الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتفقتين قلبها حرف مد صريحاً: أي ألفاً إن انفتحت الأولى، وواواً إن انضمت
وياء إن انكسرت، وهذا معنى قوله " وجاء في المتفقتين حذف إحداهما، وقلب الثانية كالساكنة " ومن خففها معاً - وهم أهل الحجاز - جمع بين وجهي التخفيف المذكورين الآن.
وأما إن كانت الأولى ساكنة نحو اقرأ آية، وأقْرِئْ أباك السلام، ولم يردُؤ أبوك، ففيه أيضا أربعة مذاهب: أهلُ الحجاز يخففونهما معاً، وغيرهم يحققون: إمّا الأولى وحدها، أو الثانية وحدها، وجماعة يحققونها معاً - كما ذكرنا في المتحركتين - وهم الكوفيون، وحكى أبو زيد عن العرب مذهباً خامساً، وهو إدغام الأولى في الثانية كما في سائر الحروف، فمن خفف الأولى وحدها قلبها ألفاً إن انفتح ما قبلها، وواواً إن انضم، وياء إن انكسر، ومن خفف الثانية فقط نقل حركتها إلى الأولى الساكنة وحذَفها، وأهل الحجاز المخففون لهما معاً قلبوا الأولى ألفاً أو ياء أو واواً، وسهلوا الثانية بينَ بينَ إذا وليت الالف، لامتناع النقل إلى الالف، وحذفوها بعد نقل الحركة إلى ما قبلها إذا وليت الواو والياء، لإمكان ذلك، فيقولون: اقْرَا آية، بالألف في الأولى والتسهيل في الثانية، وأقْرِيَ أباك، بالياء المفتوحة بفتحة الهمزة المحذوفة، ولم يردوا أبوك، بالواو المفتوحة، وعليه قس نحو لم تَردُوُ امُّك، ولم تَرْدُوِ ابِلُكَ، وغير ذلك، وكذا إذا كانت الثانية وحدها ساكنة، نحو من شاءَ ائْتُمِنَ، فلا بد من تحريك أولاهما فيصير من هذا القسم الاخير.
قال: "
الإِعْلَالُ:
تَغْييرُ حَرْفِ الْعِلَّةِ لِلتَّخْفِيفِ، وَيَجْمَعُهْ الْقَلْبُ، وَالْحَذْفُ، وَالإْسْكانُ.
وَحُرُوفُةُ الأَلفُ، وَالْوَاوُ، وَالْيَاءُ.
وَلَا تكون الالف أصلا في الْمُتَمَكِّن وَلَا فِي فِعْلٍ، وَلَكِنْ عَنْ وَاو أَوْ يَاءِ " أقول: اعلم أن لفظ الإعلال في اصطلاحهم مختص بتغيير حرف العلة: أي
الألف والواو والياء، بالقلب أو الحذف، أو الإسكان.
ولا يقال لتغيير الهمزة بأحد الثلاثة: إعلال، نحو رَاسٍ ومَسَلَةٍ والمِرَاةِ، بل يقال: إنه تخفيف للهمزة، ولا يقال أيضاً لإبدال غير حروف العلة والهمزة، نحو هِيَّاك وعَلِجِّ (1) في إيّاكَ وعَلِيٍّ.
ولا لحذفها نحو حرفي حِرْح، ولا لإسكانها نحو إبْلٍ في إبِل، ولفظ القلب مختص في اصطلاحهم بإبدال حروف العلة والهمزة بعضها مكان بعض، والمشهور في غير الأربعة لفظ الإبدال، وكذا يستعمل في الهمزة أيضاً قوله:" للتخفيف " احتراز عن تغيير حرف العلة في الأسماء الستة نحو أبوك وأباك وأبيك، وفي المثنى وجمع السلامة المذكر نحو مُسلمان وَمُسلِمَيْن، ومَسلِمُون ومسْلِمِين، فإن ذلك للإعراب لا للتخفيف، وقد اشتهر في اصطلاحهم الحذف الإعلالي للحذف الذي يكون لعلة موجبة على سبيل الإطراد، كحذف ألف عصاً وياء قاضٍ، والحذف الترخيميُّ والحذفُ لا لعلة غير المطرد، كحذف لام يدودم وإن كان أيضاً حذفا للتخفيف قوله " ويجمعه القلبُ، والحذفُ، والإسكانُ " تفسيره كما ذكرنا في تخفيف الهمزة في قوله " يجمعه الإبدال، والحذف، وبين وبين " قوله: " وحروفه الألف، والواو، والياء " أي: حروف الاعلال، تسمى
(1) هذا التمثيل غير صحيح، وذلك لان هياك أصله إياك، فهو من إبدال الهمزة، وعلج أصله على، فهو من إبدال الياء، وهو أحد حروف العلة، وبعيد أن يكون غرضه المبدل لا المبدل منه، وخير من هذا أن يمثل بأصيلال، وأصله أصيلان، فأبدل النون لاما، ومنه قول النابغة الذبيانى وقفت فيها أصيلالا أسائلها * عيت جَوَاباً وَمَا بالرَّبْعِ مِنْ أحَدِ والتمثيل بالطجع، وأصله اضطجع، فأبدلت الضاد لاما، ومنه قول الرجز: لَمَّا رأَى أنْ لَادَعَه وَلَا شَبَعْ * مَالَ إلى أرطاة حقف فالطجع (*)
الثلاثة حروف العلة، لأنها تتغير ولا تبقى على حال، كالعليل المنحرف المزاج المتغير حال بحال، وتغيير هذه الحروف لطلب الخفة ليس لغاية ثقلها بل لغاية خفتها، بحيث لا تحتمل أدنى ثقل، وأيضاً لكثرتها في الكلام، لأنه إن خلت كلمة من أحدها فخلوها من أبعاضها - أعني الحركات - محال، وكلُّ كثير مستثقلٌ وإن خف قوله " ولا تكون الالف أصلا في المتمكن ": أما في الثلاثي فلأن الابتداء بالألف محال والآخر مورد الحركات الإعرابية، والوسط يتحرك في التصغير، فلم يمكن وضعها ألفاً، وأما في الرباعي فالأول والثاني والرابع لما مر في الثلاثي، والثالث لتحركه في التصغير، وأما في الخماسي فالأول والثاني والثالث لما مر في الثلاثيِّ والرباعيِّ، والخامسُ لأنه مورد الإعراب، والرابعُ لكونه معتقب الإعراب في التصغير والتكسير، وأما في الفعل الثلاثي فلتحرك ثلاثتها في الماضي، وأما في الرباعي فلاتباعه الثلاثيّ وقد ذكر بعضهم أن الألف في نحو حاحيت وعاعيت غير منقلبة كما مر في باب ذى الزيادة (1)
(1) لم يذكر المؤلف النسبة بين الابدال والقلب والاعلال وتخفيف الهمزة والتعويض، وهذه الاشياء بين بعضها وبعض مناسبات وفروق، فيجمل بالباحث معرفة ما بينها من الصلات وما بينها من الفروق، وسنذكر لك حقيقة كل واحد من هذه الانواع ثم نبين وجوه الاتحاد والاختلاف فنقول:(1) الابدال في اللغة مصدر قولك: أبدلت الشئ من الشئ، إذا أقمته مقامه ويقال في هذا المعنى: أبدلته، وبدلته، وتبدلته، واستبدلته، وتبدلت به، واستبدلت به، قال سيبويه: " ويقول الرجل للرجل: اذهب معك بفلان، فيقول: معى رجل
بدله: أي رجل يغنى غناءه ويكون في مكانه " اه والابدال في اصطلاح علماء العربية: جعل حرف في مكان حرف آخر، وهو (*)
[
…
]
عندهم لا يختص بأحرف العلة وما يشبه أحرف العلة، سواء أكان للادغام أم لم يكن، وسواء أكان لازما أم غير لازم، ولا بد فيه من أن يكون الحرف المبدل في مكان الحرف المبدل منه وإذا تأملت هذا علمت أنه لا فرق بين الابدال في اللغة والابدال في اصطلاح أهل هذه الصناعة إلا من جهة أن الاصطلاح خصه بالحروف، وقد كان في اللغة عاما في الحروف وفى غيرها (ب) وللعلماء في تفسير القلب ثلاث طرق: الاولى - وهى التى ذكرها الرضى هنا - أنه جعل حروف العلة والهمزة بعضها مكان بعض، وهو على هذا التفسير يشمل تخفيف الهمزة في نحو بير وسوتم وراس، ويخرج منه إبدال الواو والياء تاء في نحوا اتعد واتسر.
والطريق الثانية - وهى التى سلكها ان الحاجب - أنه جعل حرف مكان حرف العلة للتخفيف، فهو عنده خاص بأن يكون المقلوب حرف علة، وأن يكون القلب للتخفيف، وهو من ناحية أخرى عام في المقلوب إليه حرف العلة، فيخرج عنه تخفيف الهمزة في نحو بير وسوتم وراس وخطايا، ويدخل فيه قلب الواو والياء تاء نحو اتعد واتسر، وهمزة نحو أواصل وأجوه وأقتت والاول.
والطريق الثالثة - وهى التى سلكها غير هذين من متأخرى الصرفيين كالزمخشري وابن مالك - أنه جعل حروف العلة بعضها مكان بعض، فيخرج عنه تخفيف الهمزة وقلب حرف العلة تاء أو همزة أو غيرهما من الحروف الصحيحة، ويدخل هذان النوعان عند هؤلاء في الابدال
(ح) الاعلال في اصطلاح علماء العربية: تغيير حرف العلة بالقلب أو التسكين أو الحذف قصدا إلى التخفيف (د) تخفيف الهمزة: تغييرها بحذفها أو قلبها إلى حرف من حروف العلة، أو جعلها بين الهمزة وحروف العلة (هـ) التعويض في اللغة: جعل الشئ خلفا عن غيره، وفى الاصطلاح: جعل الحرف خلفا عن الحرف.
وللعلماء فيه مذهبان: أحدهما أنه يشترط كون الحرف المعوض في غير مكان الحرف المعوض منه، وهذا ضعيف وإن اشتهر عند الكثيرين، (*)
[
…
]
والثانى أنه يجوز فيه أن يكون الحرف المعوض في غير مكان المعوض منه، وهو الغالب الكثير، نحو صفة وعدة، ونحو ابن واسم بناء على أنه من السمو، ويجوز أن يكون المعوض في مكان المعوض منه، كالتاء في أخت وبنت بناء على رأى، وكالالف في اسم بناء على أنه من الوسم، وكالياء في فرازيق وفريزيق، فانهما في مكان الدال من فرزدق.
فإذا علمت هذا تبين لك ما يأتي: أولا: أن بين الابدال والقلب - على الطريق الاولى - العموم والخصوص المطلق، إذ يجتمعان في إبدال حروف العلة والهمزة، وينفرد الابدال في ادكر أو الطجع ونحوهما مما ليس في حروف العلة والهمزة ثانيا: أن بين الابدال والقلب - على الطريق الثانية - العموم والخصوص المطلق أيضا، إذ يجتمعان في نحو قال وباع وميزان وكساء ورداء واتصل واتسر، وينفرد الابدال في تظنى وفى أصيلال ونحوها ثالثا: أن بين الابدال والقلب - على الطريق الثالثة - العموم والخصوص المطلق
أيضا، إذ يجتمعان في نحو قال وباع وميزان وسيد وميت، وينفرد الابدال في نحو دينار وقيراط وعلج وتميمج رابعا: أن بين الابدال والاعلال عموما وخصوصا وجهيا، إذ يجتمعان في نحو قال ورمى، وينفرد الابدال في نحو ادكر وازدحم واصطبر واضطجع، وينفرد الاعلال في نحو يقول ويبيع ويذكو ويسمو ويرمى ويقضى، ويعد ويصف، وعد وصف: أمرين من وعد ووصف خامسا: أن بين الابدال وتخفيف الهمزة عموما وخصوصا وجهيا إذ يجتمعان في نحو راس وبير ولوم، وينفرد الابدال في هراق في أراق، وهياك في إياك، وينفرد تخفيف الهمزة في نحو مسلة في مسألة وجيل في جيأل، وضو في ضوء، وشى في شئ سادسا: أن بيد الابدال والتعويض على المشهور التباين، إذ يشترط في الابدال كون المبدل في مكان المبدل منه، ويشترط في التعويض أن يكون العوض في غير مكان المعوض منه.
وعلى غير المشهور يكون بينهما العموم والخصوص المطلق، فكل (*)
قال: " وقد اتفقتا فاءين كوعد وَيُسْر، وَعَيْنَينِ كَقُوْل وَبَيْع، وَلَامَيْنِ كَغَزو وَرَمْيٍ، وعينا وَلَاماً كَقُوَّةٍ وَحَيَّةٍ، وَتَقَدَّمَتْ كُلُّ واحدة عَلَى الأُخْرَى: فَاءً وَعَيْناً كَيَوْم وَوَيْلٍ، وَاخْتَلَفَتَا فِي أَنَّ الْوَاوَ تَقَدَّمَتْ عَيْناً عَلَى الْيَاءِ لَاماً، بِخِلَافِ الْعَكْسِ، وَوَاوُ حَيَوَانٍ بَدِّلٌ مِنَ الْيَاء، وَأَنَّ الْيَاءَ وَقَعَتْ فَاءً وَعَيْناً فِي يين،
إبدال تعويض ولا عكس، إذ يجتمعان في نحو فرازيق، وينفرد التعويض في نحو عدة وزنة وابن سابعا: أن بين الاعلال وتخفيف الهمزة التباين، إذ الاعلال خاص بحروف العلة، وتخفيف الهمزة خاص بالهمزة بداهة، ومن أدخل الهمزة في حروف العلة أو نص عليها في تعريف الاعلال، فقال: " إنه تغيير حروف العلة أو الهمزة بالقلب
أو الحذف أو الإسكان " كان بين الاعلال وتخفيف الهمزة عنده العموم والخصوص الوجهى، إذ يجتمعان في نحو سال ومقرو، ونبى على أنه من النبأ، وينفرد الاعلال في نحو قال وباع ويقول ويبيع وقل وبع، وينفرد تخفيف الهمزة في جعلها بين بين ثامنا: أن بين الاعلال والقلب - على الطريق الاولى - العموم والخصوص الوجهى، إذ يجتمعان في نحو قال، وينفرد الاعلال في نحو يقول وقل، وينفرد القلب في نحو بير وراس، وهذا على الرأى المشهور.
أما على رأى من يجعل الهمزة من حروف العلة فيكون بين القلب والاعلال - على الطريق المذكورة - العموم والخصوص المطلق، إذ ينفرد الاعلال عن القلب في الحذف والتسكين، ويكون بينهما - على الطريق الثانيه والثالثة - العموم والخصوص المطلق، إذ يجتمعان في نحو قال ورمى وأواصل واتعد واتسر، وينفرد الاعلال في الحذف والاسكان تاسعا: أن بين الاعلال والتعويض التباين عاشرا: أن بين القلب - على الطريق الاولى - وتخفيف الهمزة العموم والخصوص الوجهى، إذ يجتمعان في نحو بير، وينفرد تخفيف الهمزة في نحو مسلة، وينفرد القلب في نحو قال.
أما على الطريق الثانية والثالثة فبينهما التباين، إذ شرط القلب أن يكون المقلوب حرفا من حروف العلة، وتخفيف الهمزة خاص بها حادى عشر: أن بين تخفيف الهمزة والتعويض التباين، وهو واضح
وَفَاءً وَلَاماً فِي يَدَيْتُ، بِخِلافِ الْوَاوِ، إلَاّ فِي أَوَّلَ عَلَى الأَصَحِّ، وَإلَاّ فِي الْوَاوِ عَلَى وَجْهٍ، وَأَنّ الْيَاءِ وَقَعَتْ فَاءً وَعَيْناً ولاما في يبيت، بِخِلَافِ الْوَاوِ إلَاّ فِي الْوَاوِ عَلَى وَجْهٍ " أقول: اعلم أن كون الفاء ياء والعين واواً لم يسمع إلا في يَوْم ويُوح (1) ، ولم
يسمع العكس إلا في نحو وَيْل (2) وَوَيْح (3) وَوَيْس (4) ووَيْب (5) ، واتفقتا أيضاً في كونهما عيناً ولاماً كَقَوٍّ (6) وَبَوِّ (7) وَحَيٍّ وَعِيٍّ (8) ، وكلاهما قليلان قلة كون العين واللام حلقيين كلحِحَ (9) وَبَعَّ (10) وبخ (11) ، وأهمل كونهما
(1) يوح، ويوحى - كطوبى -: من أسماء الشمس، انظر (ح 1 ص 35) (2) الويل: كلمة يراد بها الدعاء بالعذاب.
انظر (ح 1 ص 35)(3) ويح: كلمة رحمة.
انظر (ح 1 ص 35)(4) ويس: كلمة تستعمل في الرحمة، وفى استملاح الصبى.
انظر (ح 1 ص 35)، والويس أيضا: الفقر، وما يريده الانسان، فهو من أسماء الاضداد (5) ويب: كلمة بمعنى الويل.
انظر (ح 1 ص 35) .
وتستعمل أيضا بمعنى العجب، يقال: ويبا لهذا: أي عجبا له (6) القو: موضع بين فيد والنباج، وهما في طريق مكة من الكوفة، وقيل: هو واد بين اليمامة وهجر، وقيل: منزل ينزله الذاهب من البصرة إلى المدينة بعد أن يرحل من النباج، قال الشاعر: سما لك شوق بعد ما كان أقصرا * وحلت سليمى بطن قو فعرعرا (7) البو - بفتح الباء وتشديد الواو -: الحوار، وهو ولد الناقة، وقيل: البو: جلد الحوار يحشى تبنا أو ثماما أو حشيشا ثم يقرب إلى أم الفصيل لتر أمه فتدر عليه، وقيل في المثل:" حرك لها حوارها تحن "(8) العى - بكسر العين المهملة وتشديد الياء -: مصدر عيى - كرضى - وهو الحصر (9) لحح: بوزن فرح، يقال: لححت عينه، إذا لصقت بالرمص والقذى (10) يقال: بع السحاب، إذا كثر نزول مطره (11) يقال: بخ الرجل، إذ سكنت ثورة غضبه، ويقال: بخ في نومه، إذا غط (*)
همزتين، وندر كونهما هاءين، نحو قَةَ (1) وَكَهَّ (2) في وجهي، وكون الواو عيناً والياء لاماً نحو طويت أكثر من كون العين واللام واوين كَقُوَّة، فالحمل على الأول عند خفاء الأصل أولى، فيقال: إن ذا في اسم الإشارة أصله ذَوَى لا ذَوَو (3) قوله " الواو تقدمت عيناً على الياء لاماً " هو كثير: (نحو) طَوَيْت وَنَوَيْت وَغَوِيتُ، بخلاف العكس: أي لم يأت العين ياء واللام واواً، لأن الوجه أن يكون الحرف الأخير أخف مما قبله، لتثاقل الكلمة كلما ازدادت حروفها، والحرف الأخير معْتقَب الإعراب قوله " وواو حيوان بدل من ياء " عند سيبويه وأصحابه، أبدلت منها لتوالى الياءين، وأبدلت الثانية، لأن استكراه التتالي إنما حصل لأجلها، وأيضاً لو أبدلت العين واواً لحمل على باب طَوَيْت الكثيرِ، وظن أنها أصل في موضعها، لكثرة هذا الباب، فلما قلبت الثانية واواً صارت مستنكرة في موضعها، فيتنبه بذلك على كونها غير أصل، وقال المازني: واو حَيَوان أصل، وليس في حَيِيتُ دليل على كون الثانية ياء، لجواز أن يكون كشقيت ورضيت، قلبت ياء لانكسار ما قبلها، لكن سيبويه حكم بما حكم لعدم نظيره في كلامهم لو جعل الواو أصلاً.
قوله " وأن الياء وقعت فاء وعينا في يين " هو وادٍ ولا أعلم له نظيرا
(1) يقال: قه الرجل، إذا رجع في ضحكه، أو اشتد ضحكه، أو قال في ضحكه: قه (2) يقال: استنكهت السكران فكه في وجهه، إذا طلبت منه أن يخرج نفسه لتشم رائحته فأخرجه، وهو مثل جلس يجلس جلوسا
(3)
انظر (ج 2 ص 36) ثم (ج 1 ص 285) فقد أشبعنا الكلام عليها هناك (*)
قوله " إلا في أوَّل على الأصح " يعني أن فاءه وعينه واوان أيضاً على الأصح، كما مر (1) فالحق أن الواو والياء متفقتان ههنا في كون كل واحدة منهما فاء وعيناً، كل واحدة منهما في كلمة واحدة فقط (2) ، وكون الفاء والعين من جنس واحد قليل نادر في غير حروف العلة أيضاً نحو بير (3) لا لتقاء مثلين مع تعذر إدغام أولهما في الثاني، وتقل الكراهة شيئاً بوقوع فصل نحو كَوْكَب، وبحصول موجب الإدغام كما في أوَّل قوله " وفاء ولاما في يَدَيْت " أي: أصبت يده، وأنعمت قوله " إلا في الواو على وجه " ذهب أبو علي إلى أن أصل واو وَيَو لكراهة بناء الكلمة عن الواوات، ولم يجئ ذلك في الحرف الصحيح إلا لفظة بَبِّه (4) ، وذلك لكونها صوتاً، وذهب الأخفش إلى أن أصله وَوَو، لعدم تقدم الياء عيناً على الواو لاما، فتقول على مذهب أبي علي: وَيَّيْتُ واواً، قلبت الواو الأخيرة ياء كما في أعْلَيْت، وتقول في مذهب الأخفش: أوَّيْتُ، وقال ثعلب: وَوَّيْتُ، ورده ابن جني، وهو الحق، وذلك لأن الاستثقال في وَوَّيْت أكثر منه في وَوَاصل، لاجتماع ثلاث واوات واعلم أن تماثل الفاء واللام في الثلاثي قليل، وإن كانا صحيحين أيضاً كَقَلًق وَسَلَس.
قوله " وأن الياء وقعت فاء وعينا ولاما في يَيَّيْتُ " مذهب أبي علي أن
(1) انظر (ج 2 ص 340 و 341)(2) هذه الجملة حال من الواو والياء (3) الببر: ضرب من السباع شبيه بالنمر انظر (ج 2 ص 367)(4) ببة: حكاية صوت صبى، ولقب لعبد الله بن الحارث وقالت أمه هند
بنت أبى سفيان وهى ترقصه: لانكحن ببه * جارية خدته مكرمة محبه * تجب أهل الكعبه (*)
أصل الياء يَوَى، فتقول: يَوَّيْت ياء حسنة: أي كتبت ياء، وعند غيره أصله يَيَي، وكذا الخلاف بينهم في جميع ما هو على حرفين من أسماء حروف المعجم ثانية ألف، نحو باتا ثا را، فهم يقولون: بَيَّيْت وتييت وثييت، إلى آخرها، وقال أبو علي: بَوَّيْتُ إلى آخرها، وعند أبي على جمعها: أَبْوَاء وأَتْوَاء وعند غيره: أَبْيَاء وَأَتْيَاء، وإنما حكموا بذلك لورود الإمالة في جميعها، وليس بشئ، لأنه إنما تمال هذه الأسماء وهي غير متمكنة فألفاتها في ذلك الوقت أصل، كألف ماولا، وإنما يحكم على ألفاتها بكونها منقلبة إذا زيد على آخرها ألف أخرى وصيرت همزة، قياساً على نحو رداء وكساء، وذلك عند وقوعها مركبة معربة، فألحقوا إذن ألفاتها بألفات سائر المعربات في كونها منقلبة، وهي لا تمال ألفها إذن، كما مر في باب الإمالة (1) ، فلا دلالة إذن في إمالتها قبل التركيب على كون ألفاتها بعد التركيب في الأصل ياء، وإنما حكم أبو علي بكونها واواً وبأن لامها ياء لكثرة باب طَوَيْت ولويت، وكونه أغلب من باب قُوَّة وَحَييت، وأما حيوان فواوه ياء على الأصح، كما مر، وما ثانية ألف من هذه الأسماء وبعده حرف صحيح نحو دال ذال صاد ضاد كاف لام فقبل إعرابها وتكريبها لا أصل لألفاتها، لكونها غير متمكنة في الأصل، كما مر، وأما بعد إعرابها فجعلها في الأصل واواً أولى من جعلها ياء، لأن باب دار ونار أكثر من باب ناب وغاب، فتقول: ضَوَّدْتُ ضاداً، وكَوَّفت كافاً، وَدَوَّلت دالاً، والجمع أضواد وأكواف وأدوال، وأما جيم وشين وعَيْن فعينها ياء نحو بَيْت ودِيك، إذ الياء موجودة، ولا دليل على كونها عن الواو، ويجوز عند
سيبويه أن يكون أصل جيم فُعْلاً - بضم الفاء، وفِعْلاً - بكسرها - خلافا للاخفش (2)
(1) انظر (ص 26) من هذا الجزء (2) اعلم أن سيبويه والاخفش قد اختلفا في الياء الساكنة المضموم ما قبلها إذا لم تكن عينا لفعلى ولا عينا لجمع: هل تقلب الضمة كسرة لتسلم الياء؟ أو تقلب (*)
قال: " الفاء: تُقْلَبُ الْوَاوُ هَمْزَةً لُزُوماً فِي نَحْوِ أَوَاصِلَ وَأُوَيْصِلٍ، وَالأُوَلِ، إِذَا تَحَرَّكَتِ الثَّانِيَةُ، بِخِلَافِ وُورِيَ، وَجَوَازاً فِي نَحْوِ أجُوهٍ وَأُورِيَ، وَقَالَ الْمَازِنِيُّ: وَفِي نَحْوِ إشَاحٍ، وَالْتَزَمُوهُ فِي الأَولَى حَمْلاً عَلَى الأَوَلِ، وأما أُنَاةٌ وَأَحَدٌ وَأَسْمَاءُ فَعَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ ".
أقول: اعلم أنهم استثقلوا اجتماع المثلين في أول الكلمة، فلذلك قل نحو ببر وددن، فالواوان إذا وقعتا في الصدر - والواو أثقل حروف العلة - قلبت أولاهما همزة وجوباً، إلا إذا كانت الثانية مدة منقلبة عن حرف زائد، نحو وُورِيَ في وَارَى، فإنه لا يجب قلب الأولى همزة، لعروض الثانية من جهتين: من جهة الزيادة، ومن جهة انقلابها عن الألف، ولكون المد مخففاً لبعض الثقل، وإن لم تكن الثانية مدة: سواء كانت منقلبة عن حرف زائد كأواصل وَأُوَيْصل، أو غير منقلبة عنه كأوْعَد على جَوْرَبٍ من وعد، وكذا إن كانت مدة لكنها غير منقلبة عن شئ كما تقول من وعد على وزن طُومَار (1) : أو عاد، وجب قلبُ الأولى همزة، وكذا إذا كانت الثانية منقلبة عن حرف أصلي، كما قال الخليل في فُعْل من وَأَيْتُ مخففاً: أُويٌ (2) ومن ذلك مذهب الكوفية في أُولى، فإن أصله عندهم وؤلى، ثم وولى
الياء واوا لتسلم الضمة؟ ذهب سيبويه إلى الاول والاخفش إلى الثاني، وسيأتى هذا الخلاف مبسوطا ومعللا في كلام المؤلف في هذا الباب، فقول المؤلف " ويجوز عند سيبويه أن يكون أصل جيم فُعْلاً - بضم الفاء - وفِعْلاً - بكسرها -
خلافاً للأخفش " معناه أنه يتعين على قول الاخفش أن تكون على فعل - بالكسر - إذ لو كانت فعلا - بالضم - لوجب عنده قلب الياء واوا، فكان يقال: جوم، وأما على مذهب سيبويه فيجوز أن تكون الكسرة أصلية، فهو فعل - بالكسر - ويجوز أن تكون الكسرة منقلبة عن ضمة فأصله فعل - بالضم - (1) الطومار: الصحيفة.
وانظر (ح 1 ص 198، 217)(2) أصل أوى وؤى - كقفل - ثم خفف بقلب همزته الساكنة واوا كما تخفف سؤلا: فصار وويا، فاجتمع واوان في أول الكلمة فوجب قلب أولاهما همزة.
(*)
ثم أولى، وعليه قراءة قالون (عَادَ لُؤلَى)(1) بالهمزة عند نقل حركة همزة أولى إلى لام التعريف، ورد المازني على الخليل بأن الواو في مثله عارضة غير لازمة، إذ تخفيف الهمزة في مثله غير واجب، فقال: يجوز أُويٌ ووُويٌ، لضمة الواو، لا لاجتماع الواوين، كما في وجوه وأجوه وإن كانت الثانية أصلية غير منقلبة عن شئ وجب قلب الأولى همزة: سواء كانت الثانية مدة كما في الأولى عند البصرية وأصله وولى، أو غير مدة كالأول عندهم.
وقول المصنف " إذا تحركت الثانية " هذا شرط لم يشترطه الفحول من النحاة كما رأيت من قول الخليل: أوى، في وُوى، وقال الفارسي أيضاً إذا اجتمع الواوان أبدلت الأولى منهما همزة كأويصل، ثم قال: ومن هذا قولهم الأولى في تأنيث الأول، ثم قال: وإن كانت الثانية غير لازمة لم يلزم إبدال الأولى منهما همزة كما في ووُرِي، وقال سيبويه: إذا بنيت من وعد مثل كوكب قلت: أوعد، فقد رأيت كيف خالفوا قول المصنف، وبنى المصنف على مذهبه أن قلب الأولى في أوى (2)
(1) أنظر (ح 2 ص 341)(2) أصل أوى - كفتى -: ووأى - ككوكب - من وأى يئى، ثم خفف بالقاء حركة الهمزة على الساكن قبلها وحذف الهمزة، فصار ووى - كفتى - وعند المصنف أن الواوين المجتمعتين في أول الكلمة إن كانت الثانية متحركة بحركة أصلية وجب قلب الاولى همزة، وإن كانت الثانية ساكنة أو متحركة بحركة عارضة جاز قلب الاولى همزة وجاز بقاؤها، فيجوز عنده على هذا أن تقول: ووى، وأن تقول: أوى، وذلك لان حركة الواو الثانية عارضة بسبب تخفيف الهمزة، وخالفه في ذلك المؤلف المحقق تبعا لمن ذكرهم من فحول النحاة، فأوجب قلب أولى الواوين المصدرتين همزة: سواء أكانت الثانية ساكنة أم متحركة بحركة أصلية أو عارضة بشرط ألا تكون الثانية مدة منقلبة عن حرف زائد، كما في وورى، فيقول في مِثْلِ كَوْكَبٍ مِنْ وَأيْتُ مَخَفَّفاً: أوى، لاغير (*)
- كما يجئ في مسائل التمرين - غَيْرُ واجب، وأن واواً أولى قلبت همزةً وجوباً، حملاً للواحد على الجمع هذا، وإنما قلبت الواو المستثقلة همزة لاياء لفرط التقارب بين الواو والياء، والهمزة أبعد شيئاً، فلو قلت ياء لكان كأن اجتماع الواوين المستثقل باق.
قوله " وجواز في نحو أُجُوه وأورِي " كل واو مخففة غير ما ذكرنا مضمومة ضمة لازمة: سواء كانت في أول الكلمة كوُجُوه، ووُعِد، وووري، أو في حشوها كأدْؤُر وأنْؤُر والنُّؤُور (1) فقلبها همزة جائز جوازاً مطرداً لا ينكسر، وذلك لأن الضمة بعض الواو، فكأنه اجتمع واوان، وكان قياس الواوين المجتمعين غير أول نحو طَوَوِيّ جواز قلب الأولى همزة، لكن لما كان ذلك الاجتماع بياء النسبة وهي عارضة كالعدم - كما تقرر في باب النسبة - صار الاجتماع كلا اجتماع.
هذا، وإن كان الضم على الواو للإعراب نحو هذه دَلْوُك أو للساكنين نحو اخْشَوُا القوم، لم تقلب همزة، لعروض الضمة، وإن كانت الواو المضمومة مشددة كالتقوُّل لم تقلب أيضاً همزة، لقوتها بالتشديد وصيرورتها كالحرف الصحيح قوله " وقال المازني وفي نحو إشاح " يعني أن المازني يرى قلب الواو المكسورة المصدرة همزة قياساً أيضاً، والأولى كونه سماعياً، نحو إشاح (2) وإعاء وإلْدَة (3) وإفادة (4) في ولدة ووفادة، وإنما جاء القلب في المكسورة
(1) النؤور - كصبور -: دخان الشحم، والمرأة النفور من الريبة..أنظر (ح 1 ص 207) (2) الاشاح: الوشاح، وهو ما ينسج من أديم عريضا ويرصع بالجواهر تشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها (3) الالدة - بالكسر -: هي الولدة، وهى جمع ولد، وظاهر عبارة القاموس أن الالدة لا إبدال فيها، لانه ذكرها في (أل د) وإن كان قد أعادها في (ول د) (4) الافادة: الوفادة، وهى مصدر قولهم: وفد عليه يفد وفودا ووفادة، (*)
أيضاً لأن الكسرة فيها ثقل أيضاً، وإن كان أقل من ثقل الضمة، فاستثقل ذلك في أول الكلمة دون وسطها، نحو طَوِيل وعَوِيل (1) ، لأن الابتداء بالمستثقل أشنع وأما الواو المفتوحة المصدرة فليس قلبها همزة قياساً بالاتفاق، بل جاء ذلك في أحرف، نحو أناة (2) في وَنَاةٍ، وأجَمَ في وَجَم (3) ، وأحدٍ في وَحَد، وأسْمَاء في اسم امرأة فَعْلَاء من الوسامة عند الأكثرين، وليس بجمع، لأن التسمية بالصفة أكثر من التسمية بالجمع، وقال بعض النحاة: أصل أخَذَ وخذ، بدلالة اتخذ كاتَّصَل (4)
قال سيبويه (ج 2 ص 355) : " ولكن ناسا كثيرا يجرون الواو إذا كانت مكسورة مجرى المضمومة فيهمزون الواو المكسورة إذا كانت أولا، كرهوا الكسرة فيها، كما استثقل في ييجل وسيد وأشباه ذلك، فيمن ذلك قولهم: إسادة، وإعاء، وسمعناهم ينشدون البيت لابن مقبل: إلا الا فادة فاستولت ركائبنا * عند الجبابير بالبأساء والنعم " اه (1) العويل: رفع الصوت بالبكاء، وانظر (ج 2 ص 176) (2) قال في اللسان: " امرأة وناة وأناة وأنية: حليمة بطيئة القيام، الهمزة فيه بدل من الواو.
وقال اللحيانى: هي التى فيها فتور عند القيام والقعود والمشى.
وفى التهذيب: فيها فتور لنعمتها " اه بتصرف (3) الوجوم: السكوت على غيظ، وقد وجم يجم وجما ووجوما، وقالوا: أجم، على البدل (4) يريد أن بعض النحاة لما رأى أن العرب تقول: اتخذ بمعنى أخذ، والمقرر عندهم أن الهمزة لا تقلب تاء، ولذلك خطأوا المحدثين في روايتهم " أمرنى رسول الله أن أتزر " تحلل من ذلك بأن ذكر أن أخذ أصله وخذ، فاتخذ ليس من المقلوب عن الهمزة، ولكنه عن الواو، وهو رأى غير سديد، لان اتخذ يجوز أن يكون ثلاثيه المجرد تخذ بدليل قول الشاعر وهو جندب بن مرة الهذلى: تخذت غراز إثرهم دليلا * وفروا في الحجاز ليعجزوني (*)
ولم يأت في كلام العرب كلمة أولها ياء مكسورة كما جاء ما أوله واو مضمومة إلا يِسار لغة في يَسَار لليد اليسرى، ويِقَاظ جمع يَقْظَان.
وربما فروا من اجتماع الواوين في أول الكلمة بقلب أولاهما تاء كما في تَوْرَاة وتَوْلج (1) ، وهو قليل، كما يفر من واو واحدة في أول الكلمة بقلبها تاء نحو
تراث (2) وتقوى * قال " وتُقْلَبَانِ تَاءً فِي نَحْوِ اتَّعَدَ وَاتَّسَرَ، بِخَلَافِ اِيتَزَرَ " أقول: اعلم أن التاء قريبة من الواو في المخرج، لكون التاء من أصول الثنايا، والواو من الشفتين، ويجمعهما (3) الهَمْسُ، فتقع التاء بدلا منها كثيرا،
وإذا كانت محتملة لهذا الوجه وهو وجه لا شذوذ فيه سقط الاستدلال بها على ما ذكره، وقد قرئ قوله تعالى:(لو شئت لتخذت عليه أجرا)(1) التولج: كناس الوحش، والمكان الذى تلج فيه، وأصله وولج - بزنة كوثر - من الولوج (2) التراث: المال الموروث، وانظر (ج 1 ص 207 - 216)(3) مفاد كلام المؤلف أن الواو من الحروف المهموسة، وليس كذلك، لان حروف الهمس هي المجموعة في قولهم: حثه شخص فسكت، وليست الواو منها، بل هي من الحروف المجهورة، ولذلك علل غيره من النحاة بغير هذا التعليل، قال ابن يعيش (ح 10 ص 37) :" ولما رأوا مصيرهم إلى تغيرها (يريد الواو) بتغير أحوال ما قبلها، قلبوها إلى التاء، لانها حرف جلد قوى لا يتغير بتغير أحوال ما قبله، وهو قريب المخرج من الواو، وفيه همس مناسب لين الواو " اه.
وقال أبو الحسن الاشمونى في شرحه للالفية عند قول ابن مالك ذو اللين فاتا في افتعال أبدلا * وشذ في ذى الهمز نحو ائتكلا: " أي إذا كان فاء الافتعال حرف لين: يعنى واوا أو ياء، وجب في اللغة الفصحى إبدالها تاء فيه وفى فروعه من الفعل واسمى الفاعل والمفعول لعسر النطق (*)
لكنه مع ذلك غير مطرد، إلا في باب افْتَعَل، لما يجئ، نحو تُراث وتَجاه وتَوْلج وتَتْرَى (1) من المواترة، والتُّلَج (2) والتُّكأة (3) وتَقْوَى من وَقَيْت،
وَتَوْرَاة (4) عند البصريين فَوْعلة من وَرَى الزند، كَتوْلج، فإن كتاب الله نور
بحرف اللين الساكن مع التاء لما بينهما من مقاربة المخرج ومنافاة الوصف، لان حرف اللين من المجهور والتاء من المهموس " اه.
هذا على المصطلح عليه في معنى الهمس، ولعله يريد منه معنى أوسع من المعنى: الاصطلاحي كالذى ذكره صاحب اللسان عن شمر حيث قال: " قال شمر: الهمس من الصوت والكلام: مالا غرر له في الصدر، وهو ما همس في الفم "(1) قال في اللسان: " وجاءوا تترى، وتترى (الاول غير منون والثانى منون) : أي متواترين، التاء مبدلة من الواو، قال ابن سيده: وليس هذا البدل قياسا، إنما هو في أشياء معلومة، ألا ترى أنك لا تقول في وزير: تزير، إنما تقيس على إبدال التاء من الواو في افتعل وما تصرف منها إذا كانت فاؤه واوا، فأن فاءه تقلب تاء وتدغم في تاء افتعل التى بعدها، وذلك نحو اتزن، وقوله تعالى: (ثم أرسلنا رسلنا تترى) من تتابع الاشياء وبينها فجوات وفترات، لان بين كل رسولين فترة، ومن العرب من ينونها فيجعل ألفها للالحاق بمنزلة أرطى ومعزى، ومنهم من لا يصرف، يجعل ألفا للتأنيث بمنزلة ألف سكرى وغضبى، قال الازهرى: قرأ أبو عمرو وابن كثير منونة، ووقفا بالالف، وقرأ سائر القراء تترى غير منونة " اه (2) التلج: فرخ العقاب، وهو مأخوذ من الولوج، فأصله ولج كصرد (3) التكأة - كتخمة -: العصا، وما يتكأ عليه، والرجل الكثير الاتكاء، وأصله وكأة، بدليل توكأت (4) اختلف النحويون في التوراة، فقال البصريون تاؤها بدل من الواو، وأصلها ووراة على وزن فوعلة، وذهبوا إلى أن اشتقاقها من ورى الزند، إذا أخرج النار، وذلك لان كتاب الله تعالى يهتدى به، والنار مصدر النور الذى
يهتدى به، ونصر هذا المذهب أبو على الفارسى، لان فوعلة في الكلام أكثر من تفعلة مثل الحوصلة والجوهرة والدوخلة والحوقلة، وهو مصدر قياسي لكل فعل على (*)
وعند الكوفيين هما تَفْعله وتَفْعَلٌ، والاول أولى، لكون فَوْعَل أكثر من تَفْعل والتاء أقل مناسبة للياء منها للواو، فلذلك قل إبدالها منها، وذلك في ثِنْتَان وكِلْتا على قول (1) وإبدال التاء من الواو (في الأول) أكثر منه في غيره، نحو أحت وبنت، ولولا أداؤها لشئ من معنى التأنيث لم تبدل من الواو في الآخر، فلما كثر إبدال التاء من الواو في الأول واجتمع معه في نحو أو تعد واو تصل داعٍ إلى قلبها مطلقاً، صار قلبها تاء لازماً مطرداً، وذلك الداعي إلى مطلق القلب حصولُ التخالف في تصاريفه بالواو والياء لو لم يقلب، إذ كنت تقول: ايتَصَل، وفيما لم يسم فاعله أو تُصِل، وفي المضارع واسم الفاعل والمفعول يَوْتَصِل مُوتَصَل مُوتَصَل، وفي الأمر ايتَصِل، فلما حصل هذا الداعي إلى مطلق قلبها إلى حرف جَلْد لا يتغير في الاحوال - وللواو
مثال فوعل، والحمل على الكثير أولى، وذهب قوم منهم أبو العباس المبرد إلى أن توراة تفعلة - بكسر العين - وأصلها تورية مصدر ورى - بالتضعيف - ثم نقلت حركة الياء إلى ما قبلها ثم قلبت الياء ألفا على لغة طيئ الذين يقولون: باداة وناصاة وجاراة وتوصاة في بادية وناصية وجارية وتوصية، فصار توراة والاشتقاق عندهم كالاشتقاق عند الفريق الاول، إلا أن فعل هذا مضعف العين، وضعف النحاة هذا المذهب بأن تفعلة في الاسماء قليل، وأنت لو تدبرت ما ذكرناه لعلمت أن أبا العباس لم يحمله على القليل، إذ القليل إنما هو تفعلة من الاسماء، فأما المصادر فأكثر من أن يبلغها الحصر، وهذا الوزن قياس مطرد في مصدر فعل
المضعف العين المعتل اللام كالتزكية والتعزية والتوصية ومهموز اللام كالتجزئة والتهنئة، ويأتى قليلا في صحيح اللام نحو التقدمة، ومن القليل في الاسماء التدورة وهو المكان المستدير تحيط به الجبال والتتوبة وهى اسم بمعنى التوبة، ولولا ما فيه من قلب الياء ألفا اكتفاء بجزء العلة لكان مذهبا قويا (1) انظر في الكلام على هاتين الكلمتين (ج 1 ص 221)(*)
بانقلابها عهدٌ قديم - كان انقلابها تاء ههنا أولى، ولا سيما (و) بعدها تاء الافتعال، وبانقلابها إليها يحصل التخفيف بالإدغام فيها، والياء وإن كانت أبعد عن التاء (من الواو) وإبدالها منها أقل، كما ذكرنا، لكن شاركت الواو ههنا في لزوم التخالف لو لم تقلب، إذ كنت تقول ايتسر، وفي المبنى للمفعول أو تسر، وفي المضارع يَيْتَسِر، وفيما لم يسم فاعله يُوتَسَر، وفي الفاعل والمفعول مُوتَسِر ومُوتَسَر، فأتبعت الياء الواو في وجوب القلب والإدغام فقيل: اتَّسَر، وأما افتعل من المهموز الفاء - نحو ائتزر وائتمن - فلا تقلب ياؤه تاء، لأنه وإن وجب قلب همزته مع همزة الوصل المكسورة ياء، وحكم حروف العلاة المنقلبة عن الهمزة انقلاباً واجباً حكم حروف العلة، لا حكم الهمزة، كما تبين في موضعه، لكن لما كانت همزة الوصل لا تلزم، إذ كنت تقول نحو " قال ائتزر " فترجع الهمزة إلى أصلها، روعى أصل الهمزة، وبعض البغاددة جَوِّز قلب يائها تاء فقال: اتز واتَّسَرَ، وقرئ شاذاً (الَّذِي اتُّمِنَ أمَانَتَهُ) وبعض أهل الحجاز لا يلتفت إلى تخالف أبنية الفعل ياء وواوا، فيقول: ايتعد وايتسر، ويقول في المضارع: يا تعد ويا تسر، ولا يقول يوتعد وييتسر، استثقالاً للواو والياء بين الياء المفتوحة والفتحة، كما في ياجل وياءَسُ، واسم الفاعل موتعد وموتسر، والأمر ايتَعِدْ وايتَسِرْ، هذا عندهم قياس مطرد
قال: " وَتُقْلَبُ الْوَاوُ يَاءً إذَا انْكَسَرَ مَا قبلها، والياء واو إذَا انْضَمَّ مَا قَبْلَها، نَحْوُ مِيزَانٍ وَمِيقَاتٍ، وَمُوقِظِ وَمُوسِر " أقول: اعلم أن الواو إذا كانت ساكنة غير مدغمة وقبلها كسرة، فلا بد من قلبها ياء، سواء كانت فاء كمِيقَاتٍ أو عيناً نحو قيل (1) ، وأما إذا كانت
(1) لا خلاف بين العلماء في أن أصل قيل قول - بضم القاف وكسر الواو، وقد اختلفوا في الطريق التى وصلت بها هذه الكلمة إلى ذلك، واستمع للمؤلف (*)
لاماً فتقلب ياء وإن تحركت كالداعِي، لأن اللام محل التغيير، وإن كانت فاء متحركة مكسوراً ما قبلها لم تقلب ياء، نحو إوزَّه، وأصله إوْزَزَة، وكذا العين نحو عوَض، إلا أن تكون عين مصدرٍ معلٍّ فعلُه، نحو قام قِياماً، أو عين جمع معل واحده كديم (1) ، كما يجئ بعد، وإنما لم تقلب المتحركة التي ليست لاماً ياء لكسرة ما قبلها لقوتها بالحركة، فلا تجذبها حركة ما قبلها إلى
في شرح الكافية (ج 2 ص 251) حيث يقول: " في ما اعتل عينه من الماضي الثلاثي نحو قال وباع فيما بنى للمفعول منه ثلاث لغات: قيل وبيع باشباع كسرة الفاء - وهى أفصحها، وأصلهما قول وبيع استثقلت الكسرة على حرف العلة فحذفت عند المصنف ولم تنقل إلى ما قبلها، قال: لان النقل إنما يكون إلى الساكن دون المتحرك، فبقى قول وبيع - بياء ساكنة بعد الضمة - فبعضهم يقلب إلىاء واوا لضمة ما قبلها، فيقول قول ونوع، وهى أقل اللغات، والاولى قلب الضمة كسرة في اليائى فيبقى ببيع، لان تغيير الحركة أقل من تغيير الحرف، وأيضا لانه أخف من بوع، ثم حمل " قول " عليه لانه معتل عين مثله، فكسرت فاؤه، فانقلبت الواو الساكنة ياء.
وعند الجزولى استثقلت الكسرة على الواو والياء فنقلت إلى ما قبلهما، لان الكسرة أخف من حركة ما قبلهما، وقصدهم التخفيف ما أمكن، فيجوز على
هذا نقل حركة إلى متحرك بعد حذف حركته إذا كانت حركة المنقول أخف من حركة المنقول إليه، فبقى قول وبيع، فقلبت الواو الساكنة ياء كما في ميزان، قال: وبعضهم يسكن العين ولا ينقل الكسرة إلى ما قبلها، فيبقى الواو على حالها، ويقلب الياء واوا، لضمة ما قبلها، وهذه أقلها، لثقل الضمة والواو، والاولى أولى، لخفة الكسرة والياء، وقول الجزولى أقرب، لان إعلال الكلمة بالنظر إلى نفسها أولى من حملها في العلة على غيرها، والمصنف إنما اختار حذف الكسرة لاستبعاد نقل الحركة إلى متحرك، ولا بعد فيه على ما بينا " اه (1) الديم: جمع ديمة - ككسرة وكسر - وهى المطر الدائم في سكون ليس فيه رعد ولا برق.
انظر (ح 2 ص 104)(*)
ناحيتها، مع كونها في غير موضع التغيير، وكذا إذا كانت مدغمة، نحو اجلوذا (1) ، لأنها إذن قوية فصارت كالحرف الصحيح، وقد تقلب المدغمة ياء، نحو اجْلِيواذ، ودِيوَان، كما تقلب الحروف الصحيحة المدغمة ياء،، نحو دينار قوله " والياء واواً إذا انضم ما قبلها " إذا انضم ما قبل الياء فإن كانت ساكنة متوسطة فلا يخلو: إما أن تكون قريبة من الطرف، أو بعيدة منه.
فإن كانت بعيدة منه بأن يكون بعدها حرفان قلبت الياء واواً، سواء كانت زائدة كما في بُوطِر (2) أو أصلية كما في كُولَلٍ، على وزن سُوددٍ من الكَيْل، وكذا فُعْلِلَ يفعلل منه، نحوكولل يُكَيْلل، وسواء كانت الياء فاء كمُوقِن وأُوقِنُ، أو عيناً نحو كُولَل، إلا في فُعْلَى صفة نحو كيصى (3) وضيزى (4) وفى فعلان جمعا نحو بيضان، كما يجئ حكمهما، ولا تقلب الضمة لأجل الياء كسرة، وذلك لأن الياء بعيدة من الطرف، فلا يطلب التخفيف بتبقيتها بحالها،
بل تقلب واواً إبقاءً على الضمة، إذ الحركات إذا غيرت تغير الوزن، وبإبدال
(1) الاجلواذ: مصدر اجلوذ الليل، إذا ذهب، واجلوذ بهم السير، إذا دام مع السرعة فيه.
انظر (ح 1 ص 55 و 118)(2) بوطر: مبنى للمجهول، ومعلومه بيطرت الدابة، والياء فيه زائدة للالحاق بدحرج، والبيطرة: معالجة الدواب، وانظر (ح 1 ص 3) (3) يقال: رجل كيصى، إذا كان ينزل وحده ويأكل وحده، وأصله كيصى - بالضم - قلبت الضمة كسرة لتسلم الياء، وإنما قلنا: أصله الضم، لان فعلى - بالكسر - لا يكون وصفا، وفعلى - بالضم - كثير في الصفات (4) يقال: ضاز في الحكم، إذا جار، وضازه حقه يضيزه ضيزا، إذا نقصه وبخسه، وقسمة ضيزى: أي جائرة، وأصلها ضيزى - بالضم - أبدلت الضمة كسرة لما قلنا في كيصى (*)
الحرف لا يتغير، والإبقاء على الوزن أولى إذا لم يعارض ذلك موجب لإبقاء الياء على حالها مثل قربها من الطرف الذي هو محل التخفيف، كما في بيض، وإذا كانت الضم التي قبلها من كلمة والياء الساكنة من كلمة أخرى، نحو يَا زَيْدُ اوْأَس، قال سيبويه: يقول بعض العرب: يا زيدُ ايْأس، بالياء، تشبيهاً بقيل مُشَمًّا، واستضعفه سيبويه، وقال: يلزم أن يقال: يا غُلَامِ اوْجَلْ، بالواو، مع كسرة ما قبلها، ولهم أن يفرقوا باستثقال الواو في أول الكلمة مع كسرة ما قبلها، بخلاف الياء المضموم ما قبلها، إذ ثبت له نظير نحو قيلَ، وإن كانت قريبة من الطرف بأن يكون بعدها حرف، فإن كان جمع أفْعَلَ كبِيضٍ وجب قلب الضمة كسرة إجماعاً، لاستثقالهم الجمع مع قرب الواو من الطرف الذي هو محل التخفيف، وحُمِل فُعْلَانُ عليه، لكونه بمعناه، مع أن
فُعْلاً أكثر كبِيض وبِيضان، وجعل ياء فُعْلَى صفة كحِيكى (1) وضيزى كالقريبة من الطرف، لخفة الألف مع قصد الفرق بين فُعْلَى اسماً وبينها صفة والصفة أثقل والتخفيف بها أولى، فقيل طوبى في الاسم وضيزى في الصفة، وأما بِيع فأصله بُيع، حذفت كسرته ثم قلبت الضمة كسرة، وبعضهم يقول بُوع بتغيير الحرف دون الحركة حملاً على قُولَ، وإن لم تكن القريبةُ من الطرف شيئاً من هذه الأشياء كفُعْل من البَيْع وتُفْعُل منه فقد يجئ الخلاف فيها، وإن كانت الياء المضموم ما قبلها لاماً فإنه يكسر الضم نحو الترامي، وإن كانت متحركة أيضاً، ولا تقلب واواً، لأن آخر الكلمة ينبغي أن يكون خفيفاً، حتى لو كان واواً قبلها ضمة قلبت ياء والضمة كسرة كالتغازى
(1) يقال: امرأة حيكى، إذا كان في مشيها تبختر واختيال، قال سيبويه:" أصلها حيكى فكرهت الياء بعد الضمة، وكسرت الحاء لتسلم الياء، والدليل على أنها فعلى أن فعلى (بكسر الفاء) لا تكون صفة البتة " اه (*)
وإن كانت الياء المضموم ما قبلها خفيفة متحركة، فإن كانت فاء أو عيناً سلمت: سواء كانت مفتوحة كمَيسَّر وهيام (1) وعُيَبَة (2) أو مضمومة نحو تُيُسِّر وعُيُن في جمع عِيان (3) وبُيُض في جمع بَيُوض (4) كما ذكرنا في باب الجمع، وإن كانت لاماً كسرت الضمة كما ذكرنا، لأن الآخر محل التخفيف وإن كانت الياء المضموم ما قبلها مشددة سلمت نحو سُيَّل (5) ومُيَّل (6) وإن كانت أخيراً: فإن كانت الكلمة على فُعْل كلُيٍّ في جمع ألْوَى (7) جاز إبقاء الضمة وجعلها كسرة، وإن لم يكن كذلك وجب قلب الضمة كسرة، لثقل الكلمة مع قرب الضمة من الآخر نحو سلى قال: " وَتُحْذَفُ الْوَاوُ مِنْ (نحو) يَعِدُ وَيَلِدُ، لِوُقُوعِها بَيْنَ يَاءٍ وَكَسْرَةٍ
أَصْلِيَّةٍ، ومِنْ ثَمَّ لَمْ يُبْنَ مِثْلُ وَدَدْتُ - بالفتحُ - لِمَا يَلْزَمُ منْ إعْلَالَيْن فِي يَدُّ، وَحُمِلَ أَخْوَاتُهُ نحوُ تَعِدُ وَنَعِدُ وَأَعِدُ وَصِيغَةُ أَمْرِهِ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ حُمِلَتْ فَتْحَةُ يَسَعُ وَيَضَعُ عَلَى الْعُرُوضِ، وَيوْجَلُ عَلَى الأَصْلِ، وَشُبِّهَتا
(1) الهيام - كغراب -: أن يصير العاشق هائما متحيرا كالمجنون (2) يقال: رجل عيبة - كهمزة - إذا كان كثير العيب للناس (3) العيان - ككتاب -: حديدة تكون في متاع الفدان وجمعها عين - ككتب - وقد تسكن العين تخفيفا، كما قالوا في رسل: رسل، انظر (ح 2 ص 127) (4) تقول: دجاجة بيوض وبياضة، إذا كانت كثيرة البيض، ودجاجات بيض - بضمتين - انظر (ح 2 ص 128) (5) سيل: جمع سائل اسم فاعل من سال الماء يسيل (6) ميل: جمع مائل اسم فاعل من مال يميل إذا عدل عن الشئ وانحرف (7) يقال: قرن ألوى، إذا كان ملتويا معوجا، والالوى أيضا: الشديد من الرجال وغيرهم، قال امرؤ القيس: ألا رب خصم فيك ألوى رددته * نصيح على تعذاله غير مؤتل (*)
بالتجاري والتحارب، بِخِلَافِ اليَاءِ فِي نَحْو يَيْسِرُ وييئس، وَقَدْ جَاءَ يَئِسُ، وَجَاءَ يَاءَسُ كَمَا جَاءَ يا تعد، وَعَلَيْهِ جَاءَ مُوتَعِدٌ وَمُوتَسِرٌ فِي لُغَةِ الشَّافِعِيِّ، وَشَذِّ فِي مُضَارِع وَجِلَ يَيْجَلُ وَيَاجَلُ وَيَيجَلُ، وَتُحْذَفُ الْوَاوُ مِنْ نَحْوِ الْعِدَةِ وَالْمِقَةِ، وَنَحْوَ وِجْهَةٍ قَلِيلٌ " أقول: اعلم أن الفعل فرع على الاسم في اللفظ كما في المعنى، لأنه يحصل بسبب تغيير حركات حروف المصدر، فالمصدر كالمادة والفعل كالمركب من الصورة
والمادة، وكذا اسم الفاعل والمفعول والموضع والآلة، وجميع ما هو مشتق من المصدر، وعادتهم جارية بتخفيف الفروع كما ظهر لك فيما لا ينصرف، لأنها لاحتياجها إلى الأصول فيها ثقل معنوي، فخففوا ألفاظها تنبيهاً عليه، وفي الفعل ثقل من وجه آخر وهو أن ثلاثيه - وهو أكثره - لا يجئ ساكن العين، وأنه يجر عِيالاً كالفاعل ضرورة، والمفعول والحال والتمييز كثيراً، وأيضاً يتصل بآخر الفعل كثيراً ما يكون الفعل معه كالكلمة الواحدة - أعني الضمائر المتصلة المرفوعة - والمضارع فرع الماضي بزيادة حرف المضارعة عليه، فلذا يتبع الماضي في الإعلال كما سنبين، والأمر فرع المضارع، لأنه أخذ منه على ما تقدم، فعلى هذا صار الفعل أصلاً في باب الإعلال، لكونه فرعاً ولثقله، ثم تبعه المصدر الذي هو أصله في الاشتقاق كالعدة والإقامة والاستقامة والقيام، وسائِرُ الأسماء المتصلة بالفعل كاسم الفاعل والمفعول والموضع كقائم وَمُقيم ومُقَام على ما سيتبين بعد، وخفف المضارع لأدنى ثقل فيه، وذلك كوقوع الواو فيه بين ياء مفتوحة وكسرة: ظاهرة كما في يعد، أو مقدرة كما في يضع ويسع، فحذف الواو لمجامعتها للياء على وجه لم يمكن معه إدغام إحداهما في الأخرى كما أمكن في طيٍّ، ولا سيما مع كون الكسرة بعد الواو، والكسرة بعض الياء، ومع كون حركة ما قبل الواو غيرَ موافقة له كما وافقت في يُوعِد مضارعِ أوعد، وإنما حذفت الواو دون الياء لكونها أثقلهما، مع أن الياء علامة المضارعة، وأن
الثقل حصل من الواو، لكونها الثانية ثم تحذف الواو مع سائر حروف المضارعة من تعد وأعد ونعد، طرداً للباب، والأمر مأخوذ من المضارع المحذوف الواو نحو تعد، ولو أخذناه أيضاً من تَوْعِد الذي هو الأصل لحذفناها أيضاً، لكونه فرعه.
وأما المصدر فلما كان أصلَ الفعل في الاشتقاق لم يجب إعلاله بإعلال
الفعل، إلا إذا كان جزء مُقْتَضِي الإعلالِ فيه ثابتاً كالكسرة في قيام، أو كان مناسباً للفعل في الزيادة المصدرة كإقامة واستقامة، فلهذا جاز حذف الواو من مصدر يعد وَإثباتُهَا نحو عِدة ووَعْد: إذ ليس فيه شئ من علة الحذف ولا المناسبة المذكورة، وإذا حذفت منه شيئاً بالإعلال لم تذهَل عن المحذوف رأساً، بل تعوض منه هاء التأنيث في الآخر كما في عدة واستقامة، وذلك لأن الإعلال فيه ليس على الأصل، إذ هو إتباع الأصل للفرع، وإنما كسر العين في عدة وأصله وَعْدٌ لأن الساكن إذا حرك فالأصل الكسر، وأيضاً ليكون كعين الفعل الذي أُجري هو مجراه (1) ، فلهذا لم يجتلب همزة الوصل بعد حذف الفاء، وإذا فتحت العين في المضارع لحرف الحلق جاز أن يفتح في المصدر أيضاً، نحو يسَع سَعةً، وجاز في بعضها أن لا يفتح نحو يهب هِبة، وقولهم في الصِّلة صُلة بالضم شاذ، وقد يجري مصدر فعُل يفعُل - بضم عينهما - إذا كان اللام حلقياً مجرى مصدر يسَع، نحو ودُع (2)
(1) هذا الذى ذهب إليه المؤلف غير ما ذهب إليه أكثر النحويين، فانهم ذكروا أن أصل عدة وعد - بكسر الواو - فحذفت الواو ونقلت كسرتا إلى الساكن بعدها، وعوضت منها التاء، يدل على هذا أنهم قالوا: وتره وترا ووترة - بكسر الواو - حكاه أبو على في أماليه.
قال الجرمى: ومن العرب من يخرجه على الاصل فيقول: وعدة ووثبة أي بالكسر (2) يقال: ودع الرجل، إذا سكن واستقر ولان خلقه، فهو وادع ووديع (*)
يودعُ دَعة، ووطُؤَ (1) يوطؤ طِئة وطأة، وذلك للتنبيه على أن حق واو مضارعه أن تكون محذوفة، لاستثقال وقوعها بين ياء مفتوحة وضمة، ولكنها لم تحذف تطبيقاً للفظ بالمعنى، إذ معنى فَعُل للطبائع اللازمة المستمرة على حال، وكذا كان حق عين مضارعة أن تكون مفتوحة، لكون اللام حلقية، وقولهم لِدَة
أصله المصدر (2)، جُعل اسماً للمولود: كقولهم ضرب الأمير: أي مضروبه، وأما الجهة (3) والرِّقَة (4) فشاذان، لأنهما ليسا بمصدرين، فليس تأوهما بدلاً من الواو، وإنما لم يحذف الواو في نحو يَوْعِيدٍ على مثال (5) يقْطِينٍ من الوعد لضعف
(1) وطؤ - بالضم -: سهل ولان، فهو وطئ (2) يقال: فلان لدة فلان، إذا كان مثله في السن، قال الشاعر: لم تلتفت للداتها * ومضت على غلوائها ومن العلماء من نظر إلى عارض الاستعمال في لدة فحكم بأن حذف الواو منها شاذ، لانها ليست مصدرا (3) اعلم أنهم قد قالوا: جهة - بالحذف - وقالوا أيضا: وجهة - بالاثبات - وعلى الثاني جاء قوله تعالى (ولكل وجهة هو موليها) ومن العلماء من ذهب إلى أن المحذوف واوه مصدر والثابت واوه اسم للمكان الذى يتوجه إليه، وعلى هذا فلا شذوذ في واحد منهما، ومنهم من ذهب إلى أنهما جميعا مصدران، وعليه فالمحذوف واوه قياس والثابت واوه شاذ، ومنهم من ذهب إلى أنهما جميعا اسمان للمكان الذى تتجه إليه، وعلى ذلك يكون المحذوف الواو شاذا والثابت الواو قياسا، ومنهم من ذهب إلى أن الجهة اسم للمكان الذى تتجه إليه والوجهة مصدر، فهما شاذان، والذى هون شذوذ وجهة على هذا أنه مصدر غير جار على فعله، إذ المسموع توجه - كتقدس، واتجه - كاتصل، ولم يسمع وجه يجه - كوعد يعد - فلما لم يوجد مضارع محذوف الفاء سهل عليهم إثباتها في المصدر (4) الرقة: اسم للفضة، ويقال: اسم للنقد: ذهبا كان أو فضة، وجمعه رقون (5) اليقطين: كل نبات انبسط على وجه الارض نحو الدباء والقرع والبطيخ والحنظل، ويخصه بعضهم بالقرع في قوله تعالى (وأنبتنا عليه شجرة من يقطين)(*)
علة الحذف، وحذفها في الفعل نحو إنما كان لكونه الأصل في باب الإعلال كما مر، وحذف في يَذَر حملاً على يَدَع، لكونه بمعناه، ويدع مثل يسَع لكنه أميت (1) ماضيه، ويَجُدُ بالضم عند بني عامر (2) شاذ، وحذفُ الواو منه: إما لأن أصله يجد - بالكسر - أو لاستثقال الواو بين الياء المفتوحة والضمة في غير باب فَعُل يفعُل - بضم العين فيهما - وإنما حذفت من يَضَع مضارع وضع - بفتح العين - لكونه مكسور العين في الأصل، إذ جميع باب فعَل يفعَل بفتح العين فيهما: إما فعَل يفعُل - بضم عين المضارع - أو فعَل يفعِل - بكسر عينه - كما ذكرنا في أول الكتاب، ومضارع فَعَل من المثال الواوي لا يجئ مضموم العين كما مر هناك، فتبين أنه كان يفعل بالكسر، وأما وَسعَ يَسَعُ ووَطِئَ يَطأ فقد تبين لنا بحذف الواو أن عينهما كان مكسوراً ففتح، لحرف الحلق كما مر، ولا ثالث لهذين اللفظين، ففَتْح نحو يؤجل أصل، بدليل بقاء الواو، وإذا وقع الياء في المضارع بين ياء مفتوحة وكسرة لم تحذف كالواو، لأن اجتماع الياءين ليس في الثقل كاجتماع الواو والياء وحكى سيبويه حذف الياء في لفظين يَسَرَ البعير يَسِرُهُ (3) - من اليَسْرِ - ويَئِس يَئِس، وهما شاذان، وبعضهم يقلب الواو الواقعة بين الياء المفتوحة والفتحة ألفاً، لأن فيه ثقلاً، لكن ليس بحيث يحذف الواو له، فيقول
(1) قد أثبتنا ورود الماضي تبعا للمؤلف فارجع إلى ذلك (ح 1 ص 130)(2) قد بينا القول في ذلك بيانا شافيا، وذكرنا خلاف العلماء في هذا الكلام أهو خاص بيجد أم أن بنى عامر يضمون العين في كل مثال واوى فارجع إلى ذلك التفصيل في (ح 1 ص 133)(3) قد بحثنا طويلا عن استعمال هذا الفعل محذوف الفاء في المضارع متعديا فلم نعثر على نص يفيد ذلك، وكل ما عثرنا عليه هو قولهم: يسر الرجل يسر
- كوعد يعد - فهو ياسر، إذا لعب الميسر (*)
في يوجل: ياجل، وبعضهم يقلبها ياء، لأن الياء أخف من الواو، وبعضهم يستشنع قلب الواو ياء لا لعلة ظاهرة، فيكسر ياء المضارع ليكون انقلاب الواو ياء لوقوعها بعد كسرة، وليس الكسر فيه كالكسر في نِعْلَمُ وتِعْلَمُ، لأن من كسر ذلك لا يكسر الياء، فلا يقول: يِعْلَمُ وظاهر كلام السيرافي وأبي عليّ يدل على أن قلب واو نحو يَوْجل ألفاً أو ياء قياس، وإن قل، قال السيرافي: يقلبون الواو ألفاً في نحو يوجَلِ ويوحَل وما أشبه ذلك، فيقولون: يا جل وياحل، وقال أبو علي: أما فَعِلَ يَفْعَل نحو وَجِلَ يوْجل ووَحِلَ يوْحَلُ ففيه أربع لغات، وهذا خلاف ظاهر قول المصنف - أعني قوله " وشذ في مضارع وجِل كذا وكذا " - فإنه مفيد خصوصية الوجوه المذكورة بهذا اللفظ.
وبعضهم يقلب الياء الواقعة في المضارع بين الياء المفتوحة والفتحة ألفاً نحو يابس وياءَس، حملاً للياء على الواو، كما حملت في اتَّسَر من اليُسْرِ، على ما مر، ولا يكون ذلك إلا في المفتوح العين، كما أن نحو يا حل وياجَلَ كان فيه، قال سيبويه: وليس ذلك بمطرد، ولا يكسر الياء ههنا كما كسرت في يِيجَل، لأن ذلك في الواو لقصد عروض علة قلب الواو ياء، كما مر قوله " وكَسْرَةٍ أصْلِيةٍ " ليشمل نحو يَعِدُ ويقع، فإن أصله يَوْقِع، قال الكوفيون: إنما حذف الواو في يعد فرقاً بين المتعدي واللازم، وذلك لأنك تقول في اللازم: يَوْجَل ويَوْحَل، من غير حذف، وليس ما قالوا بشئ، إذ لو كان كذلك لم يحذف من وحَدَ يَحِدُ (1) ووجِدَ: أي حزن - يجد، وونَمَ (2) الذبابَ ينم، ووكف البيت يكف.
(1) تقول: وحدت الشئ وحدا، وأوحدته، إذا أفردته، وتقول: وحد الشئ يحد حدة، إذا بان من غيره، فهو متعد ولازم (2) تقول: ونم الذباب ينم ونيما، إذا خرئ، فونيم الذباب خرؤه.
قال الفرزدق: لقد ونم الذباب عليه حتى * كأن ونيمة نقط المداد (*)
قوله " ومن ثم لم يبن مثل ودَدْتُ " يعني ومن جهة وجوب حذف الواو الواقعة بين الياء المفتوحة والكسرة الأصلية لم يبن فَعَل - بفتح العين - من المضاعف المعتل فاؤه بالواو، إذ كان يلزم إذن أن يكون مضارعه مكسور العين كما ذكرنا في أول الكتاب، من أن مضارع فعل مفتوح العين إذا كان مثالاً واوياً يفعِل بالكسر لا غير، فكان يجب إذن حذف الواو والإدغام، فكان يجتمع إعلالان في كلمة واحدة.
وقولهم لا يجمع بين إعلالين في كلمة واحدة فيه نظر، لأنهم يجمعون بين أكثر من إعلالين في كلمة، وذلك نحو قولهم من أوَيتُ مثل إجرد (1) إيٌّ (2) ، وذلك ثلاث إعلالات، كما يتبين في مسائل التمرين، وكذا في قولهم إيَّاه (3) - مثل إوَزّة - من أويت، وفي قولهم: إيئاة (4) - مثل إوَزَّة - من وأيت جمع بين إعلالين، وكذا قولهم: حَيَّى على (5) فَيْعَل من حويت، وغير ذلك مما يكثر
(1) الاجرد نبت يدل على الكمأة، انظر (ح 1 ص 59)(2) أصل " إى " إئوى، قلبت الهمزة الثانية ياء لسكونها إثر همزة مكسورة كما في إيمان، فصار " إيوى " فهذا إعلال، ثم قلبت الواو ياء، لاجتماعها مع الياء وسبق أولاهما بالسكون، ثم أدغمت الياء في الياء فصار " إيى " وهذا إعلال ثان، فلما اجتمع ثلاث ياءات فإما أن تحذف الثالثة نسيا كما قالوا في تصغير على ونحوه، وإما أن تعلها إعلال قاض، وهذا إعلال ثالث، فان جعلت الادغام إعلالا
مستقلا كان في الكلمة أربع إعلالات (3) أصل " إيَّاةٍ " إئْوَيَةٌ، قلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، وقلبت الهمزة ياء لسكونها بعد همزة مكسورة، فصار " إيواة " ثم قلبت الواو ياء لاجتماعهما مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، وأدغمت الياء في الياء فصار إياة (4) أصل " إيئاة " أو أية، قلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، وقلبت الواو ياء لسكونها إثر كسرة فصار " إيئاة "(5) أصل " حيى " حيوى - كدحرج - قلبت الياء الفا لتحركها وانفتاح (*)
تعداده، ولعلهم قالوا ذلك في الثلاثي من الاسم والفعل، لأنه لخفته لا يحتمل إعلالاً كثيراً، على أنهم أعلوا نحو ماءٍ (1) وشاءٍ بإعلالين، لكنه قليل، واضطرب في هذا المقام كلامهم، فقال السيرافي: الإعلال الذي منعنا من جمعه في العين واللام هو أن يسكن العين واللام جميعاً من جهة الإعلال، وقال أبو علي: المكروه منه أن يكون الإعلالان على التوالي، أما إذا لم يكن كذلك كما تقول في أيمن الله: مُنُ الله، بحذف الفاء، ثم تقول بعد استعمالك مُنُ الله كثيراً: مُ الله، فليس ذلك بمكروه.
ومثل ما منع المصنف من الإعلالين في يَدُّ لا يتجنبون منه، ألا ترى أنك تقول في أفْعَل منك مِن الأَم: هو أوام أو أَيَمُّ، على المذهبين (2) تقلب الفاء وتدغم العين وهما إعلالان، وكذا في أيمة قلبوا وأدغموا، وأما نحو قِهْ وشِهْ فليس فيهما إلا إعلال واحد، لأنه مأخوذ من تقي وتشي، فحذفت اللام للوقف قوله " ولذلك حمل " يعني لأن الواو تحذف بين الياء والكسرة قوله " بخلاف الياء نحو يَيْسِر " أي: بخلاف الياء الواقعة بين الياء المفتوحة والكسرة الأصلية أو الفتحة
قوله " وقد جاء يئس " أي: بحذف الياء بين الياء المفتوحة والكسرة
ما قبلها، وقلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، وأدغمت الياء في الياء فصار " حيى "(1) انظر (ح 1 ص 213) و (ح 2 ص 56 وما بعدها)(2) أصل " أوم " أو " أيم " أأمم - كأحمد - نقلت حركة أول المثلين إلى الساكن قبلهما، ثم أدغم المثلان فصار أأم، فاجتمع همزتان متحركتان ثانيتهما مفتوحة، فسيبويه والجمهور يقلبون الثانية واوا اعتبارا بنحو أوادم، والمازني يقلب الثانية ياء نظرا إلى أن الياء أخف من الواو، وليس له من مستند من مستعمل كلام العرب، وهذان هما المذهبان اللذان يعنيهما المؤلف (*)
قال: " الْعَيْنُ تُقْلَبَانِ ألِفاً إذَا تَحَرَّكَتَا مَفُتْوحاً مَا قَبْلَهُمَا أَوْ فِي حٌكْمِهِ، فِي اسْم ثُلاثِيِّ، أَوْ فِعْلٍ ثُلَاثِيٍّ، أوْ مَحْمُولٍ عَلَيْهِ، أوِ اسْم مَحْمُولٍ عَلَيْهِمَا، نَحْوُ بَابٍ وَنَابٍ وَقَامَ وَبَاعَ وَأَقَامَ وَأَبَاعَ وَاسْتَقَامَ، وَاسْتَبَانَ، وَاسْتَكَانَ مِنْهُ، خِلافَاً لِلأْكَثَرِ، لِبُعْدِ الزِّيَادَةِ وَلِقَوْلِهِمْ اسْتِكَانَةٌ، وَنَحْوُ الإِقَامَةِ وَالاسْتِقَامَةِ، ومقام وَمَقَامٍ، بِخِلَافِ قَوْلٍ وَبَيْعٍ، وَطَائِيٌّ وَيَاجَلُ شَاذّ، وَبِخِلَافِ قَاوَلَ وَبَايَعَ وَقَوَّمَ وبيع وتقوم وتبيع وتقاول وَتَبَايَعَ، وَنَحْوُ الْقَوَدِ وَالصَّيَدِ وَأَخْيَلَتْ وَأغَيْلَتْ وَأَغْيَمَتْ شَاذّ " أقول: اعلم أن علة قلب الواو والياء المتحركتين المفتوح ما قبلهما ألفاً ليست في غاية المتانة، لأنهما قلبتا ألفاً للاستثقال، على ما يجئ، والواو والياء إذا انفتح ما قبلهما خفَّ ثقلهما، وإن كانتا أيضاً متحركتين، والفتحة لا تقتضي مجئ الألف بعدها اقتضاء الضمة للواو والكسرة للياء، ألا ترى إلى كثرة نحو قَوْل وَبَيْع، وعدم نحو قُيْل وبُيْع، بضم الفاء، وقِوْل وبِوْع بكسرها، لكنهما قلبتا ألفاً - مع هذا -
لأنهما وإن كانتا أخف من سائر الحروف الصحيحة لكنَّ كثرة دوران حروف العلة، وهما أثقلها، جوزت قلبهما إلى ما هو أخف منهما من حروف العلة: أي الألف، ولا سيما مع تثاقلهما بالحركة وتهيؤ سبب تخفيفهما بقلبهما ألفاً، وذلك بانفتاح ما قبلهما، لكون الفتحة مناسبة للألف، ولِوَهْنِ هذه العلة لم تقلبا ألفاً إلا إذا كانا في الطرف: أي لامين، أو قريبين منه: أي عينين، ولم يقلبا فاءين نحو أوَدُّ وأَيَلّ، وإن كانت الحركة لازمة بعد العروض، لأن التخفيف بالاخر أولى، ولو هنها تقف عن التأثير لأدنى عارض، كما يكون هناك حرف آخر هو أولى بالقلب، لكن لم يقلب لاختلال بعض شروط إعلاله، فلا يقلب إذن الحرف الذي ثبت علة قلبه لعدم قلب ما هو أولى منه بالقلب لولا اختلال شرطه، وذلك نحو طَوِيَ
وَحيِيَ، كان اللام أولى بالقلب لو انفتح ما قبلها كما في رَوَى ونَوَى، فلما انكسر ما قبلها لم تعل، فلم تقلب العين ألفاً أيضاً، وإن اجتمع شرائط قلبها.
فإذا تقرر ضعف هذه العلة قلنا: الأصل في تأثير هذه العلة أن يكون في الفعل، لما ذكرنا من ثقله، فتليق به الخفة أكثر، أو يكون في آخر الكلمة: إما لفظاً كرِباً، أو تقديراً كغُزَاة، وذلك بأن يكون بعد الأخير حرف أصله عدم اللزوم: اسماً كانت الكلمة، أولاً، لأن الكلمة تتثاقل إذا انتهت إلى الأخير، فتليق به الخفة، وإن كانت علتها ضعيفة.
فنقول: الفعل في هذا الإعلال على ضربين: أصل، ومحمول عليه، والأصل ما يتحرك واوه أو ياؤه وينفتح ما قبلهما، نحو قَوَلَ وبَيَعَ وغَزَوَ ورَمَىَ والمحمول عليه ما ينفتح الواو والياء فيه بعد حرف كان مفتوحاً في الماضي الثلاثي، وذلك: إما في المضارع، المبني للفاعل كيَخَافُ ويَهَاب، أو المبني للمفعول
كيُخَاف ويُهَاب ويُقَال ويُبَاع، أو الماضي مما بني من ذي الزيادة: أفْعَل نحو أقَام وأبَان، واستفعل نحو استقام واستبان، أو ما بني للمفعول من مضارعهما، نحو يقام ويستبان، وشذ أعْوَلَ (1) وأَغْيَلَتِ المرأة واسْتَحْوَذَ (2) وأجود (3)
(1) يقال: أعول الرجل والمرأة وأعيلا، إذا كثرت عيالهما، ويقال: أعول أيضا، إذا رفع صوته بالبكاء.
(2)
استحوذ: غلب واستولى، قال تعالى:(استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله) .
ويقال: استحاذ أيضا على ما يقتضيه القياس.
كما ورد في اللسان وقد ذكر عن ابن جنى مثل ما ذكره المؤلف عن سيبويه، وهو من الحوذ، وهو السوق في الاصل.
(3)
يقال: أجود الفرس في العدو، بمعنى أجاد فيه، ويقال أجود الشئ، وأجاده إذا جعله جيدا، ويقال: أجاد الرجل وأجود، إذا صار ذا جواد.
(*)
وأطْوَلَ (1) واسْتَرْوَحَ: أي شم الريح، وأطْيَبَ (2) وأخْيَلَتِ السماء وأغْيَمَتْ (3) ، وأبو زيد جَوَّز تصحيح باب الإفعال والاستفعال مطلقاً قياساً، إذا لم يكن لهما فعل ثلاثي، قال سيبويه: سمعنا جميع الشواذ جميع الشواذ المذكورة مُعَلَّة أيضاً على القياس، إلا استحوذ واستروح الريح وأغيلت، قال: ولا منع من من إعلالها، وإن لم يسمع، لأن الإعلال هو الكثير المطرد، وإنما لم تعل هذه الأفعال دلالة على أن الإعلال في مثلها غير أصل، بل هو للحمل على ما أعل، وإنما لم يحمل باب فعل التعجب على الثلاثي، نحو ما أقْوَمَه ومَا أبْيَعَه، لكونه بعدم التصرف لاحقاً بأفْعَلَ الأسمى كأبْيَضَ وأسْوَد، أو لجرْيِهِ مَجْرَى أفعل التفضيل لمشابهته له مَعْنًى، وإنما لم يحمل باب قَاوَلَ وتَقَاوَلَ وبَايَع وتَبَايَع وقَوَّم وتَقَوَّم وبَيَّن وتَبَيَّن على الثلاثي كما حمل أقْوَمَ وأبْيَنَ
واسْتَقْوَمَ واسْتَبْيَنَ عليه لأنا شرطنا كون الساكن الذي قبل الواو والياء المتحركتين منفتحاً في الماضي الثلاثي فإن قلت: أليس قد أعللت اسم الفاعل في قائل وبائع بقلب الواو والياء ألفاً، مع أن ما قبل الواو والياء ألف، ومع أنه في الاسم الذي إعلاله على خلاف الأصل، والأول في الفعل
(1) تقول: أطول وأطال بمعنى، قال عمر بن أبى ربيعة: صددت فأطولت الصدود وقلما * وصال على طول الصدود يدوم (2) يقال: أطيب الشئ، إذا وجده طيبا، ويقال: أطاب أيضا بمعناه، وكذا استطيبه واستطابه وطيبه.
(3)
يقال: أغيمت السماء، إذا صارت ذات غيم، وأغامت كذلك، وغامت وتغيمت وغيمت بمعناه، ويقال: أغيم القوم، إذا أصابهم غيم، وأخيلت السماء: تهيأت للمطر، وذلك إذا أرعدت وأبرقت، وهذا معنى قول المؤلف فيما سيأتي " إذا صارت خليقة بالمطر "(*)
قلت: هو كذلك، إلا أن قائلاً وبائعاً بمعنى الثلاثي، ويعمل عمله، وهو من بابه، بخلاف قاوَلَ وبايَعَ.
فإن قلت: فأقوم واستقوم من باب آخر غير الثلاثي قلت: بلى، إلا أن ما قبل حرف العلة هو الذي كان مفتوحاً في الثلاثي، فالمقصود أن الفرع إذا كان من غير باب الأصل يحتاج في الإعلال إلى كون الساكن قبل حرف العلة هو الحرف المفتوح في الأصل قبلها، وإن كان الفرع من باب الأصل أُعِلَّ، وإن لم يكن الساكن ذاك المفتوح، بشرط أن يكون الساكن ألفا لفرط خفته
وأما إعلال قوَّم وَبَيَّن وَتَقَوَّمَ وَتَبَيَّنَ فأبعد من إعلال تَقَاوَل وَتَبَايَع وَقَاوَلَ وَبَايَعَ، لأن إدغام العين في البابين واجب وإنما لم يعمل نحو عَوِرَ وحَوِلَ لأن الأصل في الألوان والعيوب الظاهرة باب افْعَلَّ وافْعالّ، كما ذكرنا في صدر الكتاب، فالثلاثي - وإن كان أصلاً لذوات الزيادة في اللفظ - لكن لما كان هذا البابان أصلين في المعنى عُكس الأمر، فأجرى الثلاثي مجرى ذي الزيادة في التصحيح تنبيهاً على أصالته في المعنى المذكور.
ولم يعل (1) في اسْوَدَّ وَاعْوَرَّ وَاصْيَدَّ (2) لأن إعلال نحو أقْوَمَ وَاسْتَقْوَمَ
(1) ظاهر هذا الكلام يفيد الدور، فانه جعل علة تصحيح الثلاثي نحو عور كونه فرعا في المعنى عن المزيد فيه نحو اعور، فإذا جعل علة تصحيح المزيد فيه كون ثلاثيه غير معل فقد جعل كل واحد منهما معللا بالاخر، اللهم إلا أن يقال: إن المزيد فيه في هذا المعنى هو الموضوع أولا فهو حين الوضع ليس له ثلاثى ألبتة، فضلا عن أن يكون له ثلاثى معل، وشرط إعلال المزيد فيه وجود ثلاثى معل له، فلما أريد وضع الثلاثي بعد ذلك وكان معناه متحدا مع المزيد فيه حمل عليه في التصحيح.
(2)
يقال: اصيد الرجل - كاحمر -، إذا لوى عنقه من كبر، وأصله من (*)
مع كونه خلاف الأصل إنما كان حملاً على الثلاثي المعل، ولا ثلاثى معلا ههنا، كما بينا، ومثله في إتباع لفظ لفظاً آخر في التصحيح تنبيهاً على كونه تابعاً له في معناه قولهم: اجْتَوَرُوا واعْتَوَرُوا (1) واعْتَوَنُوا، بمعنى تجاوروا وتعاوروا وتعاونوا، وإن لم يقصد في افْتَعَلَ معنى تَفَاعَلَ أعللته، نحو ارْتَادَ (2) واختان (3) ولما لم يُعَلَّ عَوِر وحَوِل لما ذكرنا لم يعل فرعاه أيضاً نحو أَعْوَرَ واسْتَعْوَرَ، وقد يعل باب
فَعِلَ من العيوب نحو قوله: - 138 - * أَعَارَتْ عَيْنُهُ أَمْ لَمْ تَعَارَا * (4)
قولهم: اصيد البعير، إذا أصابه داء في رأسه فيخرج من أنفه مثل الزبد فيرفع رأسه عند ذلك.
(1)
يقال: اعتور القوم الشئ، وتعوروه، وتعاوروه، إذا تداولوه بينهم.
(2)
ارتاد الشئ وراده: طلبه في موضعه.
(3)
اختان خان، قال الله تعالى (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم) .
واعلم أن افتعل من الاجوف إما أن تكون عينه ياء أو واوا، فان كانت عينه ياء أعل: سواء أكان بمعنى التفاعل نحو استافوا وابتاعوا وامتازوا، أم لم يكن نحو امتار الرجل واكتال واصطاد.
وإن كانت عينه واوا: فان كان بمعنى التفاعل صحت عينه نحو ما ذكره المؤلف من الامثلة، وإن لم يكن بمعنى التفاعل أعلت عينه نحو اشتار العسل وارتاد واختال فإذا علمت هذا تبين لك أن ما ذكره المؤلف من التفصيل خاص بواوى العين.
(4)
هذا عجز بيت من الوافر، وصدره قوله: * وربت سائل عنى حفى * وهو لعمرو بن أحمر الباهلى، و " ربت " هي رب الدالة على التقليل أو التكثير وألحق بها التاء لتأنيث اللفظ، والحفى: المبادر في السؤال المستقصى له، وفى التنزيل العزيز (يسألونك كأنك حفى عنها) .
وقوله " أعارت عينه " هو بالعين المهملة وهو محل الاستشهاد بالبيت على أنه قد يعل باب فعل - بكسر العين - من العيوب (*)
فيعل فرعاه أيضاً، نحو أعَارَ واستعار وإنما حمل على الماضي الثلاثي في هذا القلب ما انفتح واوه وياؤه ولم يحمل عليه
ما انضما فيه أو انكسرا كَيَقُومُ ويَبيع ويُقِيم، لأن الحامل على النقل في جميع ذلك مفتوحاً كان العين أو مضموماً أو مكسوراً إتباع الفرع للأصل في تسكين العين مع الدلالة على البنية، كما مر في أول الكتاب (1) ، ولا يمكن ذلك بقلب الجميع ألفاً.
وأما إذا كانت الواو والياء المتحركتان المفتوح ما قبلهما في آخر الكلمة فإنهما تقلبان ألفاً، وإن كان ذلك في اسم لا يشابه بوجه، نحو (2) ربا وربا فانهما لا يوازنان الفعل، فإن وزانه كفَتًى وعَصاً فإنهما كضَرَب، وكمِرْدًى (3) ومِبْرًى (4) فإنهما كَاعْلَم، فلا كلام في القلب وإنما لم يعل نحو النزوان والغليان للزوم اللالف والنون، فأخرجت
وذلك لان عارت أصله عورت فقلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، والاكثر في هذا الباب والقياس المطرد هو التصحيح، ويروى في مكان هذه الكلمة " أغارت " وعليها لا شاهد فيه، وقوله " لم تعارا " هو مضارع عار الذى أعل، والالف في آخره منقلبة عن نون التوكيد الخفيفة في الوقف.
(1)
انظر (ح 1 ص 80، 81)(2) الربا - بكسر الراء -: معروف، والربا - بضم الراء -: جمع ربوة، وهى المرتفع من الارض، ووقع في بعض النسخ " نحو ربا وزنا " وهى صحيحة أيضا وفيها التمثيل للواوى واليائى، كما أن فيما أثبتناه التمثيل بوجهين من وجوه عدم موازنة الفعل.
(3)
المردى: الحجر يرمى به، ويقال: فلان مردى حروب، إذا كان يرمى به فيها لشجاعته، وعليه قول أعشى باهلة يرثى أخاه المنتشر بن وهب: مردى حروب ونور يستضاء به * كما أضاء سواد الظلمة القمر (4) المبرى - بكسر الميم وسكون الباء - آلة البرى (*)
اللام من التطرف، فصارت الواو والياء كما في الْجَوَلان والطيران فإن قيل: هلا منع التاء اللازم في نحو غُزَاة وتُقَاة من إعلال اللام (ومن التطرف)(1) كما منعت التاء اللازمة في (نحو) عَنْصُوَة (2) وقَمَحْدُوة (3) من قلب الواو ياء.
قلت: لأن الواو المضموم ما قبلها لم تقلب ياء في موضع إلا متطرفة، بخلاف قلب الواو والياء ألفاً فإنه ثبت في المتوسطة أيضاً كثيراً، كَقال ومَقَال، فلم يعتد بالتاء التى أصلها عدم اللزوم، بخلاف الألف والنون فإنهما على اللزوم هذا، ولمناسبة القلب آخر الكلمة أعل الواو والياء أخيراً هذا الإعلال، وإن كان قبلهما ألف، بشرط كون الالف زائدة، لانهما إذن في حكم العدم، وذلك نحو كساء ورداء، وأما إذا كانت أصلاً كراي وآي فلا تعلان لكون الفاصل قوياً بالأصالة، وقد تقلب الواو والياء أيضاً قريبين من الطرف وقبلهما ألف زائدة ألفاً، بشرط أن ينضم إلى العلة المقتضية للانقلاب مقتض آخر، وذلك لضعف العلة إذن بسبب فصل الألف بين الواو والياء وبين الفتحة، وبعدم كونهما في الطرف، وذلك المقتضي: إما مشابهة الفعل المعل كما يجئ وأداؤه معناه وعمله عمله كما في قائم وبائع، وإما اكتناف حرف العلة لألف الجمع الأقصى فيستثقل لاجل حرفي العلة وكون الجمع أقصى الجموع، وذلك كما في بَوائع وأَوَائل وعَيَائل، في جمع بائعة وأوَّل وعيل (4) وإما كون الواو
(1) سقطت هذه العبارة من بعض النسخ (2) العنصوة - مثلثة العين ساكنة النون مضمومة الصاد - القليل المتفرق من النبت وغيره، وبقى كل شئ
(3)
انظر (ج 2 ص 46 وج 1 ص 261)(4) عيل - بفتح العين وتشديد الياء مكسورة، مثل سيد وميت وهين - وهو (*)
والياء في الجمع الأقصى الذي هما في واحدة مدتان زائدتان كعجائز وكبائر، وذلك لقصد الفرق بين المدتين الزائدتين وبين الواو والياء اللتين كان لهما في الواحد حركة، سواء كانتا أصليتين كمَقَاوِمَ ومَعَايش، في جمع مَقَامة (1) ومعيشة، أو زائدتين ملحقتين بالأصل كعَثَايرَ وجَدَاوِلَ في جمع عِثْير (2) وجَدْوَل، فإن ماله حركة أصلية أجلد وأقوى، فلا ينقلب فإذا بعدت الواو والياء من الطرف نحو طَوِاوِيسَ (3) لم ينقلبا ألفاً، كما يجئ فعلى هذا تبين كذلك أن الهمزة في نحو رِدَاء وكساء وقائل وبائع وأوائل وبوائع وعجائز وكبائر أصلها الألف المنقلبة عن الواو والياء، فلما احتيج إلى تحريك الألف وامتنع قلبها إلى الواو والياء لأنه إنما فر منهما قلبت إلى حرف يكون أنسب بها بعد الواو والياء، وهو الهمزة، لانهما حلقيتان، وإنما لم تحذف الألف الأولى للساكنين، كما هو الواجب في مثله، لكون ألف نحو قائل علامة الفاعل وألف نحو أوائل وعجائز علامة الجمع، ولو حذفت في نحو رداء لا لتبس بالمقصور، وأما الهمزة في نحو رسائل فبدل من الألف التي في الواحد لا من الألف المنقلبة عن الواو والياء.
فيعل من عال يعول، إذا جار ومال، وهو واحد العيال، وهم الذين يعولهم الانسان، سموا بذلك لانهم يدعونه بالانفاق عليهم إلى الجور والميل (1) مقامة: هي في الاصل اسم مكان من قام يقوم، ثم سمى به مجلس القوم لانهم يقومون فيه، ثم سمى به القوم
(2)
العثير - بوزن درهم والياء زائدة للالحاق - التراب، وانظر (ج 2 ص 184 و 366) (3) الطواويس: جمع طاووس، طائر، وهو أيضا الرجل الجميل، وهو الفضة والارض المخضرة، ووقع في بعض النسخ " طوى وريس " وهو تحريف شنيع (*)
هذا، وإن لم يكن الواو والياء في الفعل ولا في آخر الكلمة، وذلك إذا كانتا في الأسماء في غير الطرف، فههنا نقول: لا يعل من الاسماء هذا الإعلال إلا أربعة أنواع: نوعان منها مشابهان للفعل، وإنما اعتبر ذلك لما ذكرنا من أن الأصل في الإعلال الفعل، وأن هذه العلة ليست بقوية، فهي بالفعل أولى.
أحد النوعين: ما وازن الفعل نحو باب وناب، والأصل بَوَب وَنَيَب، ورجل ومال وَنَالٌ، والأصل مَوِل (1) وَنَوِل، بكسر العين، وكذا كبش (2) صَافٌ، وقولهم الروح (3) والغيب (4) والخول (5) والقود شاذ، وكذا رجل حَوِل: أي كثير الحيلة، ورَوع: أي خائف، ولم يجئ فَعُلٌ بضم العين أجوف في الاسم لثقل الضمة، ونريد بموازنة الفعل ههنا مساواته له في عدد الحروف والحركات المعينة، وإن باينه في تعيين الزيادات وأمكنتها، فمَفْعَل على وزن يَفْعَل، وإن كانت زيادته غير زيادته، وفَاعِل موازن لِيَفْعل وزيادته غير زيادته ومكانها غير مكانها، فالاسم الثلاثي: إما أن يكون مجرداً (كما ذكرنا) ، أو مزيداً فيه، وأما الرباعي والخماسي فإنه لا يوازن الفعل منهما إلا باب جعفر
(1) المول: الكثير المال، والنول: الكثير النال أي العطاء (أنظر ج 1 ص 149 (2) كبش صاف: كثير الصوف (3) الروح - بالتحريك -: تباعد بين الرجلين، ومن الطير: المتفرقة الرائحة
إلى أوكارها (4) يقال: قوم غيب - بالتحريك -: وغيب وغياب، إذا كانوا غائبين الاخيران جمعان، والاول اسم جمع (5) الخول: ما أعطاك الله من أنعام وعبيد وإماء وغيرهم من الحاشية، يطلق على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث (*)
نحو جَهْوَرٍ (1) ، والواو والياء لا يكونان فيه إلا للإلحاق، لما تبين أن الواو والياء مع ثلاثة أصول لا يكونان إلا مزيدتين، فلا تعل إذن، محافظة على بناء الإلحاق، فالثلاثي المزيد فيه يشترط فيه أن يكون مع موازنته للفعل مبايناً له بوجه، وذلك كالحرف الزائد الذي لا يُزاد في الفعل كميم مَقَام ومُقَام وَمُسْتَقَام، فإنها في الأصل كيَحْمد ويُحْمَد ويُسْتَخْرَج، لكن الميم لا تزاد في أول الفعل، أو كالحروف التي تزاد في الفعل لكن تكون متحركة بحركة لا تحرك في الفعل بمثلها نحو تِبَاع على وزن تِفْعَل بكسر التاء وفتح العين، فإنه يوازن أعْلَم، لكنه ليس في الفعل تاء مزيدة في الأول مكسورة، وأما نحو تِعْلَم فهي لغة قوم، ومع ذلك فليست بأصل، بل للدلالة على كسر العين في الماضي كما تقدم (2) ، وقد يعل لمباينة غير المذكورتين، نحو قائم وبائع، فإنه يوازن يَفْعِل، لكن ليس الزائد في مكان الزائد، ولا هو إياه، وكان القياس أن يعل نحو مِقْوَل (3) وَمِخْيَط إذ هما بوزن اعْلَم، لكن الخليل قال: لم يعلا لكونهما مقصوري مِفْعَال، وهو غير موازن للفعل، والدليل على أن مِفْعَالاً أصل مِفْعَل اشتراكهما في كثير نحو مِخْيَط وَمِخْيَاط ومِنْحَت وَمِنْحَات.
وقد شذ مما وجب إعلاله قياساً الْمَشْورة والْمَصْيَدَة بفتح الميم، وقولهم:
(1) جمهور: اسم موضع، وبنو جهور: ملوك الطوائف بالاندلس، والجهور
أيضا: الجرئ المقدم الماضي (2) أنظر (ح 1 ص 141)(3) يقال: رجل مقول ومقوال، إذا كان بينا ظريف اللسان حسن البيان وفى الصحاح الكثير القول، وقد سموا اللسان مقولا، لكونه آلة القول، قال حسان بن ثابت: لسان وسيفي صارمان كلاهما * ويبلغ ما لا يبلغ السيف مقولى (*)
الفكاهة مَقْوَدة إلى الأذى، وَأَمَا مَرْيَم وَمَدْيَن (1) فإن جعلتهما فَعْيَلاً فلا شذوذ، إذ الياء للإلحاق، وإن جعلتهما مَفْعَلاً فشاذان، وَمَكوَزَةٌ شاذ في الأعلام.
وقال المبرد: المزيد فيه الموازن للفعل إنما يعل إذا أفاد معنى الفعل كالْمَقَام، فإنه موضع يقام فيه، وكذا الْمُقَامُ، بضم الميم، موضع يفعل فيه الإقامة، فعلى ما ذهب إليه مريم ومدين ليسا بشساذين، وإن كانا مَفعَلا، لعريهما عن معنى الفعل، وكذا نحو تفعل من البيع بكسر التاء ينبغي أن لا يعل، بل يقال: تَبِيْع.
وإنما لم يشترط التباين في الثلاثي واشترط في ذي الزيادة لأن ذلك في المزيد فيه لئلا يشتبه بالفعل لو سُمي به مُعَلاًّ، فإنه لو أعل لكان يلتبس بعد التسمية به بالفعل، بسبب سقوط الكسر والتنوين، وأما الثلاثي فكسره وتنوينه وإن كان عَلَماً يفصله عن الفعل.
وإن لم يكن ذو الزيادة الاسمي مبايناً للفعل بوجه نحو أبيض وأسود وأدون منك وأَبْيَع، ونحو إبْيَع على وزن إصْبَع من البيع ونحو تُبْيَع على وزن تُرْتَب منه، فلا يعل شئ منها ليكون فرقاً بين الأسماء والأفعال، والأفعال بالإعلال أولى، لأصالتها فيه، وأما إعلال نحو أبَانَ على قول من لم يصرفه فلكونه منقولاً
عن فعل مُعَلٍّ إلى الاسم، ومن صرفه فهو فَعَال، وليس مما نحن فيه.
وإن لم يوازن الاسم الثلاثي المزيد فيه الفعل لم يعل هذا الإعلال، فعند سيبويه لم يعل هذا الإعلال نحو الطَّوَفَان وَالْحَيَدَان والنَّزَوَان والغليان وحمار حَيَدَى (2) والصَّوَرَى (3) لخروج الاسم بهذه الزيادة اللازمة للكلمة عن وزن
(1) أنظر (ح 2 ص 391، 392)(2) يقال: حمار حيدى، إذا كان يحيد عن ظله من النشاط، ولم يوصف مذكر بوصف على وزن فعلى إلا بهذه الكلمة، ويقال: حمار حيد - كميت - بالمعنى السابق (3) الصوري - بفتحات مقصورا -: موضع أو ماء قرب المدينة، وقال ابن (*)
الفعل، بخلاف نحو الْغَارَة (1) والْقَارة (2) وَالْغَابة (3) فإنّ التاء وإن أخرجت الكلمة عن وزن الفعل لكن لما كان وضعها على العروض وإن كانت لازمة ههنا لم تكن كجزء الكلمة، فَحَوَكَةٌ (4) وَخَوَنَةٌ شاذان، ووجهه الاعتداد بالتاء، مع أن الواو ليست في الطرف، وبعض العرب يعل فَعَلان الذي عينه واو أو ياء، فيقول: دَارَان من دار يدور، وهَامَان من هام يهيم، وَدَالَان من دَالَ يدول، وَحَالَان من حال يحول، وهو شاذ قليل، وعند المبرد هو قياس، لجعله الألف والنون كالتاء غير مُخْرِج للكلمة عن وزن الفعل.
فإن قيل: كيف أخرج التاء الاسم عن وزن الفعل في يعمله (5) حتى انصرف ولم تخرجه في نحو غَارَة فأعل.
الاعرابي: هو واد في بلاد مزينة من المدينة، وقالوا في قول أبى الطيب المتنبي: - ولاح لها صور والصباح * ولاح الشغور لها والضحى إنه خطأ، والصواب الصوري - بالالف في آخره - (1) الغارة: اسم من قولهم: أغار على القوم إغارة، إذا دفع عليهم الخيل
(2)
القارة: الجبل الصغير ينقطع عن الجبال، أو هو الصخرة العظيمة.
أو الصخرة السوداء، والقارة أيضا: قبيلة من العرب، وفيهم المثل السائر: قد أنصف القارة من راماها (3) في بعض النسخ الغاية - بالياء المثناة في مكان الباء الموحدة - وهى صحيحة أيضا.
(4)
حوكة: جمع حائك، وهو اسم فاعل من حاك الثوب يحيكه حوكا وحياكة، إذا نسجه، وقد جاء " حاكة " على القياس (5) اليعملة: الناقة النجيبة التى تصبر على العمل والسير، وهم يقولون: أعملت الناقة، إذا ركبتها في السفر، وقال الخليل: اليعملة لا يوصف بها إلا النوق، قال غيره: يقال للجمل: يعمل، وهو اسم له من العمل، قال الشاعر: إذلا أزال على أقتاد ناجية * صهباء يعملة أو يعمل جمل (*)
قلت: لأنه لو لم يعتد بالمخرج في نحو يعمله يظهر أثر الموازنة على المخرج عن الموازنة: أي على التاء، وذلك الأثر سقوط الجر والتنوين، بخلاف أثر الإعلال.
ونحو جَوَلَان وَحَيَدَان عند المبرد شاذ خارج عن القياس، فإن أورد عليه نَزَوَان وَغلَيَان، وقيل: إن اللام بالتغيير أولى، أجاب بأنه لو قلب لزم الحذف، فيلتبس فَعَلانَ بفَعَال، إد يبقى نزَان وَغَلَان، وكذا قال الأخفش في حمار حَيَدَى والصَّوَرَى: إنهما شاذان وجعل ألف التأنيث كالتاء غير مخرجة للكلمة عن وزن الفعل، والأولى قول سيبويه، لما ذكرنا.
فإن قيل: كيف أعل نحو الْعِيَاذ وَاللَّيَاذ بإعلال فعله، وَلم يُعَلَّ نحو الطَّيَران والدَّوَرَان والتَّقْوَال والتَّسْيَار بإعلال أفعالها، وكلاهما لا يوازن فعليهما،
فإن كان جَرْيُ المصدر على الفعل وعمله عمله في نحو عِيَاذٍ كافياً في إعلاله فليكن كذلك في طَيَرَان وَغَلَيَان.
قلت: طلب الكسرة لقلب الواو التي بعدها ياء أشدُّ من طلب الفتحة تقلب الواو والياء التي بعدها ألفاً ألا ترى إلى كثرة نحو قَوْلٍ وبَيْع، وقلة نحو بُيْع، وعدم نحو قوْل بكسر الفاء وسكون الواو، فبأدنى مشابهة بين المصدر وفعله يعل المصدر بقلب واوه ياء لانكسار ما قبلها لقوة الداعي إليه، وإذا بنيت من غزا ورمى مثل جَبَرُوت (1) فالقياس غزوت ورَمَيُوت، لخروج الاسم بهذه الزيادة عن
ومن هنا تعلم أن اليعملة اسم وليست علما ولا صفة حتى يدعى لها أنها ممنوعة من الصرف لولا التاء التى أخرجتها عن وزن الفعل، لكونها من خصائص الاسماء وهذا الذى ذكرناه هو مذهب سيبويه في هذه الكلمة، وقد نص على أن يفعل لم يأت وصفا، وذهب غيره إلى أن اليعملة وصف منقول من مضارع عمل، وعلى هذا يتجه كلام المؤلف (1) الجبروت: الكبر والقهر، انظر (ح 1 ص 152)(*)
موازنة الفعل، وبعضهم يقلبهما ألفين ويحذفهما للساكنين، وذلك لعدم الاعتداد بالواو والتاء ولم يعل نحل النَّوَال والسَّيَال (1) والطويل والْغَيْور والْقَوُول والتَّقْوَال والتَّسْيَار والمواعيد والمياسير لعدم موازنة الفعل، وقيل: للالتباس لو أعل، إذ يلزم الحذف، ورد بأنه كان ينبغي الإعلال إن كان سببه حاصلاً كما في قائل وبائع وكساء ورداء، ثم التحريك وجعله كما في الأمثلة المذكورة.
وثاني النوعين المذكورين: الاسم الذي فيه واو أو ياء مفتوح، إذا كان مصدراً قياسياً جارياً على نمط فعله في ثبوت زيادات المصدر في مثل مواضعها من
الفعل، كأقْوَام واسْتِقْوَام، فلمناسبته التامة مع فعله أعل إعلاله بنقل حركتهما إلى ما قبلهما وقلبهما ألفاً، ولم يعل نحو الطيران الدوران والنزوان والغليان علة فعله مع تحرك حرُوف العلة فيه وانفتاح ما قبلها لضعف مناسبتهما.
والنوعان الآخران من الأنواع الأربعة من باب الجمع الأقصى، وهما باب بَوائع وَعجَائز، وإنما أعلا الإعلال المذكور وإن لم يشابها الفعل لألف الجمع في أحدهما وقصد الفرق في الآخر كما تقدم شرحهما هذا، ولضعف هذه العلة - أعني تحرك الواو والياء وانفتاح ما قبلهما - في إيجاب القلب ترد الألف إلى أصلها من الواو والياء، ويحتمل تحركهما وانفتاح ما قبلها إذا أدَّى ترك الرد إلى اللبس: في الفعل كان، أو في الاسم، وذلك إذا لقي الألف حرف ساكن بعدها لو أبقى الألف معه على حالها سقطت والتبس، فالفعل نحو غَزَوَا ورميا، فإن ألف الضمير اتصل بغزا ورمى معلين، ولو لم يردوا الألف إلى أصلها لسقطت للساكنين والتبس المسند إلى ضمير المثنى بالمسند إلى ضمير
(1) السيال: اسم جنس جمعى واحدته سيالة - كسحابة - وهو شجر له شوك أبيض طويل، انظر (ص 5 من هذا الجزء)(*)
المفرد أو إلى الظاهر، وكذا يَرْضَيَانَ، لأنه كان يسقط النون جزماً (1) ، وأما في ارْضَيَا فلكونه فرع يَرْضَيَان، والاسم نحو الصَّلَوَات والْفَتَيَات، لو حذفت الألف للساكنين لا لتبس الجمع بالواحد، ونحو الفَتَيان والرَّحَيَان إذ لو لم يرد لا لتبس المثنى بالمفرد عند الإضافة، وأما نحو الْفَتَيَيْن والرحيين فلكونهما فرعي الفتيان والرحيان، كما تبين في أول شرح الكافية، ومع ياء النسب ترد الألف المحذوفة في نحو عصى ورجى المنونين، لزوال الساكنين: أي الألف والتنوين، وبعد ردها تقلبها واواً لأجل ياء النسب، كما قلبتها في العصا
والرحى لما نسبت إليهما، ولا نقول: إن الألف المحذوفة ترد إلى أصلها من الواو والياء، وإنما لم تحذف الألف للياء الساكنة اللاحقة بها لما ذكرنا في باب النسب، وبعد رد جميع الحروف المذكورة وتحريكها لم تقلها ألفاً مع تحركها وانفتاح ما قبلها، لعروض الحركة عليها، ولأنه إنما فر من الألف حتى لا يلتبس بعد الحذف، فكيف يعاد إلى ما فر منه؟ وأما رد الألف إلى أصلها في نحو هل تَرَيَنَّ وَتَرْضَيَنَّ، والأصل هل ترى وترضى، فليس لخوف الالتباس، بل للقياس على هل تغزون وَتَرْمِيَنَّ، وإنما رد اللام في نحو ارْضَيَنَّ ولا تَرْضَيَنَّ وكذا في نحو اغْزُوَنَّ وَارْمِيَنَّ ولا تغزون ولا تَرْمِيَنَّ لأن الفعل مع النون
(1) قول المؤلف جزما معناه قطعا، وليس المراد به الجزم الذى هو حالة من حالات إعراب الفعل المضارع، وذلك لان هذه الحالة لا يقع فيها اللبس على فرض إعلال يرضيان، لانك كنت تقول في المسند إلى ضمير الواحد: محمد لم يرض - بحذف لام الفعل للجزم - وكنت تقول: المحمدان لم يرضا - بألف هي ضمير المثنى - فلا لبس حينئذ، فثبت أن جزما لا ينبغى أن يحمل على حالة الاعراب المذكورة، وصورة الالتباس إنما تقع في حالة النصب، لانك تقول: محمد لن يرضى والمحمدان لن يرضا، والالف في الاول لام الفعل وفى الثاني ضمير التثنية، ونريد أن ننبهك إلى أن اللبس حينئذ في النطق لا في الرسم (*)
ليس موقوفاً ولا مجزوماً، وحذف اللام إنما كان للجزم أو الوقف، ولم تقلب الياء في ارْضَيَنَّ ولا تَرْضَيَنَّ ألفاً بعد الرد لكون حركتها عارضة لأجل النون التي هي كلمة مستقلة، وأيضاً لئلا يلزم منه حذف الألف فيؤدي إلى ما فر منه، وكذا في نحو ارْضَوُنَّ وارْضَيِنَّ يا امرأة، لم تقلبا لعروض الحركة لما ذكرنا في باب التقاء الساكنين، ولكون الواو والياء اسمين مستقلين، فلا يغيران،
ولأن الواو والياء لا تقلبان ألفاً إلا إذا كان ما قبلهما من حروف كلمتها مفتوحا، وههنا الواو كلمة أخرى، وأيضاً لو غيرا بالقلب لحذفا بلا دليل عليهما، كما كان في اغْزُنَّ واغْزِنَّ وإن لم يؤد حذف الألف للساكنين إلى اللبس لم يرد نحو يَرْضَوْن وتُغْزَين وترضين والمصطفون والْمُصْطَفَيْنَ وغَزَوْا ورَمَوْا وغَزَتْ وَرَمَتْ قوله " تحركتا " أي: في الأصل فيخرج نحو ضَوٍ وشَيٍ مخففتين، حركة لازمة، ليخرج نحو غَزَوَأ وَرَمَيَا وَعَصَوَان وارْضَيَنَّ وجَوَزَات وبَيَضَات، عند بني تميم، وإنما قلبا في نحو الْعَصَا والرَّحَى وإن كانت الحركة الإعرابية عارضة، لأن نوعها وإن كان عارضاً لكن جنسها لازم، إذ لابد لكل معرب بالحركات من حركة ما رفعا أو نصبا أو جرا قوله " أو في حكمه " أي: في حكم الفتح، نحو أقْوَل وأبْيَع ومُقْوَم ومُبْيَع قوله " في فعل ثلاثي " كقال وطال وخاف وباع وهاب قوله " أو محمول عليه " كأقام وأبان واستقام واستبان، وقد يكون الفعل الثلاثي محمولاً على الثلاثي، كيَخَاف ويُقَال ويَهَاب، لأن الأصل في الإعلال الماضي، والمضارع فرعه فيعتل باعتلاله، وذلك لأنه هو الماضي بزيادة حرف المضارعة عليه قوله " أو اسم محمول عليهما " أي: على الفعل الثلاثي كباب ودار وكبش
صَافٍ، وعلى الفعل المحمول عليه كمُقَام والاستقامة قوله " بخلاف قول وبَيْع " أي: بخلاف ما كان الواو والياء فيه ساكنين مفتوحاً ما قبلهما قوله " وطائي وياجل شاذ " قد ذكرنا حكم طائي في باب النسب، وكذا
ذكرنا أن نحو يَاجَل مطرد، وإن كان ضعيفاً، وكذا ذكرنا أن بعض الحجازيين يقلب الواو الساكنة ألفاً قياساً في مضارع نحو ايتعد وايتسر، وبعض بني تميم يقلبون واو نحو أوْلاد: أي جمع ما فاؤه واو، ألفاً قياساً، فيقول: آلاد، وطئ يفتحون ما قبل الياء إذا تحركت بفتحة غير إعرابية وكانت طرفاً وانكسر ما قبلها، لتنقلب الياء ألفاً، وذلك لكون الطرف محل التغيير والتخفيف، وشرط فتحة الياء لتنقل إلى ما قبلها، وشرط كونها غير إعرابية، لئلا تكون عارضة فيعتد بها، وشرط انكسار ما قبلها لأن الكسر أخو السكون، على ما تبين في باب التقاء الساكنين، فتكون كأنك نقلت الفتح إلى الساكن، كما في أقْوَم، قال نَسْتَوْقِدُ النَّبْلَ بالحضيض * ونصطاد نُفُوساً بُنَتْ عَلَى الْكَرَمِ (1) وإن توسطت الياء بسبب التاء اللازمة نحو نَاصَاة في نَاصِِية فقليل غير مطرد قوله " بخلاف قاولَ وبَايَعَ " أي: بخلاف الثاني المزيد فيه، إذا كان ما قبل الواو والياء ساكناً، ولم يكن ذلك للساكن حرفاً كان مفتوحاً في الثلاثي قوله " أخْيَلَتِ السماء " أي: صارت خليقة بالمطر، وأغيلت المرأة: أي أرضعت على الحبل، ومثله اسْتَصْوَب واسْتَرْوَح الريح، وعند أبي زيد التصحيح
(1) قد مضى شرح هذا البيت مفصلا (ح 1 ص 124)(*)
قياس في مثله، إذا لم يكن له فعل ثلاثي كاسْتَنْوَقَ (1) ، وعند سيبويه نحو اسْتَنْوَقَ أيضاً شاذ، والقياس إعلاله طرداً للباب كما أعل سائف (2) وخائل (3) في النسبة، وإن لم يأت منه فعل معل، طردا لباب فاعِلٍ في إعلاله علة واحدة، وإذا طرد باب تَعِد ونَعِد وأعِد فهذا أولى
قال: " وَصَحَّ بَابُ قَوِيَ وَهَوَى لِلإِعْلَالَيْنِ، وَبَابُ طَوِيَ وَحَيِيَ لأنه فَرْعُهُ أوْ لِمَا يَلْزَمُ مِنْ يَقَايُ وَيَطَايُ وَيَحَاي، وَكَثُرَ الإِدْغَامُ فِي بَابِ حَيِيَ لِلْمِثْلَيْنِ، وَقَدْ يُكْسَرُ الْفَاءُ، بخِلَافِ بَابِ قَوِيَ، لان الاعلال قَبْلَ الإِدْغَامِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا يَحْيَى وَيَقْوَى وَاحْوَاوَى يَحْوَاوِي وَارْعَوَى يَرْعَوي، فلم يدغموا، وجاء احو يواء واحوياء، ومن قال اشهباب قال احوواه كَاقْتِتَالٍ، وَمَنْ أدْغَمَ اقْتِتَالاً قَالَ: حِوَّاء، وَجَازَ الإِدْغَامُ فِي أُحْيِيَ وَاسْتُحِيِيَ بِخِلَافِ أَحْيَى وَاسْتَحْيَى، وَأَمَّا امْتِنَاعُهُمْ فِي يُحْيِي وَيَسْتَحْيِي فَلِئَلاً يَنْضَمُّ مَا رُفِضَ ضَمَّهُ، وَلَمْ يَبْنُوا مِنْ بَابِ قَوِيَ مِثْلَ ضَرَبَ وَلَا شَرْفَ كَرَاهَةَ قَوَوْتُ وَقَوُوتُ، وَنَحْوُ الْقُوَّةِ وَالْصُّوَّةِ وَالْبَوِّ وَالْجَوِّ مُحْتَمَلٌ لِلإِدْغَامِ " أقول: قوله " باب قوي " أي: فَعِل بالكسر مما عينه ولامه واو، ولابد من
(1) استنوق الجمل: تشبه بالناقة، وهو مثل يضرب لمن يخلط الشئ بغيره انظر (ح 1 ص 86) (2) يقال: سافه يسيفه فهو سائف، إذا ضربه بالسيف، ويقال: رجل سائف: أي ذو سيف، فهو على الاول اسم فاعل، وإعلاله اصل، وعلى الثاني للنسبة كلا بن وتامر، وإعلاله بالحمل على الاول، طردا لباب فاعل كما قال المؤلف (3) يقال: خال يخال فهو خائل، إذا ظن، ويقال: رجل خائل، إذا كان ذا خيلاء، فهو على النسب في قول أكثر أهل اللغة، والقول في إعلال اللفظين كالقول في سائف، ومنهم من ذهب إلى أن الخائل المتكبر اسم فاعل فاعلا له بالاصل لا بالحمل (*)
قلب الواو ياء، لانكسار ما قبلها، كما يجئ بعد أن كل واو في آخر الكلمة مكسور ما قبلها: متحركة كانت أو ساكنة، قلبت ياء للاستثقال، والاشتغال
بإعلال الأطراف أسبق من الاشتغال بإعلال الوسط: إما بالقلب، أو بالإدغام، لما عرفت، فبعد قلب الثانية ياء لو قلبت الأولى ألفاً لاجتمع إعلالان على ثلاثي ولا يجوز، كما مر، وأما هَوَى فقد أعللت اللام أيضاً بقلبها ألفاً، فلم يكن لك سبيل إلى إعلال العين، حذَراً من الإعلالين، و " قَوِي " من المضاعف بالواو بدليل القوة، " وحيى " من المضاعف بالياء، إلا عند المازنى، وهوى مما عينه واو ولامه ياء، وكذا طَوِيَ، بدليل طَيَّان (1) ، ولم يُعَلَّ في حَيِيَ بقلب العين عند المازني، لأن أصله حَيِوَ عنده، أو لأنه مثل طَوِيَ كما يجئ قوله " وباب طَوِيَ وَحَيِيَ " يعني لم يعلا وإن لم يلزم إعلالان، لانهما فرعا هوى، وَذلك لأن فَعَلَ - بفتح العين - في الأفعال أكثر من أخَوَيْه، لكونه أخف، والخفة مطلوبة في الفعل، وهو أيضاً أكثر تصرفاً، لأن مضارعه يأتي على ثلاثة أوجه، دون مضارعها ثم ذكر علة أخرى لتركهم إعلال عين ثلاثة من الأفعال المذكورة، وهي ما على فَعِلَ - بكسر العين - وذلك أن كل أجوف من باب فَعِلَ قلبت عينه في الماضي ألفاً تقلب عينه في المضارع أيضاً، نحو خاف يخاف، وهاب يهاب، فلو قالوا في الماضي: قايَ وَطَايَ وَحَايَ لقالوا في المضارع: يَقَايُ ويطاى ويحاي، وضم لام
(1) طيان: صفة مشبهة من قولهم: طوى يطوى - كفرح يفرح - إذا جاع وخلا بطنه، كقولهم: شبعان من شبع، وريان من روى، وضمآن من ضمئ، ووجه دلالة طيان على أن لام طوى ياء قلب الواو التى هي العين ياء وإدغامها في الياء، وأصله على هذا طويان، ولو لم تكن اللام ياء لما قبل: طيان، بل كان يقال: طوان، انظر (ح 1 ص 211)(*)
المضارع إذا كان ياء مرفوض مع سكون ما قبله أيضاً، بخلاف الاسم، نحو ظَبْي
وآي ورَاي، وذلك لثقل الفعل كما ذكرنا، ويجوز أن يقال في هوى أيضاً مثله، وهو أن كل أجوف من باب فَعَلَ تسكن عينه بقلبها ألفاً وجب تسكين عين مضارعة ونقل حركته إلى ما قبله، نحو قال يَقُول وبَاع يبيع وَطاح يَطِيح (1) والأصل يَطْوِح فكان يجب أن يقال يَهِيُّ مشدداً في مضارع هاي، ولا يجئ في آخر الفعل المضارع ياء مشددة، لأنه مورد الإعراب مع ثقل الفعل، وأما في الاسم فذلك جائز لخفته، نحو حَيٍّ، ويجوز كما قدمنا أن نعلل ترك إعلالهم عين طَوِيَ وَحَيِيَ بامتناع إعلال لامهما الذي كان أولى بالإعلال لو انفتح ما قبله، لكونه آخر الكلمة.
قوله " وكثر الإدغام في باب حَيِيَ " قال سيبويه: الإدغام أكثر والأُخرى عربية كثيرة (2) ، وإنما كان أكثر لأن اجتماع المثلين المتحركين مستثقل، ويشترط في جواز الإدغام في مثله: أي فيما تحرك حرف العلة فيه، لزومُ حركة الثاني، نحو حَيَّ، حَيَّا، حَيُّوا، حَيَّتْ، حَيَّتَا، قال: 139 - عَيُّوا بأَمرِهِمُ كَمَا * عَيَّتْ ببيضتها الحمامه جعلت لها عودين من * نشم وآخر من ثمامة (3)
(1) انظر (ح 1 ص 81، 115)(2) هذه عبارة سيبويه (ح 2 ص 387) وقد استظهر أبو الحسن الاشمونى من عبارة ابن مالك أن مذهبه كون الفك أجود من الادغام مع اعترافه بكونهما فصيحين، وقد علل جواز الوجهين في حيى بأن من أدغم نظر إلى حقيقة الامر فيه، وهى اجتماع مثلين متحركين وحركة ثانيهما لازمة، من فك نظر إلى أن حركة الماضي وإن كانت لازمة فيه إلا أنها كالمفارقة، بسبب عدم وجودها في المضارع، ففارق بهذا نحو شدد يشدد، إذ الحركة في الماضي والمضارع (3) هذا الشاهد من مجزوء الكامل المرفل، وهو لعبيد بن الابرص من (*)
وإن كانت حركة الثاني لاجل حرف عارض غير لازم لم يدغم، كما في محيية ومحييان، فان الحركة لاجل التاء التى هي في الصفة ولالف المثنى، وهما عارضان لا يلزمان الكلمة، وكذا الحركات الاعرابية، نحو قوله تعالى:(أن يحيى الموتى) وقولك: رأيت مُعْيياً وإن كانت الحركة لازمة في نفس الأمر كما في حَيِيَ، أو لأجل حرف عارض لازم كما في تَحْيِيَة وَأَحْيِيَة جمع حَيَاء (1) جاز الإدغام والإظهار، إذ التاء في مثله لازمة، بخلاف تاء الصفة، وكذا يجوز في جمع عَيِيٍّ أعيياء وأعِيَّاء، للزوم الألف، والإدغام في هذا النوع أيضاً أولى، كما كان في حَيَّ وأَحِيَّ وإنما اشترط للإدغام في هذا الباب لزوم حركة الثاني بخلاف باب يَرُدُّ وَيَمَسُّ، لأن مطلق الحركة في الصحيح يلزم الحرف الثاني، إلا أن يدخله ما يوجب سكونه، كلم يَرْدُدْ ويَرْدُدْن، وأما في المعتل نحو مُعْيِية ورأيت
كلمة له يبكى فيها قومه بنى أسد حين قتلهم حجر الكندى أبو امرئ القيس الشاعر لمنعهم الاتاوة التى كان قد فرضها عليهم، وأول هذه الكلمة قوله: يَا عَيْنُ مَا فَابْكِي بَنِي * أسد فهم أهْلُ النِّدَامَهْ أهْلُ الْقِبَابَ الْحُمْرِ وَالنِّعَم * الْمُؤْبَّلِ والمدامه " ما " زائدة، والقباب: جمع قبة، وكانت لا تكون إلا للرؤساء والاشراف، والنعم: المال الراعى: إبلا أو غيرها، وقيل: يختص بالابل، والمؤبل: المتخذ للقنية، والمدامة: الخمر.
والاستشهاد بالبيت في قوله " عيوا " حيث أدغم المثلين في الفعل المسند لواو الجماعة (1) الاحيية: جمع حياء، مثل قذال وأقذلة، والحياء هو الفرج من ذوات
الخف والظلف والسباع (*)
مُعْيِياً فيسكن الثاني بلا دخول شئ، نحو مُعْي، فلم يروا إدغام حرف فيما هو كالساكن، وحيث أظهرت الياء سواء كانت واجبة الإظهار كما في مُحْيِيَة أو جائزته كما في حَيِيَ، وانكسرت، فإخفاء كسرها أحسن من إظهاره، ليكون كالإدغام، فإن الكسر مستثقل، وإن انفتحت الأولى، كما تقول في تثنية الْحَيَا:(1) حَيَيَان، جاز الإخفاء والتبيين، والتبيين أولى، لعدم الاستثقال، ولا يجوز هاهنا الإدغام، لعدم لزوم ألف التثنية، ومَنْ أظهر في حَيِيَ قال في الجمع حَيُوا مخففاً كخَشُوا، قال: 140 - وكنا حسبناهم فوارس كهمس * حيوا بَعْدَ مَا مَاتُوا مِنَ الدَّهْرِ أَعْصُرَا (2) قوله " وقد تكسر الفاء " يعنى في حى المبنى للفاعل، والظاهر أنه غلط نقله من المفصل (3) ، وإنما أورد سيبويه في المبنى للمفعول حُيَّ وحى،
(1) الحيا - مقصورا -: الخصب والمطر، وتثنيته حييان مثل فتى وفتان (2) هذا بيت من الطويل، وهو من شواهد سيبويه (ح 2 ص 387) وهو من كلمة أولها - فيما رواه صاحب الاغانى -: فلِلَّه عَيْنَا مَنْ رَأَى مِنْ فَوَارِسٍ * أكَرَّ عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْهُمْ وَأَصْبَرَا وَأَكْرَمَ لَوْ لَاقَوْا سَدَاداً مُقَارِباً * وَلَكِنْ لَقُوا طَمًّا مِنَ الْبَحْرِ أخضرا وقد نسبت هذه الابيات لابي حزابة التميمي، وهو الوليد بن حنيفة، شاعر من شعراء الدولة الأموية، وقيل: هي لمودود العنبري، وكهمس: أبو حي من العرب.
والاستشهاد بالبيت في قوله " حيوا " بتخفيف الياء مضمومة على لغة من قال في الماضي: حيى بالفك، مثلما تقول: رضوا في رضى، ورواية الاغانى " وحتى حسبناهم "
(3)
عبارة جار الله: " وقد أجروا نحو حيى وعيى مجرى قى وفنى، فلم يعلوه، وأكثرهم يدغم فيقول: حى وعى - بفتح الفاء وكسر - كما قيل لى ولى في جمع (*)
كقولهم في الاسم في جمع قَرْن أَلْوَى: قُرُونٌ لِيٌّ - بالضم والكسر - (1) فإن قيل: كيف وجب كسر الضم في غير فُعْلٍ نحو مُسْلِمِيّ وَعُتِيّ وَجُثِيّ وغُزْوِيّ على مثال عُصْفُورٍ من الغزو، وجاز الوجهان في فُعْل؟ قيل: لأن فُعْلاً يلتبس بفِعْل فجاز إبقاء الضم فيه دلالة على أصل البنية وفي غيره لا يلتبس بِنْية ببنية، أو يقال: المجوز لضم فُعْل قبل الياء خفة البناء، وقال السيرافي: يجوز أن يقال لِيٌّ: بالكسر في جمع أَلْوَى، كبيض في جمع أبْيَضَ، جعل الياء الساكنة المدغمة كغير المدغمة، وَحِيَّ في حُيَّ كَقِيلَ وبيع
ألوى، قال الله تعالى (ويحيى من حى عن بينة) وقال عبيد: عيوا بأمرهم كما * عيت ببيضتها الحمامه اه كلام الزمخشري ولم يتعرض ابن يعيش لذلك في شرحه، ولا خطأ جار الله في شئ مما قاله، وقد بحثنا من كتب القراءات كتاب النشر لابن الجزرى ووجوه قراءات القرآن للعكبرى، ومن كتب التفسير كتاب الكشاف، والبيضاوي والشهاب الخفاجى، والبحر المحيط لابي حيان، فلم نجد أحدا من هؤلاء ذكر أنه قرئ في قوله تعالى:(ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينة) بالادغام مع كسر الحاء، ثم بحثنا من كتب النحو واللغة: لسان العرب لابن المكرم (ح ى ى - ع ى ى) والقاموس المحيط، وكتاب سيبويه وأوضح المسالك لابن هشام، والاشمونى، والهمع للسيوطي، والكافية الشافية لابن مالك، فلم نجد أحد من هؤلاء جميعا ذكر أن
حى ونحوه من المبنى للمعلوم إذا أدغم جاز كسر فائه، فإذا علمت هذا تبين لك أن وجه تخطئة المؤلف للزمخشري عدم النقل عن أحد من النحاة وعدم وروده في كلام العرب، ولعل الزمخشري إنما حكى ذلك لوجه من القياس كما يشعر به تنظيره (لى) - جمع ألوى - وإن كان قوله " وأكثرهم يدغم فيقول " ظاهرا في النقل عن العرب (1) تقول: قرن ألوى، إذا كان شديد الالتواء (*)
وقالوا في الاسم: حياة ودواة وَنَوَاة، وشذ غَايَة وغَاي، وَرَاية ورَاي، وآية وثاية، (1) والقياس غوَاة أو غيَاة، والأول أولى، لأن باب طَوَيْت أكثر من باب حَييَ، وإنما قلنا بشذوذ ذلك لأن الأولى إعلال الآخر كما في هَوَى ونَوَى وقال الفراء وجماعة من المتقدمين في آية: إنه ساكن العين، والأصل أيّة وأى قلبت العين الساكنة ألفا، لفتح ما قبلها كما في طائى وياجل (2) وعاب، وهو ههنا أولى، لاجتماع الياءين وقال الكسائي: آيية، على وزن فاعلة، فكرهوا اجتماع الياءين مع انكسار أولاهما، فحذفت الاولى وعلى جميع الوجوه لا يخلو من شذوذ في الحذف (3) والقلب
(1) الثاية: مأوى الابل، وعلم بقدر قعدة الانسان، وأصلها ثوى لاثيى، لان باب طوى أكثر من باب حيى، وكان مقتضى القياس أن تقلب اللام ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، ولان الاعلال باللام أولى كما فعلوا في النوى والحيا، ولكنهم أعلوا العين بقلبها ألفا على خلاف مقتضى القياس فصار ثايا.
وانظر في الكلام على بقية هذه الالفاظ (ح 2 ص 51)(2) العاب: أصله العيب - بفتح فسكون - فقلبت الياء ألفا أكتفاء بجزء العلة وهو انفتاح ما قبلها، ومثله الذام والقاب في نحو (قاب قوسين) ومثله " آد " بمعنى القوة من نحو قوله تعالى (والسماء بنيناها بأيد) ومثله " رادة " في قولهم: ريح
ريدة ورادة، إذا كانت لينة الهبوب، ومثله الذان بمنى الذين - بفتح الذال وسكون الياء - وهو العيب، ومن العلماء من زعم أن المقلوب من هذه الالفاظ مفتوح العين، وأن كل كلمة من هذه الكلمات قد وردت على لغتين، وحينئذ يكون القلب مستوفيا علته (3) ليس بك حاجة إلى بيان الوجوه وما يلزم على كل وجه من الشذوذ إذا رجعت إلى ما كتبناه في (ح 2 ص 51) ولاحظت أن الاعلال بالام أولى منه بالعين، وأن العين لا تعل إذا كانت اللام حرف علة سواء أعلت بالفعل أم لم تعل، وأن علة انقلاب الواو والياء ألفا هي تحركهما وانفتاح ما قبلهما، فأذا طبقت هذه القواعد على الاقوال التى ذكرناها في الموضع المشار إليه ظهر لك أن كل قول منها لا يخلو من شذوذ.
(*)
ويمكن أن يقال: الوجهان أيضا في غاية وثاية وراية واعلم أن في استحيا لغتين: لغة أهل الحجاز استحيا يستحيي - بياءين - مستحى مستحيا منه، على وزن استرعى يسترعى سواء، ولغة بنى تميم استحى يستحى، بتحريك الحاء وحذف إحدى الياءين فمذهب الخليل أنه مبنى على حيى معلا إعلال هاب وباع، فكأنه قيل: حاى، فكما تقول في باع: استبعت، تقول في حاى: استحيت، وإنما بنى على حاى المرفوض، لان حق حيى إعلال عينه لما امتنع إعلال لامه، فاستحى على هذا في الاصل استحاى كاستباع، حذفت حركة الياء، إذ لم يوجد في كلامهم لام الماضي ياء متحركة ساكنا ما قبلها، فالتقى ساكنان، فحذفت أولاهما، ثم قلبت الياء الساكنة ألفاً لانفتاح ما قبلها كما في ياجل وطائى، وكذا تقول في المضارع: إن حقه يَسْتَحيِيُ كيستبيع، حذفت حركة الياء، إذ لا نظير له في الأفعال، ثم حذفت الياء الأولى للساكنين، والأمر منه اسْتَحِ،
وحق مصدره على هذا اسْتِحَاءة كاستباعة، ولا يستعمل، واسم الفاعل مُسْتَحٍ، والأصل مُسْتَحْيِيٌ فأعل إعلال المضارع، والمفعول مُسْتَحًى منه، وأصله مُسْتَحَايٌ حذفت حركة الياء كما في يستحاى، وأعل إعلال استحاي، وقد مر، وفيما ذهب إليه الخليل ضعف لا يخفي للارتكابات المكروهة وقال غيره - واختاره المازني -: إن الياء الأولى في جميع هذه التصرفات حذفت كما في أحَسْت وظِلْتُ ومِسْتُ، لأن حقّ المثلين الإدغام، فلما امتنع حذفت الأولى، لكونه أشبه شئ بالإدغام، وقال المازني: لو حذفت للساكنين لم تحذف في المثنى نحو اسْتَحَيَا ولقالوا: اسْتَحَايا كاستباعا قوله " بخلاف باب قوي " يعني أن قَوِيَ من مضاعف الواو، بدليل القوة كما أن حييَ من مضاعف الياء، لكنه إنما جاز إدغام حيي بخلاف قوي فلم
يُقَل قَوَّ كما قيل حَيَّ، لأن قلب الواو ياء إعلال في الطرف، وإدغام العين في اللام إعلال في الوسط، والأول أولى لما ذكرنا غير مرة، ولذلك ابتدئ بإدغام أيمّة قبل قلب همزة الساكن ألفاً، لانفتاح ما قبله كما ذكرنا في أول الكتاب، (1) وأيضاً قويَ بقلب الواو ياء أخف منه بإدغام الواو في الواو، والطريق المؤدي إلى زيادة الخفة أولى بالسلوك مما ليس كذلك قوله " ولذلك قالوا يَحْيَا " أي: لم يقولوا يَحيُّ مع أنهم أدغموا في الماضي، لأن الإعلال قبل الإدغام، وأيضاً الكلمة بالإعلال أخف منها بالإدغام، ولذلك قيل: يَقَْوَى، لا يَقَوُّ، وأيضاً لا يجوز الإدغام في يَحْيَى ويَقْوَى، لعدم لزوم حركة الثاني، وهو شرط الإدغام في مثله كما تقدم قوله " احْوَاوَى " هو افْعَالَلَ من الْحوَّة (2) وأصله احْوَاوَوَ، ولم يدغم، بل أعل، لسبق الإعلال على الإدغام، ولكون الكلمة به أخف، وكذا يَحْوَاوِي
في مضارعه، والحركة في آخره عارضة، وكذا ارْعَوَى، وهو من باب افْعَلَ كاحْمَرَّ، وأصله ارْعَوَوَ كاحْمَرَرَ، ومصدر احْوَاوَى احْوِيوَاء كاحْمِيرَار، واحْوِيّاء، ولم يذكر سيبويه إلا هذا، فمن قال: احْوِيوَاء بلا قلب وإدغام فلكون الياء عارضاً في المصدر للكسرة وأصلها الألف في احْوَاوَى، فصارت لعروضها لا يعتد بها كما لا يعتد بواو سُويرَ وقُووِلَ، لكونها بدلاً من الألف في ساير (3) وقاول، وسيبويه نظر إلى كون المصدر أصلاً للفعل، فلا يكون الياء بدلاً من الألف، بل الالف في الفعل بدل من الياء في المصدر
(1) أنظر (ح 1 ص 27)(2) الحوة - بضم الحاء وتشديد الواو -: سواد إلى الخضرة، أو حمرة إلى السواد.
انظر (ح 1 ص 208، 232، 233)(3) هذه العلة التى ذكرها المؤلف ههنا لعدم إعلال سوير بقلب واوه ياء ثم إدغامها في الياء ولعدم الادغام في قوول، هي العلة التى ذكرها سيبويه، وهى التى (*)
قوله " ومن قال اشهباب " يعني أن باب افْعِلَال مقصور افْعِيلَال في بعض الكلمات،: يقال احميرار واحمرار، واشهيباب واشهباب (1) ، فيقال على ذلك في احويواء، احْوِوَاء، فيجتمع الواوان كما يجتمع التاءان في اقتتال، وإن لم يكن احوواء من باب اقتتال، وسيجئ في باب الإدغام أنه قد يدغم نحو اقْتَتَل يقتتل اقتتالاً فيقال: قِتَّال، فيقال أيضاً هنا: حِوَّاء، والواوان المدغم إحداهما في الأخرى لا يستثقلان في الوسط كما يستثقلان في الطرف، فيقال حَوَّى يَحَوِّي، بفتح الحاء فيهما، أو حِوَّى يَحِوِّي، بكسر الحاءَين (2) ، حِوَّاء نحو قتل يقتل قتالاً
اختارها متأخرو النحاة كابن مالك وشراح كلامه، لكن ابن الحاجب ذكر في باب
الادغام أن عدم القلب في سوير وعدم الادغام في قوول لخوف الالتباس بنحو سير مبنيا للمجهول من نحو قوله تعالى: (وإذا الجبال سيرت) وبنحو قول مبنيا للمجهول من قول - بالتضعيف - وأيد المؤلف كلامه هناك حيث قال " وعند سيبويه والخليل أن سُويِرَ وقُووِلَ لم يدغما لكون الواوين عارضين، وقول المصنف أولى، وهو أنهما لم يدغما، لخوف الالتباس، لأن العارض إذا كان لازماً فهو كالأصلي، ومن ثم يدغم إينة - كامعة - وأول - كابلم - مع عروض الواو الياء " اه، وخلط بين العلتين في الكلام على قلب الواو ياء إذا اجتمعت مع الياء وسبقت إحداهما ساكنة.
(1)
الشهبة: البياض الذى غلب على السواد، وقد قالوا: اشهب الفرس اشهبابا واشهاب اشهيبابا، إذا غلب بياضه سواده، هذا قول أكثر أهل اللغة، وقال أبو عبيدة: الشهبة في ألوان الخيل: أن تشق معظم ألوانها شعرة أو شعرات بيض كمتا كانت أو شقرا أودهما.
(2)
وجه كسر الحاء في " حوى " أنه لما قصد الادغام سكن أول المثلين فالتقى ساكنان: الحاء التى هي فاء الكلمة، والواو التى هي عينها، فحرك أول الساكنين بالكسر الذى هو الاصل في التخلص من التقاء الساكنين، وحذفت همزة الوصل استغناء عنها، وأما " حوى " بفتح الحاء فوجهه أنه لما أريد الادغام نقلت حركة أول المثلين إلى الساكن قبله وحذفت همزة الوصل استغناء عنها.
(*)
وإذا بنيت من حَيِيَ ورَمَى مثل احْمَرَّ قلت: احْيَيَا وارْمَيَا، والإعلال قبل الإدغام.
وإذا بنيت مثل احْمَارَّ منهما قلت: احْيَايَا وارْمايَا، وفي المثنى احْيَيَيَا وارْمَيَيَا واحْيَايَيَا وَارْمَايَيَا، ولا يجوز الإدغام لعروض الحركة في الأخيرة، لأجل ألف المثنى، وتقول في الجمع: احييوا، واحيايوا، فإذا لزمت الحركة
- وذلك فيما لم يسم فاعله نحو احْيُيِيَ وارْمُيِيَ وَاحْيُويِيَ وَارْمُويِيَ واحْيُيِيَا واحيييوا وَاحْيُوييَا واحْيُوييُو - جاز الإدغام، فتقول: أُحْيِيَّ وأصله أُحْيُيَّ كسرت الياء المضمومة كما في مُسْلِمِيَّ، واحْيِيَّا واحْيِيُّوا واحْيُويَّ وَاحْيُويَّا واحْيُويُّوا، وفي المضارع: يُحْيَيى ويَرْمَيى ويَحْيَايى ويَرْمَايى، ولا يجوز إدغام الواو في احْيُويِيَ كما لم يدغم في سُوير، كما ذكرنا، وتقول في اسم الفاعل: مُحْيَيِيَةٌ وَمُحْيَايِيَة، ولا يجوز الإدغام، لعروض الحركة، بل إخفاء الكسر أولى من الإظهار كما بينا وتقول في مصدر احْيَيا: احْيِيَاء، وفي مصدر احْيَايَا احْيِيَّاء بالإدغام، ومن لم يدغم في احْويَواء لكون الياء بدلاً من الألف ينبغي أن لا يدغم أيضا ههنا، لكنه مستثقل، ومن أدغم في اقتتل يقتتل اقتتالا قال ههنا: حَيَّا يَحَيِّى حِيَّاء.
قوله " وجاز الإدغام في أُحْيِيَ واسْتُحْييَ " من أدغم قال: أحِيَّ أُحِيَّا أُحِيُّوا وَاسْتُحِيَّ اسْتُحِيّاً اسْتُحِيُّوا، وذلك للزوم الحركة، ومن لم يدغم قال أُحْيِيَ أُحْيِيا أُحْيُوا، نحو أُرْمِيَ أُرْمِيَا، أُرْمُوا، وفي اسْتُحْيِيَ ثلاث لغات، هذه أصلها، وثانيتها الإدغام، وثالثتها حذف الياء الأولى كما في اسْتَحَى عند بني تميم، وتقول في مضارع أحيَا واسْتَحْيا: يُحْيِي ويَسْتَحْيِي، من غير إدغام، لعدم لزوم الحركة.
قوله " ومن ثم لم يُبنَ من باب قَوِي " أي: من مضاعف الواو " فَعَلَ "(*)
بالفتح كراهة اجتماع الواوين إذا اتصل بالماضي الضمير المرفوع، وأما فَعُلَ - بالضم - فلو بنى منه لحصلت الواوان من دون اتصال الضمير، إذ لم يكن تقلب الواو التي هي عين لما لم تكن علة القلب في اللام حاصلة، كما ذكرنا في حَيِي وطَوِيَ، ولم تكن تقلب الثانية ياء لضمة ما قبلها كما في الأدْلِي، لأن ذلك في الاسم كما
يأتي، ألا ترى إلى نحو سَرُوَ؟ قوله " ونحو الْقُوَّة والصُّوَّة (1) " جواب سؤال، كأنه قيل: فإذا لم ينوا من باب قَوِيَ مخافة الواوين، فلم احتملوا ذلك في القوة؟ فقال: لأن الإدغام ههنا حاصل، فخفت الكلمة به، ولو كان الإدغام مقدماً على الإعلال أيضاً لم يجز ذلك في الفعل كما جاز في الاسم، لثقل الواوين في الفعل الذي هو ثقيل قال " وَصَحَّ بَابُ مَا أَفْعَلَهُ لِعَدَمِ تَصَرُّفِهِ، وَأَفْعَلُ مِنْهُ مُحْمُولٌ عَلَيْهِ أَوْ لِلَّبْسِ بِالْفِعْلِ، وَازْدَوَجُوا وَاجْتَوَرُوا، لأَنَّهُ بِمَعْنَى تَفَاعَلُوا، وَبَابُ اعْوَارَّ وَاسْوَادَّ لِلَّبْس، وَعَوِرَ وَسَوِد، لأنَّهُ بِمَعْنَاهُ، وما تَصَرَّفَ مِمَّا صَحَّ صَحِيحُ أيْضاً كَأَعْوَرْتُهُ وَاسْتَعْوَرْتُهُ وَمُقَاوِلٍ وَمُبَايعٍ وَعَاوِرٍ وَأَسْوَدَ، وَمَنْ قَالَ: عَارَ قَالَ: أَعَارَ واسْتَعَارَ وَعَائِرٌ، وَصَحَّ تَقْوَالٌ وَتَسْيَارٌ لِلَّبْسِ، ومقوال ومخياط للبس، ومقول ومخيط مَحْذُوفانِ مِنْهُمَا، أَوْ (لأَنَّهُمَا) بِمَعْنَاهُمَا، وأُعِلَّ نَحْوُ يَقُومُ وَيَبِيعُ وَمَقُومٍ وَمَبِيع بِغَيْرِ ذَلِكَ، لِلَّبْس وَنَحْوُ جَوَادٍ وَطَويلٍ وَغَيُورٍ لٍِلإلْبَاسِ بِفَاعِلٍ أَوْ بِفَعَلَ أَوْ لأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ عَلَى الْفِعْلِ وَلَا مُوَافِقٍ، وَنَحْوُ الْجَوَلَانِ وَالْحَيَوَانِ وَالصَّوَرَى وَالْحَيَدَى، للتنبيه
(1) الصوة: جماعة السباع، وهى أيضا حجر ينصب في الفيافي والمفازة المجهولة ليستدل به على الطريق، وتجمع على صوى، نظير مدية ومدى، كما جاء في حديث أبى هريرة (إن للاسلام صوى ومنارا كمنار الطريق) أراد أن للاسلام طرائق وأعلاما يهتدى بها.
(*)
بِحَرَكَتِهِ عَلَى حَرَكَةِ مُسَمَّاهُ، وَالْمَوَتَانُ، لأنَّهُ نَقِيضهُ، أَوْ لأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ وَلَا مُوَافِقٍ، وَنَحْوُ أَدْوُرٍ وَأَعْيُنٍ لِلإِلْبَاس، أَوْ لأَنَّهُ لَيْسَ بِجَارٍ وَلَا مُخَالِفٍ، وَنَحْوُ جَدْوِلٍ وَخِرْوَعٍ وَعُلَيْبٍ، لِمُحَافَظَةِ الإِلْحَاقِ أَوْ للسكون المحض "
أقول: قد تبين بما قدمت في أول هذا الباب علة تركهم إعلال الاشياء المذكورة، ولنفسر ألفاظ المصنف قوله " لعدم تصرفه " يعنى أن الأصل في الإعلال الفعل، لما ذكرنا من ثقله، ولم يعل باب التعجب نحو ما أقوله وأقول به - وإن كانا فعلين على الاصح - لمشابهتهما بعدم التصرف للاسماء، فصارا كأفعل التفضيل وأفعل الصفة قوله " وأفعل منه " أي: أفعل التفضيل محمول عليه: أي مشابه لافعل التعجب، لان التعجب من الشئ لكونه أفضل في معنى من المعاني من غيره، ولذلك تساويا في كثير من الاحكام كما تبين في بابيهما، ولا وجه لقوله " محمول عليه " لانه اسم، وأصل الاسم أن لا يعل هذا الاعلال كما ذكرنا، وقد يعل من جملة الاسماء الاقسام المذكورة كما مر، وشرط القسم المزيد فيه الموازن للفعل إذا قصدنا إعلال عينه أن يكون مخالفا للفعل بوجه كما تقدم، وهذا لا يخالف الفعل بشئ، فكان يكفى قوله " أو للبس بالفعل " قوله " وباب اعوار واسواد للبس " أي: لو قلبت الواو ألفاً ونقلت حركتها إلى ما قبلها لكان يسقط همزة الوصل وإحدى الألفين، فيبقى سادّ وعارّ فيلتبس بفاعل المضاعف، ولا وجه لقوله " للبس " لأنه إنما يُعْتذر لعدم الإعلال إذا حصل هناك علته ولم يعل، وعلة الإعلال فيما سكن ما قبل واوه أو يائه كونه فرعاً لما ثبت إعلاله، كما في أقام واستقام، ولم يعل عَوِرَ وسَوِدَ حتى يحمل اعْوارّ واسوادّ عليهما، بل الأمر بالعكس، بلى لو سئل كيف لم يعل اعوار واسواد
وظاهرهما أنهما مثل أقوم، فالجواب أن بينهما فرقا، وذلك أن العلة حاصلة في أقوم دون اعوَارَّ قوله " وما تصرف..إلى آخره " أي: لم يعل نحو استعَوْر وأَعْوَر وإن
كانا في الظاهر كاستقوم وأقوم، لأن أصلهما ليس معلاً حتى يحملا في الإعلال عليه، وكذلك عاوِرٌ ومُقَاوِل ومُبَايعٌ لم يعل إعلال نحو قائل وبائع، لأن إعلال نحو قائل للحمل على فعله المعل، وأفعال هذه الأشياء غير معلة قوله " وتَقْوَال وتسيار للبس " يعني أن نحوه وإن كان مصدراً لفعل معل لم يعل ولم يجر مجراه كما أجرى إقامة واستقامة مجرى أقام واستقام، لئلا يلتبس بعد الإعلال بفَعَال، هذا قوله، والوجه ما تقدم من أن المصدر لا يعل عينه هذا الإعلال إلا أن يكون مصدراً مطرداً مساوياً لفعله في ثبوت الزيادة فيه في مثل موضعها من الفعل، كإقامة واستقامة، وليس نحو تقوال وتسيار كذا، وأما إعلال نحو قيام وعياذ بقلب الواو ياء وإن لم يساو الفعل بأحد الوجهين فلما ذكرنا من أن علة قلب الواو ياء لكسرة ما قبلها أمتن من علة قلب الواو ألفاً لفتحة ما قبلها.
قوله " ومقوالٌ ومخياطٌ للبس " يعني أنه آلة جارية على الفعل فكان سبيله في الإعلال سبيل الفعل، لكنه لم يعل للبس بِفِعَال، والحق أن يقال: لم يثبت فيه علة الإعلال، وهي موازنة الفعل، فكيف يعل؟ وليس كل اسم متصل بالفعل يعل هذا الإعلال.
قوله " ومِقْوَلٌ وَمِخْيَطٌ " هذا يحتاج إلى العذر، لأنه موازن للأمر نحو اذهب وأحمد، وفيه المخالفة بالميم المزيدة في الأول، فكان الوجه الإعلال، فالعذر أنه مقصور من مفعال، فأجرى مجرى أصله، ولنا أن لا نقول: إنه فرعه، بل نقول: هما أصلان، ومفعل محمول على مفعال في ترك الإعلال، لكونه بمعناه، وهذا
أولى، إذا موافقته لمعناه لا تدل على أنه فرعه.
قوله " بغير ذلك " أي: لم تقلب عينها ألفاً كما قلبت في أصولها لئلا يلتبس
وزن بوزن كما تكرر ذكرنا له قوله " للإلباس بفاعِل " أي: لو حركت الألف الثانية بعد الإعلال كما في قائل لا لتبس فَعَالٌ وَفَعُول وفَعِيل بفاعِل، ولو حذفت الألف بعد قلبها لا لتبس بفَعَل - المفتوح العين والفاء - والحق أن يقال: إنها لم تعل، لأنها ليست مما ذكرنا من أقسام الاسم التي تعل قوله " ونحو الجَوَلان " هذا عجيب، فإن حركة اللفظ لا تناسب حركة المعنى إلا بالاشتراك اللفظي، إذ معنى حركة اللفظ أن تجئ بعد الحرف بشئ من الواو والياء والألف كما هو مشهور، وحركة المعنى على فراسخ من هذا، فكيف ينبه بإحداهما على الأخرى؟ فالوجه قوله " أو لأنه ليس بجِار " أي كإقامة واستقامة كما ذكرنا من مناسبته للفعل، ولا موافق: أي موازن له موازنة مَقام ومُقام وباب ودار.
قوله " للإلباس " أي: بالفعل.
قوله " ولا مخالف " لأن شرط الموازن الموازنة المذكورة مخالفته بوجه حتى لا يلتبس بالفعل.
قوله " لمحافظة الالحاق " فإن الملحق لا يعل بحذف حركة ولا نقلها ولا حذف حرف لئلا يخالف الملحق به، فيبطل غرض الالحاق إلا إذا كان الاعلال في الاخر فإنه يعل لان الأواخر محل التغيير، ولأن سقوط حركة الآخر كالْمِعْزَى لا يخل بالوزن كما ذكرنا في أول الكتاب (1) ، وسقوط الحرف الأخير لأجل التنوين كلا سقوط كمعزًى لأن التنوين غير لازم للكلمة.
(1) انظر (ح 1 ص 58)(*)
قوله " عُلْيَب "(1) وَهو عند الأخفش ملحق بجُخْدَب، وعند سيبويه
للإلحاق أيضاً كسودَد، وإن لم يأت عنده فعلل كما يجئ بعد.
قوله " أو للسكون المحض " هذا هو الحق لا الأول، لأن الواو والياء الساكن ما قبلهما إنما تقلبان ألفاً لكون ذلك الساكن مفتوحاً في أصل تلك الكلمة، ولم يثبت فيما نحن فيه حركة في الأصل.
قال: " وتُقْلَبَانِ هَمْزَةً فِي نَحْوِ قَائِم وَبَائِعٍ الْمُعْتَلِّ فِعْلُهُ بِخِلَافِ نحو عَاوِرِ، وَنَحْوُ شَاكِ وَشَاكٌ شاذ، في نَحْو جَاءٍ قَوْلَانِ، قَالَ الْخَلِيلُ: مَقْلُوبٌ كالشَّاكِي وَقِيلَ: عَلَى الْقِيَاسِ، وَفِي نحْوِ أَوَائِلَ وَبَوَائِعَ مِمَّا وَقَعَتَا فيهِ بَعْدَ ألِفِ بَابِ مَسَاجِدَ وَقَبْلَهَا وَاوٌ أَوْ يَاءٌ، بِخِلَافِ عَوَاوِيرَ وَطَوَاوِيسَ، وَضَيَاوِنُ شَاذّ، وصَحَّ عَوَاوِرُ، وَأُعِلَّ عيَائِيلٌ لأنَّ الأَصْلَ عَوَاوِيرُ فَحُذِفَتْ وَعَيَائِلُ فَأُشْبِعَ، وَلَمْ يَفْعَلُوهُ في باب معايش ومقاوم للفرق بينه بين بَابِ رَسَائِلَ وَعَجَائِزَ وَصَحَائِفَ، وَجَاءَ مَعَائِشُ بِالْهَمْزِ عَلَى ضَعْفٍ، وَالْتُزٍمَ هَمْزُ مَصَائِبَ.
" أقول: كل ما في هذا الفصل قد تقدم ذكره بتعليله، وقول النحاة في هذا الباب: تقلب الواو والياء همزة، ليس بمحمول على الحقيقة، وذلك لأنه قلبت العين ألفاً ثم قلبت الألف همزة، فكأنه قلبت الواو والياء همزة.
(1) العليب، بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه -: موضع بتهامة.
قال جرير: غضبت طهية أن سببت مجاشعا * عضوا بصم حجارة من عليب ويقال: هو واد فيه نخل، قال أبو دهبل: فما ذر قرن الشمس حتى تبينت * بعليب نخلا مشرفا ومخيما وذلك لان النخل لا يكون في رءوس الجبال، فانه يطلب الدفء (*)
قوله " بخلاف نحو عاوِرِ " يعني ان اسم الفاعل محمول على الفعل في الإعلال
كما تقدم، فلما صح فعله هو أيضاً قوله " ونحو شَاكٍ وشاكٌ شاذ " يعني أن بعض العرب يقلب العين إلى موضع اللام في بعض أسماء الفاعلين من الأجوف، فيعله إعلال قاض، قال: 141 - * لَاثٍ بِهِ الأَشَاءُ وَالْعُبْرِيُّ * (1) وقال: 142 - فتعرفوني، إنني أنا ذاكم * شاك سلاحي في الحوادث معلم (4)
(1) هذا بيت من الرجز المشطور، وهو للعجاج يصف أيكة، وقبله: في أيْكِةٍ فَلَا هُوَ الضْحيُّ * وَلَا يَلُوحُ نَبْتُهُ الشَّتِيُّ لاثٍ به
…
البيت * فتم من قوامها القومي الايكة: غيضة تنبت السدر والاراك، والضَّحِيُّ: البارز للشمس، وهو فَعِيل من ضَحِيَ يضحى - كرضى يرضى -، ولاث: أصله لائث، تقول: نبات لائث، ولاث، إذا التف واجتمع بعضه على بعض، وأصله من لاث يلوث، إذا اجتمع والتف، والاشاء - بالفتح والمد -: صغار النخل، واحدته أشاءة، والعبرى: مالا شوك فيه من السدر.
وما فيه شوك منه يسمى الضال، ويقال: العبرى ما نبت على شطوط الانهار.
والقوام - بالفتح -: الاعتدال، والقومي: القامة وحسن الطول.
والاستشهاد بالبيت في قوله " لاث " على أن أصله لاوث فقدمت الثاء على الواو فصار لاثو، ثم قلبت الواو ياء لتطرفها إثر كسرة، ثم أعل إعلال قاض.
(2)
هذا البيت من الكامل، وهو لطريف بن تميم العنبري.
وقبله قوله: أو كلما وردت عكاظ قبيلة * بعثوا إلى عريفهم يتوسم وعكاظ: سوق من أسواق العرب قريبة من عرفات كانوا يجتمعون فيها من نصف ذى القعدة إلى هلال ذى الحجة، والعريف: النقيب، وهو دون الرئيس
الاعلى، ويتوسم: يتفرس، وشاك: أصله شاوك فقدمت الكاف على الواو، ثم (*)
وهذا هو الذي غر الخليل حتى ارتكب في جميع اسم الفاعل من الأجوف المهموز اللام القلبَ، فقال: إذا كانوا يقلبون في الصحيح اللام خوفاً من الهمزة الواحدة بعد الألف فهم من اجتماع همزتين أفر، وهكذا لما رآهم قالوا في جمع شائع: شَوَاعٍ (1) بالقلب، قال: فهو في نحو خَطَايا ومَطَايا وجَوَاءٍ وشَوَاءٍ أولى، والجواب أنهم إنما التجئوا إلى القلب في لاثٍ وشاكٍ خوفاً من الهمزة بعد الألف، وأما في نحو جاءٍ فيلزم همزة واحدة بعد الألف، سواء قلبت اللام إلى موضع العين أولاً، قال سيبويه: وأكثر العرب يقولون: لاثٌ وشاكٌ - بحذف العين - فكأنهم قلبوا العين ألفاً ثم حذفوا العين للساكنين، ولم يحركوها فراراً من الهمزة، والظاهر أن المحذوفة هي الثانية، لأن الأولى علامة الفاعلية، ويجوز أن يكون أصل لاثٍ وشاكٍ لَوِث وشَوِك مبالغة لائث كعَمِل في عامل ولبث في لابث،
أعلت بقلب الواو ياء، ثم عومل معاملة قاض، ومعلم بزنة اسم الفاعل أو المفعول الذى أعلم نفسه في الحرب بعلامة ليعرف بها، وكانوا لا يأتون عكاظ إلا ملثمين مخافة الاسر.
والاستشهاد بالبيت في قوله " شاك " على أنه اسم فاعل من شاك يشوك لانه من الشوكة، ويقال: هو اسم فاعل من شك في نحو قول عنترة: فشككت بالرمح الاصم ثيابه * ليس الكريم على القنا بمحرم وأصله على هذا شاكك، فقلبوا ثانى المثلين ياء، كما قالوا: أمليت في أمللت، ثم عومل معاملة قاض، ويقال: هو بزنة فعل - بفتح فكسر - وأصله شوك قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، ووجه رابع وهو أن أصله شاوك على وزن فاعل فقلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها مع عدم الاعتداد بالالف ثم حذفت الالف الثانية التى هي عين الكلمة، وعلى الثالث والرابع تجرى حركات الاعراب
على الكاف، بخلاف الوجهين الاولين فانه عليهما يعرب إعراب المنقوص، فان كانت رواية البيت بكسر الكاف لم يجر فيه إلا الوجهان: الاول والثانى، وإن كانت الرواية بضمها لم يجر فيه إلا الثالث والرابع (1) انظر (ح 1 ص 22)(*)
فيكونان ككبش صَافٍ ويوم راحٍ، وقد مضى البحث في جاءٍ في أول الكتاب (1) قوله " وفي نحو أوائل " يعني إذا اكتنف حرفا علة ألفَ باب مساجد قلبت الثانية ألفاً، للقرب من الطرف واجتماع حرفي علة بينهما فاصل ضعيف، ثم تقلب الثانية همزة كما في قائل وبائع، على ما تقدم، سواء كان كلاهما واواً كما في أواول، أو كلاهما ياء كما في بيع وبيايع، أو الأول واواً والثاني ياء كما في بَوَايع جمع بَوْيَعة فَوْعَلة من البيع، أو بالعكس نحو عَيَايل جمع عَيِّل، وأصله عَيْوِل، لأنه من عال يَعُول، وكان قياس ضَيَاوِن (2) ضَيَائن، بالهمز، لكنه شذ في الجمع كما شذ في المفرد، وليس ذلك بمطرد، ألا ترى أنك تقول: بنات ألْبَبِه (3) بفك الإدغام، فإذا جمعت قلت بَنَات ألَابِّه مدغماً، والمسموع من جميع ذلك
(1) انظر (ح 1 ص 25)(2) الضياون: جمع ضيون، والضيون: السنور الذكر، (3)" بنات ألببه " أجمع العلماء في رواية هذه الكلمة على الفك، واختلفوا في ضبطها، فرواها جماعة بفتح الباء الاولى على أنه أفعل تفضيل من قولهم: رجل لب - كسمح - إذا كان عاقلا، والضمير عائد على الحى والقبيلة، فكأنه قيل: بنات أعقل هذا الحى، ورواها قوم بضم الباء الاولى على أنه جمع لب، نحو قول الكميت: إليكم ذوى آل النبي تطلعت * نوازع من قلبى ظماء وألبب
وبنات ألبب - على هذا الوجه الاخير -: اسم لعروق متصلة بالقلب تكون منها الرقة، وقد قالت أعرابية: تأبى له ذاك بنات ألببى، انظر (ح 1 ص 254) ثم اعلم أن هذا الذى ذكره المؤلف ههنا من أنك تدغم في الجمع هو ما ذكره في التصغير، وظاهر عبارته يفيد أنه ليس لك إلا الادغام في التصغير والجمع، لان الفك في الواحد والمكبر شاذ، والشاذ لا يلجئ إلى شاذ مثله، ولكن العلماء قد نقلوا في الجمع والتصغير جميعا الوجهين: الادغام، والفك، وارجع ثانيا إلى المواضع الذى أحلناك عليه من الجزء الاول (*)
ما اكتنف ألف الجمع فيه واوان، وقاس سيبويه الثلاثة الباقية عليه، لاستثقال الياءين والياء والواو كاستثقال الواوين، وقال الأخفش: القياس أن لا يهمز في الياءين، ولا في الياء والواو، لأن اجتماعهما ليس كاجتماع الواوين، وأما رائع جمع بائعة، فإنما همز لكونه جمع ما همز عينه، فإذا بنيت اسم الفاعل من حَيِيَ وشَوَى قلت حَايٍ بالياء وشاوٍ كقاضٍ، وتقول في جمعهما لغير العقلاء: حَوَايَا وشَوَايَا عند سيبويه، لوقوع ألف الجمع بين واو وياء في جمع حَايٍ وبين واوين في جمع شاوٍ، ولا تتبع جمع شاوٍ واحده (1) كما فعلت في جمع إدَاوَة إذ لو اتبعت لقلت شوَاوَى، فكان فراراً إلى ما فر منه، على ما ذكرناه في تخفيف الهمزة، وتقول على مذهب الأخفش: حَوَايٍ بالياء، وأما شَوَايا فلا خلاف فيه لاجتماع الواوين قوله " بخلاف عواوير وطواويس " يعني إذا بَعُدت حروف العلة التي بعد ألف الجمع عن الطرف لم تقلبها ألفاً، سواء كان المكتنفان واوين كطواويس، أو ياءين كبياييع جمع بَيَّاع، أو مختلفين كقياويم جمع قيَّام وبوابيع جمع بياع على وزن تَوْرَاب من باع، لو جمعت الاسماء المذكورة هذه الجموع، وأما عَوَاوِر جمع عُوَّار وهو الْقَذَى فلأن أصله عواوير فحذفت الياء اكتفاء بالكسرة، قال:
143 -
وَكَحَّلَ العينين بالعواور (2)
(1) في نسخة " ولا تتبع الجمعين واحديهما، كما فعلت في جمع إدَاوَة، إذ لو أتبعت جمع حاى واحده لقلت أيضا حوايا، ولو أتبعت جمع شاو لقلت شوايا، فكان فرارا - الخ "(2) هذا البيت من مشطور الرجز، وهو لجندل بن المثنى الطهوى يخاطب فيه امرأته، وقبله قوله: غرك أن تقاربت أبا عرى * وَأنْ رَأَيْتِ الدَّهْرَ ذَا الدَّوائِرِ * حنى عظامي وأراه ثاغرى * وقوله " تقاربت أبا عرى " قيل: معناه دنت من منازلنا، وهو كناى عن لزوم (*)
وعيائيل بالهمز لأن أصله عيائل: إذ هو حمع عَيِّل كسيد، وهو الفقير، فأشبع الكسرة، قال 144 - فِيهَا عَيَائِيلُ أُسُودٌ ونمر (1)
الدار وعدم خروجه للنجعة واستمناح الملوك، لضعفه وكبره، ويقال: معناه قلت فهو كناية عن الفقر، والدوائر: جمع دائرة، وهى اسم فاعل من دار يدور، وأراد بها المصائب والنوائب، وحنى عظامي: قوسها، وإنما يكون ذلك عند الشيخوخة والكبر، وثاغرى: اسم فاعل من ثغره: أي كسر ثغره: أي أسنانه، والعواور: جمع عوار - بضم العين وتشديد الواو - وهو القذى يسقط في العين فيؤذيها.
والاستشهاد بالبيت في قوله " بالعواور " حيث صحح الواو الثانية مع قربها من الاخر، وذلك لان أصله العواوير، فلما اضطر الشاعر حذف الواو (1) هذا البيت من مشطور الرجز، وهو لحكيم بن معية الربعي من بنى تميم، وقبله قوله:
أحمى قناة صلبة ما تنكسر * صماء تمت في نياف مشمخر حفت بأطواد عظام وسمر * في أشب الغيطان ملتف الحظر أحمى: مضارع حمى قومه - كرمى - حماية، إذا منعهم ودافع عنهم، والقناة: الرمح، والصلبة: الشديدة القوية، والصماء: التى يكون جوفها غير فارغ، وتمت: كملت واستوت في منبتها، والنياف - ككتاب -: العالي المرتفع، وأراد جبلا، وأجود منابت الرماح قمم الجبال، وأصله نواف فقلبت الواو ياء شذوذا، لانه ليس بمصدر ولا يجمع ومشمخر: اسم فاعل من اشمخر: أي علا وارتفع، وحفت: أحيطت، والاطواد: جمع طود، وهو الجبل، والسمر: اسم جنس جمعى واحدته سمرة، وهو نوع من الشجر عظيم طويل، والاشب - بفتح فكسر -: الملتف الذى لا يمكن الدخول فيه إلا بشدة، والحظر: يقال: هو بفتح الحاء وكسر الظاء، وهو الموضع الذى يحيط به الشجر، ويقال: هو بضمتين، وهو جمع حظيرة، والعيائيل: جمع عيل - بتشديد الياء وكسرها - وهو فيعل من عال يعيل إذا تبختر أو من عال الفرس يعيل إذا تكفأ في مشيه وتمايل، وذلك لكرمه، ويقال: اشتقاقه من عال يعيل إذا افتقر، والنمر - بضمتين -: جمع نمر - بفتح فكسر - وقياسه (*)
روعي الأصل في الجمعين هذا كله في الجمع، وأما إن وقع مثل ذلك في غير الجمع فإن سيبويه يقلب الثاني أيضا ألفاً ثم همزة، فيقول: عُوَائر وقُوَائم، على وزن فُوَاعل من عَوِر وقَامَ، وكذا يقول في مُطَاء ورُمَاء وحُيَاء وشُوَاء من مَطَا ورَمَى وحَيِيَ وشَوَى، فيصير ثاني المكتنفين في الجميع (1) همزة، لأنه وإن فات ثقل الجمع إلا أن ضم أوله ألحقه ثقلاما، قال: لا تقلب الهمزة ههنا ياء مفتوحة، وَالياء بعدها ألفا، كما فعل في الجمع، فلا يقال مُطَايا ورُمَايا وحُيَايا
وشُوايا، لئلا يلتبس ببناء شُكَاعى (2) وحُبارى، ويجوز أن يقال: إن ثقل
نمور، فحذفت الواو.
والاستشهاد بالبيت في قوله " عيائيل " حيث أبقى الهمزة المنقلبة عن الياء، لانه لم يعتد بالمدة التى قبل الطرف، لانها للاشباع وليست في مقابلة حرف في المفرد (1) قوله " فيصير ثاني المكتنفين في الجميع همزة " غير مستقيم، وذلك أنه لم يكتنف الالف حرفا علة إلا في حياى وشواى، وأما مطاء ورماء فليسا كذلك كما هو ظاهر، والذى أوقع المؤلف في ذلك أنه نقل عبارة سيبويه فخلط بين نوعين من الامثلة ميز سيبويه أحدهما عن الاخر، وهاك عبارته (ح 2 ص 385) :" وفواعل منهما (يريد: حوى وشوى) بمنزلة فواعل (يريد الجمع) في أنك تهمز ولا تبدل من الهمزة ياء، كما فعلت ذلك في عورت، وذلك قولك عوائر، ولا يكون أمثل حالا من فواعل وأوائل، وذلك قولك: شواء، وأما فعائل من بنات الياء والواو فمطاء ورماء، لانها ليست همزة لحقت في جمع، وإنما هي بمنزلة مفاعل من شأوت وفاعل من جئت، لانها لم تخرج على مثال مفاعل، وهى في هذا المثال بمنزلة فاعل من جئت، فهمزتها بمنزلة همزة فعال من حييث، وإن جمعت قلت: مطاء، لانها لم تعرض في الجمع " اه (2) الشكاعى: نبت دقيق العيدان صغير أخضر وله زهرة حمراء، والناس يتداوون به.
قال عمرو بن أحمر الباهلى - وكان قد تداوى به وشفى -: شربت الشكاعى والتددت ألدة * وأقبلت أفواه العروق المكاويا (*)
الضمة ليس كثقل الجمعية، فلم يطلب معها غاية التخفيف كما طلبت مع الجمع الأقصى، بل اقتصر على شئ منه، وذلك بقلب ثاني المكتنفين ألفاً، ثم همزة، قال سيبويه: فإن جمعت مُطَاءٍ قلت: مطاءٍ لا مَطَايَا، لأن الهمزة كانت في
المفرد ولم تعرض في الجمع، فهو مثل شَوَاءٍ جمع شائية كما تقدم في تخفيف الهمزة، والأخفش والزجاج لا يغيران ثاني المكتنفين في غير الجمع، فيقولان: عُوَاوِر وقُوَاوم ومُطَاوٍ ورُمَايٍ وحُيَاي وشُوَايٍ، لخفة المفرد قوله " ولم يفعلوه في باب مَعَايش " أي: فيما وقع بعد ألف الجمع فيه واو أو ياء ليست بمدة زائدة، سواء كانت أصلية كما في مُقِيمة ومَقَاوِم ومُرِيبة ومَرَايب، أو زائدة كما في جَدَاول وعَثَاير، فتبقى على حالها: أما الأصلية فلأصالتها، وأما الزائدة المتحركة فلقوتها بالحركة وكونها للإلحاق بحرف أصلي، وإن كانت الواو والياء مدة زائدة في المفرد قلبت ألفاً ثم همزة، كما في تَنَائِف وكبائر، وقد يهمز معايش، تشبيهاً لمعيشة بفَعِيلة، والأكثر ترك الهمز، وكذا قد يهمز المنائر في جمع مَنَارة، تشبيهاً لها بفَعَالَة، والفصيح المناور، والتزم الهمز في المصائب تشبيهاً لمصيبة بفعيلة، كما جمع مَسِيل على مُسْلَان تشبيهاً له بفعيل أو توهما، وهي - أعني مصائب ومنائر ومعائش - بالهمز شاذة قال:" وَتُقْلبُ يَاءُ فُعْلَى اسْماً وَاوَاً فِي نحو طوى وَكوسَى، وَلا تُقْلَبُ فِي الصِّفَةِ، وَلَكِنْ يُكْسَرُ مَا قَبْلَهَا لِتْسَلَمَ الْيَاءُ، نَحْوُ مِشْيَةٍ حِيكى وَقِسْمَة ضِيزَى، وَكَذَلِكَ بَابُ بِيضٍ، وَاخْتُلِفَ فِي غَيْرِ ذلك، فَقَالَ سِيبَوَيْهِ: الْقِيَاسُ الثَّانِي: فَنَحْوُ مَضُوْفَةٍ شَاذّ عِنْدَهُ، وَنَحْوُ مَعِيشَةٍ يَجُوزُ أنْ يَكُون مَفْعِلَةَ وَمَفْعُلَة، وَقَالَ الأَخْفَشُ: الْقِيَاسُ الأَوَّلُ، فَمَضُوفَةُ قِيَاسٌ عِنْدَهُ، وَمَعِيشَةٌ مَفْعِلَةٌ، وَإلَاّ لَزِمَ مَعُوشَة وَعَلَيْهِمَا لَوْ بُنِيَ مِنَ الْبَيْعِ مِثْلُ تُرْتُب لَقِيلَ: تُبِيعٌ وَتُبُوعٌ "
أقول: قوله " طوبى " أما أن يكون مصدراً كالرُّجْعَى، قال تعالى:(طوبى لهم) أي: طيباً لهم، كقوله تعالى (تعسا لهم) ، وإما أن يكون مؤنثاً
للأطيب، فحقه الطُّوبَى، باللام، وحكمه حكم الأسماء، كما قال سيبويه: هذا باب ما تقلب فيه الياء واواً، وذلك إذا كان اسماً كالطوبى والكوسى، قال: لأنها لا تكون وصفاً بغير الألف واللام، فأجري مجرى الأسماء التي لا تكون وصفاً بغير الألف واللام، لأنها لا تستعمل مع " مِنْ " كما هو معلوم، وأما مع الإضافة فإن المضاف إليه يبين الموصوف، لأن أفعل التفضيل بعضُ ما يضاف إليه، فلا تقول: عندي جارية حُسْنَى الجواري، لأن الجواري تدل على الموصوف، فلما لم تكن فُعْلَى بغير لام صفةً ولم تتصرف في الوصفية تصرف سائر الصفات جرت مجرى الأسماء، ولقلة معنى الوصف في أفعل التفضيل انصرف المجرد منه من " من " إذا نكر بعد العلمية اتفاقاً، بخلاف باب أحمر، فإن فيه خلافا كما مر في بابه (1) يقال: مِشْيَةٌ حِيكَى، إذا كان فيها حَيَكَان: أي تبختر، قال سيبويه: هو فُعْلَى بالضم لا فِعْلَى بالكسر، لأن فِعْلَى لا تكون صفة، وإما عزهاة (2)
(1) قد ذكرنا ذلك فيما مضى ونقلنا لك العبارة التى يشير إليها هنا من شرح الكافية فارجع إليه في (ح 2 ص 169)(2) العزهاة: الذى لا يطرب للهو.
وأعلم أن العلماء قد اختلفوا في مجئ فعلى - بكسر فسكون - صفة، فأثبته قوم ونفاه شيخ هذه الصناعة سيبويه، وذكر أنه لا يجئ صفة إلا بالتاء (ح 2 ص 321) ، فأما من أثبتوه فقد ذكروا من أمثلته عزهى، وسعلى، وكيصى، قد رد عليهم أنصار سيبويه بانكار الاولين، وقالوا: لا نعرفها إلا بالتاء، وأما المثال الثالث فلا يلزم أن يكون فعلى - بكسر الفاء - وإنما يجوز أن يكون أصله فعلى - بالضم - فقلبت الضمة كسرة لتسلم الياء، والالف في الثلاثة للالحاق: أما في الاولين فللا لحاق بدرهم، وأما في الثالث فللالحاق بجخدب (*)
فهو بالتاء، وقد أثبت بعضهم رَجِلٌ كِيصَى للذي يأكل وحده، ويجوز أن يكون فُعْلَى بالضم فيكون ملحقاً بجُخْدَب، كما في سُودَد وعُوطَط (1) ، ولا يضر تغيير الضمة بالإلحاق، لأن المقصود من الإلحاق - وهو استقامة الوزن والسجع ونحو ذلك - لا يتفاوت به، وإنما قلبت في الاسم دون الصفة فرقاً بينهما، وكانت الصفة أولى بالياء لثقلها قوله " وكذلك باب بِيض " يعني جمع أفْعَلَ وفَعْلَاء، وذلك لثقل الجمع وقد يترك في باب بِيض جمع أبْيَضَ الضمةُ بحالها فتقلب الياء واواً، وذلك لخفة الوزن قوله " واختلف في غير ذلك " أي: في غير فُعْلٍ وفُعْلَى الجمع والصفة، سواء كان على فُعْلٍ كما إذا بنيت على وزن بُرْدٍ من البيع، أو على غير وزن فُعْل فسيبويه يقلب الضمة كسرة، لتسلم الياء، ولا تقلب الياء واواً، لأن الأول أقل تغييراً، والأخفشُ يعكس الأمر، مستدلاً باتفاقهم على قلب الياء - إذا كانت فاء - واواً لضمة ما قبلهما، نحو مُوسِرٍ، وأجيب بأن ذلك للبعد من الطرف، بخلاف ما إذا كانت الياء قريبة من الآخر، كما فيما نحن فيه قوله " فمضوفة (2) شاذ " لأن المضوفة الشدة، وهي من الضيافة، لأنها تحتاج في دفعها إلى انضياف بعض إلى بعض، وهو يائي، لقولهم: ضَيَّفَهُ
(1) اختلف العلماء في هذه الكلمة فجعلها بعضهم جع عائط، وأصله على هذا عوط بطاء واحدة، مثل حائل وحول، فزيدت الطاء الثانية كما تزيد في زيد دالا فتقول: زيدد، وكما تزيد في خرج جيما فنقول: خرجج، ونحو ذلك، وذهب بعض العلماء إلى أن عوططا مصدر عاطت الناقة تعوط عوطا وعوططا، إذا لم تحمل أول عام تطرق فيه، (2) قد وردت هذه الكلمة في قول أبى جندب بن مرة الهذلى:
وَكُنْتُ إذَا جَاري دَعَا لِمَضُوفَةٍ * أشمِّرُ حَتَّى ينصف الساق مئزري (*)
قال: " وَتُقْلَبُ الْوَاوُ الْمَكْسُورُ مَا قَبْلَهَا فِي الْمَصَادِرِ يَاءً نَحْوُ قِيَاماً وَعِيَاذاً وَقِيَماً، لإِعْلَالِ أًفْعَالِهَا، وَحَالَ حِوَلاً شَاذٌّ كَالْقَوَدِ، بِخِلَافِ مَصْدَرِ نَحْوِ لَاوَذَ، وَفِي نَحْوِ جِيَادٍ وَدِيَارٍ وَرِيَاحٍ وَتِيَرٍ وَدِيمٍ، لإِعْلَالِ الْمُفْرَدِ، وَشَذَّ طِيَالٌ، وَصَحَّ رَوَاءٌ جَمْعُ رَيَّانَ، كَرَاهَةَ إِعْلَالَيْنِ، وَنِوَاءٌ جَمْعُ نَاوٍ، وَفِي نَحْوِ رِيَاضٍ وَثِيَابٍ، لِسُكُونِهَا فِي الْوَاحِدِ مَعَ الأَلِفِ بَعْدَهِا، بِخِلَافِ كِوَزَةٍ وَعِوَدَةٍ، وَأَمَّا ثِيرَةَ فَشَاذّ " أقول: كان حق الواو المتحركة المكسور ما قبلها أن لا تقلب ياء، إلا في آخر الكلمة، نحو رأيت الَغَازِيَ، كما أن الياء المتحركة المضموم ما قبلها لا تقلب واواً كالتَّرَامِي والْهُيَام والْعُيَبَة، وذلك لأن اقتضاء الكسرة للياء بعدها كاقتضاء الضمة للواو بعدها، والواو والياء يتقَوَّيَان بالحركة، فلا يَقْدِر كسرةُ ما قبل أحدهما وضم ما قبل الآخر على قلبها، وإذا كانا مضعفين فهما أشد قوة نحو اجْلِوَّاذ وَبُيَّع، واجْلِيوَاذٌ ودِيوَانٌ شاذان، لكنه قد يعرض للواو المتحركة غير المتطرفة المكسور ما قبلها ما يقتضي قلبها ياء، وهو الحمل على غيره كما في قام قياما، لم يثبت ذلك في الياء المتحركة غير المتطرفة المضموم ما قبلها، فبقيت على الأصل، فنقول: قلبت الواو المذكورة ياء لثلاثة أشياء: أحدها: أن تكون الكلمة مصدرا لفعل مُعَل نحو عاذ عِيَاذاً واقْتَادَ اقْتِيَاداً، ولا نريد كون الفعل مُعَلاًّ بهذا الإعلال، بل كون الفعل أعِلَّ إعلالاً ما، كما أن الواو في عِيَاذٍ قلبت ياء لإعلال عَاذَ بقلب الواو ألفاً، وتصحيح الواو في حَالَ حِوَلا شاذ كشذوذ تصحيح الواو في الْقَوَد، بخلاف مصدر نحو لَاوَذَ، لأن فعله مصحح،
ولم يقلب نحو عِوَض، لأنه ليس بمصدر، وقوله تعالى (دِيناً (1) قِيَماً) في الاصل مصدر
(1) قد وصف بقيم في الاية الكريمة، والاصل في هذه الياء الواو، لانها (*)
وثانيها: أن تكون الكلمة جمعاً لواحد أعلت عينه بقلبها ألفاً كما في تَارَة وتِيَرٍ، أو ياء كما في دِيمَةٍ ودِيَم ورِيحٍ ورِيَاحٍ، وشذ طِيَالٌ جمع طويل، إذ لم تعل عين واحده، وصح رِوَاء مع أن واحدهً مُعَلِ العين، أعني رَيَّان، كما صح هَوَى وطَوَى، كراهة الإعلالين، وصح نِوَاء جمع ناو: أي سمين (1) ، لأنه لم يعل واو واحدة، ولو أعل أيضاً لم يجز إعلال الجمع، لاجتماع إعلالين وثالثها - وهو أضعفها، ومن ثم احتاج إلى شرط آخر، هو كون الألف بعد الواو الواقعة بعد الكسر - كون الكلمة جمعاً لواحد ساكن عينه، كَحِيَاض وثِيَابٍ ورِيَاض، وإنما احتيج إلى شرط آخر لأن واو الواحد لم تعل، بل فيها شَبَهُ الإعلال، وهو كونها ساكنة، لأن السكون يجعلها ميتة فكأنها معلة، وإنما أثر الشرط المذكور لأن كون الواو بين الكسرة والألف كأنه جمع بين حروف العلة الثلاثة، فيقلب أثقلها: أي الواو، إلى ما يجانس حركة ما قبلها: أي الياء، وهذا الشرط - وإن لم يكن شرطا في الأولين نحو قيم وتير وديم - لكنه يقويهما، فلهذا جُوِّز تصحيح حِوَلا، وإن كان مصدر فعل فعل معل، وجاز ثيرة
من قام يقوم، وظاهر الامر أن قلب الواو ياء شاذ، لان قياس القلب لا يكون إلا في المصدر أو الجمع، وقد أراد المؤلف أن يبين أن القلب في هذه الكلمة قياسي وأن ظاهر الامر غير مراعى، فحملها على أنها في الاصل مصدر قام، مثل الصغر والكبر، ثم نقل من المصدرية إلى الوصفية، فوصف به كما يوصف بعدل ورضا، وغور في نحو قوله تعالى (قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا
…
الاية) وأبقى على أصله من الاعلال
(1)
يقال: نوت الناقة تنوى نيا ونواية ونواية - بفتح النون وكسرها - فهى ناوية من نوق نواء، إذا سمنت، وكذلك يقال للجمل والرجل والمرأة والفرس، قال أبو النجم: أو كالمكسر لا تؤوب جياده * إلا غوانم وهى غير نواء (*)
مع ثِوَرَة لحمله على ثيران، وصح خِوَان (1) وصِوَان (2) ، لأنه ليس بجمع قال " وَتُقْلَبُ الْوَاوُ عَيْناً أَوْ لَاماً أَوْ غَيْرَهُمَا يَاءً إذَا اجْتَمَعَتْ مَعَ يَاءٍ وَسَكَنَ السَّابِقُ، وَتُدْغَمُ وَيُكْسَرُ مَا قَبْلَهَا إن كَانَ ضَمَّةً، كَسَيِّدٍ وَأَيَّام وَدَيَّار وَقَيَّام وَقَيُّوم وَدُلَيَّةٍ وَطَيٍّ وَمَرْمِيٍّ ونحو مُسْلِمِيَّ رَفْعاً، وَجَاءَ لُيٌّ فِي جَمْعِ أَلْوَى - بَالْكَسْرِ وَالضَّمِّ - وَأَمًّا نَحْوُ ضيون وَحَيْوَة وَنَهُوٍّ فَشَاذٌ، وَصُيَّم وَقُيَّم شَاذ، وقَوْلُهُ * فَمَا أرَّقَ النُّيَّام إلَاّ سَلَامُهَا * أشَذُّ " أقول: قوله " عيناً " كما في طيٍّ وسَيِّد وأيَّام ودَيَّار وقَيَّام وقَيُّوم، إذ أصلها أيْوَام وقَيْوَام وقَيْوُوم، على فَيْعال وفَيْعُول، ولو كانا فَعَّالاً وفَعُّولاً لقيل قوَّام وقَوُّوم قوله " لاما " كما في دُلَيَّة، وأصله دُلَيْوَة قوله " أو غيرهما " كما في مَرْمِيّ ومُسْلمِيّ، إذ الواو في الأول للمفعول، والثاني واو الجمع اعلم أن الواو والياء - وإن لم يتقاربا في المخرج (3) حتى يدغم أحدهما في الآخر كما في ادّكر (4) واتَّعَد (5) - لكن لما استثقل اجتماعهما اكتفى
(1) انظر (ح 1 ص 110، 111)(2) الصوان - ككتاب وغراب -: ما تصان فيه الثياب، وقد قالوا فيه: صيان بقلب الواو ياء على غير قياس
(3)
مخرج الواو ما بين الشفتين، ومخرج الياء وسط اللسان وما يحاذيه من الحنك الاعلى (4) أصل ادكر اذتكر بوزن افتعل من الذكر، استثقل مجئ التاء، وهى من الحروف المهموسة، بعد الذال وهى من المجهورة، فأبدلت التاء دالا، لانها توافق التاء في المخرج وتوافق الذال في الصفة: أي الجهر، فصار إذ دكر، فيجوز فيه حينئذ ثلاثة أوجه: الاظهار، والادغام بقلب الدال ذالا، والادغام بقلب الذال دالا، وأقل الثلاثة الادغام بقلب الدال ذالا (5) أصل أتعد إو تعد فقلبت الواو تاء وأدغمت في التاء (*)
لتخفيفهما بالإدغام بأدنى مناسبة بينهما، وهي كونهما من حروف المد واللين، وجَرَّأهم على التخفيف الإدغامي فيهما كون أولهما ساكناً، فإن شرط الادغام سكون الاولى، فقلبت الواو إلى الياء، سواء تقدمت الواو أو تأخرت، وإن كان القياس في إدغام المتقاربين قلب الأول إلى الثاني، وإنما فعل ذلك ليحصل التخفيف المقصود، لأن الواو والياء ليستا بأثقل من الواو المضعفة، وإنما لم يدغم في سُوير وتُبُويع، قال الخليل: لأن الواو ليست بلازمة، بل حكمها حكم الألف التي هي بدل منها، لأن الأصل ساير وتبايع، فكما أن الألف التي هي أصل هذه الواو لا تدغم في شئ، فكذلك الواو التي هي بدل منها، ولذلك لم يدغم نحو قوول وتقوول، وأيضاً لو أدغم نحو سِوير وتُسُوِير وقُووِل وتقوول لا لتبس بفُعِّل وتُفُعِّل، وليس ترك الإدغام فيه لمجرد المد، إذ المد إنما يمنع من الإدغام إذا كان في آخر كلمة، نحو قوله (قالوا وأقبلوا) و (في يوم) أما في الكلمة الواحدة فلا، نحو مَغْزُوّ ومَرْمِيّ، وذلك لأن الكلمتين بعرض الزوال، فاجتمع مع خوف زوال المد عدم الاتصال التام، ولا تدغِمْ أيضاً في نحو ديوان واجْلِيواذ،
لأن القلب عارض على غير القياس، وبزول ذلك في جمع ديوان وتصغيره نحو دَوَاوين ودُوَيْوِين، وتقول في اجليواذ: اجلوذ (على الأكثر) ولو كان ديوان فِيعَالاً لوجب قلب الواو ياء وإدغام الياء فيها كما في أيام، لكنه فِعَّال، قلبت الواو ياء على غير القياس كما قلب في قِيَراط، وجمعه قَرَاريط، وكذا لا تدغِم إذا خففت في نحو رُؤْيا ورُؤْيَة بقلب الهمزة واواً، بل تقول: رُويَا ورُويةَ، وبعض العرب يقلب ويدغم فيقول: رُيَّا ورُيَّة، ولا يجوز ذلك في سوير وبويع على حال، لحصول الالتباس بباب فُعِّل، بخلاف نحو رُيَّا ورُيَّة، ويقيس عليه بعض النحاة فيقول في تخفيف قوي: قَيَّ، وإذا خففت نحو رؤية ونُؤْى وأدغمت جاز الضم والكسر، كما في ليّ جمع ألوى، كما ذكرنا، وكذا إذا بنيت مثل فُعْلٍ
من وايت وخففت الهمزة بالقلب قلت: وِيّ (1) وَوُيّ، وكذا فُعْل من شَوَيْت شُيّ وشِيّ، وأما حَيْوَة فقلبت الياء الثانية واواً في العلم خاصة، لأن الأعلام كثيراً ما تغير إلى خلاف ما يجب أن تكون الكلمة عليه، تنبيهاً على خروجها عن وضعها الأصلي كموهب (2) وموظب (3)
(1) أصل وى وؤى - كقفل - فخففت الهمزة بقلبها واوا كما في لوم وسوت، فصار وويا - بواوين أولاهما مضمومة والثانية ساكنة - أما ابن الحاجب فيرى في ذلك عدم وجوب قلب أولى الواوين همزة، لسكون الثاني، ويجوز عنده بقاء الواوين، لان الثانية منقلبة عن همزة انقلابا جائزا فحكمها حكم الهمزة، فلا يجب قلبها ياء، ويجوز قلب الواو الثانية ياء، لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون على مذهب من يقيس من النحاة على قول العرب ريا ورية - مخففي رؤيا ورؤية - وأما المؤلف فانه أوجب قلب أولى الواوين همزة في هذا، وحكاه عن الخليل وجمهور النحويين، وندد على المصنف انفراده باشتراط تحرك ثانية الواوين، ثم بعد هذا: إما أن
لا تقلب الواو الثانية ياء وإما أن تقلب على نحو ما قدمنا، فإذا علمت هذا تبين لك أن أقول المؤلف " وى بضم الواو وكسرها " غير مستقيم على ما ارتضاه هو فيما سبق في فصل قلب الواو همزة، وهو مستقيم على أحد الوجهين اللذين يجوزان عند ابن الحاجب (2) موهب: اسم رجل، قال أباق الدبيرى: قد أخذتنى نعسة أردن * وموهب مبز بها مصن قال سيبويه: " جاءوا به على مفعل لانه اسم ليس على الفعل، إذ لو كان على الفعل لكان مفعلا " اه.
يريد أنهم بنوه على مفعل بفتح العين لما ذكر، ولو انهم جاءوا به على مذهب الفعل لقالوا موهب - بالكسر - كما هو قياس المصدر واسم الزمان والمكان من المثال الواوى، وقال في اللسان:" وقد يكون ذلك لمكان العلمية، لان الاعلام مما تغير عن القياس " اه (3) قال في اللسان: " وموظب - بفتح الظاء - أرض معروفة، وقال أبو العلاء: هو موضع مبرك إبل بنى سعد مما يلى أطراف مكة، وهو شاذ كمروق، (*)
ومَكْوَزَة (1) وشُمْس (2) ، ونحو ذلك، وعند المازني واو حَيْوَة أصل، كما ذكرنا في الْحَيَوان، وأما نهُوٌّ فأصله نَهْويٌ لأنه فَعُول من النهي، يقال: فلان نَهُوّ عن المنكر: أي مبالغ في النهي عنه، وقياسه نهى
وكقولهم: ادخلوا موحد موحد، قال ابن سيده: وإنما حق هذا كله الكسر، لان آتى الفعل منه إنما هو على يفعل كيعد، قال خداش بن زهير: كذبت عليكم أو عدوني وعللوا * بى الارض والاقوام قردان موظبا
أي عليكم بى وبهجائى يا قردان موظب، إذا كنت في سفر فاقطعوا بذكرى الارض، قال: وهذا نادر، وقياسه موظب (بالكسر) وقال ياقوت:" القياس أن كل ما كان من الكلام فاؤه حرف علة فان المفعل منه مكسور العين مثل موعد ومورد وموحل إلا ما شذ مثل مورق اسم موضع، وموزن وموكل موضع، وموهب وموظب اسمان لرجلين، وموحد في العدد " اه.
ومورق اسم رجل، قال الاعشى: فما أنت إن دامت عليك بخالد * كما لم يخلد قبل ساسا ومورق ومن ذلك موزع، وهو موضع باليمن من مدن تهائم اليمن، ومنها، موزن، وهو تل، ويقال: بلد بالجزيرة وفيه يقول كثير: كأنهم قصرا مصابيح راهب * بموزن روى بالسليط ذبالها (1) قال في اللسان: " وكويز ومكوزة اسمان، شذ مكوزة عن حد ما تحتمله الاسماء الاعلام من الشذوذ، نحو قولهم: محبب ورجاء بن حيوة، وسمت العرب مكوزة ومكوازا " اه.
ووجه الشذوذ في مكوزة أنه لم يعل بالنقل والقلب على نحو ما في مقالة ومنارة، وهذا عند غير المبرد، وأما عنده فلا شذوذ، لان شرط الاعلال أن يكون الاسم متضمنا معنى الفعل (2) شمس - بضم فسكون -: هو شمس بن مالك، قال تأبط شرا: وإنى لمهد من ثنائي فقاصد * به لابن عم الصدق شمس بن مالك (*)
قوله " وصُيَّم وقًَيَّم شاذ " يعني أن حق الواو إذا جامعت الياء وأولاهما ساكنة قلبها ياء، وههنا اجتمعت الواوان وأولاهما ساكنة فقلبتا ياءين، فلذا شذ، والأولى أن يذكر شذوذ مثله بعد ذكر فصل دُلِيٍّ ومَرْضِيٍّ، وذلك لأن الواو المشددة - وإن قربت من الحرف الصحيح - لكنها تقلب ياء إذا
وقعت في الجمع طرفاً، لثقل الجمع، وكون الطرف محل التخفيف، فهي في قُوَّم وصُوَّم لم تقع طرفاً، ومع ذلك قلبت ياء، فهو شاذ، ووجه القلب فيه - مع ذلك - قربه من الطرف في الجمع، ويجئ بعدُ أن القلب في مثله قياسي، وإنما كان النُّيَّام أشذ لكونه أبعد من الطرف، قال 145 - أَلَا طَرَقَتْنَامَيَّةُ ابْنَهُ مُنْذِرٍ * فَمَا أَرَّقَ النيام إلا سلامها (1) قال: " وَتُسْكَّنَانِ وَتُنْقَلُ حَرَكَتُهُمَا فِي نَحْوِ يَقُومُ وَيَبِيعُ: لِلَبْسِهِ بِبَابِ يَخَافُ، وَمَفْعُلٌ وَمَفْعِلٌ كَذَلِكَ، وَمَفْعُولٌ نَحْوُ مَقُولٍ وَمَبِيعٍ كَذَلِكَ، وَالمَحْذُوفُ عِنْدَ سِيبَوَيْه وَاوُ مَفْعُولٍ، وَعِنْدَ الأَخْفَشِ الْعَيْنُ، وَانْقَلَبَتْ وَاوُ مَفْعُولٍ
وشمس بن مالك هو الشنفرى الازدي العداء صاحب تأبط شرا وعمرو بن براق في اللصوصية والعدو، ويقال: بطن من الازد من مالك بن فهم (1) هذا بيت من الطويل، قائله ذو الرمة، وروى صدره * ألَا خَيَّلَتْ مَيُّ وَقَدْ نَامَ صحبتي * وروى عجزه * فما أرق التهويم إلا سلامها * طرقتنا: زارتنا ليلا، والتخييل: بعث الخيال، ومى: معشوقة الشاعر، والتأريق: التسهيد، والتهويم: أصله النوم الخفيف، وأراد به هنا النائمين.
والاستشهاد بالبيت في الرواية المشهورة على أن النُّيَّام أشذُّ من صميم، وذلك لان الواو في صوم قريبة من الطرف، فعوملت معاملة الواو الواقعة طرفا، كما في عتى وجثى جمعى عات وجاث، بخلافها في النيام فانها بعيدة من الطرف، فلم يكن لمعاملتها معاملة الواو الواقعة طرفا وجه
عِنْدَهُ يَاءً لِلْكَسْرَة فَخَالَفَا أصْلَيْهِمَا، وَشَذَّ مَشِيبٌ وَمَهُوبٌ، وَكَثُرَ نَحْوُ
مبيوع، وقل نحو مصوون، وَإعْلَالُ تَلْوُونَ وَيَسْتَحْيي قَلِيلٌ، وَتُحْذَفَانِ فِي نَحْو قُلْتُ وَبِعْتُ وَقُلْنَ وَبِعْنَ، وَيُكْسَرُ الأَوَّلُ إنْ كَانَتِ الْعَيْنُ يَاءً أَوْ مَكْسُورَةً، وَيُضَمُّ فِي غَيْرِهِ، وَلَمْ يَفْعَلُوهُ فِي لَسْتُ، لِشَبَهِ الحرْفِ، وَمَنْ ثَمَّ سَكَّنُوا اليَاء، وَفِي قُلْ وَبعْ، لأنهُ عَنْ تَقُولُ وَتَبِيعُ، وَفِي الإِقَامَةِ والاسْتِقَامَةِ، وَيَجُوزُ الحذْفُ فِي نحو سيد وميت وكينونة وَقَيَّلُولَةٍ " أقول: إذا تحرك الواو والياء وسكن ما قبلهما فالقياس أن لا يعلا بنقل ولا بقلب، لأن ذلك خفيف، لكن إن اتفق أن يكون ذلك في فعل قد أعل أصله بإسكان العين، أو في اسم محمول عليه سُكّن عين ذلك الفعل والمحمول عليه، إتباعاً لأصله، وبعد الإسكان تنقل الحركة إلى ذلك الساكن المتقدم، تنبيهاً على البنية، لأن أوزان الفعل إنما تختلف بحركات العين، وإنما كان الأصل في هذا الإسكان الفعل دون الاسم لكونه أثقل، على ما مر في أول الباب، ويشترط أن يكون الساكن الذي ينقل الحركة إليه له عِرْقٌ في التحرك: أي يكون متحركاً في ذلك الأصل، فلذا لم ينقل في نحو قاول وبايع وقَوَّل وبَيّع، ونقل في أقام ويُقيم، فإن لم يسكن في الأصل لم يسكن في الفرع أيضاً، فلذا صح العين في يَعْوَر وأعْوَر ويُعْوِر واسْتَعْوَر ويَسْتَعْور، فإذا نقلت الحركات إلى ما قبل الواو والياء نظر: فإن كانت الحركة فتحة قلبت الواو والياء ألفاً، لأنه إذا أمكن إعلال الفرع بعين ما أعل به الأصل فهو أولى، وإن كانت كسرة أو ضمة لم يمكن قلبهما ألفاً، لأن الألف لا تلى إلى الفتح فيبقيان بحالهما، إلا الواو التي كانت مكسورة فانه تقلب ياء، لصيرورتها ساكنة مكسوراً ما قبلها، نحو يَطِيح وأصله يطوح (1) ويُقِيم وأصله يقوم،
(1) أنظر الجزء الاول من هذا الكتاب (ص 81 و 115)(*)
فعلى هذا تقول: يَخَاف ويَهَاب ويَقُوم ويَبيع ويَطيح ويُقيم قوله " للبسه بباب يخاف " يعني أنه لم يعلا بإعلال ما ضيهما مع أن الماضي أصل المضارع، وذلك بأن يقال: إن الواو والياء متحركان وما قبلهما في تقدير الفتح بالنظر إلى الأصل الذي هو الماضي، فيقلبان ألفاً، فيقال: يَقَأم ويَبَاع، وذلك لأنه لو أعلا كذلك لا لتبسا بباب يخاف واعلم أن الاسم الذي يحمل على الفعل في هذا النقل نوعان: أحدهما: الثلاثي المزيد فيه الموازن للفعل الموازنة المذكورة قبل في قلب الواو والياء ألفاً، مع مباينته للفعل: إما بحرف زائد لا يزاد في الفعل كميم مَقَام ومُقَام ومُقْوُم، على وزن مُدْهُن من قام ومقم، فإنها على وزن يَفْعَل وَيُفْعَل وافْعُل أمراً ويُفْعِلُ، أو بحرف يزاد مثله في الفعل متحرك بحركة لا يُحَرِّك في الفعل بمثلها، نحو تِبَاع وتِبِيع، فإن التاء المكسورة لا تكون في أول الفعل، إلا على لغة، وقد ذكرنا الوجه فيه، وعند المبرد يشترط مع الموازنة والمخالفة المذكورتين شرطٌ آخر، وهو أن يكون من الأسماء المتصلة بالأفعال، فلذا لم يعل مَرْيَمُ وَمَدْيَنُ، وليسا عنده بشاذين، فلا يعل عنده تِقْوَل وتِبْيَع المبنيان من القول والبيع وغير ذلك، إذ ليس فيهما معنى الفعل، فإن لم يكن مخالفاً بما ذكرنا نحو أَطْوَلَ منك وأَسْوَد وتَقْوُلٍ وتَقْولٍ وأَقْوُل على وزن تَنْصُر وتَضْرِب واقْتُل، وكذا أَعْيُن وأدْوُر، لم يعلّ الإعلال المذكور لئلا يلتبس بالفعل عند التسمية، كما مر قبل، إنما لم ينقل في نحو أخْوِنَة وأصْوِنة وإن صيره التاء مبايناً للفعل كالميم في الأول لأن التاء وإن كانت ههنا لازمة فوضعها على عدم اللزوم، فهى ههنا كما في أسْوَدَة تأنيث أسود في الحية، فكأن التاء معدوم، ولم ينقل في نحو أهْوناء وأبيناء لان الالف التأنيث للزومه وكونه كجزء الكلمة أخرجها عن موازنة الفعل المذكور كإخراج الألف في الصَّوَرَى والْحَيَدَى، والألف والنون في
الطيران والجولان، كما ذكرنا قيل، ومن العرب من ينقل كسرة الياء في أَبْيِنَاء، فيقول: أبِينَاء، لا لمشابهة الفعل، وإلا نَقَلَ في أهْوِناء أيضاً، بل لكراهة الكسر على الياء، وهما مثلان، كما حذفت الضمة في نُورٍ جمع نَوَارٍ استثقالاً للضمة على الواو، فأعل بالنقل: في نحو أبيناء خاصة مع عدم الموازنة المذكورة، لشدة الاستثقال، وعَدَمُ الإعلال في نحو أبيناء أكثر، بل النقل شاذ، بخلاف نحو نُور في جمع نَوَار فإن الإسكان فيه أكثر لكون الواو المضمومة أثقل من الياء المكسورة حتى عد شاذا في نحو قوله: * بِالأَكُفِّ اللَاّمِعَاتِ سُوُرْ (1) * وهو جمع سِوَار، وأصل مَفْعُول أن يكون مُفْعَلاً فيوازن يُفْعَل، زيدت الواو لما ذكرنا في بابه (2) ،
(1) قد مضى شرح هذا الشاهد في (ح 2 ص 127، 128)(2) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 189: " وكان قياسه (يريد اسم المفعول) أن يكون على زنة مضارعه، كما في اسم الفاعل، فيقال: ضرب يضرب فهو مضرب، لكنهم لما أداهم حذف الهمزة في باب أفعل إلى مفعل قصدوا تغيير أحدهما للفرق، فغيروا الثلاثي لما ثبت التغيير في أخيه، وهو اسم الفاعل، لانه وإن كان في مطلق الحركات والسكنات كمضارعه، لكن ليس الزيادة في موضع الزيادة في الفاعل ولا الحركات في أكثرها كحركاته، نحو ينصر فهو ناصر، ويحمد فهو حامد، وأما اسم الفاعل من أفعل فهو كمضارعه في موضع الزيادة وفى عين الحركات فغيروه بزيادة الواو، ففتحوا الميم لئلا يتوالى ضمتان بعدهما واو، وهو مستثقل قليلا كمغرود وملمول وعصفور، فبقى اسم المفعول من الثلاثي بعد التغيير المذكور كالجاري على الفعل، لان ضمة الميم مقدرة والواو في حكم الحرف الناشئ من
الاشباع كقوله: " أدنو فأنطور " اه وقوله " أدنو فأنظور " قطعة من بيت هو: وأنني حيثما يثنى الهوى بصرى * من حيث ما سلكوا أدنوا فأنظور (*)
فلما كان أصله الموازنة أعل بإسكان العين، ولولا ذلك لم يعل، وأما سائر أسماء المفعولين فتوازن أفعالها المبنية للمفعول مع المباينة بالميم المصدرة واعلم أن أصل مَقُول مَقُوُول، نقلت حركة العين إلى ما قبلها، فاجْتمع ساكنان، فسيبويه يحذف الثانية دون الأولى، وإن كان القياس حذف الأولى إذا اجتمع ساكنان والأولى مدة، وإنما حكم بذلك لأنه رأى الياء في اسم المفعول اليائي ثابتاً بعد الإعلال نحو مَبِيع، فحدَسَ أن الواو هي الساقطة عنه، ثم طرد هذا الحكم في الأجوف الواوي، وإنما خولف عنده باب التقاء الساكنين ههنا بحذف الثاني لأن الكلمة تصير به أخَفّ منها بحذف الأول، وأيضاً يحصل الفرق بين المفعولين الواوي واليائي، ولو حذف الأول لا لتبسا، فلما حذف واو مَبْيُوع كسرت الضمة لتسلم الياء كما هو قياس قول سيبويه في نحو تُبِيع من البيع، وأما الأخفش فإنه يحذف الساكن الأول في الواوي واليائي، كما هو قياس التقاء الساكنين، فقيل له: فينبغي أن يبقى عندك مَبُوع، فما هذه الياء في مبيع؟ فقال: لما نقلت الضمة إلى ما قبلها كسرت الضمة لأجل الياء قبل حذف الياء، ثم حذفت الياء للساكنين، ثم قلبت الواو ياء للكسرة، وفيه نظر، لأن الياء إنما تستحق قلب ضمة ما قبلها كسرة إذا كانت مما يبقى، لا مما يحذف، فالأولى أن يقال على مذهبه: حذفت الياء أولاً، ثم قلبت الضمة كسرة، فانقلبت الواو ياء، وذلك للفرق بين الواوي واليائي، قوله " فخالفا أصليهما " أما مخالفة سيبويه فلأنه حذف ثاني الساكنين،
وأصله وأصلُ غيره حذفُ أولهما (1) وأما مخالفة الأخفش أصله فلان أصله
(1) اعلم أن الاصل عند سيبويه في التقاء الساكنين حذف أولهما إذا كان حرف مد، وحرف المد هو حرف العلة المسبوق بحركة تجانسه، نحو لم يخف ولم يبع (*)
أن الياء الساكنة تقلب واواً لانضمام ما قبلها، وإن كانت الياء مما يبقى، وقد كسر ههنا ضم ما قبل الياء مع أن الياء مما يحذف قوله " وشذ مَشِيب " في مَشُوب من شَاب يَشُوب (1) ومَنِيل في مَنُول (2) من نَال ينول: أي أعطى، ومَلِيم في مَلُوم (3) ، كأنها بنيت على شيب ونيل
ولم يقل، وههنا في اسم المفعول من الاجوف اليائى بعد أن نقلت حركة الياء إلى الساكن الصحيح قبلها لا تبقى الياء حرف مد، لان ما قبلها ضمة، وهى حركة غير مجانسة، فإذا حذف الياء لا يقال: إنه خالف أصله، لانه حذف حرفا ساكنا غير مد، وإنما دعا إلى ذلك خوف الالباس بين الواوى واليائى، فان قلت: ففى الاجوف الواوى أول الساكنين بعد نقل حركته إلى ما قبله واو مضموم ما قبلها فهو حرف مد، وقد قدر سيبويه حذفه فخالف أصله ههنا.
قلنا: إنه لما حذف واو مفعول من اليائى لقصد الفرق بين الواوى واليائى لم يكن من حذف واو مفعول في الواوى أيضا، لئلا يلزم الفرق بين المتجانسين وطردا للباب على غرار واحد.
وانظر (ج 2 ص 225 - 227)(1) من ذلك قول السليك بن السلكة السعدى: سيكفيك صرب القم لحم معرص * وماء قدور في القصاع مشيب الصرب: اللبن الحامض، والمعرص - بعين وصاد مهملتين -: الموضوع في العرصة ليجف، ويروى مغرض - بمعجمتين - وهو الطرى، ويروى معرض - بمهملة
ومعجمة - وهو الذى لم ينضج بعد (2) قد بحثنا طويلا عن شاهد يدل على استعمال هذه الكلمة على الوجه الذى ذكره المؤلف لم نعثر عليه، ولكن سيبويه قد حكى أنهم يقولون: غار منيل ومنول انظر سيبويه (ج 2 ص 363) وقد نقل ابن جنى في شرحه على تصريف المازنى عن الفارسى تفسير ذلك حيث قال: معناه ينال فيه (3) لم يكن نصيب هذه الكلمة بعد البحث عن شاهد لها أحسن حالا من سابقتها (*)
ولِيمَ، كما شذ مَهُوب (1) من الهيبة، كأنه بنى على هُوبَ قوله " وكثر نحو مَبْيُوع ومخيوط " قال: 116 - قَدْ كَانَ قَوْمُكَ يَحْسَبُونَكَ سَيِّداً * وَإخَالُ أنَّكَ سَيِّدٌ مَغْيُونُ (2) وهي لغةُ تميمية قوله " وقَلَّ نحو مَصْوُون " لكون الواوين أثقل من الواو والياء، ومنع سيبويه ذلك (3) وقال: لا نعلمهم أتموا الواوات، وحكى الكسائي خاتم
(1) من ذلك قول حميد بن ثور الهلالي يصف قطاة: وتأوى إلى زغب مساكين دونهم * فلا لا تخطاه الرفاق مهوب فلا: اسم جنس جمعى واحدته فلاة (2) هذا البيت للعباس بن مرداس السلمى يقول لكليب بن عيينة السلمى، وقبله: أكُلَيْبُ، مَالَكَ كُلَّ يَوْمٍ ظَالِماً * وَالظُّلْمُ أنْكَدُ غبه ملعون أنكد: يعسر الخروج منه، وغبه: عاقبته، ومعيون: يروى بالعين المهملة ومعناه المصاب بالعين، من عانه يعينه، والقياس أن يقال: هو معين، والصواب
في الرواية الموافق للمعنى (مغيون) بالغين المعجمة من قولهم: غين عليه، إذا غطى، وفى الحديث: إنه ليغان على قلبى، والاصل فيه الغين، وهو لغة في الغيم، قال الشاعر: كأنى بين خافيتى عقاب * أصاب حمامة في يوم غين والاستشهاد بالبيت في قوله (مغيون) حيث تمم اسم المفعول من الاجوف اليائى، وهى لغة تميمية، ومثله قول علقمة: حتى تذكر بيضات وهيجه * يوم رذاذ عليه الدجن مغيون قال سيبويه (ح 2 ص 363) : " وبعض العرب يخرجه (يريد اسم المفعول من الاجوف) على الاصل فيقول: مخيوط ومبيوع، فشبهوها بصيود وغيور، حيث (*)
مَصْوُوغ، وأجاز فيه كله أن يأتي على الأصل قياساً قوله " وتحذفان في قُلْت وبِعْت " إلى قوله " ويضم في غيره " مضى شرحه في أول الكتاب قوله " ولم يفعلوه في لَسْتُ " أي: لم يكسروا اللام مع أنه يائي من باب فَعِل المكسور العين، وأحدهما يكفي للكسر كبِعت وخِفت، فكيف بهما جميعاً؟ وذلك لأنه لما لم يَتَصَرَّف حذفت الكسرة نسياً ولم تنقل إلى ما قبل الياء، فصار ليس كليت قوله " ومن ثم سكنوا الياء " أي: لم يقلبوا الياء ألفاً لأن ذلك تصرف، كما أن نقل حركة الياء إلى ما قبلها تصرف، فلما كان الفعل غير متصرف لم يتصرف فيه بقلب ولا نقل، بل حذفت الحركة نسياً، والدليل على أن العين كانت مكسورة أن فتحة العين لا تحذف، فلا يقال في ضرب: ضَرَب، كما يقال في عَلِم: عَلْم، وباب فُعل - بالضم - لا يجئ فيه الأجوف اليائي إلا هَيُؤ، وهو شاذ
قوله " وفي قل وبع " عطف على نحو قلت وبعت قوله " لأنه عَنْ تقول وتبيع " يعني إنما أعل قُلْ وبعْ بالنقل (1) لكونهما عن تقول وتبيع
كان بعدها حرف ساكن ولم تكن بعد الالف فتهمز، ولا نعلمهم أتموا في الواوات، لان الواوات أثقل عليهم من الياءات، ومنها يفرون إلى الياء، فكرهوا اجتماعهما مع الضمة " اه (1) هكذا وردت هذه العبارة في جميع أصول الكتاب، وأنت لو تأملت في عبارة ابن الحاجب وفى تعليل الرضى تبين لك أن الصواب أن يقال: إنما أعل قل وبع بالحذف، لان قول ابن الحاجب " وفى قل وبع " معطوف على قوله " في نحو قلت وبعت " وهو معمول لقوله " وتحذفان " فكأنه قال: وتحذفان في قُلْ وَبعْ لأنهُ عَنْ تَقُولُ وتبيع.
ثم إن أخذ الامر من المضارع بعد نقل حركة العين إلى الفاء ليس فيه إلا حذف العين للتخلص من التقاء الساكنين، وعلى الجملة: ليس في (*)
قوله " وفي الإقامة والاستقامة " هذا هو النوع الثاني مما تنقل حركة عينه إلى ما قبله، وضابطه ما ذكرنا قبل من كونه مصدراً قياسياً مساوياً لفعله في ثبوت زيادات المصدر بعينها في مثل مواضعها من الفعل، والذي ذكره المصنف من حذف الألف المنقلبة عن الواو والياء في نحو الإقامة والإبانة مذهب الأخفش، وعند الخليل وسيبويه أن المحذوفة هي الزائدة، كما قالا في واو مفعول، وقول الأخفش أولى (1) قياساً على غيره مما التقى فيه ساكنان
فعل الامر نقل إلا على فرض أخذه من المضارع قبل نقل حركة العين إلى الفاء ولو قرأت قول الرضى " لكونها عن تقول وتبيع " بسكون الفاء وضم الواو وكسر الياء صح الكلام، لان في الامر حينئذ إعلالا بالنقل والحذف، ولكن
هذه القراءة تخالف عبارة ابن الحاجب، وتخالف أيضا ما قرره الرضى مرارا (1) قد رجح ابن الحاجب والرضى هنا رأى الاخفش، وهما تابعان في هذا لابي عثمان المازنى حيث رجح مذهب الاخفش في مفعول وفى إفعال، إذ يقول في كتابه التصريف: " وزعم الخليل وسيبويه أنك إذا قلت: مبيع ومفعول، فالذاهب لا لتقاء الساكنين واو مفعول، وقال الخليل: إذا قلت مبيوع فألقيت حركة الياء على الباء وسكنت الياء التى هي عين الفعل وبعدها واو مفعول فاجتمع ساكنان، فحذفت واو مفعول، وكانت أولى بالحذف، لانها زائدة، وكان حذفها أولى، ولم تحذف الياء، لانها عين الفعل، وكذلك مقول، الواو الباقية عين الفعل، والمحذوفة واو مفعول، وكان أبو الحسن يزعم أن المحذوفة عين الفعل والباقية واو مفعول، فسألته عن مبيع، فقلت: ألا ترى أن الباقي في مبيع الياء ولو كانت واو مفعول لكانت مبوع؟ فقال: إنهم لما أسكنوا ياء مبيوع وألقوا حركتها على الباء انضمت الباء وصارت بعدها ياء ساكنة فأبدلت مكان الضمة كسرة للياء التى بعدها، ثم حذفت الياء بعد أن ألزمت الباء كسرة للياء التى حذفتها، فوافقت واو مفعول الباء مكسورة، فانقلبت ياء للكسرة التى قبلها، كما انقلبت واو ميزان وميعاد ياء للكسرة التى قبلها، وكلا الوجهين حسن جميل، وقول الاخفش أقيس، فإذا قلت من أفعلت مصدرا نحو أقام إقامة وأخاف إخافة فقد حذفت من إقامة وإخافة ألفا، لالتقاء
قوله " ويجوز الحذف في نحو سيِّد وميّت وكَيَّنُونة وقيَّلولة " فيه نظر، وذلك لأن الحذف جائز في نحو سيِّد وميّت، واجب في كيَّنونة، إلا في ضرورة الشعر، قال: 147 - ياليت أنَّا ضَمَّنَا سَفِينَهْ * حَتَّى يَعُودَ الْوَصْلُ كَيَّنُونَهْ (1) اعلم أن نحو سيِّد وميّت عند سيبويه فَيْعل - بكسر العين - وكَيْنونة وقَيْلولة - عنده
كيَّنُونة وقيَّلولة - بفتح العين - على وزن عيضموز (3) إلا أن اللام مكررة في كَيّنونة والتاء لازمة، ولما لم يوجد في غير الاجوف بناء فَيْعِلٍ - بكسر العين - ولا فيعَلُولة في المصادر حكم بعضهم بأن أصل سيد وميت فَيْعَل - بفتح العين - كصيرف
الساكنين، فالخليل وسيبويه يزعمان أن المحذوفة هي الالف التى تلى آخر الحرف، وهى نظيرة واو مفعول في مقول ومخوف، وأبو الحسن يرى أن موضع العين هو المحذوف، وقياسه ما ذكرت لك " اه.
ولابي السعادات هبة الله بن الشجرى بحث مستفيض في أماليه ذكره في المجلس الحادى والثلاثين ثم عاد له مرة أخرى في المجلس السادس والاربعين، وقد ذكر فيه حجة سيبويه والخليل وحجج الاخفش ثم رجح مذهب الشيخين ونقض أدلة المخالف لهما فانظره في الموضع الذى ذكرناه، ولم يمنعنا من نقله إلا فرط طوله (1) هذا البيت من الرجز أنشده المبرد وابن جنى وابن برى، وذكر المبرد قبله: قد فارقت قرينها القرينه * وشحطت عن دارها الظعينه وقرينها: مفعول مقدم على الفاعل، والقرينة: الزوجة، وشحطت: بعدت، والظعينة: المرأة ما دامت في الهودج، والمراد هنا المرأة مطلقا، وكينونة: مصدر كان، والاستشهاد بالبيت في قوله " كينونة " بتشديد الياء مفتوحة فان هذا يدل على أن الكينونة - بسكون الياء - مخفف منه، ووجه الدلالة على هذا أن الشاعر لما اضطر راجع الاصل المهجور (2) العيضموز: العجوز والناقة الضخمة انظر (ح 1 ص 263)(*)
فكسر كما في بِصرى - بكسر الفاء - ودهري - بالضم - على غير القياس قال سيبويه (1) : لو كان مفتوح العين لم يغير هيبان (2) وتيحان (3)
(1) قال سيبويه (ح 2 ص 371 و 372) : " وكان الخليل يقول: سيد فيعل وإن لم يكن فيعل في غير المعتل، لانهم قد يخصون المعتل بالبناء لا يخصون به غيره من غير المعتل، ألا تراهم قالوا: كينونة، والقيدود لانه الطويل في غير السماء، وإنما هو من قاد يقود، ألا ترى أنك تقول: جمل منقاد وأقود، فأصلهما فيعلولة، وليس في غير المعتل فيعلول مصدرا، وقالوا: قضاة، فجاءوا به على فعلة في الجمع، ولا يكون في غير المعتل للجمع، ولو أرادوا فيعل لتركوه مفتوحا كما قالوا: تيحان وهيبان، وقد قال غيره هو فيعل (بفتح العين) ، لانه ليس في غير المعتل فيعل (بكسر العين) وقالوا: غيرت الحركة، لان الحركة قد تقلب إذا غير الاسم، ألا تراهم قالوا: بصرى، وقالوا: أموى، وقالوا: أخت، وأصله الفتح، وقالوا: دهري؟ فكذلك غيروا حركة فيعل، وقول الخليل أعجب إلى، لانه قد جاء في المعتل بناء لم يجئ في غيره، ولانهم قالوا: هيبان وتيحان فلم يكسروا، وقد قال بعض العرب: * ما بال عينى كالشعيب العين * فانما يحمل هذا على الاضطراد حيث تركوها مفتوحة فيما ذكرت لك، ووجدت بناء في المعتل لم يكن في غيره ولا تحمله على الشاذ الذى لا يطرد، فقد وجدت سبيلا إلى أن يكون فيعلا (بكسر العين) وأما قولهم: ميت وهين ولين فأنهم يحذفون العين كما يحذفون الهمزة من هائر لاستثقالهم الياءات كذلك حذفوها في كينونة وقيدودة وصيرورة لما كانوا يحذفونها في العدد الاقل ألزموهن الحذف إذا كثر عددهن وبلغن الغاية في العدد إلا حرفا واحدا، وإنما أرادوا بهن مثال عيضموز " اه (2) الهيبان: الجبان، وهو أيضا الراعى، وزبد أفواه الابل، والتيس، والتراب، وسموا به، وقد حكى صاحب القاموس أنه ورد مكسورا أيضا، وهو
خلاف عبارة سيبويه (3) التيحان: الذى يتعرض لكل شئ ويدخل فيما لا يعنيه، وقال (*)
ولجاز الاستعمال شائعاً، ولم يسمع من الأجوف فَيْعل إلاّ عَيَّنٌ قال: مَا بَالُ عَيْنِي كَالشَّعِيبِ الْعَيَّنِ (1) وقال الفراء - تجنباً أيضاً من بناء فيِعِلٍ - بكسر العين -: أصل نحو جيد جَوِيد كطوِيل، فقلبت الواو إلى موضع الياء والياء إلى موضع الواو، ثم قلبت الواو ياء وأدغمت كما في طيٍّ، وقال في طويل: إنه شاذ، قال: وإنما صار هذا الإعلال قياساً في الصفة المشبهة لكونها كالفعل وعملها عمله، فإن لم يكن صفة كعويل لم يعل هذا الإعلال، وقال في كيْنُونة ونحوها: أصلها كُونونة كبُهْلول (2) وصندوق، ففتحوا الفاء لان أكثر ما يجئ من هذه المصادر ذوات الياء نحو صارَ صيرورة، وسار سيرورة، ففتحوه حتى تسلم الياء، لأن الباب للياء، ثم حملوا ذوات الواو على ذوات الياء، فقلبوا الواو ياء في كينونة حملاً على صيرورة، وهذا كما قال في قضاة: إن أصله قُضًّى كَغُزًّى، فاستثقلوا التشديد على العين، فخففوا وعوضوا من الحرف المحذوف التاء، وقول سيبويه في ذلك كله هو الاولى، وهو أن بعض الأبواب قد يختص ببعض الأحكام فلا محذور من اختصاص الأجوف ببناء فَيْعِل - بكسر العين - وغير الاجوف ببناء فيعَل - بفتحها - وإذا جاز عند الفراء اختصاص فعِيل الأجوف بتقديم الياء على العين، وعند ذلك الاخر ببناء فَيْعَل، - بالفتح - إلى فيعِلٍ بالكسر فما المانع من اختصاصه ببناء فيعِل، وكذا لا محذور من اختصاص مصدر الاجوف بفيعلولة وحمع الناقص بفُعَلة - بضم الفاء -، وقول الفراء: إنهم حملوا الواو على الياء لأن الباب للياء، ليس بشئ، لأن المصادر على هذا الوزن قليلة، وما جاء منها
الازهرى: هو الذى يتعرض لكل مكرمة وأمر شديد، ويقال: فرس تيحان، إذا كان شديد الجرى، وحكى في اللسان الكسر فيه أيضا (1) قد سبق شرح هذا الشاهد فارجع إليه (ح 1 ص 150) (2) البهلول: السيد الجامع لكل خير، والضحاك أيضا (*)
فذوات الواو منها قريبة في العدد من ذوات الياء أو مثلها، نحو كينونة، وقيدودة (1) ، وحال حيلولة، وإنما لزم الحذف في نحو كينونة وسيدودة (2) دون سيّد وميّت لأن نهاية الاسم أن يكون على سبعة أحرف بالزيادة، وهذه على ستة، وقد لزمها تاء التأنيث، فلما جاز التخفيف فيما هو أقل منها نحو سيد لزم التخفيف فيما كثر حروفه، أعني نحو كينونة، ويقل الحذف في نحو فَيْعَلان، قالوا: رَيْحان وأصله رَيَّحَان، وأصله رَيْوَحان من الرَّوْح قال:" وَفِي بَابِ قِيلَ وَبِيع ثَلَاثُ لُغَاتٍ: الْيَاءُ، والإِشْمَامُ، وَالْوَاوُ، فإنِ اتَّصَلَ بِهِ مَا يُسَكِّنُ لَامَهُ نَحْوُ بُِعْتَ يَا عَبْدُ وَقُِلْتَ يا قَوْلُ، فَالْكَسْرُ وَالإِشْمَامُ وَالضَّمُّ، وَبَابُ اخْتِيرَ وانْقِيدَ مِثْلُهُ فِيهَا، بخلاف أُقِيمَ واستقيم " أقول: قد مضى شرح هذا في شرح الكافية (3) قوله " ما يسكن لامه " أي: تاء الضمير ونونه، فإذا اتصل به ذلك حذفت العين، ويبقى الفاء مكسوراً كسراً صريحاً، وهو الأشهر، كما هو كذلك قبل الحذف، ويجوز إشمام الكسرة شيئاً من الضم، كما جاز قبل الحذف، وضمه
(1) القيدودة: مصدر قدت الدابة أقودها كالقيادة والمقادة والتقواد والقود، وقد جاءت القيدودة وصفا بمعنى الطويلة في غير صعود (2) السيدودة: مصدر ساد الرجل قومه يسودهم، ومثله السود والسودد والسيادة، وقد وقع في أصول الكتاب " سيرورة " براءين في مكان الدالين،
وذلك غير متفق مع ما سبق للمؤلف (ح 1 ص 152، 153) حيث ذكر في مصادر الاجوف اليائى الفعلولة ومثل له بالصيرورة والشيخوخة، وذكر في مصادر الواوى منه الفيعلولة ومثل له بالكينونة، وظاهر هذا أن الذى يخفف هو الواوى.
والذى يستفاد من عبارة سيبويه التى قدمناها لك قريبا أن الفيعلولة جاءت في اليائى والواوي جميعا (3) انظر (ح 2 ص 250، 251) من شرح الكافية (*)
صريحاً كما كان قبل الحذف، وإذا قامت قرينة على أن المراد به المعلوم أو المجهول نحو قُلْتَ يا قَوْلُ، وبُعْتَ يا عَبْدُ، وخُفْتَ يا هَوْلُ، جاز الضم الصريح في الأول والكسر الصريح في الأخيرين بناء على القرينة، وإن لم تقم قرينة فالأولى الكسر أو الإشمام في الأول والضم أو الإشمام في الأخيرين قوله " وباب اختير وانقيد " يعني باب افْتُعِل وانْفُعِل من الأجوف مثل فُعِل في جواز الأوجه الثلاثة، لأن الضم والإشمام إنما جاء من ضم ما قبل الواو والياء، وأما في أقيم واسْتُقِيم وأصلهما أقْوِم واسْتُقْوِم فليس ما قبل حرف العلة مضموماً، فلا يجوز إلا الكسر الصريح قال " وَشَرْطُ إعْلَالِ الْعَيْنِ فِي الاسْمِ غَيْرِ الثُّلَاثِيِّ وَالْجَارِي عَلَى الْفِعَلِ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ مُوَافَقَهُ الْفِعْل حَرَكَةً وسُكُوناً مَعَ مُخَالَفَةٍ بِزِيَادَةِ أَوْ بِنْيَةٍ مَخْصُوصَتَيْنِ فَلِذَلِكَ لَوْ بَنَيْتَ مِنَ الْبَيْعِ مِثْلَ مَضْرِبٍ وَتَحْلِئ قُلْتَ مَبِيعٌ وتِبِيعٌ مُعَلاًّ وَمِثْلَ تَضْربُ قُلْتَ تَبْيعٌ مُصَحَّحاً " أقول: قوله " غير الثلاثي " لأن الثلاثي لا يشترط فيه مع موازنة الفعل المذكورة مخالفته قوله " والجاري على الفعل " أي: وغير الجاري، ونعني بالجاري المصدر نحو
الإقامة والاستقامة، واسمي الفاعل والمفعول من الثلاثي وغيره، ويجوز أن يقال فيهما بالموازنة: أما فاعل فعلى وزني يَفْعِل، باعتبار الحركات والسكنات، وأما مفعول كمقتول فإن الواو فيه على خلاف الأصل، والأصل فيه مُفْعَل كيُفْعَل على ما ذكرنا قوله " مما لم يذكر " لم يحتج إليه، لانه لابد لكل اسم قلب عينه ألفاً، سواء كان مما ذكر أو لم يذكر، من الموافقة المذكورة في الثلاثي والمزيد فيه، مع المخالفة المذكورة في المزيد فيه، وكذا في نقل حركة العين المزيد فيه إلى
الساكن الذي قبله، كما ذكرنا، إلا في نحو الإقامة والاستقامة، فإن فيه قلباً ونقلاً مع عدم الموافقة المذكورة، وذلك لما ذكرنا قبل من المناسبة التامة لفعله، وإلا في باب بَوَائع، فإن فيه قلباً مع عدمها أيضاً، وذلك للثقل البالغ كما مر (1) قال " اللَاّمُ، تُقْلَبَانِ ألِفاً إذَا تَحَرَّكَتَا وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهُمَا إِنْ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُمَأ مُوجِبٌ لِلْفَتْحٍ، كَغَزَا وَرَمَى وَيَقْوَى وَيَحْيَى وَعَصاً ورَحًى (2) بِخِلَافِ غَزَوْتُ وَرَمَيْتُ وَغَزَوْنَا وَرَمَيْنَا وَيَخْشَيْنَ وَيَأبَيْنَ وَغَزْوٍ وَرَمْي، وَبِخِلَافِ غَزَوْا ورَمَيَا وَعَصَوَانِ وَرَحَيَانِ لِلإِلْبَاسِ، واخْشَيَا نَحْوُهُ، لأنَّهُ مِنْ بَابِ لَنْ يَخْشَيَا، وَاخشَيَنَّ لِشَبهِهِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ اخْشَوْا وَاخْشَوَنَّ وَاخْشَيْ وَاخْشَينَّ " أقول: اعلم أن الواو والياء إذا تحركتا وانفتح ما قبلهما وهما لامان قلبتا ألفين، وإن لم تكونا في الاسم الجاري على الفعل، ولا الموازن له، كرِباً وزِنًى، أو كانا فيما يوازن الفعل بلا مخالفة له، كما في أحْوَى وأشْقَى، وإنما اشترط الجريان أو المشابهة المذكورة في العين دون اللام لأن اللام محل التغيير فيؤثر في
قلبها العلة الضعيفة: أي تحركها وانفتاح ما قبلها قوله " إن لم يكن بعدهمأ موجب للفتح " احتراز عن نحو غَزَوَا ورَمَيَا في الماضي وتَرْضَيَان وتُغْزَوَان في المضارع، وعَصَوَان وَرَحَيان في الاسم، فإن ألف الضمير في غَزَوَا وَيَرْضَيان وألف التثنية في عَصَوَان وَرَحَيَان إنما ألحقتا بالألف المنقلبة عن الواو والياء فردت الألف التي هي لام إلى أصلها من الواو والياء، إذ لو لم ترد لالتبس المثنى في الماضي بالمفرد ومثنى المضارع ومثنى الاسم
(1) انظر (ص 101) من هذا الجزء (2) كذا في جميع النسخ المطبوعة من المتن ومن شروح الشافية، وفى الخطية " وفتى "(*)
بالمفرد، عند سقوط النون، فلو قلبت الواو والياء إلى الألف بعد رد الألف إليهما لحصل الوقوع فيما فُر منه، أعني الالتباس، وإنما لم يقلب في اخْشَيَا لكونه فرع يَخْشَيَان المؤدي إلى اللبس لو قلبت لامه، وإنما لم يقلب في اخْشَيَنَّ لعروض حركة الياء لأجل النون على ما تقدم، فالحق أن يقال: لم تقلب حروف العلة المتحركة لأجل إلحاق ألف الضمير في غَزَوَا ورَمَيَا، وألف المثنى والجمع في نحو عَصَوَان وصَلَوات، ونون التأكيد في نحو ارْضَيَنَّ، ألفاً، لعروض حركاتها لأجل هذه اللواحق، فإنها وإن كانت أصلها الحركة إلا أنها لولا هذه اللواحق لم تتحرك، فحركتها إذن عارضة، ولا يقلب الواو والياء ألفاً إذا تحركتا بحركة عارضة، ويَرْضَيَان ويُغْزَوَان وعَصَوَان ورحيان هذه اللواحق كما ذكرنا أوجبت رجوع الألفات إلى أصولها لئلا يلتبس، ولم يقلب الواو والياء ألفاً بعد الرد إلى الأصل لئلا يكون رجوعاً إلى ما فر منه.
قوله " لشبهه بذلك " يعني أن النون اللاحق بالفعل من غير توسط ضمير
بينهما مثل الألف، فقولك اخْشَيَنَّ مثل اخْشَيَا، وقد ذكرنا ما على هذا الكلام في آخر شرح (1) الكافية، فالأولى أن عدم القلب في اخْشَيَنَّ لأن اللام قد
(1) قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 378) : " لما كان النون بعد الضمير البارز صار كالكلمة المنفصلة، لان الضمير فاصل، ولما لم يكن ضمير بارز كان النون كالضمير المتصل، هذا زبدة كلامه (يريد ابن الحاجب) ، ويرد عليه أن المتصل ليس هو الالف فقط بل الياء والواو في ارضوا وارضى متصلان أيضا وأنت لا تثبت اللام كما تثبتها مع الالف، فليس قوله إذن " فكالمتصل " على إطلاقه بصحيح، وأيضا يحتاج إلى التعليل فيما قاس النون عليه من المتصل والمنفصل إذا سئل مثلا لم لم تحذف اللام في اخشيا وارميا واغزوا كما حذفت في اخش وارم واغز ولم ضمت الواو في ارضوا الرجل وكسرت الياء في ارضى الرجل ولم تحذفا كما في ارموا الرجل وارمي الغرض؟ وكل علة تذكرها في المحمول عليه فهى مطردة في المحمول فما فائدة الحمل؟ وإنما يحمل الشئ على الشئ إذا لم يكن المحمول (*)
رد كما ذكرنا هناك (1) فلو قلب لوجب حذفه فلم يتبين رده، وفي اخْشَيا لكونه فرع يخشيان، ولا نقول بعروض الحركة، إذ لو لم يعتد بالحركة في مثله لم يرد العين في خَافَا وخَافَنَّ قوله " كغزا ورمى ويقوى ويحيى وعصا ورحَى " أمثله لما تحرك الواو والياء فيه وانفتح ما قبلهما ولم يكن بعدهما موجب للفتح فقلبا ألفين قوله " بخلاف غزوت ورميت وغزونا ورمينا ويخشين ويأبين " أمثلة لما انفتح ما قبل الواو والياء فيه وسكنا فلم يقلبا قوله " وغَزْوٍ ورَمْي " مثالان لما تحرك واوه وياؤه وسكن ما قبلهما فلم يقلبا ولم يكن كأقْوَم أي مفتوح حرف العلة فرعاً لما انفتح ما قبلها حتى يحمل عليه
قوله " وبخلاف غَزَوَا وَرَمَيَا " إلى قوله " لشبهة بذلك " أمثلة لما تحرك واوه وياؤه وانفتح ما قبلهما وكان بعدهما موجب لبقائهما بلا قلب قوله " بخلاف اخشَوْا واخشَوُنَّ واخْشَيْ واخشَيِنَّ " يعني أن أصلها اخْشَيُوا وَاخْشيُونَّ واخشيي واخْشَيِينَّ فقلبت الياء ألفاً وحذفت، لأن حذف اللام ههنا لا يلبس كما كان يلبس في يخشَيَان لو حذفت، فلم يحذف، وحمل اخشيا عليه، لأنه فرعه وإن لم يلبس، وحمل اخشَيَنَّ على اخشَيَا لمشابهة النون في مثله للألف، ولمانع أن يمنع أن أصل اخشَوْا اخشَيْوا، وأصل اخشَيْ اخشَيِي، وذلك لأن الواو
في ثبوت العلة فيه كالمحمول عليه، بل يشابهه من وجه فيلحق به لاجل تلك المشابهة وإن لم تثبت العلة في المحمول كحمل ان على الفعل المتعدى وإن لم تكن في إن العلة المقتضية الرفع والنصب كما كانت في المتعدى " اه (2) قال في شرح الكافية (2: 376) : " وإنما ردت اللامات المحذوفة للجزم أو الوقف في نحو لتغزون واغزون ولترمين وارمين ولتخشين واخشين لان حذفها كان للجزم أو للوقف الجارى مجراه، ومع قصد البناء على الفتح للتركيب لا جزم ولا وقف " اه (*)
والألف والياء كل واحد منها فاعل يلحق الفعل كما يلحق زيد من رمي زيد لا فرق بينهما، إلا أن اتصال الضمير أشد، ولا يلزم أن يلحق الفاعل أصل الفعل، بل يلحقه بعد الإعلال، لأنه ما لم ينقَّح أصل الكلمة ولم تعط مطلوبَها في ذاتها لم يلحق بها مطلوبُها الخارجي فإن قيل: فلم لم يقل غَزَاتُ وَرَمَاتُ، في غَزَوْتُ وَرَمَيْت قلت: تنبيهاً على عدم تقدير الحركة في حرف العلة، كما ذكرنا في ذي الزيادة (1) والدليل على أن الضمائر تلحق الكلمات بعد تخفيفها قولهم: رُضْيُوا وَغُزْيُوا
بإسكان العين للتخفيف، كما قيل في عُصِرَ: عُصْر، ولو لحق الواو رضي ورمي مكسور العين وجب حذف الياء للساكنين، لأن الضمة على الياء بعد الكسرة تحذف، فيلتقى ساكنان: الياء، والواو، فإذا كان الضمير يلحق الفعل بعد التخفيف النادر القليل فما ظنك بالتخفيف الواجب المطرد؟ ولو سلم أيضاً أن الأصل اخشيوا واخشيي فإن الحركة عارضة لأجل الضمير فلا تقلب لأجلها الياء ألفاً (كما مر مراراً) والحق أن يقال: إن أصل اخَشَوْا وَاخشَيْ اخشَ لحقته الواو والياء، وأصل اخشَوُنّ خشين اخشَوْا واخشَيْ لحقته النون فحركت الواو والياء للساكنين، ولم يحذفا، لأنهما ليسا بمدتين كما في اغزُنّ وارمِنّ، ولا يجوز حذف كلمة تامة، أعني الضميرين بلا دليل عليهما، ولم يقلب الواو والياء ألفاً في اخشَوُنّ واخْشَيِنّ، لأن كل واحد منهما كلمة برأسها فلا يغيران بالكلية، وأيضاً حركتهما عارضة للساكنين كما ذكرنا قال: " وَتُقْلَبُ الْوَاوُ يَاءً إذَا وَقَعَتْ مَكْسُوراً مَا قَبْلَهَا، أَوْ رَابِعَةً فَصَاعِداً وَلَمْ يَنْضَمَّ مَا قَبْلَهَا، كَدُعِيَ وَرُضِيَ وَالغَازِي، وَأغْزَيْتُ وَتَغَزَّيْتُ واستغزيت
(1) انظر (ج 2 ص 370)(*)
وَيُغْزَيَان ويَرْضَيَانِ، بِخِلَافِ يَدْعُو وَيَغْزُو، وَقِنْيَةٌ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي دِنْيَا شَاذٌّ، وطيِّئٌ تَقْلِبُ الْيَاءَ فِي بَابِ رَضِيَ وَبَقِيَ وَدُعِيَ أَلِفاً وتقلب الواو طرفاً بَعْدَ ضَمَّةِ فِي كُلِّ مُتَمَكِّنٍ يَاءً فَتَنْقَلِبُ الضَّمَّةُ كَسْرَةً كَمَا انْقَلَبَتْ فِي التَّرَامِي وَالتَّجَارِي - فَيَصِيرُ مِنْ بَابِ قاض، نحو أدل وَقَلَنْسٍ، بخِلَافِ قَلَنْسُوَةٍ وَقَمَحْدُوَةٍ، وَبِخِلَافِ الْعَيْنِ كَالْقُوَبَاءِ وَالْخُيَلَاءِ، وَلا أَثَرَ لِلْمَدَّةِ الْفَاصِلَةِ فِي الجَمْعِ إلَاّ فِي الإِعْرَابِ، نَحْوَ عُتِيٍّ وُجُثِيٍّ، بِخِلَافِ
الْمُفْرَدِ، وَقَدْ تُكْسَرُ الْفَاءُ لِلإتْبَاعِ فَيُقَالُ: عِتيٌّ وَجِثِيٌّ، وَنَحْوُ نُحُوٍّ شَاذّ، وَقَدْ جَاءَ نَحْوُ مَعْدِيٍّ وَمَغْزِيٍّ كَثِيراً، وَالْقِيَاسُ الْوَاوُ " أقول: اعلم أن الواو المتحركة المكسور ما قبلها لا تقلب ياء لتقويها بالحركة إلا بشرطين: أحدهما أن تكون لاماً، لأن الآخر محل التغيير، فهي إذن تقلب ياء، سواء كانت في اسم كرأيت الْغَازِيَ، أو فعل: مبنياً للفاعل كان كَرَضِيَ من الرضوان، أو للمفعول كدُعِيَ، وسواء صارت في حكم الوسط بمجئ حرف لازم للكلمة بعدها نحو غَزِيَانِ على فَعِلَانَ من الغزو، وغَزِيَة على فَعِلَةَ منه، مع لزوم التاء كما في عَنْصُوَةَ، أو لم تَصِر كما في غازية، وقولهم مَقَاتِوَة في جمع مقتوى شاذ (1) ووجه تصحيحه
(1) تقول: قتوت أقتو قتوا ومقتى مثل غزوت أغزو غزوا ومغزى، ومعناه كنت خادما للملوك.
قال الشاعر: إنى امرؤ من بنى فزارة لا * أحسن قتو الملوك والخببا وقد قالوا للخادم: مقتوى - بفتح الميم وتشديد الياء آخره - وكأنهم نسبوه إلى المقتى الذى هو مصدر ميمى بمعنى خدمة الملوك، وقالوا: مقتوين بمعنى خدم الملوك، مثل قول عمرو بن كلثوم التغلبي: بأى مشيئة عمرو بن هند * تكون لقيلكم فيها قطينا؟ تهددنا وأوعدنا رويدا، * متى كنا لامك مقتويا؟ (*)
[
…
]
وقد اختلف العلماء في ضبطه وتخريجه، فضبطه أبو الحسن الاخفش بضم الميم وكسر الواو، على أنه جمع مقتو اسم فاعل من اقتوى، وأصله مقتوو بوزن مفعلل قلبت الواو الاخيرة ياء، لتطرفها إثر كسرة، ثم يعل ويجمع كما يعل ويجمع قاض،
وأصل اقتوى اقتوو، قلبت الواو الثانية ألفا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، ولم يدغموا كما يدغمون في احمر، لان الاعلال مقدم على الادغام، وذلك كما في ارعوى، ويدل لصحة ما ذهب إليه أبو الحسن قول يزيد بن الحكم يعاتب ابن عمه: تبدل خليلا بن كشكلك شكله * فإنى خليلا صالحا بك مقتوى وذهب غير واحد من الامة الى أن مقتوين بفتح الميم وكسر الواو، ولهم فيه تخريجان ستسمعهما بعد فيما نحكيه من أقوالهم، وحكى أبو زيد وحده فتح الواو مع أن الميم مفتوحة قال المؤلف في شرح الكافية (ح 2 ص 153) في الكلام على مواضع تاء التأنيث: " السادس أن تدخل أيضا على الجمع الاقصى دلالة على أن واحده منسوب كالاشاعثة والمشاهدة في جمع أشعثي ومشهدي، وذلك أنهم لما أرداوا أن يجمعوا المنسوب جمع التكسير وجب حذف ياءى النسب، لان ياء النسب والجمع لا يجتمعان، فلا يقال في النسبة إلى رجال: رجالى بل رجلى كما يجئ في باب النسبة إن شاء الله، فحذفت ياء النسبة ثم جمع بالتاء فصار التاء كالبدل من الياء كما أبدلت من الياء في نحو فرازنة وجحاجحة كما يجئ، وإنما أبدلت منها لتشابه الياء والتاء في كونهما للوحدة كتمرة ورومي، وللمبالغة كعلامة ودوارى، ولكونهما زائدتين لا لمعنى في بعض المواضع كظلمة وكرسي، وقد تحذف ياء النسب إذا جمع الاسم جمع السلامة بالواو والنون لكن لا وجوبا كما في جمع التكسير، وإنما يكون هذا في اسم تكسيره - لو جمع - على وزن الجمع الاقصى كالاشعرون والاعجمون في جمع أشعرى وأعجمي وكذا المقتوون والمقاتوة في جمع مقتوى، قال: * متى كنا لامك مقتوينا * والتاء في مثل هذا المكسر لازمة، لكونها بدلا عن الياء ولو كان جمع المعرب أو جمع المنسوب غير الجمع الاقصى لم تأت فيه بالتاء فلا تقول في جمع فارسي:(*)
[
…
]
فرسة، بل فرس، ولا في جمع لجام: لجمة، بل لجم، وكأن اختصاص الاقصى بذلك ليرجع الاسم بسبب التاء إلى أصله من الانصراف " اه.
وقال أيضا في باب جمع السلامة (ح 2 ص 172) ما نصه: " وحكى عن أبى عبيدة وأبى زيد جعل نون مقتوين معتقب الاعراب، ولعل ذلك لان القياس مقتويون - بياء النسب - فلما حذف ياء النسب صار مقتوون كقلون وقوله: * متى كنا لامك مقتوينا * الالف فيه بدل من التنوين إن كان النون معتقب الاعراب، وإلا فالالف للاطلاق، وحيا جميعا: رجل مقتوين، ورجلان مقتوين، ورجال مقتوين، قال أبو زيد: وكذا للمرأة والمرأتين والنساء، ولعل سبب تجرئهم على جعل مقتوين للمثنى والمفرد المذكر والمؤنث مع كونه في الاصل جمع المذكر كثرة مخالفته للجموع، وذلك من ثلاثة أوجه: كون النون معتقب الاعراب، وحذف ياء النسب الذى في الواحد وهو مقتوى، وإلحاق علامة الجمع بما بقى منه وهو مقتو مع عدم استعماله، ولو استعمل لقلب واوه ألفا فقيل: مقتى، ولجمع على مقتون - كأعلون - لا على مقتوون، وإنما قلنا: إن واحده مقتو المحذوف الياء كما قال سيبويه في المهلبون والمهالبة: إنه سمى كل واحد منهم باسم من نسب إليه، فكان كلا منهم مهلب، لان الجمع في الظاهر للمحذوف منه ياء النسب، ويجوز أن يقال: إن ياء النسب في مثل مقتوون والاشعرون والاعجمون حذف بعد جمعه بالواو والنون، وكان الاصل مقتويون وأشعريون وأعجميون، وحكى أبو زيد في مقتوين فتح الواو قبل الياء في من جعل النون معتقب الاعراب نحو مقتوين، وذلك أيضا لتغييره عن صورة الجمع بالكلية لما خالف ما عليه جمع السلامة " اه
وقال أبو الحس الاخفش في شرح نوادر أبى زيد (188) : القياس - وهو مسموع من العرب أيضا - فتح الواو من مقتوين فنقول: مقتوين: فيكون الواحد مقتى فاعلم، مثل مصطفى فاعلم، ومصطفين إذا جمعت، ومن قال مقتوين فكسر الواو فانه يفرده في الواحد والتثنية والجمع والمؤنث، لانه عنده مصدر فيصير بمنزلة قولهم: رجل عدل وفطر وصوم ورضى وما أشبهه، وذلك أن المصدر لا يثنى ولا (*)
إجراؤه مجرى مَقْتَوِين كما ذكرنا في جمع السلامة، وقالوا: خِنْذَوَةُ (1) بالواو، لئلا يلتبس فِعْلِوَة القليل بفعلية الكثير كعفرية (2) ونفرية (3)
يجمع، لانه جنس واحد، فإذا قلت رجل عدل وما أشبهه فتقديره عندنا رجل ذو عدل فحذفت ذو وأقمت عدلا مقامه فجرى مجرى قوله عز وجل (واسأل القرية) وهذا في المصادر بمنزلة قولهم: إنما فلان الاسد وفلانة الشمس يريدون مثل الاسد ومثل الشمس، فإذا حذفوا مرفوعا جعلوا مكانه مرفوعا، وكذلك يفعلون في النصب والخفض فأما أبو العباس محمد بن يزيد فأخبرني أن جمع مقتوين عند كثير من العرب مقاتوة، فهذا يدلك على أنه في هذه الحكاية غير مصدر وليس بجمع مطرد عليه باب، ولكنه بمنزلة الباقر والجامل والكليب والعبيد، فهذه كلها ما أشبهها عندنا أسماء للجميع وليست بمطردة، وهى - وإن كان لفظها من لفظ الواحد - بمنزلة نفر ورهط وقوم وما أشبهه، ويقال: مقت الرجل إذا خدم، فهذا بين في هذا الحرف " اه (1) قال في اللسان: " والخنذوة (بضمتين بينهما سكون) : الشعبة من الجبل، مثل بها سيبويه، وفسرها السيرافى.
قال: ووجدت في بعض النسخ حنذوة (بالحاء المهملة) ، وفى بعضها جنذوة (بالجيم المعجمة) ، وخنذوة بالخاء معجمة أقعد بذلك يشتقها من الخنذيذ (وهو الجبل الطويل المشرف الضخم) وحكيت
خنذوة - بكسر الخاء - وهو قبيح، لانه لا يجتمع كسرة وضمة بعدها واو، وليس بينهما إلا ساكن، لان الساكن غير معتد به، فكأنه خذوة (بكسر الخاء وضم الذال) وحكيت: جنذوة وخنذوة وحنذوة (بكسر الاول والثالث وسكون الثاني في الجميع) لغات في جميع ذلك، حكاه بعض أهل اللغة، وكذلك وجد في بعض نسخ كتاب سيبويه، وهذا لا يعضده القياس ولا السماع، أما الكسرة فانها توجب قلب الواو ياء وإن كان بعدها ما يقع عليه الاعراب وهو الهاء، وقد نفى سيبويه مثل ذلك، وأما السماع فلم يجئ لها نظير، وإنما ذكرت هذه الكلمة بالحاء والخاء والجيم، لان نسخ كتاب سيبويه اختلفت فيها " اه (2) العفرية: الخبيث المنكر، وأسد عفرية: شديد.
انظر (ح 1 ص 255، 256)(3) نفرية: إتباع لعفرية، يقال: عفرية نفرية، كما يقال: عفريت نفريت (*)
وهِبْرِية (1) ونحوها، ولو خففت رَضِيَ وغُزِي قلت: رَضْيَ وغُزْي، كما تقول في عَلِم وعُصِر: عَلْمَ وعُصْرَ، ولا تُرد الياء إلى أصلها من الواو مع زوال الكسرة في التخفيف، لعروض زوالها، وقالوا: رَضْيُوا وغُزْيُوا، فاعتد بالكسرة المقدرة من جهة قلب الواو ياء، ولم يعتدوا بها من جهة إثبات ضمة الياء، ولو اعتدوا بها من كل جهة لقيل: رضوا وغزوا، استثقالاً لضمة الياء بعد الكسرة، فلم يتبين كون الواو لاحقاً برضى وغزى المخففين، وثانيهما: أن تكون عيناً في اسم محمول على غيره، كما في قِيَام ودِيَار ورِيَاض، على ما مضى وأما الياء المتحركة المضموم ما قبلها فإن لم تقع لاماً ولم تنكسر كما في هُيَام وعُيَبَة وعُيُن (2) جمع عِيان لم تقلب واواً، لتقويها بالحركة مع توسطها، وإن انكسرت كما في بِيعَ فقد مضى حكمها (3) وإن وقعت لاماً فإن كان يلزمها الفتح
قلبت الياء واواً لانضمام، ما قبلها، لأن الاخر محل التغيير، وبلزوم الفتح لا يستثقل في الأخير واو مضموم ما قبلها، كما لم يستثقل في هُوَ، وذلك إما في الفعل كرمو الرجل زيد، من الرمي، وإن خففت ضمة العين لم تتغير الواو، لعروض التخفيف تقول: رَمْوَ الرجلُ، كما تقول في ظَرُف ظَرْفَ، أو في الاسم، وإنما يكون ذلك فيه إذا جاء بعدها زائد لازم موجب لفتح ما قبله كأُرْمُوَان، من الرمي على وزن أُسْحُمان (4) فلم يستثقل، كما لم يستثقل في عُنْفُوَان وأقْحُوَان وَقَمَحْدُوَة لكون الواو كأنها ليست لاماً، وكُرمُوَة على وزن فُعُلة من رَمَيْت، إذا لزم التاء، وإن لم تلزم قلت رُمِية ورُم، بقلب الواو ياء والضمة كسرة لكونها
(1) هبرية - كشرذمة -: ما طار من زغب القطن، وما طار من الريش أيضا، وما يتعلق بأسفل الشعر من وسخ الرأس (2) انظر (ص 87 من هذا الجزء)(3) انظر (ص 86 من هذا الجزء)(4) انظر (ح 2 ص 395)(*)
في حكم المتطرفة، وكذا إذا كانت ضمة ما قبل الياء المتحركة على واو وجب قلب الضمة كسرة، وإن لزم الحرف الذى يلى الياء، نحو طويان بكسر الواو على وزن فَعُلان - بضم العين - من طوى ومطوية على وزن مسربة منه (1) ، لان نحو قوونا تقلب واوه الاخيرة ياء كما يجئ، فكيف تقلب ياء طويان واوا؟ وإن لم يلزمها الفتح كالتجاري والتمارى قلبت الضمة كسرة، ولم تقلب الياء واواً، لاستثقال كون أثقل حروف العلة: أي الواو، وقبلها أثقلُ الحركات: أي الضمة، مَوْرِداً للإعراب، وأما بَهُوَ الرجل يَبْهُو بمعنى بَهِيَ يَبْهَى أي صار بَهيًّا كما ذكرنا في أول الكتاب، فإنما قلبت ياء بَهُوَ واواً مع كونه مَوْرداً للإعراب،
لما ذكرنا هناك فليرجع (2) إليه، وكذا تقلب الضمة كسرة إذا كانت الياء التي هي مورد للإعراب مشدَّدة نحو رُمِيّ، على وزن قُمُدّ (3) من الرمي قوله " أو رابعة فصاعداً " تقلب الواو الرابعة فصاعداً المفتوح ما قبلها المتطرفة ياء بشرطين: أحدهما أن لا يجوز قلبها ألفاً إما لسكون الواو كما في أغْزَيْت واسْتَغْزَيت، أو للإلباس كما في يُغْزَيَان وَيَرْضَيَان وَأَعْلَيَان، على ما تقدم، وذلك أن قصدهم التخفيف، فما دام يمكنهم قلبها ألفاً لم تقلب ياء، إذ الألف أخف، وثانيهما: أن لا يجئ بعدها حرف لازم يجعلها في حكم المتوسط، كما جاء في مِذْرَوَان (4) وإنما قلبت الواو المذكورة ياء لوقوعها موضعاً يليق به الخفة، لكونها
(1) المسربة - بضم الراء، وتفتح -: الشعر الدقيق النابت وسط الصدر إلى البطن، وفى الصحاح: الشعر المستدق الذى يخرج من الصدر إلى السرة، قال سيبويه " ليست المسربة على المكان ولا المصدر، وإنما هي اسم الشعر "(2) انظر (ح 1 ص 73، 76)(3) انظر (ح 1 ص 53)(4) المذروان: طرفا الالية، وذلك مما لا يستعمل إلا مثنى، وتقول: جاء فلان ينفض مذرويه، إذا جاءك باغيا متهددا، قال عنترة بن شداد العبسى يخاطب عمارة بن زياد العبسى: أحولى تنفض استك مذرويها * لتقتلني فهأنذا عمارا (*)
رابعة ومتطرفة وتعذُّرِ غاية التخفيف، أعني قلبها ألفاً، (لسكونها لفظاً أو تقديراً) كما ذكرنا، فقلبت إلى حرف أخف من الواو، وهو الياء، وقيل: إنما قلبت الواو المذكورة ياء لانقلابها ياء في بعض التصرفات، نحو أغْزَيْتُ وغَازَيْتُ، فإن مضارعهما أُغْزِي وأُغَازِي، وأما في تَغَزَّيْت وَتَغَأزَيْت فإنه وإن لم تقلب الواو ياء في مضارعيهما: أعنى أتغزى وأتعازى، لكن تعزيت وَتَغَازَيْتُ فرعاً أغْزَيْت
وغازيت المقلوب واوهما ياء، وهذه علة ضعيفة كما ترى لا تطرد في نحو الأَعْلَيَان، ولو كان قلب الواو ياء في المضارع يوجب قلبها في الماضي ياء لكان قلبها يا في نفس الماضي أولى بالإيجاب، فكان ينبغي أن يقال غَزَيْتُ، لقولهم غُزِي، وأيضاً المضارع فرع الماضي لفظاً فكيف انعكس الأمر؟ فكان على المصنف أن يقول: ولم يضم ما قبلها ولم يجز قبلها ألفاً، ليخرج نحو أَغْزَى، وليس أيضاً قوله " ولم ينضم ما قبلها " على الإطلاق، بل الشرط أن لا ينضم ما قبلها في الفعل نحو يَغْزُو ويَدْعُو، وأما في الاسم فيقلب ياء نحو الأدْلى جمع الدَّلْو والتغازي، وكان الأولى به أن يقول مكان قوله ولم ينضم ما قبلها: وانفتح ما قبلها، وأن يؤخر ذكر نحو يدعو إلى قوله " وتقلب الواو طرفاً بعد ضمة " كما نذكر، وقوله " وقِنْيَة (1) وهو ابنُ عمي دِنْيَا (2) شاذ " وذلك لانك قلبت الواو
(1) القنية - بكسر القاف وضمها -: ما يقتنيه الانسان لنفسه لا للتجارة، ويقال فيه: قنوة - بكسر أوله وضمه، انظر (ح 2 ص 43) .
هذا ما ذكره الكوفيون فهى عندهم ذات وجهين، فلا شذوذ فيه، ولم يحك البصريون إلا الواوى فقنية - بالكسر - شاذ عندهم لعدم اتصال الكسرة بالواو.
وقنية - بضم القاف -: فرع قية - بكسرها - ضموا بعد قلب الواو ياء (2) يقولون: هو ابن عمى أو ابن خالي أو عمتى أو خالتي أو ابن أخى أو أختى دنية ودنيا - بكسر الدال فيهما مع تنوين المقصور وترك تنوينه - ودنيا - بضم الدال غير منون -: أي لاصق القرابة، وفى معناه هو ان عمى لحا (*)
التي هي لام ياءً مع فصل الساكن بينها وبين الكسرة (قبلها) ، ووجه ذلك مع شذوذه كون الواو لاماً وكون الساكن كالعدم، وقِنْيَة من الواوي، لقولك: قَنَوْت، والأولى أن يقال: هو من قَنَيْت، لأن لامه ذات وجهين، ومنه قُنْيَان
بضم القاف.
قوله " وطيئ تقلب " قد مضى شرحه في هذا الباب، وهذا حكم مطرد عندهم: سواء كان أصل الياء الواو، كما في رَضِي ودُعي، أولاً، نحو بَقي.
قوله " وتقلب الواو طرفاً بعد ضمة " إلى قوله " كالقوباء والخيلاء " إذا وقعت الواو لاماً بعد ضمة أصلية طرفاً كما في الأدْلُو، أو في حكم الطرف: بأن يأتي بعدها حرف غير لازم، كتاء التأنيث غير لازمة نحو التَّغَازية أو ألف تثنية كالتَّغَازِيان في مثنى التغازي، وكان ذلك في اسم متمكن، وجب قلب الواو ياء والضمة قبلها كسرة، لأن الواو المضموم ما قبلها ثقيل على ثقيل، ولا سيما إذا تطرفت، وخاصة في الاسم المتمكن، فإنه إذن مَوْطِئ أقدام حركات الإعراب المختلفة، فتقلب الواو ياء ثم تقلب الضمة كسرة، ولا يبتدأ بقلب الضمة كسرة لأن تخفيف الآخر أولى، فإذا لم تكن لاماً وانفتحت نحو الْقُوبَاء لم تقلب ياء، وكذا إذا انضمت فإن سكن ما بعدها نحو الْحُوُول جاز إبقاؤها وجاز قلبها همزة، وإن تحرك جب إسكانها كالنُّور في جمع نَوَار، وإن انكسرت بقيت بحالها نحو أُوِدُّ على وزن أُكْرِم من الود، وأما قيل - وأصله قُوِل - فلما مر في شرح الكافية (1) وكذا إذا كانت لاماً لكن بعدها حرف لازم كتاء التأنيث في نحو عَنْصُوَة وقمحدوة، والألف والنون لغير المثنى كأفْعُوَان وَأُقْحَوان، لم تقلب ياء، إلا أن تكون الضمة قبل الواو على واو أيضاً، فإنه تقلب الواو ياء لفرط الثقل، وإن وليها حرف لازم نحو قَوِيَة وَقَوِيَان على وزن سَمُرَة وسَبُعَان، ولا يدغم، لأن الاعلال قبل
(1) قد ذكرنا ذلك قريبا فارجع إليه في (ص 83 من هذا الجزء)(*)
الإدغام، وكذا لا تقلب الواو ياء إذا لم تكن الضمة لازمة نحو أبوك وفوك وأخوك، وكذا خُطُوات فإن الألف والتاء غير لازمة كتا تغازية، لكن ضمة
الطاء عارضة في الجمع، ويجوز إسكانها، وكذا لا تقلب إذا كانت في الفعل كسَرُوَ وَيَسْرُو ويَدْعُو، وذلك لأن الفعل وإن كان أثقل من الاسم فالتخفيف به أولى وأليق، كما تكرره ذكره، ولكن صيرورة الكلمة فعلاً ليست إلا بالوزن، كما تقدم، لأن أصله المصدر كما تقرر، وهو ينتقل إلى الفعلية بالبنية فقط، فالمصدر كالمادة والفعل كالمركب من المادة والصورة، فلما كانت الفعلية تحدث بالبنية فقط واختلاف أبنية الأفعال الثلاثية وتمايز بعضها عن بعض بحركة العين فقط، احتاطوا في حفظ تلك الحركة، ولذلك لا تحذف إذا لم يتميز بالنقل إلى ما قبلها كما في قُلْتُ وبعت، بخلاف هِبْتُ وخفْت وطُلْتُ ويَقُول وَيخَاف، على ما تبين في أول الكتاب، ولذلك قالوا رَمُو الرجل، بخلاف نحو الترامي، فثبت أنه لا يجوز كسر ضمة سَرُو ويَدْعُو لئلا يلتبس بناء ببناء، وكذا لا تقلب ياء إذا كانت في اسم وتلزمها الفتحة، نحو هُوَ، لم يأت إلا هذا، وإنما اغتفر ذلك فيه لقلة الثقل، بكونه على حرفين، ولزوم الفتح لواوه، والتباسه بالمؤنث لو قلبت.
وإنما ذكر الْخُيَلَاء مع الْقُوبَاء - مع أن كلامه في الواو المضموم ما قبلها دون الياء المضموم ما قبلها - لأن الياء المضموم ما قبلها في حكم الواو المضموم ما قبلها، في وجوب قلب الضمة معها كسرة، حيث يجب قلب ضمة ما قبل الواو كالترامي والترامية، على ما قدمنا، وعدم وجوب قلبها حيث لا يجب قلبها مع الواو، وقال الفراء: سِيَرَاء (1) في الأصل فُعَلَاء، بالضم، فكسر لأجل الياء،
(1) السيراء - بكسر السين وفتح الياء، وتسكن -: ضرب من البرود، وقيل: هو ثوب فيه خطوط كالسيور تعمل من القز، وقيل: برود يخالطها حرير، وقيل: هي ثياب من ثياب اليمن، والسيراء أيضا: الذهب، وقيل: الذهب الصافى، وقال (*)
كما تقول بيوت وعيون وبييت وعِيَيْن، في الجمع والتصغير، قال السيرافي:
الذي قاله ليس ببعيد لأنا لم نر اسماً على فِعَلَاء - بكسر الفاء - إلا الْعِنَبَاءِ بمعنى العنب والسِّيَرَاء والْحِوَلَاء (1) بمعنى الحُوَلاء - بضم الحاء - قوله " ولا أثر للمدة الفاصلة في الجمع " أعلم أن الواو المتطرفة المضموم ما قبلها في الاسم المتمكن، إن كانت مشددة قوية بعض القوة، ثم: إما أن يجب القلب مع ذاك، أو يكون أولى، أو يكون تركه أولى.
فما يجب فيه قلبها شيئان: أحدهما: ما تكون الضمة فيه على الواو أيضاً كما تقول غُزْوِيّ على وزن عُصْفور من الغزو، ومنه مَقْوِيّ مفعول من القوة،
الجوهرى: والسيراء - بكسر السين وفتح الراء والمد -: برد فيه خطوط صفر، قال النابغة: صفراء كالسيراء أكمل خلقها * كالغصن في غلوائه المتأود وفى الحديث " أهدى إليه أكيدر دومة حلة سيراء " قال ابن الاثير: هو نوع من البرود يخالطه حرير كالسوير، وهو فعلاء من السير القد (أي الجلد) .
قال: هكذا روى على هذه الصفة.
قال: وقال بعض المتأخرين إنما هو على الاضافة، واحتج بأن سيبويه قال: لم تأت فعلاء صفة لكن اسما، وشرح السيراء بالحرير الصافى، ومعناه حلة حرير، وفى الحديث: أعطى عليا بردا سيراء، وقال: اجعله خمرا، وفى حديث عمر: رأى حلة سيراء تباع، والسيراء أيضا: ضرب من النبت، والجريدة من جرائد النخل، ثم انظر (ج 2 ص 330)(1) الحولاء - بكسر الحاء، وضمها، مع فتح الواو فيهما -: جلدة خضراء مملوءة ماء تخرج مع الولد، فيها خطوط حمر وخضر، وقد قالوا: نزلوا في مثل حولاء الناقة، يريدون الخصب وكثرة الماء والخضرة، وفى القاموس:" والحولاء كالعنباء والسيراء، ولا رابع لها " اه (*)
والثاني جمع على فُعُول كجاثٍ وَجُثِيّ (1) وعَصاً وعُصِيِّ، ومنه قِسِيّ بعد القلب، وقد شذ نُحُوٌّ جمع نَحْو، يقال: إنه لينظر في نُحُوّ كثيرة: أي جهات، وكذا نُجُوٌّ جمع نجو، وهو السحاب، وبُهُوّ، جمع بَهْو وهو الصدر، وأبُوٌّ وأخُوٌّ، جمع أب وأخ، ولا يقاس عليه، خلافاً للفراء.
وما كان القلب فيه أولى ويجوز تركه: فهو كل مَفْعُول ليس الضمة فيه على الواو، لكنه من باب فَعِل بالكسر، نحو مَرْضِيٍّ، فإنه أكثر من مَرْضو، إتباعاً للفعل الماضي.
وما كان ترك القلب فيه أولى كل مصدر على فُعُول كَجُثُوّ وَعتُوُ، ومن قلب فلإعلال الفعل، فإن لم تتطرف الواو لم تقلب كالأخوة والأبوة وندر القلب في أفْعُول وأفعولة كأُغْزُوٍّ وأُغْزُوَّة، وقد جاء أُدْعُوَّةَ وأدْعِيَّة (2) ومنه الأُدْحِيّ (3) وكذا في الْفَعُول والفَعُولة، ويجوز أن يكون الألِيَّة بمعنى القسم فَعُولةً وفَعِيلة، وهو واوي (4) ، لقولهم الأَلْوَة بمعناه، وكذا في اسم مفعول
(1) جاث: اسم فاعل من جثا يجثو ويجثى، كدعا وكرمى - ومعناه جلس على ركبتيه أو قام على أطراف أصابعه، والجثى: جمع الجاثى، وأصله جثوو فقلبت الواو المتطرفة ياء، ثم قلبت الواو قبلها ياء أيضا لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، ثم قلبت ضمة الثاء كسرة (2) يقال: بينهم أدعية يتداعون بها - بضم الهمزة وسكون الدال وكسر العين مع تشديد الياء - والادعوة: مثله، هي الاغلوطة، وذلك نحو قول الشاعر: أدعيك ما مستحقبات مع السرى * حسان وما آثارها بحسان أراد السيوف (3) الادحى والادحية - بضم الهمزة أو كسرها مع سكون الدال وكسر الحاء - ويقال: أدحوة، وهى مبيض النعام في الرمل، سميت بذلك لان النعامة تدحو الرمل:
أي تبسطه برجلها ثم تبيض فيه، وليس للنعام عش (6) الالية - بفتح الهمزة وكسر اللام وتشديد الياء -: اليمين، قال الشاعر: على ألية إن كنت أدرى * أينقص حب ليلى أم يزيد (*)
ليس الضمة فيه على الواو، ولا هو من باب فَعِلَ بالكسر، كَمَغْزُو، ويقال: أرض مَسْنُوَّةٍ (1) ومَسْنِيَّة، قال: 148 - * أَنَا اللَّيْثُ مَعْدِيًّا عَلَيْهِ وعاديا (2) * وقد يعل الإعلال الذي لامه همزة، وذلك بعد تخفيف الهمزة، كقولهم.
وقال الاخر: قليل الالالياء حافظ ليمينه * وإن سبقت منه الالية برت والالوة: بمعناه، والذى يتجه عندنا أن الالية فعيلة، وأصلها أليوة، فقلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، ثم أدغمتا، ويبعد عندنا أن تكون فعولة، لانه كان يجب أن يقال: ألوة - كعدوة - والقول بأن الواو قلبت ياء شذوذا لا داعى له ما دام للكلمة محمل صحيح (1) أصل هذه الكلمة من السانية، وهى الدلو العظيمة التى يستقى بها، والسانى الساقى، وتقول: سنا الارض يسنوها، إذا سقاها، وأرض مسنوة ومسنية: اسما مفعول من ذلك.
قال في اللسان: " ولم يعرف سيبويه سنيتها، وأما مسنية عنده فعلى يسنوها، وإنما قلبوا الواو ياء لخفتها وقربها من الطرف " اه (2) هذا عجز بيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثى، وصدره قوله: * وقد علمت عرسي مليكة أننى * والبيت من قصيدة طويلة له يقولها وهو أسير عند تيم الرباب يوم الكلاب، ومطلعها قوله:
ألا لا تلوماني كفى اللوم مابيا * فما لكما في اللوم خير ولا ليا وعرس الرجل - بكسر فسكون - امرأته، ومليكة: اسمها، وهو بضم أوله وفتح ثانيه، والاستشهاد بالبيت في قوله " معديا " حيث جاء به معلا، وهو من عدا يعدو، وكان حقه أن يقول: معدوا، كما تقول دعوته فهو مدعو وغزوته فهو مغزو، ولكنه شبهه بالجمع فأعله، ومنهم من يجعله جاريا على عدى المبنى للمجهول: أي فلما أعل فعله أعل هو حملا عليه كما قالوا: مرضى، لقولهم رضى: بالاعلال.
(*)
مَخْبيٌّ (1) ، والأصل مَخْبُوّ وقد جاء في جمع فَتًى مع كونه يائياً فُتُوٌّ شاذاً (2) ، كما شذ نُحُوٌّ لعدم قلب الواو ياء.
ويجوز لك في فاء مفعول: جمعاً كان، أو غيره، بعد قلب الواو ياء، أن تُتْبعه العينَ، وأن لا تتبعه، نحو عنى وَدُلِيٍّ.
ويجوز لك في عين فُعَّل جمعاً من الأجوف الواوي نحو صُوَّم وقُوَّل قلبُهَا ياء، نحو صُيَّم وَقُيَّل، والتصحيح أولى، وإنما جاز لك لكونه جمعاً، ولقرب الواو من الطرف.
ولا يجوز في حُوَّل حُيَّل (3) لكونه مفرداً، وحكم المصنف قبل هذا بشذوذ قلب واو نحو صُوَّم ياء هذا القلب، وكلام سيبويه يشعر بكونه قياساً، وأما قوله: * فَمَا أَرَّقَ النُّيَّامَ إلَاّ سَلَامُهَا (4) * فشاذ، للبعد من الطرف.
قال: " وَتُقْلَبَانِ هَمْزَةً إذَا وَقَعَتَا طَرَفاً بَعْدَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ نَحْوُ كِسَاءٍ وَرِدَاءٍ بِخِلَافِ رَايٍ وثَايٍ، وَيُعْتَدُّ بِتَاءِ التَّأنِيثِ قِيَاساً نَحْوُ شَقَاوَةٍ وَسِقَايَةٍ، ونَحْوُ صَلَاءَةٍ وعَظَاءَةٍ وَعَبَاءَةٍ شَاذٌّ "
أقول: إنما تقلب الواو والياء المذكورتان ألفاً ثم همزة لما ذكرنا قبل في قلب الواو والياء (ألفاً) لتحركهما وانفتاح ما قبلها، ثم يجتمع الساكنان، فلا يحذف
(1) أصل مخبى مخبوء اسم مفعول من خبأته مهموز اللام، فخففت الهمزة في اسم المفعول بقلبها واوا، ثم أدغمت في واو مفعول فصار مخبوا، ثم أعل شذوذا بقلب الواو ياء: إما حملا له على الجمع، وإما إجراء له عل خبى مخفف خبئ، على نحو ما ذكرناه في معدى (2) انظر (ج 2 ص 257 و 258)(3) الحول - كسكر - الشديد الاحتيال (4)(انظر ص 143 من هذا الجزء)(*)
الأول مع كونه مدة، لئلا يلتبس بناء ببناء، بل يقلب الثاني إلى حرف قابل للحركة مناسب للألف، وهو الهمزة، لكونهما حلقيين، إذ الأول مدة لاحظ لها في الحركة، ولا سبيل إلى قلب الثاني واواً أو ياء، لأنه إنما فُرَّ منهما، ولكون تحرك الواو والياء وانفتاح ما قبلهما سبباً ضعيفاً في قلبهما ألفاً، ولا سيما إذا فصل بينهما وبين حة ألف يمنعه عن التأثير وقوع حرف لازم بعد الواو والياء، لأن قلبهما ألفاً مع ضعف العلة إنما كان لتطرفها، إذ الآخر محل التغيير، وذلك الحرف نحو تاء التأنيث إذا لزمت الكلمة كالنّقاوة (1) والنِّهاية، وألف التثنية إذا كان لازماً كالثِّنَايَان (2) إذ لم يأت ثِناء للواحد، والألف والنون لغير التثنية كغَزوان ورمَايَان على وزن سَلَامان (3) من الغزو والرمي، فإن كانت التاء غير لازمة - وهي التاء الفارقة بين المذكر والمؤنث في الصفات - كَسَقَّاءة وغَزَّاءة لقولهم: سقاء وغزاء، وتاء الوحدة القياسية نحو اسْتِقَاءَةَ واصْطِفَاءَة، أو ألف المثنى غير اللازمة نحو كساءان ورد امان، قلبتا، لكونهما كالمتطرفتين،
وإنما جاز عَظَاءة وعَظَايَة (4)
(1) انظر (ج 1 ص 156)(2) انظر (ص 60 من هذا الجزء)(3) سلامان: وردت هذه الكلمة مضبوطة بضبط القلم في نسخ القاموس بضم السين، وفى اللسان ضبطت بالفتح بضبط القلم أيضا، وصرت ياقوت في المعجم بأنها بفتح السين أو كسرها، والسلامان: شجر، واسم ماء لبنى شيبان، وبطنان: أحدهما في قضاعة، والاخر في الازد (4) العظاءة - بظاء مشالة مفتوحة وبالمد، ويقال فيها عظاية بالياء -: دويبة أكبر من الوزغة، وتسمى شحمة الارض، وهى أنواع كثيرة منها الابيض والاحمر والاصفر والاخضر، وكلها منقطة بالسواد، قال في اللسان: " قال ابن جنى: وأما قولهم عظاءة وعباءة وصلاءة فقد كان ينبغى لما لحقت الهاء آخرا وجرى (*)
[
…
]
الاعراب عليها وقويت الياء بعدها عن الطرف، ألا تهمز، وألا يقال إلا عظاية وعباية وصلاية، فيقتصر على التصحيح دون الاعلال، وألا يجوز فيه الامران، كما اقتصر في نهاية وغباوة وشقاوة وسعاية ورماية على التصحيح دون الاعلال، إلا أن الخليل رحمه الله قد علل ذلك فقال: إنهم إنما بنوا الواحد على الجمع، فلما كانوا يقولون عظاء وعباء وصلاء فيلزمهم إعلال الياء لوقوعها طرفا أدخلوا الهاء وقد انقلبت اللام همزة فبقيت اللام معتلة بعد الهاء كما كانت معتلة قبلها، قال: فان قيل: أو لست تعلم أن الواحد أقدم في الرتبة من الجمع وأن الجمع فرع على الواحد؟ فكيف جاز للاصل وهو عظاءة أن يبنى على الفرع وهو عظاء؟ وهل هذا إلا كما عابه أصحابك على الفراء في قوله: إن الفعل الماضي إنما بنى على الفتح لانه حمل على التثنية، فقيل: ضرب
لقولهم: ضربا، فمن أين جاز للخليل أن يحمل الواحد على الجمع؟ ولم يجز للفراء أن يحمل الواحد على التثنية؟ فالجواب أن الانفصال من هذه الزيادة يكون من وجهين: أحدهما أن بين الواحد من المضارعة ما ليس بين الواحد والتثنية، ألا تراك تقول: قصر وقصور، وقصرا وقصورا، وقصر وقصور، فتعرب الجمع إعراب الواحد، وتجد حرف إعراب الجمع حرف إعراب الواحد، ولست تجد في التثنية شيئا من ذلك، إنما هو قصران أو قصرين، فهذا مذهب غير مذهب قصر وقصور، أو لا ترى إلى الواحد تختلف معانيه كاختلاف معاني الجمع لانه قد يكون جمع أكثر من جمع كما يكون الواحد مخالفا للواحد في أشياء كثيرة، وأنت لا تجد هذا إذا ثنيت، إنما تنتظم التثنية ما في الواحد البتة، وهى لضرب من العدد البتة، لا يكون اثنان اكثر من اثنين كما تكون جماعة أكثر من جماعة، هذا هو الامر الغالب، وإن كانت التثنية قد يراد بها في بعض المواضع أكثر من الاثنين فان ذلك قليل لا يبلغ اختلاف أحوال الجمع في الكثرة والقلة، فلما كانت بين الواحد والجمع هذه النسبة وهذه المقاربة جاز للخليل أن يحمل الواحد على الجمع، ولما بعد الواحد من التثنية في معانيه ومواقعه لم يجز للفراء أن يحمل الواحد على التثنية، كما حمل الخليل الواحد على الجماعة " اه (*)
وعَبَاءة (1) وعَبَاية وصَلَاءَة وَصَلَاية (2) بالهمز والياء - وإن كانت التاء فيها أيضاً للوحدة كما في استقاءة واصطفاءة - لكون تاء الوحدة في المصدر قياسية كثيرة، فعروضها ظاهر، بخلاف اسم العين، فإن ما يكون الفرق بين مفرده وجنسه بالتاء (منه) سماعي قليل: من المخلوقات كان أو من غيرها، كَتَمْرَة وتُفَّاحة وسَفِينة ولَبِنة، فجاز الهمزة في الاسماء الثلاثة نظر إلى عدم لزوم التاء، إذ يقال: عَبَاء، وعَظاء، وصَلاء، في الجنس، وجاز الياء لأن الأصل لزوم التاء، إذ
ليست قياسية كما قلنا، فصارت كتاء النَّقَاوة والنِّهاية، ولكون تاء الوحدة في اسم العين كاللازمة جاز قَلَنْسُوَة (3) وعَرْقُوَة، (4) ، وإن كان اسم الجنس منهما قَلَنْسِياً وَعَرْقِياً، وليس شَقَاوَة وشَقَاء كَعَظَاية وعَظَاء، إذ ليس شقاوة للواحد وشقاء للجنس، بل كل منهما للجنس، وقياس الوحدة الشَّقْوّة، فليس أصل شَقَاوة شقاء ثم زيدت التاء، فلهذا ألزمته الواو دون عباءة وعباية نحو غَبَاوَة، وإنما منع وقوعُ حرف لازم عن القلب في باب شقاوة وخزاية (5) وباب قمحدوة (6) ولم يمنع في باب غَزِيان وغَزِية فَعِلان وَفَعِلَة - بكسر العين - وإن جعلنا الألف والتاء فيه لازمين أيضاً، لقوة علة القلب في الأخير دون الأولين، ولذلك قلبت الواو مع فصل حرف صحيح بين الكسرة وبينها في نحو دِنْيَا.
قوله " بعد ألف زائدة " لأنها تكون إذن كالعدم، فيكون الواو والياء
(1) العباءة والعباية: ضرب من الاكسية واسع فيه خطوط سود كبار (2) الصلاية الصلاءة: مدق الطيب، انظر (ح 2 ص 130) (3) القلنسوة: من لباس الرأس (انظر ج 2 ص 377)(4) العرقوة: خشبة في فم الدلو يمسك منها (5) الخزاية: الاستحياء (6) انظر (ج 2 ص 46)(*)
المتحركتان كأنهما وقعتا بعد فتحة، وأما رَاي (1) وثَاي (2) فالألف - لانقلابها عن حرف أصلي - معتد بها قوله " ونحو عَظَاءة وصَلاءة وعَباءة شاذ " قد ذكرنا ما يُخْرِجها عن الشذوذ، ولو اتفق غير هذه الثلاثة في مثل حالها من غير المصادر المزيد فيها لجاز فيه أيضاً الوجهان قياساً، والهمزة في نحو عِلْبَاء (3) وَحِرْبَاء (4) من الملحقات أصلها الألف
المنقلبة عن الياء الزائدة للإلحاق، بدليل تأنيثهم لمثلها كَدِرْحَايَة (5) وَدِعْكَاية (6) والتاء لازمة كما في خَزَاية، فلذا لم تقلب الياء، بخلاف حرباءة (4) قال:" وَتُقْلَبُ الْيَاءُ وَاواً فِي فَعْلَى اسْماً كتقوى ويقوى، بِخِلَافِ الصِّفَةِ، نَحْوُ صَدْيَا وَرَيَّا، وَتُقْلَبُ الْوَاوُ فِي فُعْلَى اسْماً كالدُّنْيَا وَالْعُلْيَا، وَشَذ نَحْوُ الْقُصْوَى وحُرْوَى، بِخِلَافِ الصِّفَةِ كالْغُزْوَى، وَلَمْ يُفْرَقْ فِي فَعْلَى مِنَ الْوَاوِ نَحْوُ دَعْوَى وَشَهْوَى، وَلَا فِي فُعْلَى مِنَ الْيَاء نَحْوُ الْفُتْيَا وَالْقُضَيَا " أقول: الناقص إن كان على فَعْلَى - بفتح الفاء -: فإما أن يكون واوياً، أو يائياً، والواوي لا تقلب واوه ياء، لا في الاسم كالدَّعْوَى والْفَتْوَى، ولا في الصفة نحو شَهْوَى مؤنث شَهْوَان، لاعتدال أول الكلمة وآخرها بالفتحة والواو، فلو قلبت ياء لصار طرفا الكلمة خفيفين، وأما اليائي منه فقصد فيه التعديل أولاً
(1) الراى: اسم جنس جمعى واحده راية، وفى بعض النسخ " زاى " وهى صحيحة أيضا (2) الثاى: اسم جنس جمعى واحده ثاية، وهى علم صغير (انظر ص 118 من هذا الجزء) (3) العلباء: عصب عنق البعير (انظر ح 2 ص 55)(4) الحرباء: ذكر أم حبين (انظر ج 2 ص 55)(5) الدرحاية: الرجل الكثير اللحم القصير (انظر ج 2 ص 43)(6) الدعكاية: الرجل الكثير اللحم طال أو قصر (*)
فعدّل الاسم الذي هو أسبق من الصفة بقلب يائه واواً، فلما وُصل إلى الصفة خلّيت بلا قلب، للفرق قوله " البَقْوى " من الإبقاء، وهو الرحمة والرعاية، ولا استدلال في رَيَّا،
لجواز أن يكون قلب واوه ياء لاجتماع الواو والياء وسكون أسبقهما (1) وإذا كان الناقص على فُعْلَى - بضم الفاء - فلا يخلو: إما أن يكون واوياً، أو يائياً، وكل واحد منهما إما اسم، أو صفة، فالثاني لا تقلب لامه: اسماً كان أو صفة، لحصول الاعتدال في الكلمة بثقل الضمة في أولها وخفة الياء في آخرها، فلو قلبت واواً لكان طرفا الكلمة ثقيلين، وأما الواوي فحصل فيه نوع ثقل بكون الضمة في أول الكلمة والواو قرب الآخر، فقُصِد فيه مع التخفيف الفرقُ بين الاسم والصفة، فقلبت الواو ياء في الاسم، دون الصفة، لكون الاسم أسبق من الصفة فعدّل بقلب واوه ياء، فلما صل إلى الصفة خلّيت، لأجل الفرق بينهما.
وذكر سيبويه من فُعْلَى الاسمية الدُّنْيا والْعُلْيَا والْقُصْيَا، وإن كانت تأنيث الأدنى والأعلى والأقصى أفعل التفضيل، إذ الفُعْلى الذي هو مؤنث الأفعل حكمه عند سيبويه حكم الأسماء، لأنها لا تكون وصفاً بغير الألف واللام، فأجريت مجرى الأسماء التي لا تكون وصفاً (بغير الألف واللام) ، كما تقدم في هذا الباب، فعلى هذا في جعل المصنف الْقُصْوَى اسماً والْغُزْوى (والْقُضْيَا تأنيثي الأغزى والأقضى صفةً نظرٌ، لأن القصوى (أيضاً) تأنيث الأقصى، قال سيبويه: وقد قالوا الْقُصْوَى فلم يقلبوا واوها ياء، لأنها قد تكون صفة بالألف واللام، فعلى مذهب
(1) نقول: بل يستدل بريا على أن لام الصفة التى على فعلى - بالفتح - إن كانت ياء لم تقلب واوا، للفرق بين الاسم والصفة، وذلك لان أصله رويا، بزنة عطشى ولو قلبت لقيل روى - بتشديد الواو - ولما لم تقلب اللام واوا قلبت العين التى هي واو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، فهذا القلب لم يحصل إلا لانهم لم يقلبوا الياء التى هي لام واوا، ولو قلبوها لما وجد المقتضى لقلب الواو ياء (*)
سيبويه الْغُزْوى وكل مؤنث لأفعل التفضيل لامه واو قياسه الياء، لجريه مجرى
الأسماء، قال السيرافي: لم أجد سيبويه ذكر صفة على فُعْلَى بالضم مما لامه واو إلا ما يستعمل بالألف واللام، نحو الدّنْيَا والْعُلْيَا، وما أشبه ذلك، وهذه عند سيبويه كالأسماء، قال: وإنما أراد أن فُعْلَى من ذوات الواو إذا كانت صفة تكون على أصلها، وإن كان لا يحفظ من كلامهم شئ من ذلك على فُعْلَى، لأن القياس حمل الشئ على أصله حتى يتبين أنه خارج عن أصله شاذ عن بابه، وحُزْوَى: اسم موضع وأما فِعْلَى بكسر الفاء من الناقص فلا تقلب واوه ياء، ولا ياؤه واواً، سواء كان اسماً أو صفة، لا ن الكسرة ليست في ثقل الضمة، ولا في خفة الفتحة، بل هي تتوسط بينهما، فيحصل لها اعتدال مع الياء ومع الواو، والأصل في قلب ياء فعلى - بالفتح - وواو فُعْلَى - بالضم - إنما كان طلب الاعتدال، لا الفرق بين الوصف والاسم، ألا ترى إلى عدم الفرق بينهما في فَعْلَى الواوي المفتوح فاؤه وفُعْلَى اليائي المضموم فاؤه لما كان الاعتدال فيهما حاصلاً؟ وأما أمثلة فعلى الواوى بسكر الفاء اسماً وصفة واليائي كذلك فعزيزة قال:" وَتُقْلَبُ الْيَاءُ إذَا وَقَعَتْ بَعْدَ هَمْزَةٍ بَعْدَ أَلفٍ فِي بَابِ مَسَاجِدِ وَلَيْسَ مُفْرَدُهَا كَذَلِكَ ألِفاً، وَالْهَمْزَةُ يَاءً، نَحْوُ مَطَايَا وَرَكَايَا، وخطايا على القولين، وصلا يا جمع المهموز وغيره، وشوا يا جَمْعِ شَاوِيَةٍ، بِخِلَافِ شَوَاءٍ جَمْعِ شَائِيَةٍ مِنْ شَأَوْتُ، وَبِخِلَافِ شَوَاءٍ وَجَوَاءٍ جَمْعَيْ شَائِيَةٍ وَجَائِيَةٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيهِمَا، وَقَدْ جَاءَ أَدَاوَى وَعَلَاوَى وَهَرَاوَى مُرَاعَاةً لِلْمُفْرَدِ " أقول: قد مر في باب تخفيف الهمزة شرح جميع هذا (1) ، فلنشرح ههنا ألفاظ المصنف
(1) انظر (ص 59 - 62 من هذا الجزء)(*)
قول " في باب مساجد " أي: في باب الجمع الأقصى الذي بعد ألفه حرفان قوله " وليس مفردها كذلك " أي: ليس بعد ألف مفرده همزة بعدها ياء، احتراز عن نحو شَائِيَةٍ وَشَوَاءٍ من شَأَوْتُ أو شِئْتُ، وإنما شرط في قلب همزة الجمع ياءً ويائه ألفاً أن لا يكون المفرد كذلك، إذ لو كان كذلك لترك في الجمع بلا قلب، ليطابق الجمع مفرده، ألا ترى إلى قولهم في جمع حُبْلَى: حَبَالَى، وفي جمع إدَاوَة: أدَاوَى (1)، وفي جمع شائيه: شَوَاءٍ، تطبيقاً للجمع بالمفرد؟ وسيبويه لا يشترط في القلب المذكور أن لا يكون المفرد كذلك، بل يشترط فيه كون الهمزة في الجمع عارضة، فقال بناء على هذا: إن من ذهب مذهب الخليل في قلب الهمزة في هذا الباب كما في شَوَاعٍ (2) ينبغي أن يقول في فعاعل من جَاءَ وساء جَيَاءٍ وَسَواءٍ جمعى جئ وسئ كَسَيِّد، لأن الهمزة على مذهب الخليل هي التي في الواحد، وليست عارضة وإنما جعلت العين التي أصلها الواو والياء طرفاً، هذا كلامه، ومن لم يذهب مذهب الخليل من قلب الهمزة إلى موضع اللام يقول: جَيَايَا وَسَوَايَا فإن قيل: يلزم سيبويه أن يقول في جمع شائية من شئت: شوايا، لأن الهمزة في الجمع عارضة عنده، كما هي عارضة في المفرد قلنا: إنه أراد بعروضها في الجمع أنها لم تكن في المفرد همزة، وهمزة شَوَاءٍ من شئت كانت في المفرد أيضاً همزة، فلم تكن عارضة في الجمع بهذا التأويل ويلزم الخليل أن يقول في جمع خطيئة: خَطَاءٍ، بناء على شرط سيبويه، إذ الهمزة على مذهب الخليل غير عارضة في الجمع، ولم يقل به أحد، فظهر أن الأولى أن يقال: الشرط أن لا يكون المفرد كذلك، حتى يطرد على مذهب الخليل
(1) أنظر (ج 1 ص 31)(2) أنظر (ج 1 ص 22)(*)
وغيره، فلا يقال: خَطَاءٍ وَجَيَاءٍ وَسَوَاءٍ، على شئ من المذاهب، لأن آحادها ليست كذلك قوله " مطايا وركايا " جمع مطيَّة (1) وركيَّة فَعِيلة من الناقص، وهما مثالان لشئ واحد، وأما خطايا فهو جمع خطيئة فعيلة من مهموز اللام، ففي مَطَايا كان بعد الألف همزة بعدها ياء، لأن ياء فَعِيلة في الجمع الأقصى همزة، وكذا في خَطَايا على المذهبين: أما على مذهب سيبويه فلأنك تقلب ياء فعيلة في الجمع همزة، فيجتمع همزتان متحركتان أولاهما مكسورة، فتقلب الثانية ياء وجوباً، وأما على مذهب الخليل فلأن أصله خطايئ بياء بعدها همزة، ثم قلبت الهمزة إلى موضع الياء، فقوله خطايا " على القولين " أي: غلى قولي الخليل وسيبويه، فتقلب على المذهبين الهمزة ياء، والياء ألفاً، لأن واحده: أي خطيئة، لم يكن فيه ألف بعده همزة بعدها ياء، حتى يطابق به الجمع قوله " وصَلَايا جمع المهموز وغيره " أي: صلاية وصلاءة، لأن جمع فعالة فَعَائل بالهمز (3) كَحَمَائل، فيصير جمع صلاءة بهمزتين كجمع خطيئة عند غير الخليل، فتقلب الثانية ياء مثلها، وجمع صلاية صلائي بهمزة بعدها ياء قوله " فيهما " أي: في شَوَاءٍ جمع شائية من شِئْتُ مشيئةً، وفي جَوَاء جمع جائية من جئت مجيئاً، وكلاهما من باب واحد، إذ هما أجوفان
(1) المطية: الدابة، سميت بذلك لانها تمطو في سيرها، أو لان الراكب يعلو مطاها، وهو ظهرها، فعلى الاول هي فعيلة بمعنى فاعلة، وعلى الثاني هي فعيلة بمعنى مفعولة، وأصلها على الوجهين مطيوة، قلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء وسبق إحداهما بالسكون، ثم أدغمتا (2) الركية: البئر، فعيلة بمعنى مفعولة من ركاها يركوها، أي: حفرها
(3)
الحمائل: جمع حمالة - بزنة سحابة - وهى الدية، سميت بذلك لان أقارب القاتل يتحملونها (*)
مهموز اللام، فلم يحتج إلى قوله " فيهما " وليس القولان في شَوَاءِ جمع شائية من شأوت، إذ لا قلب فيه عند الخليل، لأنه إنما يقلب خوفاً من اجتماع الهمزتين قوله " وقد جاء أدَاوَى " كل ما كان في واحده ألف ثالثة بعدها واو وجمعته الجمع الأقصى قلبت ألفه همزة، كما تقلب في جمع رسالة، وقلبت الواو ياء، ثم قلبت الهمزة واواً، تطبيقاً للجمع بالمفرد، وقد قالوا: هداوى في جمع هَدِيَّة، قلبوا الهمزة واواً لوقوعها بين الألفين كما في حَمْرَاوَان، وهو عند الأخفش قياسي، وعند غيره شاذ قال:" وَتُسَكَّنَأن فِي بَابِ يَغُزُو وَيَرْمِي مَرْفُوعَيْنِ، وَالْغَازِي والرَّامِي مَرْفُوعاً وَمَجْرُوراً، وَالتَّحْرِيكُ فِي الرَّفْعِ وَالْجَرِّ فِي الْيَاءِ شَاذٌّ، كالسُّكُونِ فِي النَّصْبِ وَالإِثْبَاتِ فِيهِمَا وَفِي الأَلِفِ فِي الْجَزْمِ " أقول: إنما سكن الواو في نحو يغزو، وهذا مختص بالفعل، لا يكون في الاسم، كما ذكرنا، لاستثقال الواو المضمومة بعد الضمة، إذ يجتمع الثقلاء في آخر الفعل مع ثقله، فخفف الأخير، وهو الضمة، لأن الحركة بعد الحرف، وكذا تسكن الياء المضمومة بعد الكسرة، وهذا أقل ثقلاً من الأول، ويكون في الاسم والفعل، نحو هو يَرْمي، وجاء الرَّامِي، وإنما ذكر الغازي والرامي ليبين أن الياء التي أصلها الواو كالأصلية، وكذا تسكن الياء المكسورة بعد الكسرة، لاجتماع الأمثال، كما في الواو المضمومة بعد الضمة، والأول أثقل، وهذا يكون في الاسم نحو بالرَّامي، وفي الفعل كارِمي، وأصله أرميى قوله:" والتحريك في الرفع في الياء شاذ " أما الرفع فكقول الشاعر:
149 -
* مَوَالِيٌ كَكِبَاشِ الْعُوسِ سحاح (1) *
(1) هذا عجز بيت من البسيط لجرير بن عطية، وصدره قوله: * قد كان يذهب بالدنيا وبهجتها * (*)
وقوم من العرب يجرون الواو والياء مجرى الصحيح في الاختيار، فيحركون ياء الرامي رفعاً وجراً، وياء يرمي رفعاً، وكذا واو يغزو رفعاً، قال: 150 - * كَجَوَاريٍ يَلْعَبْنَ بالصَّحْرَاءِ * (1) قوله " كالسكون في النصب " أما في الواو فكقوله: 151 - فَمَا سَوَّدَتْنِي عَامِرٌ عَنْ وِرَاثَةٍ * أبى الله أن أسمو بأم وَلَا أَبِ (2) وأما في الياء فكقوله: فَلَوْ أنَّ وَاشٍ بِالْيَمَامَةِ داره * وداري بأعلى حضرموت اهتدى ليا (3)
وقوله " كاد " يروى في مكانه " كان " وقوله: " وبهجتها " يروى في مكانه " ولذتها " والموالي: جمع مولى، وله معان كثيرة منها السيد - وهو المراد هنا - والعبد وابن العم والناصر.
والكباش: جمع كبش، والعوس: اسم مكان أو قبيلة، وسحاح: جمع ساح، وهو السمين، تقول: سحت الشاء تسح - بالكسر - سحوحا: أي سمنت.
والاستشهاد بالبيت في قوله " موالى " حيث حرك الياء بالضم شذوذا (1) هذا عجز بيت من الكامل لم نعرف قائله، وصدره قوله: * ما إن رأيت ولا أرى في مدتي * ومعنى مفرداته واضح.
والاستشهاد به في قوله " كجواري " حيث حرك
الياء بالكسر شذوذا (2) هذا بيت من الطويل لعامر بن الطفيل الجعدى، وسودتنى جعلتني سيدا، وعامر قبيلة.
والاستشهاد به في قوله: " أن أسمو " حيث سكن الواو في حال النصب وذلك شاذ (3) قد سبق شرح هذا البيت فارجع إليه في (ح 1 ص 177) .
والاستشهاد به هنا في قوله " واش " حيث حذف الياء في حالة النصب كما تحذف في حالة (*)
وقوله: 152 - كَأَنَّ أَيْدِيهِنَّ بِالْقَاعِ الْقَرِقْ * أَيْدِي جَوَارٍ يَتَعَاطَيْنَ الْوَرِقْ (1) قوله " والإثبات فيهما " أما في الواو فكقوله: 153 - هَجَوْتَ زَبَّانَ ثُمَّ جِئْتَ مُعْتَذِراً * من هجو زبان لم تَهْجُو وَلَمْ تَدَعِ (2) وأما في الياء فكقوله: 154 - أَلَمْ يَأتِيكَ وَالأَنْبَاءُ تنمي * بما لاقت لبون بني زياد (3)
الرفع والجر، ونريد أن ننبهك هنا على أن ابن قتيبة قد روى هذا البيت في الشعراء (ص 314) .
وكذلك أبو الفرج الاصفهانى في الاغانى (ح 2 ص 69 دار الكتب) * فلو كان واش باليمامة داره * فلا شاهد في البيت على هذه الرواية (1) نسب ابن رشيق هذا الشاهد إلى رؤبة بن العجاج، والضمير في
" أيديهن " يرجع إلى الابل، والقاع: المكان المستوى، والقرق - ككتف -: الاملس، ويقال: هو الخشن الذى فيه الحصى.
ويتعاطين: يناول بعضهن بعضا والورق: الفضة، والمراد الدراهم، والاستشهاد بالبيت في قوله " كأن أيديهن " حيث سكن الياء في حال النصب كما تسكن في حال الرفع، وهو شاذ (2) ينسب هذا البيت لابي عمرو بن العلاء، واسمه زبان، ويروى على هذا " هجوت " و " لم تهجو " بالخطاب، ومن الناس من ينسبه لشاعر كان يهجو أبا عمرو بن العلاء، ويرويه " هجوت " و " لم أهجو ولم أدع ".
والاستشهاد بالبيت في قوله " لم أهجو " حيث أثبت الواو ساكنة مع الجازم وذلك شاذ (3) هذا البيت مطلع قصيدة لقيس بن زهير العبسى، والانباء: جمع نبأ (*)
فتقدر لأجل الضرورة الضمةُ في الواو والياء ليحذفها الجازم، لأن الجازم لابد له من عمل، وتقديرها في الياء أكثر وأولى، لان الضمة على الواو أثقل منها على الياء.
قوله " وفي الألف في الجزم " أي: إثبات الألف في الجزم كإثبات الواو والياء في الجزم كقوله: 155 - * وَلَا تَرَضَّاهَا وَلَا تَمَلَّقِ (1) * وتقدير الضم في الألف أبعد، لأنها لا تحتمل الحركة قال:" وَتُحْذَفَانِ فِي نَحْوِ يَغْزُونَ وَيَرْمُونَ وَاغْزُنَّ وَاغْزِنَّ وَارْمُنَّ وَارْمِنَّ " أقول: أصل يَغْزُونَ يغزو، لحقه واو الجمع، فحذف الواو الأولى للساكنين وأصل يَرْمُونَ يرمي، لحقه واو الجمع فحذف الياء للساكنين، ثم ضمت الميم لتسلم الواو، إذ هي كلمة تامة لا تتغير، أصل اغْزُنَّ اغزوا، لحقه النون المشدَّدة، فسقطت الواو للساكنين، وكذا اغْزِنَّ وارمن، لان الاصل
وهو الخبر وزنا ومعنى، ويقال: النبأ خاص بما كان ذا شأن والخبر عام، وتنمى تزيد وتكثر، والباء في بما لاقت يقال: هي زائدة، و " ما " فاعلي يأتي، ويقال هي أصلية متعلقة بتنمى وفاعل " يأتي " على هذا ضمير مستتر عائد على مفهوم من المقام: أي ألم يأتيك هو: أي الخبر، واللبون: الناقة ذات اللبن.
والاستشهاد بالبيت في قوله " ألم يأتيك " حيث أثبت الياء ساكنة مع الجازم الذى يقتضى حذفها، وهو شاذ (1) هذا بيت من مشطور الرجز، ينسب لرؤبة، وقبله: * إذَا العَجُوزُ غَضِبَتْ فَطَلِّق * وترضاها: أصله تترضاها فحذف إحدى التاءين.
والاستشهاد به في هذا اللفظ حيث أثبت الالف مع لا الناهية الجازمة التى تقتضي حذف حرف العلة، وذلك شاذ (*)
ارمو وارْمِي، ولا تقول: إن الأصل ارْمِيُوا وارْمِيي، لأن الفاعل يدخل على الفعل بعد إعلاله، كما تقدم.
قال: " وَنَحْوُ يَدٍ وَدَمٍ وَاسْمٍ وَابْنٍ وَأَخٍ وأخْتٍ لَيْسَ بِقِيَاسٍ " أقول: يعني حذف اللام في هذه الأسماء ليس لعلة قياسية، بل لمجرد التخفيف، فلهذا دار الإعراب على آخر ما بقي، وأما أخت فليس بمحذوف اللام، بل التاء بدل من لامه هذا آخر باب الإعلال، ولنضف إليه ما يليق به، فنقول: إذا اجتمع ياءان، فإن لم تكن الأخيرة لاماً، فإن سكنت الأولى أدغمت كَبَيِّع وَبَيَّاع، وإن سكنت الثانية أو تحركتا فحكم كل واحدة منهما حكمُها مفردة كَبُيَيْت، وكما إذا بنيت من يَيْنٍ مثلَ باع قلت: يَانَ، وإن بنيت مثلَ
هَيَام (1) قلت: يَيَانٍ وإن كانت الأخيرة لاماً، فإن سكنت أولاهما أدغمت في الثانية كحيّ، وإن سكنت الأخيرة سلمتا كحييت، وإن تحركتا: فإن جاز قلب الثانية ألفاً قلبت نحو حَيَاة، وإن لم يجز: فإما أن تلزمَ حركةُ الثانية، أولا، فإن لزمت فإن لم يجز إدغام الأولى في الثانية فالأولى قلب الثانية واواً كما في حَيَوان، وإنما لم يجز الإدغام لأن فَعَلان من المضاعف نحو ردَدَان لا يدغم، كما يجئ في باب الإدغام، وإنما لم يجز قلب الثانية ألفا لعدم مُوازنة الفِعْل كما مر، وإنما قلبت واواً لاستثقال اجتماع الياءين المتحركتين وامتناع تغيير ذلك الاستثقال بالوجه الأخف من الإدغام أو قلب الثاني ألفاً، وإنما قلبت الثانية دون الأولى لأن استثقال الاجتماع بها حصل، وإنما جاز قلب اللام واواً مع أن الأخير ينبغي أن يكون حرفا خفيفا
(1) الهيام - كسحاب وغراب -: ما لا يتماسك من الرمل، فهو ينهار أبدا، وكغراب: شدة العشق، وداء يصيب الابل من ماء تشربه مستنقعا (*)
لأن لزوم الألف والنون جعلها متوسطة، كما قالوا في عُنْفُوَان (1) وعُنْصُوَة (2) كما مر، وقال سيبويه: القياس حَيَيَان، فلم يَقْلِب الثانية، وحيَوَان عنده شاذ، وكذا قال في فَعَلان من الْقُوّة قَوَوَان، كما يجئ، وكذا تقول: حَيَوى كَجَفَلَى (3) وقياس سيبويه حَيَيى، وكذا تقول على وزن السُبعان من حَيَّ حَيُوَان، وإنما لم تدغم كما أدغمت في رَدُدَان فقلت: رَدَّان على ما يجئ في باب الإدغام، لأن الإعلال قبل الإدغام، وقياس سيبويه حيَّانٌ - بالإدغام - لأنه لا يقلب في مثله، وإن جاز الإدغام فلك الإدغام وتركه كَحِييَ وَحَيَّ وَحَيِيَان - بالكسر - وَحَيّان، والإدغام أكثر كما مر (4) ، إذ هو أخف، وإن لم تلزم حركة الثاني نحو لَنْ يُحْيِيَ وجب تصحيحهما مُظْهَرَيْن، وإخفاء كسرة الأولى أَوْلَى
وإن اجتمع ثلاث ياءات: فإما أن تكون الاخيرة لاما، أولا فإن كانت لاماً: فإما أن تكون الأولى مدغمة في الثانية، أو الثانية في الثالثة، أو لا يكون شئ منهما مدغما في شئ فإن كانت الأولى مدغمة في الثانية: فإما أن يكون ذلك في الفعل أو الجاري
(1) عنفوان الشئ: أوله أنظر (ح 1 ص 251)(2) العنصوة - مثلثة العين -: القليل المتفرق من النبت والشعر وغيرهما، أنظر (ص 101 من هذا الجزء)(3) في بعض المطبوعات " كتملى " بالتاء المثناة، وبعضها " كثملى " بالمثلثة وكلاهما خطأ، والصواب ما أثبتناه، والجفلى: الدعوة العامة، ويقابلها " النقرى " قال طرفة: نحن في المشتاة ندعو الجفلى * لا ترى الادب فينا ينتقر يقال: دعى فلان في النقرى لا في الجفلى، أي دعى في الدعوة الخاصة لا في الدعوة العامة.
(4)
أنظر (ص 114 من هذا الجزء)(*)
عليه، أولاً، فإن كان في أحدهما جعلت الثانية كأنها لم تسبقها ياء، نحو حَيَّا وحيَّيْت وَيُحَيِّي، وَالْمُحَيِّي، وَالْمُحَيَّي.
هو مثل عَزَّى، يعزى، المعزى، الْمُعَزِّي، وإنما لم تحذف الثالثة المكسور ما قبلها في الفعل نَسياً نحو يُحَيِّي مع استثقال ذلك كما حذفت في مُعَيِّية إبقاء على حركة العين في الفعل، إذ بها تختلف أوزان الفِعْل، ووزن الفعل تجب مراعاته، كما مرّ في تعليل امتناع قلب واو نحو يَدْعُو ياء، ثم أُجرى الجاري على الفعل كالْمُحَيِّي مُجْرَى الفعل في ترك
حذف الياءِ الثالثة نَسْياً، وإن لم يكن ذلك في الفعل ولا في الجاري عليه فإن جاز قلب الثالثة ألفاً - وذلك إذا كانت المشددة مفتوحة والأخيرة طرفاً - قلبت، كما في إيَّاة على وزن إوَزَّة من أوَيْتُ، والأصل إئْوَيَةٌ، ثم إيوَية، ثم إيية، وإن لم يجز ذلك، وهو لأمرين: أحدهما أن تتوسط الأخيرة مع انفتاح المشددة لمجئ حرف موضوع على اللزوم في كل موضع، كالألف والنون التي لغير المثنى، فإذا كان كذا قلبت الثالثة واواً كما تقول إذا بنيت على فَيْعَلَان من حَيِي: حَيَّوَان، لأنه أثقل من حَيَوَان مخففاً، وعند سيبويه حَيَّيَان كما مر، وثانيهما أن تنضم المشددة أو تنكسر، فإذا كان كذا كُسِرَت المضمومة وحذفت الثالثة نسياً، لاستثقال الياءات في الطرف مع انكسار المشددة منها نحو مُعَيَّة، والأصل مُعَيِّية، ونحو حَنَيٍّ على وزن كَنَهْبُل (1) من حَيِيَ، والأصل حَنَيُّيٌ ثم حَنَيِّيٌ، وكذا تحذف الأخيرة نَسْياً وإن جاء بعدها حرف لازم، كما تقول في تصغير أشْوَيَان: على وزن أنْبَجَانٍ (2) من الشتى أشيويان، ثم أشييان، ثم أُشَيَّان، وخالف أبو عمرو فيما وازن الفعل، وأوله زيادة كزيادته، فلم يحذف
(1) الكنهبل: شجر من أشجار البادية، انظر (ح 2 ص 359) (2) يقال: عجين أنبجان - بفتح الباء - إذا كان منتفخا، ولا نظير له في هذا الوزن إلا يوم أرونان، وهو الشديد.
انظر (ح 2 ص 397)(*)
الثالثة نَسْياً، فقال أحَيٍّ في نصغيرا أحْوَى كما مر في التصغير (1) .
وإن كانت الثانية مدغمة في الثالثة: فإن كان ما قبل الاولى ساكنا لم يغير شئ منها نحو ظَبْيِيٍّ وَقَرَأْيِيٍّ في النسب، وَرِمْيِيٍّ على وزن بِرْطِيلِ (2) من الرَّمْي، وإن كان ما قبل الأولى متحركاً: فإن كانت الأولى ثانية الكلمة سلمت الياءات، نحو حِيَيِّ كهِجَفٍّ (3) وَحُيِيّ كقُمُدٍّ، (4) والأصل حُيُيٌّ
- بضم العين - وَحَيِيٍّ من الحياء، لخفة الكلمة، وإن كانت ثالثتها جعلت واو، سواء كان ما قبلها مفتوحاً، كما إذا بنيت من الرمي مثل حَمَصِيصَة، (5) تقول: رَموِيَّة، مثل رَحَوِيَّة في النسب، ولم تقلب الياء الأولى ألفاً، أمَّا في النسب فلعروض الحركة، وأما في غير النسب فلعدم موازنته للفعل، وكما إذا بنيت من الرمي على وزن حَلَكُوك (6) قلت رَمَوِيّ، والأصل رَمَيُوي ثم رَمَيِيّ، ثم رَمَوِيّ، أو كان ما قبلها مكسوراً نحو عَمَوِيّ فإنك تفتح الكسر لتسلم الواو، وإنما قلبت إحدى الياءات في هذه الأمثلة لاستثقال الياءات، وإنما لم تقلب الأخيرة كما في حَيَوان وإن كان التغيير بالأخير أولى لقوتها بالتشديد، ولهذا لم تحذف الثالثة (نسياً) كما حذفت معيية، والحذف والقلب قبل ياء النسب أبعد لكونها علامة، وإن كانت الأولى رابعة الكلمة: فإن كانت قبل ياء النسب حذفت، على الأصح، كما في قَاضِيٍّ، لاجتماع الياءات مع تثاقل الكلمة وكون
(1) أنظر (ح 1 ص 232، 233)(2) البرطيل - كقنديل -: الرشوة، وحجر طويل صلب ينقر به الرحى، والمعول أيضا (3) الهجف: الظليم المسن، والجائع أيضا، انظر (ح 1 ص 28) (4) القمد - كعتل -: الطويل، والشديد أيضا، انظر (ح 1 ص 53) (5) الحمصيصة: بقلة رملية حامضة، انظر (ح 1 ص 272) (6) الحلكوك - كقربوس -: الشديد السواد (*)
الأولى آخر الكلمة، إذ ياء النسب عارضة، ويجوز قَاضَوِي، كما مر في النسب (1) ، وإن لم تكن قبل ياء النسب لم تحذف، لأنها ليست آخر الكلمة، بل تقلب واواً، كما قلبت وهي ثالثة الكلمة، تقول على وزن خَيْتَعُور (2) من الرمي:
رَيْمَويّ، والأصل رَيْمَيُوي، قلبت الواو ياء، وأدغمتها في الأخيرة، ثم كسرت الضمة، وقلبت الياء واواً، وكذا إذا بنيت مثل خَنْفِقَيق (3) من بكى قلت: بَنْكَوِيّ وإن لم يكن شئ منهما مدغما في شئ، فإن كانت الثالثة تستحق قلبها ألفاً قلبت، كما إذا بنى من حَيِيَ مثل احْمَرَّ، قلبتها ألفاً نحو احْيَيَى، ثم إن أدغمت كما في اقْتَتَلَ قلت: حَيّى، وإن لم تدغم قلبت الثانية واوا، نحو احْيَوَى، كما في حَيَوَان، وإن لم تستحق كما إذا بنى من حيى مثل هدبد (4) وجندل (5) جاز لك حذف الثالة نَسْياً، لكون الثقل أكثر مما في مُعَيِّية فتقول: حُياً وَحَياً، بقلب الثانية ألفاً لتحركها طرفاً وانفتاح ما قبلها، وجاز لك قلب الثانية واواً كما في حَيَوان، فتسلم الثالثة (6) لزوال اجتماع الياءات، فيصير حيويا
انظر (ح 2 ص 44، 45)(2) الخيتعور: السراب، وكل ما لا يدوم على حالة، والمرأة السيئة الخلق، والدنيا، والداهية (3) الخنفقيق: الداهية، والسريعة جدا من النوق والظلمان (4) الهدبد: اللبن الخائر، وانظر (ح 1 ص 49) (5) الجندل: موضع فيه الحجارة، انظر (ح 1 ص 51) (6) المراد بالسلامة ههنا: ما يقابل الحذف نسيا والادغام والقلب واوا، فشمل الاعلال كاعلال قاض، ألا ترى أنه قال: فيصير حيويا: أي في حالة النصب، وكذا تقول: الحيوى، كما تقول القاضى، فان جاء مرفوعا أو مجرورا منونا قلت: حيو، بحذف الياء الثالثة (*)
وَحَيَوياً، وكما إذا بنيت من قضى مثل جَحْمَرِش (1) قلت: قَضْياً بحذف
الأخيرة نسياً، وقلب الثانية ألفاً، وقَضْيَوٍ، بقلب (2) الثانية واواً، وإنما لم تقلب الثالثة واواً لأن آخر الكلمة بالتخفيف أولى، وأيضاً لو قلبتها إياها لبقي اجتماع الياءين الأوليين بحاله، وأما الأولى فلم تقلب، لأن الثقل إنما حصل من الثانية والثالثة، ولم تقلب الأولى في حَيَيٍ كَجَندَل، لأنها لم يقلب مثلها ألفاً في الفعل نحو حَيِيَ كما مر فكيف تقلب في اسم لم يوازن الفعل وإن لم تكن الياء الأخيرة لاماً بقيت الياءات على حالها بلا قلب، ولا حذف، كما تقول في تصغير أُسْوَار (3) أُسَيِّير وإن اجتمع أربع ياءات كما إذا بنى من حَيِيَ على وزن جَحْمَرِش قلت: حَيَّيِيٌ، أدغمت الأولى في الثانية فيصيران كياء واحدة وقلبت الثالثة واواً كما قلنا في المبنى على وزن جَنَدِل، فتسلم الرابعة نحو حَيَّوٍ، ويجوز لك حذف الأخيرة نسياً لكونها أثقل منها في نحو مُعَيِّية، فتقلب الثالثة ألفا لترحكها وانفتاح ما قبلها نحو حَيًّا، كما قلنا قبل.
وإذا بنيت مثل (4) سَلْسَبيل قلت: حَيَّوِيّ، وإذا
(1) الجحمرش: العجوز المسنة، وانظر (ح 1 ص 51)(2) الياء الثالثة أعلت كاعلال قاض، فتقول: القضيوى، ورأيت قضيويا، وهذا قضيو، ومررت بقضيو، ولكون هذا الاعلال من غير موضوع كلام المؤلف وهو مما لا يخفى لم يتعرض لبيانه (3) الاسوار - بالضم والكسر -: قائد الفرس، والجيد الرمى بالسهام والثابت على ظهر الفرس، وجمعه أساورة، وأساور بغير تاء، والاسوار - بالضم أيضا -: لغة في السوار (4) السلسبيل: اسم عين في الجنة، وهو وصف أيضا، يقال: شراب سلسبيل، إذا كان سائغا سهل المدخل في الحلق.
انظر (ج 1 ص 9، 50) واعلم أن كلام المؤلف ههنا فيما اجتمع فيه أربع ياءات وأنت لو بنيت من (*)
بنيت مثل قِرْطَعْب (1) قلت: حِيَّيّ، لم تقلب ثانية المشددتين واواً كما في حَيَوَان، لأنها آخر الكلمة فلا تبدل حرفاً أثقل مما كان، ولم تحذف كما في مُعَيِّية، لأن حذفها حذف حرفين، واحتمل اجتماعهما، لان تشديدهما قوَّاهما، وإذا جاز نحو طَيِّيّ وأُمَيِّيّ - على قول - مع أن الأولين آخر الكلمة إذ ياء النسب عارضة فهذا أجوز، وإذا بنيت مثل قَذَعْمِل (2) قلت: حُيَيّ، أدغمت الثانية في الثالثة، وحذفت الرابعة كما في مُعَيِّية، وهو ههنا أولى، ولم تقلب المضعفة واو لصيرورتها بالتضعيف قَوِيَّة كالحرف الصحيح، فيبقى حُيَيّ وتقول على وزن قذ عميلة من قَضَى: قُضَيِّيَّة، والمازني لم يُجَوِّزْ من قَضَى إلا قُضَوِية، كما في النسب، وغيرُه جَوَّز مع قضوية قُضَيِّيَّةٌ بتشديدين أكثر من تجويز أمَيِّيّ، والذي أرى أنه لا يجوز إلا فضيية، بياءين مشددتين، إذ الأخيرتان قويتاً بالتضعيف، فلم تحذفا كما حذفت الثالثة في مُعَيِّيَة، والأوليان ليستا في آخر الكلمة حتى يحذف أضعفهما: أي أولهما الساكن، كما حذفت في أُمَوِيّ، فإذا بنيت من شَوَى على وزن عصفور قلت: شُويُويٌ، ثم قلبت الواوين ياءين وأدغمتهما في الياءين فصار شُيِّيٌّ - بكسر ضمة المشددة الأولى - فيجوز كسر الفاء أيضاً، كما في عُتِي، وقال سيبويه: شُوِويّ، قياساً على طَوَوِيّ وحَيَوِيّ في النسب إلى حَيٍّ وَطَيٍّ أَوْ شُيِّيٌّ، كما قيل طَيِّيّ، وكذا إذا بنيت من طوى
حيى على مثال سلسبيل لاجتمع خمس ياءات، فالصواب أن يقول إذا بنيت من قضى مثل سلسبيل قلت: قضيوى، والاصل قضيي، قلبت الثانية واواً كما في حَيَوان (1) القرطعب: السحابة.
انظر (ح 1 ص 51)(2) القذعمل: القصير الضخم من الابل، وأصله قذعميل، والقذعمله الناقة القصيرة الضخمة، ومثلها القذعميلة، ويقال: ما في السماء قذعملة: أي شئ من
السحاب، وما أصبت منه قذعميلا: أي شيئا (*)
على وزن بَيْقُورٍ (1) قلت: طَيْوُويٌ، ثم قلبتَ الواو الأولى ياء، وأدغمتَ الياء الساكنة فيها، ثم قلبتَ الواو الثانية ياء وأدغمتَها في الأخيرة، ثم كسرت الياء المضمومة فتقول: طَيِّيّ، وعند سيبويه طَيْوِيّ أيضاً كالمنسوب إلى حيّ، هذا كله في الأربع ياءات إذا لم تكن الأخيرتان للنسبة، فإن كانتا لها كالمنسوب إلى حَيّ، وَطَيّ، وَعَلِيّ، وقُصَيّ، وتحيّة، وَمُحَيّ فقد مضى في باب النسب حكمها (2) وقد مضى أيضاً أن ياء التصغير تحذف كما في أمَويّ إن دخلت النسبة على التصغير، وأما إن دخل التصغير على النسبة لم تحذفها أُرَيِّيَّةَ (3) - بياءين مشددتين - هذا كله حكم الياءات فأما حكم الواوات فنقول: إن اجتمع واوان فإن سكنت ثانيتهما: فإن كانت طرفاً لم يمكن أن تكون الأولى مفتوحة ولا مضمومة إلا والثانية منفصلة، نحو لم يَرْوَوْا ومُرْوُو زيدٍ، لأنهم يستثقلون الواوين بلا إدغام في آخر الكلمة الذي هو محل التخفيف، فلذلك لم يبنوا مثل قَوَوْتُ وقَوُوتُ، فلا بد لو كانا في كلمة من انكسار الأولى لتنقلب الثانية ياء، نحو قَوِيتُ، وإن كانت الأخيرة وسطا جاز اجتماعهما، نحو قَوُولٍ، وإن تحركتا: فإن كان ذلك في أول الكلمة قلبت الأولى همزة كما في أواصل، وإن كان ذلك في الوسط فإن جاز الإدغام أدغمت، كما إذا بنيت من القُوّة على فَعُلَان - بضم العين - قلتَ:
(1) البيقور: اسم جمع دال على جماعة البقر، كالباقر، والبقير، والباقور، قال الشاعر: لا در در رجال خاب سعيهم * يستمطرون لدى الازمات بالعشر أجاعل أنت بيقورا مسلعة * ذريعة لك بين الله والمطر؟
(2)
انظر في النسب إلى حَيٍّ وَطَيٍّ (ح 2 ص 49، 50) .
وفى النسب إلى على وقصى (ح 2 ص 22) .
وفى النسب إلى تحية ومحى (ح 2 ص 45)(3) أريية: تصغير أروية، وانظر (ح 1 ص 235، 236، 237)(*)
قَوَّانٌ عند المبرد، والأولى أن لا تدغم بل تقلب الثانية ياء كما يجئ في باب الإدغام، ومن لم يدغم في حَيِيَ جاز أن لا يدغم في نحو قَوُوَان، بل يقلب الثانية ياء.
ويقلب ضمة ما قبلها كسرة، كما مر في هذا الباب، لأن الإعلال قبل الإدغام، وهذا قول الجرمي، وإن لم يجز الإدغام كما إذا بنيت على فَعَلَان - بفتح العين - من القوة، قال سيبويه: تقول: قَوَوَان، كما قال من حَيِيَ: حَيَيَان، والأولى أن يقال: قَوَيَان، لاستثقال الواوين، فلما لم يجز التخفيف بالإدغام خفف بقلب إحداهما ياء، وإذا قلبت الياء واواً في حيوان لكراهة اجتماع الياءَين فقلب الثانية ياء في قَوَوَان لكون الواو أثقل أولى، ولو بنيت على فَعِلان - بكسر العين - انقلبت الثانية ياء للكسرة، لأن الإعلال قبل الإدغام كما تقدم، وإن كان ذلك في الطرف: فإن انفتحت الأولى لزوماً قلبت الثانية ألفاً كما في الْقُوَى والصُّوَى (1) وَيَقْوَى وَأقْوَى، وأما في طَوَوِيّ منسوباً إلى طَيّ فلعروض فتحة الأولى، وأما في قُوَوِيٍّ منسوباً إلى قُوّى علماً (2) فلعروض حركة الثانية، وإن كانت الأولى مكسورة أو مضمومة قلبت الثانية ياء، كقَوْيٍ وقَوِيٍ - على وزن عضُد وفخِذ - من القُوّة، وإن سكنت أولى الواوين فإن كانتا في الوسط سلمتا من القلب كقُووِلَ إلا في نحو قُوّل على ما تقدم، وإن كانتا في الطرف: فإن كانت الكلمة ثلاثية لم تقلب إلا إذا
(1) الصوى: جمع - صوة - كقوة - وهى جماعة السباع، وهى أيضا حجر يكون علامة في الطريق، وانظر (ص 123 من هذا الجزء)
(2)
إنما قيد قوى بكونه علما احترازا عنه جمعا، فأنه يرد في النسبة إليه إلى واحده فيقال قوى - بضم القاف وتشديد الواو - وهذا على رأى جمهور النحاة الذين يوجبون رد الجميع إلى واحده عند النسبة إليه، وأما على رأى من يجيز النسب إلى لفظ الجمع فلا محل لتقييد قوى بكونه علما، وتكون النسبة إليه حينئذ قووى علما كان أو جمعا (*)
انكسر ما قبلها، نحو قَوٍّ وقُوٍّ، وتقول على وزن حِبْرٍ: قِيّ، وإن كانت الكلمة على أكثر من ثلاثة صحت المفتوح ما قبلها نحو غَزَوٍّ، وانقلبت المكسور ما قبلها ياء وجوباً كغِزِيّ - على وزن فِلِز (1) - والمضموم ما قبلها جازا في المذكر المفرد نحو غُزُوّ، وغُزِيّ، كعُتُوّ وَعُتِيّ، ووجوباً في الجمع كُدِلِيِّ وإن اجتمع ثلاث واوات فإن كانت الأخيرة لاماً: فإما أن تكون الأولى مدغمة في الثانية أو الثانية في الثالثة أو ليس شئ منها مدغما في شئ، ففي الأول تقلب الثالثة ألفاً إن انفتح ما قبلها كقَوٍّي والْمُقَوَّى، وياءً إن انكسر كيُقَوِّي وَالْمُقَوِّي، أو انضم كقُوٍّ على وزن بُرْثُن (2) من القوة، وفي الثاني تقلب المشددة ياء مشددة: انفتح ما قبلها كقِوَيٍّ - على وزن هجف (3) أو قمطر - أو انكسر كقِوِيّ - على وزن فِلِزٍّ - أو انضم كقُويٍّ - على وزن قُمُدَّ - بكسر ذلك الضم، فيجوز كسر الفاء إتباعاً كعِتِيٍّ وذلك لثقل الواوات المتحرك ما قبلها بخلاف نحو حُيِيّ فإن الياء أخف، وكذا إذا كانت أولى الواوات ثالثة الكلمة وتحرك ما قبلها نحو غَزَويٍّ - على وزن حَلكُوك - فإن سكن ما قبلها: فإن انفتحت الأولى سلم الجميع، نحو غِزْوَوٍّ - على وزن قِرْشَبٍّ (5) أو قِرْطَعْبٍ - وإن انضمت أو انكسرت قلبت
(1) الفلز - بكسر الفاء واللام وتشديد الزاى -: نحاس أبيض تجعل منه
القدور، أو هو جواهر الارض كلها، والرجل الغليظ الشديد والضريبة تجرب عليها السيوف، وفيه لغتان أخريان: كهجف وعتل، ومراد المؤلف هنا اللغة الاولى.
(2)
البرثن: هو للسبع والطير كالاصابع للانسان، وانظر (ح 1 ص 51) (3) الهجف: الظليم المسن، وانظر ص 189 من هذا الجزء) (4) القمطر: ما تصان فيه الكتب، وانظر (ح 1 ص 3، 51)(5) القرشب: الضخم الطويل من الرجال، وانظر (ح 1 ص 61)(*)
المشددة ياء وكسرت الضمة.
كَمَقْوِيٍّ وَغُزْوِيٍّ - كعُصْفور - من الغزو، وإن لم تكن إحداهما مدغمة في الأخرى قلبت الأخيرة ألفاً: إن انفتح ما قبلها، وياء إن انكسر نحو اقَوَوَى على وزن احمرر - فإن أدغمت قلت قَوي، وإن لم تدغم قلبتَ الثانية ياء على قياس قويان، وهو ههنا أولى، فتقول: اقوَيَا يَقْويِي وتقول في نحو هُدَبِد وَجَنَدِل من القوة: قُوَوٍ، وقَوَوٍ - بقلب الثالثة ياء - لكسرة ما قبلها، ولا تدغم الأولى في الثانية مع لزوم حركة الثانية، محافظة على بناء الإلحاق، وأيضاً لعدم مشابهة الفعل هذا والأولى أن لا يبنى من الأسماء المزيد فيها غير المتصلة بالفعل ما يؤدي إلى مثل هذا الثقل كما يجئ في أول باب الإدغام وإن اجتمعت الثلاث الواوات في الوسط بقيت على حالها نحو قُوُّولٍ على وزن سُبُّوح وَاقْوَوَّلَ كاغْدَوْدَن (1) ، والأخفش يقلب الأخيرة في اقوَوَّل ياء، فتنقلب الثانية ياء أيضاً، وسيبويه لم يبال بذلك، لتوسطها، وينبغي للأخفش أن يقول في قُووِل: قُويل، إلا أن يعتذر بخفة واو المد، وإنما لم يقلب الاخفش في نحو اقووول لكون الوسطى كالألف، لأنها بدل منه، ألا ترى أنه لم يقلب
أوَّل وَاوَيْ وُورِيَ همزةً وجوباً لمثل ذلك؟ وإذا اجتمع أربع واوات فالواجب قلب الثالثة والرابعة ياء إن كانت الثالثة مدغمة في الرابعة نحو قوَّيٌ - على وزن قِرْطَعْبٍ - من القوة، لأنه أثقل من نحو غِزْوَوٍّ، وإن لم تكن مدغمة فيها قلبت الأخيرة ألفاً إن انفتح ما قبلها، وياء إن انكسر، وتبقى الثالثة بحالها عند سيبويه نحو قَوَّوٍ - على وزن جحمرش -، لأنه إذن كاقْوَوَّلَ وتقول على وزن قُذَعْمِلٍ: قُوَوٍّ، وعلى وزن اغدَوْدَن اقْووَّى، والأخفش يقلب الثالثة ياء فتقول قوى - كجحمرش -
(1) اغدودن النبت: طال، وانظر (ح 1 ص 68، 112)(*)