المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والصاد الواقعة قبلها: سكنت الدال أو تحركت، ولو روى " - شرح شافية ابن الحاجب - الرضي الأستراباذي - جـ ٣

[الرضي الأستراباذي]

الفصل: والصاد الواقعة قبلها: سكنت الدال أو تحركت، ولو روى "

والصاد الواقعة قبلها: سكنت الدال أو تحركت، ولو روى " منهما " لكان الْمَعْنَى من المضارعة والقلب، ويعني بالبيان الإتيان بالصاد والسين صريحين بلا قلب ولا إشراب صوت، ففي الصاد الساكنة قبل الدال البيان أكثر، ثم المضارعة، ثم قلبها زاياً قوله " وَمَسَّ زَقَرَ كَلْبِيَّة " أي: قبيلة كلب تقلب السين الواقعة قبل

القاف زاياً، كما يقلبها غيرهم صاداً، وذلك لأنه لما تباين السين والقاف لكون السين مهموسة والقاف مجهورة أبدلوها زاياً، لمناسبة الزاي للسين في المخرج والصفير، وللقاف في الجهر قوله " وَأَجْدَرَ وَأَشْدَقُ (1) " يعني إشرابُ الجيم والشين المعجمتين الواقعتين قبل الدال صوتَ الزاي قليلٌ، وهذا خلاف ما قاله سيبويه، فإنه قال في إشراب مثل هذا الشين صوتَ الزاي:" إن البيان أكثر وأعرف، وهذا عربي كثير " وإنما بضارع بالشين الزايُ إذا كانت ساكنة قبل الدال، لأنها تشابه الصاد والسين اللَّذَين يقلبان إلى الزاي، وذلك بكونها مهموسةً رخوةً مثلهما، وإذا أجريت في الشين الصوتَ رأيت ذلك بين طرف لسانك وأعلى الثَّّنِيَّتين موضع الصاد والسين، ثم إن الجيم حملت على الشين وإن لم يكن في الجيم من مشابهة الصاد السين مثْلُ ما بينهما وبين الشين، وذلك لأن الجيم من مخرج الشين، فعمل بها ما عمل بالشين، ولا يجوز أن يجعل الشين والجيم زاياً خالصة كالصاد والسين، لأنهما ليستا من مخرجهما قال: "‌

‌ الإِدْغَامُ:

أنْ تَأْتِي بِحَرْفَيْن سَاكِنٍ فَمُتَحَرِّك مِنْ مُخْرَجٍ وَاحِدٍ

(1) الاشدق: الواسع الشدق، وهو جانب الفم، ويقال: رجل أشدق، إذا كان متفوها ذابيان، وقد قالوا لعمر بن سعيد: الاشدق، لانه كان أحد خطباء العرب.

(*)

ص: 233

مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَيَكُونُ فِي الْمِثْلَيْنِ وَالْمُتَقَارِبَيْنِ، فَالْمِثْلَانِ وَاجِبٌ عِنْدَ سُكُونِ الأَوَّلِ إلَاّ فِي الْهَمْزَتَيْنِ إلا في نحو السأال والدأاث، وإلا في الالفين لتعذره، وإلا فِي نَحْو قُوِولَ لِلإِلْبَاسِ وَفِي نَحْو تُووِي وَرِيياً - عَلَى الْمُخْتَارِ - إِذَا خَفَّفْتَ، وَفِي نَحْوِ قَالُوا وَمَا، وَفِي يَوْم، وَعِنْدَ تَحَرُّكِهِمَا فِي كَلِمَةٍ

وَلَا إِلْحَاقَ وَلَا لَبْس نَحْوُ رَدَّ يَرُدُّ، إلَاّ فِي نَحْوُ حَيِيَ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِلَاّ فِي نَحْوِ اقْتَتَلَ وَتَتَنَزَّلُ وَتَتَبَاعَدُ، وَسَيَأْتِي، وَتُنْقَلُ حَرَكَتُهُ إنْ كَانَ قَبْلَهُ سَاكِنٌ غَيْرُ لِينٍ نَحْوُ يَرُدُّ، وَسُكُونُ الْوَقْفِ كَالْحَرَكَةِ، وَنَحْوُ مَكَّنَنِي وَيُمَكِّنُنِي وَمَنَاسِكُكُمْ وَمَا سَلَكَكُمْ مِنْ بَابِ كلمتين، وَمُمْتَنِعٌ فِي الْهَمْزَةِ عَلَى الأَكْثَرِ وَفِي الأَلِف وَعِنْدَ سُكُونِ الثَّانِي لِغَيْرِ الْوَقْفِ نَحْوِ ظَلِلْتُ وَرَسُولُ الْحَسَنِ، وَتِمِيمٌ تًدْغِمُ فِي نَحْوِ رُدَّ وَلَمْ يَرُدَّ، وَعِنْدَ الإِلْحَاقِ وَاللَّبْسِ بِزْنَةٍ أُخْرَى نَحْو قَرْدَدٍ وَسُرُر، وعِنْدَ سَاكِنٍ صَحْيحٍ قَبْلَهُمَا في كلمتين نَحْوُ قَرْمُ مَالِكٍ، وَحُمِلَ قَوْلُ القُرَّاءِ عَلَى الإِخْفَاء، وَجَائِزٌ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ " أقول: قوله " الإدغام أن تأتي بحرفين ساكن فمتحرك " يعني أن المتحرك يكون بعد الساكن (1) وإلا فليس بُدٌّ من الفصل: أي فك أحد الحرفين من الآخر، لأن الحركة بعد الحرف قوله " من غير فصل " أي: فكّ، احتراز عن نحو رييا (2) فإنك تأتى

(1) يريد أن الادغام لا يكون إلا مع سكون الاول، لانه لو كان متحركا والحركة بعد الحرف فلا يتأتى النطق بالحرفين دفعة واحدة، لان الحركة فاصلة بينهما، ولا يكفى أيضا في تحقق الادغام سكون الاول وتحرك الثاني، بل لابد مع ذلك من وصل الحرفين في النطق لئلا تسكت بعد نطقك بالحرف الاول، ولذا قال ابن الحاجب:" الإِدْغَامُ أنْ تَأْتِي بِحَرْفَيْن سَاكِنٍ فَمُتَحَرِّك مِنْ مُخْرَجٍ وَاحِدٍ مِنْ غير فصل "(2) انظر (ح 1 ص 28)(*)

ص: 234

بياء ساكنة فياء متحركة، وهما من مخرج واحد، وليس بإدغام، لأنك فككت إحداهما عن الأخرى، وإنما الإدغام وصل حرف ساكن بحرف مثله متحرك

بلا سكتة على الأول، بحيث يعتمد بهما على المخرج اعتمادةً واحدة قوية، ولا يحترز به عن الحرف الفاصل أو الحركة الفاصلة بين المثلين، لخروجه بقوله " ساكن فمتحرك " والادغام في اللغة: إدخال الشئ في الشئ، يقال: أدغمت اللجام في فم الدابة: أي أدخلته فيه، وليس إدغام الحرف في الحرف إدخاله فيه على الحقيقة، بل هو إيصاله به من غير أن يفك بينهما قوله " في المثماثلين والمتقاربين " لا يمكن إدغام المتقاربين إلا بعد جعلهما متماثلين، لأن الإدغام إخراج الحرفين من مخرج واحد دفعة واحدة باعتماد تام، ولا يمكن إخراج المتقاربين من مخرج واحد، لأن لكل حرف مخرجاً على حدة، والذي أرى أنه ليس الإدغام الإتيان بحرفين، بل هو الإتيان بحرف واحد مع اعتماد على مخرجه قويّ: سواء كان ذلك الحرف متحركاً نحو يمدُّ زيد، أو ساكناً نحو يمدّ، وقفاً، فعلى هذا ليس قوله " ساكن فمتحرك " أيضاً بوجه، لأنه يجوز تسكين المدغم فيه اتفاقاً: إما لأنه يجوز في الوقف الجمع بين الساكنين عند من قال هما حرفان، وإما لأنه حرف واحد على ما اخترنا، وإن كان كالحرفين الساكن أولهما من حيث الاعتماد التام، وقوله " ساكن فمتحرك " وقوله " من غير فصل " كالمتناقضين، لأنه لا يمكن مجئ حرفين أحدهما عقيب الآخر إلا مع الفك بينهما، وإن لم تفك بينهما فليس أحدهما عقيب الآخر قوله " فالمثلان واجب عند سكون الأول " جعل الإدغام ثلاثة أقسام: واجباً، وممتنعاً، وجائزاً، فذكر الواجب والممتنع، وما بقي فجائز، فالواجب من

ص: 235

قوله " واجب " إلى قوله " من باب كلمتين " والممتنع من قوله " وممتنع " إلى قوله " على الإخفاء "

قوله " عند سكون الأول " أي يجب الإدغام إذا سكن أول المثلين: كانا في كلمة كالشدّ والمدّ، أو في كلمتين متصلتين نحو اسْمَعْ عِلماً قوله " إلا في الهمزتين " ليس الإطلاق بوجه، بل الوجه أن يقال: الهمز الساكن الذى بعده همز متحرك: إما أن يكونا في كلمة، أو في كلمتين، فإن كانا في كلمة أدغم الأول إذا كانا في صيغة موضوعة على التضعيف، كما ذكرنا في تخفيف الهمزة (1) ، وفي غير ذلك لا يدغم، نحو قِرَأْيٍ على وزن قِمَطَرٍ (من قرأ) وإن كانا في كلمتين نحو اقْرَأَ آية، وأَقْرِئ أباك، وَلْيَقْرَأ أبوك، فعند أكثر العرب على ما ذهب إليه يونس والخليل يجب تخفيف الهمزة، فلا يلتقي همزتان، وزعموا أن ابن أبي إسحق كان يحقق الهمزتين، وأناس معه، قال سيبويه: وهي رَدِيئة، وقال: فيجب الإدغام في قول هؤلاء مع سكون الأولى، ويجوز ذلك إذا تحركتا نحو قَرَأَ أبُوكَ، قال السيرافي: توهم بعض القراء أن سيبويه أنكر إدغام الهمزة، وليس الامر على ما توهموا، بل إنما أنكره على على مذهب من يخفف الهمزة، كما هو المختار عنده، وقد بين سيبويه ذلك بقوله: ويجوز الادغام في قول هؤلاء (2)، يعني على تلك اللغة الرديئة قوله:" الدأاث "(3) اسم واد، الصَّغَاني مخفف الهمز على وزن كَلَام وسَلَام.

(1) انظر (ص 33 وما بعدها من هذا الجزء)(2) في أصول هذا الكتاب " ويجب الادغام

الخ " وهو تحريف، وما أثبتناه عن كتاب سيبويه (ح 2 ص 410) وهو الصواب (3) ذكره ياقوت بتشديد ثانيه مفتوحا، وهو ما ذكره ابن الحاجب، وقد ذكر أيضا أنه اسم موضع، ويصح أن تكون الدأاث صيغة مبالغة من دأث الطعام يدأثه - كفتح - إذا أكله (*)

ص: 236

قوله: " وإلا في الألف " لما قال: " واجب عند سكون الأول " ولم يقل: مع تحرك الثاني، أوهم أن الألف يدغم في مثله، لأنه قد يلتقي ألفان، وذلك إذا وقفت على نحو السماء، والبناء، بالإسكان كما مر في تخفيف الهمزة (1) فإنك تجمع فيه بين ألفين، ولا يجوز الإدغام، لأن الإدغام اتّصال الحرف الساكن بالمتحرك، كما مر، والألف لا يكون متحركاً، والحق أنه لم يحتج إلى هذا الاستثناء، لأنه ذكر في حد الإدغام أنه الإتيان بحرفين: ساكن فمتحرك، والألف لا يكون متحركاً.

قوله: " وإلا في نحو قُووِل " اعلم أن الواو والياء الساكنين إذا وليهما مثلهما متحركاً، فلا يخلو من أن يكون الواو والياء مدتين، أولا، فإن لم يكونا مدتين وجب إدغام أولهما في الثاني: في كلمة كانا كَقَوَّل وسيَّر، أو في كلمتين نحو (تولوا واستغنى الله) واخْشَيْ يَاسِراً، وإن كانا مدتين: فإما أن يكون أصلهما حرفاً آخر قلب إليهما، أولاً، فإن لم يكن فإن كانا في كلمة وجب الإدغام، سواء كان أصل الثاني حرفاً آخر، كَمَقْرُوٍّ وَبَرِيٍّ وعليٍّ، أولاً، كمغزُوٍّ ومرميٍّ، وإنما وجب الإدغام في الأول: أعني مقروّاً وبريّاً وعليّاً - وإن لم يكن القلب في الثاني واجباً - لأن الغرض من قلب الثاني إلى الأول في مثله طلب التخفيف بالإدغام، فلو لم يدغموا لكان نقضاً للغرض، ووجب الإدغام في الثاني: أعني نحو مغزوٍّ ومرميٍّ، لأن مدة الواو والياء الأوَّلين لم تثبت في اللفظ قط، فلم يكن إدغامهما يزيل عنهما شيئاً وجب لهما، بل لم يقع الكلمتان في أول الوضع إلا مع إدغام الواو والياء في مثلهما، وإن كانا في كلمتين، نحو قالوا وما، وفي يوم، وظلموا وافداً، واظلمي ياسراً، لم يجز الإدغام، لأنه يثبت للواو والياء إذن في الكلمتين مد، وإدغامهما فيما عرض انضمامه إليهما من الواو والياء في أول الكلمتين مزيل

(1) انظر (43 وما بعدها من هذا الجزء)(*)

ص: 237

لفضيلة المد التي ثبتت لهما قبل انضمام الكلمة الثانية إلى الأولى، وإن كان أصل الواو والياء حرفاً آخر قلب إلى الواو والياء، فإن كان القلب لأجل الإدغام وجب الإدغام نحو مرميٍّ، وأصله مَرْمُوي، لئلا يبطل الغرض من القلب، فإن لم يكن القلب لأجل الإدغام فإن كان لازماً نظر، فإن كانت الكلمة التي فيها المثلان وزناً قياسياً يلتبس بسبب الإدغام بوزن آخر قياسي لم يدغم، نحو قُووِل فإنه فِعْلُ ما لم يسم فاعله قياساً، ولو أدغم الواو فيه في الواو لا لتبس بفُعِّل الذي: هو فِعْل ما لم يسم فاعله قياساً لفَعَّل، وإن لم يلزم التباس وزن قياسي بوزن قياسي أدغم نحو إيَّنَةٍ على وزن أفْعَلَة من الأين، وأُوَّلٍ على وزن أُبْلُم (1) من الأوْل، وذلك لأن القلب لما كان لازماً صار الواو والياء كالأصليتين، والالتباس في مثله وإن وقع في بعض الصور لا يبالى به، لان الوزن ليس بقياسي، فيستمر اللبس، وإن لم يكن القلب لازماً نحو رييا وتووى فالأصل الإظهار، لأن الواو والياء عارضان غير لازمين كما في بِيرٍ وسُوتُ، فهما كالهمزتين، والهمز لا يدغم في الواو والياء ما دام همزاً، وأجاز بعضهم الادغام نظر إلى ظاهر اجتماع المثلين، وعليه قولهم: ريا ورية، في رُؤْيَا ورُؤْية، وعند سيبويه والخليل أن سُويِرَ وقُووِلَ لم يدغما لكون الواوين عارضين، وقول المصنف أولى، وهو أنهما لم يدغما لخوف الالتباس، لأن العارض إذا كان لازماً فهو كالأصلي، ومن ثم يدغم إيَّنَةٌ وأُوَّلٌ مع عروض الواو والياء.

قوله " وعند تحركهما " عطف على قوله " عند سكون الأول ": أي يجب الإدغام إذا تحرك المثلان في كلمة اعلم أنهم يستثقلون التضعيف غاية الاستثقال إذ على اللسان كلفة شديدة في

الرجوع إلى المخرج بعد انتقاله عنه، ولهذا الثقل لم يصوغوا من الأسماء ولا الافعال

(1) الابلم - بضمتين بينهما ساكن - هو الخوص (انظر ج 1 ص 56)(*)

ص: 238

رباعياً أو خماسياً فيه حرفان أصليان متماثلان متصلان، لثقل البناءين، وثقل التقاء المثلين، ولا سيما مع أصالتهما، فلا ترى رباعياً من الأسماء والأفعال ولا خماسياً من الأسماء فيه حرفان كذلك إلا واحدهما زائد: إما للالحقاق أو لغيره، كما مر في ذي الزيادة، (1) ولم يبنوا ثلاثياً فاؤه وعينه متماثلان إلا نادراً نحو دَدَن (2) وببر (3) بل إنما ضعفوا حيث يمكنهم الإدغام، وذلك بتماثل العين واللام، إذ الفاء لو أدغم في العين وجب إسكانه، ولا يبتدأ بالساكن، وليس في الأسماء، التى لا توازن الأفعال ذو زيادة في أوله أو وسطه مثلان متحركان، إذ لا موجب في مثله للإدغام، لأن الإدغام إنما يكون في الاسم مع تحرك الحرفين إذا شابه الفعل الثقيل وزناً كما يجئ، وإلا بقي المتماثلان بلا إدغام، فتصير الكلمة ثقيلة بترك إدغام المثلين، وبكونها مَزيداً فيها، فلم يبن من الأسماء المزيد فيها غير الموازنة للفعل ما يؤدي إلى مثل هذا الثقل، بل يجئ فيما زيد فيه من الأفعال والأسماء الموازنة لها ما في أوله أو وسطه مثلان مقترنان، وذلك لكثرة التصرف في الفعل قياساً، فربما اتفق فيه بسببه مثل ذلك، فنقول: لا يخلو مثله من أن يكون من ذي زيادة الثلاثي أو من ذي زيادة الرباعي، فمن ذي زيادة الثلاثي بابان يتفق في أولهما مثلان متحركان، نحو تَتَرَّس (4) ، وتَتارَك (5) وباب يتففق في وسطه مثلان متحركان نحو اقْتَتَلَ، ومن ذي زيادة الرباعي باب يتفق في أوله ذلك نحو تَتَدَحْرَجُ، فأما ذو زيادة الرباعي فلا يخفف بالادغام،

(1) ذكره في الجزء الاول (ص 61 وما بعدها)

(2)

الددن: اللهو واللعب.

انظر (ح 1 ص 34)(3) الببر: حيوان شبيه بالنمر.

انظر (ح 1 ص 34، ح 2 ص 367) وفى بعض النسخ يين، وهو اسم واد.

وانظر (ح 2 ص 368)(4) يقال: تترس الرجل، إذا لبس الترس يتستر به، ويقال: تترس القوم بالقوم، إذا جعلوهم أمامهم يتقون بهم العدو (5) يقال: تتارك الرجلان الامر، إذا تركه كل واحد منهما لصاحبه (*)

ص: 239

إذ لو أدغمتَ لاحتجت إلى همزة الوصل فيؤدي إلى الثقل عند القصد إلى التخفيف، بل الاولى إبقاؤهما، ويجوز حذف أحدهما، كما يجئ، وأما ذو زيادة الثلاثي: فإن كان المثلان في أوله فأما أن يكون ماضياً كتَتَرَّس وَتَتَارك، أو مضارعاً كَتتنَزَّل وَتَتَثَاقَلُ، فالأولى في الماضي الإظهار، ويجوز الإدغام مع اجتلاب همزة الوصل في الابتداء، وكذا إذا كان فاءُ تَفَعَّلَ وتفاعل مقارباً للتاء في المخرج نحو اطير واثاقل على ما يجئ، فإذا أدغمت في الماضي أدغمت في المضارع والأمر والمصدر واسم الفاعل والمفعول وكل اسم أو فعل هو من متصرفاته، نحو يتَّرَّسُ، وَمُتَّرِّس، وَيتَّارك، وَمُتَّارِكٍ، ويَطَّيَّرُ، وَيَثَّاقَلَ ومُطَّيِّرٍ وَمُثَّاقِل، وإن كان مضارعاً جاز الإظهار والحذف والإدغام نحو تَتَنَزَّلُ وَتَنَزَّلُ، وإذا أدغم لم يجتلب له همزة الوصل كما في الماضي، لثقل المضارع، بخلاف الماضي، بلا لا يدغم إلا في الدرج ليكتفي بحركة ما قبله، نحو قَال تَّنزَّلُ، وإن كان المثلان في وسط ذي الزيادة الثلاثي فلك الإظهار والإدغام نحو اقتتل وقتل كما يجئ هذا، وإنما جاز الإدغام في مصادر الأبواب المذكورة وإن لم توازن الفعل لشدة مشابهتها لأفعالها، كما ذكرنا في تعليل قلب نحو إقامة واستقامة (1) هذا حكم اجتماع المثلين في أول الكلمة وفي وسطها، وأما إن كان المثلان

في آخر الكلمة وهو الكثير الشائع في كلامهم ومما يجئ في الثلاثي وفي المزيد فيه في الأسماء وفي الأفعال فهو على ثلاثة أقسام: إما أن يتحركا، أو يسكن أولهما، أو يسكن ثانيهما، فإن تحركا: فإن كان أولهما مدغماً فيه امتنع الإدغام، نحو ردَّدَ، لأنهم لو أدغموا الثاني في الثالث فلابد من نقل حركته إلى الأول، فيبقى ردَدَّ، ولا يجوز، إذ التغيير إذن لا يخرجه إلى حال أخف من الأولى، وكذا إن كان التضعيف للإلحاق امتنع الإدغام: في الاسم كان كقردَدٍ (2) ، أو

(1) انظر (ص 108 من هذا الجزء)(2) القردد: ما ارتفع من الارض، واسم جبل، وانظر (ح 1 ص 13)(*)

ص: 240

في الفعل كجلبَب، لأن الغرض بالإلحاق الوزن، فلا يكسر ذلك الوزن بالإدغام، وأما سقوط الألف في نحو أرطّى فإنه غير لازم، بل هو للتنوين العارض الذي يزول باللام أو الإضافة، وإن لم يكن التضعيف أحد المذكورين: فإن كان الأول حرف علة نحو حَيِيَ وَقَوِيَ فقد مضى حكمه، وإن لم يكن: فإما أن يكون في الفعل، أو في الاسم، فإن كان في الفعل وجب الإدغام: لكونه في الفعل الثقيل، وفي الآخِر الذي هو محل التغيير، وقد شذ نحو قوله: 184 - مَهْلاً أعاذلَ قَدْ جَرَّبْتِ مِنْ خُلُقِي * أنِّي أجُودُ لأَقْوَامٍ وَإِنْ ضَنِنُوا (1) وهو ضرورة، وإن كان في الاسم: فإما أن يكون في ثلاثي مجرد من الزيادة، أو في ثلاثي مزيد فيه، ولا يدغم في القسمين إلا إذا شابها الفعل، لما ذكرنا في باب الإعلال (2) من ثقل الفعل، فالتخفيف به أليق، فالثلاثي المجرد إنما يدغم إذا وازن الفعل نحو رجل صَبٌّ (3)، قال الخليل: هو فَعِلٌ - بكسر العين -، لأن صَبِبْتُ صَبَابَةً فأنا صَبٌّ كَقَنِعْتُ قناعة فأنا قَنِع، وكذا

طَبٌّ (4) طبب، وشذ رجل ضَفِفٌ (5) والوجه ضَفٌّ، ولو بنيت مثل

(1) هذا بيت من البسيط، وقائله قعنب بن أم صاحب.

ومهلا: اسم مصدر يراد به الامر، والهمزة في أعاذل للنداء، وعاذل: مرخم عاذلة، وهو في الاصل اسم فاعل من العذل، وهو اللوم في تسخط، وضننوا: بخلوا.

والاستشهاد بالبيت في قوله " ضننوا " حيث فك ما يجب إدغامه وهو شاذ لا يجوز ارتكابه في الكلام (2) انظر (88 من هذا الجزء)(3) الصبابة: رقة الشوق، تقول: رجل صب، وهى صبة، وصب إليه صبابة: أي كلف واشتاق (4) الطب - بتثليث الطاء -: الرجل الحاذق الماهر في عمله، والطبيب مثله، تقول: طب يطب - كظل يظل - فهو طب ومتطبب وطبيب، وطبه يطبه - كمده يمده - أي: داواه، وفلان طب بهذا الامر: أي عالم به (5) تقول: هذا رجل ضف الحال، إذا كان رقيقه، والضفف - بفتحتين - (*)

ص: 241

نَدُسٍ (1) من رَدَّ قلت: رَدٌّ بالإدغام، وكان القياس أن يدغم ما هو على فَعَل كَشَررٍ وَقَصَصٍ وَعَدَدٍ، لموازنته الفعل، لكنه لما كان الإدغام لمشابهة الفعل الثقيل، وكان مثل هذا الاسم في غاية الخفة، لكونه مفتوح الفاء والعين، ألا ترى إلى تخفيفهم نحو كبِدٍ وعَضُدٍ دون نحو جَمَل؟ تركوا الإدغام فيه، وأيضاً لو أدغم فَعَلٌ مع خفته لا لتبس بفَعْلٍ - ساكن العين -، فيكثر الالتباس، بخلاف فَعِلٍ وفَعُل - بكسر العين وضمها - فإنهما قليلان في المضاعف، فلم يكترث بالالتباس القليل، وإنما اطرد قلب العين في فَعَلٍ نحو دار وباب ونار وناب، ولم يجز فيه الإدغام مع أن الخفة حاصلة قبل القلب كما هي حاصلة قبل الإدغام، لان القلب لا يوجب التباس فَعَلٍ بِفَعْلٍ، إذ بالألف يعرف أنه كان متحرك العين لا ساكنها، بخلاف الإدغام

وقد جاء لأجل الخفة كثير من المعتل على فَعَل غير معل نحو قرد (2) ومَيَلٍ (3) وغَيَبٍ (4) وصَيَدٍ (5) وخَوَنَةٍ وحَوَكَةٍ (6) ، ولم يدغم نحو سُرُرٍ (7) وسُرَر (8)

كثرة العيال، أو كثرة الايدى على الطعام، أو أن تكون الاكلة أكثر من الطعام، أو الضيق والشدة، وقد راجعنا كتب اللغة فوجدنا المستعمل هو ما ذكرنا بالادغام، فلعل الفك الذى حكاه المؤلف لغة قليلة (1) الندس - كعضد، وفى لغة أخرى - ككنف -: هو الفهم الفطن (2) القود: هو أن تقتل القاتل بمن قتله (3) الميل - بالتحريك -: ما كان خلقة في إنسان أو بناء، والفعل كفرح، تقول: ميل يميل فهو أميل (4) الغيب - بفتحتين -: القوم الغائبون (5) الصيد - بفتحتين -: ميل العنق، وقد صيد فهو أصيد (6) الحوكة - بفتحات -: جمع حائك، وتقول: حاك الثوب حوكا وحياكا وحياكة: فهو حائك من قوم حاكة وحوكة، الاولى على القياس، والثانية شاذة في القياس كثيرة في السماع (7) السرر - بضمتين -: جمع سرير وهو معروف (8) السرر - بضم ففتح -: جمع سرة (*)

ص: 242

وقِدَد (1) وكذا رِدِدٌ على وزن إبل من رَدّ، لعدم موازنة الفعل، وأما قولهم: عَمِيمة وعُمٌّ (2) فمخفف كما يخفف غير المضاعف نحو عُنْق ورُسْل وبُونٌ في جمع بِوَانٍ (3) والقياس بُوُن كعِيَان وعُيُن (4) ، فإذا اتصل بآخر الاسم الثلاثي الرازن للفعل حرف لازم كألف التأنيث أو الألف والنون لم يمنع ذلك من الإدغام كما منع من الإعلال في نحو الطَّيَران والْحَيَدَى (5) ، لأن ثقل إظهار المثلين أكثر من

ثقل ترك قلب الواو ألفاً، فصار الحرف اللازم مع لزومه كالعدم، فنقول: من رَدّ على فَعَلَانَ: رَدَدَان، كشَرَرٍ، وعلى فَعِلان وفَعُلَان بكسر العين وضمها: رَدّان، بالإدغام، وعلى فُعُلان - بضمتين - وفعلان - بكسرتين -: رُدُدَان ورِدِدَان، وعلى فُعَلَان - بضم الفاء وفتح العين -: رُدَدان، كله بالإظهار، وكذا الاسم الثلاثي المزيد فيه يدغم أيضاً إذا وازن الفعل، نحو مُسْتَعِدّ ومُسْتَعَدّ ومَرَدّ، وهو على وزن يَفْعَل، ومُدُقّ، وهو على وزن انْصُر، وَرَادٍّ، وهو كيضرب، ولا يشترط في الإدغام مع الموازنة المخالفة بحركة أو حرف في الاولى ليس في الفعل،، كما اشترط ذلك في الإعلال، فيدغم نحو أدَقّ وَأشَدَّ، وإن لم يخالف

(1) القدد - بكسر ففتح -: جمع قدة، وهى الفرقة من الناس يكون هوى كل واحد على حدة، ومنه قوله تعالى (كنا طرائق قددا) : أي فرقا مختلفة الاهواء (2) تقول: نخلة عميمة: أي طويلة، ونخل عم - بضمتين - وقد يقال: عم - بالادغام.

(3)

البوان - ككتاب، وكغراب -: أحد أعمدة الخباء، انظر (ح 2 ص 127، 208)(4) العيان - بكسر أوله -: حديدة الفدان، وجمعه عين - بضمتين - (5) الحيدى - بفتحات -: مشية المختال، وتقول: حمار حيدى، إذا كان يحيد عن ظله نشاطا ولم يوصف مذكر بما على فعلى سوى ذلك (*)

ص: 243

الفعل، ولا يعل نحو أقْوَل وأطْوَل، وذلك لما ذكرنا من أن ثقل إظهار التضعيف أكثر من ثقل ترك الإعلال، وقوله 185 - * تَشْكُو الْوَجَى مِنْ أَظْلَلٍ وأظْلَلِ (1) * شاذ ضرورة

وإن كان الساكن هو الأول فقد مر حكمه وإن كان الساكن هو الثاني فهو على ضربين: أحدهما أن تحذف الحركة لموجب، ولا يجوز أن يحرك بحركة أخرى، ما دام ذلك الموجب باقياً، وذلك هو الفعل إذا اتصل به تاء الضمير أو نونه، نحو رددت ورددنا ورددن ويرددان وَارْدُدْنَ، والثاني: أن تحذف الحركة لموجب، ثم قد تعرض ضرورةٌ يُحَرَّك الحرف لأجلها بغير الحركة المحذوفة، مع وجود ذلك الموجب، وذلك الفعل المجزومُ أو الموقوف، نحو لم يَرْدُدْ وارْدُدْ، فإنه حذف منه الحركة الإعرابية، ثم إنه قد يتحرك ثاني المثلين فيهما لالتقاء الساكنين، نحو ارْدُدِ الْقَوْم، ولم يَرْدُدِ الْقَوْمَ فالقسم الأول - أعني رَدَدْت ورَدَدْنا وَيَرْدُدْنَ وارْدُدْنَ - المشهور فيه إثبات الحرفين بلا إدغام، وجاء في لغة بكر بن وائل وغيرهم الإدغام أيضا، نحو

(1) هذا بيت من الرجز المشطور من أرجوزة لأبي النجم العِجْلي أولها: * الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الاجلل * وبعد البيت الشاهد قوله: * مِنْ طُولِ إمْلَالٍ وظَهْرِ مُمْلَلٍ * والوجى: الحفى، يزيد أنه حمل على إله في السير حتى اشتكت الحفى، والاظلل: باطن خف البعير، والاملال: مصدر قولك: أمله، وأمل عليه، إذا أنأمه.

والاستشهاد بالبيت في قوله: أظلل حيث فك الادغام ضرورة (*)

ص: 244

رُدَّنَ ويَرُدَّنَ، بفتح الثاني، وهو شاذ قليل، وبعضهم يزيد ألفاً بعد الإدغام، نحو رَدَّاتُ ورَدَّانَ، ليبقى ما قبل هذه الضمائر ساكناً كما في غير المدغم، نحو ضربت وضربن، وجاء في لغة سليم قليلاً - وربما استعمله غيرهم - حَذْفُ

العين أيضاً في مثله، وذلك لكراهتهم اجتماع المثلين، فحذفوا ما حقه الإدغام: أعني أول المثلين، لما تعذر الإدغام، فإن كان ما قبل الأول ساكناً أوجبوا نقل حركة الأول إليه، نحو أحَسْنَ وَيُحِسْنَ، ومنه قوله تعالى:(وَقَرْنَ (1) فِي بيوتكن) على أحد الوجوه، وإن كان ما قبل الأول متحركاً جاز حذف حركة الأول ونقلها إلى ما قبله إن كانت كسرة أو ضمة، قالوا: ظَلْتُ - بفتح الفاء وكسرها - وكذا في لَبُبْت لَبْتُ ولُبْتُ - بفتح الفاء وضمها - وذلك لبيان وزن الفعل كما بينا في ضمة قُلْت وكسرة بِعْتُ، وهذا الحذف عندهم في الماضي أكثر منه في المضارع والأمر، وقد جاء الحذف في مثله والحرفان في كلمتين إذا كان الثاني لام التعريف، نحو عَلْمَاءِ: أي على الماء، وأما قولهم عَلَّرْضٍ فقياس، لأنه نقل حركة الهمزة إلى لام التعريف، ثم اعتد بالحركة المنقولة

(1) اعلم أن قولنا: قر الرجل في مكانه، قد ورد من باب علم يعلم، ومن باب ضرب يضرب.

ثم اعلم أن هذه الاية الكريمة قد قرئ فيها بالاتمام، وبالحذف مع كسر القاف، وبالحذف مع فتح القاف: أما الاتمام فلا شئ فيه، وأما الحذف مع كسر القاف فتخريجه على أن الفعل من باب ضرب يضرب، ولا شئ فيه من جهة القواعد، ولكن فيه استعمال أقل اللغتين، وذلك لان مجئ الفعل من باب علم أكثر من مجيئه من باب ضرب، وزعم بعضهم أن الفعل في هذه الاية - على قراءة الكسر - من المثال المحذوف الفاء، وأصله وقريقر، وأما قراءة الفتح فالفعل عليها من باب علم ألبتة، لان هذه الفتحة التى على القاف منقولة من أول المثلين، وقد اختلف العلماء في تخريجها فذهب قوم إلى أن الفعل من المضعف وأنه قد حذفت عينه أو لامه مع أن العين مفتوحة، وذهب قوم إلى أن الفعل أمر من الاجوف، وأصله قار يقار مثل خاف يخاف (*)

ص: 245

فأدغم لام عَلَى فيها، وكذا قالوا في جَلَا الأمْرَ وَسلَا الإِقامة: جَلَّمْرَ وسَلِّقَامة، وفيه اعتداد بحركة اللام من حيث الإدغام، وترك الاعتداد بها من حيث حذف ألف عَلَى وَجَلَا.

وجاء الحذف في المتقاربين في كلمتين إذا كان الثاني لام التعريف نحو بَلْعَنْبَرِ، وبَلْحَارِث وَبَلْكَعْب، وليس بقياس والقسم الثاني: أعني نحو رُدّ ولم يرُدَّ، لغة أهل الحجاز فيه ترك الإدغام، وأجاز غيرهم الإدغام أيضاً، لأن أصل الحرف الثاني الحركة، وهى إن انتفت بالعارض: أعني الجزم والوقف، لكن لا يمتنع دخول الحركة الأخرى عليه: أعني الحركة: لالتقاء الساكنين، فجوز الإدغام فيما لم يعرض فيه تلك الحركة أيضاً، نحو رُدَّ زيداً، ولم يُردّ زيداً، فإذا أدغم حرك الثاني بما ذكرناه في باب التقاء الساكنين (1) ، وقد جاء في التنزيل أيضاً ذلك، قال تعالى (لَا تضار والدة) ، وإن سكن الحرف المدغم فيه للوقف فبقاء الإدغام فيه أكثر وأشهر، لعروض السكون، وعدم لزومه، إذ قد تثبت تلك الحركة المحذوفة فيه بعينها، وذلك في الوصل، فيكون جمعاً بين الساكنين، وهو مغتفر في الوقف، وقد يجوز حذف أحد المثلين أيضاً نحو هو يفر، وقفاً - بالتشديد والتخفيف - فهذه أحكام اجتماع المثلين في كلمة واحدة فإن كان ما قبل أول المثلين فيما قصد الإدغام فيه ساكناً: سواء تحرك المثلان كيردد، أو سكن ثانيهما كلم يردد، فإن كان الساكن حرف مد: أي الألف والواو والياء الساكنين اللذين ما قبلهما من الحركة من جنسهما، وجب حذف الحركة، نحو مادَّ وَتُمُودَّ الثوب، وكذا ياء التصغير، إذ هو لازم السكون، فلا يحتمل الحركة نحو أُصَيْمَ (2) ومُدَيْقٍ (3) وجاز التقاء الساكنين في جميع ذلك

(1) انظر (ح 2 ص 243)(2) أصيم: تصغير أصم، وهو وصف من الصمم

(3)

مديق: تصغير مدق - بضمتين - وهو آلة يدق بها (*)

ص: 246

كله، لأنه على حده كما مر في بابه (1) ، وإن كان الساكن غير ذلك نقل حركة أول المثلين إليه سواء كان حرف لين كإوَزَّةَ (2) وَأَوَدُّ (3) وَأَيَلُّ (4) ، أولا، نحو مستعدو ومستَعَدَّ هذا.

وإن كان المثلان في كلمتين: فإن كان أولهما ساكناً فقط وليس بمد وجب الإدغام كما ذكرنا، سواء كان همزاً نحو اقرَأْ آية، إذا لم تخفف، أو غير همز، نحو قلْ لِزيد، وإن كان ثاني المثلين ساكناً فقط وجب إثباتهما إلا فيما إذا كان الثاني لام التعريف فقط، فإنه قد جاء في الشذوذ حذف أولهما أيضاً كما مر، نحو عَلْمَاءِ، وذلك لكثرة لام التعريف في كلامهم، فطُلِب التخفيف بالحذف لَمَّا تعذر الإدغام، وكذا جاء الحذف في بعض المتقاربين نحو بَلْحَارِث وَبَلْعَنْبَر، وقال سيبويه: وكذا يفعلون بكل قبيلة يظهر فيها لام التعريف، فلا يحذفون في بَني النَّجَّار، لإدغام اللام في نون النجار، وإن كانا متحركين: فإن كان ما قبل أول المثلين متحركاً نحو مكنني ويُمَكِّنُنِي وطُبع قلوبهم، أو كان ساكناً هو حرف مد نحو قالَ لَهُم، وقيلَ لَهم، وعمود داود، وتظلمونني، وتظلمينني، أولين غير مد نحو ثوب بَّكر، وجيب بَّكر وجاز الإدغام، وإن كان ذلك في الهمز أيضا نحو رداء أبَّيك، وقرأ أبَّوك، فيمن يحقق الهمزتين، وإن كان الساكن حرفاً صحيحاً لم يجز الإدغام، وأما ما نسب إلى أبي عمرو من الإدغام في نحو (خُذِ العفو وأمر) و (شهر رمضان) فليس بإدغام حقيقي، بَل هو إخفاء أول المثلين إخفاء يشبه الإدغام، فتجوز بإطلاق اسم الإدغام على الإخفاء لما كان الإخفاء قريباً منه، والدليل على أنه إخفاء لا إدغام أنه روي عنه الاشمام والروم

(1) انظر (ح 2 ص 212 وما بعدها)

(2)

انظر (ح 1 ص 27 وما بعدها)(3، 4) انظر (ح 1 ص 27)(*)

ص: 247

في نحو (شهر رمضان) و (الخلد جزاء) إجراء للوصل مجرى الوقف، والرَّوْم: هو الإتيان ببعض الحركة، وتحريك الحرف المدغم محال، فلك في كل مثلين في كلمتين قبلهما حرف صحيح إخفاء الأول منهما واعلم أن أحسن ما يكون الإدغام فيما جاز لك فيه الإدغام من كلمتين أن يتوالى خمسة أحرف فصاعداً متحركة مع المثلين المتحركين، نحو جَعَلْ لَكَ، وذهبْ بِمالك، ونحو نَزَعْ عُمْرُ، وَنَزَعْ عُلَبْطٌ، والإظهار فيما قبل أول المثلين فيه حرف مدّ أحسن من الإظهار فيما قبل أول المثلين فيه حرف متحرك، والإظهار في الواو والياء اللتين ليستا بمد نحو ثَوْبٍ بَكْر وجيب بَكر أحسن منه في الألف والواو والياء المدتين، لأن المد يقوم مقام الحركة، وإنما جاز الإدغام في نحو ثوب بكر وجيب بكر ولم يجز في نحو (خُذِ العفو وأمر) لأن الواو والياء الساكنين فيهما مد على الجملة وإن لم تكن حركة ما قبلهما من جنسهما، إلا أن مدهما أقل من مدهما إذا كان حركة ما قبلهما من جنسهما، ولوجود المد فيهما مطلقاً يمد وَرْش نحو سوءة وشئ، كما يمد نحو سئ والسُّوءِ، وإنما لم يجز نقل حركة أول المثلين في كلمتين إلى الساكن قبله للإدغام في نحو (العفو وأمر) ، وجاز ذلك في كلمة واحدة نحو مُدُقٍّ ومستعِدٍّ وأوَدُّ وأيَلُّ لأن اجتماع المثلين لازم إذا كان في كلمة، فجاز لذلك اللازم الثقيل تغيير بنية الكلمة وأما إذا كانا في كلمتين فإنه لا يجوز تغيير بنية الكلمة لشئ عارض غير لازم قوله " مكَّنني ويمكِّنني من باب كلمتين " يعني يجوز فيه إدغام الكلمة وتركه، لأنه من باب كلمتين، وإن كان الثاني كجزء الكلمة

قوله " إلا في الهمزتين " قد ذكرنا أن الإدغام فيهما واجب عند من يحقق الهمزتين

ص: 248

قوله " في نحو السَّئَّال " قد مضى شرحه في باب تخفيف الهمزة (1) قوله " وفي نحو تُووِي وَرِيْياً " يعني إذا كانت الأولى منقلبة من الهمز على سبيل الجواز لا الوجوب قوله " وفي نحو قالوا وما " يعني إذا كان الأول مداً، وهما في كلمتين قوله " ولا إلحاق " احتراز عن نحو قَرْدَدٍ وَجَلْبَبَ قوله " ولا لبس " احتراز عن نحو طَلَلٍ وَسُرُرٍ قوله " وفي نحو حَيِيَ " أي: فيما المثلان فيه ياءان ولا علة لقلب ثانيهما ألفاً وحركته لازمة قوله " في نحو اقتتل " أي: فيما المثلان فيه في الوسط قوله " تتنزل وتتباعد " أي: فيما المثلان فيه في الأول قوله " فتنقل حركته " أي: إذا كانا في كلمة قوله " غير لين " احتراز عن نحو رادّ وَتُمُودّ وأُصَيْمّ، وليس له هذا الإطلاق، بل الواجب أن يقول: غير مد ولا ياء تصغير، لأن نحو أود وأيل تقل فيه الحركة إلى الساكن مع أنه حرف لين قوله " وسكون الوقف " لا يريد بالوقف البناء في نحو رُدَّ، أمراً، بل الوقف في نحو جاءني زَيْدْ - بالإسكان - دون الروم والإشمام قوله " في الهمز على الأكثر " قد ذكرنا أنه لا يمتنع عند أهل التحقيق، بل الإدغام واجب عند سكون الأول، وجائز عند تحركهما في كلمتين، نحو قرأ أّبوك

قوله " تدغم في نحو رُدّ ولم يَرُدّ " أي: تدغم إذا كان الثاني ساكناً للجزم أو لكون الكلمة مبنية على السكون

(1) انظر (ص 55 من هذا الجزء)(*)

ص: 249

قوله " وعند الإلحاق " عطف على قوله في الهمز: أي يمتنع عند الإلحاق قوله " في كلمتين " لأن ذك لا يمتنع في كلمة نحو أُصَيْمّ وَمُدَيْقّ قوله " وجائز فيما سوى ذلك " أي: سوى الواجب والممتنع، وذلك إذا تحركا في كلمتين وليس قبل الأول ساكن صحيح نحو " طبع على " يجوز لك فيه الإدغام وتركه قال:" الْمُتِقَارِبَانِ، وَنَعْنِي بِهِمَا مَا تَقَارَبَا فِي المخرح أوْ فِي صِفَةٍ تَقُومُ مَقَامَهُ، وَمَخَارِجُ الْحُرُوفِ سِتَّةَ عَشَرَ تَقْرِيباً، وَإلَاّ فَلِكُلٍّ مَخْرَجٌ، فَلِلْهَمْزَة وَالْهَاءِ والألف أقصى الحلق، وللعين والحاء وَسَطُهُ، وَلِلْغَيْنِ وَالْخَاءِ أدْنَاهُ، وَلِلْقَافِ أقْصَى اللِّسَانِ وَمَا فَوْقَهُ مِنَ الْحَنَكِ، وَلِلْكَافِ مِنْهُمَا مَا يَلِيهِمَا، وللجيم والشين والياء وسط اللسان وَمَا فَوْقَهُ مِنَ الْحَنَكِ، وَلِلضَّادِ أوَّلُ أُحْدَى حَافَتَيْهِ وَمَا يَلِيهِمَا مِنَ الأَضْرَاسِ، وَلِلَاّمِ مَا دُونَ طَرَفِ اللِّسَانِ إلَى مُنْتَهَاهُ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَلِلرَّاءِ مِنْهُمَا مَا يَلِيهِمَا، وَلِلنُّونِ مِنْهُمَا مَا يَلِيِهِمَا، وَلِلطَّاءِ وَالدَّالِ وَالتَّاءِ طَرَفُ اللِّسَانِ وَأصُولُ الثَّنَايَا، وَلِلصَّادِ وَالزَّاي وَالسِّينِ طََرَفُ اللِّسَانِ وَالثَّنَايَا، وَلِلظَّاءِ وَالذَّالِ وَالثَّاءِ طَرَفُ اللِّسَانِ وَطَرَفُ الثَّنَايَا، وَلِلْفَاءِ بَاطِنُ الشَّفَةِ السُّفْلَى وَطَرَفُ الثَّنَايَا الْعُلْيَا، وَلِلبَاءِ وَالمِيمِ وَالوَاوِ مَا بَيْنَ الشَّفَتَيْنِ " أقول: قوله " أو في صفة تقوم مقامه " يعني بها نحو الشدة والرخاو والجهر وَالْهَمْس والإطباق والاستعلاء وغير ذلك مما يذكر بعد

قوله " وَإلَاّ فلكل مخرج " لأن الصوتَ السَّاذَجَ الذي هو محل الحروف - والحروف هيئة عارضة له - غَيرُ مخالف بعضُه بعضاً في الحقيقة، بل إنما تختلف بالجهارة واللين والغلظ والرقة، ولا أثر لمثلها في اختلاف الحروف، لأن الحرف الواحد قد يكون مجهوراً وخفياً، فإذا كان ساذجُ الصوت الذي هو مادة الحرف ليس

ص: 250

بأنواع مختلفة، فلولا اختلاف أوضاع آلة الحروف - وأعني بآلتها مواضعَ تكونها في اللسان والحلق والسن والنِّطع (1) والشفة، وهي المسماة بالمخارج - لم تختلف الحروف، إذ لا شئ هناك يمكن اختلاف الحروف بِسببه إلا مادتها وآلتها، ويمكن أن يقال: إن اختلافها قد يحصل مع اتحاد المخرج بسبب اختلاف وضع الآلة من شدة الاعتماد وسهولته وغير ذلك، فلا يلزم أن يكون لكل حرف مخرج قوله " فللهمزة والهاء والألف أقصى الحلق، وللعين والحاء وسطه، وللغين والخاء أدناه " أي: أدناه إلى الفم، وهو رأس الحلق، هذا ترتيب سيبويه ابتدأ من حروف المعجم بما يكون من أقصى الحلق، وَتَدَرَّج إلى أن ختم بما مخرجه الشفه، والظاهر من ترتيبه أن الهاء في أقصى الحلق أرفع من الهمزة، والالف أرفع من الهاء، ومذهب الأخفش أن الألف مع الهاء، لاقدامها ولا خلفها، قال ابن جني: لو كانا من مخرج لكان ينقلب الألف هاء لا همزة إذا حركتها.

ولمانع أن يمنع من انقلاب الألف همزة بالتحريك، والحاء في وسط الحلق أرفع من العين، والخاء في أدنى الحلق أعلى من الغين، وكان الخليل يقول: الألف اللينة والواو والياء والهمزة هوائية: أي أنها من هواء الفم لا تقع على مَدْرَجَة من مدارج الحلق ولا مدارج اللسان، قال: وأقصى الحروف كلها في الحلق العين، وأرفع منها الحاء، وبعدها الهاء، ثم بعدهما إلى الفم الغين والخاء، والخاء أرفع من الغين

(1) قال في اللسان: " النطع (بكسر أوله وسكون ثانيه) والنطع (بكسر أوله وفتح ثانيه) والنطع (بفتحتين) والنطعة (بكسر ففتح) : ما ظهر من غار الفم الاعلى، وهى الجلدة الملتزقة بعضم الخليفاء فيها آثار كالتخريز، وهناك موقع اللسان في الحنك " اه.

(*)

ص: 251

قوله " وللكاف منهما " أي: من أقصى اللسان وما فوقه " ما يليهما " أي ما يقرب منهما إلى خارج الفم قوله " وللجيم والشين والياء وسط اللسان وما فوقه من الحنك " الجيم أقرب إلى أصل اللسان، وبعده إلى خارج الفم الشين، وبعده إلى خارجه الياء، قال سيبويه: بين وسط اللسان وبين وسط الحنك الأعلى مخرج الجيم والشين والياء قوله " وللضاد أول إحدى حافتيه " الحافة: الجانب، وللسان حافتان من أصله إلى رأسه كحافتي الوادي، ويريد بأول الحافة ما يلي أصل اللسان، وبآخر الحافة ما يلي رأسه قوله " وما يليهما من الأضراس " اعلم أن الأسنان اثنتان وثلاثون سنا: ست عشرة في الفك الأعلى، ومثلها في الفك الأسفل، فمنها الثنايا، وهي أربع من قدام: ثنتان من فوق، ومثلهما من أسفل، ثم الرّبَاعِيَات، وهي أربع أيضاً: رباعيتان من فوق يمنة ويسرة، ومثلهما من أسفل، وخلفهما الأنياب الأربع: نابان ضاحتكان من فوق يمنة ويسرة، ومثلهما من أسفل، وخلف الأنياب الضواحكُ، وهي أربع: ضاحكتان من فوق يمنة ويسرة، ومثلهما من أسفل، وخلف الضواحِكِ الأضراسُ، وهي ست عشرة: ثمان من فوق: أربع يمنة وأربع يسرة، ومثلها من أسفل.

ومن الناس من ينبت له خلف الأضراس النواجذُ، وهي أربع من كل جانب: ثنتان فوق، وثنتان أسفل، فيصير ستاً وثلاثين سنا، فأنت تخرج

الضد من أقصى إحدى حافتي اللسان إلى قريب من رأس اللسان، ومنتهاه أول مخرج اللام، هذا الذي ذكرناه مخرج الضاد من اللسان إلى قريب من رأس اللسان، وموضعها من الأسنان نفس الأضراس العليا، فيكون مخرجها بين الأضراس وبين أقصى إحدى حافتي اللسان، وأكثر ما تخرج من الجانب الأيمن، على ما يؤذن به كلام سيبويه وصرح به السيرافي، ويقال للضاد: طويل،

ص: 252

لأنه من أقصى الحافة إلى أدنى الحافة: أي إلى أول مخرج اللام، فاستغرق أكثر الحافة قوله " واللام ما دون طرف اللسان " يريد بما دون طرفه ما يقارب رأس اللسان من جانب ظهره إلى منتهاه: أي إلى رأس اللسان قوله " وما فوق ذلك " أي: ما فوق ما دون طرف اللسان إلى رأسه، وهو من الحنك ما فوق الثنية، وعبارة سيبويه (1)" من بين أدنى حافة اللسان إلى منتهى طرفه، وبين ما يليها من الحنك الأعلى مما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية "، واللام ابتداؤه - على ما قال سيبويه - من الضاحك إلى الثنية، لأن الضاد يخرج من بين الأضراس وحافة اللسان، واللام يخرج من فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية، لا من نفس الأسنان وحافة اللسان، وجميع علماء هذا الفن على ذكر سيبويه، والمصنف خالفهم كما ترى، وليس بصواب قوله " وللراء منهما " أي: ما دون طرف اللسان إلى منتهاه وما فوق ذلك قوله " ما يليهما " أي: ما يقرب الموضعين إلى جانب ظهر اللسان، فالنون أقرب إلى رأس اللسان من الراء، وقال سيبويه: مخرج النون بين طرف اللسان إلى رأسه، وبين فويق الثنايا، ومخرجُ الراء هو مخرج النون، غير أنه أدخل في ظهر اللسان قليلاً، لا نحرافه إلى اللام: أي الراء مائل إلى اللام

قوله " وللصاد والزاي والسين طرف اللسان والثنايا " كذا قال ابن جني والزمخشري، يعنون أنها تخرج من بين رأس اللسان والثنايا من غير أن يتصل طرف اللسان بالثنايا كما اتصل بأصولها لإخراج الطاء والدال، بل يحاذيها

(1) عبارة سيبويه (ح 2 ص 405) هكذا: " ومن حافة اللسان من أدناها إلى منتهى طرف اللسان ما بينها وبين ما يليها من الحنك الاعلى وما فويق الضاحك والباب والرباعية والثنية مخرج اللام " اه (*)

ص: 253

ويسامتها وعبارة سيبويه " مما بين طرف اللسان وطرف الثنايا مخرج الزاي والسين والصاد " فعلى ما قال مخرج هذه الحروف هو مخرج النون قوله " طرف اللسان وطرف الثنايا " أي: رءوس الثنايا العليا، وقال الخليل: العين والحاء والهاء والغين والخاء حلقية، لأن مبتدأها من الحلق، والقاف والكاف لَهَوِيَّتَان، إذ هما من اللَّهَاة، والجيم والشين والضاد شَجْرِية، لأن مبدأها من شَجْر الفم: أي مَفْرَجه، والصاد والزاي والسين أسَلِية، وَأسَلَة اللسان: مُسْتَدَقّ طرفه، والطاء والدال والتاء نِطَعِيَّة: لأن مبدأها من نِطَع الغار الأعلى، والظاء والذال والثاء لِثَوِيَّة، والراء واللام والنون ذلقية، وذلق كل شئ: تحديد طرفه، والفاء والباء والميم شَفَوية، أو شفهية، والواو والياء والألف والهمزة هَوَائية، إذ هي من الهواء لا يتعلق بها شئ، وخالف الفراء سيبويه في موضعين: أحدهما أنه جعل مخرج الياء والواو واحداً، والآخر أنه جعل الفاء والميم بين الشفتين، وأحسن الأقوال ما ذكره سيبويه، وعليه العلماء بعده.

قال: " وَمَخْرَج الْمُتَفَرِّع وَاضِحْ، وَالْفَصِيحُ ثَمَانِيَةٌ: هَمْزَةُ بَيْنَ بَيْنَ (وَهِيَ) ثَلَاثَةٌ، وَالنُّونُ الْخَفِيَّةُ نَحْوُ عَنْكَ، وَأَلِفُ الإِمَالَةِ، وَلَامُ التَّفْخِيم، وَالصَّادُ كالزَّاي وَالشِّينُ كالْجِيم.

وَأَمَّا الصَّادُ كالسِّينِ والطَّاءُ كالتَّاء وَالْفَاءُ كالْبَاءِ

وَالضَّادُ الضَّعِيفَةُ وَالْكَافُ كَالْجِيم فَمُسْتَهْجَنَةٌ.

وَأَمَّا الْجِيمُ كالكاف والجيم كالشَّين فَلَا يَتَحَقَّقُ " أقول: يعني بالمتفرع حرفاً يتفرع عن هذه الحروف المذكورة قبل بإشرابها صَوْتاً من غيرها، فهمزة بين بين ثلاثة ذكرناها في تخفيف الهمزة (1) : ما بين الهمزة والألف، وما بينها وبين الواو، وما بينها وبين الياء.

قوله " النون الخفية " قيل: إن الرواية عن سيبويه " الخفيفة " قال السيرافي يجب أن يقال " الخفية " لان التفسير يدل عليه، إذ هي نون ساكنة غير

(1) انظر (ص 30 وما بعدها من هذا الجزء)(*)

ص: 254

ظاهرة مخرجها من الخيشوم فقط، وإنما تجئ قبل الحروف الخمسة عشر التي تذكر عند ذكر أحوال النون، قال السيرافي: ولو تكلف متكلف إخراجها من الفم مع هذه الخمسة عشر لأمكن بعلاج وعسر.

قوله: " وألف الإمالة " يسميها سيبويه ألف الترخيم، لأن الترخيم تليين الصوت، قال: لَهَا بَشَرٌ مِثْلُ الْحَرِيرِ وَمَنْطِقٌ * رخيم الحواشى لاهراء وَلَا نَزْرُ قوله " ولام التفخيم " يعني بها اللام التي تلي الصاد أو الضاد أو الطاء، إذا كانت هذه الحروف مفتوحة أو ساكنة، كالصلوة وَيَصْلَوْن، فإن بعضهم يفخمها، وكذا لام " الله " إذا كان قبلها ضمة أو فتحة.

ولم يذكر المصنف ألف التفخيم، وذكرها سيبويه في الحروف المستحسنة، وهي الألف التي يُنْحَى بها نحو الواو، كالصلوة والزكوة والحيوة، وهي لغة أهل الحجاز، وزعموا أن كَتْبَهُم لهذه الكلمات بالواو على هذه اللغة.

قوله " الصاد كالزاي " قد ذكرنا في نحو يَصْدُق وَصَدَق.

قوله " والشين كالجيم " ذكرها سيبويه في الحروف المستحسنة، وذكر الجيم التي كالشين في المستهجنة، وكلتاهما شئ واحد، لكنه إنما استحسن الشين المشربة صوت الجيم لأنه إنما يفعل ذلك بها إذا كانت الشين ساكنة قبل الدَّال، والدَّال مجهورة شديدة والشين مهموسة رخوة تنافي جوهر الدال، ولا سيما إذا كانت

(1) هذا بيت من بحر الطويل من قصيدة لذى الرمة، والبشر: اسم جنس جمعى واحده بشرة، وبشرة الانسان: ظاهر بدنه، والمنطق مصدر ميمى بمعنى النطق، والرخيم: الناعم اللين، والهراء - كغراب -: المنطق الفاسد، ويقال: هو الكثير، وهو أنسب لمقابلته بالنزر وهو القليل.

والاستشهاد بالبيت على أن الرخيم معناه الصوت اللين، فالترخيم بمعنى تليين الصوت (*)

ص: 255

ساكنة، لأن الحركة تُخْرج الحرف عن جوهرة فتُشْرَب الشين صوت الجيم التي هي مجهورة شديدة كالدال لتناسب الصوت، فلا جرم استحسن، وإنما استهجن الجيم التي كالشين لأنها إنما يفعل ذلك بها إذا سكنت وبعدها دال أو تاء، نحو اجتمعوا وأجْدَر، وليس بين الجيم والدال، ولا بينها وبين التاء تباين، بل هما شديدتان، لكن الطبع ربما يميل لاجتماع الشديدين إلى السلاسة واللين فيشرب الجيم ما يقاربه في المخرج، وهو الشين، فالفرار من المتنافيين مستحسن، والفرار من المثلين مستهجن، فصار الحرف الواحد مستحسناً في موضع، ومستهجناً في موضع آخر، بحسب موقعه قوله " وأما الصاد كالسين " قربها بعضهم من السين لكونهما من مخرج واحد، والطاء التى كالتاء تكون في كلام عجم أهل المشرق كثيراً، لأن الطاء في أصل لغتهم معدومة فإذا نطقوا بها تكلفوا ما ليس في لغتهم، فنطقوا بشئ بين الطاء والتاء

قوله " والفاء كالباء " قال السيرافي: هي كثيرة في لغة العجم وهي على ضربين: أحدهما لفظ الباء أغلب عليه من الفاء، والآخر لفظ الفاء أغلب عليه من الباء، وقد جعلا حرفين من حروفهم سوى الباء والفاء المخلصين، قال: وأظن أن العرب إنما أخذوا ذلك من العجم لمخالطتهم إياهم قوله " الضاد الضعيفة " قال السيرافي: إنها لغة قوم ليس في لغتهم ضاد، فإذا احتاجوا إلى التكلم بها في العربية اعْتَضَلَت عليهم، فربما أخرجوها ظاء، لإخراجهم إياها من طرف اللسان وأطراف الثنايا، وربما تكلفوا إخراجها من مخرج الضاد فلم يتأتَّ لهم فخرجت بين الضاد والظاء، وفى حاشية كتاب ابن مبرمان: الضاد الضعيفة كما يقال في اثْرُدْ له: اضْرُدْ له، يقربون التاء من الضاد، قال سيبويه: تكلف الضاد الضعيفة من الجانب الأيسر أخف، قال

ص: 256

السيرافي: لأن الجانب الأيمن قد اعتاد الضاد الصحيحة، وإخراج الضعيفة من موضع اعتاد الصحيحة أصعب من إخراجها من موضع لم يعتد الصحيحة قوله " والكاف كالجيم " نحو جافر في كافر، وكذا الجيم التي كالكاف، يقولون في جَمَل: كَمَل، وفي رَجُل: ركُل، وهي فاشية في أهل البحرين، وهما جميعا شئ واحد، إلا أن أصل أحدهما الجيم وأصل الآخر الكاف، كما ذكرنا في الجيم كالشين والشينِ كالجيم، إلا أن الشين كالجيم مستحسنة وعكسَه مستهجن، والكاف كالجيم وعكسهُ مستهجنان، فقوله " لا يتحقق " فيه نظر، وكأنه ظن أن مرادهم بالجيم كالشين حرف آخر غير الشين كالجيم، وكذا ظن أن مرادهم بالجيم كالكاف غير مرادهم بالكاف كالجيم، وهو وهم ومن المتفرعة القاف بين القاف والكاف، قال السيرافي: هو مثل الكاف التي كالجيم والجيم التي كالكاف

ومنها أيضاً الجيم التي كالزاي والشين التي كالزاي، على ما ذكرنا في أَجْدَر وأشدق ومنها أيضاً الياء كالواو في قُيِل وبُيع - بالإشمام، والواو كالياء في مذعور وابن نور، كما ذكرنا في باب الامالة قال: " وَمِنْهَا الْمَجْهُورَةُ وَالْمَهْمْوسَة، وَمِنْها الشَّدِيدَةُ وَالرِّخْوَةُ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمِنْهَا المطبقة والمنفتحة، ومنها المستعلية وَالْمُنْخَِفضَةُ، وَمِنْهَا حُرُوفُ الذَّلَاقَةِ وَالْمُصْمَتَهُ، وَمِنْهَا حُرُوفُ الْقَلْقَلَةِ وَالضَّفِيرِ وَاللَّيِّنةُ وَالْمْنْحَرِفُ وَالْمُكَرَّرُ وَالْهَاوِي وَالْمَهْتُوت.

فَالْمَجْهُورَة مَا يَنْحَصِرُ جَرْيُ النَّفَس مَعَ تَحَرُّكِه وَهِيَ مَا عَدَا حُرُوفِ (سَتَشْحَثُكَ خَصَفَهْ) ، وَالْمَهْمُوسَةِ بِخِلَافِهَا وَمُثلاً بققق وككك، وخالف بعضهم فجعل الضاد والظاء والذال والزاي والعين والغين والياء من المهموسة، والكاف

ص: 257

وَالتَّاءَ مِنَ الْمَجْهُورَةِ، وَرَأى أَنَّ الشِّدَّةَ تُؤكِّدُ الْجَهْرَ، وَالشَّدِيدَةُ: مَا يَنْحَصِرُ جَرْيُ صَوْتِهِ عِنْدَ إِسْكَانِهِ فِي مَخْرَجِهِ فَلَا يَجْرِي، وَيَجْمَعُهَا (أجِدُكَ قَطَبْتَ) وَالرِّخْوَةُ بِخِلافِهَا، وَمَا بَيْنَهُمَا مَا لَا يَتِمُّ لَهُ الانْحِصَارُ وَلَا الْجَرْيُ، وَيَجْمَعُهَا (لِمَ يَرُوعُنَا) ، وَمَثِّلَتْ بِالْحَجِّ وَالطَّشِّ وَالْخَلِّ، وَالْمُطْبَقَةُ مَا يُنْطَبَقُ عَلَى مَخْرَجِهِ الْحَنَكُ، وَهِيَ الصَّادُ والضَّادُ وَالطَّاءُ وَالظَّاءُ، وَالْمُنْفَتِحَةُ بِخِلَافِهَا، وَالْمُسْتَعْلِيَةُ مَا يَرْتَفِعُ اللِّسَانُ بِهَا إلَى الْحَنَكِ وَهِيَ الْمُطْبَقَةُ وَالْخَاءُ وَالْغَيْنُ وَالْقَافُ، وَالْمُنْخَفِضَةُ بِخِلَافِهَا، وَحُرُوفُ الذَّلاقَةِ مَا لا ينفعك رباعى أو خماسى عن شئ مِنْهَا لِسُهُولَتِهَا، وَيَجْمعُهَا (مُرْ بِنَفَل) والمصمتة بِخِلَافِهَا لأَنَّهُ صُمِتَ عَنْهَا فِي بِنَاءِ رُبَاعِيٍّ أَوْ خُمَاسِيٍّ مِنْهَا، وحروف القلقلة ما ينضم إلى الشدة فيها ضغط في الوقف، (ويجمعها قد طبج) ، وَحُرُوفُ الصَّفيِرِ

مَا يُصْفَرُ بِهَا، وَهِيَ الصَّادُ وَالزَّايُ وَالسِّينَ، وَاللَّيِّنَةُ حُرُوفُ اللِّينِ، وَالْمُنْحَرِفُ اللَاّمُ، لأَنَّ اللِّسَانَ يَنْحَرِفُ بِهِ، وَالْمُكَرَّرُ الرَّاءُ، لِتَعَثرِ اللسَانِ بِهِ، وَالْهَاوِي الأَلِفُ، لاتِّسَاعِ هَوَاءِ الصَّوْتِ بِهِ، وَالْمَهْتُوتُ التَّاءُ، لِخِفَائِهَا " أقول: إنما سميت الحروف المذكورة مجهورة لانه لابد في بيانه وإخراجها من جَهْرٍ ما، ولا يتهيأ النطق بها إلا كذلك، كالقاف والعين، بخلاف المهموس، فإنه يتهيأ لك أن تنطق به ويسمع منك خفياً كما يمكنك أن تجهر به، والجهر: رفع الصوت، والهمس: إخفاؤه، وإنما يكون مجهوراً لأنك تشبع الاعتماد في موضعه، فمن إشباع الاعتماد ارتفاع الصوت، ومن ضعف الاعتماد يحصل الهمس والإخفاء، فإذا أشبعت الاعتماد فإن جرى الصوت كما في الضاد والظاء والزاي والعين والغين والياء فهي مجهورة رخوة، وإن اشبعته ولم يجر الصوت كالقاف والجيم والطاء والدال فهي مجهورة شديدة، قيل: والمجهورة تخرج أصواتها من الصدر، والمهموسة تخرج أصواتها من مخارجها في الفم، وذلك مما

ص: 258

يرخى الصوت فيخرج الصوت من الفم ضعيفاً، ثم إن أردت الجهر بها وإسماعها أتبعت صوتها بصوت من الصدر ليفهم، وتَمتحن المجهورة بأن تكررها مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة: رفعت صوتك بها أو أخفيته: سواء أشبعت الحركات حتى تتولّد الحروف، نحو قاقاقا، وقوقوقو، وقى قي قي، أو لم تشبعها نحو قَقَقَ، فإنك ترى الصوت يجرى ولا ينقطع، ولا يجري النفس إلا بعد انقضاء الاعتماد وسكون الصوت، وأما مع الصوت فلا يجري ذلك، لأن النفس الخارج من الصدر - وهو مركب الصوت - يحتبس إذا اشتدَّ اعتماد الناطق على مخرج الحرف، إذ الاعتماد على موضع من الحلق والفم يحبس النفس وإن لم يكن هناك صوت، وإنما يجري النفس إذا ضعف الاعتماد، وإنما كررت الحرف في الامتحان لأنك لو نطقت

بواحد من المجهورة غير مكرر فعقيب فراغك منه يجري النفس بلا فصل، فيظن أن النفس إنما خرج مع المجهورة لا بعده، فإذا تكرر وطال زمان الحرف ولم يخرج مع تلك الحروف المكررة نَفَس عرفت أن النطق بالحروف هو الحابس للنفس، وإنما حُرِّكت الحروف لأن التكرير من دون الحركة محال، وإنما جاز إشباع الحركات لأن الواو والالف والياء مجهورة فلا يجري مع صوتها النفس، وأما المهموسة فإنك إذا كررتها مع إشباع الحركة أو بدونه فإن جوهرها لضعف الاعتماد على مخارجها لا يحبس النفس، فيخرج النفس ويجري كما يجري الصوت بها، نحو كَكَكَ، فالقاف والكاف قريباً المخرج، ورأيت كيف كان أحدهما مجهوراً والآخر مهموساً، وقس على القاف والكاف سائر المجهورة والمهموسة فنقول جميع حروف الهجاء على ضربين: مهموسة وهي حروف (سَتَشْحَثكَ خَصَفَه) بالهاء في خصفه للوقف، ومعنى الكلام ستشحذ عليك: أي تَتَكَدَّى، والشحاذ والشحاث: المُتَكَدِّي، وخصفة: اسم امرأة، وما بقي من الحروف مجهورة، وهي قولك: ظِلُّ قَوٍّ رَبَضَ إِذْ غَزَا جُنْدٌ مُطِيع

ص: 259

ثم تنقسم جميع حروف التهجي قسمة مستأنفة ثلاثة أقسام: شديدة، ورخوة، وما بينهما، والحروف الشديدة (أجدك قطبت) ونعنى بالشديدة ما إذا أسكنته ونطقت به لم يجر الصوت، والرخوة: ما يجري الصوت عند النطق بها، والفرق بين الشديدة والمجهورة أن الشديدة لا يجري الصوت عند النطق بها، بل إنك تسمع به في آن ثم ينقطع، والمجهورة لا اعتبار فيها بعدم جري الصوت، بل الاعتبار فيها بعدم جري النفس عند التصويت بها، وبعضهم أخرج من المجهورة: أي من حروف (ظِلُّ قَوٍّ) السَّبعة الأحرف التي من الرخوة: أي الضاد والظاء والذال والزاي والعين والغين والياء، فيبقى منها الحروف الشديدة:(أي أجدك قطبت)

وأربعة أحرفٍ مما بين الشديدة والرخوة: أي من حروف (لِمَ يَرُوعُنَا) وهي اللام والميم والواو والنون، فيكون مجموع المجهورة عنده أثني عشر، وهي حروف (وَلِمَنْ أجِدُكَ قَطَبْتَ) ، وهذا القائل ظن أن الرخاوة تنافي الجهر، وليس بشئ، لان الرخاوة أن يجري الصوت بالحرف عند إسكانه كالنَّبْر، والجهر: رفع الصوت بالحرف: سواء جرى الصوت، أو لم يجر، وعلامته عدم حرى النَّفَس.

وإنما اعتبر في امتحان الشديدة والرخوة إسكان الحروف لأنك لو حركتها والحركات أبعاض الواو والالف والياء فيها رخاوة ما لَجَرَت الحركات لشدة اتصالها بالحروف الشديدة إلى شئ من الرخاوة، فلم تتبين شدتها.

وقوله في الشديدة " ما ينحصر جري صوته عند إسكانه في مخرجه " متعلق بينحصر: أي ينحصر في مخرجه عند إسكانه، وإنما جعل حروف (لِمَ يَرُوعُنَا) بين الشديدة والرخوة لان الشديدة هي التى ينحصر الصوت في مواضعها عند الوقف، وهذه الأحرف الثمانية ينحصر الصوت في مواضعها عند الوقف، لكن تعرض لها أعراض توجب خروج الصوت من غير مواضعها، أما العين فينحصر الصوت عند مخرجه، لكن لقربه من الحاء التي هي مهموسة ينسَلّ

ص: 260

صوته شيئاً قليلاً، فكأنك وقفت على الحاء، وأما اللام فمخرحها - أعني طرف اللسان - لا يتجافى عن موضعه من الحنك عند النطق به، فلا يجري منه صوت، لكنه لما لم يسدّ طريق بالكلية كالدال والتاء بل انحرف طرف اللسان عند النطق به خرج الصوت عند النطق به من مُسْتَدَقّ اللسان فويق مخرجه، وأما الميم والنون فإن الصوت لا يخرج من موضعيهما من الفم، لكن لما كان لهما مخرجان في الفم وفي الخيشوم جرى به الصوت من الأنف دون الفم، لأنك لو أمسكت أنفك لم يجر الصوت بهما، وأما

الراء فلم يجر الصوت في ابتداء النطق به، لكنه جرى شيئاً لانحرافه وميله إلى اللام، كما قلنا في العين المائلة إلى الحاء، وأيضاً الراء مكرر، فإذا تكرر جرى الصوت معه في أثناء التكرر، وكذلك الواو والياء والألف لا يجري الصوت معها كثيراً، لكن لما كانت مخارجها تتسع لهواء الصوت أشد من اتساع غيرها من المجهورة كان الصوت معها يكثر فيجرى منه شئ، واتساع مخرج الألف لهواء صوته أكثر من اتساع مخرجي الواو والياء لهواء صوتهما، فلذلك سمي الهاوي: أي ذات الهواء، كالناشب (1) والنابل (2) ، وإنما كان الاتساع للألف أكثر لأنك تضم شفتيك للواو فيتضيق المخرج وترفع لسانك قبل الحنك للياء، وأما الألف فلا تعمل له شيئاً من هذا، بل تفرج المخرج، فأوسعهن مخارجا الألف، ثم الياء، ثم الواو، وهذه الحروف أخْفَى الحروف، لاتساع مخارجها، وأخفاهن الألف، لأن سعة مخرجها أكثر

(1) الناشب: صاحب النشاب، والنشاب - كرمان -: النبل، والواحدة نشابة - كرمانة - (2) النابل: صاحب النبل، أو صانعه مثل النبال، والنبل: السهام، ولا واحد له من لفظه، ويقال: واحده نبلة (*)

ص: 261

قوله " المطبقة ما ينطبق معه الحنك على اللسان " لأنك ترفع اللسان إليه فيصير الحنك كالطبق على اللسان، فتكون الحروف التي تخرج بينهما مطبقاً عليها قوله " على مخرجه " ليس بمطرد، لأن مخرج الضاد حافة اللسان، وحافة اللسان تنطبق على الأضراس كما ذكرنا، وباقي اللسان ينطبق عليه الحنك، قال سيبويه: لولا الإطباق في الصاد لكان سيناً، وفي الظاء كان ذالاً، وفي الطاء كان دالاً، ولخرجت الضاد من الكلام، لانه ليس شئ من الحروف من موضعها غيرها

قوله " والمنفتحة بخلافها " لأنه ينفتح ما بين اللسان والحنك عند النطق بها، والمستعلية: ما يرتفع بسببها اللسان، وهي المطبقة والخاء والغين المعجتمان والقاف، لأنه يرتفع اللسان بهذه الثلاثة أيضاً، لكن لا إلى حد انطباق الحنك عليها، والمنخفضة: ما ينخفض معه اللسان ولا يرتفع، وهي كل ما عدا المستعلية قوله " حروف الذلاقة " الذَّلَاقة: الفصاحة والخفة في الكلام، وهذه الحروف أخفّ الحروف، ولا ينفك رباعي ولا خماسي من حرف منها إلا شاذّاً، كالْعَسْجَد (1) وَالدَّهْدَقة (2) وَالزَّهْزَقَة (3) وَالْعَسَطُوس (4) ، وذلك لأن الرباعي والخماسي ثقيلان، فلم يخليا من حرف سهل على اللسان خفيف، والمصمتة: ضد حروف الذلاقة، والشئ الْمُصْمَت هو الذي لا جوف له، فيكون ثقيلاً، سميت بذلك لثقلها على اللسان، بخلاف حروف الذلاقة، وقيل: إنما سميت بذلك لأنها أُصْمِتَتْ عن أن يبني منها وحدها رباعي أو خماسى،

(1) العسجدة: الذهب، وهو أيضا الجوهر كله كالدر والياقوت، ويقال: بعير عسجد، إذا كان ضخما (2) الدهدقة: مصدر قولك: دهدق اللحم، إذا كسره وقطعه وكسر عظامه (3) الزهزقة: شدة الضحك وهى أيضا ترقيص الام الصبى (4) العسطوس - كقربوس -: وربما شددت سينه الاولى: شجرة كالخيزران تكون بالجزيرة، وهو أيضا رأس النصارى (*)

ص: 262

والأول أولى، لأنها ضد حروف الذلاقة في المعنى، فمضادَّتُهَا لها في الاسم أنسب قوله " وحروف القلقلة " إنما سميت حروف القلقلة لأنها يصحبها ضغط اللسان في مخرجها في الوقف مع شدة الصوت المتصعد من الصدر، وهذا الضغط التام يمنع خروج ذلك الصوت، فإذا أردت بيانها للمخاطب احْتَجْتَ إلى قلقلة

اللسان وتحريكه عن موضعه حتى يخرج صوتها فيسمع، وبعض العرب أشدّ صوتاً كأنهم الذين يرومون الحركة في الوقف، وبعض الحروف إذا وقفت عليها خرج معها مثل النفخة ولم تنضغط ضغط الأول، وهي الظاء والذال والضاد والزاي، فإن الضاد تجد المنفذ بين الأضراس، والظاء والذال والزاي تجد منفذاً من بين الثنايا وأما الحروف المهموسة فكلها تقف عليها مع نفخ لأنهن يجرين مع النفس، وبعض العرب أشد نفخاً، كأنهم الذين يرومون الحركة في الوقف وبعض الحروف لا يصحبها في الوقف لا صوت كما في القلقلة، ولا نفخ كما في المهموسة، ولا شبه نفخ كما في الحروف الأربعة، وهو اللام والنون والميم والعين والغين والهمزة، أما عدم الصوت فلأنه لم يتصعّد من الصدر صوت يحتاج إلى إخراجه، وأيضاً لم يحصل ضغط تام، وأما عدم النفخ فلأن اللام والنون لا يجدان منفذاً كما وجدت الحروف الأربعة بين الأسنان وذلك لأنهما ارتفعتا عن الثنايا، وكذلك الميم، لأنك تضم الشفتين بها، وأما العين والغين والهمزة فإنك لو أردت النفخ من مواضعها لم يمكن، ولا يكون شئ من النفخ والصوت في الوصل نحو أذْهِبْ زيداً، وخذهما، واحرسهما، وذلك لاتصال الحرف الثاني به فلا يبقى لا صوت ولا نفخ قوله " قد طبج " الطَّبْجُ: ضرب اليد على مجوف، وإنما سمي اللام منحرفاً لأن اللسان ينحرف عن النطق به، ومخرجه من اللسان - أعني طرفه - لا يتجافى عن موضعه من الحنك، وليس يخرج الصوت من ذلك المخرج،

ص: 263

بل يتجافى ناحيتها مستدقُّ اللسان، ولا تعترضان الصوت، بل تخليان طريقه، ويخرج الصوت من تينك الناحيتين، وإنما سمي الراء مكرراً لأن طرف اللسان إذا تكلم به كأنه يتعثر: أي يقوم فيعثر، للتكرير الذي فيه، ولذلك كانت

حركته كحركتين، كما تبين في باب الإمالة (1) ، ومعنى الهاوي ذُو الْهَوَاء كما ذكرنا، وإنما سُمّيَ التاء مهتوتاً لأن الهتّ سَرْدُ الكلام على سرعة، فهو حرف خفيف لا يصعب التكلم به على سرعة.

قال: " وَمَتَى قُصِد إِدْغَامُ أَحَدِ الْمُتَقَارِبَيْنِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْقَلَبِ، وَالْقِيَاسُ قَلْبُ الأَوَّلِ إلَاّ لِعَارِضٍ في نحو إذ بحتودا واذبحاذه، في جُمْلَةٍ مِنْ تَاءِ الافْتِعَالِ لِنَحْوِهِ وَلِكَثْرَةِ تَغَيُّرِهَا، وَمَحُّمْ فِي مَعَهُمْ ضَعِيفٌ، وَسِتٌّ أصْلُهُ سِدْسٌ شَاذٌّ لَازِمٌ " أقول: شرع في بيان إدغام المتقاربة بعضها في بعض، وقدم مقدمة يعرف بها كيفية إدغامها، ثم ذكر مقدمة أخرى يعرف بها ما لم يجز إدغامه منها في مقاربه، وهي قوله " ولا يدغم منها في كلمة " إلى قوله " فالهاء في الحاء " إنما كان القياس قلب الأول إلى الثاني دون العكس لأن الإدغام تغيير الحرف الأول بإيصاله إلى الثاني وجعله معه كحرف واحد.

فلما كان لابد للأول من التغيير بعد صيرورة المتقاربين مثلين ابتدأتَ بتغييره بالقلب قوله " إلا لعارض " اعلم انه قد يعرض ما يمنع من القياس المذكور، وهو شيئان: أحدهما: كون الأول أخف من الثاني، وهو إما في حرفين حلقيين أولهما أعلى من الثاني، وذلك إذا قصد إدغام الحاء إما في العين أو في الهاء فقط، ولا يدغم حلقيٌّ في حلقي آخر أدخل كما يجئ لو إنما أدغمت الحاء في أحد الحرفين مع أن حروف الحلق يقل فيها الإدغام - كما يجئ - لثقلها، فلهذا قلّ المضاعف منها كما

(1) انظر (ص 20 من هذا الجزء)(*)

ص: 264

يجئ، فلم يدغم بعضها في بعض في كلمتين أيضاً في الأغلب، لئلا يكون شبه

مضاعف مصوغ منها، وإنما أدغمت الحاء في أحدهما لشدة مقاربة الحاء لهما، وإنما قلبت الثاني إلى الأول في نحو اذْبَحْ عَتُوداً (1) واذبح هذه، مع أن القياس العكس، لأن أنزلها في الحلق أثقلها، فأثقلها الهمزة ثم الهاء، ثم العين ثم الغين ثم الحاء ثم الخاء، فالحاء أخف من الغين والخاء، والمقصود من الإدغام التخفيف، فلو قلبت الأولى التي هي أخف إلى الثانية التي هي أثقل لمشت خفة الإدغام بثقل الحرف المقلوب إليه فكأنه لم يدغم شئ في شئ، وأما في الواو والياء في نحو سيد وأصله سَيْوِد وذلك لثقل الواو كما مر في باب الإعلال وثانيهما كون الحرف الأول ذا فضيلة ليست في الثاني، فيُبْقى عليها بترك قلبه إلى الثاني، ولا يدغم في مثل هذا كما يجئ، إلا أن يكون الثاني زائداً فلا يبالي بقلبه وتغييره على خلاف القياس، نحو اسَّمَع وَازَّان ومعنى قوله " لنحوه ولكثرة تغيرها " أي: لكون الالف أخف من الثاني ولكثرة تغير التاء لغير الإدغام كما في اضطراب واصطبر قوله " ومحمُّ معه ضعيف " كان القياس الأوَّلُ: أي قلب الأول إلى الثاني، أن يقال مَهُّم، بقلب العين هاء، وقياس العارض، وهو كون الثاني: أي الهاءِ أدخَلَ في الحلق وأثقل، أن يقلب الثاني إلى الأول فيقال مَعُّمْ، فاستثقل كلاهما، ولهذا كان تضعيف الهاء نحو قَةَ (2) وَكَهَّ (3) السكرانُ، والعين نحو دَعَّ (4) وكَعَّ (5) قليلاً جداً، واستثقل أيضاً ترك الإدغام لأن كل واحدة منهما

(1) العتود: ولد المعز (2) قه الرجل: اشتد ضحكه.

انظر (ص 73 من هذا الجزء)(3) كه السكران: أخرج نفسه.

انظر (ص 73 من هذا الجزء)(4) الدع: الدفع العنيف، وفى التنزيل (فذلك الذى يدع اليتيم) : أي يدفعه بعنف

(5)

كع الرجل: جبن، وهو من باب نصر وضرب وعلم، انظر (ح 1 ص 134)(*)

ص: 265

مستثقلة لنزولها في الحلق فكيف بهما مجتمعين مع تنافرهما؟ إذ العين مجهورة والهاء مهموسة، فطلبوا حرفاً مناسباً لهما أخف منهما، وهو الحاء: أما كونه أخف فلأنه أعلى منهما في الحلق، ولذلك كثر نحو مَحَّ (1) وَدَحَّ (2) وَزَحَّ (3) بخلاف دَعّ وَكَعَّ وَكَهَّ وَقَهَّ، وأما مناسبته للعين فلانهما من وسط الحلق، وأما الهاء فبالهمس والرخاوة، فلذا قلب بعض بني تميم العين والهاء حاءين وأدغم أحدهما في الآخر نحو مَحُّم ومحَّاؤلاء، في معهم ومع هؤلاء، والأكثر ترك القلب والإدغام لعروض اجتماعهما، وكذا قولك سِتّ أصله سِدْس، بدلالة التسديس وبين الدال والسين تقارب في المخرج، لأن كليهما من طرف اللسان، فلو قلب، الدال سيناً كما هو القياس اجتمع ثلاث سينات، ولا يجوز قلب السين دالاً خوفاً من زوال فضيلة الصفير، ومع تقارب الدال والسين في المخرج بينهما تنافر في الصفة، لأن الدال مجهورة شديدة والسين مهموسة رخوة، فتقاربهما داع إلى ترك اجتماعهما مُظهرين، وكذا تنافرهما وقلب أحدهما إلى الآخر ممتنع، كما مر، فلم يبق إلا قلبهما إلى حرف يناسبها، وهو التاء، لأنها من مخرج الدال ومثل السين في الهمس قال:" وَلَا يُدْغَمُ مِنْهَا فِي كَلِمَةٍ مَا يُؤَدِّي إلَى لَبْسٍ بِتَرْكِيبٍ آخَرَ، نَحْوُ وَطَدَ وَشَاةٍ زَنْمَاءَ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَقُولُوا: وَطْداً وَلَا وَتْداً، بل قَالُوا: طِدَةٌ وتِدَةً لِمَا يَلْزَمُ مِنْ ثِقَلٍ أَوْ لَبْسٍ، بِخِلَافِ نَحْوِ امَّحَى واطَّيَّرَ وَجَاءَ وَدٌّ فِي وَتِدٍ فِي تميم "

(1) مح الثوب: كنصر وضرب -: بلى (2) الدح: الدس والنكاح، وهو أيضا الدفع في القفا

(3)

تقول: زحه يزحه - كمده يمده -، إذا نحاه عن موضعه ودفعه وجذبه في عجلة (*)

ص: 266

أقول: إذا اجتمع من المتقاربة شيئان: فإن كانا في كلمتين نحو مَنْ مِثْلك فإنه يدغم أحدُهما في الآخر، ولا يُباليَ باللبس لو عرض، لأنهما في معرض الانفكاك، فإذا انفكا يعرف أصل كل واحد منهما، ثم إن تحركا لم يجب الإدغام ولم يتأكد، وإن سكن الأول فقد يجب كالنون في حروف (يرملون) ، وكلام التعريف فيما سنذكر، ولا يجب في غيرهما، بل يتأكد ولا سيما إذا اشتد التقارب، وإن كانا في كلمة: فإن تحركا وألبس الإدغامُ مثالاً بمثال لم يدغم، كما في وَطَدَ (1) : أي أحكم، ووتَدَ: أي ضرب الوَتِد، وكذا في الاسم، نحو وَتِدٍ، وإن لم يُلْبس جاز الإدغام نحو ازَّمَّلَ (2) فِي تَزَمَّلَ، لأن افَّعَّل - بتضعيف الفاء والعين - ليس من أبنيتهم، بل لا يجئ إلا وقد أُدغم في فائه تاء تَفَعَّلَ كاتَّرَّك وازَّمَّلَ، ومن ثم لا تقول: اقَّطَعَ واضَّرَبَ، وإن كان أولهما ساكناً: فإن ألبس ولم يكن تقاربها كاملا بقى الاول عير مدغم، نحو قِنْوَانٍ (3) وَصِنْوَانٍ (4) وبُنْيَانٍ وَقِنْيَةٍ (5) وبِنْية وكُنْيَة ومُنْيَةٍ وقَنْوَاءَ (6)

(1) قال في اللسان: " وطد الشئ يطده وطدا وطدة فهو موطود ووطيد: أثبته وثقله، والتوطيد مثله " ومثله في القاموس: ومنه تعلم أن قول ابن الحاجب " وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَقُولُوا: وَطْداً " غير سديد، وكذا دعواه أنه لم يرد الوتد، فقد ذكر صاحبا القاموس واللسان أنه يقال: وتدالوا تديتده وتداوتدة، إذا ثبته، وقد وجه الرضى ما ذكره ابن الحاجب.

بأنه جرى على لغة بعض العرب (2) تقول: تزمل في ثوبه، وازمل، إذا تلفف.

وفى التنزيل (يأيها المزمل قم الليل إلا قليلا)

(3)

القنوان: جمع قنو، وهو من النخلة بمنزلة العنقود من العنب (4) صنوان: جمع صنو، وهو الاخ الشقيق.

انظر (ج 2 ص 93)(5) القنية - بضم فسكون أو بكسر فسكون - ما يتخذه الانسان من الغنم ونحوها لنفسه لا للتجارة، وانظر (ج 2 ص 43) (6) تقول: رجل أقنى الانف، وامرأة قنواء الانف إذا كان أعلى أنفهما مرتفعا ووسطه محدودبا، وهو من علامة الكرم عندهم.

(*)

ص: 267

وشاةٍ زَنَماءَ (1) وَغَنَم زُنْم، وإن كان تقاربهما كاملاً جاز الإظهار نظر إلى الالتباس بالإدغام وجاز الإدغام نظراً إلى شدة التقارب، وذلك نحو وتَدَ يتِدُ وتْداً وَوَطَدَ يَطِدُ وَطْداً وعِتْدَانٍ في جمع عَتُودٍ ومنهم من يدغم التاء في الدال فيقول وتَدَ يتِدُ ودّاً وعَتُوداً وعِدَّانا، قال الأخطل: 191 - واذكر غدانة عدانا مزنمة * من الْحَبَلَّقِ تُبْنَى حَوْلَها الصِّيَرُ (2) ومنه قولهم ودٌّ في وَتدٍ، خففه بنو تميم بحذف كسرة التاء نحو كَبْدٍ وفَخْذٍ كما مر في أول الكتاب (3) فقالوا بعد الإسكان: ودّ، ولم يجز في لغتهم وتْدٌ - بسكون التاء مظهرة - كما قيل عِتْدَان، لكثرة استعمال هذه اللفظة فيستثقل، وجمعه على أوتاد يزيل اللبس، ولم يجز الإدغام في نحو وَطْدٍ لئلا تزول فضيلة الإطباق، ومن العرب من يلتزم تِدَةً وَطِدَةً في مصدر ووطَد خوفاً من الاستثقال لو قيل: وَتْداً ووَطْداً غير مدغمتين، ومن الالتباس لو قيل: ودّاً، وكذا يلتزم في وتد الحجازية: أعنى كسر التاء، ما ذكرنا

(1) الزنمة - بالتحريك - شئ يقطع من أذن البعير فيترك معلقا، يفعل

بكرامها، يقال: بعير زنم وأزنم ومزنم - كمعظم - وناقة زنمة وزنماء ومزنمة (2) هذا البيت للاخطل التغلبي من قصيدة يمدح فيها عبد الملك بن مروان، وغدانة - بضم الغين المعجمة وبعدها دال مهملة - قبيلة من تميم، أبوها غدانة بن يربوع، " وعدانا " أصله عتدانا، والعتدان: جمع عَتُود، وهو الْجَذَعُ من أولاد المعز، والمزنمة: ذات الزنمة، وَالْحَبَلَّق - بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة وتشديد اللام: - أولاد المعز، والصير: جمع صيرة، وهى الحضيرة، يهجو هؤلاء القوم بأنهم رعاة لا ذكر لهم ولا شرف - والاستشهاد بالبيت في قوله " عدانا " فان أصله عتدان فأبدل التاء دالا ثم أدغم الدال في الدال (3) انظر (ح 1 ص 39 وما بعدها)(*)

ص: 268

وإنما لم يبنوا صيغة تقع فيها النون الساكنة قبل الراء واللام نحو قَنرٍ وعَنْلٍ، لأن الإدغام لا يجوز فيه كما جاز في عِتْدَانٍ، لأن التاء والدال أشد تقارباً من النون واللام والراء، بدليل إدغام كل واحد من الدال والتاء في الآخر، بخلاف الراء واللام فإنهما لا يدغمان في النون كما يدغم النون فيهما في كلمتين نحو من ربك وَمَنْ لك، لأن الإدغام إذن عارض غير لازم، فعلى هذا لو قيل نحو قَنْرٍ وعَنْلٍ لم يجز الإدغام لما ذكرنا، فلم يبق إلا الإظهار وهو مستثقل، لأن النون قريبة المخرج من اللام والراء، فكأنهما مثلان، وعتدان ووتدا وتدا بفك الإدغام ضعيف قليل لا يقاس عليه، وأما زَنْمَاء وصِنْوان ونحوهما بالإظهار فإنما جاز لعدم كمال التقارب بين الحرفين وإن لم يلبس إدغام أحد المتقاربين في الآخر في كلمة أدغم نحو امَّحَى، لأن افَّعَلَ ليس سن أبنيتهم بتكرير الفاء إلا مدغماً فيه نون انْفَعَل كامَّحى، أو مدغماً في تاء افْتَعل كادَّكَر، على ما يجئ، ومن ثم لم يُقَل: اضَّرَب واقَّطَع، قال

الخليل: وتقول في انفعل من وجلت: اوَّجَل ومن اليسر ايَّسَر * قوله " أو لَبْسٍ " أي: لو أدغم * قوله " وفي تميم " أي: في لغة تميم وهي إسكان كسرة عين فَعِل نحو كبد في كبد قال: " ولم تدغم حُرُوفُ (ضَوِيَ مِشْفَرٌ) فيما يُقارِبُهَا لِزِيَادَةِ صِفَتِهَا، وَنَحْوُ سَيِّد وَلَيَّةٍ إنَّمَا أُدْغِمَا لأَنَّ الإعْلَالَ صَيَّرَهُمَا مِثْلَيْنِ، وَأُدْغِمَتِ النُّونُ فِي اللاّمِ والرَّاءِ لِكَرَاهَةِ نَبْرَتِهَا، وَفِي الْمِيمِ - وَإنْ لَمْ يَتَقَارَبَا - لغنتها، وَفِي الْوَاو وَالْيَاءِ لإِمْكَانِ بَقَائِهَا، وَقَدْ جَاءَ لِبَعْض شَّأنهِمْ وَاغْفِر لي، ونَخْسِف بِّهِمْ، وَلَا حُرُوفُ الصَّفِيرِ فِي غَيْرِهَا، لِفَوَاتِ (صِفَتِهَا) ، وَلا الْمُطْبَقَةُ فِي غَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ إِطْبَاقٍ عَلَى الأَفْصَح، وَلا حَرْفُ حَلْقٍ فِي أَدْخَلَ مِنْهُ إلَاّ الْحَاءُ فِي الْعَيْنِ وَالْهَاءِ، وَمِنْ ثَمَّ قالُوا فِيهِمَا اذْبَحَّتُوداً وابحاذه "(*)

ص: 269

أقول: اعلم أن إدغام أحد المتقاربين في الآخر في كلمة إذا لم يلبس ليس إلا في أبواب يسيرة، نحو انْفَعل وَافْتَعل وَتَفَعَّل وتفاعل وَفَنْعلِلٍ، نحو امَّحى واسمَع وازَّمَّل وادَّارَك وَهَمَّرِشٍ (1) وأما غير ذلك فَمُلْبِس لا يجوز إلا مع شدة التقارب وسكون الأول نحو وَدّ وَعِدّان، ومع ذلك فهو قليل، والغالب في إدغام أحد المتقاربين في الآخر إنما يكون في كلمتين وفي انفعل وافتعل وتَفَعَّل وتفاعل وفنعلل.

فنقول: المانع من إدغام أحد المتقاربين في الآخر شيئان: أحدهما اتصاف الأول بصفة ليست في الثاني، فلا يدغم الأول في الثاني إبقاء على تلك الصفة، فمن ثم لم تدغم حروف (ضَوِيَ مِشْفَرٌ)(2) فيما ليس فيه صفة المدغم، وجاز إدغام الواو والياء من هذه الحروف أحَدِهما في الآخر، لأن فضيلة اللين التى في أحدهما لا تذهب

بإدغامه في الآخر، إذ المدغم فيه أيضاً متصف باللين، ولم تدغم حروف الصفير فيما ليس فيه صفير إلا في باب افتعل كاسَّمَع وازَّانَ، ولا حروف الإطباق في غيرها بلا إطباق إلا في باب الافتعال نحو اطَّرب، وذلك لزوال المانع فيه بقلب الثاني إلى حروف الصفير وإلى حروف الإطباق، وذلك لكون الثاني زائداً فلا يستنكر تغيره، وفضيلة الضاد الاستطالة، وفضيلة الواو والياء اللِّينُ، وفضيلة الميم الغنة، وفضيلة الشين التفشي والرخاوة، فلا تُدغم في الجيم مع تقاربهما في المخرج، وفضيلة الفاء التأفيف وهو صوت يخرج من الفم مع النطق بالفاء، وفضيلة الراء التكرير، وأيضاً لو أدغم لكان كمضعف أُدغم في غيره نحو ردَّدَ، ولا يجوز قوله " ونحو سَيِّد وَلَيِّة " اعتراض على نفسه، وذلك أنه قرر أن الواو والياء

(1) الهمرش: العجوز المسنة.

انظر (ج 2 ص 364)(2) ضوى: هزل، والمشفر - بزنة منير - الشفة، أو خاص بالبعير (*)

ص: 270

لا يدغم أحدهما في مقاربه، فكأنه قال: كيف أدغِمَ أحدهما في الآخر في سيّد وليّ؟ ثم أجاب بأن قلب الواو إلى الياء لو كان للإدغام لورد ذلك، لكنه إنما قلبت ياء لاستثقال اجتماعهما لا للادغام، ولهذا تقلب الواو ياء: سواء كانت أولى أو ثانية، ولو كان القلب لإدغام أحد المتقاربين في الآخر لقلبت الأولى إلى الثانية فقط، كما هو القياس، ثم بعد القلب اجتمع ياءان أولاهما ساكنة فوجب الإدغام، فهذا من باب إدغام المتماثلين لامن إدغام المتقاربين، وفي هذا الجواب نظر، لأن القلب لو كان لمجرد استثقال اجتماعهما لقلب الواو ياء، وأولاهما متحركة كطويل وطَوَيْت، فعرفنا أن القلب من أول الأمر لأجل الإدغام وذلك لأن الواو والياء تقاربتا في الصفة، وهى كونهما لينتين ومجهورتين وبين الشديدة والرخوة

وإن لم يتقاربا في المخرج، فأدعمت إحداهما في الأخرى وقلبت الواو، وإن كانت ثانية، لأن القصد التخفيف بالإدغام، والواو المشددة ليست بأخف من الواو والياء كما قلنا في اذْبَحَّتوداً واذَبَحَّاذِهِ، فجعل التقارب في الصفة كالتقارب في المخرج، وجرّأهم على الإدغام أيضاً سكون الأول وكونه بذاك عرضة للإدغام، وأما فضيلة اللين فلا تذهب - كما قلنا - لأن كل واحدة منهما متصفة بتلك الصفة.

قوله " وأدغمت النون في اللام " اعتراض آخر على نفسه، وذلك أن فضيلة الغُنَّة تذهب بالإدغام، وأجلب المصنف بأنها وإن كانت تذهب بالإدغام لكنهم اغتفروا ذلك، لأن النون نبرة: أي رفع صوت، وهذا جواب فيه نظر أيضاً، لأنه إن كان الموجب للإدغام النيرة فَلْتُخْفَ بلا إدغام كما تخفى مع القاف والكاف والدال والتاء وغيرهما، كما يجئ والحق أن يقال: إن للنون مخرجين: أحدهما في الفم، والآخر في الخيشوم إذ لابد فيها من الغنة، وإذا أردت إخراجها في حالة واحدة من المخرجين، فلا

ص: 271

بد فيها من اعتماد قوي وعلاج شديد، إذ الاعتماد على المخرجين في حالة واحدة أقوى من الاعتماد على مخرج واحد والحروف التي هي غير النون على ضربين: أحدهما يحتاج إلى اعتماد قوي وهي حروف الحلق، والآخر لا يحتاج إلى ذلك، وهي حروف الفم والشفة، فالنون وحروف الحلق متساويان في الاحتياج إلى فضل اعتماد وإعمال لالة الصوت، وهى: أي النون إما أن تكون ساكنة أو متحركة، فإذا كانت ساكنة وبعدها غير حرف الحلق فهناك داعيان إلى إخفائها أحدهما سكونها، لأن الاعتماد على الحرف الساكن أقل من الاعتماد على

الحرف المتحرك، والآخر كون الحرف الذي لا يحتاج في إخراجه إلى فضل اعتماد عقيب النون بلا فصل، ليجري الاعتمادان على نسق واحد، فأخفيت النون الساكنة قبل غير حروف الحلق فإن حصل للنون الساكنة مع الحروف التي بعدها من غير حروف الحلق قرب مخرج كاللام والراء، أو قرب صفة كالميم، لأن فيه أيضاً غنة، وكالواو والياء، لأن النون معهما من المجهورة وما بين الشديدة والرخوة وجب إدغام النون في تلك الحروف، لأن القصد الإخفاء، والتقارب داع إلى غاية الأخفاء التي هي الإدغام وإن لم يكن هناك قرب لا في المخرج ولا في الصفة أخفي النون بقلة الاعتماد، وذلك بأن يقتصر على أحد مخرجيه ولا يمكن أن يكون ذلك إلا الخيشوم، وذلك لان الاعتماد فيها على مخرجها من الفم يستلزم الاعتماد على الخيشوم بخلاف العكس، فيقتصر على مخرج الخيشوم فيحصل النون الخفية، ثم بعد ذلك إن تنافرت هي والحرف الذى يجئ بعدها، وَهي الباء فقط، كما في عَنْبَرٍ قلبت تلك النون الخفية إلى حرف متوسط بين النون وذلك الحرف، وهي الميم، كما ذكرنا

ص: 272

في باب الإبدال، (1) وإن لم يتنافرا بقيت خفية كما في غير الباء من سِوَى حروف الحلق، أما مع الحلقية فلا تخفى، لأن حرف الحلق يحتاج إلى فضل اعتماد فتجري النون على أصلها من فضل الاعتماد، ليجري الاعتماد على نسق واحد، ومن الناس من يخفي النون قبل الغين والخاء المعجمتين، لكونهما قريبتين من حروف الفم، وكذلك النون الساكنة الموقوف عليها يخرجها من المخرجين، لأن الحرف الموقوف عليه يحتاج إلى فضل بيان كما مر في باب الوقف (2) ومن ثم يقال: أفعَيْ وأَفْعَوْ، وكذلك النون المتحركة - قبل أي حرف كانت -

تُخْرَجُ من المخرجين، لاحتياجها إلى فصل اعتماد، فإذا أدغمتَ النون في حروف يرمُلُون نَظَرْت: فإن كان المدغمُ فيه اللامَ والراء فالأولى ترك الغنة، لأن النون تقاربهما في المخرج وفي الصفة أيضاً، لأن الثلاثة مجهورة وبين الشديدة والرخوة، فاغتفر ذهاب الغنة مع كونها فضيلة للنون، للقرب في المخرج والصفة وإن كان المدغم فيه واواً أو ياء فالأولى الغنة لوجهين: أحدهما أن مقاربة النون إياهما بالصفة لا بالمخرج، فالأولى أن لا يغتفر ذهاب فضيلة النون: أي الغنة رأساً لمثل هذا القرب غير الكامل، بل ينبغي أن يكون للنون معهما حالة بين الإخفاء والإدغام، وهي الحالة التي فوق الإخفاء ودون الادغام التام، فيبقى شئ من الغنة وإن كان المدغم فيه ميماً أدغم إدغاماً تاماً، لان فضيلة الغنة حاصلة في المدغم فيه، إذ في الميم غنة وإن كانت أقل من غنة النون، وبعض العرب يدغمها في اللام والراء مع الغنة أيضاً ضناً بفضيلة النون، فلا يكون الإدغام إذا إدغاما تاما،

(1) انظر (ص 216 من هذا الجزء)(2) انظر (ج 2 ص 286)(*)

ص: 273

وبعضهم ترك الغنة مع الواو والياء اقتصارا في الإدغام التام على التقارب في المخرج أو الصفة هذا، ومذهب سيبويه وسائر النحاة أن إدغام النون في اللام والراءِ والواوِ والياءِ مع الغنة أيضاً إدغام تام، والغنة ليست من النون، لأن النون مقلوبة إلى الحرف الذي بعدها، بل إنما أُشْرِبَ صَوْتُ الفم غنة، قال سيبويه: " لا تدغم النون في شئ من الحروف حتى تحول إلى جنس ذلك الحرف، فإذا أدغمت في

حرف فمخرجها مخرج ذلك الحرف، فلا يمكن إدغامها في هذه الحروف حتى تكون مثلهن سواء في كل شئ، وهذه الحروف لاحظ لها في الخيشوم وإنما يشرب صوت الفم غنة " هذا كلامه قوله " وفي الميم وإن لم يتقاربا " ليس باعتراض لكنه شئ عرض في أثناء الاعتراض قوله " وفي الواو والياء لإمكان بقائها " اعتراض وجواب: أي لإمكان بقاء الغنة: أما على ما اخترناه فالغنة للنون التي هي كالمدغمة، وأما على ما قال النحاة فلا شراب الواو والياء المضعفين غنة قوله " وقد جاء لبعض شأنهم واغفر لي ونَخْسِف بِّهم " نقل عن بعض القراء الإدغام في مثله، وحذاق أهل الاداء على أن المراد بالإدغام في مثله الإخفاء، وتعبيرهم عنه بلفظ الإدغام تجوز لأن الإخفاء قريب من الإدغام، ولو كان ذلك إدغاماً لا لتقى ساكنان لا على حدِّه في نحو لبَعْض شَّأنهم، وأجاز الكسائي والفراء إدغامَ الراء في اللام قياساً كراهة لتكرير اللام، وأبو عمرو يأتي بالميم المتحركة المتحرك ما قبلها خفيَّة إذا كان بعدها باء نحو (بأعلم بالشاكرين) وأصحابه يسمون ذلك إدغاماً مجازاً وهو إخفاء قوله " ولا حروف الصفير في غيرها " لئلا تذهب فضيلة الصفير، وإنما يدغم بعضها في بعض كما يجئ

ص: 274

قوله " ولا المطبقة في غيرها " تقول: احفظ ذّلِك، واحفَظ ثَّابتاً، بالإدغام مع الإطباق وتركه، وإبقاؤه أفصح كما يجئ قوله " ولا حرْفُ حلق في أدخل منه " اعلم أن الإدغام في حروف الحلق غير قوي، فإن المضاعف من الهاء قليل، نحو كَهَّ الرجلُ ورجل فَهٌّ (1) ، وأما

الالف والهمزة فلم يجئ منهما مضاعف، وكذا المضاعف من العين قليل، نحو دعّ وكعّ، وكان حق الحاء أن تكون أقل في باب التضعيف من الغين والخاء، لأنه أنزل منهما في الحلق، لكنه إنما كثر نحو بَحَّ (2) وزَحّ (3) وصحّ (4) وفحّ (5) ، وغير ذلك لكونه مهموساً رخواً، والهمس والرخاوة أسهل على الناطق من الشدة والجهر، والغين لا تجئ عيناً ولاماً معاً إلا مع حاجز (6) كالضَّغِيغَة (7) ،

(1) رجل فه، وفهيه، وفهفه، إذا كان عييا (2) بح الرجل - من باب علم وفتح - إذا أصابته بحة، وهى بضم الباء: خشونة وغلظ في الصوت (3) انظر (ص 266 من هذا الجزء)(4) صح الرجل فهو صحيح، إذا ذهب مرضه، أو برئ من كل عيب (5) فحت الافعى: صوتت من فيها، وبابه قعد (6) لم يصب المؤلف في هذا الذى زعمه من أن الغين لا تكون عين الكلمة ولامها إلا مع حاجز بين العين واللام، فقد ورد الفغة، وهو تضوع الرائحة، قالوا: فغتنى الرائحة - بتشديد الغين - إذا فاحت.

وقالوا: الطغ - بتشديد الغين - وهو الثور.

وقالوا: صغ، إذا أكل كثيرا.

وقالوا: شغ البعير ببوله، إذا فرقه، وشغ القوم: تفرقوا (7) الذى في القاموس: الضغيغ - كأمير -: الخصب، وأقمت عنده في ضغيغ دهره: أي قدر تمامه.

وبهاء: الروضة الناضرة، والعجين الرقين، والجماعة من الناس يختلطون، وخبز الارز المرقق، ومن العيش الناعم الغض.

ولم نعثر على المعنى الذى ذكره الشارح (*)

ص: 275

وهي اللبن المحْقُون حتى تشتد حموضته، والخاء أكثر منه، لأنه أقرب إلى الفم،

وأيضاً هي مهموسة رخوة كالحاء نحو المخ والفخ ورخّ: أي نكح، والغين مجهورة كالعين، وإنما قل تضعيفها لصعوبتها وتكلف إخراجها مخففة فكيف بها مضعفة، فعلى هذا ثبت قلة إدغام المتقاربين من حروف الحلق، وسيجئ، فإن اتفق أدغم الأنزل في الأعلى نحو اجْبَه حَّاتماً (1) كما يجئ بعد، فإن اتفق كون الثاني أنزل لم يدغم إلا أن يكون بينهما قرب قريب، ويدغم إذ ذاك بمخالفة شرط إدغام المتقاربين، وذلك بأن يقلب الثاني إلى الأول، وذلك كالحاء التي بعدها العين أو الهاء، نحو اذبَحَّتُودا واذبَحَّاذه إذ لو قلب الأول إلى الثاني لم يكن أخف منه قبل الإدغام قوله " ومن ثم قالوا إذ بحتودا " أي: ومن أجل أن إدغام حرف الحلق في أدخل منه لا يجوز لأجل الثقل قلبوا الثاني لما اتفق مثل ذلك إلى الأول حتى لا يكون ثقل قال: " فَالْهَاءُ فِي الْحَاءِ وَالْعَيْنُ فِي الْحَاءِ وَالْحَاءُ فِي الْهَاءِ وَالْعَيْنِ بِقَلْبِهِمَا حَاءَيْنِ، وَجَاءَ (فَمَنْ زُحْزِع عَّنِ النَّارِ) وَالْغَيْنُ فِي الْخَاءِ وَالْخَاءُ فِي الَغَيْنِ " أقول: أخذ في التفصيل بعد ما أجمل، فالهمزة والألف لا يدغمان كما ذكر، وأما الهاء فتدغم في الحاء فقط، نحو اجْبَه حَّاتماً (1) ، والبيان أحسن، لأن حروف الحلق ليست بأصل في التضعيف في كلمة كما ذكرنا، وقل ذلك في كلمتين أيضاً، والإدغام عربي حسن، لقرب المخرجين، ولأنهما مهموسان رخوان، ولا تدغم الهاء في الغين وإن كانت الغين أقرب مخرجاً إلى الهاء من الحاء، لأن الهاء مهموسة رخوة كالحاء، والغين مجهورة بين الشديدة والرخوة وأما العين فتدغم في الحاء، وذلك لقرب المخرج نحو ارْفَع حَّاتماً، قال

(1) تقول: جبهه - مثل منع - أي ضرب جبهته (*)

ص: 276

سيبويه: الإدغام والبيان حسنان، لأنهما من مخرج واحد، وتدغم العين في الهاء أيضاً ولكن بعد قلبهما حاءين نحو مَحُّمْ ومَحَّاؤلاء، والبيان أكثر، ولا يجوز ههنا - كما ذكرنا قبل - قلبُ الأول إلى الثاني ولا قلبُ الثاني إلى الأول، فقلبا حاء لما مر، ولم يفعلوا مثل ذلك إذا تقدم الهاء على العين نحو اجْبَهْ عَلِيّاً، فلم يقولوا: اجْبَه هَّلِيّاً، لأن قياس إدغام الأنزل في الأعلى بقلب الأول إلى الثاني قياس مطرد غير منكسر، وقد تعذر عليهم ذلك لثقل تضعيف العين فتركوا الإدغام رأساً وأما الحاء فلا تدغم فيما فوقها لأن الغين التي هي أقرب مخرجاً إليها من الخاء مجهورة، والحاء مهموسة والخاء المعجمة - وإن كانت مثلها مهموسة - لكن مخرجها بعيد من مخرج الحاء فالحاء المهملة تدغم في أدخل منها، وهو شيئان الهاء والعين بأن تقلبا حاءين كاذبحَّتُودا واذبَحَّاذه كما مر قوله " وجاء فمن زحزع عَّن النَّارِ " قرأ أبو عمرو بالإدغام بقلب الحاء عيناً وأما الغين فإنه يدغم في الخاء، لأن الخاء أعلى منه نحو ادْمَغ خَّلَفاً، (1) قال سيبويه: البيان أحسن والإدغام حسن وأما الخاء فتدغم في الغين نحو اسْلُخ غَّنمك، والبيان أحسن والإدغام حسن ولكن لا كحسن إدغام الغين في الخاء معجمتين، وذلك لأن الخاء أعلى من الغين ولأن تضعيف الخاء كثير وتضعيف الغين لم يأت إلا مع الفصل كما ذكرنا، وإنما جاز إدغام الخاء في الغين معجمتين بقلب الأول إلى الثاني مع أن الأول أعلى من الثاني لأن مخرجهما أدنى مخارج الحلق إلى اللسان، ألا ترى إلى قول بعض

(1) تقول: دمغ الرجل الرجل - من باب منع ونصر - إذا ضرب دماغه، أو إذا شجه حتى بلغت الشجة الدماغ، وتقول: دمغت الشمس فلانا، إذا آلمت دماغه (*)

ص: 277

العرب منخُل ومُنغَل (1) بإخفاء النون قبلهما كما تخفى قبل حروف الفم، ولم يجز مثل ذلك الإدغامِ في الحاء والعين فلم يقولوا إذبعتودا لبعدهما من الفم قال:" وَالْقَافُ فِي الْكَافِ وَالْكَافُ فِي الْقَافِ وَالْجِيمُ فِي الشَّينِ " أقول: أما القاف فيدغم في الكاف بقلب الأول إلى الثاني نحو الْحَق كَّلَدَة (2)، قال سيبويه: البيان أحسن والإدغام حسن، لقرب المخرجين وتقاربهما في الشدة وأما الكاف فإنما يدغم في القاف نحو انْهَك قَّطَناً (3) بقلب الأول إلى الثاني، والإدغام حسن والبيان أحسن، لأن القاف أدخل، قال سيبويه: إنما كان البيان أحسن لأن مخرجها أقرب مخارج اللسان إلى الحلق فشبهت بالخاء مع الغين كما شبه أقرب مخارج الحلق إلى اللسان بحروف اللسان فيما ذكرنا من البيان والإدغام وأما الجيم فإنما يدغم في الشين نحو ابْعج شَبَثاً، فالإدغام والبيان حسنان لأنهما من مخرج واحد، وقد أدغمها أبو عمرو في التاء في قوله تعالى (ذى المعارج تعرج) ، وهو نادر، والشين لا يدغم في شئ مما يقاربه كما ذكرنا، وقد روى عن أبي عمرو إدغامُها في السين في قوله تعالى (ذِي العرش سَبِيلاً) ، وكذا يدغم أبو عمرو السين فيها في قوله تعالى (الرأس شيبا) مع أنها من حروف الصفير، لكونهما من حروف التفشي والصوت، فكأنهما من مخرج واحد - وإن تباعد مخرجاهما - كما ذكرنا في إدغام الواو والياء أحدهما في الآخر ونحاة البصرة يمنعون إدغام الشين في السين والعكس

(1) نغل الاديم - من باب علم - أي: فسد في الدباغ، وأنغله الدابغ فهو منغل (2) كلدة - بفتحات -: علم رجل، وممن سمى به كلدة بن حنبل الصحابي،

وأبو الحارث بن كلدة الصحابي، وأحد أطباء العرب، وأبو كلدة: كنية الضبعان (3) القطن - بفتحتين -: ما بين الوركين، وهر أصل ذنب الطائر - (*)

ص: 278

قال: " وَالَّلامُ الْمُعَرِّفَةُ تُدْغَمُ وُجُوباً فِي مِثْلِهَا وَفِي ثَلَاثَةَ عَشَر حرفا، وغير الْمُعَرِّفَةِ لَازِمٌ فِي نَحْوِ (بَلْ ران، وَجَائِزٌ فِي الْبَوَاقِي) أقول: يريد بالثلاثةَ عشر النونَ والراء والدال والتاء والصاد والزاي والسين والطاء والظاء والثاء والذال والضاد والشين، وإنما أدغمت في هذه الحروف وجوبا لكثرة لام المَعْرِفة في الكلام وفرط موافقتها لهذه الحروف، لأن جميع هذه الحروف من طرف اللسان كاللام إلا الضاد والشين، وهما يخالطان حروف طرف اللسان أيضاً أما الضاد فلأنها استطالت لرخاوتها حتى اتصلت بمخرج اللام كما مر، وكذا الشين حتى اتصلت بمخرج الطاء، وإذا كانت اللام الساكنة غيرَ المعرفة نحو لام هل وبل وقل فهي في إدغامها في الحروف المذكورة على أقسام: أحدُها: أن يكون الإدغام أحسن من الإظهار، وذلك مع الراء لقرب مخرجيهما، ولك أن لا تدغم نحو هَلْ رَأيت، قال سيبويه: ترك الإدغام هو لغة أهل الحجاز، وهي عربية جائزة، ففي قول المصنف " لازم في نحو (بَلْ ران) " نظر، بلى لزم ذلك في لام هل وبل وقل خاصة مع الراء في القرآن، والقرآن أثر يتبع ويليه في الحسن إدغام اللام الساكنة في الطاء والدال والتاء والصاد والزاي والسين، وذلك لأنهن تراخين عن اللام إلى الثنايا وليس فيهن انحراف نحو اللام كما كان في الراء، ووجه جواز الإدغام فيها أن آخر مخرج اللام قريب من مخرجها، واللام معها من حروف طرف اللسان ويليه في الحسن إدغامها في الظاء والثاء والذال، لأنهن من أطراف الثنايا

وقارَبْن مخرج الفاء، وإنما كان الإدغام مع الطاء والدال والتاء والزاي والسين أقوى منه مع هذه الثلاثة لأن اللام لم تنزل إلى أطراف الثنايا كما لم تنزل الطاء وأخواتها إليها، بخلاف الثلاثة

ص: 279

ويليه إدغامها في الضاد والشين، لأنهما ليسا من طرف اللسان كالمذكورة، لكنه جاز الإدغام فيهما لا تصال مخرجهما بطرف اللسان كما مر، وإدغام اللام الساكنة في النون أقبح من جميع ما مر، قال سيبويه: لأن النون تدغم في الواو والياء والراء والميم كما تدغم في اللام، فكما لا تدغم هذه الحروف في النون كان ينبغي أن لا تدغم اللام فيها أيضا قال:" وَالنُّونُ السَّاكِنَةُ تُدْغَمُ وَجُوباً فِي حُرُوف (يَرْمُلُون) وَالأَفْصَحُ إبْقَاءُ غُنَّتها فِي الَْوَاوِ والْيَاءِ وَإِذْهَابُهَا فِي اللَاّمِ وَالرَّاءِ، وَتُقْلَبُ مِيماً قَبْلَ الْبَاءِ، وَتُخْفَى فِي غَيْرِ حُرُوف الْحَلْقِ، فَيَكُونُ لَهَا خَمْسُ أحْوَالٍ، وَالْمُتَحَرِّكَةُ تُدْغَمُ جَوازاً " أقول: قد مر بيان هذه كلها قوله " والمتحركة تدغم جوازاً " يعني تدعم جوازاً في حروف يرمُلُون بعد إسكانها، قال سيبويه: لم نسمعهم أسكنوا النون المتحركة مع الحروف التي تُخْفَى النون الساكنة قبلها، كالسين والقاف والكاف وسائر حروف الفم، نحو خَتَنَ سُليمان، قال: وإن قيل ذلك لم يستنكر واعلم أن مجاورة الساكن للحرف بعده أشد من مجاورة المتحرك، لأن الحركة بعد المتحرك، وهي جزء من حروف اللين، فهي فاصلة بين المتحرك وبين ما يليه قال: " وَالتَّاءُ والدال والذال وَالظَّاءُ وَالطَّاءُ وَالثَاءُ يُدْغَمُ بَعْضُهَا فِي

بَعْضٍ، وَفِي الصَّادِ وَالزَّاي وَالسِّين، وَالإِطْبَاقُ فِي نَحْوِ فَرَّطْتُ إنْ كَانَ مَعَ إدْغَام فَهُوَ إتْيَانٌ بِطَاءٍ أُخْرَى، وَجَمْعٌ بَيْنَ ساكنين، بِخِلَافِ غُنَّةِ النُّونِ فِي مَنَ يَّقُولُ، وَالصَّادُ وَالزَّايُ وَالسِّينُ يُدْغَمُ بعضها بَعْضٍ، وَالْبَاءُ فِي الْمِيمِ - وَالْفَاءِ "

ص: 280

أقول: اعلم أن كل واحد من الستة المذكورة أولاً يدغم في الخمسة الباقية، وفي الثلاثة المذكورة أخيراً، فإدغام الطاء فَرَط دَّارِمٌ (1) أو ذابل أو ظالم أو تاجر أو ثامر (2) أو صابر أو زاجر أو سامر وإدغام الدال جرد طَّارد أو ذابل أو ظالم أو تاجر أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر وإدغام الذال نبذ طَّارد أو دارم أو ذابل أو تاجر أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر.

وإدغام الظاء غلظ طَّارد أو دارم أو ذابل أو تاجر أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر.

وإدغام التاء سكت طَّارد أو دارم أو ذابل أو ظالم أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر.

وإدغام الثاء عبث طَّارد أو دارم أو ذابل أو ظالم أو ثامر أو صابر أو زاجر أو سامر.

فإذا أدغمت حروف الإطباق فيما لا إطباق فيه فالأفصح إبقاء الإطباق لئلا تذهب فضيلة الحرف، وبعض العرب يذهب الإطباق بالكلية، قال سيبويه: ومما أخلصت فيه الطاء تاء سماعاً من العرب حُتُّهُمْ أي حُطْتهم، وقال: ذهاب

(1) دارم: أصله اسم فاعل من درم القنفذ يدرم - من باب ضرب - إذا قارب الخطوفى عجلة، وسموا به، فممن سمى به دارِم بن مالك بن حنظلة أبو حى من تميم، وكان يسمى بحرا، لان أباه أتاه قوم في حمالة فقال له: يا بحر ائتنى بخريطة المال، فجاءه يحملها وهو يدرم تحتها (2) الثامر: الذى خرج ثمره (*)

ص: 281

إطباق الطاء مع الدال أمثل قليلاً من ذهاب إطباقها مع التاء، لأن الدال كالطاء في الجهر والتاء مهموسة، ومع بقاء الإطباق تردد المصنف في أنه هل هناك إدغام صريح أو إخفاء لحرف الاطباق مسمى بالادغام لتقاربهما، فقال: إن كان الاطباق مع الادغام الصريح فذلك لا يكون إلا بأن يقلب حرف الإطباق - كالطاء مثلاً في فرَّطْتُ - تاء وتدغمها في التاء إدغاماً صريحاً، ثم تأتي بطاء أخرى ساكنة قبل الحرف المدغم، وذلك لأن الإطباق من دون حرف الإطباق متعذر فيلزم الجمع بين ساكنين، قال: وليس كذلك إبقاء الغنة مع النون المدغمة في الواو والياء إدغاماً صريحاً، لأن الغنة قد تكون لا مع حرف الغنة، وذلك بأن تُشْرِبَ الواوَ والياءَ المضعفين غنة في الخيشوم، ولا تقدر على إشراب التاء المضعفة إطباقاً، إذ الإطباق لا يكون إلا مع حرف الإطباق، قال: والحق أنه ليس مع الإطباق إدغام صريح بل هو إخفاء يسمى بالإدغام لشبهه به كما يسمى الإخفاء في نحو (لِبَعْض شَّأْنِهِمْ) و (الْعَفْو وَّأْمُرُ) إدغاماً واعلم أنه إذا كان أول المتقاربين ساكناً والثاني ضمير مرفوع متصل فكأنهما في الكلمة الواحدة التي لا يلبس الإدغام فيها، وذلك لشدة اتصال الضمير.

ثم إن اشتد تقارب الحرفين لزم الإدغام كما في عدت وزدت، بخلاف الكلمتين المستقلتين نحو أعد تَّمرك فإنه يجوز ترك الإدغام إذن، والإدغام أحسن، وبخلاف

ما لم يشتد فيه التقارب نحو عُذْتُ واعلم أن الأحرف الستة المذكورة أعني الطاء والظاء والدال والذال والتاء والثاء تدغم في الضاد والشين المعجمتين أيضاً، لكن إدغامها فيهما أقل من إدغام بعضها في بعض، ومن إدغامها في الصاد والزاي والسين، لأن الضاد والشين ليستا من طرف اللسان كالتسعة الأحرف المذكورة، وإنما جاز ذلك لأن الضاد والشين كما ذكرنا استطالتا حتى قربتا من حروف طرف اللسان، وإدغام هذه

ص: 282

الحروف في الضاد أقوى من إدغامها في الشين، لأن الضاد قريب من التثنية باستطالتها، وهذه الحروف من الثنايا، بخلاف الشين وأيضاً الضاد مطبقة والإطباق فضيلة تقصد أكثر مما يقصد إلى التفشي، وأيضاً لم تتجاف الضاد عن الموضع الذي قربت فيه من الظاء تجافى الشين، بل لزمت ذلك الموضع وقد جاء في القراءة إدغام التاء في الجيم نحو (وَجَبَتْ جنوبها) قوله " والصاد والزاي والسين يدغم بعضها في بعض " فإن أدغمت الصاد في أختيها فالأولى إبقاء الإطباق كما مر، قال سيبويه: إدغام حروف الصفير بعضها في بعض أكثر من إدغام الظاء والثاء والذال بعضها من بعض، لأن الثلاثة الأخيرة إذا وقفت عليها رأيها طرف اللسان خارجاً عن أطراف الثنايا، بخلاف حروف الصفير، والاعتماد بالإدغام على الحرف المنحصر بالأسنان أسهل منه على الحرف الرخو الخارج عن رءوس الأسنان قوله " والباء في الميم والفاء " هو نحو اضرب مَّالكاً أو فاجرا قال: " وَقَدْ تُدْغَمُ تَاءُ افْتَعَلَ فِي مِثْلِهَا فَيُقَالُ: قَتَّلَ وَقِتَّلَ، وعليهما مقتلون ومقتلون، وَقَدْ جَاءَ مُرُدفِينَ إتْبَاعاً، وَتُدْغَمُ الثاء فِيهَا وُجُوباً عَلَى الْوِجْهَيْنِ نَحْوُ اثَّأرَ وَاتَّأرَ، وَتُدْغَمُ فِيهَا السِّين شَاذًّا عَلَى الشَّاذِّ نَحْوُ اسَّمَعَ، لامْتِنَاع

اتَّمَعَ، وَتُقْلَبُ بَعْدَ حُرُوفِ الإِطْبَاقِ طَاءً، فَتُدْغَمُ فِيهَا وُجُوباً في اطَّلَبَ وَجَوَازَاً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي اظْطَلَمَ، وَجَاءَتِ الثَّلَاثُ فِي * ويُظْلَمُ أحيانا فيضطلم * وَشَاذّاً عَلَى الشَّاذِّ فِي اصَّبَرَ وَاضَّرَبَ، لامْتِنَاعِ اطَّبَرَ واطَّرَبَ، وَتُقْلَبُ مَعَ الدَّالِ والذَّال وَالزَّاي دَالاً فتدغم وجوبا في ادَّانَ، وَقَويّاً في ادَّكَرَ، وَجَاءَ اذكر واذ دكر، وضعيفا في ازَّانَ، لامْتِنَاعِ ادَّانَ، وَنَحْوُ خَبَطُّ وحِصْطُ وَفُزْدُ وَعُدُّ فِي خَبَطْتُ وحصت وَفُزْتُ وعُدْتُ شَاذٌّ " أقول: اعلم أنه إذا كان فاء افتعل تاء وجب إدغامها في التاء، لما قدمنا أن

ص: 283

المثلين إذا التقيا وأولهما ساكن وجب الإدغام: في كلمة كانا، أو في كلمتين، وذلك نحو اتَّرَكَ واتَّرَسَ، وإذا كان عينه تاء جاز الإدغام وتركه، لما قدمنا أن المثلين المتحركين إذا لم يكونا في الأخير لم يجب الادغام، فتقول: اقْتَتَلَ وقَتَّل، وقال سيبويه: إنما لم يلزم الإدغام في نحو اقْتَتَل لأن التاء الثانية لا تلزم الأُولى، ألا ترى إلى نحو اجتمع وازتدع؟ فالمثلان فيه كأنهما في كلمتين من حيث عدم التلازم، فإذا أدغمت فإما أن تنقل حركة أولهما إلى فاء الكلمة كما هو الرسم في نحو يمُد ويَعض ويفِر فتستغني عن همزة الوصل، وإنما وجب حذف الهمزة ههنا ولم يجب في باب ألحمرلان أصل لام التعريف السكون وأصل فاء الكلمة الحركة كما قلنا في سَلْ (1)، وإما أن تحذف حركة أولهما فيلتقي ساكنان: فاء الفعل، وتاء افتعل، فتكسر الفاء، لأن الساكن إذا حرك فالكسر أولى، فتسقط همزة الوصل بتحرك ما بعدها، وإنما لم يجز حذف حركة أول المثلين في نحو يرُدُّ ويعَض ويفِرُّ لما ذكرنا في باب الإعلال (2) من أنه يجب المحافظة على حركة العين في الفعل، إذ بها يتميز بعض أبوابه عن بعض، وقال سيبويه: إنما جاز حذف الحركة ههنا دون نحو يرد ويعض لأنه يجوز في نحوه الإظهار والإخفاء والإدغام: أي في نحو

اقتتل، بخلاف نحو يردّ ويُعَضّ ويفرّ، فإنه يجب فيه الإدغام، وكذا في رُدّ وعضَّ وفِرَّ عند بني تميم، فلما تصرفوا في الأول بالأوجه الثلاثة أجازوا التصرف فيه بحذف حركة أول المثلين أيضاً، قال الفراء: بل لابد من نقل حركة أولهما إلى الفاء، فأما كسرة قِتَّل فهي الفتحة ليكون دليلاً على همزة الوصل المكسورة المحذوفة، وإنما قال ذلك لأنه رأى امتناع حذف الحركة في باب يُردّ ويعَضّ، والجواب عنه ما مضى

(1) انظر (ص 51 من هذا الجزء)(2) انظر (ص 100 و 145 من هذا الجزء) ثم انظر (ج 1 ص 76 و 80 و 81)(*)

ص: 284

وتقول في مضارع اقتتل المدغم يَقَتَّل - بنقل الفتحة إلى القاف - كما في الماضي، ويَقِتِّل - بكسر القاف - كما في الماضي سواء، وأجاز بعضهم حذف حركة أولهما من غير أن يحرك القاف بحركة، فيجمع بين ساكنين، وهو وجه ضعيف ينكره أكثر الناس، والأولى أن ما روي من مثله من العرب اختلاس حركة، لا إسكان تام، ويجوز في نحو يَقِتِّل - بكسر القاف - أن تُكسر الياء إتباعاً للقاف، فتقول: يِقِتِّل كما في مِنْخِرٍ ومِنْتِنٍ، ومنه القراءة (أَمْ مَنْ لَا يِهِدِّي) بكسر الياء والهاء وتقول في اسم الفاعل: مُقِتَلِّ - بكسر القاف وفتحها - ولا يجوز كسر الميم اتباعاً كما جاز كسر حرف المضارع، لأن حرف المضارع متعوِّد للكسر لغير الاتباع أيضاً نحو إعْلَمُ ونِعْلَمُ، لكن لا يكسر الياء إلا لداع آخر كما في يِيجَل ويِقِتِّل، وأما نحو مِنْتِنٍ في مُنْتِنٍ فشاذ، وقد قرأ أهل مكة (مُرُدِّفِينَ) بإتباع الثاني للأول كما في رُدُّ ولم يرُدُّ، وذلك بحذف حركة أول المتقاربين وتحريك

ما قبله بحركة الاتباع لإزالة الساكنين وإذا كان عين افتعل مقاربا للتاء لم تدغم التاء فيه إلا قليلاً، لأن الإدغام في غير الآخر خلاف الأصل كما ذكرنا، ولا سيما إذا أدى إلى تحريك الساكن بعد تسكين المتحرك، وأما الإدغام في نحو ادّكر فإنه وإن كان في غير الآخر لكنه لم يؤد إلى تحريك ولا تسكين، وفي نحو ازَّمَّلَ أدى إلى تسكين فقط، وإذا جاز إظهار المثلين في مثل اقتَتَل وكان هو الأكثر فكيف بالمتقاربين، وإنما جاز الإدغام إذا كان العين دالاً كَيَهِدِّي ومُرَدِّفِينَ، أو صاداً كيخِصِّمُون، ولا يمنع القياس من إدغام تاء افتعل فيما يدغم فيه التاء من التسعة الأحرف المذكورة كالزاي في ارتزق، والسين في اقْتَسَر، (1) والثاء في اعتَثَر، (2) والطاء في

(1) تقول: قسره على الامر، واقتسره عليه، إذا قهره وغلبه عليه (2) اعتثر: اتخذ لنفسه عاثورا، والعاثور: البئر، وما أعد ليقع فيه غيره (*)

ص: 285

ارتطم، (1) والظاء في اعتَظَل، (2) والذال في اعتذر، والصاد والدال في اختصم واهتدى، والضاد في اختضر (3) وإذا كان فاء افتعل مقارباً في المخرج لتائه وذلك إذا كانت الفاء أحد ثمانية الأحرف التي ذكرنا أن التاء تدغم فيها لكونها من طرف اللسان كالتاء، وهي الدال والذال والطاء والظاء والثاء والصاد والسين والزاي، وتضم إلى الثمانية الضاد، لما ذكرنا من أنها باستطالتها قربت من حروف طرف اللسان، وأما الشين فبعيدة منها كما ذكرنا، فإذا كان كذا جاز لك إدغام فاء افتعل في تائه أكثر من جواز إدغام تائه في عينه، تقول في الدال: ادَّانَ، وفي الذال: اذَّكَرَ، وفي الطاء: اطَّلَبَ، وفي الظاء: اظَّلم، وفي الثاء: اثَّرد (4)، وفي الصاد: اصَّبَر، وفي السين: اسَّمَع، وفي الزاي: ازان، وفى الضاد: اصجع، وإنما قلبت

التاء في هذه الأمثلة إلى الفاء خلافاً لما هو حق إدغام أحد المتقاربين من قلب الأول إلى الثاني، لأن الثاني زائد دون الأول، وفي الطاء والظاء والصاد والضاد والسين والزاي لا يجوز قلب الأول إلى الثاني، لئلا تذهب فضيلة الإطباق والصفير.

ويجوز مع الثاء المثلثة قلب الأول إلى الثاني كما هو حق الإدغام، تقول: اثأر (5) ، واترد

(1) ارتطم: مطاوع رطمت الرجل، إذا أوقعته في أمر لا يقدر على الخروج منه (2) تقول: اعتظلت الكلاب والجراد، إذا ركب بعضها بعضا (3) تقول: اختضرت الكلا، إذا جززته وهو أخضر، وقد قالوا من ذلك: اختضر الرجل، إذا مات في طراءة السن (4) تقول: اثرد الخبز، إذا فته ليصنعه ثريدا (5) اثأر: أدرك ثأره (*)

ص: 286

ومع الحروف المذكورة يجوز أن لا تخفف الكلمة بالادغام، لكون المتقاربين في وسط الكلمة، والغالب في الإدغام آخر الكلمة، كما مر، فتخففها بقلب التاء إلى حرف يكون أقرب إلى فاء الكلمة من التاء فتقربها إلى حروف الإطباق الثلاثة: أي الصاد والضاد والظاء المعجمة، بأت تجعل في التاء إطباقاً فتصير طاء، لأن الطاء هو التاء بالإطباق، وتقربها إلى الزاي والذال المعجمة بأن تجعل التاء دالاً، لأن الدال مجهورة شديدة كالزاي والذال، والتاء مهموسة، والدال أقرب حروف طرف اللسان إلى التاء، فتقول: ازدان واذ دكر - على ما روى أبو عمرو - ومنع

سيبويه إذ دكر وأوجب الإدغام، وقال: إنما منعهم أن يقولوا مذدكر كما قالوا: مزدان، أن كل واحد من الدال والذال قد يدغم في صاحبه في الانفصال فلم يجز في الكلمة الواحدة إلا الإدغام ويجوز مع السين والثاء أن تبقى تاء الافتعال بحالها، لأن السين والثاء مهموستان كالتاء، فتقول: اثْتَأَرَ واسْتَمع، فليسا بمتباعدين حتى يُقَرَّب أحدهما من الآخر وإنما وجب تخفيف الكلمات مع غير الثاء والسين إما بالإدغام أو بغيره كما مضى لكثرة استعمال افتعل، فيستثقل فيه أدنى ثقل، ويجوز - بعد قلب التاء التي بعد الظاء المعجمة طاء وقلب التي بعد الذال المعجمة دالاً نحو اظْطَلم واذْدَكر - أن تدغم الظاء في الطاء والذال في الدال بقلب الأول إلى الثاني في الموضعين كما هو حق إدغام المتقاربين، فتقول: اطَّلم وادَّكر - بالطاء والدال المهملتين - قال سيبويه: وقد قال بعضهم: مُطَّجِع في مُضْطَجع، يدغم الضاد في الطاء مع أنها من حروف (ضَوِيَ مِشْفَرٌ) وقال: قد شبه بعض العرب ممن ترضى عربيته الصاد والضاد والطاء والظاء مع تاء الضمير بهن في افتعل، لشدة اتصال، تاء الضمير بالفعل كاتصال تاء الافتعال بما

ص: 287

قبلها، فتقول: فَحَصْطُ برجلي، وحِصْط عنه، وخبطُّهُ، وحفطه، فتقلب في جميعها تاء الضمير طاء مهملة قال: وكذا يقول بعضهم: عُدُّه - بقلب التاء دالاً - كما في ادَّان، قال السيرافي: وقياس هذه اللغة أن تقلب تاء الضمير دالاً إذا كان قبلها دال أو ذال أو زاي كما في افتعل، لكن سيبويه لم يحكه عنهم إلا في الدال المهملة ولشدة اتصال تاء الضمير بما قبله كان الإدغام في نحو أخذت وبعثت

وحفظت أولى وأكثر منه في نحو احفظ تلك، وخذ تلك، وابعث تلك، وقلب ما قبل تاء الافتعال أكثر من قلب ما قبل تاء الضمير طاء أو دالاً نحو فحصط وحفط وفُزْدُ وَعُدَّ، لأنها على كل حال كلمة وإن كانت كالجزء واعلم أنه لم يدغم التاء في استطاع واستَدَانَ لأن الإدغام يقتضي تحريك السين التي لا تتحرك ولاحظ لها في الحركة، وأيضاً فإن الثاني في حكم السكون، لأن حركته عارضة منقولة إليه مما بعده، وقراءة حمزة اسْطَاعَ بالإدغام شاذ قوله " وتدغم التاء فيها وجوباً " فيه نظر، لأن سيبويه ذكر أنه يقال: مثْتَرِدٌ، ومُتَّرِدٌ، ونحوه قوله " على الوجهين " أي: على قلب الأول إلى الثاني وقلب الثاني إلى الأول قوله " تدغم فيها السين شاذاً على الشاذ " أي: أن إدغام السين في غير حروف الصفير شاذ، وقلب ثاني المتقاربين إلى الأول شاذ، وإنما ارتكب قلب الثاني لامتناع اتَّمَعَ، فإنه تذهب إذن فضيلة الصفير، وقد زال كراهة الشذوذ الأول لسبب الشذوذ الثاني، لأنك إذا قلبت الثاني سيناً لم تدغم السين إلا في حروف الصفير قوله " وجاءت الثلاث " أي: الطاء والظاء المشددتان، والظاء المعجمة قبل الطاء المهملة، وأول البيت:

ص: 288

192 -

* هُوَ الْجَوَادُ الَّذِي يُعْطِيكَ نَائِلَهُ * عَفْواً (1) قوله " وشاذاً على الشاذ في اصَّبَرَ واضَّرَبَ " عطف على قوله " وجوباً في اطَّلَبَ " يعني يقال: اصَّبَرَ واضَّرَبَ - بصاد وضاد مشددتين - والشذوذ الأول إدغام الصاد الذي هو حرف الصفير في غير الصفير أي الطاء، وكذا إدغام الضاد المعجمة، والشذوذ الثاني قلب الثاني إلى الأول، وقد مر أن الشذوذ الثاني

يدفع مضرة الأول، والأولى أن يقول: إن تاء الافتعال قلبت صاداً أو ضاداً من أول الأمر، وأدغمت الصاد والضاد فيها كما ذكر قبل، إذ لا دليل على قلبه طاء أولاً ثم قلب الطاءِ صاداً أو ضاداً قوله " لامتناع اطبر واطرب " يعني: إنما قلب الثاني إلى الأول لامتناع قلب الأول إلى الثاني، لئلا يذهب الصفير والاستطالة قوله " وقويا في ادكر " بالدال المشددة المهملة قوله " وجاء اذَّكرَ " أي: بالذال المشددة المعجمة اعلم أنه لما كان الإدغام بقلب الثاني إلى الأول على خلاف القياس كان

(1) هذا بيت لزهير بن أبى سلمى المزني، من قصيدة له يمدح فيها هرم ابن سنان المرى، وأولها قوله: قِفْ بِالدِّيَارِ الَّتِي لَمْ يَعْفُها الْقِدَمُ * بَلَى، وَغَيَّرَهَا الأَرْوَاحُ وَالدِّيَمُ والجواد: الكريم، والنائل: العطاء، وقوله " عفوا " معناه سهلا من غير مطل ولا تسويف، وقوله " يظلم أحيانا " معناه أنه يُطلب منه في غير وقت الطلب السائل ما سأله وتكلفه لذلك قبولا للظلم، والاستشهاد بالبيت في قوله " فيظلم " فقد روى بثلاثة أوجه أولها " فيظطلم " باظهار كل من الحرفين، وثانيها " فيظلم " بقلب الطاء المهملة معجمة والادغام، وثالثها " فيطلم " بقلب الظاء المعجمة طاء مهملة والادغام، وحكى ابن جني في سر الصناعة أنه روى بوجه رابع، وهو " فينظلم " بالنون على ينفعل من الظلم، ورواه سيبويه بالادغام على الوجهين (*)

ص: 289

الأغلب مع الصاد والضاد والظاء المعجمة قلب تاء الافتعال طاء بلا إدغام، لأن قلب الأول إلى الثاني فيها ممتنع، واظطلم واضطرب واصطبر أولى من غيرها، وكذا ازْدَان - بالدال - أولى من ازَّان - بالزاي - وادَّكر - بالدال

المهملة - أولى من اذَّكر - بالذال المعجمة، وكذا اتَّغَرَ - بالتاء - أولى من اثَّغر - بالثاء المثلثة - وإبقاء التاء بحالها في استمع أولى من اسَّمَعَ، ولا منع من إدغام اللام في التاء، وإن لم يسمع نحو اتَّمَع في الْتَمَعَ، لأن اللام يدغم في التاء كما تقدم قال:" وَقَدْ تُدْغَمُ تَاءُ نَحْوَ تَتَنَزَّلُ وَتَتَنَابَزُوا وَصْلاً وَلَيْسَ قَبْلَهَا سَاكِنٌ صَحِيحٌ، وَتَاءُ تَفَعَّلَ وَتَفَاعَلَ فِيمَا تُدْغَمُ فِيهِ التَّاءُ، فَتُجْلَبُ هَمْزَةُ الْوَصْل ابْتِدَاءً نحْوَ اطَّيَّرُوا وازَّيَّنُوا واثَّاقَلُوا وادَّارَأُوا، وَنَحْوُ اسطَّاعَ مُدْغَماً مَعَ بَقَاءِ صَوْتِ السِّينِ نَادِرٌ " أقول: إذا كان في أول مضارع تَفَعَّلَ وتَفَاعَل تاء فيجتمع تاءان جاز لك أن تخففهما وأن لا تخففهما، والتخفيف بشيئين: حذف أحدهما، والإدغام، والحذفُ أكثر، فإذا حذفت فمذهب سيبويه أن المحذوفة هي الثانية، لأن الثقل منها نشأ، ولأن حروف المضارعة زيدت على تاء تَفَعَّل لتكون علامة، والطارئ يزيل الثابت إذا كره اجتماعهما، وقال سيبويه: لأنها هي التي تدغم في تترَّس، وتطيَّر، وقال الكوفيون: المحذوفة هي الأولى، وجوز بعضهم الأمرين، وإذا حذفت لم تدغم التاء الباقية فيما بعدها وإن ما ثلها، نحو تَتَارَكُ، أو قاربها نحو تَذَكَّرُون، لئلا يجمع في أول الكلمة بين حذف وإدغام مع أن قياسهما أن يكونا في الآخر، وإذا أدغمت فإنك لا تدغم إلا إذا كان قبلها ما آخره متحرك نحو قَال تنَزَّل، وقَال تَّنَابَزُوا، أو آخره مد نحو قالوا تَّنَزَّلُ قَالا تَّنَابزُوا، وقُولي تَّابع، ويزاد في تمكين حرف المد، فإن لم يكن قبلها شئ

ص: 290

لم يدغموا، إذ لو أدغم لاجتلب لها همزة الوصل، وحروف المضارع لابد لها من التصدر لقوة دلالتها، وأيضاً تتثاقل الكلمة، بخلاف الماضي، فإنك إذا قلت:

اتَّابَع واتَّبَعَ، لم يستثقل استثقال اتَّنَزَّلُ، واتَّنَابَزُون، وكذا لا يدغم إذا كان قبله ساكن غير مد: سواء كان ليناً نحو لو تتنابزون، أو غيره نحو هل تتنابزون، إذ يحتاج إذن إلى تحريك ذلك الساكن، ولا تفي الخفة الحاصلة من الإدغام بالثقل الحاصل من تحريك ذلك الساكن، وظهر بما شرحنا أن الاولى أن يقول المصنف: وليس قبلها ساكن غير مدة، وقراءة البزى (كُنْتُم تَّمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) و (ألْفِ شَهْر تَّنَزَّلُ) - بالإدغام فيهما والجمع بين ساكنين - ليست بتلك القوة وإذا كان الفعل المضارع مبنياً للمفعول نحو تُتَدارك وتُتَحَمَّل لم يجز الحذف ولا الإدغام، لاختلاف الحركتين، فلا تستثقلان كما تستثقل الحركتان المتفقتان، وأيضا يقع لبس بين تتفعل وتفعل من التَّفْعِيل لو حذفت التاء الثانية وبين تُتَفَعَّلُ وتَتفَعَّل لو حذفت الأولى قوله " وتاء تَفَعَّل وَتَفَاعَل فيما تُدْغَمُ فيه التاءُ " أي: تاء الماضي من البابين تدغم في الفاء إذا كانت إحدى الحروف الاثني عشر التي ذكرنا أن التاء تدغم فيها، وهي التاء نحو اتَّرَّسَ، والطاء نحو اطَّيَّر، والدال نحو ادَّارَأْتم، والظاء نحو اظَّالموا، والذال نحو إذا كروا، والثاء نحو اثّاقَلْتُم، والصاد نحو اصَّابَرْتم، والزاي نحو ازَّيَّن، والسين نحو اسمع واسَّاقَطَ، والضاد نحو اضَّاربوا واضَّرَع، والشين نحو اشَّاجَروا، والجيم نحو اجَّاءَرُوا (1) ، وهذا الإدغام مطرد في الماضي والمضارع والأمر والمصدر وأسمى الفاعل والمفعول

(1) أصل اجاءروا: تجاءروا، وهو تفاعل من الجؤار، والجؤار: رفع الصوت (*)

ص: 291