الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فائدة هذا الكلام: أنه إذا اخترت أنت أنه فسخ فلا يوجد في المذهب قول بجواز الزيادة على الثمن، وإنما يوجد قول إذا اخترت أنها: بيع.
ولذلك يخطئ من يظن أنه يوجد خلاف حتى على القول بالفسخ، لكن كما أشرت في أول الخلاف أشار ابن رجب إلى أن الإمام أحمد أومأ في بعض فتاويه أنه يجوز الزيادة على القول بأنها فسخ، ولولا هذه الإيماءة لم يوجد أحد يقول بجواز الزيادة على القول بأنها فسخ.
على كل حال الآن الخلاف ثابت وهو ما أومأ إليه الإمام أحمد.
والراجح إن شاء الله: جواز الزيادة بعني: تجوز الإقالة بثمن المثل أو بأكثر إنما هو على القول بأنها فسخ وأما إذا كانت بيع فلا إشكال مطلقاً في جواز الزيادة.
- ثم قال رحمه الله:
- ولا خيار فيها.
يعني: لا يثبت الخيار في الإقالة.
ومقصود المؤلف رحمه الله ب (الخيار) هنا: جميع أنواع الخيارات: فليس فيها خيار مجلس ولا شرط ولا عيب ولا أي نوع من أنواع الخيارات، لأن الخيارات تثبت تبعاً للعقود التي فيها معاوضات والإقالة ليست من عقود المعاوضات يل هي من عقود الفسوخ فلا تثبت فيها الخيارات.
= والقول الثاني: أنه يثبت في الإقالة خيار واحد فقط وهو خيار العيب، فإذا رد المشتري السلعة على البائع ثم تبين للبائع أن فيها عيباً حادثاً ثبت له الخيار وله أن يرد الإقالة.
وهذا القول الثاني هو الصحيح: لأن البائع إنما رضي بالإقالة إحساناً للمشتري فلا يناسب مع ذلك أن يلزمه بالسلعة المعيبة، وليس هذا من مقتضى عدل الشرع.
فهذا القول الثاني إن شاء الله هو الصحيح.
- ثم قال رحمه الله:
- ولا شفعة.
يعني ولا تثبت الشفعة في عقد الإقالة: لأن الشفعة تثبت في المعاوضات طرف أجنبي يستحق الشفعة ولا تثبت في العقود التي ليست من عقود المعاوضات فلا شفعة بالإقالة.
وهذا كله مرتب على القول: بأن الإقالة فسخ.
* * مسألة / أخيرة في هذا الباب، إقالة الإقالة أيضاً مستحبة، وتأخذ أحكام الإقالة، فإذا أقاله ثم طلب البائع من المشتري أن يقيله من إقالته فالإقالة الثانية أيضاً مستحبة وهي فسخ وتأخذ الأحكام السابقة.
باب الربا والصرف
- ثم قال رحمه الله:
- باب الربا والصرف.
الربا في اللغة الزيادة.
وفي الشرع: الزيادة أو النسأ في أشياء مخصوصة.
وقوله: (والصرف).
الصرف: هو بيع النقد بالنقد.
وفي هذا الباب من الإشكال نظير ما في الباب السابق وقد صرح الشيخ الحافظ الفقيه المفسر ابن كثير بأن هذا الباب من أشكل أبواب البيوع، وصرح غيره من الفقهاء بأن في هذا الباب إشكالاً وخفاء.
- قال رحمه الله:
- يحرم: ربا الفضل.
الربا محرم بالكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى: (وأحل البيع وحرم الربا).
ومن السنة: أحاديث كثيرة: منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم عد الربا من السبع الموبقات. وهذا إيغال في التحريم.
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن في الربا آكله وموكله وكاتبه وشاهديه.
وأحاديث كثيرة في السنة بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها ضعيف يدل على أن الربا من أكبر الكبائر في الشرع.
* * مسألة / وكان في القرن الأول خلاف في ربا الفضل ثم استقر الأمر على تحريم ربا الفضل كتحريم ربا النسيئة، واعتبر كثير من الفقهاء هذا الخلاف منتهياً وأن الإجماع استقر على تحريمه، واعتبر بعض الفقهاء أن الإجماع غير صحيح وأن الخلاف موجود، وبكل حال:
الصحيح والذي عليه الجماهير: أن ربا الفضل محرم للنصوص الصريحة الصحيحة الثابتة التي لا مجال لمخالفتها وروي عن المخالف وهو ابن عباس رضي الله عنه أنه رجع. وروي أنه لم يرجع فروي عنه الأمران، لكن في الحقيقة هذه المسألة لا طائل من بحثها واستقر الأمر عند المذاهب الأربعة وفقهاء المسلمين السبعة والفقهاء المتبعين كالأوزاعي والثوري ومن لهم إتباع ولو كانوا انقرضوا وابن حزم وغيره إلى أنه استقر الأمر على أن ربا الفضل محرم كتحريم ربا النسيئة.
شرح كتاب البيع الدرس رقم (15)
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
كنت تكلمت في الدرس السابق عن أول باب الربا وتقدم معنا تعريف الربا والصرف وحكم الربا وتوفقنا على قول المؤلف رحمه الله: (يحرم: ربا الفضل في مكيل وموزون بيع بجنسه) ومن هنا بداية الشرح إن شاء الله.
- فقوله رحمه الله:
- في مكيل وموزون.
إشارة من المؤلف رحمه الله لعلة تحريم ربا الفضل ليتمكن الطالب من معرفة الأموال الربوية في الشرع.
والأصل في هذا الباب حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثل سواء بسواء يداً بيد)
هذا الحديث هو أصل الأموال الربوية.
وسنأخذ في هذا الحديث عدة مباحث:
- المبحث الأول: أن الأعيان الستة المذكورة في الحديث هي من الأموال الربوبية بإجماع العلماء بلا مخالف.
- ثانياً: ما عدا هذه الأعيان الستة المذكورة في الحديث انقسم العلماء في إلى قسمين:
- منهم من يرى أن هذه الأعيان اعتبرت من الربا لعلة أرادها الشارع فقاس عليها كل الأموال التي تشبهها في العلة.
- ومنهم من رأى أن الأموال الربوية هي فقط هذه الأموال الستة المذكورة في الحديث.
فتحصل معنا الآن أن هذه المسألة اختلفوا فيها على قولين:
= القول الأول: القياس والأخذ بالعلل والمعاني وإلى هذا ذهب الأئمة الأربعة وعامة فقهاء المسلمين والجم الغفير من السلف والخلف.
واستدل هؤلاء بأدلة:
- الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطعام بالطعام مثلاً بمثل) فقوله صلى الله عليه وسلم (الطعام) إشارة إلى أن المعدودات في الحديث لا يقصد الاقتصار عليها.
- الدليل الثاني للجاهير: بأن المعلوم والمعهود في الشرع اعتبار العلل والمعاني التي على وفقها جاء الشرع وتعدية الحكم إلى كل ما تنطبق فيه المعاني الموجودة في النص.
= القول الثاني: أن الأموال الربوية هي فقط الأعيان الستة.
- لأن الشارع الحكيم لو أراد تعدية الحكم إلى غير هذه الأموال الستة لقال " الربا في الموزوزنات والمكيلات " ولم يعدد الأعيان.
وإلى هذا ذهب الظاهرية واختاره من علماء المعاني والقياس ابن عقيل من الظاهرية والصنعاني من شراح الأحاديث.
والراجح إن شاء الله القول الأول: لأن المعهود في الشرع التعويل على العلل والمعاني والقياس. ولأن الشارع كثيراً ما يعلق الحكم بأسماء ونعديه إلى ما يشبه هذه الأسماء من المعاني.
- المسألة الثالثة: اتفق الذين يرون تعدية الحكم إلى غير هذه الأصناف الستة – هؤلاء اتفقوا على أن الأموال الربوية المذكورة في الحديث تنقسم إلى فئتين:
- الفئة الأولى: الأثمان: وهي الذهب والفضة.
- والفئة الثانية: بقية الأعيان الأربعة: البر والشعير والتمر والملح.
واتفقوا على أن لكل فئة الفئتين علة خاصة، ثم اختلفوا في تحديد علة الفئة الأولى علة الفئة الثانية إلى أقوال:
نبدأ أولاً بعلة الربا في الذهب والفضة.
اختلف العلماء في علة الربا في الذهب والفضة إلى أقوال:
= القول الأول: وهو المذهب وأيضاً مذهب الأحناف. أن العلة هي الوزن، فكل الموزونات يحرم فيها التفاضل، كالحديد والحرير والنحاس والرصاص وكل شيء يوزن فلا يجوز أن نبيع كيلوا حديد بكيلوين.
واستدلوا:
- بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (مثلاً بمثل، سواء بسواء) فاشترط المثلية والتساوي وهي لا تعلم إلا بالوزن فدل ذلك على أنها علة الحكم.
وأجيب عن هذا الدليل: بأن هذا الدليل غير مضطرد، ويشترط في العلة أن تضطرد.
دليل عدم الأضطراد: جواز بيع الموزونات بالذهب والفضة فيجوز أن نبيع ذهب بحديد ولو متفاضلاً ولو مؤخراً، فدل هذا على ضعف هذا التعليل.
= القول الثاني: أن العلة هي غلبة الثمنية وهي على تختص – عند هؤلاء – بجوهر الذهب والفضة فلا تتعداه إلى غيرهما من المعادن، وهذا مذهب الشافعية.
واستدلوا على هذا:
- بأن الذهب والفضة لهما صفات لا توجد في غيرهما من الأعيان.
وعلى هذا القول: لا يجري الربا في الفلوس ولا في الأوراق النقدية لأن الحكم يختص بعين الذهب والفضة.
= القول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد وقول للمالكية واختيار شيخ الإسلام بن تيمية وابن القيم وعدد كبير من المحققين: أن العلة هي مطلق الثمنية لا غلبة الثمنية.
وعلى هذا القول يتعدى الحكم إلى كل ما هو أو ما اعتبر أو ما اتخذ ثمناً للأشياء، فيدخل الأوراق النقدية والفلوس وكل ما اتخذ ثمناً للأشياء.
واستدل هؤلاء بأمرين:
- الأمر الأول: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما ذكر الذهب والفضة لأنهما أثمان الأشياء.
- والأمر الثاني: أن المعنى يدل على هذا القول لأنه يجب أن تكون أثمان الأشياء ثابتة القيمة لا تباع ولا تشترى ولا تزيد ولا تنقص لأنه بها تعرف قيم الأشياء، فإذا كانت تزيد وتنقص لم يمكن أن نعرف أقيام الأشياء.
مثال موضح: لو أن الريال صار يباع ويشترى فتارة بريالين وتارة بثلاثة وتارة بريال ثم قيل: كم قيمة هذا البيت؟ أو كم قيمة هذا الإناء؟ مثلاً: فقيل: بريال فهنا يحصل إشكال: ماذا تقصد بريال: الريال الذي قيمته ريالين أو الريال الذي قيمته ثلاثة أو الريال الذي قيمته ريال. فيختل ميزان قيم الأشياء، فدل ذلك على أن كل ما هو ثمن للأشياء يجب أن تبقى قيمته ثابتة.
وفي الحقيقة هذا الدليل هو الدليل المعول عليه في رجحان القول الثالث.
وعلى هذا القول الثالث تدخل معنا الأوراق النقدية والفلوس وكل ما وضع ثمناً للأشياء.
وعلى هذا القول الثالث العمل في باب الربا وفي باب الزكاة، لأنه إذا قيل أن الأوراق النقدية لا تدخل في الأموال الربوية فإنها كذلك لا تجب فيها الزكاة لأن الزكاة والربا كلاهما معلق بمسمى الذهب والفضة وهذه الثمرة تدل على ضعف قول الشافعية بأن الذهب والفضة يجري فيهما لذات معدنها.
الخلاصة: أن الراجح إن شاء الله هو القول الأخير وكما قلت عليه العمل وتدل عليه المعاني العامة في الشريعة.
ولا يخفى عليكم أن الصنفان الأولان: الذهب والفضة من الموزونات والأربعة المكيلات.
ثانياً: علة الربا في الأنصاف الأربعة.
اختلف الفقهاء في علة الربا في الأصناف الأربعة:
= فذهب الحنابلة والأحناف أيضاً إلى أن علة الربا الكيل فقط ولا يشترط معه أن يكون مطعوماً فكل مكيل فيه الربا سواء كان مطعوماً كالبر والشعير أو ليس بمطعوم كالأشنان، فكل مكيل فهو يجري فيه الربا فلا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلاً.
واستدل هؤلاء: وهم الحنابلة والأحناف.
- بقريب مما استدلوا به في مسألة علة الذهب والفضة وهو أن الحديث نص على التساوي وهو يعرف بالكيل.
والجواب على هذا الاستدلال: أن الحديث وإن نص على التساوي ففيه أيضاً معنى الطعام ويدل على ذلك ويؤكده قوله – صلى الله عليه وسلم: (الطعام بالطعام مثلاً بمثل سواء بسواء) فهذا الحديث دليل على اعتبار هذا المعنى وهو وجود الطعم أي أن يؤكل.
= القول الثاني: وهو مذهب الشافعية أن العلة في الأصناف الأربعة الاقتياب والادخار، يعني: يشترطون أن يكون مدخراً مقتاتاً.
واستدلوا على هذا:
- بأن الأصناف الأربعة المذكورة في الحديث تشتمل على المعنيين أنها قوتاً ومدخرة فاعتبرنا المعنى الموجود في النص.
وإلى هذا القول ذهب ابن القيم – رحمه الله.
والجواب عليه: أن النص ذكر ما يدخر ويقتات وما لا يدخر ولا يقتات. فمما لا يقتات: الملح، فالملح لا يعتبر من القوت وهو مذكور في الحديث، ومما لا يدخر: بعض أنواع التمر وهو النوع الذي يؤكل رطباً ولا يدخر تمراً يابساً فهذا النوع من التمر لا يدخر ومع ذلك نص الحديث على أن فيه ربا.
= القول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد – رحمه الله – واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية أن العلة هي: الطعم مع الكيل أو الوزن.
واستدل هؤلاء:
بأن هذا في هذا القول جمع بين أدلة المذاهب الأخرى ففيه اعتبار الطعم وفيه اعتبار الكيل.
هذه هي الأقوال وكما سمعت: القول الثالث ينسب لشيخ الإسلام ابن تيمية، لكني وجدت للشيخ قولاً آخر في الفتاوى غير هذا القول فيكون له في المسألة قولان:
= وهذا القول هو: أن علة الربا هي الطعم مع الاقتيات وما يصلحه، وإنما قال الشيخ – رحمه الله:(وما يصلحه) ليدخل معنى الملح لأن الملح يتخذ لإصلاح المطعومات التي تتخذ قوتاً بل إن غالب تفريعات شيخ الإسلام – رحمه الله – ترجع لهذه العلة لا للعلة المذكورة في القول الثالث.
وأقوى الأقوال: القول الثالث والرابع، أن العلة: إما أن تكون الطعم مع الكيل أو الوزن أو تكون الطعم مع أن يتخذ قوتاً، وإن كان القول الأخير أظهر فيما يبدو لي، لأن الأعيان المذكورة في الحديث تجمع هذه الصفات وإذا كانت العلة خفية العلة من أجلها جعل الشارع هذه الأموال ربوية ليست ظاهرة ظهوراً بيناً فالواجب أن نأخذ جميع الصفات الموجودة ومن أبرز الصفات الموجودة في المطعومات الأربع أنها قوت للناس يقتاتون فاعتبار هذا الوصف في الحقيقة جيد وسليم ولو كان فيه قول يقول أن العلة هي الطعم مع الكيل والوزن والقوت لكان قولاً قوياً جداً لكني لم أقف على أحد صرح بأن العلة مرتبة من جميع صفات الأموال الأربع لكن لو قيل به لكان قولاً وجيهاً جداً ورجحانه بين في ذلك.
وعلى طريقة شيخ الإسلام الذي يقول: يجوز أن نأخذ بعض هذا القول وبعض هذا القول ولا نكون بذلك خرجنا عن الأقوال يكون هذا القول الخامس هو الراجح.
وبهذا نضيق نطاق الربا تماماً لأنه لا يوجد الربا إلا حيث توجد جميع الصفات وبهذا يستطيع طالب العلم الآن أن يعرف ما هي الأموال الربوية في تطبيق العلة أياً كانت العلة على الأموال الموجودة في تعاملات الناس فيعرف هل هي من الربا أو ليست من الربا.
فإذا قيل لك: هل يجوز بيع النحاس بالنحاس متفاضلاً؟
فستقول: - أما عند الحنابلة فلا لأن العلة عندهم هي الوزن.
- وأما على القول الراجح: فنعم. لأن العلة هي الثمنية وليست موجودة في النحاس.
إذاً هكذا يستطيع الإنسان أن يطبق العلل.
-
ثم قال – رحمه الله:
- يحرم ربا الفضل في مكيل وموزون بيع بجنسه.
سيبين المؤلف – رحمه الله – ما مقصود الفقهاء بقولهم: (بجنسه) لكن الذي يعنينا الآن أنه إذا بيع ربوي بجنسه فإنه يحرم التفاضل فلا يجوز أن نبيع كيلو ذهب بكليوين، ولا كيلو فضة بكيلوين، وهكذا. ولا يجوز أن نبيع صاع بصاعين ولا صاع بر بصاعين وإنما يحب أن نبيع صاعاً بصاع وهو المقصود بالتساوي.
والدليل على ذلك: ما تقدم معنا من قوله: (مثلاً بمثل، سواء بسواء، يداً بيد) فهذا الحديث نص على أنه يجب أن نبيع الأعيان الربوية متساوية.
وتقدم معنا في الدرس السابق أن البحث إنما هو في: ربا الفضل وسيخصص المؤلف رحمه الله فصلاً مستقلاً لربا النسيئة.
- ثم قال رحمه الله:
- ويجب فيه الحلول والقبض.
مقصود المؤلف رحمه الله أنه إذا اتحد الجنس فإنه يجب مع التساوي: الحلول والتقابض فمع اتحاد الجنس واتحاد العلة لابد من الحلول والتقابض ولابد من التساوي.
وإذا قال الإنسان: اتحاد الجنس فإنه لا يحتاج مع ذلك أن يقول اتحاد العلة لأنه إذا كان الجنس واحد فنحن لسنا بحاجة إلى أن نعرف العلة لأنه هو جنس واحد والجنس في المثال المذكور - مثلاً - الذهب فلا يجوز أن نبيع الذهب إلا بشرطين:
- التساوي.
- والتقابض.
والقسمة هنا في هذه المسألة رباعية لأن عندنا جنس وعندنا علة يخرج الإنسان منهما أربعة أنواع وسيأتينا حكم كل نوع، يعني:
- إذا اتفق الجنس اختلفت العلة.
- إذا اختلفت العلة اتفق الجنس.
- إذا اختلفا كلاهما.
- إذا اتفقا كلاهما.
وسيأتي في كلام المؤلف رحمه الله حكم كل قسم.
-
ثم قال رحمه الله:
- ولا بياع: مكيل بجنسه إلا كيلاً، ولا موزون بجنسه إلا وزناً.
لما بين المؤلف رحمه الله وجوب التساوي إذا باع ربوياً بجنسه وأنه يحرم التفاضل بين كيفية معرفة التساوي وهو: أن هذا التساوي الواجب يجب أن يعتبر بمقياسه أو بمعياره الشرعي.
ومعياره الشرعي هو: أن المكيل لا يباع إلا بالكيل، والموزون لا يباع إلا بالوزن.
فلا يجوز أن نبيع المكيلات بالوزن، ولا يجوز أن نبيع الموزونات بالكيل.
السبب: السبب أن الشارع اعتبر تساوي المكيلات بالكيل واعتبر تساوي الموزونات بالوزن فلا يجوز أن ننقل أحدهما للآخر.
ولا يخفى عليك أن المعتبر في الكيل هو الحجم والمعتبر في الوزن هو الثقل، فقد يتساوي الشيئان كيلاً ويختلفان في الوزن، وقد يحصل العكس.
الدليل على ذلك - على اعتبار الوزن في الموزونات والكيل في المكيلات، الدليل على ذلك:
- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، وزناً بوزن سواء بسواء) وهذا الحديث في مسلم، فقوله:(وزنا بوزن) نص على أن أداة معرفة التساوي هي الوزن وليست الكيل.
وأما في المكيلات فالدليل عليه:
- قوله – صلى الله عليه وسلم: (البر بالبر كيلاً بكيل).
فهذا دليل على أن المعيار الشرعي في معرفة تساوي المكيلات هو الكيل لا الوزن.
واستثنى شيخ الإسلام – رحمه الله – من هذه القاعدة الأعيان التي لا تختلف بالوزن والكيل يعني: إن كلتها وتساوت أو وزنتها وتساوت فالأمر واحد، ومثل على ذلك: بالمائعات، فإذا أراد الإنسان أن يبيع ويشتري زيتاً بزيت فإن شاء وزناً وإن شاء كيلاً لأن الأمر سيان لا يختلف في الوزن والكيل بالنسبة للمائعات، وهذا القول من حيث النظر صحيح.
لكن لو أن البائع احتاط واكتفى بالمعيار الشرعي المذكور في الأحاديث لكان أولى.
- ثم قال – رحمه الله:
- ولا بعضه ببعض جزافاً.
لا يجوز أن نبيع الربويات بعضها ببعض جزافاً.
- لأن القاعدة الشرعية المتفق عليها أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل والعلم بالتفاضل فالجهل بالتساوي.
إذاً الجهل بالعلم كالعلم بالتفاضل والعلم بالتفاضل محرم بنص الأحاديث السابقة فلا يجوز أن نبيع جزافاً لعدم العلم بالتساوي.
- ثم قال – رحمه الله:
- وإن اختلف الجنس: جازت الثلاثة.
المقصود بالثلاثة: الكيل والوزن والجزاف.
فإذا اختلف الجنس فإنه يجوز التفاضل، وإذا جاز التفاضل جاز لنا أن نبيع المكيلات وزناً والموزونات كيلاً وأن نبيع الجميع جزافاً، لأن التحديد بالكيل والوزن والمنع من الجزاف إنما هو لاشتراط التساوي، فإذا سقط في اختلاف الجنس سقط المعيار الشرعي تبعاً له. فإذا باع الإنسان الذهب بالفضة: هنا اختلف الجنس، فيجوز أن نبيع الذهب بالفضة كيلاً وزناً بزيادة أو بنقص أو جزافاً.
وإذا باع الإنسان البر بالشعير فكذلك يجوز أن يبيع بالوزن وبالكيل وبالجزاف لأن التساوي لا يشترط.
ثم انتقل – رحمه الله – إلى بيان الجنس المذكور في الأحكام.
- فقال رحمه الله:
- والجنس: ماله اسم خاص يشمل أنواعاً كبر ونحوه.
الجنس هو: الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها.
بينما النوع هو: الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها.
فالنوع: تحت الجنس.
فالبر تحته أنواع. والتمر جنس أنواع: كالسكري والبرحي وغيره من أنواع التمر.
الذهب جنس تحته أنواع لأن لكل نوع من الذهب بحسب البلدان والجودة اسم خاص فتحته أنواع.
أما النوع فهو الذي يشمل أشياء مختلفة بأشخاصها، فإذا كان عند زيد بر وعند عمرو بر فهذا البر: جنس تحته أنواع:
التمر: جنس تحته أنواع.
يقول الشارح ابن أبي عمرو: أن النوع هو الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها، فإذا كان عند عمرو تمر سكري وعند خالد تمر سكري فهذه مختلفة: بأنواعها، يعني: بأشخاصها، فهذا التمر غير هذا التمر وإن كان الجميع من نوع واحد فهي تختلف لكن لا باعتبار الحقيقة وإنما باعتبار ذاتها يعني باعتبار شخصها.
مثال آخر: الحيوان جنس تحته أنواع: الإنسان والبقر والغنم هذا عند أهل المنطق هكذا، الحيوان جنس تحته أنواع.
إذاً الإنسان بالنسبة للحيوان: نوع. وهو يختلف بأشخاصه فعمرو غير زيد خالد والجميع يعتبر من نوع واحد وهو الإنسان، إذاً: الآن عرفنا المقصود بالجنس.
ففي الأموال الربوية كل واحد من الستة يعتبر: جنس. فالذهب: جنس، والفضة: جنس، والشعير: جنس والبر: جنس، والتمر: جنس، والملح: جنس.
فإذا قيل: لا يباع الشيء بجنسه إلا متساوياً مع القبض والحلول: يعني: ما نبيع الذهب ولا البر بالبر
…
إلخ.
إذاً عرفنا معنى قول المؤلف – رحمه الله: (والجنس ماله اسم خاص أنواعاً كبر ونحوه).
- ثم قال – رحمه الله:
- وفروع الأجناس أجناس.
فروع الأجناس أيضاً هي أجناس، لأنها تتبع الأصل فإذا كان الأصل جنسا ًفالفرع تابع للأصل فهو أيضاً جنس.
لما قرر المؤلف – رحمه الله – هذه القاعدة وهي أن فروع الأجنس أجناس مثل لها:
- فقال – رحمه الله:
- كالأدِقة:
الأدقة: جمع دقيق.
فدقيق البر: جنس. ودقيق الشعير: جنس. لماذا؟
لأن فروع الأجناس أجناس.
فدقيق البر فرع عن البر، ودقيق الشعير فرع عن الشعير، فهي أجناس كأصولها.
- ثم قال – رحمه الله:
- والأخباز.
فخبز البر جنس، وخير الشعير: جنس، وهي جنس بالنسبي لغيرها لا بالنسبة لأصلها.
فلا يجوز أن نبيع خبز البر بالبر إلا متساوياً.
ولا يجوز أن نبيع خبز الشعير بالشعير إلا متساوياً.
فهي أجناس (صحيح) لكن لا بالنسبة إلى أصولها وإنما بالنسبة لغيرها.
فهل خبز البر جنس بالنسبة للشعير؟ نعم. خبر البر جنس بالنسبة للشعير.
وهل دقيق البر جنس بالنسبة لعبيط التمر؟ نعم. صحيح.
وهل عبيط التمر جنس بالنسبة للتمر؟ لا. لأن الشيء لا يكون جنس بالنسبة لأصله.
إذاً عرفنا أن فروع الأجناس أجناس إلا بالنسبة لأصولها.
-
ثم قال – رحمه الله:
- والأدهان.
الأدهان نفس الشيء، نفس القاعدة.
فدهن السمسم يختلف عن دهن العود وإن اتفقا في الاسم فكل منعهما يسمى دهناً، لكن ينظر إلى أصله ففروع الأجناس أجناس، فدهن السمسم جنس ودهن العود جنس وكل دهن جنس – مستقل – بالنسبة لأصله، يعين: أن دهن السمسم لما كان دهناً ناتجاً عن السمسم فهو أصل بينما دهن العود ناتج عن العود فهو أصل لكن لا بالنسبة لأصله.
فهو جنس بالنسبة لأصله لغيره لكن ليس الجنس بالنسبة لأصله فهل يجوز أن نبيع دهن السمسم بالسمسم؟ لا. لا يجوز إلا بشرط التساوي.
إذاً: القاعدة التي ذكرناها في الأدقة والأخباز هي نفسها في الأدهان.
- ثم قال – رحمه الله:
- واللحم أجناس باختلاف أصوله.
وفي الحقيقة لو طبقت القاعدة السابقة لعرفت هذا الحكم، فهو يقول: أن اللحم بالنسبة لأجناسه أصول، فلحم الماعز: أصل، ولحم البقر: أصل. ولحم الإبل: أصل، ولحم الدجاج: أصل.
فاللحوم أجناس بالنسبة لأصولها.
فهل يجوز أن أبيع كيلو من لحم الغنم بكيلوين من لحم البقر؟
يجوز.
وهل يجب التقابض؟
نعم يجب التقابض. وهذا سيأتينا في ربا النسيئة.
إذاً يجب التقابض لكن يجوز التفاضل لأن فروع اللحم تعتبر أجناساً مختلفة إلا أنهم قالوا: أن الضأن والماعزم جنس واحد والقبر والجواميس جنس واحد.
أما بالنسبة لباقي اللحوم فكل لحم بالنسبة إلى أصله جنس مستقل.
إذاً هذا معنى قول المؤلف – رحمه الله: (واللحم أجناس باختلاف أصوله).
-
ثم قال – رحمه الله:
- وكذا اللبن:
كذلك اللبن أجناس بالنسبة لأصوله.
فلبن الماعز جنس ولبن البقر جنس ولبن الإبل جنس، ولبن كل ما يشرب جنس من المطعومات المباحة شرعاً.
بينما لبن الأتان مثلاً – هل هو جنس مستقل أو هو تابع لغيره؟ هو جنس لكنه لا يدخل معنا لأنه لا يجوز شربه.
فلا يجوز أن نبيع كيلو من حليب البقر بكيلو من حليب الأتان لا لعلة الربا وإنما لعلة أخرى وهي: أنه تقدم معنا أن من شروط المبيع أن يكون مباح النفع، إذاً هو ممنوع لهذه الجهة.
- ثم قال – رحمه الله:
- والشحم والكبد أجناس.
لما بين – رحمه الله – اللحوم بالنسبة للحيوانات أراد أن يبين أجزاء الحيوان الواحد، فهو يقول – رحمه الله – اللحم والشحم والكبد كل واحد منهن جنس مستقل، فيجوز أن نبيع كيلو لحم بعشرة كيلو شحم، ويجوز أن نبيع كيلو من الكبد بكيلوين من الشحم، لماذا؟ لأن اللحم والكبد والشحم كل واحد منها جنس مستقل، ما الدليل؟ قالوا: الدليل على هذا أن كلاً من هذه الأشياء يستقل باسم وحقيقة مختلفة، فدل ذلك على أن كل واحد منها يستقل بجنس بالنسبة للآخر.
وهذا صحيح.
وهذا كله: على القول بأن اللحم من الأموال الربوية.
وأما على القول بأنه لابد أن يكون المال الربوي، لابد: يشترط فيه القوت، فهل يعتبر اللحم ربوياً أو ليس من الربويات؟ ليس من الربويات، إلا في مكان يقتاته الناس، والمقصود بالقوت: يعني: أن يكون قوتاً يأكل منه جميع الناس ويشتركون فيه، فهو الآن عندنا ليس بقوت لكن قد يكون من الأقوات في البلاد الباردة فاللحم يعتبر قوتاً ووجبة أساسية.
-
ثم قال – رحمه الله:
- ولا يصح: بيع لحم بحيوان من جنسه، ويصح: بغير جنسه.
هذه المسألة هي مسألة حكم بيع اللحم بالحيوان.
= فالحنابلة يقولون: أنه يجوز بيع اللحم بالحيوان إذا كان مكن غير جنسه.
فإذا أردت أن تبيع لحم غنم ببقرة، فهل يجوز أو لا يجوز؟ جائز، لأنه بغير جنسه.
وإذا أردت أن تبيع لحم غنم بماعز فإنه لا يجوز لأنه بجنسه.
وستأتينا الأدلة بالأقوال.
= القول الثاني: أنه لا يجوز بيع اللحم بالحيوان مطلقاً بدون تفصيل.
واستدل هؤلاء بدليلين:
- الأول: مرسل سعيد بن المسيب: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – (نهى عن بيع اللحم بالحيوان).
ومر معنا مراراً أن مراسيل سعيد من المسيب من أصح المراسيل، وأثنى عليها الأئمة ثناءً كثيراً.
- الثاني: أنه روي عن أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – أنه كره بيع اللحم بالحيوان، وعقب الإمام الشافعي على هذا الأثر بقوله: ولا أعلم خلافاً عن غيره، فظاهر عبارة الشافعي أنه لا يوجد خلاف عن الصحابة أو بين الصحابة عن غير أبي بكر بالمنع. وبعبارة أوضح: لم يخالف أبو بكر أحد من الصحابة.
= القول الثالث: التفصيل، وهو: إن كان المقصود من بيع اللحم بالحيوان: اللحم فلا يجوز.
وإن كان المقصود ببيع اللحم بالحيوان غير اللحم: يعني: الحيوان. فيجوز.
مثاله: إذا باع الإنسان لحم الإبل بفرس: فإنه معلوم أن مقصوده الفرس لأن الفرس عادة تتخذ لا للحم وإنما للركوب، فهنا يجوز لأنه لا يقصد اللحم.
أما إذا باع لحماً بحيوان يقصد للحم فلا يجوز للنصوص العامة.
وظهر من القول الأخير أنهم لا يفرقون بين قضية بجنسها وبغير جنسها لم يتطرقوا إليها وإنما جعلوا الضابط: قصد اللحم وعدمه.
وهذا القول الأخير اختيار شيخ الإسلام واختيار ابن القيم – رحمهما الله -.
فإذاً عرفنا الآن الأقوال الثلاثة في المسالة وحجة كل قول.
-
قال – رحمه الله:
- ولا يجوز: بيع حب بدقيقه.
لا يجوز أن نبيع الحب بالدقيق.
- لأن الدقيق يأخذ من المكيال مكاناً أكبر من الحبوب فتفوت المساواة وهي واجبة.
= القول الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد – رحمه الله – اختارها من المحققين ابن قاضي الجبل وهو أنه يجوز بيع الحب بدقيقه لأن غاية ما هنالك أنه بيع حب بحب مكسر لكن لا يباع على القول بالجواز إلا وزناً لأن التساوي متعذر كيلاً.
وهذا القول هو الصواب إن شاء الله.
وتقدم معنا أن المعتبر في المساواة كل شيء بالمعيار الشرعي، والبر معياره الشرعي الكيل، وإنما خرجنا عن المعيار الشرعي لسبب وهو أن التساوي لا يمكن تحصيله بالكيل ولذلك خرجنا عنه إلى الوزن.
وهذا إن شاء الله أقرب.
- ثم قال – رحمه الله:
- ولا سويقه.
يعني: ولا يجوز أن نبيع الحب بسويقه، والسويق هو: دقيق البر يحمص مع السمن والزيت.
فهذا لا يجوز أن يباع والعلة أن النار تعقد وتنقص الدقيق فلا تحصل المساواة، ونحن نقول: إن كل شيء يباع بجنسه من الأموال الربوية لابد في من المساواة.
- ثم قال – رحمه الله:
- ولا نيئه بمطبوخه.
يعني: ولا يجوز أن نبيع النيء بالمطبوخ كأن يبيع الإنسان الحنطة بالهريسة، فالحنطة حب نيء والهريسة مطبوخة.
وسبب المنع: عدم معرفة التساوي لأن الماء الذي في الطبخ يزيد من الوزن مما يجعل التساوي متعذر.
- ثم قال – رحمه الله:
- وأصله بعصيره.
يعني: ولا يجوز أن نبيع أصل الشيء بعصيره.
فلا يجوز أن نبيع زيتون بزيت زيتون.
لأنه لا يمكن التحقق من التساوي.
-
ثم قال – رحمه الله:
- وخالصه بمشوبه.
يعني: ولا يجوز أن نبيع الخالص بالشوب.
فلا يجوز أن نبيع صاع بر بصاع بر مشوب بشعير. لأن التساوي غير متحقق الآن.
ويستثنى من ذلك: إذا كان الشعير يسير جداً لا يؤبه له، فإذا كان يسيراً لا يؤبه له: فهو جائز.
- ثم قال – رحمه الله:
- ورطبه بيابسه.
فلا يجوز أن نبيع العنب بالزبيب ولا الرطب بالتمر.
لأنه لا يحصل التساوي.
فهذه المسائل التي سردها المؤلف – رحمه الله – العلة فيها واحدة وهي: أنا لا نأمن من التفاضل وهو محرم.
- ثم قال – رحمه الله:
- ويجوز: بيع دقيقه بدقيقه إذا استويا في النعومة.
يجوز أن نبيع دقيق الشيء بدقيقه، لأن التساوي حاصل الآن بشرط: أن يتساويا في النعومة.
((الأذان)).
بشرط أن يتساويا في النعومة، لأنهما إذا لم يتساويا في النعومة أخذ الحب غير المطحون تماماً حيزاً أكثر من المطحون فلم تحصل المساواة المشترطة شرعاً.
إذاً إذا استوى الدقيق مع الدقيق نعومة جاز لأنا نأمن عدم التفاضل لتساويهما في مقدرا الطحن.
- ثم قال – رحمه الله:
- ومطبوخه بمطبوخه.
يعني: ويجوز بيع المطبوخ بالمطبوخ كسمن بسمن مطبوخ.
فيجوز أن نبيع مطبوخ الربوي بمطبوحه.
لنفس العلة: أنه إذا تساويا في الطبخ ثم كيلا وتساويا في الكيل أمنا المساواة وأنها مساواة حقيقة.
-
ثم قال – رحمه الله:
- وخبزه بخبزه إذا استويا في النشاف.
أو في الرطوبة: فالمهم أن يستويا في الصفة.
ولكن بالنسبة للخبز تكون المساواة بالوزن لا بالكيل أيضاً كما في المسألة السابقة لأنه تتعذر المساواة بالكيل فنصر إلى الوزن. ونستطيع أن نقول هذه قاعدة أن المكيلات إذا لم نتمكن من مساواتها ببعضها كيلاً جاز لنا حينئذ فقط أن نصير إلى الوزن.
ثم قال – رحمه الله:
وعصيره بعصيره.
يعني: عصير ربوي بعصير ربوي كزيت زيتون بزيت زيتون أو زيت سمسم بزيت سمسم فيجوز لنا أن نبيع العصير بالعصير لأن المساواة حينئذ متحققة.
وتقدم معنا أن على مذهب شيخ الإسلام بالنسبة للمائعات يجوز أن نحقق المساواة بالكيل أو بالوزن.
- ثم قال – رحمه الله:
- ورطبه برطبه.
يجوز أن نبيع رطب الربوي برطبه كأن نبيع العنب بالعنب أو الرطب بالرطب لأن المساواة متحققة لتساويهما في الصفة وإن وجد اختلاف يسير فهو لا ينظر إليه، يعني: قد يكون الرطب من بعض بشيء يسير فهذا لا ينظر إليه.
أما إذا كان الفرق بينهما شيء واضح وكبير فلا يجوز، فلابد أن يكون مستوى الرطوبة متقارب أو متساوي.
- ثم قال رحمه الله =:
- ولا يباع ربوي بجنسه ومعه أو معهما من غير جنسهما.
هذه مسألة مد عجوة ودرهم وتحتاج إلى وقت طويل
…
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد
…
شرح كتاب البيع الدرس رقم (16)
قال شيخنا حفظه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
شرع المؤلف رحمه الله ببيان مسألة مشهورة والحاجة إليها كثيرة وصور وقوعها في المعاملات المعاصرة أيضاً كثيرة وهي مسألة كما أشرت بالأمس: مد عجوة ودرهم.
- يقول رحمه الله:
- ولا يباع ربوي بجنسه ومعه أو معهما من غير جنسهما.
شملت عبارة المؤلف رحمه الله صوراً:
ـ الصورة الأولى: أن يبيع مد عجوة ودرهم بدرهمين.
ـ الثانية: مد عجوة ودرهم بمد عجوة ودرهم.
ـ الثالثة: مد عجوة ودرهم بمدين.
وهذا معنى قول المؤلف رحمه الله هنا: (ومعه أو معهما من غير جنسهما)
واختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة وهو: أن يبيع الإنسان ربوي بربوي ومعه أو معهما من غير جنسهما كما في الأمثلة الثلاثة:
اختلفوا في هذه المسألة: هل هي من مسائل الربا فلا تجوز أو ليست كذلك فتجوز:
= فالحنابلة يرون: أنها لا تجوز.
واستدلوا على هذا:
- بالحديث الصحيح: أن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: اشتريت يوم خيبر قلادة من خرز باثني عشر ديناراً قال ففصلتها - هكذا شدد بالتشديد في مسلم - فوجدت فيها يعني بعد الفصل اثني عشر ديناراً فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا. إلا أن تفصل)