المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في الوضوء من الموطأ: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ٢٧

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في الوضوء من الموطأ:

"وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين، وبه يقول أحمد وإسحاق قالا: لا يقوم إلى الصلاة وهو يجد شيئاًَ من الغائط أو البول، وقالا: إن دخل في الصلاة فوجد شيئاً من ذلك فلا ينصرف ما لم يشغله" يعني ما لم يذهب الخشوع، ما لم يذهب عقل صلاته؛ لأنه ليس له من صلاته إلا ما عقل، فإن أذهب الخشوع، والخشوع عند الجمهور سنة صلاته صحيحة، وعند الظاهرية إذا صلى وهو يدافع أحد الأخبثين صلاته باطلة، وابن رجب والغزالي يوجبان الخشوع، فعلى هذا هو آثم، وإن كانت صلاته صحيحة لكنه آثم "وقال بعض أهل العلم: لا بأس أن يصلي وبه غائط أو بول ما لم يشغله عن ذلك" يعني إذا كان لا يشغله عن صلاته بأن كان خفيفاً ليس بشديد الوطأة عليه.

سم.

عفا الله عنك.

‌باب: ما جاء في الوضوء من الموطأ:

حدثنا أبو رجاء قتيبة قال: حدثنا مالك بن أنس عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لعبد الرحمن بن عوف قالت: قلت لأم سلمة: إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يطهره ما بعده)).

قال: وفي الباب عن عبد الله بن مسعود قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نتوضأ من الموطأ. قال أبو عيسى: وهو قول غير واحد من أهل العلم قالوا: إذا وطيء الرجل على المكان القذر أنه لا يجب عليه غسل القدم إلا أن يكون رطباً فيغسل ما أصابه.

قال أبو عيسى: وروى عبد الله بن المبارك هذا الحديث عن مالك بن أنس عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لهود بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة، وهو وهم، وليس لعبد الرحمن بن عوف ابن يقال له: هود؛ وإنما هو عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة وهذا الصحيح.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الوضوء من الموطأ" مفعل فيما حققه الشيخ: أحمد شاكر نقلاً عن كتب اللغة، فهو مفعل موطأ وبعض النسخ مضبوطة، موطئ حتى في الأصول العتيقة المخطوطة، موطئ مفعل، والمراد به ما يوطأ في الطريق من الأذى، وأصله الموطوء قاله الخطابي.

ص: 27

إذا وطئ الإنسان الأذى برجله أو بثوبه أو بخفه الرجل ما ورد فيها نص فلا بد أن تغسل إذا كان نجساً، إذا كان نجساً رطباً، اليابس لا ينجس اليابس لكن إذا كان رطباً لا بد من غسلها، الذيل الثوب فيه حديث الباب، وفيه الكلام الذي يأتي، وإذا وطأ أحدكم الأذى بخفيه فطهورهما التراب، يعني يدلك هذين الخفين فيكفي الدلك ويصلي بهما، يصلي بخفيه؛ لأن هذا تطهيره؛ لأن التطهير الأصل فيه الماء، لكن ما ورد فيه نص يكتفى بالنص، منهم من يقول: الأذى ما هو دون النجاسة، يدلك وخلاص، وأما النجاسة فلا بد من غسلها، كما هو المستفيض في نصوص الطهارة، وعلى كل حال في حديث الباب شيء من التفصيل.

قال: "حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد قال: حدثنا مالك بن أنس عن محمد بن عمارة" بن حزم المدني صدوق "عن محمد بن إبراهيم" بن الحارث التيمي، راوي حديث: الأعمال بالنيات، ثقة "عن أم ولد لعبد الرحمن بن عوف" وفي الموطأ وأبي داود:"لأم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف" ولا شك أن مال الولد مال لأبيه، فهي ملك لولد الولد لإبراهيم، وكونها تنسب لأبيه لأن الولد وما يملك لأبيه ((أنت ومالك لأبيك)) "قالت" أم الولد هذه واسمها: حميدة كما جاء في بعض الروايات، تابعية صغيرة مقبولة "قلت لأم سلمة: إن امرأة أطيل" من الإطالة "ذيلي" طرف الثوب الذي يلي الأرض، ومعلوم أن ثوب المرأة لا بد أن يكون طويلاً، واستأذن الناس في إطالة الثوب خشية أن تنكشف العورات، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:((ترخيه شبراً)) قالت: إذاً تنكشف أقدامنا، قال:((ترخيه ذارعاً)) هذه عادة أهل التحري، أهل الالتزام، أهل الاستقامة، أهل التدين، بخلاف نساء اليوم التي وقعن في تبرج الجاهلة الأولى وضممنا إلى ذلك جاهلية القرن العشرين على ما قالوا.

ص: 28

يقول القرطبي في تفسيره عند قوله: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [(33) سورة الأحزاب] من مظاهر تبرج الجاهلية الأولى شق القميص من الجانبين، والآن اذهب إلى الأسواق شوف ويش اللي يعرض بالأسواق؟ كلها إلا من ندر مشقوقة من الجانبين، شق القميص من الجانبين، ثم انظر عاد إذا أرادت المرأة أن تركب في السيارة مع هذا الشق الله المستعان، ومع الأسف أنه يوجد من طالبات علم تنتسب إلى العلم الشرعي، وقد يكون زوجها طالب علم، وقد يكون والدها طالب علم ومع ذلك ((لتتبعن سنن من كان قبلكم)) والصحابية يقول الرسول:((ترخيه شبراً)) قالت: لا تنكشف أقدامنا، قال:((ذراع)) وعهدنا النساء إلى قريب من ثلاثين سنة والنساء على هذا، الثوب يسحب ذراع، والآن في أقدس البقاع تجد المرأة تلبس ثوباً رقيقاً كاسية عارية، يظهر ما تحتها أجمل مما لو كانت عارية، والملابس الداخلية كأنها في غرفة النوم ظاهرة، نسأل الله السلامة والعافية، والفتنة إنما تكون بالنساء، فتنة النساء شر من الفتن الأخرى، كثير من الناس يسمع شهوات وشبهات وكذا ويثبت أمام هذه الشهوات وهذه الشبهات، لكن أمام النساء لا يستطيع الثبات، فعلى الإنسان أن يتحمل الأمانة بحق التي حمله الله إياها، ويذكر في مناسبات وأعراس المسلمين شيء لا يطيق الإنسان التحدث به، بل لا يطيق سماعه فضلاً عن مشاهدته، والله المستعان، مع ما جاء أيضاً من الشرور المستطيرة من التصوير وغيره، وكم من عفيفة ابتليت في مثل هذه المناسبات، صورت وكانت مستترة إلا أنها صورت ودبلجت معها صورة عارية وضغط عليها، وضغط على وليها وحصل من ذلك كوارث نسأل الله السلامة والعافية، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه ولمن تحت يده.

ص: 29

"قالت: قلت لأم سلمة: إني امرأة أطيل ذيلي" من الإطالة طرف الثوب الذي يلي الأرض "وأمشي في المكان القذر" والقذر أعم من النجس، قد يكون فيه رطوبة، وقد يكون فيه فضلات أطعمه وما أشبه ذلك، أو أشياء رطبة لكنها طاهرة، وقد يكون فيه نجاسة، وهو أعم من نجس "فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يطهره ما بعده)) " يعني من الأماكن الطاهرة، لكن المستقر من نصوص الشريعة أن النجاسة لا بد من غسلها، وأن الرطب إذا باشر شيئاً نجساً أو النجاسة رطبة فإنه لا بد من غسلها بالماء.

"فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يطهره)) " يعني يطهر الذيل ما بعده من الأماكن الطاهرة، قال الخطابي: كان الشافعي يقول: إنما هو فيما جر على مكان يابس أو على ما كان يابساً لا يعلق بالثوب منه شيء، وأما ما جر على رطب فلا يطهره إلا الغسل، والحديث أخرجه الإمام مالك وأحمد والدارمي وأبو داود، وسكت عنه هو والمنذري، فهو حسن أو صالح على ما سيأتي في شرط أبي داود، وعلى كل حال إذا نظرنا في إسناده وجدنا أنه صالح، يعني ما فيه إلا هذه التابعية مقبولة لا بد من متابعتها، لا بد أن تتابع عليه.

قال: "وفي الباب" يعني له شواهد الحديث "وفي الباب عن عبد الله بن مسعود" عند أبي داود وسكت عنه هو والمنذري وابن ماجه، وصححه الحاكم، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نتوضأ من الموطأ، قال الخطابي: إنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء، لا نتوضأ من الموطأ، كلام صحيح ولو كان نجساً؛ لأن وطأ النجاسة لا تنقض الوضوء، لا تنقض الطهارة، هذا كلام ما في إشكال، قال الخطابي: إنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء للأذى إذا أصاب أرجلهم لأنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم ولا ينظفونها إلا من الأذى إذا أصابها، الكلام فيه شوي تقديم وتأخير، قال: إنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء، لا يلزم الإعادة من وطأ النجاسة، إنما يجب غسل هذه النجاسة، إنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء للأذى إذا أصاب أرجلهم لا أنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم ولا ينظفونها من الأذى إذا أصابها.

ص: 30

"قال أبو عيسى: وهو قول غير واحد من أهل العلم قالوا: إذا وطيء الرجل على المكان القذر أنه لا يجب عليه غسل القدم إلا أن يكون رطباً فيغسل ما أصابه" كما تقدم نقله عن مذهب الشافعي، والبيهقي حمل الحديث على النجاسة اليابسة، وأنهم كانوا لا يغسلون الرجل من وطأ النجاسة اليابسة، وبوب عليه البيهقي في المعرفة باب: النجاسة اليابسة يطأها برجله أو يجر عليها ثوبه لا تؤثر، يعني لا تأثر فيه.

"قال أبو عيسى: وروى عبد الله بن المبارك هذا الحديث عن مالك بن أنس عن محمد بن عمارة عن محمد بن إبراهيم عن أم ولد لهود بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة وهو وهم" يعني غلط "وليس لعبد الرحمن بن عوف ابن يقال له: هود، وإنما هو عن أم ولد لإبراهيم" والذي في حديث الباب عن أم ولد لعبد الرحمن، وسبق توجيهه "عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أم عن أم سلمة وهذا الصحيح" على كل حال إذا كانت النجاسة رطبة فالنصوص كلها تدل على أنها تغسل، وحديث الباب يمكنه على القذر دون النجاسة إلا أن قوله:((يطهره)) التطهير إنما أن يكون عن حدث أو نجس، لكنه في لغة العرب معناه التنظيف، والتنظيف كما يكون من النجس يكون من الطاهر أيضاً إذا كان يقذر.

الدلك بالنسبة للخف لا شك أنه جاء في الخبر ((فطهورهما التراب)) ويكفي فيه الدلك إذا كان لا يتشرب النجاسة، ولهذا يقول شيخ الإسلام: إن الشيء الصقيل الذي لا تشربه النجاسة يكفي مسحه كالسكين، يعني ما ذكر عنهم أنهم كانوا يغسلون السكاكين بعد الذبح، الدم المسفوح نجس لكن ما ذكر عنهم .. ، يمسحونه فقط، وما ذكر عنهم أنهم .. ، فلو وقعت هذه النجاسة على شيء صقيل، يقول: يكتفى بمسحه، إذا وقع على شيء يتضرر بالماء، وقعت نجاسة على كتاب إذا غسلته خلاص انتهى مثلاً، مثل هذا يكتفى بمسحه، إذا وقع على شيء

، شيخ الإسلام يتسمح في هذا كثيراً، لا سيما فيما يترتب عليه إتلاف، فإذا وقعت النجاسة على ملح مثلاً ما تصنع؟ تغسل المحل يذوب ينتهي، لكن لا ما نع أن يغسل غسل دون غسل، تخفف هذه النجاسة بقدر الإمكان، وكذلك لو وقع على شيء يتلفه الماء فإنه يتسمح فيه على رأي شيخ الإسلام رحمه الله.

سم.

عفا الله عنك.

ص: 31