المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الْإِعْرَاب   ثمَّ قلت بَاب الْإِعْرَاب أثر ظَاهر أَو مُقَدّر يجلبه الْعَامِل - شرح شذور الذهب لابن هشام

[ابن هشام النحوي]

الفصل: ‌ ‌الْإِعْرَاب   ثمَّ قلت بَاب الْإِعْرَاب أثر ظَاهر أَو مُقَدّر يجلبه الْعَامِل

‌الْإِعْرَاب

ثمَّ قلت بَاب الْإِعْرَاب أثر ظَاهر أَو مُقَدّر يجلبه الْعَامِل فِي آخر الِاسْم المتمكن وَالْفِعْل الْمُضَارع

ص: 41

وَأَقُول للإعراب مَعْنيانِ لغَوِيّ وصناعي

فَمَعْنَاه اللّغَوِيّ الْإِبَانَة يُقَال أعرب الرجل عَمَّا فِي نَفسه إِذا أبان عَنهُ وَفِي الحَدِيث الْبكر تستأمر وإذنها صماتها والأيم

ص: 42

تعرب عَن نَفسهَا أَي تبين رِضَاهَا بِصَرِيح النُّطْق

وَمَعْنَاهُ الاصطلاحي مَا ذكرت مِثَال الْآثَار الظَّاهِرَة الضمة والفتحة والكسرة فِي قَوْلك جَاءَ زيد وَرَأَيْت زيدا ومررت بزيد أَلا ترى أَنَّهَا آثَار ظَاهِرَة فِي آخر زيد جلبتها العوامل الدَّاخِلَة عَلَيْهِ وَهِي جَاءَ وَرَأى وَالْبَاء وَمِثَال الْآثَار الْمقدرَة مَا تعتقده منويا فِي آخر نَحْو الْفَتى من قَوْلك جَاءَ الْفَتى وَرَأَيْت الْفَتى ومررت بالفتى فَإنَّك تقدر فِي آخِره فِي الْمِثَال الأول ضمة وَفِي الثَّانِي فَتْحة وَفِي الثَّالِث كسرة وَتلك الحركات الْمقدرَة إِعْرَاب كَمَا أَن الحركات الظَّاهِرَة فِي آخر زيد إِعْرَاب

ص: 43

ثمَّ قلت وأنواعه رفع وَنصب فِي اسْم وَفعل ك زيد يقوم وَإِن زيدا لن يقوم وجر فِي اسْم ك بزيد وَجزم فِي فعل ك لم يقم

وَالْأَصْل كَون الرّفْع بالضمة وَالنّصب بالفتحة والجر بالكسرة والجزم بِالسُّكُونِ

وَأَقُول أَنْوَاع الْإِعْرَاب أَرْبَعَة رفع وَنصب وجر وَجزم وَعَن بَعضهم أَن الْجَزْم لَيْسَ بإعراب وَلَيْسَ بِشَيْء وَهَذِه الْأَرْبَعَة تَنْقَسِم إِلَى ثَلَاثَة أَقسَام

1 -

مَا هُوَ مُشْتَرك بَين الِاسْم وَالْفِعْل وَهُوَ الرّفْع وَالنّصب مِثَال دُخُول الرّفْع فيهمَا زيد يقوم ف زيد مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ وعلامة رَفعه الضمة وَيقوم مَرْفُوع لِأَنَّهُ فعل مضارع خَال عَن ناصب وجازم وعلامة رَفعه أَيْضا الضمة وَمِثَال دُخُول النصب فيهمَا إِن زيدا لن يقوم ف زيدا اسْم مَنْصُوب بإن وعلامة نَصبه الفتحة وَيقوم فعل مضارع مَنْصُوب بلن وعلامة نَصبه أَيْضا الفتحة

وَمَا هُوَ خَاص بِالِاسْمِ وَهُوَ الْجَرّ نَحْو بزيد ف زيد مجرور بِالْبَاء وعلامة جَرّه الكسرة

ص: 44

وَمَا هُوَ خَاص بِالْفِعْلِ وَهُوَ الْجَزْم نَحْو لم يقم ف يقم فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف الْحَرَكَة

وَالْأَصْل فِي هَذِه الْأَنْوَاع الْأَرْبَعَة أَن يدل على رَفعهَا بالضمة وعَلى نصبها بالفتحة وعَلى جرها بالكسرة وعَلى جزمها بِالسُّكُونِ وَهُوَ حذف الْحَرَكَة وَقد بيّنت ذَلِك كُله فِي الْأَمْثِلَة الْمَذْكُورَة

وَقَالَ الله تَعَالَى {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس بَعضهم بِبَعْض لفسدت الأَرْض}

ص: 45

ثمَّ قلت وَخرج عَن ذَلِك الأَصْل سَبْعَة أَبْوَاب

أَحدهَا مَا لَا ينْصَرف فَإِنَّهُ يجر بالفتحة نَحْو بِأَفْضَل مِنْهُ إِلَّا إِن أضيف أَو دَخلته أل نَحْو بأفضلكم وبالأفضل

ص: 46

وَأَقُول الأَصْل فِي عَلَامَات الْإِعْرَاب مَا ذَكرْنَاهُ وَقد خرج عَن ذَلِك سَبْعَة أَبْوَاب

الْبَاب الأول بَاب مَا لَا ينْصَرف وَحكمه أَنه يُوَافق مَا ينْصَرف فِي أَمريْن وهما أَنه يرفع بالضمة وَينصب بالفتحة وَيُخَالِفهُ فِي أَمريْن وهما أَنه لَا ينون وَأَنه يجر بالفتحة نَحْو جَاءَنِي أفضل مِنْهُ ومررت بِأَفْضَل مِنْهُ وَرَأَيْت أفضل مِنْهُ وَقَالَ الله تَعَالَى {فَحَيوا بِأَحْسَن مِنْهَا} {يعْملُونَ لَهُ مَا يَشَاء من محاريب وتماثيل} {وأوحينا إِلَى إِبْرَاهِيم وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب}

وَيسْتَثْنى من قَوْلنَا مَا لَا ينْصَرف مَسْأَلَتَانِ يجر فيهمَا بالكسرة على الأَصْل إِحْدَاهمَا أَن يُضَاف وَالثَّانيَِة أَن تصحبه الْألف وَاللَّام تَقول مَرَرْت بِأَفْضَل الْقَوْم وبالأفضل وَقَالَ الله تَعَالَى {لقد خلقنَا الْإِنْسَان فِي أحسن تَقْوِيم}

ص: 47

وَسَيَأْتِي بحث الْمَمْنُوع من الصّرْف مُسْتَوفى فِي آخر الْكتاب

ثمَّ قلت الثَّانِي مَا جمع بِأَلف وتاء مزيدتين ك هندات فَإِنَّهُ ينصب بالكسرة نَحْو {خلق الله السَّمَاوَات} {فانفروا ثبات} بِخِلَاف نَحْو {وكنتم أَمْوَاتًا} وَرَأَيْت قُضَاة وَألْحق بِهِ أولات

ص: 48

وَأَقُول الْبَاب الثَّانِي مِمَّا خرج عَن الأَصْل مَا جمع بِأَلف وتاء مزيدتين سَوَاء كَانَ جمعا لمؤنث نَحْو هندات وزينبات أَو جمعا لمذكر نَحْو إصطبلات وحمامات وَسَوَاء كَانَ سالما كَمَا مثلنَا أَو ذَا تغير ك سَجدَات بِفَتْح الْجِيم وغرفات بِضَم الرَّاء وَفتحهَا وسدرات بِكَسْر الدَّال وَفتحهَا

فَهَذِهِ كلهَا ترفع بالضمة وتجر بالكسرة على الأَصْل وتنصب بالكسرة على خلاف الأَصْل تَقول جَاءَت الهندات ومررت بالهندات وَرَأَيْت الهندات و {خلق الله السَّمَاوَات}

خلق فعل مَاض وَالله فَاعل وَالسَّمَوَات مفعول بِهِ وَالْمَفْعُول مَنْصُوب وعلامة النصب الكسرة نِيَابَة عَن الفتحة

وَقَالَ الله تَعَالَى {لَا تتبعوا خطوَات الشَّيْطَان} {كَذَلِك يُرِيهم الله أَعْمَالهم حسرات عَلَيْهِم} {إِن الْحَسَنَات يذْهبن السَّيِّئَات}

ص: 49

ونظائر ذَلِك كَثِيرَة

وَألْحق بِهَذَا الْجمع أولات فينصب بالكسرة نِيَابَة عَن الفتحة وَإِن لم يكن جمعا وَإِنَّمَا هُوَ اسْم جمع لِأَنَّهُ لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه حمل على جمع الْمُؤَنَّث كَمَا حمل أولو على جمع الْمُذكر كَمَا سَيَأْتِي قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن كن أولات حمل}

كن كَانَ وَاسْمهَا وَأولَات خَبَرهَا وعلامة نَصبه الكسرة

ثمَّ قلت الثَّالِث ذُو بِمَعْنى صَاحب وَمَا أضيف لغير الْيَاء

ص: 50

من أَب وَأَخ وحم وَهن وفم بِغَيْر مِيم فَإِنَّهَا تعرب بِالْوَاو وَالْألف وَالْيَاء

وَأَقُول الْبَاب الثَّالِث مِمَّا خرج عَن الأَصْل الْأَسْمَاء السِّتَّة المعتلة المضافة إِلَى غير يَاء الْمُتَكَلّم فَإِنَّهَا ترفع بِالْوَاو نِيَابَة عَن الضمة وتنصب بِالْألف نِيَابَة عَن الفتحة وتخفض بِالْيَاءِ نِيَابَة عَن الكسرة

وَشرط الأول مِنْهَا وَهُوَ ذُو أَن يكون بِمَعْنى صَاحب تَقول جَاءَنِي ذُو مَال وَرَأَيْت ذَا مَال ومررت بِذِي مَال قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن رَبك لذُو مغْفرَة} وَقَالَ تَعَالَى {أَن كَانَ ذَا مَال} وَقَالَ تَعَالَى {إِلَى ظلّ ذِي ثَلَاث شعب} فَوَقع ذُو فِي الأول خَبرا لإن فَرفع بِالْوَاو وَفِي الثَّانِي خَبرا لَكَانَ فنصب بِالْألف وَفِي الثَّالِث صفة لظل فجر بِالْيَاءِ لِأَن الصّفة تتبع الْمَوْصُوف

وَإِذا لم يكن ذُو بِمَعْنى صَاحب كَانَ بِمَعْنى الَّذِي وَكَانَ مَبْنِيا على سُكُون الْوَاو تَقول جَاءَنِي ذُو قَامَ وَرَأَيْت ذُو قَامَ ومررت بذو قَامَ وَهِي لُغَة طييء على أَن مِنْهُم من يجريها مجْرى

ص: 51

الَّتِي بِمَعْنى صَاحب فيعربها بِالْوَاو وَالْألف وَالْيَاء فَيَقُول جَاءَنِي ذُو قَامَ وَرَأَيْت ذَا قَامَ ومررت بِذِي قَامَ إِلَّا أَن ذَلِك شَاذ وَالْمَشْهُور مَا قدمْنَاهُ وَسمع من كَلَامهم لَا وَذُو فِي السَّمَاء عَرْشه فذو مَوْصُولَة بِمَعْنى الَّذِي وَمَا بعْدهَا صلَة فَلَو كَانَت معربة لجرت بواو الْقسم

والخمسة الْبَاقِيَة شَرطهَا أَن تكون مُضَافَة إِلَى غير يَاء الْمُتَكَلّم كَقَوْلِه تَعَالَى {وأبونا شيخ كَبِير} وَقَوله تَعَالَى {إِن أَبَانَا لفي ضلال مُبين} وَقَوله تَعَالَى {ارْجعُوا إِلَى أبيكم} فَوَقع

ص: 52

الْأَب فِي الْآيَة الأولى مَرْفُوعا بِالِابْتِدَاءِ وَفِي الْآيَة الثَّانِيَة مَنْصُوبًا بإن وَفِي الْآيَة الثَّالِثَة مخفوضا بإلى وَهُوَ فِي جَمِيع ذَلِك مُضَاف إِلَى غير الْيَاء فَلهَذَا أعرب بِالْوَاو وَالْألف وَالْيَاء وَكَذَلِكَ القَوْل فِي الْبَاقِي

وَلَو أضيفت هَذِه الْأَسْمَاء إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم كسرت أواخرها لمناسبة الْيَاء وَكَانَ إعرابها بحركات مقدرَة قبل الْيَاء تَقول هَذَا أبي وَرَأَيْت أبي ومررت بِأبي فتقدر حركات الْإِعْرَاب قبل يَاء الْمُتَكَلّم كَمَا تفعل ذَلِك فِي نَحْو غلامي

ص: 53

ثمَّ قلت والأفصح فِي الهن النَّقْص

وَأَقُول الهن يُخَالف الْأَب وَالْأَخ والحم من جِهَة أَنَّهَا إِذا أفردت

ص: 54

نقصت أواخرها وَصَارَت على حرفين وَإِذا أضيفت تمت فَصَارَت على ثَلَاثَة أحرف تَقول هَذَا أَب بِحَذْف اللَّام وَأَصله أَبُو فَإِذا أضفته قلت هَذَا أَبوك وَكَذَا الْبَاقِي وَأما الهن فَإِذا اسْتعْمل مُفردا نقص وَإِذا أضيف بَقِي فِي اللُّغَة الفصحى على نَقصه تَقول هَذَا هن وَهَذَا هنك فَيكون فِي الْإِفْرَاد وَالْإِضَافَة على حد سَوَاء وَمن الْعَرَب من يَسْتَعْمِلهُ تَاما فِي حَالَة الْإِضَافَة فَيَقُول هَذَا هنوك وَرَأَيْت هُنَاكَ ومررت بهنيك وَهِي لُغَة قَليلَة ولقلتها لم يطلع عَلَيْهَا الْفراء وَلَا أَبُو الْقَاسِم الزجاحي فادعيا ان الْأَسْمَاء المعربة بالحروف خَمْسَة لَا سِتَّة

وَاعْلَم أَن لُغَة النَّقْص مَعَ كَونهَا أَكثر اسْتِعْمَالا هِيَ أفْصح قِيَاسا وَذَلِكَ لِأَن مَا كَانَ نَاقِصا فِي الْإِفْرَاد فحقه أَن يبْقى على نَقصه فِي الإضافه وَذَلِكَ نَحْو يَد أَصْلهَا يَدي فحذفوا لامها فِي الْإِفْرَاد وَهِي الْيَاء وَجعلُوا الْإِعْرَاب على مَا قبلهَا فَقَالُوا هَذِه يَد ثمَّ لما أضافوها أبقوها محذوفة اللَّام قَالَ الله تَعَالَى {يَد الله فَوق أَيْديهم}

ص: 55

وَقَالَ الله تَعَالَى {لَئِن بسطت إِلَيّ يدك لتقتلني} وَقَالَ تَعَالَى {وَخذ بِيَدِك ضغثا}

ثمَّ قلت الرَّابِع الْمثنى كالزيدان والهندان فَإِنَّهُ يرفع بِالْألف ويجر وَينصب بِالْيَاءِ المفتوح مَا قبلهَا المكسور مَا بعْدهَا

ص: 56

وَأَقُول الْبَاب الرَّابِع مِمَّا خرج عَن الأَصْل الْمثنى وَهُوَ كل اسْم دَال على اثْنَيْنِ وَكَانَ اختصارا للمتعاطفين وَذَلِكَ نَحْو الزيدان والهندان

إِذْ كل مِنْهُمَا دَال على اثْنَيْنِ وَالْأَصْل فيهمَا زيد وَزيد وَهِنْد وَهِنْد كَمَا قَالَ الْحجَّاج إِنَّا لله مُحَمَّد وَمُحَمّد فِي يَوْم وَلَكنهُمْ عدلوا عَن ذَلِك كَرَاهِيَة مِنْهُم للتطويل والتكرار

ص: 57

وَحكم هَذَا الْبَاب أَن يرفع بِالْألف نِيَابَة عَن الضمة وَأَن يجر وَينصب بِالْيَاءِ المفتوح مَا قبلهَا المكسور مَا بعْدهَا نِيَابَة عَن الكسرة والفتحة نَحْو جَاءَ الزيدان وَرَأَيْت الزيدين ومررت بالزيدين وَكَذَلِكَ تَقول فِي الهندان وَإِنَّمَا مثلت بالزيدان والهندان ليعلم أَن تَثْنِيَة الْمُذكر والمؤنث فِي الحكم سَوَاء بِخِلَاف جَمعهمَا السَّالِم

وَمن شَوَاهِد الرّفْع قَوْله تَعَالَى {قَالَ رجلَانِ من الَّذين يخَافُونَ أنعم الله عَلَيْهِمَا}

ص: 58

)

وَمِثَال النصب قَوْله تَعَالَى {رَبنَا أرنا الَّذين أضلانا}

وَقد اجْتمع النصب بِالْيَاءِ وَالرَّفْع بِالْألف فِي قَوْله تَعَالَى {إِن هَذَانِ لساحران}

ص: 60

وَألْحق بِهِ اثْنَتَانِ وثنتان مُطلقًا وكلا وكلتا مضافين إِلَى مُضْمر

ألحق بالمثنى خَمْسَة أَلْفَاظ وَهِي اثْنَان للمذكرين وَاثْنَتَانِ للمؤنثتين فِي لُغَة الْحجاز وثنتان لَهما فِي لُغَة تَمِيم وَهَذِه الثَّلَاثَة تجْرِي مجْرى الْمثنى فِي إعرابه دَائِما من غير شَرط وَإِنَّمَا لم نسمها مثناة لِأَنَّهَا لَيست اختصارا للمتعاطفين إِذْ لَا مُفْرد لَهَا لَا يُقَال اثن وَلَا اثنة وَلَا ثنت

وَمن شَوَاهِد رَفعهَا بِالْألف قَوْله تَعَالَى {فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا} ف {اثْنَتَا} فَاعل فانفجرت وَقَوله تَعَالَى {شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اثْنَان}

ص: 66

) ف {اثْنَان} مَرْفُوع إِمَّا على أَنه خبر الْمُبْتَدَأ وَهُوَ شَهَادَة وَذَلِكَ على أَن الأَصْل شَهَادَة بَيْنكُم شَهَادَة اثْنَيْنِ فَحذف الْمُضَاف وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه فارتفع ارتفاعه وَإِنَّمَا قَدرنَا هَذَا الْمُضَاف لِأَن الْمُبْتَدَأ لَا بُد أَن يكون عين الْخَبَر نَحْو زيد أَخُوك أَو مشبها بِهِ نَحْو زيد أَسد وَالشَّهَادَة لَيست نفس الِاثْنَيْنِ وَلَا مشبهة بهما وَإِمَّا على أَنه فَاعل بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ الشَّهَادَة وَالتَّقْدِير وَمِمَّا فرض عَلَيْكُم أَن يشْهد بَيْنكُم اثْنَان

وَمن شَوَاهِد النصب قَوْله تَعَالَى {إِذْ أرسلنَا إِلَيْهِم اثْنَيْنِ} {قَالُوا رَبنَا أمتنَا اثْنَتَيْنِ} ف {اثْنَيْنِ} مفعول بِهِ واثنتين مفعول مُطلق أَي إماتتين وَكَذَلِكَ {وأحييتنا اثْنَتَيْنِ} وَمِنْه أَيْضا قَوْله تَعَالَى {وبعثنا مِنْهُم اثْنَي عشر نَقِيبًا} ف {اثْنَي} مفعول بعثنَا وعلامة نَصبه الْيَاء

ص: 67

والكلمتان الرَّابِعَة وَالْخَامِسَة كلا وكلتا وَشرط إجرائهما مجْرى الْمثنى إضافتهما إِلَى الْمُضمر تَقول جَاءَنِي كِلَاهُمَا وَرَأَيْت كليهمَا ومررت بكليهما وَكَذَا فِي كلتا قَالَ الله تَعَالَى {إِمَّا يبلغن عنْدك الْكبر} أَحدهمَا {أَو} كِلَاهُمَا ف أَحدهمَا فَاعل وَكِلَاهُمَا مَعْطُوف عَلَيْهِ وَالْألف عَلامَة لرفعه لِأَنَّهُ مُضَاف إِلَى الضَّمِير وَيقْرَأ إِمَّا يبلغان بِالْألف فالألف فَاعل وَأَحَدهمَا فَاعل بِفعل مَحْذُوف وَتَقْدِيره إِن يبلغهُ أَحدهمَا أَو كِلَاهُمَا وَفَائِدَة إِعَادَة ذَلِك التوكيد وَقيل إِن أَحدهمَا بدل من الْألف أَو فَاعل يبلغان على أَن الْألف عَلامَة وليسا بِشَيْء فَتَأمل ذَلِك

ص: 68

فَإِن أضيفا إِلَى الظَّاهِر كَانَا بِالْألف على كل حَال وَكَانَ إعرابهما حِينَئِذٍ بحركات مقدرَة فِي تِلْكَ الْألف قَالَ الله تَعَالَى {كلتا الجنتين آتت أكلهَا} أَي كل وَاحِدَة من الجنتين أَعْطَتْ ثَمَرَتهَا وَلم تنقص مِنْهُ شَيْئا ف {كلتا} مُبْتَدأ {آتت أكلهَا} فعل مَاض وَالتَّاء عَلامَة التَّأْنِيث وفاعله مستتر ومفعول ومضاف إِلَيْهِ وَالْجُمْلَة خبر وعلامة الرّفْع فِي {كلتا} ضمة مقدرَة على الْألف فَإِنَّهُ مُضَاف للظَّاهِر

ثمَّ قلت الْخَامِس جمع الْمُذكر السَّالِم كالزيدون والمسلمون فَإِنَّهُ يرفع بِالْوَاو ويجر وَينصب بِالْيَاءِ المكسور مَا قبلهَا المفتوح مَا بعْدهَا

ص: 69

وَأَقُول الْبَاب الْخَامِس مِمَّا خرج عَن الأَصْل جمع الْمُذكر السَّالِم واحترزت بالمذكر عَن الْمُؤَنَّث كهندات وزينبات وبالسالم عَن المكسر كغلمان وزيود

وَحكم هَذَا الْجمع أَنه يرفع بِالْوَاو نِيَابَة عَن الضمة ويجر وَينصب بِالْيَاءِ المكسور مَا قبلهَا المفتوح مَا بعْدهَا نِيَابَة عَن الكسرة والفتحة

ص: 70

تَقول جَاءَ الزيدون والمسلمون ومررت بالزيدين وَالْمُسْلِمين وَرَأَيْت الزيدين وَالْمُسْلِمين وَإِنَّمَا مثلت بالمثالين ليعلم أَن هَذَا الْجمع يكون فِي أَعْلَام الْعُقَلَاء وصفاتهم

ص: 71

ثمَّ قلت وَألْحق بِهِ أولو وعالمون وأرضون وسنون وَعِشْرُونَ وبابهما وأهلون وعليون وَنَحْوه

وَأَقُول ألحق بِجمع الْمُذكر السَّالِم أَلْفَاظ مِنْهَا أولو وَلَيْسَ

ص: 72

بِجمع وَإِنَّمَا هُوَ اسْم جمع لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه وَإِنَّمَا لَهُ وَاحِد من مَعْنَاهُ وَهُوَ ذُو وَمن شواهده قَوْله تَعَالَى {وَلَا يَأْتَلِ أولُوا الْفضل مِنْكُم وَالسعَة أَن يؤتوا أولي الْقُرْبَى}

وَقَالَ الله تَعَالَى {إِن فِي ذَلِك لذكرى لأولي الْأَلْبَاب} فَهَذَا مِثَال الْمَجْرُور وذانك مِثَالا الْمَرْفُوع والمنصوب

ص: 73

وَمِنْهَا عالمون وَعِشْرُونَ وبابه إِلَى التسعين فَإِنَّهَا أَسمَاء جموع أَيْضا لَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا

وَمِنْهَا أرضون وَهُوَ بِفَتْح الرَّاء وَهُوَ جمع تكسير لمؤنث لَا يعقل لِأَن مفرده أَرض سَاكن الرَّاء وَالْأَرْض مُؤَنّثَة بِدَلِيل {وأخرجت الأَرْض أثقالها} وَهِي مِمَّا لَا يعقل قطعا وَإِنَّمَا حق هَذَا الْإِعْرَاب أَي الَّذِي يجمع بِالْوَاو وَالنُّون أَن يكون فِي جمع تَصْحِيح لمذكر عَاقل تَقول هَذِه أرضون وَرَأَيْت أَرضين ومررت بأرضين وَفِي الحَدِيث من غضب قيد شبر من أَرض طوقه من سبع أَرضين يَوْم الْقِيَامَة وَرُبمَا سكنت الرَّاء فِي الضَّرُورَة كَقَوْلِه

(لقد ضجت الأرضون إِذْ قَامَ من بني

هداد خطيب فَوق أَعْوَاد مِنْبَر)

ص: 74

وَمِنْهَا سنُون وَهُوَ كأرضون لِأَنَّهُ جمع سنة وَسنة مَفْتُوح الأول وسنون مكسور الأول وَسنة مؤنث غير عَاقل وَأَصله سنو أَو سنة بِدَلِيل قَوْلهم فِي جمعه بِالْألف وَالتَّاء سنوات وسنهات وَقَوْلهمْ فِي اشتقاق الْفِعْل مِنْهُ سانهت وأصل سانيت سانوت فقلبوا الْوَاو يَاء حِين تجاوزت متطرفة ثَلَاثَة أحرف

وَمن شَوَاهِد سِنِين قَوْله تَعَالَى {وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِين}

ص: 75

وَلم تقع فِي الْقُرْآن مَرْفُوعَة ومثالها قَول الْقَائِل

(ثمَّ انْقَضتْ تِلْكَ السنون وَأَهْلهَا

فَكَأَنَّهَا وَكَأَنَّهُم أَحْلَام)

ص: 76

وأشرت بِقَوْلِي وبابه إِلَى أَن كل مَا كَانَ كسنين فِي كَونه جمعا لثلاثي حذفت لامه وَعوض عَنْهَا هَاء التَّأْنِيث فَإِنَّهُ يعرب هَذَا الْإِعْرَاب وَذَلِكَ كقلة وقلين وَعزة وعزين وعضة وعضين قَالَ الله تَعَالَى {عَن الْيَمين وَعَن الشمَال عزين} أَي فرقا شَتَّى لِأَن كل فرقة تعتزى إِلَى غير من تعتزى إِلَيْهِ الْفرْقَة الْأُخْرَى وانتصابها على أَنَّهَا صفة لمهطعين بِمَعْنى مُسْرِعين وانتصاب مهطعين على الْحَال وَقَالَ الله تَعَالَى {الَّذين جعلُوا الْقُرْآن عضين} فعضين مفعول ثَان لجعل مَنْصُوب بِالْيَاءِ وَهِي جمع عضة وَاخْتلف فِيهَا فَقيل أَصْلهَا عُضْو من قَوْلهم عضيته تعضية إِذا فرقته قَالَ رؤبة

ص: 77

(وَلَيْسَ دين الله بالمعضى

) يَعْنِي بالمفرق أَي جعلُوا الْقُرْآن أَعْضَاء فَقَالَ بَعضهم سحر وَقَالَ بَعضهم كهَانَة وَقَالَ بَعضهم أساطير الْأَوَّلين وَقيل أَصْلهَا عضهه من العضه وَهُوَ الْكَذِب والبهتان وَفِي الحَدِيث لَا يعضه بَعْضكُم بَعْضًا

ثمَّ قلت السَّادِس يفْعَلَانِ وتفعلان ويفعلون وتفعلون وتفعلين فَإِنَّهَا ترفع بِثُبُوت النُّون وتنصب وتجزم بحذفها وَأما نَحْو {أتحاجوني} فالمحذوف نون الْوِقَايَة وَأما إِلَّا أَن يعفون فالواو

ص: 78

أصل وَالْفِعْل مَبْنِيّ بِخِلَاف وَأَن تعفوا أقرب للتقوى

وَأَقُول الْبَاب السَّادِس مِمَّا خرج عَن الأَصْل الْأَمْثِلَة الْخَمْسَة وَهِي كل فعل مضارع اتَّصل بِهِ ألف اثْنَيْنِ أَو وَاو جمَاعَة أَو يَاء مُخَاطبَة

وَحكمهَا أَن ترفع بِثُبُوت النُّون نِيَابَة عَن الضمة وتنصب وتجزم بحذفها نِيَابَة عَن الفتحة والسكون مِثَال الرّفْع قَوْله تَعَالَى {فيهمَا عينان تجريان} {وَأَنْتُم تعلمُونَ} {وَأَنْتُم تَشْهَدُون} {وهم لَا يَشْعُرُونَ} فالمضارع فِي ذَلِك كُله مَرْفُوع لخلوه عَن الناصب والجازم وعلامة رَفعه ثُبُوت النُّون وَمِثَال الْجَزْم وَالنّصب قَوْله تَعَالَى {فَإِن لم تَفعلُوا وَلنْ تَفعلُوا} ف {لم تَفعلُوا} جازم ومجزوم {وَلنْ تَفعلُوا} ناصب ومنصوب وعلامة الْجَزْم وَالنّصب فيهمَا

ص: 79

حذف النُّون

ثمَّ قلت السَّابِع الْفِعْل المعتل الآخر كيغزو ويخشى ويرمى

ص: 80

فَإِنَّهُ يجْزم بحذفه وَنَحْو {إِنَّه من يتق ويصبر} مؤول

وَأَقُول هَذَا خَاتِمَة الْأَبْوَاب السَّبْعَة الَّتِي خرجت عَن الْقيَاس وَهُوَ الْفِعْل الْمُضَارع الَّذِي آخِره حرف عِلّة وَهُوَ الْوَاو وَالْألف وَالْيَاء فَإِنَّهُ يجْزم بِحَذْف الْحَرْف الْأَخير نِيَابَة عَن حذف الْحَرَكَة تَقول لم يغز وَلم يخْش وَلم يرم قَالَ الله تَعَالَى {فَليدع نَادِيه}

اللَّام لَام الْأَمر ويدع فعل مضارع مجزوم وعلامة جزمه حذف الْوَاو و {نَادِيه} مفعول ومضاف إِلَيْهِ وَظَهَرت الفتحة على المنقوص لخفتها وَالتَّقْدِير فَليدع أهل نَادِيه أَي أهل مَجْلِسه

وَقَالَ الله تَعَالَى {وَلم يخْش إِلَّا الله} {وَلم يُؤْت سَعَة من المَال} فهذان مثالان لحذف الْألف

وَقَالَ الله تَعَالَى {لما يقْض مَا أمره}

{لما} حرف جزم لنفي الْمُضَارع وَقَلبه ماضيأ كَمَا أَن لم كَذَلِك

ص: 81

وَالْمعْنَى أَن الْإِنْسَان لم يقْض بعد مَا أمره الله تَعَالَى بِهِ حَتَّى يخرج من جَمِيع أوامره وَهَذَا مِثَال حذف الْيَاء وَالله أعلم

ثمَّ قلت فصل تقدر الحركات كلهَا فِي نَحْو غلامي وَنَحْو الْفَتى وَيُسمى مَقْصُورا والضمة والكسرة فِي نَحْو القَاضِي

ص: 82

وَيُسمى منقوصا والضمة والفتحة فِي نَحْو يخْشَى والضمة فِي نَحْو يَدْعُو ويرمى

وَأَقُول الَّذِي تقدر فِيهِ الحركات ثَلَاثَة أَنْوَاع مَا تقدر فِيهِ الحركات الثَّلَاث وَمَا تقدر فِيهِ حركتان وَمَا تقدر فِيهِ وَاحِدَة

فَأَما الَّذِي تقدر فِيهِ الثَّلَاث فنوعان أَحدهمَا مَا أضيف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم وَلَيْسَ مثنى وَلَا جمع مُذَكّر سالما وَلَا منقوصا وَلَا مَقْصُورا وَذَلِكَ نَحْو غلامي وغلماني ومسلماتي فَهَذِهِ الْأَمْثِلَة وَنَحْوهَا تعرب بحركات مقدرَة على مَا قبل الْيَاء وَالَّذِي منع من ظُهُورهَا أَنهم التزموا أَن يَأْتُوا قبل الْيَاء بحركة تجانسها وَهِي الكسرة فاستحال حِينَئِذٍ الْمَجِيء بحركات الْإِعْرَاب قبل الْيَاء إِذْ الْمحل الْوَاحِد لَا يقبل حركتين فِي الْآن الْوَاحِد فَتَقول جَاءَ غلامي فَتكون عَلامَة رَفعه ضمة مقدرَة على مَا قبل الْيَاء وَرَأَيْت غلامي فَتكون عَلامَة نَصبه فَتْحة مقدرَة على مَا قبل الْيَاء ومررت بغلامي فَتكون عَلامَة جَرّه كسرة مقدرَة على مَا قبل الْيَاء لَا هَذِه الكسرة الْمَوْجُودَة كَمَا زعم ابْن مَالك فَإِنَّهَا كسرة الْمُنَاسبَة وَهِي مُسْتَحقَّة قبل التَّرْكِيب وَإِنَّمَا دخل عَامل الْجَرّ بعد استقرارها

واحترزت بِقَوْلِي وَلَيْسَ مثنى وَلَا جمع مُذَكّر سالما من نَحْو غلاماي

ص: 83

وَغُلَامِي ومسلمي فَإِن الْيَاء تثبت فيهمَا جرا ونصبا مدغمة فِي يَاء الْمُتَكَلّم وَالْألف تثبت فِي الْمثنى رفعا وَلَيْسَ شَيْء من الْحَرْف المدغم وَلَا من الْألف قَابلا للتحريك

وَقَوْلِي وَلَا منقوصا لِأَن يَاء المنقوص تُدْغَم فِي يَاء الْمُتَكَلّم فَتكون كالمثنى وَالْمَجْمُوع جرا ونصبا

وَقَوْلِي وَلَا مَقْصُورا لِأَن الْمَقْصُور تثبت أَلفه قبل الْيَاء وَالْألف لَا تقبل الْحَرَكَة فَهُوَ كالمثنى رفعا قَالَ الله تَعَالَى {يَا بشرى هَذَا غُلَام} نوديت الْبُشْرَى مُضَافَة إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم وَفِي الْألف فَتْحة مقدرَة لِأَنَّهُ منادى مُضَاف وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ يَا بشرى بِغَيْر إِضَافَة فالمقدر فِي الْألف إِمَّا ضمة كَمَا فِي قَوْلك يَا فَتى لمُعين وَإِمَّا فَتْحة على أَنه نِدَاء شَائِع مثل {يَا حسرة على الْعباد} إِلَّا أَنه لم ينون لكَونه لَا ينْصَرف لأجل ألف التَّأْنِيث

وَالنَّوْع الثَّانِي الْمَقْصُور وَهُوَ الِاسْم المعرب الَّذِي فِي آخِره ألف لَازِمَة ك الْفَتى والعصا تَقول جَاءَ الْفَتى وَرَأَيْت الْفَتى ومررت بالفتى فَتكون الْألف سَاكِنة على كل حَال

ص: 84

وتقدر فِيهَا الحركات الثَّلَاث لتعذر تحركها

ص: 85

وَأما الَّذِي تقدر فِيهِ الحركتان فنوعان

أَحدهمَا مَا تقدر فِيهِ الضمة والكسرة فَقَط وَتظهر فِيهِ الفتحة وَهُوَ المنقوص وَهُوَ الِاسْم المعرب الَّذِي آخِره يَاء لَازِمَة قبلهَا كسرة نَحْو القَاضِي والداعي تَقول جَاءَ القَاضِي ومررت بِالْقَاضِي بِالسُّكُونِ وَرَأَيْت القَاضِي بِالتَّحْرِيكِ وَإِنَّمَا قدرت الضمة والكسرة للاستثقال وَإِنَّمَا ظَهرت الفتحة للخفة قَالَ الله تَعَالَى {فَليدع نَادِيه} {أجِيبُوا دَاعِي الله} {وَإِنِّي خفت الموَالِي} كلا {إِذا بلغت التراقي}

ص: 86

والتراقي جمع ترقوة بِفَتْح التَّاء وَهِي الْعظم الَّذِي بَين ثغرة النَّحْر والعاتق

وَالنَّوْع الثَّانِي مَا تقدر فِيهِ الضمة والفتحة وَهُوَ الْفِعْل المعتل بِالْألف تَقول هُوَ يخْشَى وَلنْ يخْشَى فَإِذا جَاءَ الْجَزْم ظهر بِحَذْف الآخر فَقلت لم يخْش قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تنس نصيبك من الدُّنْيَا}

وَأما الَّذِي تقدر فِيهِ حَرَكَة وَاحِدَة فَهُوَ شيآن الْفِعْل المعتل بِالْوَاو ك يَدْعُو وَالْفِعْل المعتل بِالْيَاءِ ك يَرْمِي فهذان تقدر فيهمَا الضمة فَقَط للاستثقال تَقول هُوَ يَدْعُو وَهُوَ يَرْمِي فَتكون عَلامَة رفعهما ضمة مقدرَة وَيظْهر فيهمَا شيئآن أَحدهمَا النصب بالفتحة وَذَلِكَ لخفتها نَحْو لن يَدْعُو وَلنْ يَرْمِي قَالَ الله تَعَالَى {لن ندعوا من دونه إِلَهًا} {لن يُؤْتِيهم الله خيرا} {لنحيي بِهِ بَلْدَة مَيتا ونسقيه} {أَلَيْسَ ذَلِك بِقَادِر على أَن يحيي الْمَوْتَى} {لن تغني عَنْهُم أَمْوَالهم} الثَّانِي الْجَزْم بِحَذْف الآخر نَحْو لم يدع

ص: 87

وَلم يرم قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم} وَلَا تَبْغِ الْفساد فِي الأَرْض {وَلَا تمش فِي الأَرْض مرحا} وانتصاب مرحا على الْحَال أَي ذَا مرح وَقُرِئَ مرحا بِكَسْر الرَّاء

ثمَّ قلت بَاب الْبناء ضد الْإِعْرَاب والمبني إِمَّا أَن يطرد فِيهِ السّكُون وَهُوَ الْمُضَارع الْمُتَّصِل بنُون الْإِنَاث نَحْو {يَتَرَبَّصْنَ} و {يرضعن} أَو الْمَاضِي الْمُتَّصِل بضمير رفع متحرك ك ضربت وضربنا أَو السّكُون أَو نَائِبه وَهُوَ الْأَمر نَحْو اضْرِب واضربا واضربوا واضربي واغز واخش وارم

وَأَقُول قد مضى أَن الْإِعْرَاب أثر ظَاهر أَو مُقَدّر يجلبه الْعَامِل فِي آخر الْكَلِمَة وَذكرت هُنَا أَن الْبناء ضد الْإِعْرَاب فكأنني قلت لَيْسَ الْبناء أثرا يجلبه الْعَامِل فِي آخر الْكَلِمَة وَذَلِكَ كالكسرة فِي هَؤُلَاءِ فَإِن الْعَامِل لم يجلبها بِدَلِيل وجودهَا مَعَ جَمِيع العوامل

ص: 88

وَالْبناء لُزُوم آخر الْكَلِمَة حَالَة وَاحِدَة لفظا أَو تَقْديرا وَذَلِكَ كلزوم هَؤُلَاءِ للكسرة ومنذ للضمة وَأَيْنَ للفتحة

وَلما فرغت من تَفْسِيره شرعت فِي تقسيمه تقسيما غَرِيبا لم أسبق إِلَيْهِ وَذَلِكَ أنني جعلت الْمَبْنِيّ على تِسْعَة أَقسَام الأول الْمَبْنِيّ على السّكُون وقدمته لِأَنَّهُ الأَصْل وَالثَّانِي الْمَبْنِيّ على السّكُون أَو نَائِبه الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق وثنيت بِهِ لِأَنَّهُ شَبيه بِالسُّكُونِ فِي الخفة وَالثَّالِث الْمَبْنِيّ على الْفَتْح وقدمته على الْمَبْنِيّ على الْكسر لِأَنَّهُ أخف مِنْهُ وَالرَّابِع الْمَبْنِيّ على الْفَتْح أَو نَائِبه الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق وَالْخَامِس الْمَبْنِيّ على الْكسر وقدمته على الْمَبْنِيّ على الضَّم لِأَنَّهُ أخف مِنْهُ وَالسَّادِس الْمَبْنِيّ على الْكسر أَو نَائِبه الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق وَالسَّابِع الْمَبْنِيّ على الضَّم وَالثَّامِن الْمَبْنِيّ على الضَّم أَو نَائِبه وَالتَّاسِع مَا لَيْسَ لَهُ قَاعِدَة مُسْتَقِرَّة بل مِنْهُ مَا يبْنى على السّكُون وَمَا يبْنى على الْفَتْح وَمَا يبْنى على الْكسر وَمَا يبْنى على الضَّم وسأشرحها مفصلة إِن شَاءَ الله تَعَالَى شرحا يزِيل عَنْهَا خفاءها

الْبَاب الأول مَا لزم الْبناء على السّكُون وَهُوَ نَوْعَانِ

ص: 89

أَحدهمَا الْمُضَارع الْمُتَّصِل بنُون الْإِنَاث كَقَوْلِه تَعَالَى {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ} {والوالدات يرضعن} فيتربصن ويرضعن فعلان مضارعان فِي مَوضِع رفع لخلوهما من الناصب والجازم ولكنهما لما اتصلا بنُون النسْوَة بنيا على السّكُون وَهَذَانِ الفعلان خبريان لفظا طلبيان معنى وَمثلهمَا يَرْحَمك الله وَفَائِدَة الْعُدُول بهما عَن صِيغَة الْأَمر التوكيد والإشعار بِأَنَّهُمَا جديران بِأَن يتلقيا بالمسارعة فكأنهن امتثلن فهما مخبر عَنْهُمَا بموجودين

الثَّانِي الْمَاضِي الْمُتَّصِل بضمير رفع متحرك نَحْو ضربت وَضربت وَضربت وضربنا زيدا وَالْأَصْل فِيهِ ضرب بِالْفَتْح فاتصل الْفِعْل بالضمير الْمَرْفُوع المتحرك وَهُوَ التَّاء فِي الْمثل الثَّلَاثَة الأولى لِأَنَّهَا فَاعل ونا فِي الْمِثَال الرَّابِع وهما متحركان وأعني بذلك أَن التَّاء متحركة والحرف الْمُتَّصِل بِالْفِعْلِ من نَا وَهُوَ النُّون متحرك فَلذَلِك بنيت الْأَمْثِلَة على السّكُون

واحترزت بتقييد الضَّمِير بِالرَّفْع من ضمير النصب فَإِنَّهُ يتَّصل بِالْفِعْلِ وَلَا يُغَيِّرهُ عَن بنائِهِ على الْفَتْح الَّذِي هُوَ الأَصْل فِيهِ نَحْو ضربك زيد وضربنا زيد وبتقييده بالمتحرك من الضَّمِير الْمَرْفُوع السَّاكِن نَحْو

ص: 90

ضربا وضربوا فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي سُكُون الْفِعْل أَيْضا بل يبْقى آخر الْفِعْل فِيهِ قبل الْألف مَفْتُوحًا وَيضم قبل الْوَاو كَمَا مثلنَا وَأما نَحْو {اشْتَروا الضَّلَالَة بِالْهدى} وَنَحْو {دعوا هُنَالك ثبورا} فَالْأَصْل اشتريوا بياء مَضْمُومَة قبل الضَّمِير السَّاكِن ودعووا بواوين أولاهما مَضْمُومَة قبل الضَّمِير السَّاكِن ثمَّ تحركت الْيَاء وَالْوَاو وَانْفَتح مَا قبلهمَا فقلبتا أَلفَيْنِ ثمَّ حذفت الْألف لالتقاء الساكنين وَمعنى دعوا هُنَالك ثبورا قَالُوا يَا ثبوراه أَي يَا هلاكاه

الْبَاب الثَّانِي مَا لزم الْبناء على السّكُون أَو نَائِبه وَهُوَ نوع وَاحِد وَهُوَ فعل الْأَمر وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يبْنى على مَا يجْزم بِهِ مضارعه فيبنى على السّكُون فِي نَحْو اضْرِب وعَلى حذف النُّون فِي نَحْو اضربا

ص: 91

واضربوا واضربي وعَلى حذف حرف الْعلَّة فِي نَحْو اغز واخش وارم

ثمَّ قلت أَو الْفَتْح وَهُوَ سَبْعَة الْمَاضِي الْمُجَرّد كضرب وضربك وَضَربا والمضارع الَّذِي باشرته نون التوكيد نَحْو {لينبذن} {ليسجنن وليكونن} بِخِلَاف نَحْو {لتبلون} {وَلَا يصدنك} وَمَا ركب من الْأَعْدَاد والظروف وَالْأَحْوَال والأعلام نَحْو (أحد عشر) وَنَحْو هُوَ يأتينا صباح مسَاء وَبَعض الْقَوْم يسْقط بَين بَين وَنَحْو هُوَ جاري بَيت بَيت أَي ملاصقا وَنَحْو

ص: 92

بعلبك فِي لغية والزمن الْمُبْهم الْمُضَاف لجملة وَإِعْرَابه مَرْجُوح قبل الْفِعْل الْمَبْنِيّ نَحْو على حِين عاتبت المشيب على الصِّبَا على حِين يستصبين كل حَلِيم وراجح قبل غَيره نَحْو {هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} وعَلى حِين التواصل غير داني والمبهم الْمُضَاف لمبني نَحْو {وَمن خزي يَوْمئِذٍ} {وَمنا دون ذَلِك} {لقد تقطع بَيْنكُم} إِنَّه لحق مثل {مَا أَنكُمْ تنطقون} وَيجوز إعرابه

وَأَقُول الْبَاب الثَّالِث من المبنيات مَا لزم الْبناء على الْفَتْح وَهُوَ سَبْعَة أَنْوَاع

النَّوْع الأول الْمَاضِي الْمُجَرّد مِمَّا تقدم ذكره وَهُوَ الضَّمِير الْمَرْفُوع المتحرك نَحْو ضرب ودحرج واستخرج وَضَربا ضربك وضربه وَأما نَحْو رمى وَعَفا فأصله رمى وعفو فَلَمَّا تحركت الْيَاء وَالْوَاو وَانْفَتح مَا قبلهمَا قلبتا أَلفَيْنِ فَسُكُون آخرهما عَارض والفتحة مقدرَة فِي الْألف وَلِهَذَا إِذا قدر سُكُون الآخر رجعت الْيَاء وَالْوَاو فَقيل رميت وعفوت كَمَا سَيَأْتِي

وَالنَّوْع الثَّانِي الْمُضَارع الَّذِي باشرته نون التوكيد كَقَوْلِه تَعَالَى

ص: 93

{لينبذن فِي الحطمة} واحترزت بِاشْتِرَاط الْمُبَاشرَة من نَحْو قَوْله تَعَالَى {لتبلون فِي أَمْوَالكُم وَأَنْفُسكُمْ ولتسمعن} فَإِن الْفِعْل فِي ذَلِك مُعرب وَإِن أكد بالنُّون لِأَنَّهُ قد فصل بَينهمَا بِالْوَاو الَّتِي هِيَ ضمير الْفَاعِل وَهِي ملفوظ بهَا فِي قَوْله تَعَالَى {لتبلون} ومقدرة فِي قَوْله تَعَالَى {لتسمعن} إِذْ الأَصْل لتسمعونن فحذفت نون الرّفْع استثقالا لِاجْتِمَاع الْأَمْثَال فَالتقى ساكنان الْوَاو وَالنُّون المدغمة فحذفت الْوَاو لالتقاء الساكنين

وَالنَّوْع الثَّالِث مَا ركب تركيب المزج من الْأَعْدَاد وَهُوَ الْأَحَد عشر والإحدى عشرَة إِلَى التِّسْعَة عشر وَالتسع عشرَة تَقول جَاءَنِي أحد عشر وَرَأَيْت أحد عشر ومررت بِأحد عشر بِبِنَاء الجزأين على الْفَتْح وَكَذَلِكَ القَوْل فِي الْبَاقِي إِلَّا اثنى عشر واثنتي عشرَة فَإِن الْجُزْء الأول مِنْهُمَا مُعرب إِعْرَاب الْمثنى بِالْألف وبالياء جرا ونصبا

وَالنَّوْع الرَّابِع مَا ركب تركيب المزج من الظروف زمانية كَانَت أَو مكانية مِثَال مَا ركب من ظروف الزَّمَان قَوْلك فلَان يأتينا صباح

ص: 94

مسَاء وَالْأَصْل صباحا وَمَسَاء أَي فِي كل صباح وَمَسَاء فَحذف العاطف وَركب الظرفين قصدا للتَّخْفِيف تركيب خَمْسَة عشر قَالَ الشَّاعِر

(وَمن لَا يصرف الواشين عَنهُ

صباح مسَاء يبغوه خبالا)

وَلَو أضفت فَقلت صباح مسَاء لجَاز أَي صباحا ذَا مسَاء

ص: 95

فَلذَلِك أضفته إِلَيْهِ لما بَينهمَا من الْمُنَاسبَة وَإِن كَانَ الصَّباح والمساء لَا يَجْتَمِعَانِ وَنَظِيره فِي الْإِضَافَة قَوْله تَعَالَى {لم يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّة أَو ضحاها} فأضيف الضُّحَى إِلَى ضمير العشية وَقيل الأَصْل أَو ضحى يَوْمهَا ثمَّ حذف الْمُضَاف وَلَا حَاجَة إِلَى هَذَا وَتقول فلَان يأتينا يَوْم يَوْم أَي يَوْمًا فيوما أَي كل يَوْم قَالَ الشَّاعِر

(آتٍ الرزق يَوْم يَوْم فأجمل

طلبا وابغ للقيامة زادا)

ص: 96

وَمِثَال مَا ركب من ظروف الْمَكَان قَوْلك سهلت الْهمزَة بَين بَين وَأَصله بَينهَا وَبَين حرف حركتها فَحذف مَا أضيف إِلَيْهِ بَين الأولى وَبَين الثَّانِيَة وَحذف العاطف وَركب الظرفان قَالَ الشَّاعِر

(نحمي حقيقتنا وَبَعض الْقَوْم يسْقط بَين بَينا

)

وَالْأَصْل بَين هَؤُلَاءِ وَبَين هَؤُلَاءِ فأزيلت الاضافة وَركب الاسمان تركيب خَمْسَة عشر وَهَذَانِ الظرفان اللَّذَان صَارا ظرفا وَاحِدًا فِي مَوضِع نصب على الْحَال إِذْ المُرَاد وَبَعض الْقَوْم يسْقط وسطا

ص: 97

والحقيقة مَا يجب على الْإِنْسَان أَن يحميه من الْأَهْل وَالْعشيرَة يُقَال رجل حامي الْحَقِيقَة أَي أَنه شهم لَا يضام

وَالنَّوْع الْخَامِس مَا ركب تركيب خَمْسَة عشر من الْأَحْوَال يَقُولُونَ فلَان جاري بَيت بَيت وَأَصله بَيْتا لبيت أَي ملاصقا فَحذف الْجَار وَهُوَ اللَّام وَركب الاسمان وعامل الْحَال مَا فِي قَوْله جاري من معنى الْفِعْل فَإِنَّهُ فِي معنى مجاوري وجوزوا أَن يكون الْجَار الْمُقدر إِلَى وَأَن لَا يقدر جَار أصلا بل فَاء الْعَطف وَقَالَت الْعَرَب أَيْضا تساقطوا أخول أخول أَي مُتَفَرّقين وَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة قَالَ الشَّاعِر يصف ثورا يطعن الْكلاب بقرنه

(يساقط عَنهُ روقه ضارياتها

سقاط شرار الْقَيْن أخول أخولا)

ص: 98

وَفِي الحَدِيث كَانَ يَتَخَوَّلنَا بِالْمَوْعِظَةِ أَي يتعهدنا بهَا شَيْئا فَشَيْئًا مَخَافَة السَّآمَة علينا قَالَ أَبُو عَليّ هُوَ من قَوْلهم تساقطوا أخول أخول أَي شَيْئا بعد شَيْء وَكَانَ الْأَصْمَعِي يرويهِ يتخوننا بالنُّون وَيَقُول مَعْنَاهُ يتعهدنا

فَإِن قلت مَا الْفرق بَين هَذَا النَّوْع وَالْبَيْت الَّذِي أنشدته فِي النَّوْع الَّذِي قبله فَإنَّك زعمت ثمَّ أَن بَين بَين فِيهِ حَال

قلت معنى قولي هُنَاكَ أَنه مُتَعَلق باستقرار مَحْذُوف وَذَلِكَ الْمَحْذُوف هُوَ الْحَال لَا أَنه نَفسه حَال بِخِلَاف هَذَا النَّوْع فَإِن الْمركب نَفسه حَال لِأَنَّهُ لَيْسَ بظرف بِخِلَاف بَين بَين فَإِنَّهُ ظرف

ص: 99

وَإِذا أخرجت شَيْئا من هَذِه الظروف وَالْأَحْوَال عَن الظَّرْفِيَّة والحالية تعيّنت الْإِضَافَة وَامْتنع التَّرْكِيب تَقول هَذِه همزَة بَين بَين مخفوض الأول غير منون وَالثَّانِي منونا وَمثله فلَان يأتينا كل صباح مسَاء قَالَ

(وَلَوْلَا يَوْم يَوْم مَا أردنَا

جزاءك والقروض لَهَا جَزَاء)

ص: 100

وَهَذَا يفهم من كَلَامي فِي الْمُقدمَة فَإِنِّي قلت وَمَا ركب من الظروف وَالْأَحْوَال فَعلم أَن الْبناء الْمَذْكُور مُقَيّد بِوُجُود الظَّرْفِيَّة والحالية وَأَنَّهَا مَتى فقدت وَجب الرُّجُوع إِلَى الْإِعْرَاب وَإِنَّمَا قدمت الظروف على الْأَحْوَال لِأَن ذَلِك فِي الظروف أَكثر وقوعا فَكَانَ أولى بالتقديم

فَإِن قلت قد وَقع التَّرْكِيب الْمَذْكُور فِيمَا لَيْسَ بظرف وَلَا حَال كَقَوْلِهِم وَقَعُوا فِي حيص بيص أَي فِي شدَّة يعسر التَّخَلُّص مِنْهَا

قلت هُوَ شَاذ فَلذَلِك لم أتعرض لذكره فِي هَذَا الْمُخْتَصر

وَلم يَقع فِي التَّنْزِيل تركيب الْأَحْوَال وَلَا تركيب الظروف وَإِنَّمَا وَقع فِيهِ تركيب الْأَعْدَاد نَحْو {إِنِّي رَأَيْت أحد عشر كوكبا} {فانفجرت مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا} {عَلَيْهَا تِسْعَة عشر}

ص: 101

ومجيء هَذَا التَّرْكِيب فِي الْأَحْوَال قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَجِيئه فِي الظروف

وَالنَّوْع السَّادِس الزَّمن الْمُبْهم الْمُضَاف لجملة وأعني بالمبهم مَا لم يدل على وَقت بِعَيْنِه وَذَلِكَ نَحْو الْحِين وَالْوَقْت والساعة وَالزَّمَان فَهَذَا النَّوْع من أَسمَاء الزَّمَان تجوز إِضَافَته إِلَى الْجُمْلَة وَيجوز لَك فِيهِ حِينَئِذٍ الْإِعْرَاب وَالْبناء على الْفَتْح ثمَّ تَارَة يكون الْبناء أرجح من الْإِعْرَاب وَتارَة الْعَكْس فَالْأول إِذا كَانَ الْمُضَاف إِلَيْهِ جملَة فعلية فعلهَا مَبْنِيّ كَقَوْلِه (على حِين عاتبت المشيب على الصِّبَا

وَقلت ألما أصح والشيب وازع)

ص: 102

يرْوى على حِين بالخفض على الْإِعْرَاب وعَلى حِين بِالْفَتْح على الْبناء وَهُوَ الْأَرْجَح لكَونه مُضَافا إِلَى مَبْنِيّ وَهُوَ عاتبت وَالثَّانِي إِذا كَانَ الْمُضَاف إِلَيْهِ جملَة فعلية فعلهَا مُعرب أَو جملَة اسمية فَالْأول كَقَوْلِه تَعَالَى {هَذَا يَوْم ينفع الصَّادِقين صدقهم} فَيوم

ص: 103

مُضَاف إِلَى ينفع وَهُوَ فعل مضارع وَالْفِعْل الْمُضَارع مُعرب كَمَا تقدم فَكَانَ الْأَرْجَح فِي الْمُضَاف الْإِعْرَاب فَلذَلِك قَرَأَ السَّبْعَة كلهم إِلَّا نَافِعًا بِرَفْع الْيَوْم على الْإِعْرَاب لِأَنَّهُ خبر الْمُبْتَدَأ وَقَرَأَ نَافِع وَحده بِفَتْح الْيَوْم على الْبناء والبصريون يمْنَعُونَ فِي ذَلِك الْبناء ويقدرون الفتحة إعرابا مثلهَا فِي صمت يَوْم الْخَمِيس والتزموا لأجل ذَلِك أَن تكون الْإِشَارَة لَيست لليوم وَإِلَّا لزم كَون الشَّيْء ظرفا لنَفسِهِ

ص: 104

وَالثَّانِي كَقَوْل الشَّاعِر

26 -

(تذكر مَا تذكر من سليمى

على حِين التواصل غير دَان)

ص: 105

روى بِفَتْح الْحِين على الْبناء وَالْكَسْر أرجح على الْإِعْرَاب وَلَا يُجِيز البصريون غَيره

النَّوْع السَّابِع الْمُبْهم الْمُضَاف لمبنى سَوَاء كَانَ زَمَانا أَو غَيره ومرادي بالمبهم مَا لَا يَتَّضِح مَعْنَاهُ إِلَّا بِمَا يُضَاف إِلَيْهِ ك مثل وَدون وَبَين ونحوهن مِمَّا هُوَ شَدِيد الْإِبْهَام فَهَذَا النَّوْع إِذا أضيف إِلَى مَبْنِيّ جَازَ أَن يكْتَسب من بنائِهِ كَمَا تكتسب النكرَة المضافة إِلَى معرفَة من تَعْرِيفهَا قَالَ الله تَعَالَى {وَمن خزي يَوْمئِذٍ} يقْرَأ على وَجْهَيْن بِفَتْح الْيَوْم على الْبناء لكَونه مُبْهما مُضَافا إِلَى مَبْنِيّ وَهُوَ إِذْ وبجره على الْإِعْرَاب وَقَالَ الله تَعَالَى {وَمنا دون ذَلِك} منا جَار ومجرور خبر مقدم و {دون} مُبْتَدأ مُؤخر وَبني على الْفَتْح لإبهامه وإضافته إِلَى مَبْنِيّ وَهُوَ اسْم الْإِشَارَة وَلَو جَاءَت الْقِرَاءَة بِرَفْع {دون} لَكَانَ ذَلِك جَائِزا كَمَا قَالَ آخر

(ألم تريا أَنِّي حميت حقيقتي

وباشرت حد الْمَوْت وَالْمَوْت دونهَا)

الرِّوَايَة دونهَا بِالرَّفْع

ص: 106

وَقَالَ الله تَعَالَى {لقد تقطع بَيْنكُم} يقْرَأ على وَجْهَيْن بِرَفْع (بَين) على الْإِعْرَاب لِأَنَّهُ فَاعل وبفتحه على الْبناء وَقَالَ الله تَعَالَى {إِنَّه لحق مثل مَا أَنكُمْ تنطقون} يقْرَأ على وَجْهَيْن بِرَفْع مثل على الْإِعْرَاب لِأَنَّهُ صفة لحق وَهُوَ مَرْفُوع وبالفتح على الْبناء

ص: 107

ثمَّ قلت أَو الْفَتْح أَو نَائِبه وَهُوَ اسْم لَا النافية للْجِنْس إِذا كَانَ مُفردا نَحْو لَا رجال وَلَا رجلَيْنِ وَلَا قَائِمين وَلَا قائمات وَفتح نَحْو قائمات أرجح من كَسره

وَلَك فِي الِاسْم الثَّانِي من نَحْو لَا رجل ظريف وَلَا مَاء بَارِد النصب وَالرَّفْع وَالْفَتْح وَكَذَا الثَّانِي من نَحْو لَا حول وَلَا قُوَّة إِن فتحت الأول فَإِن رفعته امْتنع النصب فِي الثَّانِي فَإِن فصل النَّعْت أَو كَانَ هُوَ أَو المنعوت غير مُفْرد امْتنع الْفَتْح

وَأَقُول الْبَاب الرَّابِع من المبنيات مَا لزم الْفَتْح أَو نَائِبه وَهُوَ اثْنَان الْيَاء والكسرة وَذَلِكَ اسْم لَا

وخلاصة القَوْل فِي ذَلِك أَن لَا إِذا كَانَت للنَّفْي وَكَانَ المُرَاد بذلك النَّفْي استغراق الْجِنْس بأسره بِحَيْثُ لَا يخرج عَنهُ وَاحِد من أَفْرَاده وَكَانَ الِاسْم مُفردا ونعني بالمفرد هُنَا وَفِي بَاب النداء مَا لَيْسَ مُضَافا وَلَا شَبِيها بالمضاف وَلَو كَانَ مثنى أَو مجموعا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يسْتَحق الْبناء على الْفَتْح فِي مَسْأَلَتَيْنِ وَالْبناء على الْيَاء فِي مَسْأَلَتَيْنِ وَالْبناء على الْفَتْح فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة

أما مَا يسْتَحق فِيهِ الْبناء على الْفَتْح فضابطه أَن يكون الِاسْم غير

ص: 108

مثنى وَلَا مَجْمُوع نَحْو رجل وَفرس أَو مجموعا جمع تكسير نَحْو رجال وأفراس تَقول لَا رجل فِي الدَّار وَلَا فرس عندنَا وَلَا رجال فِي الدَّار وَلَا أَفْرَاس عندنَا

وَأما مَا يسْتَحق فِيهِ الْبناء على الْيَاء فضابطه أَن يكون الِاسْم مثنى أَو جمع مُذَكّر سالما نَحْو لَا رجلَيْنِ وَلَا قَائِمين قَالَ الشَّاعِر

(تعز فَلَا إلفين بالعيش متعا

وَلَكِن لوراد الْمنون تتَابع)

ص: 109

وَقَالَ الآخر

(يحْشر النَّاس لابنين وَلَا آبَاء

إِلَّا وَقد عنتهمْ شؤون)

وَأما مَا يسْتَحق فِيهِ الْبناء على الْكسر أَو الْفَتْح فضابطه أَن يكون جمعا بِالْألف وَالتَّاء المزيدتين نَحْو مسلمات تَقول لَا مسلمات فِي الدَّار قَالَ الشَّاعِر

ص: 110

(إِن الشَّبَاب الَّذِي مجد عواقبه

فِيهِ نلذ وَلَا لذات للشيب)

يرْوى بِكَسْر لذات وفتحه

وَلما ذكرت اسْم لَا أوردت مَسْأَلَتَيْنِ يتعلقان بِبَاب لَا

ص: 111

الْمَسْأَلَة الأولى أَن اسْمهَا إِذا كَانَ مُفردا ونعت بمفرد وَكَانَ النَّعْت والمنعوت متصلين نَحْو لَا رجل ظريفا فِي الدَّار جَازَ لَك فِي النَّعْت ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا النصب على مَحل اسْم لَا فَإِنَّهُ فِي مَوضِع نصب بِلَا وَلكنه بني فَلم يظْهر فِيهِ إِعْرَاب فَتَقول لَا رجل ظريفا فِي الدَّار وَالثَّانِي الرّفْع على مُرَاعَاة مَحل لَا مَعَ اسْمهَا فانهما فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ فَتَقول لَا رجل ظريف فِي الدَّار بِرَفْع ظريف وَإِنَّمَا كَانَت لَا مَعَ رجل فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ لِأَن لَا قد صَارَت بالتركيب مَعَ رجل كالشيء الْوَاحِد وَقد علمت أَن الِاسْم الْمصدر بِهِ الْمخبر عَنهُ حَقه أَن يرْتَفع بِالِابْتِدَاءِ وَالثَّالِث الْفَتْح فَتَقول لَا رجل ظريف فِي الدَّار وَهُوَ أبعدها عَن الْقيَاس فَلهَذَا أَخَّرته فِي الذّكر وَوجه بعده هُوَ أَن فَتحه على التَّرْكِيب وهم لَا يركبون ثَلَاثَة أَشْيَاء ويجعلونها شَيْئا وَاحِدًا وَوجه جَوَازه أَنهم قدرُوا تركيب الْمَوْصُوف وَصفته أَولا ثمَّ أدخلُوا عَلَيْهِمَا لَا بعد أَن صَارا كالاسم الْوَاحِد وَنَظِيره قَوْلك لَا خَمْسَة عشر عندنَا

الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة أَن لَا وَاسْمهَا إِذا تكررا نَحْو لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه جَازَ لَك فِي جملَة التَّرْكِيب خَمْسَة أوجه وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يجوز فِي الِاسْم الأول وَجْهَان الْفَتْح وَالرَّفْع فان فَتحته جَازَ لَك فِي الثَّانِي ثَلَاثَة أوجه

ص: 112

الْفَتْح وَالرَّفْع وَالنّصب مِثَال الْفَتْح قَوْله تَعَالَى {لَا لَغْو فِيهَا وَلَا تأثيم} وَمِثَال الرّفْع قَول الشَّاعِر

(هَذَا لعمركم الصغار بِعَيْنِه

لَا أم لي إِن كَانَ ذَاك وَلَا أَب)

ص: 113

وَمِثَال النصب قَول الآخر

(لَا نسب الْيَوْم وَلَا خلة

اتَّسع الْخرق على الراقع)

ص: 114

وَإِن رفعت الِاسْم الأول جَازَ لَك فِي الِاسْم الثَّانِي وَجْهَان الْفَتْح وَالرَّفْع فَالْأول كَقَوْلِه فِي هَذَا الْبَيْت

(فَلَا لَغْو وَلَا تأثيم فِيهَا

وَمَا فاهوا بِهِ أبدا مُقيم)

ص: 115

وَالثَّانِي كَقَوْلِه تَعَالَى {لَا بيع فِيهِ وَلَا خلة} فِي قِرَاءَة من رفعهما وَلَا يجوز لَك إِذا رفعت الأول أَن تنصب الثَّانِي

ثمَّ قلت أَو الْكسر وَهُوَ خَمْسَة الْعلم الْمَخْتُوم بويه كسيبويه والجرمي يُجِيز منع صرفه وفعال لِلْأَمْرِ كنزال ودراك وَبَنُو أَسد تفتحه وفعال سبا للمؤنث كفساق وخباث ويختض هَذَا بالنداء وينقاس هُوَ وَنَحْو نزال من كل فعل ثلاثي تَامّ وفعال علما لمؤنث كحذام فِي لُغَة أهل الْحجاز وَكَذَلِكَ أمس عِنْدهم إِذا أُرِيد بِهِ معِين وَأكْثر بني تَمِيم يوافقهم فِي نَحْو سفار ووبار مُطلقًا وَفِي أمس فِي الْجَرّ وَالنّصب وَيمْنَع الصّرْف فِي الْبَاقِي

ص: 116

وَأَقُول الْبَاب الْخَامِس من المبنيات مَا لزم الْبناء على الْكسر وَهُوَ خَمْسَة أَنْوَاع النَّوْع الأول الْعلم الْمَخْتُوم بويه كسبويه وعمرويه ونفطويه وراهويه وَنَحْو ذَلِك فَلَيْسَ فِيهِنَّ إِلَّا الْكسر وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور وَزعم أَبُو عمر الْجرْمِي أَنه يجوز فِيهِنَّ ذَلِك الْإِعْرَاب إِعْرَاب مَا لَا ينْصَرف

النَّوْع الثَّانِي مَا كَانَ اسْما للْفِعْل وَهُوَ على وزن فعال وَذَلِكَ مثل نزال بِمَعْنى انْزِلْ ودراك بِمَعْنى أدْرك وتراك بِمَعْنى اترك وحذار بِمَعْنى احذر قَالَ الشَّاعِر

(حذار من أرماحنا حذار

)

ص: 117

وَقَالَ الآخر

(تراكها من إبل تراكها

)

ص: 118

وَمَا أحسن قَول بَعضهم

(هِيَ الدُّنْيَا تَقول بملء فِيهَا

حذار حذار من بطشي وفتكي)

(فَلَا يغرركم مني ابتسام

فَقولِي مضحك وَالْفِعْل مبكي)

ص: 119

وَبَنُو أَسد يفتحون فعال فِي الْأَمر لمناسبة الْألف والفتحة الَّتِي قبلهَا

النَّوْع الثَّالِث مَا كَانَ على فعال وَهُوَ سبّ للمؤنث وَلَا يسْتَعْمل هَذَا النَّوْع إِلَّا فِي النداء تَقول يَا خباث بِمَعْنى يَا خبيثة وَيَا دفار بِالدَّال الْمُهْملَة بِمَعْنى يَا مُنْتِنَة وَيَا لكاع بِمَعْنى يَا لئيمة وَمن كَلَام عمر رضي الله عنه لبَعض الْجَوَارِي أتتشبهين بالحرائر يَا لكاع وَلَا يُقَال جَاءَتْنِي لكاع وَلَا رَأَيْت لكاع وَلَا مَرَرْت بلكاع فَأَما قَوْله (أَطُوف مَا أَطُوف ثمَّ آوى

إِلَى بَيت قعيدته لكاع)

ص: 120

فاستعملها فِي غير النداء فضرورة شَاذَّة وَيحْتَمل أَن التَّقْدِير قعيدته يُقَال لَهَا يَا لكاع فَيكون جَارِيا على الْقيَاس

وَيجوز قِيَاسا مطردا صوغ فعال هَذَا وفعال السَّابِق وَهُوَ الدَّال على الْأَمر مِمَّا اجْتمع فِيهِ ثَلَاثَة شُرُوط وَهِي أَن يكون فعلا ثلاثيا تَاما فيبنى من نزل نزال وَمن ذهب ذهَاب وَمن كتب كتاب بِمَعْنى انْزِلْ واذهب واكتب وَيُقَال من فسق وفجر وزنا وسرق يَا فساق وَيَا فجار وَيَا زناء وَيَا سراق بِمَعْنى يَا فاسقة يَا فاجرة يَا زَانِيَة يَا سارقة

وَلَا يجوز بِنَاء شَيْء مِنْهَا من نَحْو اللصوصية لِأَنَّهَا لَا فعل لَهَا وَلَا من نَحْو دحرج واستخرج وَانْطَلق لِأَنَّهَا زَائِد على الثَّلَاثَة وَلَا من نَحْو كَانَ وظل وَبَات وَصَارَ لِأَنَّهَا نَاقِصَة لَا تَامَّة

وَلم يَقع فِي التَّنْزِيل فعال أمرا إِلَّا فِي قِرَاءَة الْحسن لَا مساس

ص: 121

بِفَتْح الْمِيم وَكسر السِّين وَهُوَ فِي دُخُول لَا على اسْم الْفِعْل بِمَنْزِلَة قَوْلهم للعاثر إِذا دعوا عَلَيْهِ بِأَن لَا ينتعش أَي لَا يرْتَفع لَا لعا وَفِي مَعَاني الْقُرْآن الْعَظِيم للفراء وَمن الْعَرَب من يَقُول لَا مساس يذهب بِهِ إِلَى مَذْهَب دراك ونزال وَفِي كتاب لَيْسَ لِابْنِ خالويه لَا مساس مثل دراك ونزال وَهَذَا من غرائب اللُّغَة وَحمله الزَّمَخْشَرِيّ والجوهري على أَنه من بَاب قطام وَأَنه معدول عَن الْمصدر وَهُوَ الْمس

النَّوْع الرَّابِع مَا كَانَ على فعال وَهُوَ علم على مؤنث نَحْو حذام وقطام ورقاش وسجاح بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْجِيم وَآخِرهَا حاء مُهْملَة اسْم

ص: 122

للكذابة الَّتِي ادَّعَت النُّبُوَّة وكساب اسْم لكلبة وسكاب اسْم لفرس

وَهَذِه الْأَسْمَاء وَنَحْوهَا للْعَرَب فِيهَا ثَلَاث لُغَات إِحْدَاهَا لأهل الْحجاز وَهِي الْبناء على الْكسر مُطلقًا وعَلى ذَلِك قَول الشَّاعِر

(إِذا قَالَت حذام فصدقوها

فَإِن القَوْل مَا قَالَت حذام)

ص: 123

وَالثَّانيَِة لبَعض بني تَمِيم وَهِي إعرابه إِعْرَاب مَا لَا ينْصَرف مُطلقًا

وَالثَّالِثَة لجمهورهم وَهِي التَّفْصِيل بَين أَن يكون مَخْتُومًا بالراء فيبنى على الْكسر أَو غير مختوم بهَا فَيمْنَع الصّرْف وَمِثَال الْمَخْتُوم بالراء سفار بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْفَاء اسْم لماء وحضار بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالضَّاد الْمُعْجَمَة اسْم لكوكب وبار بِالْبَاء الْمُوَحدَة اسْم لقبيلة وظفار بالظاء الْمُعْجَمَة وَالْفَاء اسْم لبلدة قَالَ الشَّاعِر أنْشدهُ سِيبَوَيْهٍ

(مَتى تردن يومأ سفار تَجِد بهَا

أديهم يَرْمِي المستجيز المعورا)

ص: 124

وَقَالَ الْأَعْشَى فَجمع بَين اللغتين التميميتين (ألم تروا إرما وعادا

أودى بهَا اللَّيْل وَالنَّهَار)

(وَمر دهر على وبار

فَهَلَكت جهرة وبار)

ص: 125

فَبنى وبار الأول على الْكسر وأعرب وبار الثَّانِي وَقيل إِن وبار الثَّانِي لَيْسَ باسم كوبار الَّذِي فِي حَشْو الْبَيْت بل الْوَاو عاطفة وَمَا بعْدهَا فعل مَاض وفاعل وَالْجُمْلَة معطوفة على قَوْله هَلَكت وَقَالَ أَولا هَلَكت بالتأنيث على معنى الْقَبِيلَة وَثَانِيا باروا بالتذكير على معنى الْحَيّ وعَلى هَذَا القَوْل فتكتب وباروا بِالْوَاو وَالْألف كَمَا تكْتب سَارُوا

النَّوْع الْخَامِس أمس إِذا أردْت بِهِ معينا وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي قبل يَوْمك وللعرب فِيهِ حِينَئِذٍ ثَلَاث لُغَات

إِحْدَاهَا الْبناء على الْكسر مُطلقًا وَهِي لُغَة أهل الْحجاز فَيَقُولُونَ ذهب أمس بِمَا فِيهِ واعتكفت أمس وَعَجِبت من أمس بِالْكَسْرِ فِيهِنَّ قَالَ الشَّاعِر

(منع الْبَقَاء تقلب الشَّمْس

وطلوعها من حَيْثُ لَا تمسى)

ص: 126

ثمَّ قَالَ

(الْيَوْم أعلم مَا يَجِيء بِهِ

وَمضى بفصل قَضَائِهِ أمس)

الثَّانِيَة إعرابه إِعْرَاب مَا لَا ينْصَرف مُطلقًا وَهِي لُغَة بعض بني تَمِيم وَعَلَيْهَا قَوْله

ص: 127

(لقد رَأَيْت عجبا مذ أمسا

عجائزا مثل السعالي خمْسا)

(يأكلن مَا فِي رحلهن همسا

لَا ترك الله لَهُنَّ ضرسا)

ص: 128

وَقد وهم الزجاجي فَزعم أَن من الْعَرَب من يَبْنِي أمس على الْفَتْح وَاسْتدلَّ بِهَذَا الْبَيْت

الثَّالِثَة إعرابه إِعْرَاب مَا لَا ينْصَرف فِي حَالَة الرّفْع خَاصَّة وبناؤه على الْكسر فِي حالتي النصب والجر وَهِي لُغَة جُمْهُور بني تَمِيم يَقُولُونَ ذهب أمس فيضمونه بِغَيْر تَنْوِين واعتكفت أمس وَعَجِبت من أمس فيكسرونه فيهمَا وَهَذَا كُله يفهم من قولي فِي الْمُقدمَة وَيمْنَع الصّرْف فِي الْبَاقِي وَقَوْلِي الْبَاقِي أردْت بِهِ أمس فِي الرّفْع وَمَا لَيْسَ فِي آخِره رَاء من بَاب حذام وقطام

وَإِذا أُرِيد بأمس يَوْم مَا من الْأَيَّام الْمَاضِيَة أَو كسر أَو دَخلته أل أَو أضيف أعرب بِإِجْمَاع تَقول فعلت ذَلِك أمسا أَي فِي يَوْم مَا من الْأَيَّام الْمَاضِيَة وَقَالَ الشَّاعِر

(مرت بِنَا أول من أموس

تميس فِينَا ميسة الْعَرُوس)

ص: 129

وَتقول مَا كَانَ أطيب أمسنا وَذكر الْمبرد والفارسي وَابْن مَالك والحريري أَن أمس يصغر فيعرب عِنْد الْجَمِيع كَمَا يعرب إِذا كسر وَنَصّ سِيبَوَيْهٍ على أَنه لَا يصغر وقوفا مِنْهُ على السماع والأولون اعتمدوا على الْقيَاس وَيشْهد لَهُم وُقُوع التكسير فَإِن التكسير والتصغير أَخَوان وَقَالَ الشَّاعِر

ص: 130

(فَإِنِّي وقفت الْيَوْم والأمس قبله

ببابك حَتَّى كَادَت الشَّمْس تغرب)

روى هَذَا الْبَيْت بِفَتْح أمس على أَنه ظرف مُعرب لدُخُول أل عَلَيْهِ ويروى أَيْضا بِالْكَسْرِ وتوجيهه إِمَّا على الْبناء وَتَقْدِير أل زَائِدَة أَو على الْإِعْرَاب على أَنه قدر دُخُول فِي على الْيَوْم ثمَّ عطف عَلَيْهِ عطف التَّوَهُّم

ص: 131

وَقَالَ الله تَعَالَى {فجعلناها حصيدا كَأَن لم تغن بالْأَمْس} الكسرة فِيهِ كسرة إِعْرَاب لوُجُود أل

ثمَّ قلت أَو الضَّم وَهُوَ مَا قطع لفظا لَا معنى عَن الْإِضَافَة من الظروف المبهمة كقبل وَبعد وَأول وَأَسْمَاء الْجِهَات وَألْحق بهَا عل الْمعرفَة وَلَا تُضَاف وَغير إِذا حذف مَا تُضَاف إِلَيْهِ وَذَلِكَ بعد لَيْسَ ك قبضت عشرَة لَيْسَ غير فِيمَن ضم وَلم ينون وأى الموصولة إِذا أضيفت وَكَانَ صدر صلتها ضميرا محذوفا نَحْو أَيهمْ أَشد وَبَعْضهمْ يعربها مُطلقًا

وَأَقُول الْبَاب السَّادِس من المبنيات مَا لزم الضَّم وَهُوَ أَرْبَعَة أَنْوَاع

ص: 132

النَّوْع الأول مَا قطع عَن الْإِضَافَة لفظا لَا معنى من الظروف المبهمة كقبل وَبعد وَأول وَأَسْمَاء الْجِهَات نَحْو قُدَّام وأمام وَخلف وَأَخَوَاتهَا كَقَوْلِه تَعَالَى {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد} فِي قِرَاءَة السَّبْعَة بِالضَّمِّ وَقدره ابْن يعِيش على أَن الأَصْل من قبل كل شَيْء وَمن بعده انْتهى وَهَذَا الْمَعْنى حق إِلَّا أَن الْأَنْسَب للمقام أَن يقدر من قبل الغلب وَمن بعده فَحذف الْمُضَاف إِلَيْهِ لفظا ونوي مَعْنَاهُ فَاسْتحقَّ الْبناء على الضَّم وَمثله قَول الحماسي

(لعمرك مَا أَدْرِي وَإِنِّي لأوجل

على أَيّنَا تعدو الْمنية أول)

ص: 133

وَقَالَ الآخر

(إِذا أَنا لم أومن عَلَيْك وَلم يكن

لقاؤك إِلَّا من وَرَاء وَرَاء)

ص: 134

وَقَوْلِي لفظا احْتِرَاز من أَن يقطع عَنْهَا لفظا وَمعنى فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تبقى على إعرابها وَذَلِكَ كَقَوْلِك ابدأ بذا أَولا إِذا أردْت ابدأ بِهِ مُتَقَدما

ص: 135

وَلم تتعرض للتقدم على مَاذَا وكقول الشَّاعِر

(فساغ لي الشَّرَاب وَكنت قبلا

أكاد أغص بِالْمَاءِ الْفُرَات)

ص: 136

وَقَول الآخر

(وَنحن قتلنَا الْأسد أَسد خُفْيَة

فَمَا شربوا بعدا على لَذَّة خمرًا)

وقريء {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد} بالخفض والتنوين على إِرَادَة التنكير وَقطع النّظر عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ أَي لفظا وَمعنى وَقَرَأَ

ص: 137

الجحدري والعقيلي بِالْجَرِّ من غير تَنْوِين على إِرَادَة الْمُضَاف إِلَيْهِ وَتَقْدِير وجوده

النَّوْع الثَّانِي مَا ألحق بقبل وَبعد من قَوْلهم قبضت عشرَة لَيْسَ غير وَالْأَصْل لَيْسَ الْمَقْبُوض غير ذَلِك فأضمر اسْم لَيْسَ فِيهَا وَحذف مَا أضيف إِلَيْهِ غير وبنيت غير على الضَّم تَشْبِيها لَهَا بقبل وَبعد لإبهامها وَيحْتَمل أَن التَّقْدِير لَيْسَ غير ذَلِك مَقْبُوضا ثمَّ حذف خبر لَيْسَ وَمَا أضيفت إِلَيْهِ غير وَتَكون الضمة على هَذَا ضمة إِعْرَاب وَالْوَجْه الأول أولى لِأَن فِيهِ تقليلا للحذف وَلِأَن الْخَبَر فِي بَاب كَانَ يضعف حذفه جدا

وَلَا يجوز حذف مَا أضيفت إِلَيْهِ غير إِلَّا بعد لَيْسَ فَقَط كَمَا مثلنَا وَأما مَا يَقع فِي عِبَارَات الْعلمَاء من قَوْلهم لَا غير فَلم تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب فإمَّا أَنهم قاسو لَا على لَيْسَ أَو قَالُوا ذَلِك سَهوا عَن

ص: 138

شَرط الْمَسْأَلَة

النَّوْع الثَّالِث مَا ألحق بقبل وَبعد من عل المُرَاد بِهِ معِين كَقَوْلِك أخذت الشَّيْء الْفُلَانِيّ من أَسْفَل الدَّار وَالشَّيْء الْفُلَانِيّ من عل أَي من فَوق الدَّار قَالَ الشَّاعِر

(وَلَقَد سددت عَلَيْك كل ثنية

وأتيت فَوق بني كُلَيْب من عل)

ص: 139

وَلَا تسْتَعْمل عل مُضَافَة أصلا وَوَقع ذَلِك فِي كَلَام الْجَوْهَرِي وَهُوَ سَهْو وَلَو أردْت بعل علوا مَجْهُولا غير مَعْرُوف تعين الْإِعْرَاب كَقَوْلِه

(كجلمود صَخْر حطه السَّيْل من عل

)

أَي من مَكَان عَال

ص: 140

النَّوْع الرَّابِع مَا ألحق بقبل وَبعد من أَي الموصولة

وَاعْلَم أَن أيا الموصولة معربة فِي جَمِيع حالاتها إِلَّا فِي حَالَة وَاحِدَة فَإِنَّهَا تبنى فِيهَا على الضَّم وَذَلِكَ إِذا اجْتمع شَرْطَانِ أَحدهمَا أَن تُضَاف الثَّانِي أَن يكون صدر صلتها ضميرا محذوفا وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى {ثمَّ لننزعن من كل شيعَة أَيهمْ أَشد على الرَّحْمَن عتيا}

ص: 141

وَكَانَ الظَّاهِر أَن تفتح أَي لِأَن إِعْرَاب الْمَفْعُول النصب إِلَّا أَنَّهَا هُنَا مَبْنِيَّة على الضَّم لإضافتها إِلَى الْهَاء وَالْمِيم وَحذف صدر صلتها وَهُوَ الْمُقدر بِقَوْلِك هُوَ

وَمن الْعَرَب من يعرب أيا فِي أحوالها كلهَا وَقد قَرَأَ هرون ومعاذ وَيَعْقُوب أَيهمْ أَشد بِالنّصب قَالَ سِيبَوَيْهٍ وَهِي لُغَة جَيِّدَة وَقَالَ الْجرْمِي خرجت من الخَنْدَق يَعْنِي خَنْدَق الْبَصْرَة حَتَّى صرت

ص: 142

إِلَى مَكَّة فَلم أسمع أحدا يَقُول اضْرِب أَيهمْ أفضل أَي كلهم ينصب وَلَا يضم

ثمَّ قلت أَو الضَّم أَو نَائِبه وَهُوَ المنادى الْمُفْرد الْمعرفَة نَحْو يَا زيد وَيَا جبال وَيَا زَيْدَانَ وَيَا زيدون

وَأَقُول الْبَاب السَّابِع من المبنيات مَا لزم الضَّم أَو نَائِبه وَهُوَ الْألف وَالْوَاو وَهُوَ نوع وَاحِد المنادى الْمُفْرد الْمعرفَة

ونعني بالمفرد هُنَا مَا لَيْسَ مُضَافا وَلَا شَبِيها بِهِ وَلَو كَانَ مثنى أَو مجموعا وَقد سبق هَذَا عِنْد الْكَلَام على اسْم لَا

ونعني بالمعرفة مَا أُرِيد بِهِ معِين سَوَاء كَانَ علما أَو غَيره

فَهَذَا النَّوْع يبْنى على الضَّم فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا أَن يكون غير مثنى وَلَا مَجْمُوع جمع مُذَكّر سالما نَحْو يَا زيد وَيَا رجل وَقَول الله تَعَالَى {يَا نوح إِنَّه لَيْسَ من أهلك} {يَا نوح اهبط بِسَلام} {يَا صَالح ائتنا} {يَا هود مَا جئتنا بِبَيِّنَة}

ص: 143

الثَّانِيَة أَن يكون جمع تكسير نَحْو قَوْلك يَا زيود وَقَوله تَعَالَى {يَا جبال أوبي مَعَه}

ويبنى على الْألف ان كَانَ مثنى يَا زَيْدَانَ وَيَا رجلَانِ اذا أُرِيد بهما معِين

ويبنى على الْوَاو ان كَانَ جمع مُذَكّر سالما نَحْو يَا زيدون وَيَا مُسلمُونَ اذا أُرِيد بهما معِين

وَأما اذا كَانَ المنادى مُضَافا أَو شَبِيها بالمضاف أَو نكرَة غير مُعينَة فَإِنَّهُ يعرب نصبا على المفعولية فِي بَاب الْبناء

فالمضاف كَقَوْلِك يَا عبد الله وَيَا رَسُول الله وَفِي التَّنْزِيل {قل اللَّهُمَّ فاطر السَّمَاوَات وَالْأَرْض} أَي يَا فاطر السَّمَوَات {أَن أَدّوا إِلَيّ عباد الله} أَي يَا عباد الله وَيجوز أَن يكون عباد الله مَفْعُولا بأدوا كَقَوْلِه تَعَالَى {أَن أرسل مَعنا بني إِسْرَائِيل} وَيجوز أَن يكون فاطر صفة لاسم الله تَعَالَى خلافًا لسيبويه

والشبيه بالمضاف هُوَ مَا اتَّصل بِهِ شَيْء من تَمام مَعْنَاهُ كَقَوْلِك يَا كثيرا بره وَيَا مفيضا خَيره وَيَا رَفِيقًا بالعباد

ص: 144

والنكرة كَقَوْل الْأَعْمَى يَا رجلا خُذ بيَدي وَقَول الشَّاعِر (أيا رَاكِبًا إِمَّا عرضت فبلغن

نداماي من نَجْرَان أَن لَا تلاقيا)

ص: 145

وَيجوز فِي المنادى الْمُسْتَحق للضم أَن ينصب اذا اضْطر الى تنوينه كَقَوْل الشَّاعِر

(ضربت صدرها الي وَقَالَت

يَا عديا لقد وقتك الأواقي)

ص: 146

وَأَن يبقي مضموما كَقَوْلِه

(سَلام الله يَا مطر عَلَيْهَا

وَلَيْسَ عَلَيْك يَا مطر السَّلَام)

ص: 147

وَيجوز فِي المنادى أَيْضا أَن يفتح فَتْحة اتِّبَاع وَذَلِكَ اذا كَانَ علما مَوْصُوفا بِابْن مُتَّصِل بِهِ مُضَاف إِلَى علم كَقَوْلِك يَا زيد بن عَمْرو وَقَول الشَّاعِر

(يَا طَلْحَة بن عبيد الله قد وَجَبت

لَك الْجنان ويؤئت المها العينا)

ص: 148

وَبَقَاء الضَّم أرجح عِنْد الْمبرد وَالْمُخْتَار عِنْد الْجُمْهُور الْفَتْح

ثمَّ قلت واما أَن لَا يطرد فِيهِ شَيْء بِعَيْنِه وَهُوَ الْحُرُوف كهل وَثمّ وجير ومنذ والأسماء غير المتمكنة وَهِي سَبْعَة أَسمَاء الْأَفْعَال كصه وآمين وايه وهيت والمضمرات كقومي وَقمت وَقمت وَقمت والإشارات كذي وَثمّ وَهَؤُلَاء وَهَؤُلَاء والموصولات كَالَّذي وَالَّتِي وَالَّذين والأولاء فِيمَن مده وَذَات فِيمَن بناه وَهُوَ الْأَفْصَح الا ذين وتين واللذين واللتين فكالمثنى وَأَسْمَاء الشَّرْط وَأَسْمَاء الِاسْتِفْهَام كمن وَمَا وَأَيْنَ الا أيا فيهمَا وَبَعض الظروف كإذ والآن وأمس وَحَيْثُ مثلثا

وَأَقُول لما أنهيت القَوْل فِي المبنيات السَّبْعَة المختصة شرعت فِي بَيَان مَا لَا يخْتَص وحصرت ذَلِك فِي نَوْعَيْنِ أَحدهمَا الْحُرُوف وقدمتها لِأَنَّهَا أقعد فِي بَاب الْبناء

ص: 149

وَالثَّانِي الْأَسْمَاء غير المتمكنة وحصرتها فِي سَبْعَة أَنْوَاع وفصلتها ومثلت كلا مِنْهَا ورتبت أَمْثِلَة الْجَمِيع على مَا يجب لَهَا فَبَدَأت بِمَا بني على السّكُون لِأَنَّهُ الأَصْل فِي الْبناء ثمَّ ثنيت بِمَا بنى على الْفَتْح لِأَنَّهُ أخف من غَيره ثمَّ ثلثت بِمَا بني على الْكسر ثمَّ ختمت بِمَا بني على الضَّم

فمثال مَا بني على السّكُون من الْحُرُوف هَل وبل وَقد وَلم وَمِثَال مَا بني مِنْهَا على الْفَتْح ثمَّ وان وَلَعَلَّ وليت وَمِثَال مَا بني على الْكسر جير بِمَعْنى نعم وَاللَّام وَالْبَاء فِي قَوْلك لزيد وبزيد وَلَا رَابِع لَهُنَّ الا م الله فِي لُغَة من كسر الْمِيم وَذَلِكَ على القَوْل بحرفيتها وَمِثَال مَا بني مِنْهَا على الضَّم مُنْذُ فِي لُغَة من جربها وَقَوْلهمْ فِي الْقسم م الله فِيمَن ضم الْمِيم وَمن الله فِيمَن ضم الْمِيم وَالنُّون وَمن قَالَ فيهمَا وَفِي م الله انها محذوفة من قَوْلهم أَيمن الله فَلَا يَصح ذكرهَا هُنَا فَإِنَّهَا على هَذَا القَوْل من بَاب الْأَسْمَاء لَا من بَاب الْحُرُوف

وَمِثَال مَا بني على السّكُون من أَسمَاء الْأَفْعَال صه بِمَعْنى اسْكُتْ ومه بِمَعْنى انكفف وَلَا تقل بِمَعْنى اكفف كَمَا يَقُول كثير مِنْهُم لِأَن اكفف يتَعَدَّى ومه لَا يتَعَدَّى وَمِثَال مَا بني مِنْهَا على الْفَتْح آمين

ص: 150

بِمَعْنى استجب لما ثقل بِكَسْر الْمِيم وبالياء بعْدهَا بني على الْفَتْح كَمَا بني أَيْن وَكَيف عَلَيْهِ لثقل الْيَاء

وَمِثَال مَا بني مِنْهَا على الْكسر ايه بِمَعْنى امْضِ فِي حَدِيثك وَلَا تقل

ص: 153

بِمَعْنى حدث كَمَا يَقُولُونَ لما بيّنت لَك فِي مَه وَأما قَوْله

(ايه أَحَادِيث نعْمَان وساكنه

)

فَلَيْسَ بعربي وَعند الْأَصْمَعِي أَنَّهَا لَا تسْتَعْمل الا منونة وخالفوه فِي ذَلِك وَاسْتَدَلُّوا بقول ذِي الرمة (وقفنا فَقُلْنَا ايه عَن أم سَالم

)

ص: 154

وَكَانَ الْأَصْمَعِي يُخطئ ذَا الرمة فِي ذَلِك وَغَيره وَلَا يحْتَج بِكَلَامِهِ

وَمِثَال مَا بني مِنْهَا على الضَّم هيت بِمَعْنى تهيأت قَالَ تَعَالَى

ص: 155

وَقيل الْمَعْنى هَلُمَّ لَك فلك تَبْيِين مثل سقيا لَك

ص: 157

وَقُرِئَ هيت مُثَلّثَة التَّاء فالكسر على أصل التقاء الساكنين وَالْفَتْح للتَّخْفِيف كَمَا فِي أَيْن وَكَيف وَالضَّم تَشْبِيها بِحَيْثُ وَقُرِئَ هئت بِكَسْر الْهَاء وبالهمزة سَاكِنة وبضم التَّاء وَهُوَ على هَذَا فعل مَاض وفاعل من هَاء يهاء كشاء يَشَاء أَو من هَاء يهئ كجاء يَجِيء

وَمِثَال مَا بني من الْمُضْمرَات على السّكُون قومِي وقوما وَقومُوا وَمِثَال مَا بني على مِنْهَا على الْفَتْح قُمْت للمخاطب الْمُذكر وَمِثَال مَا بني مِنْهَا على الْكسر قُمْت للمخاطبة وَمِثَال مَا بني مِنْهَا على الضَّم قُمْت للمتكلم

وَمِثَال مَا بني على السّكُون من أَسمَاء الْإِشَارَة ذَا للمذكر وَذي للمؤنث وَمِثَال مَا بني مِنْهَا على الْفَتْح ثمَّ بِفَتْح الثَّاء اشارة الى الْمَكَان الْبعيد قَالَ الله تَعَالَى {وأزلفنا ثمَّ الآخرين} أَي وأزلفنا الآخرين هُنَالك أَي قربناهم وَمِثَال مَا بني مِنْهَا على الْكسر هَؤُلَاءِ وَمِثَال مَا بني مِنْهَا على الضَّم مَا حَكَاهُ قطرب من أَن بعض الْعَرَب يَقُولُونَ هَؤُلَاءِ بِالضَّمِّ فَلذَلِك ذكرت هَؤُلَاءِ فِي الْمُقدمَة مرَّتَيْنِ أولاهما تضبط بِالْكَسْرِ وَالثَّانيَِة بِالضَّمِّ

وَمِثَال مَا بني على السّكُون من الموصولات الَّذِي وَالَّتِي وَمن وَمَا

ص: 158

وَمِثَال مَا بني على الْفَتْح الَّذين وَمِثَال مَا بني على الْكسر الألآء بِالْمدِّ لُغَة فِي الألى بِمَعْنى الَّذين قَالَ الشَّاعِر

(أَبى الله للشم الألآء كَأَنَّهُمْ

سيوف أَجَاد الْقَيْن يَوْمًا صقالها)

وَمِثَال مَا بني مِنْهَا على الضَّم ذَات بِمَعْنى الَّتِي وَذَلِكَ فِي لُغَة طَيء وَحكى الْفراء أَنه سمع بعض السُّؤَال يَقُول فِي الْمَسْجِد الْجَامِع بِالْفَضْلِ ذُو فَضلكُمْ الله بِهِ والكرامة ذَات أكْرمكُم الله بِهِ بِضَم ذَات مَعَ

ص: 159

أَنَّهَا صفة للكرامة أَي أَسأَلكُم بِالْفَضْلِ وَقَوله بِهِ بِفَتْح الْبَاء وَأَصله بهَا فحذفت الْألف ونقلت فَتْحة الْهَاء إِلَى الْبَاء بعد تَقْدِير سلب كسرتها

ثمَّ استثنيت من أَسمَاء الْإِشَارَة والأسماء الموصولة ذين وتين واللذين واللتين فَذكرت أَنَّهُمَا كالمثنى وأعني بذلك أَنَّهُمَا معربان بِالْألف رفعا وبالياء المفتوح مَا قبلهَا جرا ونصبا كَمَا أَن الزيدين وَالرّجلَيْنِ كَذَلِك وَفهم من قولي كالمثنى أَنَّهُمَا ليسَا مبنيين حَقِيقَة وَهُوَ كَذَلِك وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يثنى من المعارف الا مَا يقبل التنكير كزيد وَعَمْرو الا ترى أَنَّهُمَا لما اعْتقد فيهمَا الشياع والتنكير جَازَت تثنيتما وَلِهَذَا قلت الزيدان والعمران فأدخلت عَلَيْهِمَا حرف التَّعْرِيف وَلَو كَانَا باقيين على تَعْرِيف العلمية لم يجز دُخُول حرف التَّعْرِيف عَلَيْهِمَا وَذَا وَالَّذِي لَا يقبلان التنكير لِأَن تَعْرِيف ذَا بِالْإِشَارَةِ وتعريف الَّذِي بالصلة وهما ملازمان لذا وَالَّذِي فَدلَّ ذَلِك على أَن ذين

ص: 160

واللذين وَنَحْوهمَا أَسمَاء تَثْنِيَة بِمَنْزِلَة قَوْلك هما وأنتما وليسا بتثنية حَقِيقِيَّة وَلِهَذَا لم يَصح فِي ذين أَن تدخل عَلَيْهَا أل كَمَا لَا يَصح ذَلِك فِي هما وأنتما

وَمِثَال الْمَبْنِيّ من أَسمَاء الشَّرْط والاستفهام على السّكُون من وَمَا وَمِثَال الْمَبْنِيّ مِنْهُمَا على الْفَتْح أَيْن وأيان وَلَيْسَ فيهمَا مَا بني على كسر وَلَا ضم فأذكره

واستثنيت من أَسمَاء الشَّرْط وَأَسْمَاء الِاسْتِفْهَام أيا فَإِنَّهَا معربة فيهمَا مُطلقًا بِإِجْمَاع مِثَال الاستفهامية فِي الرّفْع قَوْله تَعَالَى {أَيّكُم يأتيني بِعَرْشِهَا} {أَيّكُم زادته هَذِه إِيمَانًا} ومثالها فِي النصب

ص: 161

{فَأَي آيَات الله تنكرون} {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} فَأَيكُمْ فِيهَا مُبْتَدأ وَأي من قَوْله {فَأَي آيَات الله تنكرون} مفعول بِهِ لتنكرون وَأي من قَوْله تَعَالَى {أَي مُنْقَلب} مفعول مُطلق لينقلبون وَلَيْسَت مَفْعُولا بِهِ لسيعلم لِأَن الِاسْتِفْهَام لَا يعْمل فِيهِ مَا قبله ومثالها فِي الْخَفْض {فستبصر ويبصرون بأيكم} وَأي فِي هَذِه الْآيَة مخفوضة لفظا مَرْفُوعَة محلا لِأَنَّهَا مُبْتَدأ وَالْبَاء زَائِدَة وَالْأَصْل أَيّكُم الْمفْتُون وَالْجُمْلَة نصب بتبصر أَو يبصرون لِأَنَّهُمَا

ص: 162

تنازعاها وهما معلقان عَن الْعَمَل بالاستفهام وَفِي الْآيَة مبَاحث أخر

وَمِثَال الظّرْف الْمَبْنِيّ على السّكُون اذ وَهُوَ ظرف لما مضى من الزَّمَان ويضاف لكل من الجملتين نَحْو {واذْكُرُوا إِذْ أَنْتُم قَلِيل} {واذْكُرُوا إِذْ كُنْتُم قَلِيلا} {وَلنْ ينفعكم الْيَوْم إِذْ ظلمتم} وَتَأْتِي ظرفا لما يسْتَقْبل نَحْو {فَسَوف يعلمُونَ إِذْ الأغلال فِي أَعْنَاقهم} وَقَوله تَعَالَى {يَوْمئِذٍ تحدث أَخْبَارهَا} بعد قَوْله سُبْحَانَهُ {إِذا زلزلت الأَرْض} وَتَأْتِي للتَّعْلِيل نَحْو {وَإِذ اعتزلتموهم وَمَا يعْبدُونَ إِلَّا الله فأووا إِلَى الْكَهْف} أَي وَلأَجل اعتزالكم اياهم وَالِاسْتِثْنَاء فِي الْآيَة مُتَّصِل ان كَانَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم يعْبدُونَ الله وَغَيره ومنقطع ان كَانُوا يخضون غير الله سُبْحَانَهُ بِالْعبَادَة وَكَذَلِكَ الْبَحْث فِي قَوْله تَعَالَى {قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَا كُنْتُم تَعْبدُونَ أَنْتُم}

ص: 163

وآباؤكم الأقدمون فَإِنَّهُم عَدو لي الا رب الْعَالمين) وَتَأْتِي للمفاجأة كَقَوْلِه

(استقدر الله خيرا وارضين بِهِ

فَبَيْنَمَا الْعسر اذ دارت مياسير)

وَمِثَال الْمَبْنِيّ مِنْهَا على الْفَتْح الْآن وَهُوَ اسْم لزمن حضر جَمِيعه أَو

ص: 164

بعضه فَالْأول نَحْو قَوْله تَعَالَى {الْآن جِئْت بِالْحَقِّ} وَفِي هَذِه حذف الصّفة أَي بِالْحَقِّ الْوَاضِح وَلَوْلَا أَن الْمَعْنى على هَذَا لكفروا لمَفْهُوم هَذِه الْمقَالة وَالثَّانِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {فَمن يستمع الْآن} وَقد تعرب كَقَوْلِه

(لسلمى بِذَات الْخَال دَار عرفتها

وَأُخْرَى بِذَات الْجزع آياتها سطر)

(كَأَنَّهُمَا ملآن لم يتغيرا

وَقد مر للدارين من بَعدنَا عصر)

ص: 165

أَصله كَأَنَّهُمَا من الْآن فَحذف نون من لالتقائها سَاكِنة مَعَ لَام الْآن وَلم يحركها لالتقاء الساكنين كَمَا هُوَ الْغَالِب وأعرب الْآن فخفضه بالكسرة

ص: 167

وَمِثَال مَا بني مِنْهَا على الْكسر أمس وَقد مضى شَرحه وانما ذكرته هُنَاكَ لشبهه بِمَسْأَلَة حذام فِي اخْتِلَاف الْحِجَازِيِّينَ والتميميين فِيهِ وانما كَانَ حَقه أَن يذكر هُنَا خَاصَّة لِأَنَّهُ كلمة بِعَينهَا وَلَيْسَ فَردا دَاخِلا تَحت قَاعِدَة كُلية

وَمِثَال مَا بني على الضَّم حَيْثُ وَهُوَ ظرف مَكَان يُضَاف للجملتين وَرُبمَا أضيف لمفرد كفوله

(أما ترى حَيْثُ سُهَيْل طالعا

)

ص: 168