المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب افتراق الأمم] - البداية والنهاية - ت التركي - جـ ١٩

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌[كِتَابُ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَالْأُمُورِ الْعِظَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]

- ‌[مُقَدِّمَةُ الْمُصَنِّفِ]

- ‌[خَبَرُ الْأُبُلَّةِ]

- ‌[ذِكْرُ قِتَالِ الْهِنْدِ]

- ‌[حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فِي قِتَالِ التُّرْكِ]

- ‌[حَدِيثُ عُبَادَةَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَ الْمِائَةِ سَنَةٍ]

- ‌[حَدِيثٌ فِيمَا بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ]

- ‌[ذِكْرُ سَنَةِ خَمْسِمِائَةٍ]

- ‌[ذِكْرُ الْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي ظُهُورِ نَارٍ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ أَضَاءَتْ لَهَا أَعْنَاقُ الْإِبِلِ بِبُصْرَى]

- ‌[ذِكْرُ إِخْبَارِهِ صلى الله عليه وسلم بِالْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَ زَمَانِنَا هَذَا]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ الْفِتَنِ جُمْلَةً ثُمَّ نُفَصِّلُ ذِكْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى]

- ‌[بَابُ افْتِرَاقِ الْأُمَمِ]

- ‌[ذِكْرُ شُرُورٍ تَحْدُثُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ الْمَهْدِيِّ الَّذِي يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ]

- ‌[ذِكْرُ أَنْوَاعٍ مِنَ الْفِتَنِ وَقَعَتْ وَسَتَكْثُرُ وَتَتَفَاقَمُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعْدَادِ الْآيَاتِ وَالْأَشْرَاطِ الْوَاقِعَةِ]

- ‌[ذِكْرُ قِتَالِ الْمَلْحَمَةِ مَعَ الرُّومِ الَّذِي يَكُونُ آخِرُهُ فَتْحَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ الدَّجَّالِ بَعْدَ وُقُوعِ الْمَلْحَمَةِ الرُّومِيَّةِ وَفَتْحِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ]

- ‌[الْكَلَامُ عَلَى أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ]

- ‌[حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي الدَّجَّالِ]

- ‌[حَدِيثُ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلَابِيِّ عَنِ الدَّجَّالِ]

- ‌[حَدِيثٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ صُدَيِّ بْنِ عَجْلَانَ فِي مَعْنَى حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ]

- ‌[ذِكْرُ أَحَادِيثَ مَنْثُورَةٍ فِي الدَّجَّالِ]

- ‌[ذِكْرُ مَا يَعْصِمُ مِنَ الدَّجَّالِ]

- ‌[مُلَخَّصُ سِيرَةِ الدَّجَّالِ]

- ‌[صِفَةُ الدَّجَّالِ]

- ‌[خَبَرٌ عَجِيبٌ وَنَبَأٌ غَرِيبٌ]

- ‌[ذِكْرُ نُزُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا إِلَى الْأَرْضِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ]

- ‌[ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[حَدِيثٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي أَمْرِ السَّاعَةِ]

- ‌[صِفَةُ الْمَسِيحِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام]

- ‌[ذِكْرُ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ]

- ‌[ذِكْرُ تَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ شَرَّفَهَا اللَّهُ عَلَى يَدَيْ ذِي السُّوَيْقَتَيْنِ الْأَفْحَجِ الْحَبَشِيِّ]

- ‌[ذِكْرُ تَخْرِيبِهِ إِيَّاهَا]

- ‌[الْمَدِينَةُ النَّبَوِيَّةُ لَا يَدْخُلُهَا الدَّجَّالُ]

- ‌[خُرُوجُ الدَّابَّةِ]

- ‌[حَدِيثٌ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ]

- ‌[ذِكْرُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا]

- ‌[ذِكْرُ الدُّخَانِ الَّذِي يَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[ذِكْرُ الصَّوَاعِقِ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ]

- ‌[ذِكْرُ وُقُوعِ الْمَطَرِ الشَّدِيدِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[بَابُ ذِكْرِ أُمُورٍ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ، مِنْهَا مَا قَدْ وَقَعَ، وَمِنْهَا مَا لَمْ يَقَعْ بَعْدُ]

- ‌[صِفَةُ أَهْلِ آخِرِ الزَّمَانِ]

- ‌[ذِكْرُ طُرُقِ حَدِيثِ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ]

- ‌[حَدِيثٌ فِي تَقْرِيبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا سَلَفَ مِنَ الْأَزْمِنَةِ]

- ‌[ذِكْرُ دُنُوِّ السَّاعَةِ وَاقْتِرَابِهَا]

- ‌[ذِكْرُ زَوَالِ الدُّنْيَا وَإِقْبَالِ الْآخِرَةِ]

- ‌[حَدِيثُ الصُّورِ بِطُولِهِ]

- ‌[النَّفْخُ فِي الصُّورِ]

- ‌[ذِكْرُ أَمْرِ هَذِهِ النَّارِ وَحَشْرِهَا النَّاسَ إِلَى أَرْضِ الشَّامِ]

- ‌ نَفْخَةِ الصَّعْقِ

- ‌[فَصْلٌ اللَّهُ يَقْبِضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْأَرَضِينَ وَتَكُونُ السَّمَاوَاتُ بِيَمِينِهِ]

- ‌[سِتُّ آيَاتٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[نَفْخَةُ الْبَعْثِ]

- ‌[ذِكْرُ أَحَادِيثَ فِي الْبَعْثِ]

- ‌[حَدِيثُ أَبِي رَزِينٍ فِي الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ]

- ‌[ذِكْرُ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[ذِكْرُ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ يَوْمُ النَّفْخِ فِي الصُّورِ لِبَعْثِ الْأَجْسَادِ مِنْ قُبُورِهَا وَأَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[ذِكْرُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]

- ‌[ذِكْرُ بَعْثِ النَّاسِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا، وَذِكْرُ أَوَّلِ مَنْ يُكْسَى يَوْمَئِذٍ مِنَ النَّاسِ]

- ‌[ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ وَالْأَثَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ]

- ‌[فَصْلٌ إِذَا قَامَ النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ وَجَدُوا الْأَرْضَ غَيْرَ صِفَةِ الْأَرْضِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا]

- ‌[ذِكْرُ طُولِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَا وَرَدَ فِي مِقْدَارِهِ]

- ‌[ذِكْرُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي خُصَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي الْحَوْضِ النَّبَوِيِّ الْمُحَمَّدِيِّ]

- ‌[ذِكْرُ أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا وَأَنَّ حَوْضَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَعْظَمُهَا وَأَجَلُّهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَجِيءِ الرَّبِّ سبحانه وتعالى كَمَا يَشَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَ خَلْقِهِ]

- ‌[ذِكْرُ كَلَامِ الرَّبِّ تَعَالَى مَعَ آدَمَ عليه السلام]

- ‌[كَلَامُ الرَّبِّ تَعَالَى مَعَ نُوحٍ عليه السلام وَسُؤَالُهُ إِيَّاهُ عَنِ الْبَلَاغِ]

- ‌[ذِكْرُ تَشْرِيفِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عليه السلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ]

- ‌[ذِكْرُ مُوسَى صلى الله عليه وسلم وَظُهُورِ شَرَفِهِ وَجَلَالَتِهِ وَكَرَامَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]

- ‌[ذِكْرُ عِيسَى عليه الصلاة والسلام وَكَلَامِ الرَّبِّ مَعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَرَدَ فِي كَلَامِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ مَعَ الْعُلَمَاءِ يَوْمَ فَصْلِ الْقَضَاءِ]

- ‌[ذِكْرُ أَوَّلِ كَلَامِهِ عز وجل لِلْمُؤْمِنِينَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مُخَاطَبَةِ اللَّهِ عز وجل لِعَبْدِهِ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إِبْرَازِ النِّيرَانِ، وَالْجِنَانِ، وَنَصْبِ الْمِيزَانِ، وَمُحَاسَبَةِ الدَّيَّانِ]

- ‌[ذِكْرُ إِبْدَاءِ عُنُقٍ مِنَ النَّارِ إِلَى الْمَحْشَرِ فَيَطَّلِعُ عَلَى النَّاسِ]

- ‌[ذِكْرُ الْمِيزَانِ]

- ‌[بَيَانُ كَوْنِ الْمِيزَانِ لَهُ كِفَّتَانِ حِسِّيَّتَانِ مُشَاهَدَتَانِ]

- ‌[إِنْكَارُ الْمُعْتَزِلَةِ لِلْمِيزَانِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ]

- ‌[الْحُكْمُ فِيمَنْ ثَقُلَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ بِحَسَنَةٍ أَوْ بِحَسَنَاتٍ]

الفصل: ‌[باب افتراق الأمم]

[بَابُ افْتِرَاقِ الْأُمَمِ]

وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " تَفَرَّقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتْ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ وَهَبِ بْنِ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ دِينَارٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " «افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ". قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ:" الْجَمَاعَةُ ".» تَفَرَّدَ بِهِ، وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ.

ص: 36

وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا: حَدَّثَنَا هِشَامٌ، هُوَ ابْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ افْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَإِنَّ أُمَّتِي سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ» ". وَهَذَا إِسْنَادٌ قَوِيٌّ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا.

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ. وَأَبِي سَعِيدٍ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي اخْتِلَافٌ وَفُرْقَةٌ، وَقَوْمٌ يُحْسِنُونَ الْقِيلَ، وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ» ". الْحَدِيثَ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، هُوَ ابْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَرَازِيُّ - قَالَ أَحْمَدُ - عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَنَّهُ قَامَ فَقَالَ: «أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فِينَا، فَقَالَ: " أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ

ص: 37

الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ» ". تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَفِي " مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ " «أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا سَأَلُوهُ عَنِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: " مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي» .

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوْدَاةَ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِثْلًا بِمِثْلٍ» ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ".

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّ الْمَخْلَصَ مِنَ الْفِتَنِ عِنْدَ وُقُوعِهَا اتِّبَاعُ الْجَمَاعَةِ وَلُزُومُ الْإِمَامِ بِالطَّاعَةِ إِذَا كَانُوا عَلَى حَقٍّ وَاتِّبَاعِ الشَّرْعِ، وَإِذَا فَسَدُوا فَلَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ، فَإِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ عز وجل، فَإِذَا خَالَفْتُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ السَّلَامِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَلَفٍ الْأَعْمَى، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " «إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى

ص: 38

ضَلَالَةٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الِاخْتِلَافَ فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ» ". وَلَكِنْ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ; لِأَنَّ مُعَانَ بْنَ رِفَاعَةَ السَّلَامِيَّ قَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ:" «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ; الْحَقِّ وَأَهْلِهِ» ". وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَقُولُ: السَّوَادُ الْأَعْظَمُ مُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ الطُّوسِيُّ. وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْحَقِّ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ هُمْ أَكْثَرَ الْأُمَّةِ; فَكَانَ لَا يُوجَدُ فِيهِمْ مُبْتَدِعٌ لَا فِي الْأَقْوَالِ وَلَا الْأَفْعَالِ، وَفِي الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ فَقَدْ يَجْتَمِعُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ عَلَى بِدْعَةٍ، وَقَدْ يَخْلُو الْحَقُّ فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ عِصَابَةٍ يَقُومُونَ بِهِ، كَمَا قَالَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ:«فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِمَامٌ وَلَا جَمَاعَةٌ؟ قَالَ لَهُ: " فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» ". وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: "«بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ» ". وَسَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ: "«لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللَّهُ اللَّهُ» ".

وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَتِ الْفِتَنُ، فَإِنَّهُ يَسُوغُ اعْتِزَالُ النَّاسِ حِينَئِذٍ، كَمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:" «إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيهِ، فَعَلَيْكَ بِخُوَيْصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ أَمْرَ الْعَوَامِّ» ".

وَفِي رِوَايَةٍ: " «إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً فَعَلَيْكَ

ص: 39

بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، فَإِنَّ مِنْ بَعْدِكُمْ زَمَانَ الصَّبْرِ، صَبْرٌ فِيهِنَّ كَقَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ» "، وَقَدِ اعْتَزَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ النَّاسَ وَالْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ وَهُمْ أَئِمَّةٌ كِبَارٌ; كَأَبِي ذَرٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، حَتَّى اعْتَزَلُوا مَسْجِدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي الصَّلَاةُ فِيهِ بِأَلْفِ صَلَاةٍ. وَاعْتَزَلَ مَالِكٌ الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ مَعْرِفَتِهِ الْحَدِيثَ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَكَانَ لَا يَشْهَدُ جُمُعَةً وَلَا جَمَاعَةً، وَكَانَ إِذَا لِيمَ فِي ذَلِكَ يَقُولُ: مَا كَلُّ مَا يُعْلَمُ يُقَالُ. وَقِصَّتُهُ مَعْرُوفَةٌ، وَكَذَلِكَ اعْتَزَلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَخَلْقٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ; لِمَا شَاهَدُوهُ مِنَ الظُّلْمِ وَالشُّرُورِ وَالْفِتَنِ خَوْفًا عَلَى إِيمَانِهِمْ أَنْ يُسْلَبَ مِنْهُمْ، وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِي كِتَابِ " الْعُزْلَةِ " وَكَذَلِكَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا قَبْلَهُ مِنْ هَذَا جَانِبًا كَبِيرًا.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " "«يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ; يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ» ". لَمْ يُخْرِجْهُ مُسْلِمٌ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ بِهِ، وَيَجُوزُ حِينَئِذٍ سُؤَالُ الْمَوْتِ وَطَلَبُهُ مِنَ اللَّهِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ وَالظُّلْمِ وَإِنْ كَانَ قَدْ نُهِيَ عَنْهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا صَحَّ بِهِ الْحَدِيثُ ".

ص: 40

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو يُونُسَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:" «لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ وَلَا يَدْعُو بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ وَثِقَ بِعَمَلِهِ فَإِنَّهُ إِنْ مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَإِنَّهُ لَا يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمُرُهُ إِلَّا خَيْرًا» ". وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ سُؤَالِ الْمَوْتِ عِنْدَ الْفِتَنِ، الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ " عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَهُوَ حَدِيثُ الْمَنَامِ الطَّوِيلُ. وَفِيهِ:" «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ، وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي، وَإِذَا أَرَدْتَ بِقَوْمٍ فِتْنَةً فَتَوَفَّنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ» ".

وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ شَدِيدٌ لَا يَكُونُ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ جَمَاعَةٌ قَائِمَةٌ بِالْحَقِّ، إِمَّا فِي جَمِيعِ الْأَرْضِيَّةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ

ص: 41

عِلْمٍ، فَضَّلُوا وَأَضَلُّوا» ". وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ:" «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ» ". وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ": " وَهُمْ بِالشَّامِ ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ: وَهُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ شَرَاحِيلَ بْنِ يَزِيدَ الْمَعَافِرِيِّ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا أَمْرَ دِينِهَا» ". تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ. ثُمَّ قَالَ ": عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ لَمْ يَجُزْ بِهِ شَرَاحِيلَ. يَعْنِي أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ، وَقَدِ ادَّعَى كُلُّ قَوْمٍ فِي إِمَامِهِمْ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَالظَّاهِرُ، وَاللَّهِ أَعْلَمُ، أَنَّهُ يَعُمُّ حَمَلَةَ الْعِلْمِ الْعَامِلِينَ بِهِ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ، مِمَّنْ عَمَلُهُ مَأْخُوذٌ عَنِ الشَّارِعِ، أَوْ مِمَّنْ هُوَ مُوَافِقٌ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ وَكُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الْعُلَمَاءِ، مِنْ مُفَسِّرِينَ، وَمُحَدِّثِينَ، وَقُرَّاءَ، وَفُقَهَاءَ، وَنُحَاةٍ، وَلُغَوِيِّينَ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَنْ فَسَدَ مِنْ عُلَمَائِنَا كَانَ فِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَمَنْ فَسَدَ مِنْ عُبَّادِنَا كَانَ فِيهِ شَبَهٌ مِنَ النَّصَارَى.

ص: 42

وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءَ» ". ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْعِلْمَ لَا يُنْتَزَعُ مِنْ صُدُورِ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ أَنْ وَهَبَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهُ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ بُنْدَارٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُحَدِّثُكُمْ بِهِ أَحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُهُ مِنْهُ:" «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَفْشُوَ الزِّنَى، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ، وَيَبْقَى النِّسَاءُ، حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ» ". وَأَخْرَجَاهُ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، مِنْ حَدِيثِ غُنْدَرٍ، بِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «يَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامٌ، يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ، وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ» ". وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، بِهِ ".

وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ، حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا

ص: 43

صَلَاةٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ، وَيُسْرَى عَلَى الْكِتَابِ فِي لَيْلَةٍ، فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ، وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ; الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، وَالْعَجُوزُ، يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَنَحْنُ نَقُولُهَا ". فَقَالَ لَهُ صِلَةُ: مَا تُغْنِي عَنْهُمْ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا صَلَاةٌ وَلَا صِيَامٌ، وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: يَا صِلَةُ، تُنْجِيهِمْ مِنَ النَّارِ. ثَلَاثًا» .

وَهَذَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يُرْفَعُ مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، حَتَّى إِنَّ الْقُرْآنَ يُسْرَى عَلَيْهِ فَيُرْفَعُ مِنَ الْمَصَاحِفِ وَالصُّدُورِ، وَيَبْقَى النَّاسُ بِلَا عِلْمٍ وَلَا قُرْآنٍ، وَإِنَّمَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ الْمُسِنَّةُ يُخْبِرَانِ أَنَّهُمْ أَدْرَكُوا النَّاسَ وَهُمْ يَقُولُونَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَهُمْ يَقُولُونَهَا أَيْضًا عَلَى وَجْهِ التَّقَرُّبِ بِهَا إِلَى اللَّهِ عز وجل، فَهِيَ نَافِعَةٌ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْعِلْمِ النَّافِعِ غَيْرُهَا، وَقَوْلُهُ: تُنْجِيهِمْ مِنَ النَّارِ. يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمْ دُخُولَ النَّارِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَيَكُونُ فَرْضُهُمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الْقَوْلَ الْمُجَرَّدَ عَنِ الْعَمَلِ، لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِمْ بِالْأَعْمَالِ، الَّتِي لَمْ يُخَاطَبُوا بِهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ نَجَاتَهُمْ مِنَ النَّارِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ إِلَيْهَا، وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَكُونُ سَبَبَ نَجَاتِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ الدَّائِمِ الْمُسْتَمِرِّ. وَعَلَى هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُرَادِينِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ:" «وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأُخْرِجَنَّ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ". كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ قَوْمًا آخَرِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 44

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الْعِلْمَ يُرْفَعُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَيَكْثُرُ الْجَهْلُ، فِي رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ: وَيَنْزِلُ الْجَهْلُ. أَيْ يُلْهَمُ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ الْجَهْلَ، وَذَلِكَ مِنْ قَهْرِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَخِذْلَانِهِ إِيَّاهُمْ، نُعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ لَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ فِي تَزَايُدٍ مِنَ الْجَهَالَةِ وَالضَّلَالَةِ، إِلَى مُنْتَهَى الْآجَالِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ:" «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ: اللَّهُ اللَّهُ» "، وَ " «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى أَشْرَارِ النَّاسِ» ".

وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُطَرِّحِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «إِنَّ لِهَذَا الدِّينِ إِقْبَالًا وَإِدْبَارًا، وَإِنَّ مِنْ إِقْبَالِهِ أَنَّ تَفْقَهَ الْقَبِيلَةُ بِأَسْرِهَا حَتَّى لَا يَبْقَى فِيهَا إِلَّا الْفَاسِقُ أَوِ الْفَاسِقَانِ، فَهُمَا ذَلِيلَانِ فِيهَا مُضْطَهَدَانِ، إِنْ تَكَلَّمَا قُهِرَا وَذُلَّا وَاضْطُهِدَا، وَإِنَّ مِنْ إِدْبَارِ هَذَا الدِّينِ أَنْ تَجْفُوَ الْقَبِيلَةُ بِأَسْرِهَا فَلَا يَبْقَى فِيهَا إِلَّا الْفَقِيهُ أَوِ الْفَقِيهَانِ، فَهُمَا ذَلِيلَانِ مُضْطَهَدَانِ، إِنْ تَكَلَّمَا قُهِرَا وَاضْطُهِدَا، وَيَلْعَنُ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا، أَلَا وَعَلَيْهِمْ حَلَّتِ اللَّعْنَةُ، حَتَّى يُشْرَبَ الْخَمْرُ عَلَانِيَةً، وَحَتَّى تَمُرَّ الْمَرْأَةُ بِالْقَوْمِ، فَيَقُومَ إِلَيْهَا بَعْضُهُمْ، فَيَرْفَعَ بِذَيْلِهَا كَمَا يَرْفَعُ بِذَنَبِ النَّعْجَةِ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: أَلَا وَارَيْتَهَا وَرَاءَ حَائِطٍ. فَهُوَ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِيكُمْ، وَمَنْ أَمَرَ يَوْمَئِذٍ بِمَعْرُوفٍ، وَنَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، فَلَهُ أَجْرُ خَمْسِينَ مِمَّنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي وَأَطَاعَنِي وَبَايَعَنِي» ".

ص: 45