال المشتري إلى أن يدفع الثمن.
التعليل: قال الحنابلة في تعليل وجوب الحجر:
- لئلا يؤدي ذلك إلى ضياع حق البائع.
وبهذا نكون حفظنا حق كل منهما فأوجبنا على البائع أن يسلم المبيع وأوجبنا على المشتري أن لا يتصرف لا في المبيع ولا في بقية ماله إلا ان يدفع المال - أي الثمن إلى البائع كاملاً.
وبذلك نأمن عدم ضياع حق البائع.
-
ثم قال رحمه الله:
- وإن كان غائباً بعيداً عنها أوالمشتري معسر: فللبائع الفسخ.
إذا كان بعيدا: ويقصد الحنابلة بالبعيد ما هو: مسافة قصر.
أو كان ديناً على معسر. ففي هذه الصورة لا نلزم البائع بدفع السلعة بل نخير البائع بين الفسخ وبين أن يدفع السلعة وينتظر ولا نلزمه بيدفع السلعة.
لماذا؟ لأن في إلزامه بدفع السلعة ضرر عليه لأن ذلك يستلزم أن ينتظر إلى أن يدفع المشتري الثمن وهذا الانتظار فيه ضرر على البائع.
= القول الثاني: في المسألتين: المسألة الأولى: إذا كان غائباً. والمسألة الثانية: إذا كان بعيداً.
ان البائع لا يلزم بدفع السلعة حتى يحضر المشتري الثمن.
التعليل؟ التعليل: - أن مبنى البيوع على الرضا والبائع إنما رضي بدفع السلعة حين يتمكن المشتري من دفع الثمن. ولذلك له ان يؤخر دفع السلعة إلى أن يحضر المشتري الثمن.
ولا شك أن هذا القول الثاني: أقرب إلى مقاصد الشرع وأحفظ للحقوق وأبعد عن التنازع ولذلك كله فهو إن شاء الله الراجح.
ثم انتقل رحمه الله إلى الخيار:
- فقال رحمه الله:
- ويثبت الخيار للخلف في الصفة.
هذا هو النوع الثامن والأخير من أنواع الخيار.
وهو الخيار الذي يثبت للخلف في الصفة.
معنى ذلك: تقدم معنا أن من شروط صحة البيع: العلمى بالمبيع. وأن العلم بالمبيع يحصل بأحد طريقين: ـ إما الرؤية. ـ أو الوصف.
فإذا علم المشتري بالمبيع عن طريق الوصف ثم حضرت السلعة فوجد أن الصفة تختلف عن الوصف الذي تم في مجلس العقد فيثبت له حينئذ خيار يسمى خيار الخلف في الصفة. وله أن يفسخ العقد.
التعليل؟ التعليل:
- أنه إنما اشترى هذه السلعة بصفة اتفقا عليها فإذا ظهر المبيع مغايراً لهذه الصفة ثبت له الحق في الفسخ.
وهذا القول: أنه يثبت له الحق إذا اختلفت الصفة هو القول الصحيح إن شاء الله وكما قلت متوافق مع إعطاء كل ذي حق حقه.
= والقول الثاني: أنهما يتحالفان.
لكن الصواب أن الحق يثبت للمشتري.
* * المسألة الثانية:
- يقول رحمه الله:
- وتغير ما تقدمت رؤيته.
يعني: إذا اشترى عن طريق الرؤية المتقدمة. فإذاً: يجب أن تعلم أن هذا الخيار يثبت في الرؤية المتقدمة لا في الرؤية المقارنة للعقد. فالرؤية المقارنة للعقد ليس فيها خيار. إنما يثبت في الرؤية المتقدمة.
فإذا رأى السلعة اليوم وعقد على هذه السلعة من الغد بناء على الرؤية المتقدمة ثم لما رأى السلعة بعد العقد وجد أنها متغيرة: يثبت أيضاً له خيار يسمى خيار الخلف في الصفة.
هذا مذهب الحنابلة: أنه يثبت له الخيار لاختلاف صفة المبيع. قال الفقهاء - أو كثير منهم: لا سيما في المطعومات لسرعة التغير.
= القول الثاني: أن القول قول البائع.
الدليل:
- أن الأصل المتقرر هو عدم التغير. ومن قوله معه الأصل فيقبل والأصل هو عدم التغير.
وهذا صحيح: هل الأصل في السلعة أن تتغير أو أن لا تتغير؟ الأصل أن لا تتغير. التغير وصف طاريء.
= القول الثالث: أن القول ليس للمشتري ولا للبائع بل يتحالفان.
والذي يظهر والله أعلم: أن هذا القول الثالث: أقرب. أنهما يتحالفان. ونتيجة أن يتحالفان: ما هي النتيجة؟ أنه عند عدم الرضا: الفسخ. فيجب أن تفهم أنه إذا اخترت هذا القول وأفتيت المتبايعان إذا اختلفا به فهذا يعطي فرصة للمشتري بفسخ العقد.
فيجب أن يتصور الإنسان ماذا ينبني على القول قبل أن يرجحه.
إذاً: على كل حال: نقول: هذا القول: أن يتحالفا أقرب لأنه لا يوجد معنىً واضح يرجح به جانب لا المشتري ولا جانب البائع. باعتبار أن الصفة متقدمة والصفة المتقدمة قد يحصل فيها تغيير.
بهذا انتهى الفصل المتعلق بالخيارات وننتقل إلى الفصل الذي يليه.
فصل
[في التصرف في المبيع قبل قبضه، وما يحصل به قبضه]
- قال رحمه الله:
- (فصل) ومن اشترى مكيلاً ونحوه: صح ولزم بالعقد.
هذا الفصل خصصه المؤلف رحمه الله للحديث عن أمور غاية في الأهمية:
ـ الأمر الأول: الضمانات. على من يكون الضمان؟
ـ الأمر الثاني: التصرف. يعني: متى يجوز للمشتري أن يتصرف في السلعة.
ـ الأمر الثالث: وهو أيضاً: مهم: القبض وحقيقته.
وهذا الباب يعتبر من أكثر أبواب البيوع غموضاً ودقة. وقد اعترف شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى أن هذا الباب له مآخذ قد تخفى على بعض العلماء قال رحمه الله: ولهذا السبب - يعني: ولأنها تخفى - كثر تنازع الفقهاء واختلافهم فيها.
فكثرة التنازع والاختلاف من الفقهاء كانت نتيجة لخفاء مآخذ بعض مسائل القبض والضمان.
ولذلك: نحتاج حميعاً أن نأخذ هذا الفصل بهدوء وأن نحاول أن نفهم هذا الباب وستلاحظ أنه ينبني على هذا الباب عشرات المسائل لا سيما في وقتنا هذا المعاصر.
والمؤلف رحمه الله في الحقيقة رتب ترتيباً منطقياً يسهل على الإنسان أن يتدرج في مسائل القبض ثم الضمان ثم التصرف بعد ذلك.
- يقول رحمه الله:
- ومن اشترى مكيلاً ونحوه.
من اشترى مكيلاً ونحوه: المقصود بنحو المكيل: المذروع والموزون والمعدود.
أو نقول بعبارة أوسع وهي قاعدة: المقصود: (بنحوه) كل ما يحتاج إلى توفيه. فكل مبيع يحتاج إلى توفيه فهو داخل عند الحنابلة ونحن ما زلنا نقرر ونشرح مذهب الحنابلة ثم ننتقل إلى غيره.
المهم إذاً: كل ما يحتاج إلى توفيه وأشهر وأبرز الأمثلة: الموزون. والمكيل. والمذروع. والمعدود. هذه الأمور تحتاج إلى توفيه وهي داخلة في الأحكام التي سيذكرها المؤلف رحمه الله.
-
قال رحمه الله:
- ومن اشترى مكيلاً ونحوه: صح ولزم بالعقد.
يعني: ان إجراء العقد المستوفي للشروط الخالي عن الخيارات ينتج عنه لزوم العقد.
فهذه العقود لازمه من حيث تقع.
أما مسألة الضمان ومتى يجوز للمشتري أن يتصرف فهي مسائل أخرى.
أما العقد فهو لازم ولا يستطيع المشتري أن ينفك عنه ولا البائع أن ينفك عنه إلا برضا الطرفين.
- ثم قال رحمه الله: (وهو بيت القصيد)
- ولم يصح تصرفه فيه حتى يقبضه.
أفادنا المؤلف رحمه الله أن المبيعات إذا كانت مما يحتاج إلى توفيه كالمكيل والموزون ونحوه فإنه لا يجوز للإنسان أن يتصرف فيها إلا بعد القبض.
ومفهوم كلام المؤلف رحمه الله أنه سواء كانت هذه الموزونات والمكيلات من المطعومات أو من غير المطعومات.
وهذا مذهب الحنابلة. أنه لا يشترط في هذه الموزونات والمكيلات أن تكون مطعومة ولا أن تكون غير مطعومة بل الأمر عام.
إذاً: الموزونات والمكيلات والمعدودات والمذروعات لا يجوز للإنسان إذا اشتراها أن يبيعها إلا بعد القبض.
ويستثنى من هذا عند الحنابلة صورة واحدة وهي: بيع الجزاف. إذا باعه جزافاً بدون تقدير فإنه يجوز له ان يبيعه قبل أن يقبضه.
الدليل: استدل الحنابلة بنصوص صحيحة في الصحيحين ومسند أحمد وسنن أبي داود ثابتة لا إشكال فيها عن ابن عباس وابن عمر وجابر وغيرهم من الصحابة:
- ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اشترى أحدكم طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه) وفي لفظ آخر: (حتى يستوفيه)
وجه الاستدلال بالحديث: قالوا: أن المطعومات في العهد النبوي لا تباع إلا كيلاً فدل الحديث على أن ما بيع بالكيل لا يجوز أن يتصرف فيه الإنسان حتى يقبضه. وقسنا على المكيلات كل ما يحتاج إلى توفيه كالمعدود والمذروع والموزون.
إذاً: حديث ابن عباس عند الحنابلة يدل على المكيلات بالذات ويقاس عليه ما يحتاج إلى توفيه: بجامع: أن كلاً من المكيل والمزوزن والمعدود والمذروع كل منها يحتاج إلى توفيه.
ويلحق بالمكيل ونحوه عند الحنابلة: المبيع بالصفة والمبيع برؤية متقدمة ولو لم يكن مكيلاً ولا موزوناً ولا معدوداً يعني ولو كان مما لا يحتاج إلى توفيه.
إذا: عند الحنابلة الآن صار الذي لا يجوز أن يتصرف فيه المشتري قسمان:
ـ الموزون والمكيل ونحوه.
ـ والثاني: ما بيع بصفة أو رؤية متقدمة ولو لم يبع عن طريق الكيل والوزن والعد والذرع.
هذا هو خلاصة مذهب الحنابلة.
= القول الثاني: في هذه المسألة. أنه لا يجوز لمن اشترى السلعة أن يبيعها إلا بعد القبض مهما كان نوع السلعة ومهما كانت طريقة الاشتراء: بالقدر أو جزافاً.
ومهما كانت طبيعة السلعة مطعومة أو غير مطعومة.
يعني: العموم المطلق.
لا يجوز للإنسان أن يبيع شيئاً إلا إذا قبضه.
وهذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله وهو مذهب الظاهرية واختاره شيخ الإسلام بن تيمية وابن القيم وذهب إليه عدد من المحققين.
دليل هؤلاء: استدلوا:
- بحديث زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع وأمر أن تنقل إلى رحال التجار.
فقوله في الحديث: (السلع) يشمل جميع أنواع السلع فإنه لم يحدد مطعوماً ولا غير مطعوم ولا مكيل ولا غير مكيل ولا ما يحتاج إلى توفيه ولا ما لا يحتاج إلى توفيه ولا ما بيع بقدر ولا ما بيع بجزاف. فقوله: (السلع) عام.
- الدليل الثاني: أن ابن عباس رضي الله عنه راوي حديث الطعام والكيل لما روى الحديث قال: ولا أحسب كل شيء إلا مثله. يعني: ولا أحسب إلا جميع السلع حكمها حكم الطعام المذكور في الحديث المرفوع.
ومن أولى وأهم من يفسر الحديث راويه لا سيما إذا كان فقيها مثل ابن عباس يفمه معنى الكلام وينزله على الأحكام.
- الدليل الثالث: أن هذا مذهب كثير من الصحابة منهم ممن روي عنه بإسناد صحيح منهم جابر وابن عباس. مع أن جابراًَ وابن عباس من الذين رووا أحاديث وجوب القبض قبل بيع المبيع.
= القول الثالث: أنه يجوز بيع أي مبيع قبل قبضه مطلقاً عكس القول الثاني. وإلى هذا ذهب عثمان البتي ويروى عن الشيخ الفقيه عطاء بن ابن أبي رباح.
أما عثمان فأظنه يصح عنه. وأما عطاء فلا أظن أن هذا القول يصح عنه وهو رجل يعلم السنن والأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تحصر.
وهذا القول غاية في الضعف ولذلك تجد أن ابن عبد البر لما حكى هذا القول لم يشتغل بالرد عليه وإنما اشتغل بالاعتذار لقائليه فقال: أحسب أنهم لم تبلغهم النصوص.
أما عثمان البتي ممكن أنه لم تبلغه النصوص وأما عطاء سيد التابعين فيبعد أنها لم تبلغه هذه النصوص المتكاثرة عن نحو أربعة من الصحابة في السنن والمسانيد والصحاح فالغالب أنه لم يثبت عنه.
على كل حال: المهم الآن عندنا أن هذا القول الثالث ضعيف وهو مناقض للأدلة وصاحبه يحتاج أن يعتذر له لا أن يجاب عن دليله.
= القول الأخير: وهو مذهب المالكية ورواية أيضاً عن الإمام أحمد واختاره من المحققين ابن المنذر وانتصر له واختاره أيضاً الشيخ الفقيه أبو ثور.
فأيضاً هذا القول الأخير أيضاً كما ترى ذهب إليه عدد من أئمة اهل العلم وهو: أنه لا يجوز بيع المبيع إذا كان مطعوماً مكيلاً أو موزوناً اي: يحتاج إلى توفيه. ويجوز إذا بيع جزافاً.
ما هو الفرق بين هذا القول ومذهب الحنابلة؟
- المطعوم وغير المطعوم. تقريباً هذا هو الفرق لا يوجد فرق.
استدل هؤلاء الذين اشترطوا في المنع أن يكون في المطعومات:
- بأن الأحاديث التي جاءت في الباب كلها فيها إذا باع طعاماً نهى أن يباع الطعام.
وهذا صحيح حديث ابن عباس فيه الطعام وحديث جابر فيه الطعام وحديث ابن عمر أيضاً في الصحيحين فيه الطعام إنما حديث زيد ليس فيه الطعام فيه أنه نهى أن تباع السلع.
وبما تقدم ظهر لك ان دليلهم الاعتماد على الأحاديث التي فيها التنصيص على الطعام وان الجواب على هذا أن هذه الأحاديث وإن كانت نصت على الطعام فالأحاديث الأخرى نصت على باقي السلع ثم الذين رووا هذه الأحاديث كجابر وابن عباس رأوا أن الحديث لا يختص بالمطعومات وإنما يتناول جميع السلع.
هذه الأقوال: ـ أربعة. هي الأقوال التي اخترت أن أذكرها لكم لأنها أقوى الأقوال وبالنظر أيضاً إلى من رجح هذه الأقوال وإلا المسألة فيها نحو ثامنية أقوال وهذا يحقق ما قاله الشيخ أنه كثر تنازع العلماء فيها لخفار المآخذ والاستدلال بالنصوص.
الأقرب للصواب والله أعلم الذي تدل عليه فتاوى الصحابة هو القول الثاني: أنه لا يجوز للإنسان أن يبيع أي شيء إلا بعد أن يقبضه.
ومما يدل على رجحان هذا القول: الثاني. حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن. وهذه الأعيان قبل القبض ليست مضمونة على المشتري وإنما على البائع ولا يأتي الشرع بأن يجعل الربح لإنسان والضمان على آخر بل الربح والضمان دائماً متلازمان في الشرع.
فكون النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن يدل على رجحان القول الثاني. فهو إن شاء الله أقرب الأقوال.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن تلف قبله: فمن ضمان البائع.
يعني: وإن تلف المبيع قبل القبض فهو من ضمان البائع.
السلعة قبل القبض من ضمان البائع. لماذا؟ لأن القاعدة أن الضمان يتبع التصرف ولو أجزنا للمشتري أن يتصرف لصار الضمان عليه فإذا منعناه من أن يتصرف لم نجعل الضمان عليه.
فإذاً: الضمان والتصرف متلازمان إذا منعته من التصرف فارفع عنه الضمان.
هذه هي قاعدة المذهب.
= والقول الثاني: ان الضابط في الضمان ليس هو المنع من التصرف وإنما هو التمكن من القبض فكل سلعة لا يتمكن المشتري من قبضها فليس عليع ضمانها.
وكل سلعة يتمكن المشتري من قبضها فعليه ضمانها.
وإلى هذا القول ذهب شيخ الإسلام رحمه الله وانتصر له وذكر لهذا أمثلة فقال: نجد أن الشارع جعل المبيع إذا كان ثمراً على رؤوس الشجر فالضمان على البائع. لماذا؟ لأن المشتري لا يتمكن من أخذ المبيع جملة واحدة لا حتياجه أن يأخذ منه على دفعات ليتفكه به وليتمكن من تصريفه في السوق ولعلل أخرى. ولأنه لم ينضج .... إلى آخره.
إذاً: لما وجدنا الشارع جعل الضمان في الثمر إذا بيع على رؤس النخل على البائع بحثنا عن السبب فوجدنا أنه لعدم تمكن المشتري من قبض هذا المبيع.
أيضاً الشارع جعل الضمان على البائع في المكيل لأن المشتري لا يتمكن من قبضه إلا بكيله ووزنه وعده. وكيله ووزنه وعده هو القبض كما سيأتينا فما دام لم يكل ولم يوزن ولم يعد لا يستطيع المشتري ولا يتمكن من قبضه فالضمان ليس عليه.
فمثلاً: إذا اشترى الغنسان عشرين كتاباً متشابهاً متى يتمكن من قبض هذه الكتب؟ إذا عدها البائع وسلمها إياه. قبل ذلك هي من ضمان البائع لأنه لن يتمكن من القبض إلا بالعد. إذا اعتبرنا الكتب معدودة وهي تباع عند بعض الناس بالوزن وإنما يبيعها بالوزن من لا يعرف قيمة الكتب وإنما ينظر إلى الورق والورق يباع بالوزن لكن الكتاب ليس ورقة وإنما معنى ولذلك سيأتيكم إن قدر حقوق التأليف وحكم بيع وشراء حقوق التأليف وهي ترجع إلى مضمون الكتاب.
المهم الآن اختلف الفقهاء كما ذكرت لكم الآن في ضابط الضمان: فعند الحنابلة الضابط ملازم للقبض فما لم يقبض لا يضمن وما قبض ضمن. وعند شيخ الإسلام ضابط الضمان هو التمكن من القبض.
ولعلك إذا تأملت إذا رجعت إلى المنزل وتأملت ستجد أن الفرق بين القولين يسير وأنه لا يتصور إلا في صور قليلة جداً وإلا بين القولين تقارب كبير جداً. لأن المشتري إذا تمكن من القبض يقبض وإذا تمكن من القبض وبذله البائع ولم يقبض هو فالضمان عليه فالتمكن من القبض قريب من القبض.
لكن على كل حال هذه قاعدة شيخ الإسلام وهذه قاعدة المذهب.
- ثم قال رحمه الله:
- وإن تلف بآفة سماوية: بطل البيع.
يعني: المبيع. بطل البيع.
إذا تلف المبيع بآفة سماوية فإن البيع يبطل.
ومقصود المؤلف رحمه الله بقوله: (بطل) أي: انفسخ.
والفرق بين الانفساخ والبطلان:
أن البطلان إنهاء للعقد من أصله.
والفسخ إنهاء للعقد من حين الفسخ فبينهما فرق كبير.
وعلى طريقة الفقهاء التدقيق في الألفاظ كان ينبغي على المؤلف رحمه الله أن يقول: انفسخ.
إذاً إذا تلفت السلعة بآفة سماوية فهي من ضمان البائع.
والآفة السماوية هي كل ما يصيب السلع ويؤدي إلى تلفها بغير إرادة الإنسان.
كأن يصيبه الحريق أو صاعقة أو يغرق
…
إلى آخره مما ليس للإنسان فيه يد ولا يتصرف فيه.
ويلحق بالآفة السماوية ما أتلفته الحيوانات لأنه لا يمكن تضمين الحيوان ويلحق بالآفة السماوية ما أتلفه آدمي لا يمكن تضمينه فهذا يلحق أيضاً بالآفة السماوية.
ومن هنا نستطيع أن نخرج بقاعدة: يلحق بالآفة السماوية كل ما لا يمكن تضمينه.
لكن إذا تأملت ستجد أن ما لا يمكن تضمينه يكاد ينحصر في المثالين: ما أتلفه الحيوان. وما أتلفه آدمي لا يمكن تضمينه.
ولذلك سواء جعلت قاعدة أو ذكرت الحكم مباشرة.
-
قال رحمه الله:
- وإن أتلفه آدمي: خير مشتر بين فسخ وإمضاء ومطالبة متلفه ببدله.
إذا أتلفه الآدمي ولو كان هذا الآدمي هو البائع فإنه يخير بين الفسخ وبين الإمضاء ومطالبة المتلف.
الدليل على هذا التخيير:
- القياس على خيار العيب لأن في كل منهما ثبوت حق للمشتري بسبب آفة أصابت السلعة.
ففي الحقيقة إتلاف السلعة هو في معنى العيب فثبوت الخيار مقيس على خيار العيب.
- لكن المؤلف رحمه الله هنا يقول:
- ومطالبة متلفه ببدله.
المقصود: بـ (بدله) هنا: يعني: بمثله فإن لم يوجد مثله فالقيمة.
المثل عند الحنابلة: ينحصر في: المكيل والموزون الذي لا صنعة للآدمي فيها فقط ما عداه فهو ليس مثلي وإنما قيمي.
فكل عين نعتبرها مثلية فالواجب عند الإتلاف مثلها.
وكل عين نعتبرها قيمية فالواجب عند الإتلاف قيمتها.
إذاً: لا يقى علينا إلا تحديد ما هو المثلي؟ وإذا عرفت ما هو المثلي؟ عرفت تبعاً لذلك القيمي.
إذاً: الحنابلة يرون أن المثلي كل مكيل وموزون لا صنعة للآدمي فيها.
يعني: غالباً ما سيكون: القمح والحبوب والثمار هذه هي المثليات.
= القول الثاني: أن المثلي هنو كل ما يوجد نظيره ومساو له في الصفات بلا اختلاف يعتد به.
وهذا المفهوم يوسع المثليات إلى كل ماله نظير وربما لم يأت في زمن من الأزمان كثرة المثليات في مثل زمننا هذا لأنه يكثر المصانع التي تنتج السلع المتشابهة تماماً.
إذاً: القول الثاني: هو
…
((الأذان))
بعد أن عرفنا الخلاف في هذه المسألة:
الراجح: القول الثاني. وينبني على ذلك أنه لا يجوز أن نبدأ بالقيمة ويوجد للسلعة نظير ومثال.
فإذا كان لها مثلي فيجب أن نحضر هذا المثلي وتبرأ الذمة به.
فإذا لم يوجد فحينئذ نرجع إلى القيمة.
ويجب أن تتساوى السلعتان في كل الصفات المعتبرة التي يعتد بها أهل الخبرة.
وإذا اختلف البائع والمشتري في هل هذا مثلي أو ليس بمثلي؟ فالمرجع في ذلك إلى أهل الخبرة.
فإذا قالوا: هذا مثل هذا فما يوجد بينهما من اختلاف فغير مؤثر فيعتبر مثله تماماً وإذا كان مؤثر فلا شك أنه لا يتعبر مثلي.
فالموديل الآن بالنسبة للسيارات يعتبر فارق مؤثر أو غير مؤثر؟ يعني: سيارتين تماماً لا يوجد بينهما أي فرق حتى في الممشى إلا أن هذا موديل وهذا موديل؟ يؤثر بلا إشكال ولا نحتاج لأهل الخبرة بل هو مؤثر مطلقاً لأن انتاجهم هذه السيارات.
فإذاً ستجد هنا في هذا المثال الذي اخترته أن بين السلعتين من التطابق تام لأنه إذا تخلف الشركة أي صفة فستجد أن بينهما تطابق تام جداً لا يوجد فرق إلا هذا الموديل ومع ذلك هو مؤثر. ما دام أنه فارق مؤثر في السعر وفي نظرة الناس فهو فارق يعتد به.
- ثم قال رحمه الله:
- وما عداه: يجوز تصرف المشتري فيه قبل قبضه.
(وما عداه) الإشارة إلى المكيل والموزون ونحوه ما عداه يجوز للإنسان أن يتصرف فيه فور تمام العقد ولو لم يقبض المشتري السلعة.
بناء على هذا: يجوز في الحيوانات إذا لم تبع على سبيل العد وفي السيارات وفي عامة السلع يجوز للإنسان أن يبيع بمجرد تمام العقد.
لأن المنع من البيع إنما هو خاص بالمكيلات والموزونات وما يحتاج إلى توفيه والحيوانات والسيارات وغيرها لا تحتاج إلى توفيه.
استدل الحنابلة على الجواز في مثل هذه السلع:
- بحديث ابن عمر أنه قال: كنا نبيع البعير بالبقيع بالدراهم ونقتضي عنها دنانير ونبيع بالدنانير ونقتضي عنها دراهم.
وجه الاستدلال: قال الحنابلة: فهذا ابن عمر يبيع الثمن قبل قبضه.
وأجاب أصحاب القول الثاني بأن هذا بيعاً لما في الذمة ونحن نتحدث عن البيوع المعينة.
ففرق بين بيع ما في الذمة وبين بيوع الأعيان الموجودة المعينة.
وبذلك يتبين أن الأمر ليس كما قال الحنابلة ليس كل ما عدا المكيل والموزون يجوز بيعه بمجرد العقد بل جميع السلع لا يجوز أن تباع ولا أن تشترى إلا بعد القبض.
وأما ما هو الذي سيحقق القبض فسيتكلم عنه المؤلف رحمه الله بتوسع.
شرح كتاب البيع الدرس رقم (14)
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
قبل أن نشرع في درس اليوم قوله رحمه الله: (وإن كان ديناً حالاً) يسأل كثير من الإخوة ما معنى: (ديناً حالاً) الدين إما أن يكون مؤجلاً أو حالاً، والدين المؤجل هو الدين الذي ضرب له مدة يسلم فيها الدين، وأما الحال فهو الدين الذي يستحق التسليم مباشرة، يعني: المبلغ النقدي غير المعين، فالدين يقصد به المؤلف رحمه الله: ما في الذمة، فإذا اشترى زيد من عمرو سيارة بألف ريال غير معينة ولا مؤجلة فهي دين ولكنه حال، فهو دين لكنه في الذمة، فكل ما لم يعين فهم في الذمة، فهذا يؤدي إلى أنه دين، ولما لم يضرب له أجل معين فهو دين جال. فهذا هو معنى هذه العبارة.
كنا قد توفقنا بالأمس عند قوله رحمه الله: (وما عداه: يجوز تصرف المشتري فيه قبل قبضه).
- ثم قال رحمه الله:
- وإن تلف ما عدا المبيع بكيل ونحوه: فمن ضمانه.
إذا تلف ما عدا المبيع بكيل ونحوه فمن ضمانه أي: من ضمان المشتري. وبعبارة أخرى: إذا تلف المبيع الذي يجوز التصرف فيه قبل قبضه فهو من ضمان المشتري على الخلاف السابق في الأشياء التي لا يجوز التصرف فيها قبل القبض. والمؤلف رحمه الله يقول: (ما بيع بغير كيل ووزن) لأن الحنابلة يرون أن ما لا يجوز التصرف فيه قبل قبضه هو المكيل والموزون.
والدليل على ذلك:
- قول النبي – صلى الله عليه وسلم – (الخراج بالضمان).
- وأيضاً: أن هذا المبيع دخل في ملك المشتري وجاز له التصرف فيه فهو من ضمانه.
وهذه المسألة مبنية تماماً على المسألة الأولى من مسائل هذا الفصل وهي: ما هي الأشياء التي يجوز التصرف فيها قبل القبض والأشياء التي لا يجوز التصرف فيها قبل القبض.
ولذلك نقول: القول الراجح في هذه المسألة: أن جميع الأعيان إذا بيعت فإنه لا يجوز التصرف فيها وهي من ضمان البائع وليست من ضمان المشتري، بناء على القول الراجح الذي رجحناه في تلك المسألة.
إذاً: عرفنا الآن معنى قول المؤلف – رحمه الله: (وإن تلف ما عدا المبيع بكيل ونحوه: فمن ضمانه).
* * مسألة / تقرر بما سبق أن كل ما لا يصح التصرف فيه فليس بمضمون، يعني: بالنسبة للمشتري، لكن هذه القاعدة عكسها ليس بصحيح مطلقاً، فليس كل ما يصح التصرف فيه فهو من ضمان المشتري، بمعنى: قد يصح التصرف في بعض الأعيان ومع ذلك تبقى من ضمان البائع، مثاله: نذكر له مثالين: -
- المثال الأول: بيع الثمر على رؤوس الشجر. فهذا يجوز للمشتري أن يتصرف فيه ومع ذلك يبقى من ضمان البائع
- المثال الثاني: ما منع البائع المشتري من قبضه. فهذا يجوز للمشتري أن يتصرف فيه ومع ذلك هو من ضمان البائع.
الخلاصة: أن كل ما لا يجوز التصرف فيه فهو من ضمان البائع، وليس كل ما يجوز التصرف فيه فهو من ضمان المشتري بل قد يجوز التصرف ويبقى الضمان مع ذلك على البائع.
هذا إذاً بيان للقاعدة وبيان لعكس القاعدة وأن فيها استثناء.
- يقول المؤلف – رحمه الله:
- ما لم يمنعه بائع من قبضه.
فإن منعه بائع من قبضه فهو من ضمان البائع، ولو كانت السلعة مما يجوز التصرف فيه قبل قبضه.
وأيضاً: ولو كان البائع منع المشتري من قبض السلعة لضمان الثمن.
ففي الصورتين: الضمان على البائع.
قال الفقهاء: ويضمنه البائع على وجه ضمان الغصب فيأخذ أحكام ضمان الغصب بمعنى أنه يضمن السلعة والنماء المنفصل والمتصل، وذلك لأن يد البائع في هذه الحال يد متعدية وهو يضمن مطلقاً كضمان الغاضب.
ثم انتقل المؤلف – رحمه الله – إلى موضوع آخر وهو مهم جداً أيضاً، وينبغي عليه مسائل كثيرة وهو مسألة القبض واختلاف الأعيان فيها.
-
يقول المؤلف – رحمه الله:
- ويحصل قبض ما يبع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع: بذلك، وفي صبرة وما ينقل بنقله وما يتناول بتناوله وغيره: بتخليته.
المؤلف – رحمه الله – يريد بيان أحكام القبض.
والقبض في اللغة: تناول الشيء بجميع الكف.
ومفهوم هذه العبارة: أنه إذا تناول الشيء ببعض الكف أو بالأصابع فليس بقبض في اللغة.
وأما في الشرع: فالخلاف فيه طويل جداً ومتشعب ومضطرب لكن نحن سنلخص الخلاف على وفق ما ذكر المؤلف – رحمه الله – فلاحظ معي الآن في المتن:
- المؤلف – رحمه الله – قسم الأشياء المبيعة إلى أربعة أقسم:
- القسم الأول: ما بيع بتقدير: وأشار إليه بقوله (بكيل أو وزن
…
إلخ).
- القسم الثاني: ما بيع جزافاً: وأشار إليه في بقوله (وفي صبرة
…
).
- القسم الثالث: المنقولات: وأشار إليه بقوله (وما ينقله بنقله
…
).
- القسم الرابع: المتناولات: وأشار إليه بقوله (وما يتناول بتناوله).
- والقسم الخامس والأخير: العقارات وأشار إليه بقوله (أو وغيره .. ).
في الحقيقة تقسيم المؤلف – رحمه الله – تقسيد جيد جداً ونحن سنتكلم عن كل قسم من هذه الأقسام ليتبين للإنسان تماماً كيفية القبض.
- يقول – رحمه الله:
- ويحصل قبض ما بيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع: بذلك.
= ذهب الأئمة الأربعة إلى أن ما بيع بقدر أي بتقدير: من مكيل وموزون ونحوه فإن قبضه يحصل بذلك، أي: بكيله وبوزنه وبعده وبذرعه.
= وذهذب الأئمة الثلاثة: إلى أن هذه الأشياء تقبض بذلك ولو بدون النقل.
= وذهب الإمام الشافعي فقط من بين الأئمة الأربعة إلى أن هذه الأشياء لا يتم القبض فيها إلا بذلك مع النقل.
إذاً عرفنا الآن أن ما بيع بقدر (بتقدير) عند الأئمة الأربعة حتى الأحناف يحصل القبض بذلك: يعني: بعده وكيله ووزنه إلا أن الشافعية أضافوا إلى ذلك أنه لابد من النقل.
الدليل على أصل المسألة وهو: أن هذه الأشياء تقبض بالكيل والوزن والعد.
- قول النبي – صلى الله عليه وسلم: (إذا بعت فكل، وإذا ابتعت فاكتل). فهذا الحديث صريح بأن البيع يتم بالكيل.
- واستدلوا بحديث ابن عباس السابق معنا: أن النبي – صلى الله عليه وسلم: (نهى أن يباع الطعام حتى يستوفى) والاستيفاء يكون بذلك يعني: بالكيل والوزن والعد والذرع.
واستدل الشافعية على وجوب النقل:
- بأن النبي – صلى الله عليه وسلم: نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. فالحديث نص على أنه لا يجوز أن تباع حتى تحاز يعني: تنقل.
والراجح والله أعلم في مسألة بيع الموزونات والمكيلات مذهب الجمهور وأنه لا يلزم من تمام القبض النقل.
وأما الجواب عن حديث: نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. فالجواب عنه: أن هذا الحديث مروي في السنن وأصله في البخاري وهو يدل على أن هذا الحديث وارد فيما بيع جزافاً، وبيع الجزاف سيأتينا، وليس في بيع المكيلات والموزونات.
وبهذا عرفنا كيفية القبض في المكيل والموزون وكثير من المبيعات اليوم إنما تباع على سبيل الكيل أو الوزن أو العد، فإذا تم العد والتمييز لها فقد تم القبض، ولا يشترط أن تنقل.
- ثم قال – رحمه الله:
- وفي صبرة.
الصبرة: كما تقدم معنا: هي الكومة من الطعام غير معلومة المقدار.
فحكمها: = عند الحنابلة: أنه لابد في قبضها – أي ما بيع جزافاً – من النقل والتحويل، فإن لم تنقل أو تحول فلم تقبض.
واستدل الحنابلة ومعهم الشافعية على هذا الحكم:
- بحديث ابن عمر الذي أخرجه الإمام البخاري ومسلم أنه قال: كنا نشتري الطعام جزافاً من الركبان ثم نبتاعه فنهانا النبي – صلى الله عليه وسلم – عن بيعه حتى ننقله. ولفظ النقل موجود في الصحيح، وفي لفظ أيضاً في الصحيح: كان التجار يضربون على ذلك. يعني: على بيع الطعام جزافاً قبل نقله.
= والقول الثاني: وهو مذهب الأحناف. أن بيع الطعام جزافاً يتم قبضه بمجرد التخلية ولا يشترط لا النقل ولا التحويل.
واستدلوا على هذا:
- بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن بيع الطعام حتى يستوفى. والاستيفاء يكون بوضع اليد مع التخلية.
والراجح إن شاء وبلا إشكال: أن ما بيع جزافاً لا يقبض إلا بالنقل والتحويل، والسبب في ترجيح هذا القول: أن الأحاديث متكاثرة جداً في أن ما بيع جزافاً لابد من نقله، في الصحيحين وألفاظهما نص في المسألة ولا يمكن الخروج عن مثل هذه الأحاديث بأي تعليل كان، فإن النقل والتحويل جاء منصوصاً في الأحاديث إذا بيع الطعام جزافاً، فالراجح في مسألة البيع جزافاً أنه لابد من نقله وتحويله.
- ثم قال – رحمه الله:
- وما ينقل بنقله.
ما ينقل من الأعيان المبيعة لابد من نقله: كالأخشاب والأمتعة والحيوانات والسيارات، فهذه الأعيان يشترط في قبضها: أن تنقل.
استدل الحنابلة على هذا الحكم:
- بالقياس على بيع الجزاف. قالوا: إذا كان النص دل على أنه لابد من نقل الأعيان إذا بيعت جزافاً فكذلك ما ينقل.
- واستدلوا كذلك: بالعرف. قالوا: أن العرف جرى أن مثل هذه الأعيان لا يكتفى في قبضها بوضع اليد بلا نقل.
وهذه المسألة تعتبر هي أهم مسائل القبض لأن كثيراً من الأعيان المبيعة منقولة.
= القول الثاني: أنه يرجع في قبض هذه الأعيان المنقولة إلى العرف. وإلى هذا ذهب الإمام مالك، فننظر إلى العرف في كيفية قبض هذه الأشياء ونعمل به.
= القول الثالث: وهو للأحناف. أن قبض المنقولات بالتخلية فقط.
واستدلوا على هذا:
- بأن قبض المنقولات يكون بتسليمها للمشتري بلا مشارك وهذا يحصل بالتخلية، فإن البائع إذا حلًى بين المشتري والسلعة صارت له سالمة بلا مشارك.
الراجح في المنقولات: الراجح والله أعلم: أنه يرجع فيه إلى العرف كما هو مذهب المالكية.
من أمثلة الترجيح: إذا باع الإنسان الدابة – الحيوان – فإن العرف أنه بمجرد ما يسلم البائع المشتري هذه الدابة ويخلي بينه وبينها ويسلمه الزمام إذا كان لها زمام فإن المشتري يعتبر: قبض.
المثال الثاني: السيارات. جرى العرف الآن أن قبض السيارة يكون – فيما أفهم – بحصول أمرين: - الأمر الأول: كتابة العقد. – والأمر الثاني: تسليم المفتاح. – والأمر الثالث ك نقل الملكية. وأن هذه الأمور الثلاثة أهم من تحريك السيارة.
فدل العرف اليوم أن قبض السيارات يكون بهذه الثلاثة أمور تسليم المفتاح وكتابة العقد داخل معارض السيارات والثالث نقل الملكية.
فإذا حصل هذا الأمر فإن المشتري يعتبر قبض السيارة وله بناء على هذا أن يبيع ولا يشترط تحريك السيارة.
المثال الثالث: الأخشاب – مثلاً – فالأخشاب وبقيت في المستودعات فالكل يعلم أن المشتري إلى الآن لم يقبض هذه الأخشاب.
إذاً العرف فرق بين بعض المبيعات فجعل النقل في بعضها شرط للقرض ومجرد التخلية أو وضع اليد على الشيء في بعضها يعتبر بمجرده قبض.
وأنت الآن تعلم الآن الخلاف الذي سقته على ثلاثة أقوال ورجحنا فيه مذهب ((الحنابلة)) لا تدخل فيه المكيلات والموزونات.
- ثم قال – رحمه الله:
- وما يتناول بتناوله.
هذا هو القسم الرابع وهي الأعيان التي جرى العرف في أن قبضها يكون بالتناول كالدراهم والثياب والأجهزة الكهربائية ونحو هذه الأشياء التي يكون قبضها بتناولها، وإلى هذا ذهب الجماهير من أهل العلم:
أن قبض ما يتناول بتناوله.
فالدراهم الآن إذا باع الإنسان ريالاً بدرهم، فهل يكون قبضه بوضعه على الطاولة؟ لا. فلابد من التناول، يعني: لابد أن يتناوله المشتري وأنه يتناول البائع الثمن الآخر.
كذلك بيع الألبسة: يكون بالتناول، فإذا اشتريت مثلاً ثوباً بعشرة ريالات ما لم تقبض هذا الثوب وتناوله بيدك لم يحصل القبض فلا يجوز لك أن تبيع – مثلاً – الثوب إذا وضعه البائع على الطاولة التي أمامه ولم تتناوله أنت فلا يجوز لك أن تبيعه ولو سلمت الثمن.
إذاً: ما يتناول قبضه بتناوله.
ثم انتقل – رحمه الله – إلى القسم الأخير وهو:
- قوله – رحمه الله:
- وغيره بتخليته.
يقصد المؤلف – رحمه الله – (بغيره) العقار. ولذلك غيره من الحنابلة يصرح ويقول: والعقار بتخليته، أو بعضهم يقول: وغيره كالعقار بتخليته. ولو أن المؤلف – رحمه الله – صرح لكان أوضح وأحسن.
إذاً: المقصود بغيره العقارات.
تعريف العقارات: العقار عند الفقهاء: هو كل ما لا يمكن نقله كالدور والأراضي والشجر، فدخلت الأشجار معنا في تعريف ما لا يمكن نقله من العقارات.
قبض ما لا يمكن نقله وهو القسم الخامس يكون بالتخلية، يعني: بأن يخلي البائع بين المشتري والسلعة.
مثال يوضح هذا: إذا اشترى زيد من عمرو بيتاً ودفع الثمن ونقل الصك باسم المشتري الجديد لكن ما زال البائع في البيت وطلب من المشتري أن ينتظر عليه يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أسبوع إلى أن يتمكن من إخلاء المنزل للمشتري الجديد مع أن المشتري الجديد دفع الثمن وانتقل الصك باسم المشتري الجديد فهل يجوز له أن يبيع؟
لا يجوز. لماذا؟
- لأن قبض العقارات يكون بالتخلية.
- ولأن معنى التخلية هو أن يخلي البائع بين السلعة والمشتري.
وكل هذا لم يحصل في المثال الذي ذكرت، فإذاً لا يجوز له أن يبيع، فإذا خرج وأعطاه المفتاح فقد خلا بينه وبين العقار.
إذاً هذا القسم الثالث. هذا الحكم بالإجماع بالاتفاق: أن ما لا ينقل: قبضه بالتخلية.
ومما سبق تبين لك أن الإشكالف هو في مسألتين.
- المنقولات.
- والمكيلات والموزونات.
أما ما يتناول ولا يمكن نقله فهذا لا إشكال فيه، والمسألة الأولى عليها الجماهير، والمسألة الثانية: محل اتفاق إذاً: الإشكال في هاتين المسألتين، أما ما بيع جزافاً فلا إشكال عندي فيه مطلقاً لأن النصوص واضحة، ولو كان بعض الفقهاء قد يذكر فيه خلافاً لكن النصوص فيه واضحة، يبقى الإشكال في المنقولات وهو رقم واحد في محل الإشكال والثاني الموزونات والمكيلات يعني: ما بيع بتقدير.
ثم انتقل المؤلف – رحمه الله – إلى موضوع آخر:
- فقال – رحمه الله:
- والإقالة: فسخ تجوز قبل قبض المبيع بمثل الثمن، ولا خيار فيها ولا شفعة.
انتقل المؤلف – رحمه الله – إلى حكم الإقالة في نهاية هذا الباب لأن حكم الإقالة يترتب عليه أحكام كثيرة بحسب التخريج الفقهي لها، وسيأتي إيضاح لهذا الكلام.
الإقالة في اللغة: هي الرفع والإزالة.
وأما في الاصطلاح فهي: رفع العقد ورفع حكمه.
وحكم الإقالة من حيث الأصل: أنها مستحبة، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم:(من أقال مسلماً أقال الله عثرته) وفي لفظ: (يوم القيامة).
-
قال – رحمه الله:
- الإقالة فسخ.
عرفنا ما هي الإقالة وحكمها، باقي أن نعرف حكمها الوضعي.
فالإقالة عند المؤلف – رحمه الله: فسخ، وفي هذه المسالة خلاف بين الفقهاء كثير وطويل لكثرة ما ينبني على هذه المسألة من فروع.
= فذهب الحنابلة إلى أن الإقالة فسخ يعني: وليست بيعاً جديداً، وأظنكم تعرفون معنى الإقالة مون حيث المعنى العام، فمعنى الإقالة هي: أن يبيع زيد على عمرو بيعاً ثم يندم عمرو ويطلب الإقالة من البائع بأن ترجع السلعة إلى البائع والثمن إلى المشتري.
وذكر الفقهاء رحمهم الله أسبابً كثيرة لا تعنينا للإقالة، أسباب ندم المشتري، فمن أسباب ندمه: أن يظهر له أن السعر مرتفع، ومن أسباب ندمه أن تكون له حاجه في هذه السلعة ثم بعد البيع تنتهي حاجته من السلعة قبل أن يستمتع بها فيريد أن يرد السلعة، ونحن في الحقيقة لا يعنينا ما هي الأسباب التي تجعل المشتري يطلب الإقالة.
إذاً: القول الأول: أن الإقالة فسخ وهو مذهب الحنابلة وليست ببيع.
واستدلوا على هذا بأمرين:
- الأمر الأول: أن الإقالة في لغة العرب هي الرفع والرفع يعني فسخ العقد لا إنشاء بيعاً جديداً.
- والأمر الثاني: أن البيع أخذ مسمى خاصاً والإقالة أخذت مسمى خاصاً واختلاف الأسماء يدل على اختلاف الحقائق.
= القول الثاني: وهو مذهب المالكية. أن الإقالة بيع جديد، فيشترط لها ما يشترط للبيع، واستثنى المالكية من ذلك صورة واحدة وهي: إذا لم يمكن تحقيق الإقالة باعتبارها بيع فنعتبرها فسخ.
مثال: ما لا يمكن. أن يرجع في مكيل مطعوم قبل القبض ونحن أخذنا أن المكيل قبل القبض لا يجوز بيعه وهم يعتبرون الإقالة بيع ففي هذه الصورة لن يمكن للبائع أن يقيل المشتري فيقولون نعتبرها فسخاً ويقيله.
دليل المالكية:
- المالكية يقولون: أن الإقالة هي عبارة عن مبادلة مال بمال، وهذه حقيقة البيع.
= القول الثالث: أن الإقالة فسخ بالنسبة للمتعاقدين، بيع بالنسبة للأجنبي. وهذا مذهب الأحناف وهو من أعجب الأقوال.
الدليل:
- قالوا: أما الدليل على أنها بالنسبة للمتعاقدين فسخ: فما استدل به الحنابلة وهو: أن الإقالة رفع فليست ببيع جديد.
- وأما أنها بيع بالنسبة للأجنبي فلأن حقيقة الإقالة مبادلة مال بمال فنعتبرها كذلك بالنسبة للأجنبي لئلا تضيع حق الأجنبي في هذه المبادلة كما في الشفعة، فإذا اعتبرها الإقالة بيع بالنسبة للأجنبي تمكن من استخدام حقه في الشفعة، وإذا اعتبرناها فسخاً بالنسبة للأجنبي لم يتمكن من الشفعة لأن الشفعة تتعلق بالبيع ولا تتعلق بالفسخ.
ولا يخفى إن شاء الله أن هذا قول بعيد جداً من الصواب إذ لا يمكن أن نحكم على عقد واحد بأنه في حق المتعاقدين فسخ وفي حق الأجنبي بيع فهذا لا يمكن أن يقع في الشرع لأن العقد الواحد له حقيقة واحدة. فبالغ الأحناف باستخدام العقل في مثل هذه المسألة حتى خرجوا عن المعقول، إذ لا يعقل أن نحكم على عقد واحد بتخريجين فقيهيين.
الراجح والله أعلم مذهب الحنابلة وهو أنها فسخ لأن هذا هو حقيقة العقد، لأن مقصود كل من البائع والمشتري في الإقالة رفع العقد لا إنشاء عقد جديد.
* * مسألة/ وإذا قلنا إن الإقالة فسخ فهل هي فسخ للعقد من أصله أو فسخ للعقد من حينه؟
اختلف الحنابلة في هذا اختلافاً كثيراً والأقرب والله أعلم الذي مال إليه أيضاً شيخ الإسلام أن الإقالة فسخ للعقد من حينه لا من أصله، يعني: فسخ للعقد من حين اتفق والطرفان على الفسخ، بينما على القول الآخر إذا فسخا العقد تبين أنه مفسوخ من أصل العقد، وتقدم معنا الفرق بين المسألتين مراراً،، فإذا باع زيد على عمرو سيارة وطلب المشتري الفسخ بعد يوم من إجراء العقد، فعلى القول بأنها فسخ.
للعقد من أصله يكون العقد انفسخ من متى؟: من اليوم الأول يعني من الأمس، وعلى القول بأن الإقالة فسخ من حينه يكون العقد انتهى من يوم الفسخ، وإذا جرى العقد الآن وطلب الفسخ الآن – جرى العقد في الساعة الخامسة وجرت الإقالة في الساعة الخامسة واتفق الطرفان، فهل هناك فرق بين القولين؟
لا. لا يوجد فرق، لأن وقت الإقالة وأصل العقد صار واحداً.
تبين الآن معنا أن الإقالة فسخ فسيذكر المؤلف – رحمه الله – فروعاً تنبني على القول بأن الإقالة فسخ وأحب أن أشير إلى أن الشيخ الفقيه الكبير ابن رجب ذكر في القواعد أمثلة وفروعاً وفوائد كثيرة تنبني على القول بأن الإقالة فسخ أو أنها بيع، فالإمام أحمد عنه في هذه المسألة روايتان: الرواية الأولى: أنها فسخ، والرواية الثانية: أنها بيع.
فيذكر الأمثلة الفقهية ثم يقول على الرواية الأولى: تجوز، وعلى الرواية الثانية: لا تجوز، وذكر لهذا الخلاف فروعاً كثيرة، فمن المفيد جداً لطالب العلم أن يراجعها، فإنته ينمي ملكة الطالب الفقهية على التطبيق فيما اختلف فيه أهل العلم.
-
قال – رحمه الله: في بيان بعض الفروع وكأنه اختار بعض المهمة:
- تجوز قبل قبض المبيع.
هذا هو الفرع الأول: أن الإقالة تجوز قبل قبض المبيع حتى في الأعيان التي لا يجوز أن تباع إلا بعد القبض، لماذا؟
لأن اشتراط القبض إنما هو في البيع، ونحن نفترض أنم الإقالة ليست بيعاً وإنما فسخ، ولذلك يجوز كما قال المؤلف – رحمه الله: قبل قبض المبيع.
الفرع الثاني:
- قال – رحمه الله:
- بمثل الثمن.
يعني: تجوز الإقالة بمثل الثمن تماماً بلا زيادة ولا نقصان فإن زاد أو نقص فالعقد ليس بصحيح.
الدليل:
- الدليل على هذا: أن الإقالة عقد موضوع للإرفاق والإحسان برد البيع فإذا زاد في الثمن خرجت عن موضوعها.
= القول الثاني: وهذا القول لا يحفظ عن الإمام أحمد نصاً ولكن أومأ إليه إيماء كما قال الحافظ ابن رجب – رحمه الله – أما نصاً فليس عن الإمام أحمد نص في الجواز.
ما هو القول الثاني؟
القول الثاني: أنه تجوز الإقالة بأكثر من الثمن حتى إذا اعتبرنا الإقالة فسخاً.
واستدلوا على هذا:
- بأن الزيادة في الثمن تقابل النقص الحاصل برد السلعة.
وأريد أن أنبه هنا إلى مسألة: وهي: أن المسائل المترتبة على كون الإقالة فسخ أو بيع لا تأتي في مسألة بمثل الثمن.
ما معنى هذا الكلام؟
عن الإمام أحمد رواية أنه: فسخ، وعنه أنها: بيع.
فعلى القول بأنها فسخ: لا يوجد في المذهب قول بجواز الزيادة في الثمن.
وعلى القول بأنها بيع ففي المذهب قولين في جواز زيادة الثمن، وما هي فائدة هذا الكلام؟