المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب: ما جاء في النوم عن الصلاة: - شرح سنن الترمذي - عبد الكريم الخضير - جـ ٣٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌باب: ما جاء في النوم عن الصلاة:

من أهل العلم من يقول: إن هذه الصلاة هي المكتوبة، لو افترضنا أنك صليت الصلاة في أول وقتها منفرداً، ثم وجدت ناس يصلون جماعة صليت معهم، الفريضة هي الأولى في قول الأكثر، من أهل العلم من يقول: لا، الثانية هي الفريضة لأنها أكمل، والله -جل وعلا- يحتسب لعبده الأكمل من صلاتيه، والضمائر محتملة، ((فإنها لكما نافلة)) الضمير يعود على ما صليتما في رحالكما، ولو قال قائل -وقد قيل-: إن الضمير يعود على هذه التي صليت مع الجماعة، لكان له وجه، لكن الأكثر على أن الأولى هي الفريضة، وهي التي صادفت المحل، قال:"وأبو عمران الجوني اسمه: عبد الملك بن حبيب" وهو مشهور بكنيته.

سم.

قال:

‌باب: ما جاء في النوم عن الصلاة:

حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة فقال: ((إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)).

وفي الباب عن ابن مسعود وأبي مريم وعمران بن حصين وجبير بن مطعم وأبي جحيفة وأبي سعيد وعمرو بن أمية الضمري وذي مخبر، وهو ابن أخي النجاشي.

وحديث أبي قتادة حديث حسن صحيح، وقد اختلف أهل العلم في الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ أو يذكر وهو في غير وقت صلاة عند طلوع الشمس أو عند غروبها فقال بعضهم: يصليها إذا استيقظ أو ذكر، وإن كان عند طلوع الشمس أو عند غروبها، وهو قول أحمد وإسحاق والشافعي ومالك، وقال بعضهم: لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

ص: 17

"باب: ما جاء في النوم عن الصلاة: لا شك أن النائم مرفوع عنه القلم، ولا يؤاخذ؛ لارتفاع مناط التكليف الذي هو العقل، فلا يؤاخذ النائم ما لم يتسبب في تفويت الصلاة، فإذا تسبب في استغراقه في النوم عن الصلاة فإنه حينئذٍ يأثم على التسبب، فالنائم الذي نام واحتمال أن يمر به وقت صلاة كالنائم في الليل، أو قبل صلاة الظهر، أو قبل صلاة العصر، أو قبل صلاة من الصلوات عليه أن يوجد الأسباب التي تعينه على الاستيقاظ، ويعهد إلى من يوقظه، كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام حينما عهد بذلك إلى بلال، لا بد أن يعهد إلى أحد يوقظه سواءً كان آدمياً أو آلة، أو غير ذلك مما يوقظه، ويتم به المقصود، أما ما لا يتم به المقصود فوجوده مثل عدمه.

إذا رأى أنه جرت العادة أنه لا يستيقظ برنة الساعة أو جوال أو ما أشبه ذلك، نقول: لا يكفي، لا بد أن يكون الأمر أبلغ من ذلك، ولا بد أن ينفي الموانع التي تمنعه من القيام عن الصلاة كالسهر مثلاً، أو التعب الشديد الذي يجعله يستغرق في النوم، بحيث لا يحس إذا أيقظ فلا بد من بذل الأسباب للاستيقاظ، ولا بد من انتفاء الموانع وإلا أثم لمخالفته ذلك.

ص: 18

قال رحمه الله: "حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد عن ثابت -بن أسلم- البناني" وهو ثقة عابد "عن عبد الله بن رباح الأنصاري" وهو ثقة أيضاً، من الطبقة الثالثة، فكلهم ثقات "عن أبي قتادة" الصحابي الجليل الحارث بن ربعي "قال: ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة" هذا في القصة الطويلة التي نام فيها النبي عليه الصلاة والسلام عن الصلاة، وهم معه، فجعل بعضهم يهمس إلى بعض ما كفارة ذلك؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام:((إنه ليس في النوم تفريط)) والضمير اسم (إن) هو ضمير الشأن ((إنه ليس في النوم تفريط)) تقصير؛ لأن القلم مرفوع عن النائم ما لم يفرط، فلا يبذل سبب، فالنبي صلى الله عليه وسلم بذل السبب وعهد بالإيقاظ إلى بلال لكنه نام، وأخذ بنفسه الذي أخذ بأنفسهم، فإذا وكل ذلك إلى أحد يوقظه فقد أخذ بالسبب، ولا بد من نفي المانع كما ذكرنا سابقاً، فلا يسهر حتى إذا بقي على الصلاة ساعة قال: أنام وأبذل السبب، أنت بذلت السبب صحيح، لكنك أوجدت المانع من القيام فلا يجوز حينئذٍ السهر في هذه الحالة.

ص: 19

((إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة)) يعني في حال اليقظة، في حال التكليف ((فإذا نسي أحدكم صلاة)) يعني تركها نسياناً {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] ((أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)) ((فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)) يعني رفع الإثم في حال النسيان {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] هل يعفيه من الصلاة إذا ذكرها؟ في الحديث:((فليصلها إذا ذكرها)) المأمورات لا بد من الإتيان بها، ولو عذر في تركها نسياناً دون تفريط؛ لأن النسيان عند أهل العلم ينزل الموجود منزلة المعدوم ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، المؤاخذة والإثم مرفوع {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [(286) سورة البقرة] قال: قد فعلت، لكن لا يعفى عن فعل ما تركه نسياناً، فالنسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، شخص صلى بغير طهارة هل نقول: إن صلاته صحيحة لأنه ناسي؟ لا، نقول: النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، ومثله لو صلى الظهر ثلاث ركعات، نقول: لا بد أن يأتي برابعة؛ لأن النسيان لا ينزل المعدوم منزلة الموجود، لكنه نسي وصلى خمس نقول: صلاته صحيحة، لو تعمد بطلت صلاته، لكن هذا ناسي، سهو، زاد خامسة، صلاته صحيحة؛ لأن النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، ((فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)) يعني بعد النسيان والنوم هكذا رواه الترمذي مختصراً، ورواه مسلم مطولاً، وفيه قصة نومهم عن صلاة الصبح.

ص: 20

هم في سفر ثم ناموا قبل صلاة الصبح، ووكل الإيقاظ إلى بلال، فما استيقظوا إلا بحر الشمس، فاستيقظ أبو بكر وعمر، وعرفوا من عادته عليه الصلاة والسلام أنه لا يوقظ حتى يستيقظ، فكبر عمر فرفع صوته بالذكر، فاستيقظ النبي عليه الصلاة والسلام، ثم أمرهم عليه الصلاة والسلام بالارتحال عن المكان الذي ناموا فيه إلى محل آخر، انتقلوا عن هذا المكان الجمهور قالوا: إنه انتقل عن المكان للعلة المنصوصة في بعض الروايات، وهو أنه مكان حضر فيه الشيطان، والحنفية يقولون: انتقل عن المكان ليخرج وقت النهي، مع أن وقت النهي خرج قبل ذلك؛ لأنهم أيقظهم حر الشمس، ولا يكون للشمس حر إلا وقد انتهى وقت النهي.

انتقلوا من المكان الذي حضر فيه الشيطان، شخص في بيته في غرفته استيقظ بعد طلوع الشمس بساعة هل نقول له: انتقل من هذا المكان الذي حضر فيه الشيطان إلى مكان آخر؟ ولنفترض أن البيت غرفة واحدة كما كان في عصر سلف هذه الأمة، كبيوته عليه الصلاة والسلام، البيت غرفة واحدة، نقول له: اخرج من البيت لأنه حضر فيه الشيطان؟ طيب متى يرجع؟ هذا قال جمع من أهل العلم: إن هذا خاص به عليه الصلاة والسلام، هو الذي عرف أن هذا المكان حضر فيه الشيطان، وهل كل مكان تفوت فيه الصلاة في مثل هذه الصورة يكون حضر فيه الشيطان؟

النبي عليه الصلاة والسلام تنام عيناه ولا ينام قلبه، تنام عيناه ولا ينام قلبه فكيف نام عن الصلاة وقلبه يقظان؟ نقول: إنه في هذه الحالة نام قلبه عليه الصلاة والسلام، وإن كانت العادة جرت أن قلبه لا ينام من أجل التشريع، والنبي عليه الصلاة والسلام إنما ينسى ليسن، يسهو في الصلاة من أجل أن يسن، ويكون هذا أكمل في حقه، ونام عن الصلاة من أجل تشريع الصلاة بالنسبة لمن خرج وقتها عليه غير مفرط بنوم أو نسيان.

ص: 21

ونومه عليه الصلاة والسلام عن الصلاة في هذه الصورة من نعم الله -جل وعلا- على أمته، يعني لو تصورنا أن النبي عليه الصلاة والسلام ما نام ولا مرة عن الصلاة، ماذا يكون للمسلم المتحري المحتاط لدينه؟ هذا لا شك أنه يلحقه من الحزن والأسى شيء قد لا يحتمله، قد يكدر وينكد عليه صلاته، لكن يتسلى بأن النبي عليه الصلاة والسلام فاتته الصلاة بسبب النوم، ويكون يعني أهدأ لباله، وإن كان يناله شيء من الأسى ولا بد؛ لأن هذا لا شك أنه خلاف الأصل، الأصل أن تصلى الصلاة في وقتها.

"وفي الباب عن ابن مسعود" عند أبي داود والنسائي "وأبي مريم" يقول الشارح: لم أقف عليه "وعمران بن حصين" عند البخاري ومسلم "وجبير بن مطعم" يقول: الشارح أيضاً: لم يقف عليه "وأبي جحيفة" واسمه: وهب السوائي عند أبي يعلى والطبراني "وأبي سعيد وعمرو بن أمية الضمري" عند أبي داود "وذي مخبر""ويقال: ذي مخمر" وبعضهم يصوب الميم، كالأوزاعي، وكان لا يقوله إلا بالميم، ومثله في طبقات ابن سعد، "وهو ابن أخي النجاشي" وحديثه عند أبي داود "قال أبو عيسى: وحديث أبي قتادة حديث حسن صحيح" وهو مخرج في صحيح مسلم مطولاً، ورواه أيضاً أبو داود والنسائي "وقد اختلف أهل العلم" لكن لو كان العكس، إحنا نقول: رواه مسلم مطولاً، لكن لو كان العكس مطول عند الترمذي ومختصر عند مسلم ماذا نقول؟ نقول: رواه الترمذي وأصله في مسلم، يعني أصل القصة موجود في مسلم لا تفصيلها.

ص: 22

"وقد اختلف أهل العلم في الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ أو يذكر وهو في غير وقت صلاة عند طلوع الشمس أو عند غروبها" يعني استيقظ وقد بقي على طلوع الشمس دقيقة أو دقيقتان يتمكن من الوضوء فيهما ثم يحرم يكبر تكبيرة الإحرام مع بزوغ الشمس أو مع غروبها في الوقت المضيق الذي نهينا فيه عن الصلاة، استيقظ في هذا الوقت المضيق والصلاة صلاة فجر أو صلاة عصر "وقد اختلف أهل العلم في الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ أو يذكر وهو في غير وقت صلاة -يعني في وقت نهي- عند طلوع الشمس أو عند غروبها، فقال بعضهم: يصليها إذا استيقظ أو ذكر" إذاً حديث الباب: ((فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها)) يعني بمجرد ذكره إياها يصليها، بغض النظر عن الوقت، وتكون الفريضة مستثناة من أحاديث النهي، وبهذا قال أحمد وإسحاق والشافعي ومالك وهو قول الجمهور؛ لأن الفرائض لا تدخل في أحاديث النهي.

"وقال بعضهم: لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب" لأن هذا وقت نهي، ووقت نهي مغلظ، والأحاديث -أحاديث النهي- تشمل الفرائض والنوافل، وبه قال الحنفية، وأدلتهم أحاديث النهي.

لكن حديث: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) الركعة الثانية ستكون وقت بزوغ الشمس في الوقت المغلظ، والركعة الثانية من العصر ستكون وقت غروب الشمس وهو الوقت المغلظ، فماذا يقول الحنفية في مثل هذا؟ يقولون: إذا طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته ولو صلى ركعة، والحديث حجة عليهم، ولا يقولون مثل هذا في صلاة العصر، إذا غابت عليه الشمس يكملها؛ لأنها إذا طلعت يدخل وقت نهي، وإذا غابت يخرج وقت نهي، فيفرقون بين هذه وهذه، المقصود أن جمهور أهل العلم أن صلاة الفريضة لا تدخل في أحاديث النهي، والحنفية يجعلونها شاملة للنوافل والفرائض، ولا شك أن الراجح هو قول الجمهور، ((فليصلها إذا ذكرها)) وأيضاً:((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) وهذا وقت مغلظ، وأمر بإكمالها:((فليضف إليها أخرى)) كما جاء في بعض الروايات.

ص: 23