المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ كتاب الجهاد - شرح زاد المستقنع - أحمد الخليل - جـ ٣

[أحمد الخليل]

الفصل: ‌ كتاب الجهاد

شرح‌

‌ كتاب الجهاد

الدرس رقم (1)

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

كتاب الجهاد.

في الدرس السابق انتهينا من كتاب المناسك ولله الحمد وتطرق الماتن رحمه الله إلى بعض سنن المولود وذكرت بعضاً منها مما اتسع له الوقت وما لم يتسع لم أذكره، ووزعنا عليكم الآن هذه الورقة التي فيها الآداب ذكرت فيها ما ذكره الفقهاء من الآداب وعقبت على ما رأيت أنه لا يثبت في السنة منه شيء. وإنما ذكرته وإن لم يثبت في السنة ليعلم حكمه وأنه وإن ذكره الفقهاء فليس عليه دليل صحيح.

- قال المؤلف رحمه الله:

كتاب الجهاد.

هذا الكتاب هو آخر كتاب في قسم العبادات، والحنابلة رحمهم الله جعلوا كتاب الجهاد آخر كتاب العبادات لأنه أفضل ما يتطوع به الإنسان بالبدن، وعن الإمام أحمد رحمه الله روايات كثيرة صرح فيها أن أفضل الطاعات البدنية المندوبة هو الجهاد في سبيل الله، فلذلك جعلوه آخر العبادات.

-

قوله رحمه الله:

كتاب الجهاد.

الجهاد: مصدر مشتق مأخوذ من جاهد جهاداً، وهو مشتق من: جهد إذا بالغ في قتال عدوه، وهو في اللغة: بذل الوسع والطاقة.

وأما الجهاد في الاصطلاح فهو: قتال الكافر الحربي لتكون كلمة الله هي العليا، فالجهاد في الشرع إذا أطلق فهو ينصرف إلى هذا المعنى في الأحكام وفي النصوص الحاثة.

- قال رحمه الله:

وهو فرض كفاية.

قوله: (وهو فرض كفاية) أجمع أهل العلم بلا خلاف على مشروعية الجهاد. وأنه مندوب إليه.

واستدلوا على هذا:

- - بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يجاهد ولم يحدث نفسه بالجهاد مات على شعبة من النفاق) وهذا الحديث في مسلم.

وبعد اتفاقهم على أن الجهاد مشروع في الجملة:

= ذهب الجماهير والجم الغفير إلى أنه: فرض كفاية.

وفرض الكفاية هو: العبادة التي إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين وإن لم يقم بها أحد أثموا أجمعين.

والدليل على أن الجهاد فرض كفاية:

ص: 272

- قوله تعالى: {فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى} [النساء/95]. فالآية صريحة بأنه فضل المجاهدين لكن الكل موعود إن شاء الله بالحسنى.

وهذا نص بأن الجهاد فرض كفاية.

ثم لما بين المؤلف رحمه الله أن الجهاد فرض كفاية انتقل للصور التي يكون فيها الجهاد فرض عين:

- فقال رحمه الله:

ويجب إذا حضره.

هناك صور ذكرها الفقهاء يكون الجهاد فيها فرض عين:

ـ الصورة الأولى: إذا حضر الصف وأوشكوا على البدء بالقتال فحينئذ يحرم الانصراف وهو من كبائر الذنوب:

- وقد أجمع على هذا أهل العلم.

- وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل التولي يوم الزحف من السبع الموبقات.

- ويدل عليه قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار} [الأنفال/15].

فدل على تحريم الإنصراف في المصافة: الكتاب والسنة والإجماع.

وإنما شدد الشارع فيه لأن فيه فتاً في عضد المجاهدين وتخذيلاً لهم، إلا أنه يجوز الانصراف عن الصف في ثلاث صور:

- الصورة الأولى: أن ينصرف متحرفاً لقتال. ومعنى ذلك: أن ينسحب عن صف المعركة ليرجع باستعداد أو بطريقة أخرى تكون أنكى في العدو. فإذا خرج ليعود فلا بأس.

- الصورة الثانية: أن يتحيز إلى فئة. أي يخرج من الصف لينظم إلى فئة أخرى إما لضعفها أو لتكالب الأعداء عليها أو لأي سبب أو لأمر الأمير - القائد للجيش - أو لأي سبب.

- الصورة الثالثة: يجوز له أن ينصرف إذا قابله من العدو ثلاثة فأكثر. وما دون ذلك فإنه لا يجوز أن ينصرف، وفهم من كلام الفقهاء أنه لا يجوز الانصراف عن واحد ولا عن اثنين مهما بلغت القوة فيهما أو فيه، وليس من مسوغات الانصراف قوة الخصم أثناء المبارزة.

الثاني مما يجب هو:

- قوله رحمه الله:

أو حصر بلده عدو.

ص: 273

إذا حصر البلد العدو وحضر لقتالها فإنه يحرم الانصراف ويصبح الجهاد من فروض الأعيان، وهذا محل إجماع بين الفقهاء، قال الفقهاء: والقتال حينئذ هو أعظم واجبات صد العدو. وهو أعظم أنواع دفع الصائل لأن تمكين الأعداء من دخول البلاد يعني الفساد التام وتعذر إقامة الحدود والشعائر ومفاسده لا تحصى ولا تعد. - مفاسد تمكين الأعداء من دخول بلاد المسلمين لا تحصى ولا تعد - ولذلك جعله الفقهاء من أعظم صور دفع الصائل.

-

ثم قال رحمه الله:

أو استنفره الإمام.

الاستنفار هو: طلب الخروج للجهاد، فإذا طلب الإمام من فئة أو من شخص معين الخروج للقتال وجب على جميع الذين طلب منهم الخروج أن يخرجوا وجوباً عينياً. ومن تخلف منهم فقد ترك واجباً عينياً وهو آثم.

والدليل على ذلك:

- - قوله صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية فإذا استنفرتم فانفروا).

فهذه ثلاث صور يصبح الجهاد فيها واجباً عينياً ويضاف إليها:

- صورة رابعة: وهي إذا احتيج إلى شخص معين للخروج. كأن يكون ماهراً في الرماية أو في استخدام آلات الحرب أو في التخطيط ولو لم يكن شجاعاً في المقاتلة. المهم إذا احتيج إلى شخص معين لأي سبب صار الجهاد في حقه واجباً عينياً.

فتحصل عندنا الآن أربع صور يصبح الجهاد فيها واجباً عينياً.

- ثم قال رحمه الله:

وتمام الرباط: أربعون يوماً.

الرباط هو: ملازمة الثغر للجهاد والدفع عن المسلمين.

والثغر: هو الموضع المخوف الذي تحيط به الأعداء.

إذاً الثغور ليست هي الحدود ولكن الثغور هي الأماكن التي يخشى من دخول الأعداء إليها.

والمرابطة مشروعة بإجماع العلماء. وهو من أعظم الطاعات والقربات.

- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها).

وهذا الحديث يبين بوضوح وجلاء حقارة الدنيا في نظر الشارع، فإن رباط يوم أربع وعشرين ساعة في مكان واحد مخوف أفضل من الدنيا وما عليها.

وقوله: (من الدنيا). يشمل من آدم عليه السلام إلى قيام الساعة.

و: (ما عليها) يشمل جميع أنواع ملاذ الدنيا.

فهذا الحديث من أصح الأحاديث في حقارة الدنيا في نظر الشارع ويجب أن يكون نظر المسلم تبعاً لنظر الشارع.

ص: 274

- قال رحمه الله:

أربعون ليلة.

تمام الرباط: أن يبقى الإنسان في الثغر: لمدة أربعين ليلة.

- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تمام الرباط أربعون ليلة). لكن هذا الحديث ضعيف ولا يثبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم. لكن روي هذا التحديد عن عمر وابنه وأبي هريرة رضي الله عنهم. فهم جعلوا تمام الرباط أن يبقى الإنسان لمدة أربعين ليلة.

وأما أقل الرباط: فساعة. ومقصود الفقهاء رحمهم الله بقولهم: (ساعة): يعني: أن الرباط يحصل ولو بزمن قليل ولا يريدون الساعة المعاصرة بالتحديد الذي نعرفه الآن وإنما يريدون أنه وإن بقي الإنسان وقتاً قصيراً فإنه يعتبر مرابطاً في سبيل الله.

-

ثم قال رحمه الله:

وإذا كان أبواه مسلمين: لم يجاهد تطوعاً إلاّ بإذنهما.

لا يجوز للإنسان أن يخرج للجهاد في سبيل الله تطوعاً إلا بإذن والديه إذا كانا مسلمين.

- لما ثبت في صحيح البخاري ومسلم: أن رجلاً خرج للجهاد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ألك أبوان؟) قال: نعم. قال: (ففيهما فجاهد). فهذا الحديث نص على أنه لا يجوز له أن يخرج إل بإذنهما ما داما من المسلمين.

- والدليل الثاني: أن بر الوالدين من فروض الأعيان وجهاد الطاعة من فروض الكفايات ولا يجوز للإنسان أن يقدم فروض الكفايات على فروض الأعيان.

- وقول المؤلف رحمه الله:

وإذا كان أبواه مسلمين.

يدل على أنه إذا كانا الأبوان من غير المسلمين فإنه يجوز أن يخرج بلا طاعة ولا إذن ولو كان الجهاد تطوعاً، وهذا صحيح. فإنه لا إذن للأبوين الكافرين.

واستدلوا على هذا:

- بأن عدداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يخرجون للجهاد بلا إذن الوالدين لأنهما لم يكونا من المسلمين منهم: أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

إذاً لا يلزم أن يستأذن الأب الكافر ولا الأم الكافرة وإنما الإذن للمسلمين.

-

ثم قال رحمه الله:

ويتفقد الإمام: جيشه عند المسير.

يعني: وجوباً. فيجب على الإمام وجوباً قبل الخروج والمسير أن يتفقد الجيش.

والدليل على هذا:

ص: 275

- أن النبي صلى الله عليه وسلم في معركة أحد استعرض الجيش وظاهر هذا اللفظ أنه استعرض جميع الجيش. كل فرد من أفراد فلما وصل إلى ابن عمر رضي الله عنه لم يأذن له بالخروج لأنه لم يبلغ.

- واستعرض النبي صلى الله عليه وسلم كل الجيش في بدر وأيضاً أخرج جملة من الصحابة منهم أسامة رضي الله عنه لأنه لم يبلغ.

فهذا دليل على أن القائد العام للجيش يجب عليه وجوباً قبل أن ينطلق الجيش للجهاد أن يتفقد الجيش.

- وقول المؤلف رحمه الله:

يتفقد.

هذه العبارة تدل على عموم التفقد:

o فيشمل الجيش من حيث الرجال: صلاحية الأفراد. وسنهم. وملائمة كل فرد لمكانه.

o ويشمل كذلك الآلات والمعدات من حيث: صلاح الآلة. ومناسبتها لهذا الخروج وبعدها عن الأعطال وعدم مضرتها للقائمين عليها

o ويشمل أيضاً: المؤونة وأنها تكفي للجيش من الخروج وأثناء الطريق والرجوع.

o ويشمل كل ما يتعلق بالجيش مما قيل أو لم يقل فإنه يجب أن يتفقد هذا الإمام جيشه تفقداً تاماً على سبيل الوجوب.

- قال رحمه الله:

ويمنع المخذل.

وهذا من جملة التفقد، والمخذل: هو الذي يسعى في منع الناس من الخروج بذكر العلل المهبطة:

o كقوله: (الأعداء أقوياء).

o وكقوله: (الجو حار لا يطاق).

o وكقوله: (الجو بارد يقتل).

o وكقوله: (أرض المعركة بعيدة) وما جرى مجرى هذه الأمثلة.

فأي كلام يقصد منه تخذيل المجاهدين ومنعهم من الخروج فمن يقوله من المخذلين فإنه يجب على الإمام والقائم على الجيش أن يطرده من الجيش ولا يسمح له بمصاحبة المجاهدين.

- ثم قال رحمه الله:

والمرجفة.

لو أن المحقق - وفقه الله - اختار النسخة التي في ثلاث نسخ خطية وهي: (المرجف) وهي التي تتوافق مع باقي كتب الحنابلة لكان أسهل وأوضح.

فالمرجف: أوضح من المرجفة والمعنى واحد.

المرجف: هو الذي يقول:

o ( هلك المسلمون).

o ( انقطع المدد).

o ( لا طاقة لنا بهم اليوم). وما جرى مجرى هذه الأمور مما يرجف بالجيش.

فالمخذل والمرجف يجب وجوباً على قائد الجيش أن يمنعهم من الخروج.

- وقوله رحمه الله:

المخذل والمرجف.

ص: 276

أراد المؤلف رحمه الله التمثيل. أي: وعليه منع كل من في خروجه ضرر على المسلمين والمجاهدين بأي طريقة من الطرق.

* * مسألة / هل من ذلك: منع خروج الأحمق خشية أن يفشي الأسرار أو أن يؤذي باقي الجيش؟

فيه تفصيل:

ـ إن كان هذا الأحمق يعهد منه الإفساد وخلخلة الجيش ونقل ما لا ينبغي نقله للأعداء فيجب وجوباً أن يمنع.

ـ وإن كان أحمقاً لكن لا يقع منه مثل هذه التصرفات فإنه يسمح له بالخروج لأنه لاشك أنه كان مع جيوش المسلمين من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من يوصف بالحمق ولم يمنع من الخروج.

إذاً: وصف الحمق المجرد لا يعني المنع من الخروج. لكن إذا احتف به قرائن تدل على احتمالية وقوع الأذى على المسلمين وجب منعه.

-

قوله رحمه الله:

ويمنع المخذل والمرجف.

الدليل على ذلك:

- قوله تعالى: {لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة} [التوبة/47].

(ما زادوكم إلا خبالاً). الخبال هو الفساد: الفساد في الجيش ونشر الأراجيف، وقوله:(ولأوضعوا خلالكم) يعني: لسعوا في الفساد بينكم بالنميمة أو بالطرق الأخرى.

وإذا تأملت الآية تأملاً دقيقاً وجدت أنها تركز على مسألة واحدة وهي: أن الاختلاف إذا وقع في الجيش بسبب المرجف أو المخذل صار هذا من أعظم أسباب نكوص الجيش وهزيمته، فالاختلاف شر في كل مكان وأعظم ما يكون إذا وقع في الجيوش فإن الاختلاف بين الجيش يذهب قوة الجيش، ولذلك ركزت الآية على منع الاختلاف ومنع كل من يتسبب به.

ثم بدأ رحمه الله بالأحكام التي تتأتى بعد خروج الجيش مع الإمام:

- فقال رحمه الله:

وله أن ينفل في بدايته.

التنفيل: هو إعطاء المجاهد فوق السهم الواجب له، فهذا التنفيل يقول عنه المؤلف رحمه الله:(له أن ينفل في بدايته)، يعني أنه يجوز للإمام أن يعطي فئة معينة - كما سيأتينا - نفلاً وهو زيادة على نصيبه المقرر شرعاً وهو: سهم للراجل وثلاثة للفارس - كما سيأتينا.

لكن هذا يخضع للتفصيل التالي:

- يقول رحمه الله:

الربع بعد الخمس وفي الرجعة الثلث بعده.

إذاً:

ـ في البدأة: الربع.

ـ وفي الرجعة: الثلث.

والبدأة هي: بداية دخول الإمام والجيش لدار الحرب.

ص: 277

والرجعة: الرجوع من دار الحرب.

فمعنى قوله المؤلف رحمه الله: (الربع بعد الخمس): يعني: أن الجيش إذا دخل أرض العدو ذاهباً للمعركة فإن الإمام إذا أرسل سرية في البدأة فإن له أن ينفلهم الربع.

ومعنى هذا: أنها إذا رجعت السرية ومعها غنائم أخرج من الغنائم: الخمس ثم أعطى هؤلاء أصحاب هذه السرية الربع ثم قسم الباقي على الجيش بما فيهم أصحاب السرية.

إذاً: إذا ذهبوا وأتوا بالغنائم:

ـ أخذ من الغنائم الخمس لله ولرسوله.

ـ ثم أعطى أصحاب السرية في البدأة الربع ثم قسم الباقي على الجيش بمن فيهم أصحاب السرية.

هذا التنفيل في البدأة وهو يتعلق بالربع.

والثلث: في الرجعة.

فإذا رجع الجيش وخرج من أرض العدو ورأى الإمام والقائد العام للجيش أن يرسل سرية تتعقب الأعداء أو تكشف حال الأعداء بعد انتهاء الحرب فلهم الثلث ويقسم الثلث كما قسم الربع تماماً.

وإنما صار نصيب أصحاب البدأة أقل من الرجعة لأن الخروج في الرجعة وبعد انتهاء الحرب أشق وأصعب بمراحل من بعث السرية في بداية المعركة. لاشك. وهذا لا يشك فيه فقيه: أن إرسال السرية في أول المعركة أسهل من إرسال السرية بعد انتهاء المعركة:

ـ أولاً: لأنه قد أخذ منهم التعب والجهد ما أخذ.

ـ ثانياً: لأنهم يتشوفون إلى انتهاء المعركة.

ـ وثالثاً - وأخيراً -: لأن الغالب أن فيهم جراح.

إذاً: له أن ينفل في بدايته الربع بعد الخمس وفي الرجعة الثلث بعده.

والدليل على ذلك:

- أن النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة. وهو حديث صحيح.

* * مسألة / ظاهر الحديث وهو المتوافق مع كلام الفقهاء رحمهم الله: أنه لا يجوز للإمام أن ينفل أكثر من ذلك بل له فقط: الثلث أو الربع، الربع في الدخول والثلث في الخروج ولا يجوز أن يزيد على هذا المقدار.

وهذا صحيح لأن الحديث أجاز التنفيل بهذا المقدار وماعداه من الغنائم تبقى حق لجميع المجاهدين لا يجوز للإمام أن ينقصهم عنها، وهذا صحيح.

ص: 278

* * مسألة / ظاهر النص: أنه يجوز أن ينفل أقل من ذلك: في البدأة والرجعة إذا رأى أن الأمر يستحق أن يخفض عن ذلك فله أن يخفض عن الثلث أو الربع بحسب حال الجهاد وملابسات المعركة، وهذا صحيح: أن له أن ينقص، فإذاً: له أن ينقص وليس له أن يزيد.

-

ثم قال رحمه الله:

ويلزم الجيش: طاعته.

يجب على الجيش: أن يطيع الإمام. وطاعة الجيش للإمام قوام المعركة.

والدليل على وجوب الطاعة:

- قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء/59]. وهذه الآية عامة في طاعة ولي الأمر وأشد ما تكون حال المعركة وهو أولى المواضع دخولاً تحت الآية.

والدليل على ذلك أيضاً:

- ما جاء عن عدد من الصحابة أنهم قالوا: أمرنا بالسمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا.

والنصوص الدالة على وجوب طاعة ولي الأمر في حال السلم وفي حال الحرب كثيرة جداً بلغت مبلغ التواتر.

* * مسألة / ولا طاعة لولي الأمر في المعصية.

- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف).

- ولأن ولي الأمر إنما اكتسب وجوب الطاعة من قبل الشارع فلا يطاع فيما خالف فيه الشارع.

فإذا أمر بمعصية لله عز وجل فإنه لا يطاع ولا تقدم طاعة المخلوق مهما كان على طاعة الخالق عز وجل، وهذا محل إجماع.

فدل عليه النص والإجماع.

وقوله رحمه الله: (ويلزم الجيش طاعته) يعني: ولو رأوا أن المصلحة في خلاف ما أمر به ولو تثبتوا وتأكدوا من ذلك فإنه يجب عليهم أن يطيعوا مهما كان الأمر لأن في ذهاب كل فرد من الجيش برأيه مفسدة عظيمة وانتشار للجيش وانفلال لأمره، فلاشك أنه من أعظم المعاصي: الإخلال أثناء المعركة بطاعة ولي الأمر مهما كان رأي الفرد أن هذا الأمر خطأ فليس عليه أكثر من أن يبين وينصح أما الطاعة فهي واجبة لا سيما أثناء اشتداد أمر الحرب.

- ثم قال رحمه الله:

والصبر معه.

الصبر مع الإمام واجب ولو اشتدت الحرب.

ويدل على ذلك:

- قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا} [آل عمران/200].

ويدل عليه:

- جميع النصوص التي تدل على تحريم التولي يوم الزحف. فإن الثبات من الصبر.

ص: 279

ويجب على الفرد من الجيش بنفسه أن يطيع ولو كلفه قائد الجيش بشيء صعب فيجب عليه أن يصبر ويمتثل.

-

ثم قال رحمه الله:

ولا يجوز الغزو إلاّ بإذنه.

الغزو من حقوق ولي الأمر العامة والتي ليس لأحد من أفراد المسلمين أن يفتات عليه فيها.

والدليل على هذا من وجهين:

- الأول: النصوص الدالة على وجوب الطاعة.

- والثاني: أن ولي الأمر عادة أعلم بالمصالح العامة وبما يناسب من أمر القتال أو تركه.

- وثالثاً: لأن إقدام غير الإمام على الجهاد قد يدخل جميع المجاهدين في ما لا تحمد عقباه.

فلا يجوز الجهاد إلا إذا أذن الإمام.

- ثم يقول رحمه الله:

إلاّ أن يفجأهم عدو يخافون كلَبه.

(كلبه) يعني: شره وفساده وشدته.

فإذا فجأهم العدو فإنه لا يحتاج الأمر إلى إذن أحد لا إمام ولا أب ولا أم ولا دائن ولا أي شخص بل يجب على جميع المسلمين أن ينفروا نفرة واحدة.

- لأن في تمكين الأعداء إذا فاجأوا المسلمين في بلادهم من الدخول والقتل ما فيه من المفاسد التي تذهب بمصالح الدين والدنيا.

وهذا محل إجماع: أنه إذا فجأ العدو البلد وأوشك على الدخول وجب على الناس أن ينفروا. وويستثنى من ذلك:

ما إذا أراد الإمام أن ينظم تنظيماً معيناً لا يتأتى مع الغوغاء وخروج الناس بلا قائد فإنه يجب على المجموعة التي أراد منها الإمام أن تتنظم تنظماً معيناً فيجب وجوباً الطاعة:

- لأن في هذا التنظم مصلحة تعود على جميع المسلمين.

- ثم قال رحمه الله:

وتملك الغنيمة: بالإستيلاء عليها في دار الحرب.

الغنيمة: هي الأموال التي يأخذها المسلمون من الكفار الحربيين على سبيل القهر والغلبة، فهذه تسمى غنيمة.

والغنيمة لم تبح لأحد قبل هذه الأمة. وثبت في الحديث الصحيح أن الغنائم في الأمم السالفة كانت تنزل عليها النار فتحرق هذه الغنيمة. وهذا في مسلم وأبيحت لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.

فالمؤلف رحمه الله يقول: (وتملك الغنيمة: بالاستيلاء عليها في دار الحرب.). إذا استولى الجيش على أموال الكفار وهي الغنائم الموصوفة في التعريف السابق أصبحت بذلك مباشرة من أملاك المسلمين.

لدليلين:

- الأول: أنه بالاستيلاء عليها زال عنها ملك الكفار.

ص: 280

- والثاني: أن سبب الملك هو الاستيلاء التام وقد وجد.

إذاً بالاستيلاء على أموال الكفار في دار الحرب تصبح من أموال المسلمين ولا يشترط أن تنتهي المعركة بل إذا استولوا على بعض أموال الكفار أثناء الحرب فهي ملك للمسلمين للدليلين السابقين سواء انتهت المعركة أو لم تنته.

والاستيلاء على الغنائم وأنها ملك للمسلمين شيء وتقسيمها ومتى يستحقها أفراد الجيش شيء آخر سينص عليه المؤلف رحمه الله.

-

ثم قال رحمه الله:

وهي لمن شهد الوقعة من أهل القتال.

الغنيمة حق لمن شهد المعركة ممن هو من أهل القتال وهو المسلم الذكر البالغ سواء قاتل أو لم يقاتل. فما دام حضر المعركة ليقاتل فالغنيمة له.

والدليل على ذلك:

- قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنما الغنيمة لمن حضر الوقعة).

فالمجاهدون الذين يحضرون أرض المعركة ويحضرون الوقعة لهم أن يتملكوا من الغنائم ولهم حق في الغنيمة سواء كانت أو لم يقاتلوا لأي سبب. فما داموا حضروا ليقاتلوا، ويشمل هذا الحكم عند الإمام أحمد رحمه الله: من خرج مع الجيش ليقاتل ويتاجر. ومن خرج مع الجيش ليقاتل ويعمل بصنعته كالخياط والحداد قال الإمام أحمد رحمه الله: إنما هم من الغزاة، فكون الإنسان يخرج ليقاتل في سبيل الله وليتاجر إذا وجد فرصة فهذا لا يخرجه عن أن يكون من جملة المجاهدين الذين لهم حق في الغنيمة.

= والقول الثاني: أن من خرج مع المسلمين من التجار والصناع ونحوهم لاحظ له في الغنيمة.

- لأنه لم يخرج ليقاتل فقط.

والصواب مع الإمام أحمد رحمه الله لأن هذا من الغزاة كما أن الحاج من الحجاج ولو خرج تاجراً، فإذا خرج الإنسان وقصده ونيته الحج ومع ذلك سيتاجر فهو من الحجاج الذين يرجى لهم المغفرة.

- ثم قال رحمه الله:

فيخرج

بدأ المؤلف رحمه الله في تفصيل تقسيم الغنائم:

- قال رحمه الله:

فيخرج الخمس.

يجب على الإمام قبل إخراج الخمس: أن يدفع لأهل الأسلاب أسلابهم فالأسلاب لا تخمس.

والسلب: هو ما يدفع للرجل إذا قتل رجلاً من المشركين.

والدليل على أن السلب لمن قتل رجلاً من المشركين:

- قوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل قتيلاً فله سلبه).

ص: 281

واختلف الفقهاء رحمهم الله في تحديد السلب:

والذي يعنينا رأي الحنابلة رحمهم الله لأن الخلاف متقارب جداً:

= فالحنابلة يرون أن السلب يشمل: الفرس وآلة الفرس وما معه من نقود ونفقه والثياب، فهذا هو السلب، يعني: كل ما مع المقاتل المشرك أو الكافر مما يلبس أو يحمل أو يركب:

ـ ولو كان ما معه باهض الثمن.

ـ ولو كان ما معه يشكل نصف الغنائم.

= والقول الثاني: أنه إذا كان السلب فيه عيناً باهضة الثمن فإن للإمام أن يرضي المجاهد عنها.

والأقرب: أنه من قتل قتيلاً فله سلبه مطلقاً وهذا حكم من النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن نخصصه لا بفتوى صحابي ولا بغيره. وفي هذا ما فيه من التشجيع على القتل والمجاهدة والمبارزة.

* * مسألة / تتعلق بالأسلاب:

يجوز عند الجماهير والجم الغفير أن يخرج الإنسان منفرداً للمبارزة بل ويندب إذا علم من نفسه القوة.

وله إذا خرج أن يخدع خصمه الكافر بكلمة أو بحركة.

- لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحرب خدعة).

- ولأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما خرج خدع مقابله وقتله فقال خدعتني قال رضي الله عنه الحرب خدعة.

((انتهى الدرس)).

ص: 282

شرح كتاب الجهاد الدرس رقم (2)

قال شيخنا حفظه الله:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

- يقول رحمه الله:

فيخرج الخمس.

ونحن ذكرنا في الدرس السابق أنه يجب على الإمام قبل التخميس أن يخرج الأسلاب. وعرفنا حكم الأسلاب وما هي وماذا تشتمل عليه.

- قوله رحمه الله:

فيخرج الخمس.

الخمس يجب أن يخرج من الغنيمة قبل أن تقسم على الجيش.

- لقوله تعالى: - (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) -[الأنفال/41].

فالآية نصت على أن الخمس يخرج قبل تقسيم الأربعة أخماس على المجاهدين.

ـ فسهم الله ورسوله يصرف في: مصالح المسلمين.

ص: 283

ـ وسهم ذوي القربى: لبني هاشم وبني المطلب. وجاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم خصهم بهذا السهم دون بطون قريش. فقط. بني هاشم وبني المطلب.

ـ وسهم اليتامى: يصرف:

= عند الحنابلة على فقراء اليتامى. فيشترط فيمن يعطى من اليتامى أن يكون فقيراً.

= والقول الثاني: أن سهم اليتامى يعطى لليتيم سواء كان من الفقراء أو من الأغنياء.

- لأن الله سبحانه وتعالى ذكر في الآية اليتامى وذكر المساكين مما يدل على أنهم صنفان.

وإلى هذا ذهب الشيخ الفقيه ابن قدامة أي: أنه لا يشترط في اليتامى أن يكونوا من الفقراء بل هم سهم قائم برأسه لا علاقة له بالفقر.

واليتيم هو: من مات أبوه قبل أن يبلغ. فكل إنسان مات أبوه قبل أن يبلغ فله حظ في غنائم المسلمين يقسمها عليهم الإمام.

ـ والمساكين هم: الفقراء.

ـ وابن السبيل هو: المنقطع.

وسهم المساكين يدخل فيه الفقراء لأنه تقدم معنا قاعدة في الزكاة: أنه: ((إذا أطلق المسكين دخل فيه الفقير وإذا أطلق الفقير دخل فيه المسكين)).

وكيفية صرف سهم المسكين وابن السبيل من الغنيمة تماماً: ككيفية إعطائه من الزكاة فما قيل في كتاب الزكاة من تفصيلات حول ابن السبيل وما يعطى والقدر الذي يكفية وما قيل حول المسكين ومن هو وكم يعطى يأتي معنا هنا تماماً فيعطى كما أعطيناه في كتاب الزكاة.

* * مسألة / السنة أن الإمام يقسم الغنائم قبل أن يرجع إلى البلد. فإن صبر حتى رجع إلى البلد فقد خالف صريح السنة فقد تواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقسم غنيمة قط في المدينة وإنما كان صلى الله عليه وسلم يقسم في دار الحرب، فالسنة هكذا أن تقسم الغنائم قبل أن يقدم الجيش والوالي إلى المدينة التي خرجوا منها.

- ثم قال رحمه الله:

ثم يقسم باقي الغنيمة.

إذا أخرج الخمس يقسم باقي الغنيمة: الأربعة أخماس.

لكن يجب قبل أن يقسم الأربعة ألأخماس أن يخرج نصيب صنفين من المجاهدين:

ـ الأول: النفل.

فيجب أن يخرج النفل قبل أن يقسم الأربعة أخماس وتقدم معنا هذا: التنفيل في البدأة وفي الرجعة.

ـ والثاني: الرضخ.

فيجب أن يخرج الرضخ قبل أن يقسم الأربعة أخماس على المجاهدين.

ص: 284

والرضخ: هو كل ما يعطى من الغنيمة لمن ليس من أهل الأسهم. كالمرأة والصبي والعبد .. إلى آخره. فهؤلاء ليس لهم نصيب في الغنائم لكن لهم نصيب في الرضخ.

والرضخ ليس له حد في الشرع. إنما يرجع فيه إلى رأي الإمام ومقدار غناة الذين سيرضخ لهم من النساء والصبيان، إلا أنه لا يجوز أن يبلغ بالرضخ نصيب السهم مهما كان غناء هذا المرضوخ له من النساء والصبيان والعبيد إلا في صورة واحدة إذا رضي جميع الجيش فإذا أذن الجيش كلهم أن هذا الرجل يستحق زيادة على الرضخ بما يصل معه إلى السهم أو أكثر فلا بأس أما بدون ذلك فإنه لا يجوز لا للإمام ولا لقائد الجيش أن يزيد عن أن يصل إلى سهم المجاهد.

-

قال رحمه الله:

ثم يقسم باقي الغنيمة.

أجمع أهل العلم بلا خلاف أن المجاهدين هم أصحاب الأربعة أخماس وأنها لهم بعد إخراج خمس الغنيمة ولا يشاركهم فيه أحد.

والدليل على ذلك:

- الإجماع الذي ذكرته.

- والآية. لأنه قوله تعالى: - (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) -[الأنفال/41]. يدل على أن ما عدا هذا الخمس فهو للمجاهدين.

ثم بين المؤلف رحمه الله نصيب كل مجاهد:

- فقال رحمه الله:

للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم.

ـ الراجل من المجاهدين له سهم. وهذا بالإجماع فلم يخالف أحد من أهل العلم أن الراجل له سهم. وستأتينا النصوص الدالة على ذلك.

ـ وللفارس ثلاثة أسهم. سهم له وسهمان للفرس.

والدليل على هذا:

- ما ثبت في الصحيح في البخاري وغيره عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر أعطى الفارس ثلاثة أسهم والراجل سهم واحد.

وهذا متواتر في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي الفارس ثلاثة أسهم سهم له وسهمان للفرس والراجل يعطيه سهم واحد يعني من مجموع الغنيمة.

= وإلى هذا ذهب الجماهير والجم الغفير وأخذوا بالسنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

* * مسألة/ يشترط في الفرس ليعطى سهمين أن يكون فرساً عربياً أصيلاً: الأب والأم، فإن كان هجيناً بأن كان أحد أبويه ليس عربياً ومن باب أولى إذا كان جميع الأبوين ليسا عربيين فإنه يعطى سهم واحد.

والدليل على هذا من وجهين:

ص: 285

- الوجه الأول: أن غناء الفرس العربي وإعطاءه في الحرب أكبر وأعظم من غيره من الهجين.

- والوجه الثاني: أن أميراً لعمر بن الخطاب لما أراد قسمة الغنائم أعطى الفرس العربي سهمين وأعطى الهجين سهم واحد فلما رفعت القضية لعمر بن الخطاب أمضاها بل وأبدى إعجابه بهذا التقسيم رضي الله عنه.

= والقول الثاني: أن حديث ابن عمر عام وأن النبي صلى الله عليه وسلم في جميع معاركه لم يفرق بين العربي والهجين. أي أن القول الثاني: أن يعطى الفرس العربي والفرس الهجين سهمان ولا يفرق بينهما.

والراجح والله أعلم أنه يشترط في الفرس أن يكون عربياً:

- أولاً: لأن هذا مروي عن عمر.

- ثانياً: لأنه بالفعل لا يمكن أن يستوي العربي والهجين في الغناء والأداء أثناء الكر والفر في الحرب.

وأما قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر وفي غيرها لم يفرق بين العربي والهجين: فالجواب عليه:

أن الهجين لم يوجد لا في خيبر ولا في غير خيبر وإنما وجد الهجين بعد الفتوح التي فتحها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فهذا يدل على أن الهجين لم يوجد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فهذا الاستدلال ليس في محله بل هو استدلال بوقعة ليس فيها فرس هجين وإنما فيها أفراس عربية، فهذا والله أعلم: أقرب وهو أن نفرق بين الفرس الهجين والفرس العربي.

* * مسألة / لا يعطى المجاهد نصيب أكثر من فرسين:

- فإذا كان معه فرسان أعطي أسهم أربعة.

- وإذا كان معه خمسة وستة وسبعة وأكثر فإنه لا يعطى إلا نصيب فرسين.

- لأنه مروي عن عمر بن الخطاب أنه أعطى إلى فرسين.

= والقول الثاني: أنه لا يعطى إلا نصيب فرس واحد ولو كان قدم إلى الحرب بعشرات الخيول العربية الأصيلة فإنه لا يعطى إلا نصيب فرس واحدة. فله سهم. ولأفراسه كلها سهمين.

والصواب مع القول الأول وهو أن نبلغ بهم إلى فرسين ثم نتوقف ولا نعطيه أكثر من ذلك.

- ثم قال رحمه الله:

ويشارك الجيش سراياه فيما غنمت، ويشاركونه فيما غنم.

ما غنم الجيش دون السرايا وما غنمت السرايا دون الجيش فإنه في نهاية المعركة يجمع جميعاً ويقسم بالاشتراك بين السرايا والجيش:

ص: 286

ـ سواء كانت غنائم السرايا أولاً أو غنائم الجيش أولاً.

ـ وسواء كان غناء الجيش أعظم أو كان غناء السرية أعظم.

ففي كل الأحوال نسوي بينهم ونجمع الغنائم جمعاً واحداً ويقسمها الإمام على ما تقدم معنا.

والدليل على هذا من وجهين:

- الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة هوازن شرك بين السرايا والجيش. وهذا نص لا يمكن العدول عنه.

- الوجه الثاني: هو أن الجيش والسرايا جيش واحد فلا يمكن التفريق بينهما وإن أدى كل منهم ما عليه من القتال في ظروف معينة وفي وقت معين وفي مكان معين إلا أن الجميع جيش واحد.

فالجميع يشترك في الغنائم ولا ينظر إلى مقدار ما أتت به السرية ولا إلى مقدار ما أتى به الجيش إلا أن ظاهر كلام الفقهاء أن التنفيل بالربع والثلث يكون مما أتت به السرية وأنه لا يكون التنفيل من مجموع الغنائم وإنما يكون مما أتت به السرية.

هذا ظاهر كلام أهل العلم وإذا تأمله الإنسان وجد أنه وجيه لأنهم تسببوا في إحضار هذه الغنائم المعينة فاستحقوا أن يخصوا بالثلث أو الربع.

- ثم قال رحمه الله:

والغال من الغنيمة: يحرق رَحله كله، إلاّ السلاح والمصحف وما فيه روح.

الغال هو: الذي يكتم شيئاً من الغنائم ولا يطرحه أمام الأمير في جملة الغنائم.

وحكمه: أنه محرم بل من كبائر الذنوب نسأل الله العافية والسلامة.

والدليل على ذلك:

- قوله تعالى: - (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) -[آل عمران/161]. فالآية نص على أن هذا العمل من الكبائر وهو محرم.

ـ المسألة الثانية: عقوبة الغال.

تنقسم عقوبة الغال إلى قسمين:

- القسم الأول: أن يتولى الإمام معاقبة الغال بما يراه مناسباً من الحبس أو الضرب أو غير ذلك، وهذا مشروع وجائز بالإجماع. فللإمام أن يعاقبه بما يراه مناسباً. وللإمام أن يتركه فإن هذه العقوبة عقوبة تعزيرية.

- القسم الثاني: ما ذكره المؤلف رحمه الله وهو التحريق. بأن يقوم الإمام باحريق متاع هذا الغال كله إلا ما استثنى المؤلف رحمه الله.

= وإلى هذا ذهب الحنابلة وهو من المفردات.

واستدلوا على هذا:

- بأن النبي ثم قال صلى الله عليه وسلم أمر بتحريق مال الغال أو متاع الغال.

ص: 287

فأخذ الحنابلة بهذا النص.

والجواب عليه: أنه لا يثبت حديث صحيح مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه الأمر بالتحريق. بل ولا عن أصحابه فيما اطلعت عليه ولا عن أصحابه. إنما هناك أثر يروونه ويقولون رواه سعيد بن منصور ولا يوجد له أثر في سنن سعيد بن منصور.

= والقول الثاني: أن التحريق لا يشرع وأن الإمام يعاقب بما دون التحريق.

واستدلوا على هذا بدليلين:

- الدليل الأول: أنه ثبت في صحيح البخاري أن رجلاً أو رجلين وقعا في الغلول في معركة فتح خيبر ولم يحرق النبي صلى الله عليه وسلم أمتعتهم.

- الدليل الثاني: ما ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال. وتحريق متاع الغال من إضاعة المال.

= والقول الثالث: وهو رواية عن الإمام أحمد رحمه الله أن التحريق ليس حداً وإنما تعزيراً فلا يتحتم على الإمام أن يحرق بل يعزر به إن رأى ذلك وإلا فيعاقب بعقوبة أخرى وإلا يتركه بلا عقوبة.

وهذا القول اختاره شيخ الاسلام رحمه الله.

والقول الثاني هو مذهب الجماهير.

والراجح والله أعلم القول الثاني.

واختيار الشيخ ضعيف. ووجه الضعف:

- أولاً: أنه لا يصلح أن نسوغ للإمام أن يعاقب بما نهى عنه الشارع فإن الشارع نهى عن إضاعة المال فكيف نسوغ للإمام أن يعاقب بأمر نهى عنه الشارع.

- ثانياً: ما دام ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرق متاع الغال فكيف نوجد مثل هذه العقوبة التي ليس لها نظير في الشرع ونحكم بأن للإمام أن يصنعها تعزيراً أو حداً.

ص: 288

فالذي يظهر لي أن هذه المسألة التي هي من مفردات الحنابلة ضعيفة وإن كان تقدم معنا مراراً أن مفردات الحنابلة في الغالب قوية لأن الإمام أحمد رحمه الله لا ينفرد عن الأئمة إلا وقد اعتمد على نص صحيح. لكن في هذه المسألة يظهر لي أنه فيه ضعف بل ضعفه واضح لأنه لا فائدة من تحريق المتاع، فإن أراد الإمام أن يعزر بأخذ المال فهو جائز. وجائز بالإجماع لأن للإمام أن يعزر بما شاء من حبس وضرب وأخذ للمال، لكن أن يحرق المتاع ولا سيما أنهم في الحرب وأثناء المعركة فأرى أن هذا القول فيه ضعف واضح ويؤيد أو يقوي هذا الضعف مصادمته للنصوص الصحيحة التي فيها الغلول وليس فيها التحريق.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله ما يستثنى على مذهب الحنابلة:

- فقال رحمه الله:

إلا السلاح.

فإنه لا يجوز أن يحرق ولا أن يدخل في النار.

- لأن السلاح يحتاج إليه في الحرب فلا يجوز أن نحرق سلاح المقاتل بل يؤخذ منه ويدفع لغيره أو يبقى معه ليجاهد هو به في سبيل الله.

- ثم قال رحمه الله:

والمصحف.

كذلك لا يجوز أن يحرق المصحف.

- لما له من حرمة.

- ثم قال رحمه الله:

وما فيه روح.

لا يجوز تحريق ما فيه روح إذا افترضنا أن من متاع الغال شيء فيه روح فإنه لا يجوز أن يحرق.

لوجهين:

- الوجه الأول: أن الحيوان له حرمة. فأي حيوان مأكول له حرمة. ولذلك نهى الشارع عن تعذيب الذبيحة وعن إيذاء الحيوان وما ذلك إلا لأن له حرمة.

- والوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التعذيب بالنار وقال: (لا يعذب بالنار إلا رب النار).

إذاً: السلاح والمصحف والحيوان - يعني: وكل ما فيه روح: فلا يجوز أن يحرق على القول بالتحريق.

يضاف إلى هذا إلى ما لا يجوز أن يحرق:

- النفقة.

- وكتب أهل العلم.

- وثيابه التي عليه. فإنه لا يجوز أن يترك عرياناً.

ولعل المؤلف رحمه الله لم يذكرها لأنه معلوم: فالثياب لا يجوز أن يبقى عرياناً والنفقة ليرجع إلى أهله وكتب أهل العلم لحرمتها على كل حال صارت الآن المستثنيات ستة أمور.

- ثم قال رحمه الله:

ص: 289

وإذا غنموا أرضاً فتحوها بالسيف: خيّر الإمام بين قسمها ووقفها على المسلمين، ويضرب عليها خراجاً مستمراً، يؤخذ ممن هي بيده.

الأراضي المفتوحة تنقسم إلى قسمين:

ـ القسم الأول: ما فتحت عنوة.

ـ والقسم الثاني: ما فتحت صلحاً.

والمؤلف رحمه الله فَصَّلَ تماماً وذكر أحكام الأراضي التي فتحت عنوة ولكنه لم يتطرق للأراضي التي فتحت صلحاً وفي الحقيقة كان من الأجدر أن يتطرق لهذا النوع من الأراضي.

ونبدأ بالعنوة:

- يقول رحمه الله:

وإذا غنموا أرضاً فتحوها بالسيف: خيّر الإمام بين قسمها ووقفها على المسلمين.

= ذهب الحنابلة والجمهور والجم الغفير من أهل العلم إلى أن الإمام إذا فتح أرضاً عنوة فإنه مخير بين أن يقسمها بين المجاهدين أو يجعلها وقفاً على جميع المسلمين ويضرب عليها الخراج.

واستدلوا على هذا التخيير وأنه من حق الإمام:

- بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تارة قسم كما في خيبر وتارة لم يقسم كما في جميع الفتوحات الأخرى فإنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم إلا في خيبر فقط أما باقي الفتوحات فإنه لم يقسمها النبي صلى الله عليه وسلم.

واستدلوا أيضاً:

- بأن عمر رضي الله عنه لما فتح الشام أراد أن يقسم الأراضي بين المجاهدين فدخل عليه معاذ وهذا من فقهه رضي الله عنه وقال له: إن فعلت ذلك بقيت الأراضي الكثيرة تؤول إلى الشخص الواحد إذا مات أقربائه ثم لا تجد من يدفع للمجاهدين ويقوم بمؤونتهم. والرأي عندي أن تجعلها وقفاً على المسلمين.

ص: 290

فرأى عمر رضي الله عنه وجاهة هذا القول وأنه خير من أن يقسم بين المجاهدين ثم عزم على هذا الأمر فدخل عليه بلال رضي الله عنه وقال: يا أمير المؤمنين اقسم فإن هذه الأراضي من حق المجاهدين خذ الخمس واقسم الباقي. فتكلم معه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبين له المصلحة في إبقاء الأرض وقفاً لتفتح الأراضي التي تليها ولتكون عوناً للمجاهدين فقال: يا أمير المؤمنين خذ الخمس واقسم ثم دخل هو وجماعة وقال: يا أمير المؤمنين خذ الخمس واقسم. فقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم اكفني بلالاً وذويه. قال الراوي فما حال الحول وفيهم عين تطرف.

وإنما استجيب له - والله أعلم - لأن غرضه رضي الله عنه كان صحيحاً وكان يريد أن تبقى هذه الأراضي وقفاً ينتفع بها المجاهدون ويفتحون الأراضي التي تليها وهذا ما وقع وصار فإنها صارت عوناً وردأً للمجاهدين وصارت غلات هذه الأراضي من أعظم ما يعين على الجهاد.

ففي تصرف عمر رضي الله عنه أولاً: هم بالقسمة ثم رجع إلى الوقف مما يدل على أن الأمرين مخير فيهما الإمام.

- قال رحمه الله:

ويضرب عليها خراجاً مستمراً، يؤخذ ممن هي بيده.

إذا اختار الأمير أن لا يقسم وأن يجعلها وقفاً فإن هذه الأرض تصبح من أوقاف المسلمين وتضرب عليها الخراج ويكون الخراج بمنزلة الأجرة ويبقى الخراج يؤخذ من الأراضي ولو أسلم من هي في يده ولو انتقلت إلى مسلم فإن هذا الخراج يبقى دائماً وأبداً لأنها من الأوقاف التي يؤخذ منها الأجرة وتصرف في مصالح المسلمين.

إذاً: فكرة الخراج هي أن تؤخذ على هذه الأراضي التي أقرت في أيدي أهلها وتستمر ولو كان الذي يتولى الأرض من المسلمين. فإنها بمنزلة الأجرة وليست بمنزلة الجزية كما سيأتينا.

إذاً: هذا هو الخراج.

وعمر بن الخطاب رضي الله عنه صار في الفتوح الأخيرة كلها يسلك هذا المسلك فلما فتح الشام أوقف أراضيه ولما فتح مصر أوقف أراضيه ولما فتح العراق أوقف أراضيه. فصار رضي الله عنه يوقف الأراضي بعد أن رأى وجاهة هذا القول وهو رضي الله عنه أخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

- قال رحمه الله:

ص: 291

والمرجع في الخراج والجزية: إلى اجتهاد الإمام.

يعني: والمرجع في تقدير قيمة الخراج والجزية يرجع فيها إلى الإمام ولا يلزم أن نبقى على التقدير الذي قدره أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. بل للإمام أن يزيد عن تقدير أمير المؤمنين أو ينقص ولا يعتبر التقدير الذي قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقفاً لا يجوز الزيادة ولا النقص عليه.

والدليل على ذلك:

- أن تقدير الجزية والخراج مما يرجع فيه للإمام لأنه يتعلق بالمصالح العامة وهي تختلف باختلاف الأماكن والأزمان فما يصلح في وقت وفي أرض فقد لا يصلح في وقت وأرض آخرين.

ولذلك نقول هذا هو الصواب. وهو: أنه يرجع إلى تقدير الإمام الذي باشر القضية ولا نلتزم بتقدير عمر رضي الله عنه.

لكن بالنسبة للأراضي التي قدر فيها عمر رضي الله عنه الجزية أو الخراج وكذلك بالنسبة للأراضي التي فتحها إمام من أئمة المسلمين وقدر فيها خارجاً معيناً وجزية معينةً فلا يجوز في هاتين الصورتين العدول عن تقدير الإمام لأن هذا تقديراً مؤبداً ثابتاً لا يجوز تغييره.

لكن ما يفتح من الأراضي فنحن لا نلتزم بتقدير أمير المؤمنين عمر بل للإمام أن يتخير مبلغاً معيناً يرى أنه أنسب.

وقبل أن ننتقل فقد نسينا القسم الثاني:

ـ القسم الثاني: ما فتح صلحاً.

وهو القسم الذي لم يذكره المؤلف رحمه الله.

وما فتح صلحاً ينقسم إلى قسمين:

ـ القسم الأول: أن يصالح الكفار عليه على أن يبقى في أيديهم وهو ملك للمسلمين، فهذا حكمه حكم الأراضي التي فتحت عنوة تماماً. فيكون وقفاً مستمراً كالأجرة على هذه الأرض، فإن أسلم الذين فتحت أرضهم صلحاً بقيت الأجرة. وإن انتقلت الأرض إلى مسلم بقيت الأجرة.

ـ القسم الثاني: ما صولحوا عليه على أنه لهم، فهذا:

- حكم الأرض: أنها ملك لأهلها تباع وتوهب وتورث.

- وحكم ما يؤخذ منها: حكم الجزية. فيسقط إذا أسلم أهل الأرض أو انتقلت إلى مسلم.

ص: 292

إذاً: القسم الثاني: إذا صالحنا الكفار على أنه يؤخذ منهم قدراً معينا مما ينتج من الأرض والأرض ملك لهم فهذا كما قلت حكمه حكم الأملاك وهو لهم يتوارثونه ويبيعونه كيف شاؤوا وإذا أسلموا أو انتقلت إلى مسلم سقط الخراج لأن الخراج هنا بمنزلة الجزية.

-

ثم قال رحمه الله:

ومن عجز عن عمارة أرضه: أُجبر على إجارتها أو رفع يده عنها.

إذا لم يستطع الإنسان أن يعمر أرضه بالزراعة أو بالبناء والإيجار فإنه يجبر إجباراً على أحد أمرين:

- إما أن يقوم بالواجب عليه. بأن يزرع أو يعمر.

- أو يدفعها إلى غيره:

ـ إما على سبيل التأجير.

ـ أو على سبيل الانتقال.

- أو تنزع منه الأرض.

فليس هناك خيار رابع فهو مخير بين أحد هذه الثلاثة أمور: إما أن يعمر هو ويزرع أو يدفعها دفعاً مجانياً أو بأجرة إلى غيره ليعمل أو تنزع منه. فيقوم الإمام بنزع هذه الأرض وإعطائها لمن يقوم بالعمل فيها.

والدليل على ذلك:

- أن في هذه الأرض حقاً للمسلمين يضيع لو لم نفعل ذلك. ولا يجوز تضييع حقوق المسلمين بتركه وما يشاء بدون عمل.

- ثم قال رحمه الله:

ويجري فيها الميراث.

يعني: أنها تنتقل إلى الورثة انتقال الميراث.

والوارث حكمه حكم المورث فكل ما قيل في أحكام المرث تنطبق على الوارث تماماً سواء كانت أرض صلح أو أرض عنوة.

-

ثم قال رحمه الله:

وما أُخذ من مال مشرك بغير قتال كجزية وخراج

بدأ المؤلف رحمه الله بالكلام عن مال الفيء ولو أنه وضع فصلاً أو تنبيه لأنه بدأ بالكلام عن مال الفيء لكان أوضح في التنظيم.

والفيء: هي الأموال التي تؤخذ من الكفار بغير قتال.

وذكر المؤلف رحمه الله أمثلة هذه الأموال.

- فيقول رحمه الله:

وما أُخذ من مال مشرك بغير قتال كجزية.

هذا النوع الأول من أموال الفيء وهي الجزية.

والجزية هي: الأموال المضروبة على رؤوس أهل الذمة، تؤخذ من كل رأس منهم حسب ما يقدره الإمام، والنبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ قدر جزية الكفار بدينار على كل رأس، فهذه الجزية تتعلق بالرؤوس ولا تتعلق بالأراضي.

- ثم قال رحمه الله:

وخراج.

الخراج هو: ما يؤخذ من الأراضي التي أقرت في أيدي أصحابها كأجرة.

ص: 293

وتقدم معنا تفصيل ما يتعلق بالخراج وأنه لا يسقط بحال.

-

ثم قال رحمه الله:

وعشر.

العشر هو: ما يأخذه ولي الأمر من التجار من أهل الذمة أو من الحربيين الذين يجتازون حدود الدولة الإسلامية مفابل تركهم وتأمين الطريق لهم. يؤخذ منهم عشر الأموال فنحصي جميع الأموال التي مروا بها ونأخذ منهم العشر.

- قال رحمه الله:

وما تركوه فزعاً.

ما تركوه فزعاً فكذلك هو من الفيء ويصرف مصارف الفيء.

- لأنه أخذ بغير قتال.

وظاهر عبارة المؤلف رحمه الله أن ما تركوه فزعاً سواء كان بخبر أو بسماع قدوم جيش أو بغير ذلك. ففي الكل يعتبر فيئاً وليس غنيمة.

= والقول الثاني: أن ما تركوه فزعاً بسبب الجيش يعتبر غنيمة ولو لم يحصل قتال.

فإن:

- اعتبرناه فيئاً فيصرف مصارف الفيء.

وإن اعتبرناه غنيمة فيصرف مصارف الغنيمة التي تقدمت معنا الآن مفصلة.

-

ثم قال رحمه الله:

وخُمس خمس الغنيمة: ففيء يصرف في مصالح المسلمين.

ص: 294