المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ٢٦

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة:

المعروف المشتهر المستفيض عند أهل العلم أنه قال: "سيب الله من سيب أبي" فالمسيب أبوه، وعلى كل حال هو المشتهِر، المشهور الفتح ولو نقل عنه ما نقل، المشتهر الفتح، وعلى كل حال من اتقى هذه الدعوة إن ثبتت فالأمر سهل، يعني لو قال: المسيِب يتقي هذه الدعوة بقدر الإمكان، ولا يبعد أن يكون أبوه بالفتح، لكنه رأى أن هذا من التسيب وهو الترك، مثلما أراد النبي عليه الصلاة والسلام تغير اسم جده حزن إلى سهل، فقال جده للنبي عليه الصلاة والسلام: السهل يوطأ، وما قبل التغيير هذا، يقول سعيد: ما زالت الحزونة فينا، وأما بالنسبة للتسييب هل ما زال فيهم أو ما زال؟ إن كان سعيد المسيِب فلا بقي أحد، سعيد إمام أئمة المسلمين، عند الإمام أحمد هو أفضل التابعين على الإطلاق، هو أفضل التابعين على الإطلاق عند الإمام أحمد، وإن كان أصحابه من الحنابلة خصوا ذلك بالعلم وإلا فأويس القرني أفضل منه بالنص.

سم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-:

‌باب: ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة:

حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن معاذة أن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها قالت: أتقضي إحدانا صلاتها أيام محيضها؟ فقالت: أحرورية أنتِ؟! قد كانت إحدانا تحيض فلا تؤمر بقضاء.

قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي عن عائشة من غير وجه أن الحائض لا تقضي الصلاة، وهو قول عامة الفقهاء لا اختلاف بينهم في أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

ص: 3

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة" الحائض لفظ يطلق ويراد به المتلبسة بهذا الوصف، ويطلق ويراد به من بلغت سن المحيض، يطلق ويراد به المتلبسة بالحدث المعروف كما أنه يطلق ويراد به من بلغت سن المحيض "أتقضي إحدانا صلاتها أيام محيضها؟ " يعني أيام تلبسها بالحيض، ولا نزاع في ذلك، وفي قوله عليه الصلاة والسلام:((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) معناه المتلبسة بالمحيض، والمراد هنا الحائض

، ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) المراد من بلغت سنة المحيض، ولا يقال: إن الصلاة مطلوبة من الحائض لكنها لا بد أن تختمر، المراد بالحائض من بلغت سنة المحيض المكلفة، وليست المتلبسة بحيض، فالصلاة والصيام لا يصحان منها، يعني المتلبسة بالحيض، بل يحرمان عليها أثناء حيضها، وإذا طهرت من محيضها لزمها قضاء الصوم ولا تقضي الصلاة كما هو مفاد هذا الحديث وغيره.

ص: 4

قال -رحمه الله تعالى-: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب -السختياني- عن أبي قلابة" عبد الله بن زيد الجرمي، وكلهم الثقات الذين مروا "عن معاذة" ثقة أيضاً، بنت عبد الله العدوية "أن امرأة سألت عائشة" امرأة هذا مبهم، يسمونه في علوم الحديث مبهم، والمبهم فيه المؤلفات سواء كان الإبهام في الإسناد أو في المتن، وهنا الإبهام في المتن، ومن أجمع هذه المؤلفات:(المستفاد من مبهمات المتن والإسناد) للحافظ أبي زرعة ابن الحافظ العراقي، جاء تسمية المرأة وبيان هذا المبهم بأنها هي معاذة "عن معاذة أن امرأة سألت عائشة" فأحياناً تقول: سألت عائشة، وأحياناً تقول: إن امرأة سألت عائشة، والإبهام له فوائد: منها: الستر على هذا المبهم؛ لأن الجواب فيه شدة، فأحياناً ينشرح صدرها لتسمية نفسها، وأن هذا لا يؤثر عليها مثل هذا الجواب القوي، وأحياناً تكون النفس دون ذلك، فلا تصرح باسمها، والتسمية أيضاً والبحث عن المبهم عند أهل العلم مهم جداً، ولو لم يكن من فوائده إلا معرفة تقدم هذا الذي ورد ذكره في الخبر أو تأخره، وأحياناً يكون فيه من الصفات والأحوال ما يحمل عليه الخبر، لا سيما إذا عورض، المقصود أن المبهمات بيانها وتمييزها مهم عند أهل العلم "قالت: إن امرأة سألت عائشة قالت" يعني في سؤالها "أتقضي إحدانا صلاتها أيام محيضها؟ " لأنها تجزم أنها لا تصلي وقت المحيض ولا تصوم، وأنها تقضي الصيام، عندها خبر أنها تقضي الصيام، لكن هل الصيام يقاس عليه الصلاة أو أن هذا الحكم يخصه؟ وهي تسأل سؤال المتعلم لا سؤال المتعنت، وإن كان الجواب كأنها عوملت معاملة من يطلب الدليل على ذلك، ويتعنت في سؤاله "فقالت عائشة رضي الله عنها: أحرورية أنت؟! " استفهام إنكاري، تنكر عليها هذا السؤال، ولا شك أن مثل هذا السؤال محتمل؛ لئن يكون للإفادة وطلب العلم، وأن يكون للتعجيز، أو يكون لطلب الدليل، أو يكون لأي أمر من الأمور، أو لأن السائل ممن يعتقد ما سأل عنه، ولذا قالت: أحرورية أنت؟! نسبة إلى حروراء بلدة على ميلين من الكوفة، أول ما خرج الخوارج منها، الخوارج انبعثوا في أول الأمر على علي -رضي الله تعالى عنه- منها، فصارت نسبة الخوارج إليها، ولو

ص: 5

عاشوا في غيرها، ولو نشوا ووجود في غيرها بناء على أن الأصل منها، أحرورية أنت؟! لأن الخوارج يرون أن الحائض تقضي الصلاة كالصوم، ولا شك أن الذي يشم من سؤاله موافقة المبتدعة يمكن أن يشد عليه في القول، وإن كانت المسألة مسألة دعوة حتى في جانب المبتدع فإن كان إغلاظ القول له أجدى وأنفع وأردع له ولغيره اتجه وإلا فالأصل اللين في الدعوة والرفق بالمدعو كما هي عادته وديدنه عليه الصلاة والسلام، "فقالت: أحرورية أنت؟! " وفي بعض الروايات: "قالت: لا" لكني أسأل سؤالاً مجرداً من أجل العلم والفقه في هذه المسألة، النبي عليه الصلاة والسلام لما جاءه من يستأذنه في الزنا رفق به عليه الصلاة والسلام، فقال: ((أترضى أن يزنى بأمك؟ )) قال: لا، ((بأختك؟ )) قال: لا ((ببنتك؟ )) قال: لا، لكن مثل ما ذكرنا أن المسألة مسألة علاج لهذا السائل ولهذا المدعو، وأمرنا أن ننزل الناس منازلهم، فإذا فهمنا أن هذا متعنت لا شك أنه يعامل معاملة تختلف عما إذا كان متعلماً مستفهماً، فلكل مقام مقال، ثم قالت عائشة: "قد كانت إحدانا تحيض" يعني في عهد النبي عليه الصلاة والسلام "فلا تأمر بقضاء" أي لا يأمرها النبي عليه الصلاة والسلام بقضاء، وفي رواية مسلم: "فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" لا نؤمر بقضاء الصلاة؛ لأن الصلاة كما قال أهل العلم تتكرر فيشق قضاؤها، وأما بالنسبة للصوم فإنه لا يتكرر فلا يشق قضاؤه، هذا ما ذكره أهل العلم، والأصل في هذا كله ما جاء عنه عليه الصلاة والسلام، وليس لأحد كلام ولا نزاع في أن يقول: لماذا هذا يقضى وهذا لا يقضى؟ وإن كنا نسمع ونقرأ بعض من ينبش عن هذه الأمور، ويرى أن الشرع جاء بالتفريق بين المتماثلات والجمع بين المختلفات على حد زعمهم، ونبتت نابتة من يستعملون العقول ويحكمونها في النصوص، هؤلاء لا يلتفت إليهم، هؤلاء قوم مفتونون، لا يلتفت إليهم وإلا فالأصل أن قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، إذا صح الخبر عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، لا مجال للكلام، سمعنا واطعنا، وأما الذين يتبعون المتشابه من أهل الزيغ، ويرون أن هذه المسألة نظيرها كذا وهذه أبيحت وهذه منعت، هذا لا شك

ص: 6