المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب عقد الذمة وأحكامها - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٣

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌باب عقد الذمة وأحكامها

الأخير هو: خمس خمس الغنيمة الذي هو لله ولرسوله. فهذا يصرف في مصالح المسلمين، ويجب على الإمام وجوباً إذا أراد أن يصرف هذه الأموال التي ذكرها المؤلف رحمه الله كالجزية والخراج والخمس وغيرها مما يدخل إلى مخزون الدولة فيجب عليه كما صرح الفقهاء أن يبدأ بالأهم فالأهم ولا يجوز أن يقدم المفضول على الفاضل بل يجب أن يبدأ بالأهم فالأهم سواء فيما يصلح الدين أو فيما يصلح الدنيا، فما يتقاضاه القضاة أهم مما يتقاضاه الكتاب فيجب أن يبدأ بالقضاة لأن موضوع القضاء فصل المنازعات بينما الكتاب يؤدون مهمة يالإمكان الاستغناء عنها، فالمهم أنه يبدأ بالأهم فالأهم، قال الفقهاء: فإن غطى جميع حاجات الدولة وبدأ بالأهم فالأهم فإن الباقي يصرف على المسلمين بالتساوي، وتقدم معنا أن لأبي بكر الصديق رضي الله عنه طريقة في العطايا ولعمر بن الخطاب طريقة في العطايا، فأبو بكر الصديق رضي الله عنه يسوي بين الناس مهما كانت سابقتهم وفضلهم في الدين والعلم لأنه يرى أن الدنيا ليست بشيء ينظر إليه فهي حقيرة ولذلك يقول هو أمر تافه لا نريد أن نفاضل بين الناس فيه، فلما جاء عمر رضي الله عنه لم يسو بين الناس بل عرف لكل إنسان أسبقيته وغناه وفضله وهجرته وصار يفاضل بين الناس بهذه الموازين رضي الله عنه وأرضاه -.

‌باب عقد الذمة وأحكامها

- قال رحمه الله:

باب عقد الذمة وأحكامها

الذمة في لغة العرب: هي العهد والأمان.

وفي الاصطلاح: هي إقرار بعض الكفار على دينهم بشرط دفع الجزية والدخول في حكم الملة.

يعني: أن يدخلوا تحت أحكام الإسلام.

وقوله: (إقرار بعض الكفار) هذا على المذهب وسيأتينا الخلاف في هذه المسألة.

فالخلاصة: أن عقد الذمة في الاصطلاح هو: إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط دفع الجزية والدخول تحت أحكام الإسلام.

وعقد الذمة: مشروع بالإجماع. فإنه لم يخالف أحد من الفقهاء في جواز عقد الذمة وهذا في الجملة وسيأتينا الخلاف في بعض الكفار.

ودل على ذلك:

- الكتاب. والسنة.

ص: 295

- فالكتاب: قوله تعالى: - (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) -[التوبة/29].فهذا نص: أن منتهى القتال أن يعطوا الجزية عن يد وهو صاغرون.

- وأما السنة: فإنه قد تواترت الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أرسل أميراً على جيش أوصاه أن يخير من يقدم عليهم بين ثلاثة أمور:

- الأمر الأول: أن يدخلوا في الإسلام.

- والأمر الثاني: أن يبقوا على دينهم ويخضعوا للمسلمين بدفع الجزية والانقياد لأحكام الإسلام.

- والأمر الثالث: القتال.

ففي هذا دليل على جواز إقرار الكفار على كفرهم متى بذلوا الجزية وأقروا بأحكام الإسلام.

- ثم قال رحمه الله:

ولا يعقد: لغير المجوس وأهل الكتابين ومن تبعهم.

المجوس وأهل الكتاب: هذان الصنفان هما فقط من يجوز أنه يعقد لهم الذمة، فإذا جاء ملحد فلا يجوز أن نعقد له الذمة بل نخيره إما أن يسلم أو نقاتله.

الدليل على ذلك: والمؤلف رحمه الله بدأ بالمجوس ولو أنه بدأ بأهل الكتاب لأنهم هم الأصل والمجوس تبع لهم لكنه رحمه الله بدأ بالمجوس.

فدليل المجوس:

- حديث عبد الرحمن بن عوف في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر وسن بهم سنة أهل الكتاب.

أما الدليل على قبول الذمة وفرض الجزية على أهل الكتاب:

- - فالآية: - (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) -[التوبة/29]. فإن الله تعالى نص على أهل الكتاب.

- وقول المؤلف رحمه الله:

ومن تبعهم.

يعني: ومن دان بدينهم وأخذ بكتابهم من الطوائف الأخرى.

((الأذان)).

إذاً تبين معنا أن الحنابلة يرون أنه لا تقبل الجزية ولا تعقد الذمة إلا لطائفتين فقط:

1 -

المجوس.

2 -

وأهل الكتاب. فقط.

ومن عداهم فيجب أن يسلم أو يقاتل.

= القول الثاني: أنها تقبل - أي الجزية - وتعقد - أي الذمة - لكل كافر. بلا تفريق مهما كان كفره.

واستدلوا على هذا:

ص: 296

- بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يبعث الأمراء وقادة الجيوش كان يأمرهم بتخيير الناس بين ثلاثة أمور ولم يفصل بين أن يكونوا من أهل الكتاب والمجوس أو من غيرهم بل خرجت الأحاديث مخرج العموم، وأما ذكر أهل الكتاب في الآية فهو خرج مخرج الغالب لأن كثيراً ممن حول المدينة وفي الجزيرة كانوا من أهل الكتاب فليس المقصود بذكرهم في الآية تخصيص الحكم بهم وحصره عليهم.

-

والدليل الثاني: أن المقصود من عقد الذمة وفرض الجزية عند بعض الفقهاء ترغيب هؤلاء بالإسلام وأن يروا عن قرب وكثب عدل الإسلام وخيريته وهذا المطلب ينبغي تحقيقه في أهل الكتاب وفي غيرهم من الكفار.

وهذا القول الثاني هو الصواب وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

وهو اختيار سديد ووجيه وقوي وتدل عليه عموم النصوص التي جاءت في السنة.

ص: 297

شرح كتاب الجهاد الدرس رقم (3)

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

تقدم معنا الكلام عن أول باب عقد الذمة ووصلنا إلى:

- قوله رحمه الله:

ولا يعقدها إلاّ إمام أو نائبه.

أي أن عقد الذمة لأهل الكتاب أو المجوس على المذهب أو للكفار جميعاً على القول الصواب ليست إلا للإمام فقط أو لمن أنابه الإمام ليقوم مقامه.

= وهذا مذهب الجماهير وحكي إجماعاً ولم يخالف في هذه المسألة إلا الأحناف فقط أما جمهور فقهاء المسلمين فإنهم يرون أن هذا من اختصاصات الإمام.

والدليل:

- أن في هذا - أي في عقد الذمة - مصالح عامة للمسلمين يختص بالنظر فيها الإمام فإنه أعلم بتقدير المصلحة:

هل تكون في عقد الذمة؟ أو في عدم عقده؟ مما لا يناسب أن يكون إلا من الإمام.

-

ثم قال رحمه الله:

ولا جزية: على صبي.

لما قرر أن الجزية واجبة كما تقدم معنا أراد أن يبين من يستنثنى من أهل الكتاب فلا يؤخذ منه جزية.

- فقال رحمه الله:

ولا جزية على صبي ولا امرأة.

ص: 298

أجمع أهل العلم على أنه لا جزية على الصبي ولا على المرأة ولا على المجنون، فهؤلاء لا جزية عليهم.

- لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر معاذاً رضي الله عنه أن يأخذ عن كل حالم ديناراً.

فنص على أنه يجب أن يكون بالغاً وإلا لم يؤخذ منه.

فإذاً يستثنى المرأة والصبي والمجنون بالحديث.

- والدليل الثاني على استثناء هؤلاء الثلاثة: الإجماع.

- ثم قال رحمه الله:

ولا عبد.

العبد ينقسم إلى قسمين:

- القسم الأول: عبد كافر لمسلم.

- والقسم الثاني: عبد كافر لكافر.

ـ فالعبد الكافر الذي لمسلم:

فقد أجمع أهل العلم أنه لا يؤخذ منه الجزية بلا إشكال وأمره واضح وحكمه ظاهر.

ـ وأما العبد الكافر للكافر:

= فذهب الجماهير: إلى أنه لا تؤخذ عليه جزية وإنما يكتفى بالجزية التي تؤخذ على سيده لأنه من جملة مال سيده.

= والقول الثاني: أن على العبد الكافر تحت الكافر الجزية تؤخذ منه كما تؤخذ من الأحرار.

واستدلوا على هذا بدليلين:

- الأول: أن هذا مروي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

- والثاني: أنه رجل كبير قوي مكتسب فناسب أن تؤخذ منه الجزية.

ورجح ابن قدامة القول الأول وهو المذهب.

وهذا القول وهو المذهب قول قوي أنه: كأن العرف والعمل على أن العبيد الذين تحت أيدي الكفار في الدولة الإسلامية كانت لا تؤخذ منهم الجزية إلا إن صح الأثر عن عمر رضي الله عنه ففتوى عمر تكون فاصلة في الموضوع.

-

ثم قال رحمه الله:

ولا فقير يعجز عنها.

إذا كان في أهل الذمة فقير يعجز عن دفع الجزية فإنها تسقط عنه.

- لقوله تعالى: - (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) -[البقرة/286].

- ولأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرض الجزية على طبقات الناس وجعل أدنى الطبقات الفقير المعتمل. يعني: العامل.

فإذا كانت هذه أدنى طبقة فإذاً الفقير الذي لا يعمل لا جزية عليه وهو المقصود بمن يعجز عنها، إذاً: من عجز عنها من أهل الكتاب فإنها تسقط عنه ولا يلزم بشيء لا يستطيع أن يؤديه.

- ثم قال رحمه الله:

ومن صار أهلاً لها: أُخذت منه.

من صار أهلاً: بأن بلغ الصبي وأفاق المجنون فإن الجزية تؤخذ منه.

ص: 299

ومقصود المؤلف رحمه الله بقوله: (أخذت منه) أي: بلا حاجة إلى تجديد عقد الذمة.

والدليل على هذا:

- أنه تواتر عن الخلفاء بداية من أمير المؤمنين عمر ومن تبعه من الخلفاء الراشدين وخلفاء المسلمين أنهم لم يكونوا يجددون العقد لمن يبلغ من أهل الكتاب ولا لمن يفيق من المجانين ولو كانوا يجددون العقد لنقل هذا نقلاً متواتراً لكثرة من يبلغ من الكفار وهذا أمر معلوم أنه في كل فترة يبلغ مجموعة من صبيان الكفار ولم ينقل عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لابد من تجديد العقد لهم.

- ثم قال رحمه الله:

في آخر الحول.

يعني: أنه إذا بلغ فإنا لا ننتظر به حولاً جديداً من حين بلغ بل تؤخذ منه على رأس الحول ولكن تؤخذ منه بالحساب.

ـ فإن بلغ في نصف السنة أخذت منه نصف الجزية.

ـ وإن بلغ بعد مضي ربع السنة أخذت منه ثلاثة أرباع الجزية.

وهكذا ..

والدليل على أنا لا ننتظر به حولاً:

- أنا لو انتظرنا في صبي وفي كل بالغ حولاً لأصبح أهل الكتاب لكل واحد منهم حول مستقل. وفي حساب حول كل واحد من أهل الكتاب ما فيه من المشقة والعنت على ولي الأمر وعلى من يقوم بأخذ الجزية على رؤس الكفار.

فلاشك أنه يجب وجوباً ولو لم يحل عليه الحول أن تؤخذ منه الجزية على رأس الحول لكن بالحساب فلا يُظلَم ولا يَظلِم.:

- لا يُظْلَم بأن يؤخذ أكثر منه.

- ولا يَظلِم بأن يوجب الانتظار لمدة سنة كاملة لأن هذا يجعل لكل شخص حولاً مستقلاً وتتفاوت أحوالهم.

-

ثم قال رحمه الله:

ومتى بذلوا الواجب عليهم: وجب قبوله وحرم قتالهم.

إذا بذلوا الواجب المطلوب منهم فإنه يجب أن نقبل منهم ويجب أن نكف عن قتالهم.

- لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريدة لما أرسله: (فإن هم أطاعوك فاقبل منهم - يعني: الجزية - وكف عنهم - يعني عن قتالهم -).

ص: 300

فهذا النص صريح بأن الكفار إذا أجابوا لإحدى الخصال فإنه يجب على أمير الجيش وجوباً أن يقبل منهم هذه الخصلة وأن يكف عن قتالهم ويأخذ منهم الجزية، وكما يترتب على قبول الكفار لخصلة الجزية أنه تؤخذ منهم ويكف عن قتالهم أيضاً يجب تبعاً لذلك أن يدافع عنهم، فإنهم أصبحوا تحت حماية المسلمين بدفعهم الجزية فلا يقاتلون ولا يسلمون للأعداء لأنهم دفعوا الجزية وصاروا تحت ظل وحكم المسلمين فوجب عليهم أن يدافعوا عنهم.

-

ثم قال رحمه الله:

ويمتهنون عند أخذها، ويطال وقوفهم، وتجر أيديهم.

يجب: = عند الحنابلة أن يتقصد آخذ الجزية إهانة الكافر.

- لقوله تعالى: - (يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) -[التوبة/29].

والصغار يدل على تقصد إهانتهم فمن ذلك:

ـ أنه يجب أن يأتي بنفسه بالجزية فإن أرسل بها موليه أو رسولاً من الأحرار فإنها ترد ويقال له يجب أن تسلم الجزية بنفسك.

ـ ومنها أنه يجب أن يطول انتظاره لكي يسلموا الجزية.

ـ ومنها: أنه يجب أن يطول انتظارهم أثناء تسليم الجزية، فيقف الإنسان وقوفاً طويلاً ينتظر أن يسلم الجزية وإذا دخل وأراد أن يسلم الجزية أيضاً ترك فترة طويلة وإذا مد يده بالجزية ترك فترة طويلة ثم بعد هذه السلسلة من الإهانات تؤخذ منه مع جذب يده، فكل ذلك: تحقيقاً للصغار المذكور في الآية، وإلى هذا ذهب الحنابلة كما ترون وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله.

= والقول الثاني: أن هذه الممارسات لا تدل عليها الآية ولا يدل عليها عمل الصحابة بل الواجب أن تؤخذ منهم أخذاً هيناً طبيعياً بلا إكرام ولا إهانة.

والدليل على هذا:

- أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأمراء الأجناد ومن يوليهم الخلفاء على البلدان التي فيها أهل الذمة كانوا يأخذون الجزية من أهل الكتاب بطريقة سليمة وبطريقة طبيعية ولم ينقل عنهم أنهم كانوا يمارسون هذه الممارسات لإذلال الكفار، وإن كان إذلال الكفار مقصد شرعي بلا شك لكن أخذ الجزية منهم بهذه الطريقة وهذا التفصيل يحتاج إلى دليل.

وأما الآية: فالجواب عنها: أن الصغار المقصود بالآية يتحقق بأمرين:

- الأمر الأول: أن يدفعوا الجزية: فدفعهم الجزية بحد ذاته صغار.

ص: 301

- والأمر الثاني: أن يدخلوا تحت أحكام الملة. فدخولهم تحت أحكام ملة غير ملتهم هو بحد ذاته صغار.

والمنصف إذا تأمل القولين وجد أن القول الثاني ينسجم مع آثار الصحابة ولو كانت هذه التفصيلات التي ذكرها الفقهاء تفعل في القرن الأول والثاني والثالث لنقلت إلينا لأنه شيء غريب يستحق النقل.

ولذلك الراجح القول الثاني وهو اختيار الحافظ ابن القيم رحمه الله.

(فصل)

- قال رحمه الله:

(فصل) ويلزم الإمام: أخذهم بحكم الإسلام.

تقدم معنا أنه يحرم عقد الذمة إلا بشرطين:

ـ الأول: بذل الجزية.

ـ والثاني: الدخول تحت أحكام الإسلام.

فهذا معنى قول المؤلف رحمه الله هنا (فصل يلزم الإمام أخذهم بحكم الإسلام).

والمراد بالحكم هنا: أن يلزموا بأحكام العقود والجنايات والإتلافات والحدود فيما يحرم عليهم كما سيأتينا إذاً يلزمون بأحكام الإسلام ويلزمون أيضاً بدفع الجزية.

ولما ذكر المؤلف رحمه الله هذه القاعدة العامة وهي: إلزام أهل الكتاب بدفع الجزية ذكر التفصيل:

- فقال رحمه الله:

ويلزم الإمام: أخذهم بحكم الإسلام في النفس والمال والعرض.

يلزم أن نأخذهم بحكم الإسلام بهذه الأمور:

- النفس.

- والمال.

- والعرض.

بدليل:

- أن يهودياً قتل جارية على أوضاح لها فقتله النبي صلى الله عليه وسلم. فقد أقام عليه الحد وأخذه بحكم الإسلام صلى الله عليه وسلم.

- والدليل الثاني: أن رجلاً وامرأة من أهل الكتاب زنيا فأقام النبي صلى الله عليه وسلم عليهما الحد.

وهذه الأحاديث في الصحيح فلا إشكال في ثبوتها، ففي هذه الأحاديث دليل على أن أحكام الإسلام تجري عليهم لكن بالقيد الذي سيذكره المؤلف رحمه الله لاحقاً وهو أنه يكون من الأعمال التي يرون هم تحريمها في ملتهم.

- يقول رحمه الله:

وإقامة الحدود عليهم: فيما يعتقدون تحريمه.

ما يعتقدون تحريمه يجب أن نقيم عليهم فيه الحد مثل: - الزنا. فهو محرم في كل ملة. - والقتل: وهو كذلك. - والقذف: وهو كذلك. فهذه الأشياء التي هي محرمة في دين أهل الكتاب نأخذهم بها.

والدليل على أنه يجب أن نأخذهم بها:

- أنهم يقرون بتحريمها. وقد التزموا حكم الإسلام.

ص: 302

فنتج عن هاتين المقدمتين وجوب إقامة الحد عليهم.

* * مسألة / يؤاخذون وتقام عليهم الحدود فيما يرون تحريمه ولو لم يترتب عليه حد في دينهم وإنما يكتفى بأنه محرم في دينهم ولا يشترط أن يضاف مع ذلك أن يرتب عليه حد في دينهم. فقط إذا كان محرماً فإنه تقام عليهم الحدود.

- ثم قال رحمه الله:

دون ما يعتقدون حلّه.

الأعمال التي يعتقدون أنها حلال لا تقام عليهم فيها الحدود.

مثال ذلك:

ـ شرب الخمر. فهو ليس بمحرم عندهم.

ـ وأكل الخنزير. فهو ليس بمحرم عندهم.

ـ ونكاح المحارم عند المجوس. لأنه ليس بمحرم في دينهم.

فهذه الأعمال التي يرون هم أنها مباحة لا تقام عليهم فيها الحدود ولو كانت محرمة في شرعنا.

والدليل على هذا:

- أن أهل الكتاب يقرون على كفرهم وهو أعظم من هذه الأعمال فإذا أقروا على الكفر فهو أعظم معصية فمن باب أولى أن يقرون على الأعمال التي هم يرون أنها مباحة ونحن نرى أنها محرمة، لكن اشترط الفقهاء لذلك: أن لا يظهروا هذه الأعمال. فإن أظهروها كما سيأتينا: انتقض عهدهم، فيجب أن يسروا ويكتموا شرب الخمور وأكل الخنازير ونكاح المحارم فإن أظهروه عاقبناهم بنقض العهد.

-

ثم قال رحمه الله:

ويُلزمهم التّميز عن المسلمين.

يجب وجوباً على الإمام أن يلزم اهل الذمة بالتميز عن المسلمين.

والتميز يحصل بأربعة أمور:

- الأمر الأول: وهو الأهم بلباسهم.

فيجب أن يلزموا بلباس يخالف لباس المسلمين لا سيما من حيث اللون بحيث إذا رآهم الإنسان عرف أنهم من أهل الذمة.

- والأمر الثاني: بشعورهم.

فيجب أن يمنعوا من الفرق لأنه سنة المسلمين وأن تجز نواصيهم ليعرف أنهم من أهل الذمة.

- والأمر الثالث: بركوبهم.

والركوب فَصَّلَ فيه المؤلف رحمه الله لأنه من أشهر العلامات التي يعرف فيها أنه من أهل الذمة.

- والأمر الرابع: بكناهم.

فإنه لا يجوز أن يمكنوا من التكني بكنى المسلمين فلا يسمى أحدهم أبو عبد الله ولا أبو عبد الرحمن ولا أبو محمد ولا غيرها مما يختص به المسلمون. ولا بالألقاب العلمية التي اختص بها المسلمون مثل: نور الدين. وتقي الدين .... وإلى آخره. إذا قيل: أن التسمي بهذه الألقاب جائز.

ص: 303

* * مسألة / ويجوز أن يتكنوا بغير هذه الأشياء مما لا يختص بالمسلمين. فإن الإمام أحمد رحمه الله رأى طبيباً نصرانياً وقال: يا أبا إسحاق. فهذه الكنية لا تتعلق بالمسلمين وإطلاق الإمام أحمد رحمه الله بهذه الكنية يدل على أنه رحمه الله لا يرى المنع المطلق من التكني لكنه يرى المنع من التكني الخاص بالمسلمين، ومن جمع من الحنابلة بين روايات الإمام أحمد رحمه الله بهذا الجمع بأن النفي المطلق والجواز المطلق يجمع على هذا الجمع فقد أصاب وعلى هذا تحمل الروايات المختلفة عن الإمام أحمد.

ثم انتقل رحمه الله إلى مسألة الركوب:

- فقال رحمه الله:

ولهم ركوب غير خيل بغير سُرُج بإكاف.

بالنسبة للركوب: فيجب أن يتميزوا بعدة أمور:

ـ الأمر الأول: لا يجوز أن يركبوا الخيل والفرس مطلقاً لأن في ركوب الفرس عزة ومنعة وعلو.

ـ والأمر الثاني: يجوز أن يركبوا البغال والحمير والإبل بشرط أن يستخدموا السرج. لأن السرج فيه أيضاً عزة ومكانة ورفعة.

ـ والأمر الثالث: أن يركبوا على جهة بأن يسدل أحدهم رجليه من جهة ويعطي ظهره للجهة الأخرى ولا يركب معتدلاً.

فكل ذلك ليتميز أهل الكتاب من الذميين عن المسلمين ولتحقيق الانفصال التام الجسدي والحسي الذي يتبعه الانفصال التام المعنوي وما يتعلق بالتشبه. وقوله رحمه الله: (بإكاف) الإكاف هو: البرذعة وهي قماش أو قطن يلقى فوق ظهر المركوب إياً كان ويركب، فكل ما ليس بسرج فهو إكاف.

الدليل على هذه الأمور الأربع:

- الآثار الصحيحة المروية عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه حينما اشترط على أهل الذمة مجموعة من الشروط منها: المخالفة في هذه الأشياء الأربع.

- ثم قال رحمه الله:

ولا يجوز: تصديرهم في المجالس.

لا يجوز أن يجلس الذمي في صدر المجلس.

لدليلين:

- الدليل الأول: أن من شرط أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه عليهم: أن إذا قدم المسلم قاموا له من مكانهم، فإذا كان يلزمهم القيام من المكان لحضور المسلم فكيف يمكنون من الجلوس في صدر المجلس.

- والدليل الثاني: أن في جلوسهم في صدر المجالس عزة لهم وتعظيماً وهو خلاف مقصود الشارع في الكافر مطلقاً وفي الذمي خصوصاً.

ص: 304

فإذاً لا يجوز أن نمكنهم من الجلوس في صدر المجالس.

-

ثم قال رحمه الله:

ولا القيام لهم.

لا يجوز أن نقوم لهم لما تقدم. فإن الأدلة الدالة على عدم تصديرهم في المجالس دالة كذلك على أنه لا يجوز أن نقوم لهم.

ولا يخفى على أي طالب علم أن هذه الأشياء المذكورة في الكتاب إنما نص عليها المؤلف رحمه الله لأمرين:

ـ أولاً: أن كثيراً منها جاءت في شروط عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

ـ وثانياً: أنها كثيرة الوقوع.

وإلا فإنه لا يقتصر في إذلال الذمي على هذه الأمثلة بل يشمل كل ما يمنع مما فيه إعزاز للذمي أو تصديراً له أو رفعاً من شأنه.

فهذه هي القاعدة العامة وإنما ما ذكره المؤلف رحمه الله إنما هو أمثلة اختارها لكثرة وقوعها ولأنها جاءت في شروط أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

- قال رحمه الله

ولا بداءتهم بالسلام.

لا يجوز أن نبدأ أهل الكتاب بالسلام.

- لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا تبدؤوهم بالسلام). فهذا نص: (وإذا رأيتموهم في طريق فاجعلوهم في أضيقه). وهذا نص صريح بأنه لا يجوز أن نبدأهم بالسلام.

* * مسألة / أما قول: كيف حالك. وصباح الخير. ومساء الخير. فالأقرب: الجواز. حيث لا يوجد دليل على المنع وليس في هذه التحايا شيء من التعظيم وليست في معنى السلام فإن السلام دعاء.

فالأقرب الجواز إلا: إذا علم من حال الذمي أنه إن خوطب بمثل هذه تكبر ورأى أنه اعتز فحينئذ يجب أن لا تلقى عليه لا هذه التحية ولا غيرها من التحايا.

* * مسألة / رد السلام يجوز. لكن يجب أن يكون بقول الراد: (وعليكم) لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: (وعليكم)، وهذا الحديث عام يشمل جميع الصور. فأي ذمي يسلم فإنا نقول له:(وعليكم).

= والقول الثاني: في المسألة: أنا إذا علمنا على وجه القطع واليقين أنه قال: (السلام عليكم) صريحة ولم يقل: (السام عليكم) أو لفظة أخرى فيها سب أو دعاء. يعني: إذا علمنا أنه سلم سلاماً صحيحاً فإنه يجوز أن نرد التحية بمثلها.

- لعموم الآية: - (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا) -[النساء/86].

ص: 305

- ولأن الحديث إنما ورد على سبب وهو قول اليهود: (السام عليكم).

وإلى هذا القول ذهب ابن القيم وانتصر له وهو أنه لا يجب دائماً أن نقول: (وعليكم) بل يجوز أن نقول: (وعليكم السلام) إذا علمنا أنهم سلموا سلاماً خالياً من الإساءة.

أي القولين أرجح؟

الذي يظهر لي بعد التأمل - والمسألة تحتمل - يظهر لي أن المذهب أصح. لأنه وإن كان فتوى النبي صلى الله عليه وسلم خرجت مخرجاً مترتباً على علة وهي قول اليهودي إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وكم من فتوى من النبي صلى الله عليه وسلم خرجت بسبب وتعاملنا معها تعاملاً عاماً، مع ذلك ما ذكره ابن القيم وجيه وخلاف قوي فمن أخذ بهذا أو بهذا فهو في سعة وأنا أرى أنه ما يزيد على قوله:(وعليكم) كما أن في هذا مصلحة وهي: تربية الإنسان على معاملة غير المسلم بما يستحق وفيه تربية على مسألة الوقوف مع النص.

- ثم قال رحمه الله:

ويمنعون: من إحداث كنائس وبيع.

لا يجوز تمكين أهل الذمة من بناء الكنائس، وعلى القول بأن عقد الذمة يجوز لكل الكفار فلا يجوز لأي كافر أن يمكن من إقامة بيت للعبادة.

والدليل: من ثلاثة أوجه:

- الأول: الإجماع. فهذا محل إجماع: أنهم لا يمكنون من إقامة كنائس مهما كان السبب.

- الثاني: أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه شرط عليهم أن لا يحدثوا كنيسة.

- الثالث: أن في تمكينهم من بناء الكنائس إظهار لشعائر الكفر بعد أن لم تكن وليست داخلة في العقد - يعني: في عقد الذمة.

وهذه الثلاث أدلة: الإجماع وغيره من أقوى الأدلة على منع مسألة إقامة إحداث كنيسة جديدة.

نأتي إلى المسألة الثانية: وهي إذا كانت الكنيسة موجودة ثم انهدمت:

- قال رحمه الله:

وبناء ما انهدم منها ولو ظلماً.

ويمنعون من بناء ما انهدم منها ولو كان انهدامه على سبيل الظلم.

ولذلك نقول: انهدام الكنائس ينقسم إلى قسمين:

ـ القسم الأول: أن ينهدم بنفسه. فإذا انهدمت الكنيسة بنفسها فإنه لا يجوز إعادة إعمارها.

بدليل:

- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرط عليهم أن يجددوا ما خرب من كنائسهم.

ـ والقسم الثاني: ما انهدم ظلماً بأن اعتدي على الكنيسة وهدمت:

= فالمذهب: كذلك لا تجدد.

ص: 306

- لأن الأرض للمسلمين ولا يقام عليها دور عبادة للكافرين.

= والقول الثاني: أنها إن انهدمت ظلماً جاز بنائها.

- لأن الشرع جاء بنفي الظلم عامة: الواقع على المسلم وعلى المعاهد.

وهذا القول اختاره ابن مفلح رحمه الله. وهو القول الصحيح فإذا اعتدي على كنائسهم فإن من تمام العقد والأمان الذي أعطوا أن تجدد ما دام اعتدي عليها ظلماً.

* * مسألة / انهدام بعض الكنيسة كانهدام الكنيسة: فالكلام في انهدام بعض الكنيسة كالكلام في انهدام الكنيسة.

فإذا سقط نصف الكنيسة:

= فعند الحنابلة: لا يجوز الإعمار. بل يبقون في النصف الذي لم يسقط سواء كان سقوطه ظلماً أو كان سقوطه بنفسه.

وما ذكر من خلاف وترجيح هو نفسه في انهدام بعض الكنيسة.

- ثم قال رحمه الله:

ومن تعلية بنيان على مسلم.

يمنع أهل الذمة أن يبنوا بنياناً عالياً عن الجار ولو كان الجار ليس من الملاصقين ما دام جاراً فإن الذمي لا يمكن من رفع البنيان فوق مستوى بنيان المسلم.

والدليل من وجهين:

- الوجه الأول: أن عمر شرط عليهم أن لا يطلعوا على بيوت المسلمين وفي تعلية البنيان تمكين لهم من مخالفة هذا الشرط.

- والوجه الثاني: أن في إعلاء البنيان على بنيان المسلم إعزاز للكافر وهو خلاف مقصد الشارع.

فإن بنا بناء عالياً على بناء المسلم فيجب وجوباً أن ينقض الزائد.

* * مسألة/ فإن لم يبن الذمي بيتاً أعلى من بيت المسلم ولكن اشتراه ففي هذه المسألة خلاف:

= فمن الفقهاء من يقول: أنه إذا اشترى ولم يعمره هو فإنه يمكن البقاء.

- لأن العلو لم يكن بصنعه ولا بيده.

= ومن الفقهاء من قال: بل إذا اشترى بيتاً يعلو بيت المسلم فإنه ينقض الزائد كذلك.

واستدلوا على ذلك:

- بأن العلل الموجودة في البنيان العالي الذي تولى هو بنايته موجودة في البنيان الذي اشتراه تماماً وإذا وجدت العلة فيجب أن يوجد الحكم.

وهذا القول الثاني هو الأقرب.

-

ثم قال رحمه الله:

لا مساواته له.

أي: فيجوز.

فإنه بنا بنياناً مساوياً لبنيان المسلم فإنه يجوز ولا يجب عليه أن ينقض من بنيانه ما ينزل به عن مستوى المسلم.

= والقول الثاني: أنهم لا يمكنون من مساواة بنيان المسلم.

ص: 307

- لأنه إذا كان عمر رضي الله عنه أمر بعدم التساوي في المركوب والملبوس والشعور والكنى فمن باب أولى في البنيان فلا يمكنون من المساواة بينهم وبين بنيان المسلمين.

والذي يبدو لي أنه لا حرج وأنه لا يلزم بالهدم وأنه لا بأس بالمساواة لأن المساواة في البنيان ليست كالمساواة في ما عداها من الملبوس والمركوب وغيره بل بينهما فرق ظاهر.

- ثم قال رحمه الله:

ومن إظهار خمر وخنزير وناقوس، وجهر بكتابهم.

لا يمكن الذمي من إظهار شعائره في المطعم والملبس والعبادة.

بل يجب أن يكتم هذه الأمور وأن يسر بها.

والدليل على ذلك:

- أن في تمكينهم من هذا الأمر إيذاء للمسلمين. لأنهم إذا أخذوا يشربون الخمور في الشوارع ويأكلون في نهار رمضان يطبخون الخنازير ويدقون الننواقيس صار هذا من أعظم الإيذاء للمسلم والمؤمن الذي يغيضه معصية الله.

- والدليل الثاني: أن منعهم من إظهار الشعائر محل إجماع.

فلا يجوز أبداً أن يمكنوا من إظهار الشعائر.

- ثم قال رحمه الله:

وإن تهود نصراني أو عكسه: لم يقر. ولم يقبل منه إلاّ الإسلام أو دينه.

إذا تهود النصراني أو تنصر اليهودي: فعن الإمام حمد رحمه الله ثلاث روايات:

= الرواية الأولى:

أنه إذا تنصر اليهودي أو تهود النصراني فإنه لا يقر ولا يقبل منه إلا الإسلام أو القتل.

- لأنه مقر بفساد الدين الآخر فلا يقر على دين فاسد.

= الرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله وهي المذهب:

أنه يقال له: إما أن ترجع إلى دينك أو تسلم ولا يقر على الملة التي انتقل إليها.

إذاً تتفق الرواية الثانية مع الرواية الأولى في عدم إقراره على الملة التي انتقل إليها لكن تختلف الروايتين بالخيار الآخر.

= الرواية الثالثة:

أنه يقر.

- لأن انتقال اليهودي إلى النصرانية أو العكس لم يخرج به عن أن يكون من أهل الكتاب فإنه ما زال من أهل الكتاب فانتقاله داخل أديان أهل الكتاب لا محذور فيه.

* * مسألة / نحن ذكرنا أنه لا يقر في الرواية الأولى وفي الراية الثانية. فما هي صيغة عدم الإقرار؟ أسلوب عدم الإقرار؟

فيه خلاف:

= القول الأول: أن عدم الإقرار يكون بتخييره بين القتل أو الإسلام مثلاً على الرواية الأولى.

ص: 308

- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه).

= القول الثاني: أن صيغة عدم الإقرا تكون بالحبس والجلد والتعزير والتعذيب إلى أن يرجع إلى دينه - أو يسلم على المذهب أو إلى أن يسلم على الرواية الأولى.

(فصل)

- ثم قال رحمه الله:

فإن أبى الذمي: بذل الجزية، أو إلتزام حكم الإسلام .. انتقض عهده.

هذا الفصل خصصه المؤلف رحمه الله للأشياء التي تنتقض بها عهود أهل الذمة وعقودهم، فإذا رفض بذل الجزية أو الإلتزام بأحكام الإسلام فإن عهده ينتقض، وإنما بدأ المؤلف رحمه الله ببذل الجزية والالتزام بأحكام الإسلام لأنها أبرز شعائر إلزام أهل الذمة.

والدليل على ذلك:

- قوله تعالى: - (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) -[التوبة/29].

وتقدم معنا: أن التفسير الصحيح لقوله: (وهم صاغرون) هو أن يبذلوا الجزية وأن يلتزموا بأحكام الإسلام. فإذا رفضوا فإن العهد انتقض وسيأتينا ماذا يترتب على انتقاض العهد.

ـ الثالث مما ينتقض به عهدهم:

- قوله رحمه الله:

أو تعدى على مسلم بقتل أو زنا.

ـ إذا تعدى على مسلم بقتل أو على مسلمة بزنا فإن عهده ينتقض.

والدليل على هذا:

- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرط عليهم في كتابه أن يضربوا مسلماً عمداً. فإذا كان الشرط بيننا وبينهم أن لا يضربوا مسلماً عمداً فكيف بالقتل العمد العدوان.

ولذلك نحن نقول: مقصود المؤلف رحمه الله بالقتل هنا الذي ينتقض به العهد هو ما يكون عمداً.

ـ وأما الزنا: فكذلك تنتقض به عهودهم وعقودهم.

- لأن ذمياً سعى في أمر امرأة ليزني بها ورفع أمره إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: ما على هذا عاهدناكم اصلبوه. فصلب في بيت المقدس.

فهذا دليل على أنه إذا حاول الزنا بالمسلمة - وإذا قيل الزنا هنا - يعني بالمسلمة - فإن عهده ينتقض، وعمر رضي الله عنه في ذلك الذمي اختار القتل ولذلك صلبه لأن هذا الذمي حاول عبثاً أن يهتك عرض مسلمة فكأنه عامله معاملة المحارب أو معاملة قطاع الطرق المهم أنه صلبه تعزيراً رضي الله عنه، الذي يعنينا من الصلب: القتل. فلو قتله فقط لتبين بذلك أن عهده انتقض.

-

ثم قال رحمه الله:

ص: 309

أو قطع طريق، أو تجسيس أو إيواء جاسوس.

إذا فعل أيا من هذه الثلاث فإن عهده ينتقض لأن في هذا العمل ما فيه من الإيذاء والإغراء بالمسلمين، وإذا أوقع الضرر والإيذاء بالمسلمين انتقض عهده وهذا أمر ظاهر.

- قال رحمه الله

أو ذكر اللَّه أو رسوله أو كتابه بسوء .. أي: ينتقض عهده.

وهو أعظم أنواع الانتقاض وقد يكون أعظم من الامتناع عن بذل الجزية والدخول تحت أحكام المسلمين.

والدليل على انتقاض العهد بذلك:

- أن يهودية كانت تقع بالنبي صلى الله عليه وسلم وتسبه صلى الله عليه وسلم فقام إليها رجل وقتلها فلما رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أهدر دمها.

فدل ذلك على أن العهد انتقض في خصوص هذه المرأة بسبب أنها سبت النبي صلى الله عليه وسلم.

قال شيخ الإسلام: ومن سب النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يقتل ولو أسلم.

فإذا بادر الذمي وأسلم بعد أن سب النبي صلى الله عليه وسلم نقبل منه الإسلام ونعامله معاملة المسلم ولكن مع ذلك: يقتل.

-

ثم قال رحمه الله: ذاكراً الحكم العام:

انتقض عهده.

وتقدم معنا انتقاض العهد في كل واحد من هذه الخمس التي ينتقض بها عهد الذمي.

- ثم قال رحمه الله:

دون نسائه وأولاده.

الإسلام دين عدل. فإذا أتى يهودي أو نصراني بناقض من نواقض العهد فإن الانتقاض يختص به دون نسائه وأبنائه وعبيده .. إلى آخرهم.

ودليل ذلك:

- أن النقض وجد منه فاختص الحكم به. وأما عهود الباقين فهي على وجهها ولا يجوز لنا أن نمسهم بسوء وإنما هذا الذي انتقض عهده بأي ناقض من النواقض السابقة فإنه يعامل معاملة من انتقض عهده دون بقية أهله.

-

- ثم قال رحمه الله:

وحلّ دمه وماله.

إذا انتقض عهد الذمي فولي الأمر مخير فيه كما هو مخير بالأسير:

- إن شاء قتل.

- وإن شاء مَنَّ.

- وإن شاء فداه.

وهذا القول: وهو أن الذمي الذي انتقض عهده يعامل معاملة الأسير ويرجع إلى رأي الإمام هو أعدل الأقوال.

وعليه تدل تصرفات عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وبهذا تم كتاب الجهاد ولله الحمد ونبدأ إن شاء الله تعالى بكتاب البيوع.

ص: 310

من الأسئلة:

* أخونا يسأل عن مسألة نسيت أن أنبه عليها وتلحق بالشرح فإنه لابد منها: وهي: أن قول المؤلف رحمه الله: (لا يجوز بناء كنيسة) يفهم من عبارة المؤلف رحمه الله أن الكنائش التي وجدت وقام العهد والعقد وهي موجودة فإنه يجب أن تبقى ولا يجوز لولي الأمر أن يهدمها وهذا هو الصحيح: أن ما وجد سابقاً من حين العقد فإنه يجب أن يبقى.

والدليل على هذا:

- أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين عاهدوا وعاقدوا أهل الذمة لم يهدموا أي كنيسة دخلوا البلاد وهي فيها. وإنما لا يجددون ما انهدم منها أما الموجود من حين فتح المسلمين للبلاد فإنه يبقى كما هي سيرة الصحابة رضي الله عنهم فهذا يلحق عند قول المؤلف رحمه الله: (وبناء ما انهدم منها).

ص: 311