المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حكم المبادلة بالنقد مع التفاضل - شرح زاد المستقنع - الشنقيطي - التفريغ - جـ ٣٣٧

[محمد بن محمد المختار الشنقيطي]

فهرس الكتاب

- ‌ كتاب النفقات [4]

- ‌وقت استحقاق المرأة للنفقة تسليمها نفسها للزوج

- ‌التسليم الحقيقي للمرأة

- ‌التسليم الحكمي للمرأة

- ‌لزوم نفقة المرأة بتسليمها لزوجها ولو كان صغيراً

- ‌لزوم نفقة المرأة على زوجها ولو كان مريضاً أو معيباً

- ‌حكم امتناع المرأة عن تسليم نفسها حتى تقبض صداقها الحال

- ‌حكم امتناع المرأة بعد تسليمها نفسها

- ‌إعسار الزوج بالنفقة

- ‌خيار الفسخ للمرأة في حال إعسار الزوج بالنفقة

- ‌تخيير المرأة عند إعسار الزوج بالكسوة

- ‌تخيير المرأة عند إعسار الزوج ببعض النفقة

- ‌ما يلتحق بالإعسار بالنفقة من الصور

- ‌الأسئلة

- ‌حكم التضييق على المرأة في النفقة إذا كانت تجعلها في الحرام

- ‌حكم القول بأن نسك الإفراد منسوخ

- ‌الفرق بين بيع التورق والتقسيط

- ‌حكم أداء تحية المسجد وقت الأذان يوم الجمعة

- ‌حكم من اعتمر وسعى ثلاثة أشواط فقط

- ‌حكم من صلى بالناس وهو محدث جاهلاً حدثه ثم علم بعد الصلاة

- ‌حكم بيع التماثيل للكفار

- ‌حكم المبادلة بالنقد مع التفاضل

الفصل: ‌حكم المبادلة بالنقد مع التفاضل

‌حكم المبادلة بالنقد مع التفاضل

‌السؤال

كانت مع أخي [500] ومعي [490] فاحتاج الصرف الذي معي، هل يجوز أن أبادله ما معي بما معه، أم يشترط التماثل رغم أنه قال: الزائد هدية مني إليك.

‌الجواب

الصرف لا يجوز في المتماثلين إلا مثلاً بمثل يداً بيد، ففي الحديث الصحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد - وفي لفظ - سواء بسواء، فمن زاد أو استزاد فقد أربى).

وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى في الصحيح: (لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض - يعني: لا تزيدوا بعضها على بعض- ولا تبيعوا الفضة بالفضة إلا مثلاً بمثل، ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا غائباً منها بناجز).

فبين عليه الصلاة والسلام أنه يجب عند صرف الذهب بالذهب والفضة بالفضة أن يكون مثلاً بمثل، وهذه الأوراق النقدية ينظر إلى رصيدها، فإذا كان رصيدها من الذهب كالجنيهات والدولارات والدنانير وجب صرفها مثلاً بمثل يداً بيد، وإن كان رصيدها من الفضة كالريالات والدراهم فإنه يجب أن يكون صرفها مثل بعضها مع اتحاد الصنف، ريالات بريالات مثلاً بمثل يداً بيد.

وأما كوننا ننظر إلى أن هذه ورقة وهذا حديد -كما يوصف الريال بالحديد- وأن هذا من اختلاف الصنفين فهذا بعيد، لأن هذه العملة في الأصل أعطيت مستنداً لدين، وهذا الدين كان ريالاً فضة حقيقياً، وكوننا لا نستطيع الوصول إلى الرصيد لا يلغي الأصل من وجود الدين، لأن الدين لا يُلغى رصيده حتى ولو ألغي حقيقة بالتعامل مع الجماعات في الدول بعضها مع بعض، وهذا أمر ينبغي أن ينتبه له، ولذلك يجب صرفها مثلاً بمثل ويداً بيد، فيجب فيها التماثل ويجب فيها التقابض.

ثانياً: أن هذا ليس من العدل وليس من الإنصاف، ولهذا حرمت الشريعة صرف الذهب بالذهب متفاضلاً؛ لأن المسلم يظلم أخاه حين يصرف ديناراً بدينارين، ظُلم صاحب الدينارين، والظلم الموجود في صرف الدينار بالدينارين في القديم موجود في هذه الورق نفسها في صرف الـ[500] بالـ[490]-مثلاً- لا يشك أحد، وهل أحد يشك أنه لو صرفت 10 ريالات من الورق بـ 9 ريالات من الحديد أنه لا يظلم صاحب الورق؟ لا يشك في هذا، ولولا أنه محتاج ومضطر ما صرف العشرة بالتسعة، وهذا كل واحد يعرفه والله عز وجل يقول:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29] والرضا غير موجود في هذا، ولذلك تجده يعطيها وهو كاره وهو مضطر، وهو محتاج إلى هذا الشيء.

وذكر العلماء في علل الربا والمعاني التي من أجلها حرمت الشريعة الدرهم بالدرهمين والدينار بالدينارين: أن هذا ظلم للفقراء، ويجعل الأغنياء يحتكرون الأموال، فإذا جاء الغني وعنده أموال يريد أن يصرفها، صار الذي عنده سيولة أكثر يأخذ أموالاً بدون تعب وعناء، وهذا هو الموجود الآن في الصرف، فإنه إذا كان عند الشخص القطع المعدنية استغل حاجة أصحاب المرض، فاليوم يصرف له عشرة ريالات بتسعة، وغداً لو صرفها بخمسة ريالات لم ينكر عليه أحد؛ لأنه يقول: عندي فتوى بجواز هذا، ولذلك تجده يمر على الشخص يكون له راتب دون [500] ريال فيصرف الخمسمائة بالنقص ثم المئات بالنقص، ثم الخمسينات بالنقص، ثم العشرات بالنقص، ماذا يبقى له من راتبه؟ يؤول له الأمر بعد أن كدح وتعب على [500] إلى أنها [490] والمستفيد الأول والأخير هو الغني على حساب الفقير.

ونفس المعنى موجود في الذهب والفضة لا يختلف عنه، فيتضرر الأفراد وتتضرر الجماعة بالصرف المتفاضل، والموجود في القديم موجود الآن إذا صرف الريال بغيره متفاضلاً.

ثانياً: لو قيل: إن هذا الورق ليس له رصيد، فلماذا أمر بزكاته؟ فالله ما أمرنا بزكاة الورق، إنما أمر بزكاتها لأن رصيدها مأمور بزكاته، والورق ليس فيه زكاة، إذ ليس في شرع الله أمر بتزكية الورق إنما أمر بتزكيتها لأن رصيدها من الذهب، أو رصيدها من الفضة، فالعلة كلها تدور على أن الرصيد ألغي، فنقول: لو أن شخصاً استدان من شخص وأعطاه مستنداً وقال له: لا رصيد لك، لم يصح شرعاً، كذلك إلغاء الرصيد واقعٌ في غير موقعه، أي: لا يؤثر في حقيقة الريال؛ ولذلك تجد نفس الخمسمائة تسمى خمسمائة ريال التي هي برأس واحد وورقة واحدة، والخمسمائة من المئات تسمى باسم واحد فالورق هو نفس الورق، والاسم هو نفس الاسم، ولذلك سمي الحديد باسم الورق، ولهذا كان الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، العلامة الإمام المجدد، هذا الإمام العظيم الذي في الحقيقة ما رأيت عالماً حفظ الفقه على أصول المتقدمين مع عمق في العلم والورع مثل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه، ومن أراد أن ينظر إلى الفقه المؤصل الذي أبدع فيه وأجاد رحمه الله خاصة في الفتاوى يحار من دقة هذا الإمام -والله لا أقولها مبالغة إنها حقيقة- من يدرس هذه الفتاوى يجد فيها العجب، وحدثني من أثق به من المشايخ، يقول: أنا كنت من رجال الحسبة، وكان يرسلني لتعزير من يصرف الريال بتسعة عشر أو ثمانية عشر قرشاً، قال: أنا ممن عزر في هذا بأمره، كان يرى أنه يجب صرفها متماثلة، وعلى كل حال: الصحيح أنه يجب فيها التماثل ويجب فيها التقابض وأن تكون مثلاً بمثل يداً بيد، إعمالاً للأصل، والله تعالى أعلم.

أما قوله: الباقي لك هدية، فهذا حيلة، وإذا أراد أن يهدي فليقبض أولاًَ ثم يهدي، فهناك عقد صرف وهناك عقد هدية، فبعد ما ينتهي الصرف على السنن الشرعي يعطيه ما شاء، وحينئذ سترى هل تجد هدية أو لا تجد؟ وعلى كل حال هذه حيلة على الشرع، فمكنه من مالك ثم انظر هل يهدي أو لا يهدي، على كل حال الأصل يقتضي أن تقبض ويقبض، وانظروا إلى عدل الشرع، فإنه من أروع وأجمل ما يكون! الناس يظنون أنه إذا حرمنا هذه المعاملات أننا نضيق، والله ما من حكم يستنبط من الشريعة فيه تحريم إلا وجدت فيه من الرحمة ما لا يحصى، ثم انظر إلى عدل الشريعة: تعطيه خمسمائة كاملة، وتقول الشريعة: لا تأخذ بذلها إلا كاملة، يقول لك: أنا راضٍ، تقول له: ترضى بإتلاف مالك!! هذا سفه، والشريعة تحجر على السفيه، ولو كان راضياً أن يدفع تسعة مقابل عشرة، لكن لا يرضى بذلك عاقل.

ولذلك حرمت الشريعة بيع درهم بدرهمين، ودينار بدينارين، حتى لا يستغل الغني الفقير والقوي الضعيف، وهذا من عدل الله عز وجل، وتجد أن الشريعة أمرت بالتماثل في الموزونات والمكيلات، لكن المعدودات ليس فيها تماثل؛ لأنك لو أردت أن تبيع ثوباً بثوبين فقد تجد الثوب من الجودة بحيث يكافئ الثوبين، لكن الموزون محرر والمكيل محرر، وهذه الريالات في أصلها من الورق لها وزنها، ولذلك وجب النصاب فيها بالوزن، (ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة)، فهذا يعني الموزونات والمكيلات، فكله من عدل الله عز وجل، لأن المكيل ينضبط، فلا تستطيع أن تكون عادلاً مع أخيك إذا أخذت الصاع بالصاعين، وأخذت المد بالمدين، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا وأمر بالتماثل فيها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ص: 22