الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقد يفتح وَقد يكسر وَبَعْضهمْ يعربه وَقُرِئَ {سنستدرجهم من حَيْثُ لَا يعلمُونَ} بِالْكَسْرِ فَيحْتَمل الْإِعْرَاب وَالْبناء
النكرَة والمعرفة
ثمَّ قلت بَاب الِاسْم نكرَة وَهُوَ مَا يقبل رب
وَأَقُول يَنْقَسِم الِاسْم بِحَسب التنكير والتعريف إِلَى قسمَيْنِ نكرَة وَهُوَ الأَصْل وَلِهَذَا قَدمته وَمَعْرِفَة وَهُوَ الْفَرْع وَلِهَذَا أَخَّرته
وعلامة النكرَة أَن تقبل دُخُول رب عَلَيْهَا نَحْو رجل وَغُلَام تَقول رب رجل وَرب غُلَام وَبِهَذَا اسْتدلَّ على أَن من وَمَا قد يقعان نكرتين كَقَوْلِه
(رب من أنضجت غيظا قلبه
…
قد تمنى لي موتا لم يطع)
وَقَوله
(لَا تضيقن بالأمور فقد تكشف غماؤها بِغَيْر احتيال
…
)
(رُبمَا تكره النُّفُوس من الْأَمر لَهُ فُرْجَة كحل العقال
…
)
فَدخلت رب عَلَيْهِمَا وَلَا تدخل الا على النكرات فَعلم أَن الْمَعْنى رب شخص أنضجت قلبه غيظا وَرب شَيْء من الْأُمُور تكرههُ النُّفُوس
فَإِن قلت فَإنَّك تَقول ربه رجلا وَقَالَ الشَّاعِر
(ربه فتية دَعَوْت الى مَا
…
يُورث الْمجد دائبا فَأَجَابُوا)
وَالضَّمِير معرفَة وَقد دخلت عَلَيْهِ رب فَبَطل القَوْل بِأَنَّهَا لَا تدخل الا على النكرات
قلت لَا نسلم أَن الضَّمِير فِيمَا أوردته معرفَة بل هُوَ نكرَة وَذَلِكَ لِأَن الضَّمِير فِي الْمِثَال وَالْبَيْت رَاجع الى مَا بعده من قَوْلك رجلا وَقَول الشَّاعِر فتية وهما نكرتان وَقد اخْتلف النحويون فِي الضَّمِير الرَّاجِع إِلَى النكرَة هَل هُوَ نكرَة أَو معرفَة على مَذَاهِب ثَلَاثَة أَحدهَا أَنه نكرَة مُطلقًا وَالثَّانِي أَنه معرفَة مُطلقًا وَالثَّالِث أَن النكرَة الَّتِي يرجع اليها ذَلِك الضَّمِير اما أَن تكون وَاجِبَة التنكير أَو جائزته كَمَا فِي قَوْلك جَاءَنِي رجل فأكرمته فَالضَّمِير معرفَة وانما كَانَت النكرَة فِي الْمِثَال وَالْبَيْت وَاجِبَة التنكير لِأَنَّهَا تَمْيِيز وَالتَّمَيُّز لَا يكون الا نكرَة وانما كَانَت فِي قَوْلك جَاءَنِي رجل فأكرمته جَائِزَة التنكير لِأَنَّهَا فَاعل وَالْفَاعِل لَا يجب أَن يكون نكرَة بل يجوز أَن يكون نكرَة وَأَن يكون معرفَة تَقول جَاءَنِي رجل وَجَاءَنِي زيد
ثمَّ قلت وَمَعْرِفَة وَهِي سِتَّة أَحدهَا الْمُضمر وَهُوَ مَا دلّ
على مُتَكَلم أَو مُخَاطب أَو غَائِب
وَأَقُول أَنْوَاع المعارف سِتَّة
أَحدهَا الْمُضمر وَيُسمى الضَّمِير أَيْضا ويسميه الْكُوفِيُّونَ
الْكِنَايَة والمكنى وانما بدأت بِهِ لِأَنَّهُ أعرف الْأَنْوَاع السِّتَّة على الصَّحِيح
وَهُوَ عبارَة عَمَّا دلّ على مُتَكَلم نَحْو أَنا وَنحن أَو مُخَاطب نَحْو أَنْت وأنتما أَو غَائِب نَحْو هُوَ وهما
ثمَّ أتبعت قولي غَائِب بِأَن قلت مَعْلُوم نَحْو {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} أَو مُتَقَدم مُطلقًا نَحْو {وَالْقَمَر قدرناه} أَو لفظا لَا رُتْبَة نَحْو {وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه} أَو نِيَّة نَحْو {فأوجس فِي نَفسه خيفة مُوسَى} أَو مُؤخر مُطلقًا فِي نَحْو {قل هُوَ الله أحد} {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا} وَنعم رجلا زيد وربه رجلا وقاما وَقعد أَخَوَاك وضربته زيدا وَنَحْو قَوْله (جزي ربه عني عدي بن حَاتِم
…
)
وَالأَصَح أَن هَذَا ضَرُورَة
وَأَقُول لَا بُد للضمير من مُفَسّر يبين مَا يُرَاد بِهِ فَإِن كَانَ لمتكلم أَو مُخَاطب فمفسره حُضُور من هُوَ لَهُ وان كَانَ لغَائِب فمفسره نَوْعَانِ لفظ وَغَيره وَالثَّانِي نَحْو {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ} أَي الْقُرْآن وَفِي ذَلِك شَهَادَة
لَهُ بالنباهة وانه غَنِي عَن التَّفْسِير وَالْأول نَوْعَانِ غَالب وَغَيره فالغالب أَن يكون مُتَقَدما وتقدمه على ثَلَاثَة أَنْوَاع تقدم فِي اللَّفْظ وَالتَّقْدِير واليه الْإِشَارَة بِقَوْلِي مُطلقًا وَذَلِكَ نَحْو {وَالْقَمَر قدرناه منَازِل} وَالْمعْنَى قَدرنَا لَهُ منَازِل فَحذف الْخَافِض أَو التَّقْدِير ذَا منَازِل فَحذف الْمُضَاف وانتصاب ذَا اما على الْحَال أَو على أَنه مفعول ثَان لتضمين {قدرناه} معنى صيرناه وَتقدم فِي اللَّفْظ دون التَّقْدِير نَحْو {وَإِذ ابتلى إِبْرَاهِيم ربه} وَتقدم فِي التَّقْدِير دون اللَّفْظ نَحْو {فأوجس فِي نَفسه خيفة مُوسَى} لِأَن ابراهيم مفعول فَهُوَ فِي نِيَّة التَّأْخِير ومُوسَى فَاعل فَهُوَ فِي نِيَّة التَّقْدِيم وَقيل ان فَاعل أوجس ضمير مستتر وان مُوسَى بدل مِنْهُ فَلَا دَلِيل فِي الْآيَة
وَالنَّوْع الثَّانِي أَن يكون مُؤَخرا فِي اللَّفْظ والرتبة وَهُوَ مَحْصُور فِي سَبْعَة أَبْوَاب
أَحدهَا بَاب ضمير الشَّأْن نَحْو هُوَ أَو هِيَ زيد قَائِم أَي الشَّأْن والْحَدِيث أَو الْقِصَّة فَإِنَّهُ مُفَسّر بِالْجُمْلَةِ بعده فَإِنَّهَا نفس الحَدِيث
والقصة وَمِنْه {قل هُوَ الله أحد} {فَإِنَّهَا لَا تعمى الْأَبْصَار}
وَالثَّانِي أَن يكون مخبرا عَنهُ بمفسره نَحْو {مَا هِيَ إِلَّا حياتنا الدُّنْيَا} أَي مَا الْحَيَاة الا حياتنا الدُّنْيَا
وَالثَّالِث الضَّمِير فِي بَاب نعم رجلا زيد و {بئس للظالمين بَدَلا} فَإِنَّهُ مُفَسّر بالتمييز
وَالرَّابِع مجرور رب نَحْو ربه رجلا فَإِنَّهُ مُفَسّر بالتمييز قطعا
وَالْخَامِس الضَّمِير فِي التَّنَازُع اذا أعملت الثَّانِي وَاحْتَاجَ الأول الى مَرْفُوع نَحْو قاما وَقعد أَخَوَاك فَإِن الْألف رَاجِعَة الى الْأَخَوَيْنِ
وَالسَّادِس الضَّمِير الْمُبدل مِنْهُ مَا بعده كَقَوْلِك فِي ابْتِدَاء الْكَلَام ضَربته زيدا وَقَول بَعضهم اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ الرؤف الرَّحِيم
وَالسَّابِع الضَّمِير الْمُتَّصِل بالفاعل الْمُقدم الْعَائِد على الْمَفْعُول الْمُؤخر وَهُوَ ضَرُورَة على الْأَصَح كَقَوْلِه
(جزى ربه عني عدي بن حَاتِم
…
جَزَاء الْكلاب العاويات وَقد فعل)
فأعيد الضَّمِير من ربه الى عدى وَهُوَ مُتَأَخّر لفظا ورتبة
ثمَّ قلت الثَّانِي الْعلم وَهُوَ شخصي ان عين مُسَمَّاهُ مُطلقًا كزيد
وجنسي ان دلّ بِذَاتِهِ على ذِي الْمَاهِيّة تَارَة وعَلى الْحَاضِر أُخْرَى كأسامة
وَمن الْعلم الكنية واللقب وَيُؤَخر عَن الِاسْم تَابعا لَهُ مُطلقًا أَو مخفوضا بإضافته ان أفردا
وَأَقُول الثَّانِي من أَنْوَاع المعارف الْعلم وَهُوَ نَوْعَانِ علم شخص وَعلم جنس
فَعلم الشَّخْص عبارَة عَن اسْم يعين مُسَمَّاهُ تعيينا مُطلقًا أَي بِغَيْر قيد فقولنا اسْم جنس يَشْمَل المعارف والنكرات وَقَوْلنَا يعين مُسَمَّاهُ فصل مخرج للنكرات لِأَنَّهَا لَا تعين مسماها بِخِلَاف المعارف فَإِنَّهَا كلهَا تعين مسماها أَعنِي أَنَّهَا تبين حَقِيقَته وتجعله كَأَنَّهُ مشَاهد حَاضر للعيان وَقَوْلنَا بِغَيْر قيد مخرج لما عدا الْعلم من المعارف فَإِنَّهَا انما تعين مسماها بِقَيْد كَقَوْلِك الرجل فَإِنَّهُ يعين مُسَمَّاهُ بِقَيْد الْألف وَاللَّام وكقولك غلامي فَإِنَّهُ يعين مُسَمَّاهُ بِقَيْد الْإِضَافَة بِخِلَاف الْعلم فَإِنَّهُ يعين مُسَمَّاهُ بِغَيْر قيد وَلذَلِك لَا يخْتَلف التَّعْبِير عَن الشَّخْص الْمُسَمّى زيدا بِحُضُور وَلَا غيبَة بِخِلَاف التَّعْبِير عَنهُ بأنت وَهُوَ وعبرت فِي الْمُقدمَة
عَن الِاسْم بِقَوْلِي ان عين مُسَمَّاهُ وَعَن نفي الْقَيْد بِقَوْلِي مُطلقًا قصدا للاختصار
وَعلم الْجِنْس عبارَة عَمَّا دلّ الى آخِره وَبَيَان ذَلِك أَن قَوْلك أُسَامَة أَشْجَع من ثعالة فِي قُوَّة قَوْلك الْأسد أَشْجَع من الثَّعْلَب وَالْألف وَاللَّام فِي هَذَا الْمِثَال لتعريف الْجِنْس وَأَن قَوْلك هَذَا أُسَامَة مُقبلا فِي قُوَّة قَوْلك هَذَا الْأسد مُقبلا وَالْألف وَاللَّام فِي ذَلِك لتعريف الْحُضُور وبقولي بِذَاتِهِ من الْأسد والثعلب فِي الْمِثَال الْمَذْكُور فَإِنَّهُمَا لم يدلا على ذِي اللهية بذاتهما بل بِدُخُول الْألف وَاللَّام
ثمَّ بيّنت أَن الْعلم يَنْقَسِم الى اسْم كَمَا تقدم من التَّمْثِيل بزيد وَأُسَامَة والى لقب وَهُوَ مَا اشعر برفعة كزين العابدين اَوْ بضعَة كقفة وبطة والى كنية وَهُوَ مَا بُدِئَ بأب أَو أم كَأبي بكر وَأم عَمْرو وانه اذا اجْتمع الِاسْم واللقب وَجب تَأْخِير اللقب ثمَّ ان كَانَا مفردين جَازَت اضافة الأول الى الثَّانِي وَجَاز اتِّبَاع الثَّانِي للْأولِ فِي إعرابه وَذَلِكَ ك سعيد كرز وان كَانَا مضافين ك عبد الله زين العابدين
أَو متخالفين ك زيد زين العابدين وك عبد الله كرز تعين الإتباع وامتنعت الْإِضَافَة
ثمَّ قلت الثَّالِث الْإِشَارَة وَهُوَ مَا دلّ على مُسَمّى واشارة إِلَيْهِ ك ذَا وذان فِي التَّذْكِير وَذي وتي وتا وتان فِي التَّأْنِيث وألاء فيهمَا
وتلحقهن فِي الْبعد كَاف خطاب حرفية مُجَرّدَة من اللَّام مُطلقًا اَوْ مقرونة بهَا الا فِي الْمثنى وَفِي الْجمع فِي لُغَة من مده وَهِي الفصحى وَفِيمَا سبقته هَا التَّنْبِيه
وَأَقُول الثَّالِث من أَنْوَاع المعارف الْإِشَارَة وَهُوَ مَا دلّ على مُسَمّى واشارة الى ذَلِك الْمُسَمّى تَقول مُشِيرا الى زيد مثلا هَذَا فتدل لَفْظَة ذَا على ذَات زيد وعَلى الْإِشَارَة لتِلْك الذَّات
وتنقسم أَسمَاء الْإِشَارَة بِحَسب من هِيَ لَهُ سِتَّة أَقسَام بِاعْتِبَار التَّقْسِيم الْعقلِيّ وَخَمْسَة بِاعْتِبَار الْوَاقِع وَبَيَان الأول أَنَّهَا اما لمفرد اَوْ مثنى
أَو مَجْمُوع وكل مِنْهَا اما لمذكر اَوْ مؤنث وَبَيَان الثَّانِي أَنهم جعلُوا عبارَة الْجمع مُشْتَركَة بَين المذكرين والمؤنثات
فللمفرد الْمُذكر هَذَا
وللمفردة المؤنثة هَذِه وهاتي وهاتا
ولتثنية المذكرين هَذَانِ رفعا وهذين جرا ونصبا
ولتثنية المؤنثتين هَاتَانِ رفعا وَهَاتين جرا ونصبا
ولجمع الْمُذكر والمؤنث هؤلآء بِالْمدِّ فِي لُغَة الْحِجَازِيِّينَ وَبهَا جَاءَ الْقُرْآن وبالقصر فِي لُغَة بني تَمِيم
وَلَيْسَت هَا من جملَة اسْم الْإِشَارَة وانما هِيَ حرف جِيءَ بِهِ لتنبيه الْمُخَاطب على الْمشَار اليه بِدَلِيل سُقُوطه مِنْهَا جَوَازًا فِي قَوْلك ذَا وَذَاكَ ووجوبا فِي قَوْلك ذَلِك وَلَا الْكَاف اسْم مُضْمر مثلهَا فِي غلامك لِأَن ذَلِك يَقْتَضِي أَن تكون مخفوضة بِالْإِضَافَة وَذَلِكَ مُمْتَنع لِأَن أَسمَاء الْإِشَارَة لَا تُضَاف لِأَنَّهَا مُلَازمَة للتعريف وانما هِيَ حرف لمُجَرّد الْخطاب لَا مَوضِع لَهُ من الْإِعْرَاب وتلحق اسْم الْإِشَارَة إِذا كَانَ للبعيد وَأَنت فِي اللَّام قبله بِالْخِيَارِ تَقول ذَاك أَو ذَلِك
وَيجب ترك اللَّام فِي ثَلَاث مسَائِل
احداها اشارة الْمثنى نَحْو ذَلِك وتانك
وَالثَّانيَِة اشارة الْجمع فِي لُغَة من مده تَقول أُولَئِكَ بِالْمدِّ من غير لَام فَإِن قصرت قلت أولاك أَو أولالك
وَالثَّالِثَة كل اسْم اشارة تقدم عَلَيْهِ حرف التَّنْبِيه نَحْو هذاك وهاتاك وهاتيك
ثمَّ قلت الرَّابِع الْمَوْصُول وَهُوَ مَا افْتقر الى الْوَصْل بجملة خبرية أَو ظرف أَو مجرور تامين أَو وصف صَرِيح والى عَائِد أَو خَلفه
وَأَقُول الرَّابِع من أَنْوَاع المعارف الْمَوْصُول وَهُوَ عبارَة عَمَّا يحْتَاج الى أَمريْن
أَحدهمَا الصِّلَة وَهِي وَاحِد من أَرْبَعَة أُمُور أَحدهَا الْجُمْلَة وَشَرطهَا أَن تكون خبرية أَي مُحْتَملَة للصدق وَالْكذب تَقول
جَاءَنِي الَّذِي قَامَ وَالَّذِي أَبوهُ قَائِم وَلَا يجوز جَاءَ الَّذِي هَل قَامَ أَو الَّذِي لَا تضربه وَالثَّانِي الظّرْف وَالثَّالِث الْجَار وَالْمَجْرُور وشرطهما أَن يَكُونَا تامين وَقد اجْتمعَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن عِنْده لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته} واحترزت بالتامين من الناقصين وهما اللَّذَان لَا تتمّ بهَا الْفَائِدَة فَلَا يُقَال جَاءَ الَّذِي الْيَوْم وَلَا جَاءَ الَّذِي بك وَالرَّابِع الْوَصْف الصَّرِيح أَي الْخَالِص من غَلَبَة الاسمية وَهَذَا يكون صلَة للألف وَاللَّام خَاصَّة نَحْو الضَّارِب والمضروب كَمَا سَيَأْتِي
وَالْأَمر الثَّانِي الضَّمِير الْعَائِد من الصِّلَة إِلَى الْمَوْصُول نَحْو جَاءَ الَّذِي قَامَ أَبوهُ وَشَرطه أَن يكون مطابقا للموصول فِي الْإِفْرَاد والتذكير وفروعهما وَقد يخلفه الظَّاهِر كَقَوْلِه
(سعاد الَّتِي أضناك حب سعادا
…
وإعراضها عَنْك اسْتمرّ وَزَادا)
وَحمل عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيّ قَول الله تَعَالَى {الْحَمد لله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَجعل الظُّلُمَات والنور ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ} وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قدر الْجُمْلَة الاسمية وَهِي الَّذين وَمَا بعده معطوفة على الْجُمْلَة الفعلية وَهِي خلق وَمَا بعده على معنى أَنه سُبْحَانَهُ خلق مَا لَا يقدر عَلَيْهِ سواهُ ثمَّ هم يعدلُونَ بِهِ مَا لَا يقدر على شَيْء
وَلَوْلَا أَن التَّقْدِير ثمَّ اللَّذين كفرُوا بِهِ يعدلُونَ كَمَا أَن التَّقْدِير سعاد الَّتِي أضناك حبها للَزِمَ فَسَاد هَذَا الْإِعْرَاب لخلو الصِّلَة من ضمير وَهَذَا فِي الْآيَة الْكَرِيمَة خير مِنْهُ فِي الْبَيْت لِأَن الِاسْم الظَّاهِر النَّائِب عَن الضَّمِير فِي الْبَيْت بِلَفْظ الِاسْم الْمَوْصُوف بالموصول وَهُوَ سعاد فَحصل التّكْرَار وَهُوَ فِي الْآيَة بِمَعْنَاهُ لَا بِلَفْظِهِ وَأَجَازَ فِي الْجُمْلَة وَجها آخر وَبَدَأَ بِهِ وَهُوَ أَن تكون معطوفة على الْحَمد لله وَالْمعْنَى أَنه سُبْحَانَهُ حقيق بِالْحَمْد على مَا خلق لِأَنَّهُ مَا خلقه الا نعْمَة ثمَّ الَّذين كفرُوا برَبهمْ يعدلُونَ فيكفرون نعْمَته
ثمَّ قلت وَهُوَ الَّذِي وَالَّتِي وتثنيتهما وجمعهها والألى وَالَّذين واللاتي واللائي وَمَا بمعناهن وَهُوَ من للْعَالم وَمَا لغيره وَذُو عِنْد طييء وَذَا بعد مَا أَو من الاستفهاميتين ان لم تلغ وَأي وأل فِي نَحْو الضَّارِب والمضروب
وَأَقُول لما فرغت من حد الْمَوْصُول شرعت فِي سرد الْمَشْهُور من أَلْفَاظه وَالْحَاصِل أَنَّهَا تَنْقَسِم الى سِتَّة أَقسَام لِأَنَّهَا اما لمفرد أَو مثنى أَو مَجْمُوع وكل من الثَّلَاثَة اما لمذكر أَو لمؤنث
فللمفرد الْمُذكر الَّذِي وتستعمل للعاقل وَغَيره فَالْأول نَحْو
{وَالَّذِي جَاءَ بِالصّدقِ} وَالثَّانِي نَحْو {هَذَا يومكم الَّذِي كُنْتُم توعدون} وَلَك فِي يائه وَجْهَان الْإِثْبَات والحذف فعلى الْإِثْبَات تكون اما خَفِيفَة فَتكون سَاكِنة واما شَدِيدَة فَتكون اما مَكْسُورَة أَو جَارِيَة بِوُجُوه الْإِعْرَاب وعَلى الْحَذف فَيكون الْحَرْف الَّذِي قبلهَا اما مكسورا كَمَا كَانَ قبل الْحَذف واما سَاكِنا
وللمفرد الْمُؤَنَّث الَّتِي وتستعمل لِلْعَاقِلَةِ وَغَيرهَا فَالْأول نَحْو {قد سمع الله قَول الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوجهَا} وَقد هُنَا للتوقع لِأَنَّهَا كَانَت تتَوَقَّع سَماع شكواها وانزال الْوَحْي فِي شَأْنهَا وَفِي للسَّبَبِيَّة أَو الظَّرْفِيَّة على حذف مُضَاف أَي فِي شَأْنه وَالثَّانِي نَحْو {سَيَقُولُ السُّفَهَاء من النَّاس مَا ولاهم عَن قبلتهم الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} أَي سَيَقُولُ الْيَهُود مَا صرف الْمُسلمين عَن التَّوَجُّه الى بَيت الْمُقَدّس وَلَك فِي يَاء الَّتِي من اللُّغَات الْخمس مَا لَك فِي يَاء الَّذِي
ولمثنى الْمُذكر اللَّذَان رفعا واللذين جرا ونصبا
ولمثنى الْمُؤَنَّث اللَّتَان رفعا واللتين جرا ونصبا
وَلَك فِيهِنَّ تَشْدِيد النُّون وحذفها وَالْأَصْل التَّخْفِيف والثبوت
ولجمع الْمُذكر الألى بِالْقصرِ وَالْمدّ وَالَّذين بِالْيَاءِ مُطلقًا أَو بِالْوَاو رفعا
ولجمع الْمُؤَنَّث اللائي واللاتي بِإِثْبَات الْيَاء وحذفها فيهمَا وَقد قريء {واللائي يئسن} بِالْوَجْهَيْنِ وَلم يقْرَأ فِي السَّبْعَة {واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة} الا بِالْيَاءِ لِأَنَّهُ أخف من اللائي لكَونه بِغَيْر همزَة
وَمن الموصولات موصولات عَامَّة فِي الْمُفْرد الْمُذكر وفروعه وَهِي من وأصل وَضعهَا لمن يعقل نَحْو {أَفَمَن يعلم أَنما أنزل إِلَيْك من رَبك الْحق كمن هُوَ أعمى}
وَمَا لما لَا يعقل نَحْو {مَا عنْدكُمْ ينْفد وَمَا عِنْد الله بَاقٍ}
وَذُو فِي لُغَة طَيئ يَقُولُونَ جَاءَنِي ذُو قَامَ
وَذَا بِشَرْطَيْنِ أَحدهمَا أَن يتَقَدَّم عَلَيْهَا مَا الاستفهامية نَحْو {مَاذَا أنزل ربكُم} أَي مَا الَّذِي أنزل ربكُم أَو من الاستفهامية نَحْو من ذَا لقِيت وَقَول الشَّاعِر (وقصيدة تَأتي الْمُلُوك غَرِيبَة
…
قد قلتهَا ليقال من ذَا قَالَهَا)
أَي من الَّذِي قَالَهَا وَهَذَا الشَّرْط خَالف فِيهِ الْكُوفِيُّونَ فَلم يشترطوه وَاسْتَدَلُّوا بقوله (نجوت وَهَذَا تحملين طليق
…
)
فزعموا أَن التَّقْدِير وَالَّذِي تحملينه طليق فِي ذَا مَوْصُول مُبْتَدأ
وتحملين صلَة والعائد مَحْذُوف وطليق خبر
الشَّرْط الثَّانِي أَن لَا تكون ذَا ملغاة والغاؤها بِأَن تركب مَعَ مَا فيصيرا اسْما وَاحِدًا فَتَقول مَاذَا صنعت وَينزل مَاذَا بِمَنْزِلَة قَوْلك أَي شَيْء فَتكون مَفْعُولا مقدما فَإِن قدرت مَا مُبْتَدأ وَذَا خَبرا فَهِيَ مَوْصُولَة لِأَنَّهَا لم تلغ
وَمِنْهَا أَي كَقَوْلِه تَعَالَى {ثمَّ لننزعن من كل شيعَة أَيهمْ أَشد} أَي الَّذِي هُوَ أَشد وَقد تقدم الْكَلَام فِيهَا
وَمِنْهَا أل الدَّاخِلَة على اسْم الْفَاعِل ك الضَّارِب أَو اسْم الْمَفْعُول ك الْمَضْرُوب هَذَا قَول الْفَارِسِي وَابْن السراج وَأكْثر الْمُتَأَخِّرين
وَزعم الْمَازِني انها مَوْصُول حرفي وَيَردهُ أَنَّهَا لَا تؤول بِالْمَصْدَرِ وَأَن الضَّمِير يعود عَلَيْهَا وَزعم ابو الْحسن الْأَخْفَش أَنَّهَا حرف تَعْرِيف وَيَردهُ أَن هَذَا الْوَصْف يمْتَنع تَقْدِيم معموله وَيجوز عطف الْفِعْل عَلَيْهِ كَقَوْلِه تَعَالَى {فالمغيرات صبحا فأثرن} فعطف أثرن على مغيرات لِأَن التَّقْدِير فاللاتي أغرن فأثرن
ثمَّ قلت الْخَامِس الْمحلى بأل العهدية كجاء القَاضِي وَنَحْو {فِيهَا مِصْبَاح الْمِصْبَاح} الْآيَة أَو الجنسية نَحْو {وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا} وَنَحْو {ذَلِك الْكتاب لَا ريب فِيهِ} وَنَحْو {وَجَعَلنَا من المَاء كل شَيْء حَيّ}
وَيجب ثُبُوتهَا فِي فاعلي نعم وَبئسَ المظهرين نَحْو {نعم العَبْد}
و {بئس مثل الْقَوْم} فَنعم ابْن أُخْت الْقَوْم فَأَما الْمُضمر فمستتر مُفَسّر بتمييز نَحْو نعم امْرأ هرم وَمِنْه {فَنعما هِيَ} وَفِي نعتي الْإِشَارَة مُطلقًا وَأي فِي النداء نَحْو {يَا أَيهَا الْإِنْسَان} وَنَحْو {مَا لهَذَا الْكتاب} وَقد يُقَال يَا أيهذا
وَيجب فِي السعَة حذفهَا من المنادى الا من اسْم الله تَعَالَى وَالْجُمْلَة الْمُسَمّى بهَا وَمن الْمُضَاف الا إِذا كَانَت صفة معربة بالحرف أَو مُضَافَة الى مَا فِيهِ أل
وَأَقُول الْخَامِس من المعارف الْمحلى بِالْألف وَاللَّام العهدية أَو الجنسية
وأشرت الى أَن كلا مِنْهُمَا قِسْمَانِ لِأَن العهدية اما أَن يشار بهَا الى مَعْهُود ذهني أَو ذكري فَالْأول كَقَوْلِك جَاءَ القَاضِي اذا كَانَ بَيْنك وَبَين مخاطبك عهد فِي قَاض خَاص وَالثَّانِي كَقَوْلِه تَعَالَى {فِيهَا مِصْبَاح الْمِصْبَاح} الْآيَة فَإِن أل فِي الْمِصْبَاح وَفِي الزجاجة للْعهد فِي مِصْبَاح وزجاجة الْمُتَقَدّم ذكرهمَا
وأل الجنسية قِسْمَانِ لِأَنَّهَا اما أَن تكون استغراقية أَو مشارا بهَا الى نفس الْحَقِيقَة فَالْأول كَقَوْلِه تَعَالَى {وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا} أَي كل فَرد من أَفْرَاد الْإِنْسَان وَنَحْو {ذَلِك الْكتاب} أَي أَن هَذَا الْكتاب هُوَ كل الْكتب الا أَن الِاسْتِغْرَاق فِي الْآيَة الأولى لأفراد الْجِنْس وَفِي الثَّانِيَة لخصائص الْجِنْس كَقَوْلِك زيد الرجل أَي الَّذِي اجْتمع فِيهِ صِفَات الرِّجَال المحمودة وَالثَّانِي نَحْو {وَجَعَلنَا من المَاء كل شَيْء حَيّ} أَي من هَذِه الْحَقِيقَة لَا من كل شَيْء اسْمه مَاء
ثمَّ ذكرت أَن أل الْمعرفَة يجب ثُبُوتهَا فِي مَسْأَلَتَيْنِ وَيجب حذفهَا فِي مَسْأَلَتَيْنِ
أما مسألتا الثُّبُوت فإحداهما أَن يكون الِاسْم فَاعِلا ظَاهرا وَالْفِعْل نعم أَو بئس كَقَوْلِه تَعَالَى {نعم العَبْد} {فَنعم القادرون} {فَنعم الماهدون} و {بئس الشَّرَاب} وأشرت بالتمثيل بقوله تَعَالَى {بئس مثل الْقَوْم} الى أَنه لَا يشْتَرط كَون أل فِي نفس الِاسْم الَّذِي وَقع فَاعِلا كَمَا فِي {نعم العَبْد} بل يجوز كَونهَا فِيمَا أضيف هُوَ إِلَيْهِ نَحْو {ولنعم دَار الْمُتَّقِينَ} {فلبئس مثوى المتكبرين} {بئس مثل الْقَوْم}
وَلَو كَانَ فَاعل نعم وَبئسَ مضمرا وَجب فِيهِ ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا أَن يكون مُفردا لَا مثنى وَلَا مجموعا مستترا لَا بارزا مُفَسرًا بتمييز بعده
كَقَوْلِك نعم رجلا زيد وَنعم رجلَيْنِ الزيدان وَنعم رجَالًا الزيدون وَقَول الشَّاعِر
(نعم امْرَءًا هرم لم تعر نائبة
…
الا وَكَانَ لمرتاع بهَا وزرا)
وَالثَّانيَِة أَن يكون الِاسْم نعتا إِمَّا لاسم الْإِشَارَة نَحْو {مَا لهَذَا الْكتاب} {مَا لهَذَا الرَّسُول} وقولك مَرَرْت بِهَذَا الرجل أَو نعت أَيهَا فِي النداء نَحْو {يَا أَيهَا الرَّسُول} {يَا أَيهَا الْإِنْسَان} وَلَكِن قد تنْعَت أَي باسم الْإِشَارَة كَقَوْلِك يَا أيهذا وَالْغَالِب حِينَئِذٍ أَن تنْعَت الْإِشَارَة كَقَوْلِه
(أَلا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
…
وَأَن أشهد اللَّذَّات هَل أَنْت مخلدي)
وَقد لَا تنْعَت كَقَوْلِه (أيهذان كلا زاديكما
…
وَدَعَانِي واغلا فِيمَن يغل)
وَأما مسألتا الْحَذف فإحداهما أَن يكون الِاسْم منادى فَتَقول فِي نِدَاء الْغُلَام وَالرجل وَالْإِنْسَان يَا غُلَام وَيَا رجل وَيَا إِنْسَان
وَيسْتَثْنى من ذَلِك أَمْرَانِ أَحدهمَا اسْم الله تَعَالَى فَيجوز أَن تَقول يَا ألله فتجمع بَين يَا وَالْألف وَاللَّام وَلَك قطع ألف اسْم الله تَعَالَى وحذفها وَالثَّانِي الْجُمْلَة الْمُسَمّى بهَا فَلَو سميت بِقَوْلِك المنطلق زيد ثمَّ ناديته قلت يَا المنطلق زيد
الثَّانِيَة أَن يكون الِاسْم مُضَافا كَقَوْلِك فِي الْغُلَام وَالدَّار غلامي وداري وَلَا تقل الغلامي وَلَا الدَّارِيّ فتجمع بَين أل وَالْإِضَافَة وَيسْتَثْنى من ذَلِك مَسْأَلَتَانِ أحداهما أَن يكون الْمُضَاف صفة معربة بالحروف فَيجوز حِينَئِذٍ اجْتِمَاع أل وَالْإِضَافَة وَذَلِكَ نَحْو الضاربا زيد والضاربو زيد وَالثَّانيَِة أَن يكون الْمُضَاف صفة والمضاف إِلَيْهِ مَعْمُولا لَهَا وَهُوَ بِالْألف وَاللَّام فَيجوز حِينَئِذٍ أَيْضا الْجمع بَين أل
وَالْإِضَافَة وَذَلِكَ نَحْو الضَّارِب الرجل والراكب الْفرس وَمَا عداهما لَا يجوز فِيهِ ذَلِك خلافًا للفراء فِي اجازة الضَّارِب زيد وَنَحْوه مِمَّا الْمُضَاف فِيهِ صفة والمضاف اليه معرفَة بِغَيْر الْألف وَاللَّام وللكوفيين كلهم فِي إجَازَة نَحْو الثَّلَاثَة الأثواب وَنَحْوه مِمَّا الْمُضَاف فِيهِ عدد والمضاف إِلَيْهِ مَعْدُود وللرماني والمبرد والزمخشري فِي قَوْلهم فِي الضاربي والضاربك والضاربه ان الضَّمِير فِي مَوضِع
خفض بِالْإِضَافَة
ثمَّ قلت السَّادِس الْمُضَاف لمعْرِفَة ك غلامي وَغُلَام زيد
وَأَقُول هَذَا خَاتِمَة المعارف وَهُوَ الْمُضَاف لمعْرِفَة وَهُوَ فِي دَرَجَة مَا أضيف إِلَيْهِ ف غُلَام زيد فِي رُتْبَة الْعلم وَغُلَام هَذَا فِي رُتْبَة الْإِشَارَة وَغُلَام الَّذِي جَاءَك فِي رُتْبَة الْمَوْصُول وَغُلَام القَاضِي فِي رُتْبَة ذِي الأداة وَلَا يسْتَثْنى من ذَلِك الا الْمُضَاف الى الْمُضمر ك غلامي فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي رُتْبَة الْمُضمر بل هُوَ فِي رُتْبَة الْعلم وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب الصَّحِيح وَزعم بَعضهم أَن مَا أضيف الى معرفَة فَهُوَ فِي رُتْبَة مَا تَحت تِلْكَ الْمعرفَة دَائِما وَذهب آخر الى أَنه فِي رتبتها مُطلقًا وَلَا يسْتَثْنى الْمُضمر وَالَّذِي يدل على بطلَان القَوْل الثَّانِي قَوْله
(كخذروف الْوَلِيد المثقب
…
)
فوصف الْمُضَاف للمعرف بالأداة بِالِاسْمِ الْمُعَرّف بالأداة وَالصّفة
لَا تكون اعرف من الْمَوْصُوف وعَلى بطلَان الثَّالِث قَوْلهم مَرَرْت بزيد صَاحبك
بَاب المرفوعات
ثمَّ قلت بَاب المرفوعات عشرَة أَحدهَا الْفَاعِل وَهُوَ مَا قدم الْفِعْل اَوْ شبهه عَلَيْهِ وَأسْندَ إِلَيْهِ على جِهَة قِيَامه بِهِ أَو وُقُوعه مِنْهُ ك علم زيد وَمَات بكر وَضرب عَمْرو و {مُخْتَلف ألوانه}
وَأَقُول شرعت من هُنَا فِي ذكر أَنْوَاع المعربات وبدأت مِنْهَا بالمرفوعات لِأَنَّهَا أَرْكَان الاسناد
وَالضَّمِير فِي قولي وَهُوَ للْفَاعِل وَقَوْلِي مَا قدم الْفِعْل أَو شبهه عَلَيْهِ مخرج لنَحْو زيد قَامَ وَزيد قَائِم فَإِن زيدا فيهمَا أسْند إِلَيْهِ الْفِعْل وَشبهه ولكنهما لم يقدما عَلَيْهِ وَلَا بُد من هَذَا الْقَيْد لِأَن بِهِ يتَمَيَّز الْفَاعِل من الْمُبْتَدَأ وَقَوْلِي اسند اليه مخرج لنَحْو زيدا فِي قَوْلك ضربت زيدا وانا ضَارب زيدا فَإِنَّهُ يصدق عَلَيْهِ فيهمَا أَنه قدم عَلَيْهِ فعل اَوْ شبهه ولكنهما لم يسندا إِلَيْهِ وَقَوْلِي على جِهَة قِيَامه بِهِ اَوْ وُقُوعه مِنْهُ مخرج لمفعول مَا لم يسم فَاعله نَحْو ضرب زيد وَعَمْرو مَضْرُوب غُلَامه فزيد والغلام وان صدق عَلَيْهِمَا انهما قدم عَلَيْهِمَا فعل وَشبهه واسندا إِلَيْهِمَا لَكِن هَذَا الْإِسْنَاد على جِهَة الْوُقُوع عَلَيْهِمَا لَا على جِهَة الْقيام بِهِ كَمَا فِي قَوْلك علم زيد اَوْ الْوُقُوع مِنْهُ كَمَا فِي قَوْلك ضرب عَمْرو
ومثلت لما اسند اليه شبه الْفِعْل بقوله تَعَالَى {مُخْتَلف ألوانه} فألوانه فَاعل لمختلف لِأَنَّهُ اسْم فَاعل فَهُوَ فِي معنى الْفِعْل وَالتَّقْدِير وصنف مُخْتَلف ألوانه اي يخْتَلف ألوانه فَحذف الْمَوْصُوف وأنيب الْوَصْف عَن الْفِعْل وَقَوله تَعَالَى {كَذَلِك} أَي اخْتِلَافا كالاختلاف الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {وَمن الْجبَال جدد بيض وحمر مُخْتَلف ألوانها وغرابيب سود}
ثمَّ قلت الثَّانِي نَائِبه وَهُوَ مَا حذف فَاعله وأقيم هُوَ مقَامه وَغير عَامله الى طَريقَة فعل أَو يفعل اَوْ مفعول وَهُوَ الْمَفْعُول بِهِ نَحْو {وَقضي الْأَمر} وان فقد فالمصدر نَحْو {فَإِذا نفخ فِي الصُّور نفخة وَاحِدَة} {فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء} أَو الظّرْف نَحْو صيم رَمَضَان وَجلسَ امامك أَو الْمَجْرُور نَحْو {غير المغضوب عَلَيْهِم} وَمِنْه {لَا يُؤْخَذ مِنْهَا}
وَأَقُول الثَّانِي من المرفوعات نَائِب الْفَاعِل وَهُوَ الَّذِي يعبرون عَنهُ بمفعول مَا لم يسم فَاعله والعبارة الأولى أولى لوَجْهَيْنِ احدهما أَن النَّائِب عَن الْفَاعِل يكون مَفْعُولا وَغَيره كَمَا سَيَأْتِي وَالثَّانِي أَن الْمَنْصُوب فِي قَوْلك أعطي زيد دِينَارا يصدق عَلَيْهِ أَنه مفعول للْفِعْل الَّذِي لم يسم فَاعله وَلَيْسَ مَقْصُودا لَهُم وَمعنى قولي أقيم هُوَ مقَامه أَنه أقيم مقَامه فِي اسناد الْفِعْل إِلَيْهِ
وَلما فرغت من حَده شرعت فِي بَيَان مَا يعْمل بعد حذف الْفَاعِل فَذكرت أَن الْفِعْل يجب تَغْيِيره الى فعل أَو يفعل وَلَا أُرِيد بذلك هذَيْن الوزنين فَإِن ذَلِك لَا يَتَأَتَّى الا فِي الْفِعْل الثلاثي وانما أُرِيد أَنه يضم أَوله مُطلقًا وَيكسر مَا قبل آخِره فِي الْمَاضِي وَيفتح فِي الْمُضَارع ثمَّ بعد ذَلِك يُقَام الْمَفْعُول بِهِ مقَام الْفَاعِل فَيعْطى أَحْكَامه كلهَا فَيصير مَرْفُوعا بعد أَن كَانَ مَنْصُوبًا وعمدة بعد أَن كَانَ فضلَة وواجب التَّأْخِير عَن الْفِعْل بعد أَن كَانَ جَائِز التَّقْدِيم عَلَيْهِ
وَالْمَفْعُول بِهِ عِنْد الْمُحَقِّقين مقدم فِي النِّيَابَة على غَيره وجوبا لِأَنَّهُ قد يكون فَاعِلا فِي الْمَعْنى كَقَوْلِك أَعْطَيْت زيدا دِينَارا أَلا ترى أَنه آخذ وأوضح من هَذَا ضَارب زيد عمرا لِأَن الْفِعْل صادر من زيد وَعَمْرو
فقد اشْتَركَا فِي إِيجَاد الْفِعْل حَتَّى أَن بَعضهم جوز فِي هَذَا الْمَفْعُول أَن يرفع وَصفه فَيَقُول ضَارب زيد عمرا الْجَاهِل لِأَنَّهُ نعت الْمَرْفُوع فِي الْمَعْنى
ومثلت لنيابته عَن الْفَاعِل بقوله تَعَالَى {وَقضي الْأَمر} وَأَصله قضى الله الْأَمر فَحذف الْفَاعِل للْعلم بِهِ وَرفع الْمَفْعُول بِهِ وَغير الْفِعْل بِضَم أَوله وَكسر مَا قبل آخِره فَانْقَلَبت الْألف يَاء
فَإِن لم يكن فِي الْكَلَام مفعول بِهِ أقيم غَيره من مصدر أَو ظرف زمَان أَو مَكَان أَو مجرور
فالمصدر كَقَوْلِه تَعَالَى {فَإِذا نفخ فِي الصُّور نفخة وَاحِدَة} وَقَوله تَعَالَى {فَمن عُفيَ لَهُ من أَخِيه شَيْء} وَكَون نفخة مصدرا وَاضح
وَأما شَيْء فَلِأَنَّهُ كِنَايَة عَن الْمصدر وَهُوَ الْعَفو وَالتَّقْدِير وَالله أعلم فَأَي شخص من الْقَاتِل عُفيَ لَهُ عَفْو مَا من جِهَة أَخِيه
وظرف الزَّمَان كَقَوْلِك صيم رَمَضَان وَأَصله صَامَ النَّاس رَمَضَان
وظرف الْمَكَان كَقَوْلِك جلس أمامك وَالدَّلِيل على أَن الْأَمَام من الظروف المتصرفة الَّتِي يجوز رَفعهَا قَول الشَّاعِر
(فغدت كلا الفرجين تحسب أَنه
…
مولى المخافة خلفهَا وأمامها)
وَالْمَجْرُور كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِن تعدل كل عدل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا} ف يُؤْخَذ فعل مضارع مَبْنِيّ لما لم يسم فَاعله وَهُوَ خَال من ضمير مستتر فِيهِ وَمِنْهَا جَار ومجرور فِي مَوضِع رفع أَي لَا يكن أَخذ مِنْهَا وَلَو قدر مَا هُوَ الْمُتَبَادر من أَن فِي يُؤْخَذ ضميرا مستترا هُوَ الْقَائِم مقَام الْفَاعِل وَمِنْهَا فِي مَوضِع نصب لم يستقم لِأَن ذَلِك الضَّمِير عَائِد حِينَئِذٍ على كل عدل وكل عدل حدث والأحداث لَا تُؤْخَذ وانما تُؤْخَذ الذوات نعم ان قدر أَن لَا يُؤْخَذ بِمَعْنى لَا يقبل صَحَّ ذَلِك
وَفهم من قولي فَإِن فقد فالمصدر الى آخِره أَنه لَا يجوز اقامة غير الْمَفْعُول بِهِ مَعَ وجود الْمَفْعُول بِهِ وَهُوَ مَذْهَب الْبَصرِيين الا الْأَخْفَش وَاسْتدلَّ المخالفون بِنَحْوِ قَول الشَّاعِر
(أتيح لي من العدى نذيرا
…
بِهِ وقيت الشَّرّ مُسْتَطِيرا)
وبقراءة أبي جَعْفَر {ليجزي قوما بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} فأقيم فيهمَا الْجَار وَالْمَجْرُور وَترك الْمَفْعُول بِهِ مَنْصُوبًا
ثمَّ قلت وَلَا يحذفان بل يستتران ويحذف عاملهما جَوَازًا نَحْو زيد لمن قَالَ من قَامَ أَو من ضرب ووجوبا نَحْو {إِذا السَّمَاء انشقت وأذنت لِرَبِّهَا وحقت وَإِذا الأَرْض مدت}
وَلَا يكونَانِ جملَة فنحو {وَتبين لكم كَيفَ فعلنَا بهم} على إِضْمَار التبين وَنَحْو {وَإِذا قيل إِن وعد الله حق} على الْإِسْنَاد الى اللَّفْظ وَيُؤَنث فعلهمَا لتأنيثهما وجوبا فِي نَحْو الشَّمْس طلعت وَقَامَت هِنْد أَو الهندان أَو الهندات وجوازا راجحا فِي نَحْو طلعت الشَّمْس وَمِنْه قَامَت الرِّجَال أَو النِّسَاء أَو الهنود وَحَضَرت القَاضِي امْرَأَة وَمثل قَامَت النِّسَاء نعمت الْمَرْأَة هِنْد ومرجوحا فِي نَحْو مَا قَامَ الا هِنْد وَقيل ضَرُورَة وَلَا تلْحقهُ عَلامَة تَثْنِيَة وَلَا جمع وشذ نَحْو أكلوني البراغيث
وَأَقُول ذكرت هُنَا خَمْسَة أَحْكَام يشْتَرك فِيهَا الْفَاعِل والنائب عَنهُ
الحكم الأول أَنَّهُمَا لَا يحذفان وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا عمدتان ومنزلان
من فعلهمَا منزلَة الْجُزْء فان ورد مَا ظَاهره أَنَّهُمَا فِيهِ محذوفان فَلَيْسَ مَحْمُولا على ذَلِك الظَّاهِر وانما هُوَ مَحْمُول على أَنَّهُمَا ضميران مستتران فَمن ذَلِك قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن وَلَا يشرب الْخمر حِين يشْربهَا وَهُوَ مُؤمن ففاعل يشرب لَيْسَ ضميرا عَائِدًا الى مَا تقدم ذكره وَهُوَ الزَّانِي لِأَن ذَلِك خلاف الْمَقْصُود وَلَا الأَصْل وَلَا يشرب فَحذف الشَّارِب لِأَن الْفَاعِل عُمْدَة فَلَا يحذف وانما هُوَ ضمير مستتر فِي الْفِعْل عَائِد على الشَّارِب الَّذِي استلزمه يشرب فَإِن
يشرب يسْتَلْزم الشَّارِب وَحسن ذَلِك تقدم نَظِيره وَهُوَ لَا يَزْنِي الزَّانِي وعَلى ذَلِك فقس وتلطف لكل مَوضِع بِمَا يُنَاسِبه وَعَن الْكسَائي اجازة حذف الْفَاعِل وَتَابعه على ذَلِك السُّهيْلي وَابْن مضاء
الثَّانِي أَن عاملهما قد يحذف لقَرِينَة وَأَن حذفه على قسمَيْنِ جَائِز وواجب
فالجائز كَقَوْلِك زيد جَوَابا لمن قَالَ لَك من قَامَ أَو من ضرب فزيد فِي جَوَاب الأول فَاعل فعل مَحْذُوف وَفِي جَوَاب الثَّانِي نَائِب عَن فَاعل فعل مَحْذُوف وان شِئْت صرحت بالفعلين فَقلت قَامَ زيد وَضرب عَمْرو
وَالْوَاجِب ضابطه أَن يتَأَخَّر عَنهُ فعل مُفَسّر لَهُ وَقد اجْتمع المثالان فِي الْآيَة الْكَرِيمَة ف {السَّمَاء} فَاعل {انشقت} محذوفة كالسماء فِي
قَوْله تَعَالَى {فَإِذا انشقت السَّمَاء} الا أَن الْفِعْل هُنَا مَذْكُور وَالْأَرْض نَائِب عَن فَاعل مدت محذوفة وكل من الْفِعْلَيْنِ يفسره الْفِعْل الْمَذْكُور فَلَا يجوز أَن يلتفظ بِهِ لِأَن الْمَذْكُور عوض عَن الْمَحْذُوف وهم لَا يجمعُونَ بَين الْعِوَض والمعوض عَنهُ
الحكم الثَّالِث أَنَّهُمَا لَا يكونَانِ جملَة هَذَا هُوَ الْمَذْهَب الصَّحِيح وَزعم قوم أَن ذَلِك جَائِز وَاسْتَدَلُّوا بقوله تَعَالَى {ثمَّ بدا لَهُم من بعد مَا رَأَوْا الْآيَات ليسجننه} {وَتبين لكم كَيفَ فعلنَا بهم} {وَإِذا قيل لَهُم لَا تفسدوا فِي الأَرْض} فَجعلُوا جملَة ليسجننه فَاعِلا ل {بدا} وَجُمْلَة {كَيفَ فعلنَا بهم} فَاعِلا ل {تبين} وَجُمْلَة {لَا تفسدوا فِي الأَرْض} قَائِمَة مقَام فَاعل وَلَا حجَّة لَهُم فِي ذَلِك أما الْآيَة الأولى فالفاعل فِيهَا ضمير مستتر عَائِد إِمَّا على مصدر الْفِعْل وَالتَّقْدِير
ثمَّ بدا لَهُم بداء كَمَا تَقول بدالي رَأْي وَيُؤَيّد ذَلِك أَن اسناد بدا الى البداء قد جَاءَ مُصَرحًا بِهِ فِي قَول الشَّاعِر
(لَعَلَّك والموعود حق لقاؤه
…
بدا لَك فِي تِلْكَ القلوص بداء)
وَإِمَّا على السجْن بِفَتْح السِّين الْمَفْهُوم من قَوْله تَعَالَى {ليسجننه} وَيدل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {قَالَ رب السجْن أحب إِلَيّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ}
وَكَذَلِكَ القَوْل فِي الْآيَة الثَّانِيَة أَي وَتبين هُوَ أَي التبين وَجُمْلَة الِاسْتِفْهَام مفسرة وَأما الْآيَة الثَّالِثَة فَلَيْسَ الإسنادفيها من الْإِسْنَاد الْمَعْنَوِيّ الَّذِي هُوَ مَحل الْخلاف وانما هُوَ من الْإِسْنَاد اللَّفْظِيّ اللَّفْظِيّ أَي وَإِذا قيل لَهُم هَذَا اللَّفْظ والإسناد اللفظى جَائِز فِي جَمِيع الْأَلْفَاظ كَقَوْل الْعَرَب زَعَمُوا مَطِيَّة الْكَذِب وَفِي الحَدِيث لَا حول وَلَا قُوَّة الا بِاللَّه كنز من كنوز الْجنَّة
الحكم الرَّابِع أَن عاملهما يؤنث اذا كَانَا مؤنثين وَذَلِكَ على ثَلَاثَة أَقسَام تَأْنِيث وَاجِب وتأنيث رَاجِح وتأنيث مَرْجُوح
احداهما أَن يكون الْفَاعِل الْمُؤَنَّث ضميرا مُتَّصِلا وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين حَقِيقِيّ التَّأْنِيث ومجازيه فالحقيقي نَحْو هِنْد قَامَت فهند مُبْتَدأ وَقَامَ فعل مَاض وَالْفَاعِل ضمير مستتر فِي الْفِعْل وَالتَّقْدِير قَامَت هِيَ وَالتَّاء عَلامَة التَّأْنِيث وَهِي وَاجِبَة لما ذَكرْنَاهُ والمجازي نَحْو الشَّمْس طلعت وَإِعْرَابه ظَاهر وَلما مثلت بِهِ فِي الْمُقدمَة للتأنيث
الْوَاجِب علم أَن وجوب التَّأْنِيث مَعَ الْحَقِيقِيّ من بَاب أولى بِخِلَاف مَا لَو عكست فَأَما قَول الشَّاعِر
77 -
(ان السماحة والمروءة ضمنا
…
قبرا بمرو على الطَّرِيق الْوَاضِح)
وَلم يقل ضمنتا فضرورة
الثانيه أَن يكون الْفَاعِل اسمأ ظَاهرا مُتَّصِلا حَقِيقِيّ التَّأْنِيث مُفردا أَو تَثْنِيَة لَهُ أَو جمعا بِالْألف وَالتَّاء فالمفرد كَقَوْلِه تَعَالَى {إِذْ قَالَت}
امْرَأَة عمرَان) والمثنى كَقَوْلِك قَامَت الهندان وَالْجمع كَقَوْلِك قَامَت الهندات فَأَما قَوْله (تمنى ابنتاي أَن يعِيش أَبوهُمَا
…
وَهل أَنا الا من ربيعَة أَو مُضر)
فضرورة إِن قدر الْفِعْل ماضيأ وَأما إِن قدر مضارعا وَأَصله تتمنى فحذفت إِحْدَى التَّاءَيْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {فأنذرتكم نَارا تلظى} فَلَا ضَرُورَة
وَأما قَوْله تَعَالَى {إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات} فَإِنَّمَا جَازَ لأجل الْفَصْل بالمفعول أَو لِأَن الْفَاعِل فِي الْحَقِيقَة أل الموصولة وَهِي اسْم جمع
فَكَأَنَّهُ قيل اللَّاتِي آمن اَوْ لِأَن الْفَاعِل اسْم جمع مَحْذُوف مَوْصُوف بالمؤمنات أَي النسْوَة الَّتِي آمن
وَأما التَّأْنِيث الرَّاجِح فَفِي مَسْأَلَتَيْنِ أَيْضا
إِحْدَاهَا ان يكون الْفَاعِل ظَاهرا مُتَّصِلا مجازي التَّأْنِيث كَقَوْلِك
طلعت الشَّمْس وَقَوله تَعَالَى {وَمَا كَانَ صلَاتهم عِنْد الْبَيْت} {فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة مَكْرهمْ} {وَجمع الشَّمْس وَالْقَمَر}
وَالثَّانيَِة أَن يكون ظَاهرا حَقِيقِيّ التَّأْنِيث مُنْفَصِلا بِغَيْر الا كَقَوْلِك قَامَ الْيَوْم هِنْد وَقَامَت الْيَوْم هِنْد وَكَقَوْلِه
(ان امْرأ غره مِنْكُن وَاحِدَة
…
بعدِي وبعدك فِي الدُّنْيَا لمغرور)
والمبرد يخص ذَلِك بالشعر
وَمن النَّوْع الأول أَعنِي الْمُؤَنَّث الظَّاهِر الْمجَازِي التَّأْنِيث أَن يكون الْفَاعِل جمع تكسير أَو اسْم جمع تَقول قَامَت الزيود وَقَامَ الزيود وَقَامَت النِّسَاء وَقَامَ النِّسَاء قَالَ الله تَعَالَى {قَالَت الْأَعْرَاب} {وَقَالَ نسْوَة} وَكَذَلِكَ اسْم الْجِنْس ك أَوْرَق الشّجر وأورقت الشّجر فالتأنيث فِي ذَلِك كُله على معنى الْجَمَاعَة والتذكير على معنى الْجمع وَلَيْسَ لَك أَن تَقول التَّأْنِيث فِي النِّسَاء والهنود حَقِيقِيّ لِأَن الْحَقِيقِيّ هُوَ الَّذِي لَهُ فرج والفرج لآحاد الْجمع لَا للْجمع وَأَنت انما أسندت الْفِعْل الى الْجمع لَا الى الْآحَاد
وَمن هَذَا الْبَاب أَيْضا قَوْلهم نعمت الْمَرْأَة هِنْد وَنعم الْمَرْأَة هِنْد فالتأنيث على مُقْتَضى الظَّاهِر والتذكير على معنى الْجِنْس لِأَن المُرَاد بِالْمَرْأَةِ الْجِنْس لَا وَاحِدَة مُعينَة مدحوا الْجِنْس عُمُوما ثمَّ خصوا من أَرَادوا مدحه وَكَذَلِكَ بئس بِالنِّسْبَةِ إِلَى الذَّم كَقَوْلِك بئس الْمَرْأَة حمالَة الْحَطب وبئست الْمَرْأَة هِنْد
وَأما التَّأْنِيث الْمَرْجُوح فَفِي مَسْأَلَة وَاحِدَة وَهِي أَن يكون الْفَاعِل مَفْصُولًا بإلا كَقَوْلِك مَا قَامَ إِلَّا هِنْد فالتذكير هُنَا أرجح بِاعْتِبَار الْمَعْنى لِأَن التَّقْدِير مَا قَامَ أحد إِلَّا هِنْد فالفاعل فِي الْحَقِيقَة مُذَكّر وَيجوز التَّأْنِيث بِاعْتِبَار ظَاهر اللَّفْظ كَقَوْلِه (مَا بَرِئت من رِيبَة وذم
…
فِي حربنا الا بَنَات الْعم)
وَالدَّلِيل على جَوَازه فِي النثر قِرَاءَة بَعضهم {إِن كَانَت إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة} بِرَفْع {صَيْحَة} وَقِرَاءَة جمَاعَة السّلف {فَأَصْبحُوا لَا يرى إِلَّا}
مساكنهم) بِبِنَاء الْفِعْل لما لم يسم فَاعله وبجعل حرف المضارعة التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق
وَزعم الْأَخْفَش أَن التَّأْنِيث لَا يجوز الا فِي الشّعْر وَهُوَ محجوج بِمَا ذكرنَا
الحكم الْخَامِس ان عاملهما لَا تلْحقهُ عَلامَة تَثْنِيَة وَلَا جمع فِي الْأَمر الْغَالِب بل تَقول قَامَ أَخَوَاك وَقَامَ إخْوَتك وَقَامَ نسوتك كَمَا تَقول قَامَ أَخُوك وَمن الْعَرَب من يلْحق عَلَامَات دَالَّة على ذَلِك كَمَا يلْحق الْجَمِيع عَلامَة دَالَّة على التَّأْنِيث كَقَوْلِه
(تولى قتال المارقين بِنَفسِهِ
…
وَقد أسلماه مبعد وحميم)
وَقَوله صلى الله عليه وسلم يتعاقبون فِيكُم مَلَائِكَة بِاللَّيْلِ وملائكة بِالنَّهَارِ وَقَول بعض الْعَرَب أكلوني البراغيث وَقَول الشَّاعِر (نتج الرّبيع محاسنا
…
ألقحنها غر السحائب)
وَقَول الآخر (رأين الغواني الشيب لَاحَ بعارضي
…
فأعرضن عني بالخدود النواضر)
وَقد حمل على هَذِه اللُّغَة آيَات من التَّنْزِيل الْعَظِيم مِنْهَا قَوْله سُبْحَانَهُ {وأسروا النَّجْوَى الَّذين ظلمُوا} والأجود تخريجها على غير ذَلِك وَأحسن الْوُجُوه فِيهَا إِعْرَاب {الَّذين ظلمُوا} مُبْتَدأ {وأسروا النَّجْوَى} خَبرا
ثمَّ قلت الثَّالِث الْمُبْتَدَأ وَهُوَ الْمُجَرّد عَن العوامل اللفظية مخبرا عَنهُ أَو وَصفا رَافعا لمكتفى بِهِ فَالْأول ك زيد قَائِم
و {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} و {هَل من خَالق غير الله} وَالثَّانِي شَرطه نفي أَو اسْتِفْهَام نَحْو أقائم الزيدان وَمَا مَضْرُوب الْعمرَان
وَأَقُول الثَّالِث من المرفوعات الْمُبْتَدَأ وَهُوَ نَوْعَانِ مُبْتَدأ لَهُ خبر وَهُوَ الْغَالِب ومبتدأ لَيْسَ لَهُ خبر لَكِن لَهُ مَرْفُوع يُغني عَن الْخَبَر
ويشترك النوعان فِي أَمريْن أَحدهمَا أَنَّهُمَا مجردان عَن العوامل اللفظية وَالثَّانِي أَن لَهما عَاملا معنويا وَهُوَ الِابْتِدَاء ونعني بِهِ كَونهمَا على هَذِه الصُّورَة من التجرد للإسناد
ويفترقان فِي أَمريْن أَحدهمَا أَن الْمُبْتَدَأ الَّذِي لَهُ خبر يكون اسْما صَرِيحًا نَحْو {الله رَبنَا} وَمُحَمّد نَبينَا ومؤولا بِالِاسْمِ نَحْو {وَأَن تَصُومُوا خير لكم} أَي وَصِيَامكُمْ خير لكم وَمثله قَوْلهم تسمع بالمعيدي خير من أَن ترَاهُ وَلذَلِك قلت الْمُجَرّد وَلم أقل الِاسْم الْمُجَرّد وَلَا يكون الْمُبْتَدَأ المستغني عَن الْخَبَر فِي تَأْوِيل الِاسْم الْبَتَّةَ بل وَلَا كل اسْم بل يكون اسْما هُوَ صفة نَحْو أقائم الزيدان وَمَا مَضْرُوب الْعمرَان
وَالثَّانِي أَن الْمُبْتَدَأ الَّذِي لَهُ خبر لَا يحْتَاج الى شَيْء يعْتَمد عَلَيْهِ والمبتدأ المستغني عَن الْخَبَر لَا بُد أَن يعْتَمد على نفي أَو اسْتِفْهَام كَمَا مثلنَا وَكَقَوْلِه
(خليلي مَا واف بعهدي أَنْتُمَا
…
اذا لم تَكُونَا لي على من أقاطع)
وَقَوله
(أقاطن قوم سلمى أم نووا ظعنا
…
ان يظعنوا فعجيب عَيْش من قطنا)
وَقَوْلِي رَافعا لمكتفى بِهِ أَعم من أَن يكون ذَلِك الْمَرْفُوع اسْما ظَاهرا ك قوم سلمى فِي الْبَيْت الثَّانِي أَو ضميرا مُنْفَصِلا ك أَنْتُمَا فِي الْبَيْت الأول وَفِيه رد على الْكُوفِيّين والزمخشري وَابْن الْحَاجِب اذ أوجبوا أَن يكون الْمَرْفُوع ظَاهرا وأوجبوا فِي قَوْله تَعَالَى {أراغب أَنْت} أَن يكون مَحْمُولا على التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَذَلِكَ لَا يُمكنهُم فِي الْبَيْت الأول اذ لَا يخبر عَن الْمثنى بالمفرد وأعم من أَن يكون ذَلِك الْمَرْفُوع فَاعِلا كَمَا فِي الْبَيْتَيْنِ أَو نَائِبا عَن الْفَاعِل كَمَا فِي قَوْلك امضروب الزيدان
وَخرج عَن قولي مكتفى بِهِ نَحْو اقائم ابواه زيد فَلَيْسَ لَك ان تعرب اقائم مُبْتَدأ وابواه فَاعِلا اغنى عَن الْخَبَر لِأَنَّهُ لَا يتم بِهِ الْكَلَام بل زيد مُبْتَدأ مُؤخر وقائم خبر مقدم وابواه فَاعل بِهِ
ثمَّ قلت وَلَا يبتدأ بنكرة إِلَّا إِن عَمت نَحْو مَا رجل فِي الدَّار أَو خصت نَحْو رجل صَالح جَاءَنِي وَعَلَيْهِمَا {ولعَبْد مُؤمن خير}
وَأَقُول الأَصْل فِي الْمُبْتَدَأ أَن يكون معرفَة وَلَا يكون نكرَة إِلَّا فِي مَوَاضِع خَاصَّة تتبعها بعض الْمُتَأَخِّرين وأنهاها الى نَيف وَثَلَاثِينَ وَزعم بَعضهم أَنَّهَا ترجع الى الْخُصُوص والعموم
فَمن أَمْثِلَة الْخُصُوص أَن تكون مَوْصُوفَة اما بِصفة مَذْكُورَة نَحْو {وَلأمة مُؤمنَة خير من مُشركَة} {ولعَبْد مُؤمن خير من مُشْرك} أَو بِصفة مقدرَة كَقَوْلِهِم السّمن منوان بدرهم فالسمن مُبْتَدأ أول ومنوان مُبْتَدأ ثَان وبدرهم خَبره والمبتدأ الثَّانِي وَخَبره خبر الْمُبْتَدَأ الأول والمسوغ للابتداء بمنوان أَنه مَوْصُوف بِصفة مقدرَة أَي منوان مِنْهُ
وَمِنْهَا أَن تكون مصغرة نَحْو رجيل جَاءَنِي لِأَن التصغير وصف فِي الْمَعْنى بالصغر فكأنك قلت رجل صَغِير جَاءَنِي
وَمِنْهَا أَن تكون مُضَافَة كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم خمس صلوَات كتبهن الله على الْعباد
وَمِنْهَا أَن يتَعَلَّق بهَا مَعْمُول كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم أَمر بِمَعْرُوف صَدَقَة وَنهى عَن مُنكر صَدَقَة فَأمر وَنهي مبتدآن نكرتان وسوغ الِابْتِدَاء بهما من الْجَار وَالْمَجْرُور وكقولك أفضل مِنْك جَاءَنِي
وَمن أَمْثِلَة الْعُمُوم أَن يكون الْمُبْتَدَأ نَفسه صِيغَة عُمُوم نَحْو {كل لَهُ قانتون} وَمن يقم أقِم مَعَه وَمن جَاءَك أجيء مَعَه أَو يَقع فِي سِيَاق النَّفْي نَحْو مَا رجل فِي الدَّار
وعَلى هَذِه الْأَمْثِلَة قس مَا أشبههَا
ثمَّ قلت الرَّابِع خَبره وَهُوَ مَا تحصل بِهِ الْفَائِدَة مَعَ مُبْتَدأ غير الْوَصْف الْمَذْكُور
وَأَقُول الرَّابِع من المرفوعات خبر الْمُبْتَدَأ وَقَوْلِي مَعَ مُبْتَدأ
فصل أول مخرج لفاعل الْفِعْل وَقَوْلِي غير الْوَصْف الْمَذْكُور فصل ثَان مخرج لفاعل الْوَصْف فِي نَحْو أقائم الزيدان وَمَا قَائِم الزيدان وَالْمرَاد بِالْوَصْفِ الْمَذْكُور مَا تقدم ذكره فِي حد الْمُبْتَدَأ
ثمَّ قلت وَلَا يكون زَمَانا والمبتدأ اسْم ذَات وَنَحْو اللَّيْلَة الْهلَال متأول
وَأَقُول لما بيّنت فِي حد الْمُبْتَدَأ مَا لَا يكون مُبْتَدأ وَهُوَ النكرَة الَّتِي لَيست عَامَّة وَلَا خَاصَّة بيّنت بعد حد الْخَبَر مَالا يكون خَبرا فِي بعض الأحيان وَذَلِكَ اسْم الزَّمَان فَإِنَّهُ لَا يَقع خَبرا عَن أَسمَاء الذوات وَإِنَّمَا يخبر بِهِ عَن أَسمَاء الْأَحْدَاث تَقول الصَّوْم وَالسّفر غَدا وَلَا تَقول زيد الْيَوْم وَلَا عَمْرو غَدا فَأَما قَوْلهم اللَّيْلَة الْهلَال بِنصب اللَّيْلَة على أَنَّهَا ظرف مخبر بِهِ عَن الْهلَال مقدم عَلَيْهِ فمؤول وتأويله على أَن أَصله اللَّيْلَة رُؤْيَة الْهلَال والرؤية حدث لَا ذَات ثمَّ حذف الْمُضَاف وَهُوَ الرُّؤْيَة وأقيم الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه وَمثله قَوْلهم فِي الْمثل الْيَوْم خمر وَغدا أَمر التَّقْدِير الْيَوْم شرب خمر وَغدا حُدُوث أَمر
ثمَّ قلت الْخَامِس اسْم كَانَ وَأَخَوَاتهَا وَهِي أَمْسَى وَأصْبح وأضحى وظل وَبَات وَصَارَ وَلَيْسَ مُطلقًا وتالية لنفي أَو شبهه زَالَ ماضي يزَال وبرح وفتيء وانفك وصلَة لما الوقتية دَامَ نَحْو {مَا دمت حَيا}
وَأَقُول الْخَامِس من المرفوعات اسْم كَانَ وَأَخَوَاتهَا الاثنتي عشرَة الْمَذْكُورَة فَإِنَّهُنَّ يدخلن على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فيرفعن الْمُبْتَدَأ وَيُسمى اسمهن حَقِيقَة وفاعلهن مجَازًا وينصبن الْخَبَر وَيُسمى خبرهن حَقِيقَة ومفعولهن مجَازًا
ثمَّ هن فِي ذَلِك على ثَلَاثَة أَقسَام
مَا يعْمل هَذَا الْعَمَل بِلَا شَرط وَهِي ثَمَانِيَة كَانَ وَلَيْسَ وَمَا بَينهمَا
وَمَا يشْتَرط أَن يتَقَدَّم عَلَيْهِ نفي أَو شبهه وَهُوَ النَّهْي وَالدُّعَاء وَهِي أَرْبَعَة زَالَ وبرح وفتيء وانفك نَحْو {وَلَا يزالون مُخْتَلفين} {لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين} وَتقول لَا تزل ذَاكر الله وَلَا برح ربعك مأنوسا وَلَا زَالَ جنابك محروسا وَيشْتَرط فِي زَالَ شَرط آخر وَهُوَ أَن يكون ماضي يزَال فَإِن ماضي يَزُول فعل تَامّ قَاصِر بِمَعْنى الذّهاب والانتقال نَحْو {إِن الله يمسك السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَن تَزُولَا وَلَئِن زالتا إِن أمسكهما من أحد من بعده} وان الأولى فِي الْآيَة شَرْطِيَّة وَالثَّانيَِة نَافِيَة وماضي يزِيل فعل تَامّ مُتَعَدٍّ بِمَعْنى ماز يُمَيّز يُقَال زَالَ زيد ضأنه من معز فلَان اي ميزه مِنْهُ
وَمَا يشْتَرط ان يتَقَدَّم عَلَيْهِ مَا المصدرية النائبه عَن ظرف
الزَّمَان وَهُوَ دَامَ والى ذَلِك أَشرت بالتمثيل بِالْآيَةِ الْكَرِيمَة كَقَوْلِه سبحانه وتعالى {وأوصاني بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة مَا دمت حَيا} أَي مُدَّة دوامي حَيا فَلَو قلت دَامَ زيد صَحِيحا كَانَ قَوْلك صَحِيحا حَالا لَا خَبرا وَكَذَلِكَ عجبت من مَا دَامَ زيد صَحِيحا لِأَن مَا هَذِه مَصْدَرِيَّة لَا ظرفية والمعني عجبت من دَوَامه صَحِيحا
ثمَّ قلت وَيجب حذف كَانَ وَحدهَا بعد أما فِي نَحْو أما أَنْت ذَا نفر وَيجوز حذفهَا مَعَ اسْمهَا بعد ان وَلَو الشرطيتين وَحذف نون مضارعها المجزوم الا قبل سَاكن أَو مُضْمر مُتَّصِل
وَأَقُول هَذِه ثَلَاث مسَائِل مهمة تتَعَلَّق بكان بِالنّظرِ الى الْحَذف
أَحدهَا حذفهَا وجوبا دون اسْمهَا وخبرها وَذَلِكَ مشترط بِخَمْسَة أُمُور أَحدهَا أَن تقع صلَة لِأَن وَالثَّانِي أَن يدْخل على أَن حرف التَّعْلِيل الثَّالِث أَن تتقدم الْعلَّة على الْمَعْلُول الرَّابِع أَن يحذف الْجَار الْخَامِس أَن يُؤْتى بِمَا كَقَوْلِهِم أما أَنْت مُنْطَلقًا انْطَلَقت وأصل هَذَا الْكَلَام
انْطَلَقت لِأَن كنت مُنْطَلقًا أَي انْطَلَقت لأجل انطلاقك ثمَّ دخل هَذَا الْكَلَام تَغْيِير من وُجُوه أَحدهَا تَقْدِيم الْعلَّة وَهِي لِأَن كنت مُنْطَلقًا على الْمَعْلُول وَهِي انْطَلَقت وَفَائِدَة ذَلِك الدّلَالَة على الِاخْتِصَاص وَالثَّانِي حذف لَام الْعلَّة وَفَائِدَة ذَلِك الِاخْتِصَار وَالثَّالِث حذف كَانَ وَفَائِدَته أَيْضا الِاخْتِصَار وَالرَّابِع انْفِصَال الضَّمِير وَذَلِكَ لَازم عَن حذف كَانَ وَالْخَامِس وجوب زِيَادَة مَا وَذَلِكَ لإِرَادَة التعويض وَالسَّادِس إدغام النُّون فِي الْمِيم وَذَلِكَ لتقارب الحرفين مَعَ سُكُون الأول وكونهما فِي كَلِمَتَيْنِ
وَمن شَوَاهِد هَذِه الْمَسْأَلَة قَول الْعَبَّاس بن مرداس رضي الله عنه
(أَبَا خراشة أما أَنْت ذَا نفر
…
فَإِن قومِي لم تأكلهم الضبع)
أَبَا منادى بِتَقْدِير يَا أَبَا وخراشة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَأما أَنْت ذَا نفر أَصله لِأَن كنت ذَا نفر فَعمل فِيهِ مَا ذَكرْنَاهُ وَالَّذِي يتَعَلَّق بِهِ اللَّام مَحْذُوف أَي لِأَن كنت ذَا نفر افتخرت عَليّ وَالْمرَاد بالضبع السّنة المجدبة
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة حذف كَانَ مَعَ اسْمهَا وابقاء خَبَرهَا وَذَلِكَ جَائِز لَا وَاجِب وَشَرطه أَن يتقدمها ان أَو لَو الشرطيتان فَالْأول كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم النَّاس مجزيون بأعمالهم إِن خيرا فَخير وَإِن شرا فشر فتقديره ان كَانَ عَمَلهم خيرا فجزاؤهم خير وان كَانَ عَمَلهم شرا فجزاؤهم شَرّ وَهَذَا أرجح الْأَوْجه فِي مثل هَذَا التَّرْكِيب وَفِيه وُجُوه أخر
وَالثَّانِي كَقَوْلِه صلى الله عليه وسلم التمس وَلَو خَاتمًا من حَدِيد أَي وَلَو كَانَ الَّذِي تلتمسه خَاتمًا من حَدِيد
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة حذف نون كَانَ وَذَلِكَ مَشْرُوط بِأُمُور أَحدهَا أَن تكون بِلَفْظ الْمُضَارع وَالثَّانِي أَن يكون الْمُضَارع مَجْزُومًا وَالثَّالِث أَن لَا يَقع بعد النُّون سَاكن وَالرَّابِع أَن لَا يَقع بعده ضمير مُتَّصِل وَذَلِكَ نَحْو {وَلم يَك من الْمُشْركين} {وَلم أك بغيا} وَلَا يجوز فِي قَوْلك كَانَ وَكن لانْتِفَاء الْمُضَارع وَلَا فِي نَحْو هُوَ يكون وَلنْ يكون لانْتِفَاء الْجَزْم وَلَا فِي نَحْو {لم يكن الَّذين كفرُوا} لوُجُود السَّاكِن وَلَا فِي نَحْو قَوْله صلى الله عليه وسلم ان يكنه فَلَنْ تسلط عَلَيْهِ وان لَا يكنه فَلَا خير لَك فِي قَتله
مِنْهَا هُنَا سَبْعَة فكملت أَفعَال هَذَا الْبَاب ثَلَاثَة عشر كَمَا أَن الْأَفْعَال فِي بَاب كَانَ كَذَلِك
فَهَذِهِ الثَّلَاثَة عشر تعْمل عمل كَانَ فَترفع الْمُبْتَدَأ وتنصب الْخَبَر الا أَن خَبَرهَا لَا يكون الا فعلا مضارعا ثمَّ مِنْهُ مَا يقْتَرن بِأَن وَمِنْه مَا يتجرد عَنْهَا كَمَا يَأْتِي تَفْصِيله إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي بَاب المنصوبات وَلَوْلَا اخْتِصَاص خَبَرهَا بِأَحْكَام لَيست لَكَانَ وَأَخَوَاتهَا لم تنفرد بِبَاب على
حِدة قَالَ الله سُبْحَانَهُ {يكَاد زيتها يضيء} {عَسى ربكُم أَن يَرْحَمكُمْ} وَقَالَ الشَّاعِر
(وَقد جعلت اذا مَا قُمْت يثقلني
…
ثوبي فأنهض نَهَضَ الشَّارِب السكر)
(وَكنت أَمْشِي على رجلَيْنِ معتدلا
…
فصرت أَمْشِي على أُخْرَى من الشّجر)
وَقَالَ الآخر (هببت ألوم الْقلب فِي طَاعَة الْهوى
…
)
وَقَالَ الآخر (وطئنا ديار الْمُعْتَدِينَ فهلهلت
…
نُفُوسهم قبل الإماتة تزهق)
وَهَذَانِ الفعلان أغرب أَفعَال الشُّرُوع وطفق أشهرها وَهِي الَّتِي وَقعت التَّنْزِيل وَذَلِكَ فِي موضِعين أَحدهمَا {وطفقا يخصفان} أَي شرعا يخيطان ورقة على أُخْرَى كَمَا تخصف النِّعَال ليستترا بهَا وَقَرَأَ أَبُو السمال الْعَدوي {وطفقا} بِالْفَتْح وَهِي لُغَة حَكَاهَا الْأَخْفَش وفيهَا ثَالِثَة طبق بباء مَكْسُورَة مَكَان الْفَاء وَالثَّانِي {فَطَفِقَ مسحا} أَي شرع يمسح بِالسَّيْفِ سوقها وأعناقها مسحا أَي يقطعهَا قطعا
ثمَّ قلت السَّابِع اسْم مَا حمل على لَيْسَ وَهِي أَرْبَعَة لات فِي لُغَة الْجمع وَلَا تعْمل إِلَّا فِي الْحِين بِكَثْرَة أَو السَّاعَة أَو الأوان بقلة وَلَا يجمع بَين جزءيها وَالْأَكْثَر كَون الْمَحْذُوف اسْمهَا نَحْو {ولات حِين مناص} وَمَا وَلَا النافيتان فِي لُغَة الْحجاز وَإِن النافية فِي لُغَة أهل الْعَالِيَة وَشرط إعمالهن نفي الْخَبَر وتأخيره وَأَن لَا يليهن معموله وَلَيْسَ ظرفا وَلَا مجرورا وتنكير معمولي لَا وَأَن لَا يقْتَرن اسْم مَا بإن الزَّائِدَة نَحْو {مَا هَذَا بشرا} و (وَلَا وزر مِمَّا قضى الله واقيا
…
)
وَإِن ذَلِك نافعك وَلَا ضارك
وَأَقُول السَّابِع من المرفوعات اسْم مَا حمل فِي رفع الِاسْم وَنصب الْخَبَر على لَيْسَ وَهِي أحرف أَرْبَعَة نَافِيَة وَهِي مَا وَلَا ولات وَإِن
فَأَما مَا فَإِنَّهَا تعْمل هَذَا الْعَمَل بأَرْبعَة شُرُوط أَحدهَا أَن يكون اسْمهَا مقدما وخبرها مُؤَخرا وَالثَّانِي أَن لَا يقْتَرن الِاسْم بإن الزَّائِدَة وَالثَّالِث أَن لَا يقْتَرن الْخَبَر بإلا وَالرَّابِع أَلا يَليهَا مَعْمُول الْخَبَر وَلَيْسَ ظرفا وَلَا جارا ومجرورا
فَإِذا استوفت هَذِه الشُّرُوط الْأَرْبَعَة عملت هَذَا الْعَمَل سَوَاء أَكَانَ اسْمهَا وخبرها نكرتين أَو معرفتين أَو كَانَ الِاسْم معرفَة وَالْخَبَر نكرَة فالمعرفتان كَقَوْلِه تَعَالَى {مَا هن أمهاتهم} والنكرتان كَقَوْلِه تَعَالَى {فَمَا مِنْكُم من أحد عَنهُ حاجزين} ف {أحد} اسْمهَا وحاجزين خَبَرهَا و {مِنْكُم} مُتَعَلق بِمَحْذُوف تَقْدِيره أعنى وَيحْتَمل أَن أحدا فَاعل {مِنْكُم} لاعتماده على النَّفْي و {حاجزين} نعت لَهُ على لَفظه
فَإِن قلت كَيفَ يُوصف الْوَاحِد بِالْجمعِ وَكَيف يخبر بِهِ عَنهُ
قلت جوابهما أَنه اسْم عَام وَلِهَذَا جَاءَ {لَا نفرق بَين أحد من رسله} والمختلفان كَقَوْلِه تَعَالَى {مَا هَذَا بشرا} وَلم يَقع فِي الْقُرْآن إِعْمَال مَا صَرِيحًا فِي غير هَذِه الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة على الِاحْتِمَال الْمَذْكُور فِي الثَّانِي وإعمالها لُغَة أهل الْحجاز وَلَا يجيزونه فِي نَحْو قَوْله
(بني غُدَانَة مَا إِن أَنْتُم ذهب
…
وَلَا صريف وَلَكِن أَنْتُم الخزف)
لاقتران الِاسْم بإن وَلَا فِي نَحْو قَوْله سُبْحَانَهُ {وَمَا مُحَمَّد إِلَّا رَسُول} {وَمَا أمرنَا إِلَّا وَاحِدَة} لاقتران الْخَبَر بإلا وَلَا فِي نَحْو قَوْلهم فِي الْمثل مَا مسيء من أَعتب لتقدم خَبَرهَا وَلَا فِي نَحْو قَوْله
(وَقَالُوا تعرفها الْمنَازل من منى
…
وَمَا كل من وافى منى أَنا عَارِف)
لتقدم مَعْمُول خَبَرهَا وَلَيْسَ بظرف وَلَا جَار ومجرور
وَلَا يعملها بَنو تَمِيم وَلَو استوفت الشُّرُوط الْأَرْبَعَة بل يَقُولُونَ مَا زيد قَائِم وَقُرِئَ على لغتهم / مَا هَذَا بشر / و {مَا هن أمهاتهم} بِالرَّفْع وقريء أَيْضا بأمهاتهم بِالْجَرِّ بباء زَائِدَة وتحتمل الحجازية والتميمية خلافًا لأبي عَليّ والزمخشري زعما أَن الْبَاء تخْتَص بلغَة النصب
وَأما لَا فَإِنَّهَا تعْمل بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة لما إِلَّا شَرط انْتِفَاء اقتران إِن بِالِاسْمِ فَلَا حَاجَة لَهُ لِأَن إِن لَا تزاد بعد لَا ويضاف الى الشُّرُوط الثَّلَاثَة الْبَاقِيَة أَن يكون اسْمهَا وخبرها نكرتين كَقَوْلِه
(تعز فَلَا شَيْء على الأَرْض بَاقِيا
…
وَلَا وزر مِمَّا قضى الله واقيا)
وَرُبمَا عملت فِي اسْم معرفَة كَقَوْلِه (أنكرتها بعد أَعْوَام مضين لَهَا
…
لَا الدَّار دَارا وَلَا الْجِيرَان جيرانا)
وعَلى ذَلِك قَول المتنبي (إِذا الْجُود لم يرْزق خلاصا من الْأَذَى
…
فَلَا الْحَمد مكسوبا وَلَا المَال بَاقِيا)
وإعمال لَا الْعَمَل الْمَذْكُور لُغَة أهل الْحجاز أَيْضا وَأما بَنو تَمِيم فيهملونها ويوجبون تكريرها
وَأما إِن فتعمل بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَة إِلَّا أَن اقتران اسْمهَا بإن مُمْتَنع فَلَا حَاجَة لاشْتِرَاط انتفائه وتعمل فِي اسْم معرفَة وَخبر نكرَة قَرَأَ سعيد بن جُبَير رحمه الله {إِن الَّذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} بتَخْفِيف إِن وَكسرهَا لالتقاء الساكنين وَنصب عبادا على الخبرية وأمثالكم على أَنه صفة لعبادا وَفِي نكرتين سمع
إِن أحد خيرا من أحد إِلَّا بالعافية وَفِي معرفتين سمع إِن ذَلِك نافعك وَلَا ضارك
وإعمال إِن هَذِه لُغَة أهل الْعَالِيَة
وَأما لات فَإِنَّهَا تعْمل هَذَا الْعَمَل أَيْضا وَلكنهَا تخْتَص عَن أخواتها بأمرين
أَحدهمَا أَنَّهَا لَا تعْمل إِلَّا فِي ثَلَاث كَلِمَات وَهِي الْحِين بِكَثْرَة والساعة والأوان بقلة
وَالثَّانِي أَن اسْمهَا وخبرها لَا يَجْتَمِعَانِ وَالْغَالِب أَن يكون الْمَحْذُوف اسْمهَا وَالْمَذْكُور خَبَرهَا وَقد يعكس
فَالْأول كَقَوْلِه تَعَالَى {كم أهلكنا من قبلهم من قرن فَنَادوا ولات حِين مناص}
وَمن إعمالها فِي السَّاعَة قَول الشَّاعِر
(نَدم الْبُغَاة ولات سَاعَة مندم
…
وَالْبَغي مرتع مبتغيه وخيم)
وَفِي الأوان قَوْله (طلبُوا صلحنا ولات أَوَان
…
فأجبنا أَن لَيْسَ حِين بَقَاء)
وَأَصله لَيْسَ الْحِين أَوَان صلح أَو لَيْسَ الأوان أَوَان صلح فَحذف اسْمهَا على الْقَاعِدَة وَحذف مَا أضيف إِلَيْهِ خَبَرهَا وَقدر ثُبُوته فبناه كَمَا يَبْنِي
قبل وَبعد إِلَّا أَن أوانا شَبيه بنزال فبناه على الْكسر ونونه للضَّرُورَة
ثمَّ قلت الثَّامِن خبر إِن وَأَخَوَاتهَا أَن وَلَكِن وَكَأن وليت وَلَعَلَّ نَحْو {إِن السَّاعَة آتِيَة} وَلَا يجوز تقدمه مُطلقًا وَلَا توسطه إِلَّا ان كَانَ ظرفا أَو مجرورا نَحْو {إِن فِي ذَلِك لعبرة} {إِن لدينا أَنْكَالًا}
وَأَقُول الثَّامِن من المرفوعات خبر إِن وَأَخَوَاتهَا الْخَمْسَة فَإِنَّهُنَّ يدخلن على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر فينصبن الْمُبْتَدَأ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَاب المنصوبات وَيُسمى اسْمهَا ويرفعن خَبره كَمَا نذكرهُ الْآن وَيُسمى خَبَرهَا نَحْو {إِن السَّاعَة آتِيَة} {اعلموا أَن الله شَدِيد الْعقَاب} {كَأَنَّهُمْ خشب مُسندَة} {لَعَلَّ السَّاعَة قريب}
وَلَا تتقدم أخبارهن عَلَيْهِنَّ مُطلقًا وَقد أَشَارَ الى ذَلِك الشَّيْخ شرف الدّين ابْن عنين حَيْثُ قَالَ
(كَأَنِّي من أَخْبَار إِن وَلم يجز
…
لَهُ أحد فِي النَّحْو أَن يتقدما)
(عَسى حرف جر من نداك يجرني
…
إِلَيْك فَإِنِّي من وصالك معدما)
وَلَا على أسمائهن فَإِن الْحُرُوف مَحْمُولَة فِي الإعمال على الْأَفْعَال فلكونها فرعا فِي الْعَمَل لَا يَلِيق التَّوَسُّع فِي معمولاتها بالتقديم وَالتَّأْخِير اللَّهُمَّ إِلَّا ان كَانَ الْخَبَر ظرفا أَو جارا ومجرورا فَيجوز توسطه بَينهَا وَبَين أسمائها كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن لدينا أَنْكَالًا} {إِن فِي ذَلِك لعبرة لمن يخْشَى} وَفِي الحَدِيث إِن فِي الصَّلَاة لشغلا وَإِن من الشّعْر لحكما ويروى لحكمة فَأَما تَقْدِيمه عَلَيْهِمَا فَلَا سَبِيل الى جَوَازه لَا تَقول فِي الدَّار ان زيدا
ثمَّ قلت وتكسر ان فِي الِابْتِدَاء وَفِي أول الصِّلَة وَالصّفة
وَالْجُمْلَة الحالية والمضاف اليها مَا يخْتَص بالجمل والمحكية بالْقَوْل وَجَوَاب الْقسم والمخبر بهَا عَن اسْم عين وَقبل اللَّام الْمُعَلقَة وتكسر أَو تفتح بعد إِذا الفجائية وَالْفَاء الجزائية وَفِي نَحْو أول قولي أَنِّي أَحْمد الله وتفتح فِي الْبَاقِي
وَأَقُول لإن ثَلَاث حالات وجوب الْكسر وَوُجُوب الْفَتْح وَجَوَاز الْأَمريْنِ
فَيجب الْكسر فِي تسع مسَائِل
إِحْدَاهَا فِي ابْتِدَاء الْكَلَام نَحْو {إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر} {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة الْقدر}
الثَّانِيَة أَن تقع فِي أول الصِّلَة كَقَوْلِه تَعَالَى {وَآتَيْنَاهُ من الْكُنُوز مَا إِن مفاتحه لتنوء} مَا مفعول ثَان لآتيناه وَهِي مَوْصُول بِمَعْنى الَّذِي {وَإِن} وَمَا بعْدهَا صلَة واحترزت بِقَوْلِي أول الصِّلَة من نَحْو جَاءَ الَّذِي عِنْدِي أَنه فَاضل فَإِن وَاجِبَة الْفَتْح وَإِن كَانَت فِي الصِّلَة لَكِنَّهَا لَيست فِي أَولهَا
الثَّالِثَة أَن تقع فِي أول الصّفة ك مَرَرْت بِرَجُل انه فَاضل وَلَو
قلت مَرَرْت بِرَجُل عِنْدِي أَنه فَاضل لم تكسر لِأَنَّهَا لَيست فِي ابْتِدَاء الصّفة
الرَّابِعَة أَن تقع فِي أول الْجُمْلَة الحالية كَقَوْلِه تَعَالَى {كَمَا أخرجك رَبك من بَيْتك بِالْحَقِّ وَإِن فريقا من الْمُؤمنِينَ لكارهون} واحترزت بِقَيْد الأولية من نَحْو أقبل زيد وَعِنْدِي أَنه ظافر
الْخَامِسَة أَن تقع فِي أول الْجُمْلَة الْمُضَاف إِلَيْهَا مَا يخْتَص بالجمل وَهُوَ إِذْ وَإِذا وَحَيْثُ نَحْو جَلَست حَيْثُ ان زيدا جَالس وَقد أولع الْفُقَهَاء وَغَيرهم بِفَتْح إِن بعد حَيْثُ وَهُوَ لحن فَاحش فَإِنَّهَا لَا تُضَاف إِلَّا إِلَى الْجُمْلَة وَأَن الْمَفْتُوحَة ومعمولاها فِي تَأْوِيل الْمُفْرد واحترزت بِقَيْد الأولية من نَحْو جَلَست حَيْثُ اعْتِقَاد زيد أَنه مَكَان حسن
وَلم أر أحدا من النَّحْوِيين اشْترط الأولية فِي مَسْأَلَتي الْحَال وَحَيْثُ وَلَا بُد من ذَلِك
السَّادِسَة أَن تقع قبل اللَّام الْمُعَلقَة نَحْو {وَالله يعلم إِنَّك لرَسُوله وَالله يشْهد إِن الْمُنَافِقين لَكَاذِبُونَ} فَاللَّام من {لرَسُوله} وَمن {لَكَاذِبُونَ} معلقان لفعلي الْعلم وَالشَّهَادَة أَي مانعان لَهما من التسلط على لفظ مَا بعدهمَا فَصَارَ لما بعدهمَا حكم الِابْتِدَاء فَلذَلِك وَجب الْكسر وَلَوْلَا اللَّام لوَجَبَ الْفَتْح كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه} و {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ}
السَّابِعَة أَن تقع محكية بالْقَوْل نَحْو {قَالَ إِنِّي عبد الله} {وَمن يقل مِنْهُم إِنِّي إِلَه من دونه فَذَلِك نجزيه جَهَنَّم} {قل إِن رَبِّي يقذف بِالْحَقِّ}
الثَّامِنَة أَن تقع جَوَابا للقسم كَقَوْلِه تَعَالَى {حم وَالْكتاب الْمُبين إِنَّا أَنزَلْنَاهُ}
التَّاسِعَة أَن تقع خَبرا عَن اسْم عين نَحْو زيد إِنَّه فَاضل وَقَوله تَعَالَى {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هادوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَالَّذين أشركوا إِن الله يفصل بَينهم يَوْم الْقِيَامَة}
وَقد أتيت فِي شرح هَذَا الْموضع بِمَا لم أسبق إِلَيْهِ فتأملوه
وَيجب الْفَتْح فِي ثَمَان مسَائِل
إِحْدَاهَا أَن تقع فاعلة نَحْو {أَو لم يَكفهمْ أَنا أنزلنَا} أَي إنزالنا
الثَّانِيَة أَن تقع نائبة عَن الْفَاعِل نَحْو {وأوحي إِلَى نوح أَنه لن يُؤمن من قَوْمك إِلَّا من قد آمن} {قل أُوحِي إِلَيّ أَنه اسْتمع نفر من الْجِنّ}
الثَّالِثَة أَن تقع مَفْعُولا لغير القَوْل نَحْو {وَلَا تخافون أَنكُمْ أشركتم بِاللَّه}
الرَّابِعَة أَن تقع فِي مَوضِع رفع بِالِابْتِدَاءِ نَحْو {وَمن آيَاته أَنَّك ترى الأَرْض خاشعة}
الْخَامِسَة أَن تقع فِي مَوضِع خبر عَن اسْم معنى نَحْو اعتقادي أَنَّك فَاضل
السَّادِسَة أَن تقع مجرورة بالحرف نَحْو {ذَلِك بِأَن الله هُوَ الْحق}
السَّابِعَة أَن تقع مجرورة بِالْإِضَافَة نَحْو {إِنَّه لحق مثل مَا أَنكُمْ تنطقون}
الثَّامِنَة أَن تقع تَابِعَة لشَيْء مِمَّا ذكرنَا نَحْو {اذْكروا نعمتي الَّتِي أَنْعَمت عَلَيْكُم وَأَنِّي فضلتكم على الْعَالمين} وَنَحْو {وَإِذ يَعدكُم الله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لكم} فَإِنَّهَا فِي الأولى معطوفة على الْمَفْعُول وَهُوَ نعمتي وَفِي الثَّانِيَة بدل مِنْهُ وَهُوَ احدى
وَيجوز الْوَجْهَانِ فِي ثَلَاث مسَائِل فِي الْأَشْهر
احداها بعد اذا الفجائية كَقَوْلِك خرجت فَإِذا ان زيدا بِالْبَابِ قَالَ الشَّاعِر (وَكنت أرى زيدا كَمَا قيل سيدا
…
اذا انه عبد الْقَفَا واللهازم)
يرْوى بِفَتْح ان وبكسرها
الثَّانِيَة بعد الْفَاء الجزائية كَقَوْلِه تَعَالَى {من عمل مِنْكُم سوءا بِجَهَالَة ثمَّ تَابَ من بعده وَأصْلح فَأَنَّهُ غَفُور رَحِيم} قريء بِكَسْر ان وَفتحهَا
الثَّالِثَة فِي نَحْو اول قولي اني احْمَد الله وَضَابِط ذَلِك ان تقع خَبرا عَن قَول وخبرها قَول كأحمد وَنَحْوه وفاعل الْقَوْلَيْنِ وَاحِد فَمَا
استوفى هَذَا الضَّابِط كالمثال الْمَذْكُور جَازَ فِيهِ الْفَتْح على معنى أول قولي حمد الله وَالْكَسْر على جعل أول قولي مُبْتَدأ واني أَحْمد الله جملَة أخبر بهَا عَن هَذَا الْمُبْتَدَأ وَهِي مستغنية عَن عَائِد يعود على الْمُبْتَدَأ لِأَنَّهَا نفس الْمُبْتَدَأ فِي الْمَعْنى فَكَأَنَّهُ قيل أول قولي هَذَا الْكَلَام المفتتح بإني وَنَظِير ذَلِك قَوْله سُبْحَانَهُ {دَعوَاهُم فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ} وَقَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم أفضل مَا قلته أَنا والنبيون من قبلي لَا اله الا الله
ثمَّ قلت التَّاسِع خبر لَا الَّتِي لنفي الْجِنْس نَحْو لَا رجل أفضل من زيد وَيجب تنكيره كالاسم وتأخيره وَلَو ظرفا وَيكثر حذفه ان علم وَتَمِيم لَا تذكره حِينَئِذٍ
وَأَقُول التَّاسِع من المرفوعات خبر لَا الَّتِي لنفي الْجِنْس
اعْلَم ان لَا على ثَلَاثَة أَقسَام
احدها أَن تكون ناهية فتختص بالمضارع وتجزمه نَحْو {وَلَا تمش فِي الأَرْض مرحا}
{فَلَا يسرف فِي الْقَتْل} {لَا تحزن إِن الله مَعنا} وتستعار للدُّعَاء فتجزم أَيْضا نَحْو {لَا تُؤَاخِذنَا}
الثَّانِي أَن تكون زَائِدَة دُخُولهَا فِي الْكَلَام كخروجها فَلَا تعْمل شَيْئا نَحْو {مَا مَنعك أَلا تسْجد} أَي أَن تسْجد بِدَلِيل أَنه قد جَاءَ فِي مَكَان آخر بِغَيْر لَا وَقَوله تعال {لِئَلَّا يعلم أهل الْكتاب أَلا يقدرُونَ على شَيْء من فضل الله} وَقَوله تَعَالَى {وَحرَام على قَرْيَة أهلكناها أَنهم لَا يرجعُونَ}
الثَّالِث أَن تكون نَافِيَة وَهِي نَوْعَانِ دَاخِلَة على معرفَة فَيجب اهمالها وتكرارها نَحْو لَا زيد فِي الدَّار وَلَا عَمْرو وداخلة على نكرَة وَهِي ضَرْبَان عاملة عمل لَيْسَ فَترفع الِاسْم وتنصب الْخَبَر كَمَا تقدم وَهُوَ قَلِيل وعاملة عمل ان فتنصب الِاسْم وترفع الْخَبَر وَالْكَلَام الْآن فِيهَا وَهِي الَّتِي أُرِيد بهَا نفي الْجِنْس على سَبِيل التَّنْصِيص لَا على سَبِيل الِاحْتِمَال
وَشرط إعمالها هَذَا الْعَمَل أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن يكون اسْمهَا وخبرها نكرتين كَمَا بَينا وَالثَّانِي أَن يكون الِاسْم مقدما وَالْخَبَر مُؤَخرا وَذَلِكَ كَقَوْلِك لَا صَاحب علم ممقوت وَلَا طالعا جبلا حَاضر
فَلَو دخلت على معرفَة أَو على خبر مقدم وَجب إعمالها وتكرارها
فَالْأول كَمَا تقدم من قَوْلك لَا زيد فِي الدَّار وَلَا عَمْرو وَأما قَول بعض الْعَرَب لَا بصرة لكم وَقَول عمر قَضِيَّة وَلَا أَبَا حسن لَهَا يُرِيد عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنهما وَقَول أبي سُفْيَان يَوْم فتح مَكَّة لَا قُرَيْش بعد الْيَوْم وَقَول الشَّاعِر (أرى الْحَاجَات عِنْد أبي خبيب
…
نكدن وَلَا أُميَّة فِي الْبِلَاد)
فمؤول بِتَقْدِير مثل أَي وَلَا مثل أبي حسن وَلَا مثل الْبَصْرَة وَلَا مثل قُرَيْش وَلَا مثل أُميَّة
وَالثَّانِي كَقَوْل الله سبحانه وتعالى {لَا فِيهَا غول وَلَا هم عَنْهَا ينزفون}
وَيكثر حذف الْخَبَر اذا علم كَقَوْل الله سبحانه وتعالى {وَلَو ترى إِذْ فزعوا فَلَا فَوت} أَي فَلَا فَوت لَهُم وَقَوله تَعَالَى {لَا ضير} أَي لَا ضير علينا وَبَنُو تَمِيم يوجبون حذفه إِذا كَانَ مَعْلُوما وَأما إِذا جهل فَلَا يجوز حذفه عِنْد أحد فضلا عَن أَن يجب وَذَلِكَ نَحْو لَا أحد أغير من الله عز وجل
ثمَّ قلت الْعَاشِر الْمُضَارع اذا تجرد من ناصب وجازم
وَأَقُول الْعَاشِر من المرفوعات وَهُوَ خاتمتها الْفِعْل الْمُضَارع اذا تجرد من ناصب وجازم كَقَوْلِك يقوم زيد وَيقْعد عَمْرو
فَأَما قَول أبي طَالب يُخَاطب النَّبِي صلى الله عليه وسلم (مُحَمَّد تفد نَفسك كل نفس
…
اذا مَا خفت من شَيْء تبالا)
فَهُوَ مقرون بجازم مُقَدّر وَهُوَ لَام الدُّعَاء وَقَوله تبالا أَصله وبالا فأبدل الْوَاو تَاء كَمَا قَالُوا فِي وراث ووتجاه تراث وتجاه
وَأما قَول امْرِئ الْقَيْس
(فاليوم أشْرب غير مستحقب
…
اثما من الله وَلَا واغل)
فَلَيْسَ قَوْله أشْرب مَجْزُومًا وانما هُوَ مَرْفُوع وَلَكِن حذفت الضمة للضَّرُورَة أَو على تَنْزِيل ربغ بِالضَّمِّ من قَوْله أشْرب غير منزلَة عضد بِالضَّمِّ فَإِنَّهُم قد يجرونَ الْمُنْفَصِل مجْرى الْمُتَّصِل فَكَمَا يُقَال فِي عضد بِالضَّمِّ عضد بِالسُّكُونِ كَذَلِك قيل فِي ربغ بِالضَّمِّ ربغ بالإسكان
بَاب المنصوبات
وَلما أنهيت القَوْل فِي المرفوعات شرعت فِي المنصوبات فَقلت
بَاب المنصوبات خَمْسَة عشر أَحدهَا الْمَفْعُول بِهِ وَهُوَ مَا وَقع عَلَيْهِ فعل الْفَاعِل ك ضربت زيدا
وَأَقُول المُرَاد بالوقوع التَّعَلُّق الْمَعْنَوِيّ لَا الْمُبَاشرَة أَعنِي تعلقه بِمَا لَا يعقل الا بِهِ وَلذَلِك لم يكن الا للْفِعْل الْمُتَعَدِّي وَلَوْلَا هَذَا التَّفْسِير لخرج مِنْهُ نَحْو أردْت السّفر لعدم الْمُبَاشرَة وَخرج بقولنَا مَا وَقع عَلَيْهِ الْمَفْعُول الْمُطلق فَإِنَّهُ نفس الْفِعْل الْوَاقِع والظرف فَإِن الْفِعْل يَقع فِيهِ وَالْمَفْعُول لَهُ فَإِن الْفِعْل يَقع لأَجله وَالْمَفْعُول مَعَه فَإِن الْفِعْل يَقع مَعَه لَا عَلَيْهِ
ثمَّ قلت وَمِنْه مَا أضمر عَامله جَوَازًا نَحْو {قَالُوا خيرا} ووجوبا فِي مَوَاضِع مِنْهَا بَاب الِاشْتِغَال نَحْو {وكل إِنْسَان ألزمناه}
وَأَقُول الَّذِي ينصب الْمَفْعُول بِهِ وَاحِد من أَرْبَعَة الْفِعْل المتعدى
وَوَصفه ومصدره وَاسم فعله فالفعل المعتدى نَحْو {وَورث سُلَيْمَان دَاوُد} وَوَصفه نَحْو {إِن الله بَالغ أمره} ومصدره نَحْو {وَلَوْلَا دفع الله النَّاس} وَاسم فعله نَحْو {عَلَيْكُم أَنفسكُم}
وَكَونه مَذْكُورا هُوَ الأَصْل كَمَا فِي هَذِه الْأَمْثِلَة وَقد يضمر جَوَازًا اذا دلّ عَلَيْهِ دَلِيل مقالي أَو حَالي فَالْأول نَحْو {قَالُوا خيرا} أَي أنزل رَبنَا خيرا بِدَلِيل {مَاذَا أنزل ربكُم} وَالثَّانِي نَحْو قَوْلك لمن تأهب لسفر مَكَّة بإضمار تُرِيدُ وَلمن سدد سَهْما القرطاس بإضمار تصيب
وَقد يضمر وجوبا فِي مَوَاضِع مِنْهَا بَاب الِاشْتِغَال وَحَقِيقَته أَن يتَقَدَّم اسْم ويتأخر عَنهُ فعل أَو وصف صَالح للْعَمَل فِيمَا قبله مشتغل عَن الْعَمَل فِيهِ بِالْعَمَلِ فِي ضَمِيره أَو ملابسه
فمثال اشْتِغَال الْفِعْل بضمير السَّابِق زيدا ضَربته وَقَوله تَعَالَى
وَمِثَال اشْتِغَال الْوَصْف زيدا أَنا ضاربه الْآن أَو غَدا
وَمِثَال اشْتِغَال الْعَامِل بملابس ضمير السَّابِق زيدا ضربت غُلَامه وزيدا أَنا ضَارب غُلَامه الْآن أَو غَدا
فالنصب فِي ذَلِك وَمَا أشبهه بعامل مُضْمر وجوبا تَقْدِيره ضربت زيدا ضَربته وألزمنا كل انسان ألزمناه
وانما كَانَ الْحَذف هُنَا وَاجِبا لِأَن الْعَامِل الْمُؤخر مُفَسّر لَهُ فَلم يجمع بَينهمَا
هَذَا رَأْي الْجُمْهُور وَزعم الْكسَائي أَن نصب الْمُتَقَدّم بالعامل الْمُؤخر على الغاء الْعَائِد وَقَالَ الْفراء الْفِعْل عَامل فِي الظَّاهِر الْمُتَقَدّم وَفِي الضَّمِير الْمُتَأَخر
ورد على الْفراء بِأَن الْفِعْل الَّذِي يتَعَدَّى لوَاحِد يصير مُتَعَدِّيا لاثْنَيْنِ وعَلى الْكسَائي بِأَن الشاغل قد يكون غير ضمير السَّابِق ك ضربت غُلَامه فَلَا يَسْتَقِيم إلغاؤه
ثمَّ قلت وَمِنْه المنادى وَإِنَّمَا يظْهر نَصبه اذا كَانَ مُضَافا أَو شبهه أَو نكرَة مَجْهُولَة نَحْو يَا عبد الله وَيَا طالعا جبلا وَقَول الْأَعْمَى يَا رجلا خُذ بيَدي
وَأَقُول المنادى نوع من أَنْوَاع الْمَفْعُول بِهِ وَله أَحْكَام تخصه فَلهَذَا أفردته بِالذكر وَبَيَان كَونه مَفْعُولا بِهِ أَن قَوْلك يَا عبد الله أَصله يَا أَدْعُو عبد الله ف يَا حرف تَنْبِيه وأدعو فعل مضارع قصد بِهِ الْإِنْشَاء لَا الْإِخْبَار وفاعله مستتر وَعبد الله مفعول بِهِ ومضاف اليه وَلما علمُوا أَن الضَّرُورَة دَاعِيَة الى اسْتِعْمَال النداء كثيرا أوجبوا فِيهِ حذف الْفِعْل اكْتِفَاء بأمرين أَحدهمَا دلَالَة قرينَة الْحَال وَالثَّانِي الِاسْتِغْنَاء بِمَا جَعَلُوهُ كالنائب عَنهُ والقائم مقَامه وَهُوَ يَا وَأَخَوَاتهَا
وَقد تبين بِهَذَا أَن حق المناديات كلهَا أَن تكون مَنْصُوبَة لِأَنَّهَا مفعولات وَلَكِن النصب انما يظْهر اذا لم يكن المنادى مَبْنِيا وانما يكون مَبْنِيا اذا أشبه الضَّمِير بِكَوْنِهِ مُفردا معرفَة فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يبْنى على الضمة أَو نائبها نَحْو يَا زيد وَيَا زَيْدَانَ وَيَا زيدون وَأما الْمُضَاف
والشبيه بالمضاف والنكرة غير الْمَقْصُودَة فَإِنَّهُنَّ يستوجبن ظُهُور النصب وَقد مضى ذَلِك كُله مشروحا ممثلا فِي بَاب الْبناء فَمن أحب الوقع عَلَيْهِ فَليرْجع اليه
ثمَّ قلت والمنصوب بأخص بعد ضمير مُتَكَلم وَيكون بأل نَحْو نَحن الْعَرَب أقرى النَّاس للضيف ومضافا نَحْو نَحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَة وايا فيلزمها فِي النداء نَحْو أَنا أفعل كَذَا أَيهَا الرجل وعلما قَلِيلا فنحو بك الله نرجو الْفضل شَاذ من وَجْهَيْن
والمنصوب بالزم أَو باتق ان تكَرر أَو عطف عَلَيْهِ أَو كَانَ اياك نَحْو السِّلَاح السِّلَاح وَالْأَخ الْأَخ وَنَحْو السَّيْف وَالرمْح وَنَحْو الْأسد الْأسد أَو نَفسك نَفسك وَنَحْو {نَاقَة الله وسقياها} واياك من الْأسد
والمحذوف عَامله وَالْوَاقِع فِي مثل أَو شبهه نَحْو الْكلاب على الْبَقر وانته خيرا لَك
وَأَقُول من المفعولات الَّتِي الْتزم مَعهَا حذف الْعَامِل الْمَنْصُوب على الِاخْتِصَاص وَهُوَ كَلَام على خلاف مُقْتَضى الظَّاهِر لِأَنَّهُ خبر بِلَفْظ النداء
وَحَقِيقَته أَنه اسْم ظَاهر معرفَة قصد تَخْصِيصه بِحكم ضمير قبله
وَالْغَالِب على ذَلِك الضَّمِير كَونه لمتكلم نَحْو أَنا وَنحن ويقل كَونه لمخاطب وَيمْتَنع كَونه لغَائِب
والباعث على هَذَا الِاخْتِصَاص فَخر اَوْ تواضع أَو بَيَان
فَالْأول كَقَوْل بعض الْأَنْصَار
(لنا معشر الْأَنْصَار مجد مؤثل
…
بإرضائنا خير الْبَريَّة أحمدا)
المؤثل الَّذِي لَهُ أصل
وَمِثَال الثَّانِي قَوْله
(جد بِعَفْو فإنني أَيهَا العَبْد
…
الى الْعَفو يَا الهى فَقير)
وَمِثَال الثَّالِث
(انا بني نهشل لَا ندعي لأَب
…
)
وتعريفه بأل نَحْو نَحن الْعَرَب أقرى النَّاس للضيف التَّقْدِير نَحن أخص الْعَرَب وتعريفه بالاضافة كَقَوْلِه
(نَحن بني ضبة أَصْحَاب الْجمل
…
ننعى ابْن عَفَّان بأطراف الأسل)
الأسل الرماح
وَمن تَعْرِيفه بِالْإِضَافَة قَوْله صلى الله عليه وسلم إِنَّا آل مُحَمَّد لَا تحل لنا الصَّدَقَة وَنحن معاشر الْأَنْبِيَاء لَا نورث مَا تركنَا صَدَقَة
وَيكون الْمَنْصُوب على الِاخْتِصَاص بِلَفْظ أَي فنلزمها فِي هَذَا الْبَاب مَا يلْزمهَا فِي النداء من الْتِزَام الْبناء على الضمة وتأنيثها مَعَ الْمُؤَنَّث والتزام افرادها فَلَا تثنى وَلَا تجمع بِاتِّفَاق ومفارقتها للاضافة لفظا وتقديرا وَلُزُوم هَا التَّنْبِيه بعْدهَا وَمن وصفهَا باسم معرف بأل لَازم
الرّفْع مِثَال ذَلِك أَنا أفعل كَذَا أَيهَا الرجل واللهم اغْفِر لنا أيتها الْعِصَابَة الْمَعْنى أَنا أفعل كَذَا مَخْصُوصًا من بَين الرِّجَال واللهم اغْفِر لنا مختصين من بَين العصائب
ويقل تَعْرِيفه بالعلمية فَفِي بك الله نرجو الْفضل شذوذان كَونه بعد ضمير مُخَاطب وَكَونه علما
وَمن الْمَحْذُوف عَامله الْمَنْصُوب بالزم وَيُسمى اغراء
والاغراء تَنْبِيه الْمُخَاطب على أَمر مَحْمُود ليلزمه نَحْو
(أَخَاك أَخَاك إِن من لَا أخاله
…
كساع الى الهيجا بِغَيْر سلَاح)
وانما يلْزم حذف عَامله اذا تكَرر كَمَا سبق فِي الْبَيْت أَو عطف عَلَيْهِ نَحْو الْمُرُوءَة والنجدة فَإِن فقد التّكْرَار والعطف جَازَ ذكر الْعَامِل وحذفه نَحْو الصَّلَاة جَامِعَة ف الصَّلَاة مَنْصُوب باحضروا مُقَدرا وجامعة مَنْصُوب على الْحَال
وَيُمكن أَن يكون من هَذَا النَّوْع قَول الشَّاعِر
(أَخَاك الَّذِي إِن تَدعه لملمة
…
يجبك كَمَا تبغى ويكفك من يبغى)
(وان تجفه يَوْمًا فَلَيْسَ مكافئا
…
فيطمع ذُو التزوير والوشي أَن يصغى)
على تَقْدِير الزم أَخَاك الَّذِي من صفته كَذَا وَيحْتَمل أَن يكون مُبْتَدأ والموصول خَبره وَجَاء على لُغَة من يسْتَعْمل الْأَخ بِالْألف فِي كل حَال وَتسَمى لُغَة الْقصر كَقَوْلِهِم مكره أَخَاك لَا بَطل
ثمَّ قلت الثَّانِي الْمَفْعُول الْمُطلق وَهُوَ الْمصدر الفضلة الْمُؤَكّد لعامله أَو الْمُبين لنوعه أَو لعدده ك ضربت ضربا أَو ضرب الْأَمِير أَو ضربتين وَمَا بِمَعْنى الْمصدر مثله نَحْو {فَلَا تميلوا كل الْميل} {وَلَا تضروه شَيْئا} {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة}
وَأَقُول الثَّانِي من المنصوبات الْمَفْعُول الْمُطلق
وَسمي مُطلقًا لِأَنَّهُ يَقع عَلَيْهِ اسْم الْمَفْعُول بِلَا قيد تَقول ضربت ضربا فالضرب مفعول لِأَنَّهُ نفس الشَّيْء الَّذِي فعلته بِخِلَاف قَوْلك ضربت زيدا فَإِن زيدا لَيْسَ الشَّيْء الَّذِي فعلته وَلَكِنَّك فعلت بِهِ فعلا وَهُوَ الضَّرْب فَلذَلِك سمي مَفْعُولا بِهِ وَكَذَلِكَ سَائِر المفاعيل ولهذه الْعلَّة قدم الزَّمَخْشَرِيّ وَابْن الْحَاجِب فِي الذّكر الْمَفْعُول الْمُطلق على غَيره لِأَنَّهُ الْمَفْعُول حَقِيقَة
وَحده مَا ذكرت فِي الْمُقدمَة وَقد تبين مِنْهُ أَن هَذَا الْمَفْعُول يُفِيد ثَلَاثَة أُمُور
أَحدهَا التوكيد كَقَوْلِك ضربت ضربا وَقَول الله تَعَالَى {وكلم الله مُوسَى تكليما} {ويسلموا تَسْلِيمًا} {صلوا عَلَيْهِ وسلموا تَسْلِيمًا}
الثَّانِي بَيَان النَّوْع كَقَوْلِه تَعَالَى {فأخذناهم أَخذ عَزِيز مقتدر} وكقولك جَلَست جُلُوس القَاضِي وَجَلَست جُلُوسًا حسنا وَرجع الْقَهْقَرَى
الثَّالِث بَيَان الْعدَد كَقَوْلِك ضربت ضربتين أَو ضربات وَقَول الله تَعَالَى {فدكتا دكة وَاحِدَة}
وَقَوْلِي الفضلة احْتِرَاز من نَحْو قَوْلك رُكُوع زيد رُكُوع حسن أَو طَوِيل فَإِنَّهُ يُفِيد بَيَان النَّوْع وَلكنه لَيْسَ بفضلة
وَقَوْلِي الْمُؤَكّد لعامله مخرج لنَحْو قَوْلك كرهت الْفُجُور الْفُجُور
فان الثَّانِي مصدر فضلَة مُفِيد للتوكيد وَلَكِن الْمُؤَكّد لَيْسَ الْعَامِل فِي الْمُؤَكّد
ثمَّ قلت الثَّالِث الْمَفْعُول لَهُ وَهُوَ الْمصدر الفضلة الْمُعَلل لحَدث شَاركهُ فِي الزَّمَان وَالْفَاعِل ك قُمْت اجلالا لَك وَيجوز فِيهِ أَن يجر بِحرف التَّعْلِيل وَيجب فِي مُعَلل فقد شرطا أَن يجر بِاللَّامِ أَو نائبها
وَأَقُول الثَّالِث من المنصوبات الْمَفْعُول لَهُ وَيُسمى الْمَفْعُول لأَجله وَالْمَفْعُول من أَجله
وَهُوَ مَا اجْتمع فِيهِ أَرْبَعَة أُمُور أَحدهَا أَن يكون مصدرا وَالثَّانِي أَن يكون مَذْكُورا للتَّعْلِيل وَالثَّالِث أَن يكون الْمُعَلل بِهِ حَدثا مشاركا لَهُ فِي الزَّمَان وَالرَّابِع أَن يكون مشاركا لَهُ فِي الْفَاعِل
مِثَال ذَلِك قَوْله تَعَالَى {يجْعَلُونَ أَصَابِعهم فِي آذانهم من الصَّوَاعِق حذر الْمَوْت} فالحذر مصدر مستوف لما ذكرنَا فَلذَلِك انتصب على الْمَفْعُول لَهُ وَالْمعْنَى لأجل حذر الْمَوْت
وَمَتى دلّت الْكَلِمَة على التَّعْلِيل وفقد مِنْهَا شَرط من الشُّرُوط الْبَاقِيَة
فَلَيْسَتْ مَفْعُولا لَهُ وَيجب حِينَئِذٍ أَن تجر بِحرف التَّعْلِيل
فمثال مَا فقد المصدرية قَوْلك جئْتُك للْمَاء وللعشب وَقَوله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا} وَقَول امْرِئ الْقَيْس
(وَلَو أَن مَا أسعى لأدنى معيشة
…
كفاني وَلم أطلب قَلِيل من المَال)
وَمِثَال مَا فقد الِاتِّحَاد فِي الزَّمَان قَوْلك جئْتُك الْيَوْم للسَّفر غَدا وَقَول امْرِئ الْقَيْس أَيْضا
(فَجئْت وَقد نضت لنوم ثِيَابهَا
…
لَدَى السّتْر إِلَّا لبسة المتفضل)
فَإِن زمن النّوم مُتَأَخّر عَن زمن خلع الثَّوْب
وَمِثَال مَا فقد الِاتِّحَاد فِي الْفَاعِل قَوْلك قُمْت لأمرك اياي وَقَول الشَّاعِر
110 -
(وَإِنِّي لتعروني لذكراك هزة
…
كَمَا انتفض العصفور بلله الْقطر)
فَإِن فَاعل تعروني هُوَ الهزة وفاعل الذكرى هُوَ الْمُتَكَلّم لِأَن التَّقْدِير لذكرى اياك
ثمَّ قلت الرَّابِع الْمَفْعُول فِيهِ وَهُوَ مَا ذكر فضلَة لأجل أَمر وَقع فِيهِ من زمَان مُطلقًا أَو مَكَان مُبْهَم أَو مُفِيد مِقْدَارًا أَو مادته مَادَّة
عَامله ك صمت يَوْمًا أَو يَوْم الْخَمِيس وَجَلَست أمامك وسرت فرسخا وَجَلَست مجلسك والمكاني غَيْرهنَّ يجر بفي ك صليت فِي الْمَسْجِد وَنَحْو قَالَا خَيْمَتي أم معبد وَقَوْلهمْ دخلت الدَّار على التَّوَسُّع
وَأَقُول الرَّابِع من المنصوبات الْخَمْسَة عشر الْمَفْعُول فِيهِ وَيُسمى الظّرْف وَهُوَ عبارَة عَمَّا ذكرت
وَالْحَاصِل أَن الِاسْم قد لَا يكون ذكر لأجل أَمر وَقع فِيهِ وَلَا هُوَ زمَان وَلَا مَكَان وَذَلِكَ كزيدا فِي ضربت زيدا وَقد يكون إِنَّمَا ذكر لأجل أَمر وَقع فِيهِ وَلكنه لَيْسَ بِزَمَان وَلَا مَكَان نَحْو رغب المتقون أَن يَفْعَلُوا خيرا فَإِن الْمَعْنى فِي أَن يَفْعَلُوا وَعَلِيهِ فِي أحد التفسيرين قَوْله تَعَالَى {وترغبون أَن تنكحوهن} وَقد يكون الْعَكْس نَحْو {إِنَّا نَخَاف من رَبنَا يَوْمًا} وَنَحْو {لينذر يَوْم التلاق} {وَأَنْذرهُمْ يَوْم الآزفة} وَنَحْو {الله أعلم حَيْثُ يَجْعَل رسَالَته} فَهَذِهِ
الْأَنْوَاع لَا تسمى ظرفا فِي الِاصْطِلَاح بل كل مِنْهَا مفعول بِهِ وَقع الْفِعْل عَلَيْهِ لَا فِيهِ يظْهر ذَلِك بِأَدْنَى تَأمل للمعنى وَقد يكون مَذْكُورا لأجل أَمر وَقع فِيهِ وَهُوَ زمَان أَو مَكَان فَهُوَ حِينَئِذٍ مَنْصُوب على معنى فِي وَهَذَا النَّوْع خَاصَّة هُوَ الْمُسَمّى فِي الِاصْطِلَاح ظرفا وَذَلِكَ كَقَوْلِك صمت يَوْمًا أَو يَوْم الْخَمِيس وَجَلَست أمامك
وأشرت بالتمثيل بيوما وَيَوْم الْخَمِيس الى أَن ظرف الزَّمَان يجوز أَن يكون مُبْهما وَأَن يكون مُخْتَصًّا وَفِي التَّنْزِيل {سِيرُوا فِيهَا ليَالِي وأياما} {النَّار يعرضون عَلَيْهَا غدوا وعشيا} {وسبحوه بكرَة وَأَصِيلا}
وَأما ظرف الْمَكَان فعلى ثَلَاثَة أَقسَام أَحدهَا أَن يكون مُبْهما ونعني بِهِ مَا لَا يخْتَص بمَكَان بِعَيْنِه وَهُوَ نَوْعَانِ أَحدهمَا أَسمَاء الْجِهَات السِّت وَهِي فَوق وَتَحْت وَيَمِين وشمال وأمام وَخلف قَالَ الله تَعَالَى {وَفَوق كل ذِي علم عليم} {فناداها من تحتهَا} فِي قِرَاءَة من فتح {من} {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ ملك}
وقريء / وَكَانَ أمامهم ملك / {وَترى الشَّمْس إِذا طلعت تزاور عَن كهفهم ذَات الْيَمين وَإِذا غربت تقرضهم ذَات الشمَال}
وَقَالَ الشَّاعِر
(صددت الكأس عَنَّا أم عَمْرو
…
وَكَانَ الكأس مجْراهَا اليمينا)
يجوز كَون مجْراهَا مُبْتَدأ وَالْيَمِين ظرف مخبر بِهِ أَي مجْراهَا فِي الْيَمين وَالْجُمْلَة خبر كَانَ وَيجوز كَون مجْراهَا بَدَلا من الكأس بدل اشْتِمَال فاليمين أَيْضا ظرف لِأَن الْمُعْتَمد فِي الْإِخْبَار عَنهُ انما هُوَ الْبَدَل لَا الِاسْم وَيجوز فِي وَجه ضَعِيف تَقْدِير الْيَمين خبر كَانَ لَا ظرفا وَذَلِكَ على اعْتِبَار الْمُبدل مِنْهُ دون الْبَدَل وَقَالَ الآخر
(لقد علم الضَّيْف والمرملون
…
اذا اغبر أفق وهبت شمالا)
النَّوْع الثَّانِي مَا لَيْسَ اسْم جِهَة وَلَكِن يُشبههُ فِي الْإِبْهَام كَقَوْلِه تَعَالَى {أَو اطرحوه أَرضًا} {وَإِذا ألقوا مِنْهَا مَكَانا ضيقا}
وَالْقسم الثَّانِي أَن يكون دَالا على مساحة مَعْلُومَة من الأَرْض ك سرت فرسخا وميلا وبريدا وَأَكْثَرهم يَجْعَل هَذَا من الْمُبْهم وَحَقِيقَة القَوْل فِيهِ أَن فِيهِ ابهاما واختصاصا أما الْإِبْهَام فَمن جِهَة انه لَا يخْتَص ببقعة بِعَينهَا وَأما الِاخْتِصَاص فَمن جِهَة دلَالَته على كمية مُعينَة فعلى هَذَا يَصح فِيهِ الْقَوْلَانِ
وَالْقسم الثَّالِث اسْم الْمَكَان الْمُشْتَقّ من الْمصدر وَلَكِن شَرط هَذَا ان يكون عَامله من مادته ك جَلَست مجْلِس زيد وَذَهَبت مَذْهَب عَمْرو {وَأَنا كُنَّا نقعد مِنْهَا مقاعد للسمع} وَلَا يجوز جَلَست مَذْهَب عَمْرو وَنَحْوه
وَمَا عدا هَذِه الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة من أَسمَاء الْمَكَان لَا يجوز انتصابه على الظّرْف فَلَا تَقول صليت الْمَسْجِد وَلَا قُمْت السُّوق وَلَا جَلَست الطَّرِيق لِأَن هَذِه الْأَمْكِنَة خَاصَّة أَلا ترى أَنه لَيْسَ كل مَكَان يُسمى مَسْجِدا وَلَا سوقا وَلَا طَرِيقا وَإِنَّمَا حكمك فِي هَذِه الْأَمَاكِن وَنَحْوهَا أَن تصرح بِحرف الظَّرْفِيَّة وَهُوَ فِي وَقَالَ الشَّاعِر وَهُوَ رجل من الْجِنّ سمعُوا بِمَكَّة صَوته وَلم يرَوا شخصه يذكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَأَبا بكر رضي الله عنه حِين هَاجر
(جزى الله رب النَّاس خير جَزَائِهِ
…
رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتي أم معبد)
(هما نزلا بِالْبرِّ ثمَّ ترحلا
…
فأفلح من أَمْسَى رَفِيق مُحَمَّد)
(فيا لقصي مَا روى الله عَنْكُم
…
بِهِ من فعال لَا تجازى وسؤدد)
وَكَانَ حَقه أَن يَقُول قَالَا فِي خَيْمَتي أم معبد أَي قيلا فِيهَا ويروى حلا بدل قَالَا وَالتَّقْدِير أَيْضا حلا فِي خَيْمَتي وَلكنه اضْطر فأسقط فِي وأوصل الْفِعْل بِنَفسِهِ وَكَذَا عمِلُوا فِي قَوْلهم دخلت الدَّار وَالْمَسْجِد وَنَحْو ذَلِك إِلَّا أَن التَّوَسُّع مَعَ دخلت مطرد لِكَثْرَة استعمالهم إِيَّاه
ثمَّ قلت الْخَامِس الْمَفْعُول مَعَه وَهُوَ الِاسْم الفضلة التَّالِي وَاو المصاحبة مسبوقة بِفعل أَو مَا فِيهِ مَعْنَاهُ وحروفه ك سرت والنيل وَأَنا سَائِر والنيل
وَأَقُول الْخَامِس من المنصوبات الْمَفْعُول مَعَه
وانما جعل آخرهَا فِي الذّكر لأمرين أَحدهمَا أَنهم اخْتلفُوا فِيهِ هَل هُوَ قياسي أَو سَمَاعي وَغَيره من المفاعيل لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنه قياسي وَالثَّانِي أَن الْعَامِل انما يصل إِلَيْهِ بِوَاسِطَة حرف ملفوظ بِهِ وَهُوَ الْوَاو بِخِلَاف سَائِر المفعولات
وَهُوَ عبارَة عَمَّا اجْتمع فِيهِ ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا أَن يكون اسْما وَالثَّانِي أَن يكون وَاقعا بعد الْوَاو الدَّالَّة على المصاحبة وَالثَّالِث أَن تكون تِلْكَ الْوَاو مسبوقة بِفعل أَو مَا فِيهِ معنى الْفِعْل وحروفه
وَذَلِكَ كَقَوْلِك سرت والنيل واستوى المَاء والخشبة وَجَاء الْبرد والطيالسة وكقول الله تَعَالَى {فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم} أَي
فَأَجْمعُوا أَمركُم مَعَ شركائكم ف {شركاءكم} مفعول مَعَه لاستيفائه الشُّرُوط الثَّلَاثَة وَلَا يجوز على ظَاهر اللَّفْظ أَن يكون مَعْطُوفًا على {أَمركُم} لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ شريك لَهُ فِي مَعْنَاهُ فَيكون التَّقْدِير أَجمعُوا أَمركُم وَأَجْمعُوا شركاءكم وَذَلِكَ لَا يجوز لِأَن أجمع انما يتَعَلَّق بالمعاني دون الذوات تَقول أَجمعت رَأْيِي وَلَا تَقول أَجمعت شركائي وانما قلت على ظَاهر اللَّفْظ لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون مَعْطُوفًا على حذف مُضَاف أَي وَأمر شركائكم وَيجوز أَن يكون مَفْعُولا لفعل ثلاثي مَحْذُوف أَي واجمعوا شركاءكم بوصل الْألف وَمن قَرَأَ {فَأَجْمعُوا} وصل الْألف صَحَّ الْعَطف على قِرَاءَته من غير اضمار لِأَنَّهُ من جمع وَهُوَ مُشْتَرك بَين الْمعَانِي والذوات تَقول جمعت أَمْرِي وجمعت شركائي قَالَ الله تَعَالَى {فَجمع كَيده ثمَّ أَتَى} {الَّذِي جمع مَالا وعدده} وَيجوز هَذِه الْقِرَاءَة أَن يكون مَفْعُولا مَعَه وَلَكِن اذا أمكن الْعَطف فَهُوَ أولى لِأَنَّهُ الأَصْل
وَلَيْسَ من الْمَفْعُول مَعَه قَول أبي الْأسود الدؤَلِي
(يَا أَيهَا الرجل الْمعلم غَيره
…
هلا لنَفسك كَانَ ذَا التَّعْلِيم)
(ابدأ بِنَفْسِك فانهها عَن غيها
…
فَإِذا انْتَهَت عَنهُ فَأَنت حَكِيم)
(فهناك يسمع مَا تَقول ويشتفى
…
بالْقَوْل مِنْك وينفع التَّعْلِيم)
(لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله
…
عَار عَلَيْك اذا فعلت عَظِيم)
الشَّاهِد فِي قَوْله وَتَأْتِي مثله فَإِنَّهُ لَيْسَ مَفْعُولا مَعَه وان كَانَ بعد وَاو بِمَعْنى مَعَ أَي لَا تنه عَن خلق مَعَ اتيانك مثله لِأَنَّهُ لَيْسَ باسم وَلَا نَحْو قَوْلك بِعْتُك الدَّار بأثاثها وَالْعَبْد بثيابه وَقَول الله سبحانه وتعالى {وَقد دخلُوا بالْكفْر وهم قد خَرجُوا بِهِ} وقولك جَاءَ زيد مَعَ عَمْرو فَإِن هَذِه الْأَسْمَاء وَإِن كَانَت مصاحبة لما قبلهَا لَكِنَّهَا لَيست بعد الْوَاو وَلَا نَحْو قَوْلك مزجت عسلا وَمَاء وَقَول الشَّاعِر
(علفتها تبنا وَمَاء بَارِدًا
…
حَتَّى غَدَتْ همالة عَيناهَا)
وَقَول الآخر
116 -
(اذ مَا الغانيات برزن يَوْمًا
…
وزججن الحواجب والعيونا)
لِأَن الْوَاو لَيست بِمَعْنى مَعَ فِيهِنَّ وَإِنَّمَا هِيَ فِي الْمِثَال الأول لعطف مُفْرد على مُفْرد واستفيدت الْمَعِيَّة من الْعَامِل وَهُوَ مزجت وَفِي المثالين الْأَخيرينِ لعطف جملَة على جملَة وَالتَّقْدِير وسيقيتها مَاء وكحلن العيونا فَحذف الْفِعْل وَالْفَاعِل وَبَقِي الْمَفْعُول وَلَا جَائِز أَن يكون الْوَاو فيهمَا لعطف مُفْرد لعدم تشارك مَا قبلهَا وَمَا بعْدهَا فِي الْعَامِل لِأَن علفت لَا يَصح تسليطه على المَاء وزججن لَا يَصح تسليطه على الْعُيُون وَلَا تكون للمصاحبة لانتفائها فِي قَوْله علفتها تبنا وَمَاء وَلعدم فائدتها فِي وزججن الحواجب والعيونا اذ من الْمَعْلُوم لكل أحد أَن الْعُيُون مصاحبة للحواجب وَلَا نَحْو كل رجل وضيعته لِأَنَّهُ وان كَانَ اسْما وَاقعا بعد الْوَاو الَّتِي بِمَعْنى مَعَ لَكِنَّهَا غير مسبوقة بِفعل وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ وَلَا نَحْو هَذَا لَك وأباك وَنَحْوه على أَن يكون أَبَاك مَفْعُولا مَعَه مَنْصُوبًا بِمَا فِي هَا من معنى أنتبه أَو بِمَا فِي ذَا من معنى أُشير أَو بِمَا فِي لَك من معنى اسْتَقر لِأَن كلا من هَا وَذَا وَلَك فِيهِ معنى الْفِعْل دون حُرُوفه بِخِلَاف سرت والنيل وَأَنا سَائِر والنيل فَإِن الْعَامِل فِي الأول الْفِعْل وَفِي الثَّانِي الِاسْم الَّذِي
فِيهِ معنى الْفِعْل وحروفه قَالَ سِيبَوَيْهٍ رحمه الله وَأما نَحْو هَذَا لَك وأباك فقبيح لِأَنَّك لم تذكر فعلا وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ وَقَالُوا مُرَاده بالقبيح الْمُمْتَنع
ثمَّ قلت السَّادِس الْمُشبه بالمفعول بِهِ نَحْو زيد حسن وَجهه وَسَيَأْتِي
وَأَقُول السَّادِس من المنصوبات الْمُشبه بالمفعول بِهِ وَهُوَ الْمَنْصُوب بِالصّفةِ المشبهة باسم الْفَاعِل المتعدى الى وَاحِد وَذَلِكَ فِي نَحْو قَوْلك زيد حسن وَجهه بِنصب الْوَجْه وَالْأَصْل زيد حسن وَجهه بِالرَّفْع فزيد مُبْتَدأ وَحسن خبر وَوَجهه فَاعل بِحسن لِأَن الصّفة تعْمل عمل الْفِعْل وَأَنت لَو صرحت بِالْفِعْلِ فَقلت حسن بِضَم السِّين وَفتح النُّون لوَجَبَ رفع الْوَجْه بالفاعلية فَكَذَلِك حق الصّفة أَن يجب مَعهَا الرّفْع وَلَكنهُمْ قصدُوا الْمُبَالغَة مَعَ الصّفة فحولوا الْإِسْنَاد عَن الْوَجْه الى ضمير مستتر فِي الصّفة رَاجع الى زيد ليقتضي ذَلِك أَن الْحسن قد عَمه بجملته فَقيل زيد حسن أَي هُوَ ثمَّ نصب وَجهه وَلَيْسَ ذَلِك على المفعولية لِأَن الصّفة انما تتعدى فعلهَا وَحسن الَّذِي هُوَ الْفِعْل لَا يتَعَدَّى فَكَذَلِك صفته الَّتِي هِيَ فَرعه وَلَا على التَّمْيِيز لِأَنَّهُ معرفَة بِالْإِضَافَة الى الضَّمِير وَمذهب الْبَصرِيين وَهُوَ الْحق أَن التَّمْيِيز لَا يكون معرفَة واذا
بَطل هَذَانِ الْوَجْهَانِ تعين مَا قُلْنَا من أَنه مشبه بالمفعول بِهِ وَذَلِكَ أَنه شبه حسن بضارب فِي أَن كلا مِنْهُمَا صفة تثنى وَتجمع وتذكر وتؤنث وَهِي طالبة لما بعْدهَا بعد استيفائها فاعلها فنصب الْوَجْه على التَّشْبِيه بِعَمْرو فِي قَوْلك زيد ضَارب عمرا فَحسن مشبه بضارب وَوَجهه مشبه بعمرا وَسَيَأْتِي الْكَلَام على هَذَا الْبَاب بأبسط من هَذَا ان شَاءَ الله فِي مَوْضِعه
ثمَّ قلت السَّابِع الْحَال وَهُوَ وصف فضلَة مسوق لبَيَان هَيْئَة صَاحبه أَو تأكيده أَو تَأْكِيد عَامله أَو مَضْمُون الْجُمْلَة قبله نَحْو {فَخرج مِنْهَا خَائفًا} {لآمن من فِي الأَرْض كلهم جَمِيعًا} {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا} {وأرسلناك للنَّاس رَسُولا}
وَأَنا ابْن دارة مَعْرُوفا بهَا نسبي
وَيَأْتِي من الْفَاعِل وَمن الْمَفْعُول ومنهما مُطلقًا وَمن الْمُضَاف اليه ان كَانَ الْمُضَاف بعضه نَحْو {لحم أَخِيه مَيتا} أَو كبعضه نَحْو {مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا} أَو عَاملا فِيهَا نَحْو {إِلَيْهِ مرجعكم جَمِيعًا}
وحقها أَن تكون نكرَة منتقلة مُشْتَقَّة وَأَن يكون صَاحبهَا معرفَة أَو خَاصّا أَو عَاما أَو مُؤَخرا وَقد يتخلفن
وَأَقُول السَّابِع من المنصوبات الْحَال وَهُوَ يذكر وَيُؤَنث
وَهُوَ الْأَفْصَح يُقَال حَال حسن وَحَال حَسَنَة وَقد يؤنث لَفظهَا فَيُقَال حَالَة قَالَ الشَّاعِر
(على حَالَة لَو أَن فِي الْقَوْم حاتما
…
على جوده لضن بِالْمَاءِ حَاتِم)
وَحده فِي الِاصْطِلَاح مَا ذكرت فَقولِي وصف جنس يدْخل تَحْتَهُ الْحَال وَالْخَبَر وَالصّفة وَقَوْلِي فضلَة فصل مخرج للْخَبَر نَحْو زيد قَائِم وَقَوْلِي مسوق لبَيَان هَيْئَة مَا هُوَ لَهُ مخرج لأمرين أَحدهمَا نعت الفضلة من نَحْو رَأَيْت رجلا طَويلا ومررت بِرَجُل طَوِيل فَإِنَّهُ وان كَانَ وَصفا فضلَة لكنه لم يسق لبَيَان الْهَيْئَة وَلكنه سيق لبَيَان جنس المتعجب مِنْهُ وَجَاء بَيَان الْهَيْئَة ضمنا وَقَوْلِي أَو تأكيده الى آخِره تممت بِهِ ذكر أَنْوَاع الْحَال
وَالْحَاصِل أَن الْحَال أَرْبَعَة أَقسَام مبينَة للهيئة وَهِي الَّتِي لَا يُسْتَفَاد مَعْنَاهَا بِدُونِ ذكرهَا ومؤكدة لعاملها وَهِي الَّتِي لَو لم تذكر لأفاد عاملها مَعْنَاهَا ومؤكدة لصَاحِبهَا وَهِي الَّتِي يُسْتَفَاد مَعْنَاهَا من صَرِيح لفظ صَاحبهَا ومؤكدة لمضمون الْجُمْلَة وَهِي الْآتِيَة بعد جملَة معقودة من اسْمَيْنِ معرفتين جامدين وَهِي دَالَّة على وصف ثَابت مُسْتَفَاد من تِلْكَ الْجُمْلَة
فالمبينة للهيئة كَقَوْلِك جَاءَ زيد رَاكِبًا وَأَقْبل عبد الله فَرحا
وَقَول الله تَعَالَى {فَخرج مِنْهَا خَائفًا}
والمؤكدة لصَاحِبهَا كَقَوْلِه تَعَالَى {لآمن من فِي الأَرْض كلهم جَمِيعًا} وقولك جَاءَ النَّاس قاطبة أَو كَافَّة أَو طرا وَهَذَا الْقسم أغفل التَّنْبِيه عَلَيْهِ جَمِيع النَّحْوِيين وَمثل ابْن مَالك بِالْآيَةِ للْحَال الْمُؤَكّدَة لعاملها وَهُوَ سَهْو
والمؤكدة لعاملها كَقَوْلِك جَاءَ زيد آتِيَا وعاث عَمْرو مُفْسِدا وَقَول الله تَعَالَى {وأزلفت الْجنَّة لِلْمُتقين غير بعيد} وَذَلِكَ لِأَن الإزلاف هُوَ التَّقْرِيب فَكل مزلف قريب وكل قريب غير بعيد وَقَوله تَعَالَى {وأرسلناك للنَّاس رَسُولا} {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا} {ولى مُدبرا} {وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين} فَإِنَّهُ يُقَال عثي بِالْكَسْرِ يعثي بِالْفَتْح اذا أفسد
والمؤكدة لمضمون الْجُمْلَة كَقَوْلِك زيد أَبوك عطوفا وَقَول الشَّاعِر
320 -
11 {أَنا ابْن دارة مَعْرُوفا بهَا نسى
…
وَهل بدارة يَا للنَّاس من عَار)
وأشرت بِقَوْلِي قبله الى أَنه لَا يجوز أَن يُقَال عطوفا زيد أَبوك وَلَا زيد عطوفا أَبوك
ثمَّ بيّنت أَن الْحَال تَارَة يَأْتِي من الْفَاعِل وَذَلِكَ كَمَا كنت مثلت بِهِ من قَوْله تَعَالَى {فَخرج مِنْهَا خَائفًا} فَإِن خَائفًا حَال من الضَّمِير
(أَنا ابْن دارة مَعْرُوفا بهَا نسى
…
وَهل بدارة يَا للنَّاس من عَار)
وأشرت بِقَوْلِي قبله الى أَنه لَا يجوز أَن يُقَال عطوفا زيد أَبوك وَلَا زيد عطوفا أَبوك
ثمَّ بيّنت أَن الْحَال تَارَة يَأْتِي من الْفَاعِل وَذَلِكَ كَمَا كنت مثلت بِهِ من قَوْله تَعَالَى {فَخرج مِنْهَا خَائفًا} فَإِن {خَائفًا} حَال من الضَّمِير
الْمُسْتَتر فِي خرج الْعَائِد على مُوسَى عليه السلام
وَتارَة يَأْتِي من الْمَفْعُول كَمَا كنت مثلت بِهِ من قَوْله تَعَالَى {وأرسلناك للنَّاس رَسُولا} فَإِن {رَسُولا} حَال من الْكَاف الَّتِي هِيَ مفعول أرسلنَا
وَأَنه لَا يتَوَقَّف مَجِيء الْحَال من الْفَاعِل وَالْمَفْعُول على شَرط
والى أَنَّهَا تَجِيء من الْمُضَاف إِلَيْهِ وَأَن ذَلِك يتَوَقَّف على وَاحِد من ثَلَاثَة أُمُور
أَحدهَا أَن يكون الْمُضَاف بَعْضًا من الْمُضَاف اليه كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَيُحِبُّ أحدكُم أَن يَأْكُل لحم أَخِيه مَيتا} فميتا حَال من الْأَخ وَهُوَ مخفوض بِإِضَافَة اللَّحْم إِلَيْهِ والمضاف بعضه وَقَوله تَعَالَى {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل إخْوَانًا}
وَالثَّانِي ان يكون الْمُضَاف كبعض من الْمُضَاف إِلَيْهِ فِي صِحَة حذفه والاستغناء عَنهُ بالمضاف إِلَيْهِ وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى {بل مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا} ف {حَنِيفا} حَال من ابراهيم وَهُوَ مخفوض بِإِضَافَة الْملَّة إِلَيْهِ وَلَيْسَت الْملَّة بعضه وَلكنهَا كبعضه فِي صِحَة الْإِسْقَاط والاستغناء بِهِ
عَنْهَا أَلا ترى أَنه لَو قيل اتبعُوا إِبْرَاهِيم حَنِيفا صَحَّ كَمَا أَنه لَو قيل أَيُحِبُّ أحدكُم أَن يَأْكُل أَخَاهُ مَيتا وَنَزَعْنَا مَا فيهم من غل اخوانا كَانَ صَحِيحا
الثَّالِث أَن يكون الْمُضَاف عَاملا فِي الْحَال كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِلَيْهِ مرجعكم جَمِيعًا} ف {جَمِيعًا} حَال من الْكَاف وَالْمِيم المخفوضة بِإِضَافَة الْمرجع والمرجع هُوَ الْعَامِل فِي الْحَال وَصَحَّ لَهُ أَن أَن يعْمل لِأَن الْمَعْنى عَلَيْهِ مَعَ أَنه مصدر فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْفِعْل أَلا ترى أَنه لَو قيل اليه ترجعون جَمِيعًا كَانَ الْعَامِل الْفِعْل الَّذِي الْمصدر بِمَعْنَاهُ
ثمَّ بيّنت أَن للْحَال أحكاما أَرْبَعَة وَأَن تِلْكَ الْأَرْبَعَة رُبمَا تخلفت
فَالْأول الِانْتِقَال ونعني بِهِ أَن لَا يكون وَصفا ثَابتا لَازِما وَذَلِكَ كَقَوْلِك جَاءَ زيد ضَاحِكا أَلا ترى أَن الضحك يزايل زيدا وَلَا يلازمه هَذَا هُوَ الأَصْل وَرُبمَا جَاءَت دَالَّة على وصف ثَابت كَقَوْل الله تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي أنزل إِلَيْكُم الْكتاب مفصلا} أَي مُبينًا وَقَول الْعَرَب خلق الله الزرافة يَديهَا أطول من رِجْلَيْهَا فالزرافة بِفَتْح الزَّاي
مفعول لخلق ويديها بدل مِنْهَا بدل بعض من كل وأطول حَال من الزرافة وَمن رِجْلَيْهَا مُتَعَلق بأطول
الثَّانِي الِاشْتِقَاق وَهُوَ أَن تكون وَصفا مأخوذا من مصدر كَمَا قدمْنَاهُ من الْأَمْثِلَة وَرُبمَا جَاءَت اسْما جَامِدا كَقَوْلِه تَعَالَى {فانفروا ثبات} ف {ثبات} حَال من الْوَاو فِي {انفروا} وَهُوَ جامد لكنه فِي تَأْوِيل الْمُشْتَقّ أَي مُتَفَرّقين بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {أَو انفروا جَمِيعًا} وَقد اشْتَمَلت هَذِه الْآيَة على مَجِيء الْحَال جامدة وعَلى مجيئها مُشْتَقَّة
الثَّالِث أَن تكون نكرَة كجميع مَا قدمْنَاهُ من الْأَمْثِلَة وَقد تَأتي بِلَفْظ الْمُعَرّف بِالْألف وَاللَّام كَقَوْلِهِم ادخُلُوا الأول فَالْأول
وأرسلها العراك وجاؤوا الْجَمَّاء الْغَفِير أَي جَمِيعًا وأل فِي ذَلِك كُله زَائِدَة وَقد تَأتي بِلَفْظ الْمُعَرّف بِالْإِضَافَة كَقَوْلِهِم اجْتهد وَحدك أَي مُنْفَردا وجاؤوا قضهم بقضيضهم أَي جَمِيعًا
وَقد تَأتي بِلَفْظ الْمُعَرّف بالعلمية كَقَوْلِهِم جَاءَت الْخَيل بداد أَي متبددة فَإِن بداد فِي الأَصْل علم على جنس التبدد كَمَا أَن فجار علم للفجرة
الرَّابِع أَن لَا يكون صَاحبهَا نكرَة مَحْضَة كَمَا تقدم من الْأَمْثِلَة وَقد تَأتي كَذَلِك كَمَا روى سِيبَوَيْهٍ من قَوْلهم عَلَيْهِ مائَة بيضًا وَقَالَ الشَّاعِر وَهُوَ عنترة الْعَبْسِي
(فِيهَا اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ حلوبة
…
سُودًا كخافية الْغُرَاب الأسحم)
فحلوبة لتميز الْعدَد وسودا اما حَال من الْعدَد أَو من حلوبة أَو صفة وعَلى هذَيْن الْوَجْهَيْنِ فَفِيهِ حمل على الْمَعْنى لِأَن حلوبة بِمَعْنى حلائب فَلهَذَا صَحَّ أَن يحمل عَلَيْهَا سُودًا وَالْوَجْه الأول أحسن
وَفِي الحَدِيث صلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم جَالِسا وَصلى وَرَاءه رجال قيَاما فجالسا حَال من الْمعرفَة وقياما حَال من النكرَة الْمَحْضَة
وانما الْغَالِب اذا كَانَ صَاحب الْحَال نكرَة أَن تكون عَامَّة أَو خَاصَّة أَو مؤخرة عَن الْحَال
فَالْأول كَقَوْلِه تَعَالَى {وَمَا أهلكنا من قَرْيَة إِلَّا لَهَا منذرون}
فَإِن الْجُمْلَة الَّتِي بعد {إِلَّا} حَال من {قَرْيَة} وَهِي نكرَة عَامَّة لِأَنَّهَا فِي سِيَاق النَّفْي
وَالثَّانِي نَحْو {فِيهَا يفرق كل أَمر حَكِيم أمرا من عندنَا} ف {أمرا} اذا أعرب حَالا فَصَاحب الْحَال اما الْمُضَاف فالمسوغ أَنه عَام أَو خَاص أما الأول فَمن جِهَة أَنه أحد صِيغ الْعُمُوم أما الثَّانِي فَمن جِهَة الْإِضَافَة وَأما الْمُضَاف إِلَيْهِ فالمسوغ أَنه خَاص لوصفه بِحَكِيم وَقَرَأَ بعض السّلف {وَلما جَاءَهُم كتاب من عِنْد الله مُصدق} بِالنّصب فَجعله الزَّمَخْشَرِيّ حَالا من كتاب لوصفه بالظرف وَلَيْسَ مَا ذكر بِلَازِم لجَوَاز أَن يكون حَالا من الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي الظّرْف
وَالثَّالِث كَقَوْلِه
(لمية موحشا طلل
…
)
فَهَذِهِ الْمَوَاضِع وَنَحْوهَا مَجِيء الْحَال فِيهَا نكرَة قياسي كَمَا أَن الِابْتِدَاء بالنكرة فِي نظائرها قياسي وَقد مضى ذَلِك فِي بَاب الْمُبْتَدَأ فقس عَلَيْهِ هُنَا
ثمَّ قلت الثَّامِن التَّمْيِيز وَهُوَ اسْم نكرَة فضلَة يرفع ابهام اسْم أَو اجمال نِسْبَة
فَالْأول بعد الْعدَد الْأَحَد عشر فَمَا فَوْقهَا إِلَى الْمِائَة وَكم الأستفهامية نَحْو كم عبدا ملكت وَبعد الْمَقَادِير ك رَطْل زيتا وك شبر أَرضًا وقفيز برا وشبههن من نَحْو {مِثْقَال ذرة خيرا} ونحى سمنا وَمثلهَا زبدا وَمَوْضِع رَاحَة سحابا وَبعد فَرعه نَحْو خَاتم حديدا
وَالثَّانِي اما محول عَن الْفَاعِل نَحْو {واشتعل الرَّأْس شيبا} أَو عَن الْمَفْعُول نَحْو {وفجرنا الأَرْض عيُونا} أَو عَن غَيرهمَا نَحْو {أَنا أَكثر مِنْك مَالا} أَو غير محول نَحْو لله دره فَارِسًا
وَأَقُول الثَّامِن من المنصوبات التَّمْيِيز
وَهُوَ وَالتَّفْسِير والتبيين أَلْفَاظ مترادفة لُغَة وَاصْطِلَاحا وَهُوَ فِي اللُّغَة بِمَعْنى فصل الشَّيْء عَن غَيره قَالَ الله تَعَالَى {وامتازوا الْيَوْم أَيهَا المجرمون} أَي انفصلوا من الْمُؤمنِينَ {تكَاد تميز من الغيظ} أَي ينْفَصل بَعْضهَا من بعض وَهُوَ فِي الِاصْطِلَاح مُخْتَصّ بِمَا اجْتمع فِيهِ ثَلَاثَة أُمُور وَهِي الْمَذْكُورَة فِي الْمُقدمَة
وَفهم مِمَّا ذكرته فِي حدي الْحَال والتمييز أَن التَّمْيِيز وان أشبه الْحَال فِي كَونه مَنْصُوبًا فضلَة مُبينًا لإبهام الا أَنه يُفَارِقهُ فِي أَمريْن أَحدهمَا أَن الْحَال انما يكون وَصفا إِمَّا بِالْفِعْلِ أَو بِالْقُوَّةِ وَأما التَّمْيِيز فَإِنَّهُ يكون بالأسماء الجامدة كثيرا نَحْو عشرُون درهما ورطل زيتا وبالصفات المشتقة قَلِيلا كَقَوْلِهِم لله دره فَارِسًا وَللَّه دره رَاكِبًا الثَّانِي أَن الْحَال لبَيَان الهيآت والتمييز يكون تَارَة لبَيَان الذوات وَتارَة لبَيَان جِهَة النِّسْبَة
وَقسمت كلا من هذَيْن النَّوْعَيْنِ أَرْبَعَة أَقسَام فَأَما أَقسَام التَّمْيِيز الْمُبين للذات فأحدها أَن يَقع بعد الْأَعْدَاد وَقسمت الْعدَد الى قسمَيْنِ صَرِيح وكناية فالصريح الْأَحَد عشر فَمَا فَوْقهَا الى الْمِائَة تَقول عِنْدِي أحد عشر عبدا وَتِسْعَة وَتسْعُونَ درهما وَقَالَ الله تَعَالَى {إِنِّي رَأَيْت أحد عشر كوكبا} {وبعثنا مِنْهُم اثْنَي عشر نَقِيبًا} {وواعدنا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَة وأتممناها بِعشر فتم مِيقَات ربه أَرْبَعِينَ لَيْلَة} {فَلبث فيهم ألف سنة إِلَّا خمسين عَاما}
{فَمن لم يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا} {ذرعها سَبْعُونَ ذِرَاعا} {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة} {إِن هَذَا أخي لَهُ تسع وَتسْعُونَ نعجة} وَفِي الحَدِيث إِن لله تِسْعَة وَتِسْعين اسْما وَأَرَدْت بِقَوْلِي الى الْمِائَة عدم دُخُول الْغَايَة فِي المغيا وَهُوَ أحد احتمالي حرف الْغَايَة
وَالْكِنَايَة هِيَ كم الاستفهامية تَقول كم عبدا ملكت فكم مفعول مقدم وعبدا تَمْيِيز وَاجِب النصب والإفراد وَزعم الْكُوفِي أَنه يجوز جمعه فَتَقول كم عبيدا ملكت وَهَذَا لم يسمع وَلَا قِيَاس يَقْتَضِيهِ وَيجوز لَك جر تمييزكم الاستفهامية وَذَلِكَ مَشْرُوط بأمرين أَحدهمَا أَن يدْخل عَلَيْهَا حرف جر وَالثَّانِي أَن يكون تمييزها الى
جَانبهَا كَقَوْلِك بكم دِرْهَم اشْتريت وعَلى كم شيخ اشتغلت والجر حِينَئِذٍ عِنْد جُمْهُور النَّحْوِيين بِمن مضمرة وَالتَّقْدِير بكم من دِرْهَم وعَلى كم من شيخ وَزعم الزّجاج أَنه بِالْإِضَافَة
الْقسم الثَّانِي أَن يَقع بعد الْمَقَادِير وقسمتها على ثَلَاثَة أَقسَام أَحدهَا مَا يدل على الْوَزْن كَقَوْلِك رَطْل زيتا ومنوان سمنا والمنوان تَثْنِيَة منا وَهُوَ لُغَة فِي الْمَنّ وَقيل فِي تثنيته منوان كَمَا يُقَال فِي تَثْنِيَة عَصا عصوان الثَّانِي مَا يدل على مساحة كَقَوْلِك شبر أَرضًا وجريب نخلا وَقَوْلهمْ مَا فِي السَّمَاء مَوضِع رَاحَة سحابا الثَّالِث مَا يدل على الْكَيْل كَقَوْلِهِم قفيز برا وَصَاع تَمرا
الْقسم الثَّالِث أَن يَقع بعد شبه هَذِه الْأَشْيَاء وَذكرت لذَلِك أَرْبَعَة أَمْثِلَة أَحدهَا قَول الله تَعَالَى {مِثْقَال ذرة خيرا} فَهَذَا يعد شبه الْوَزْن وَلَيْسَ بِهِ حَقِيقَة لِأَن مِثْقَال الذّرة لَيْسَ اسْما لشَيْء يُوزن بِهِ فِي عرفنَا الثَّانِي قَوْلهم عِنْدِي نحى سمنا والنحى بِكَسْر النُّون واسكان الْحَاء الْمُهْملَة وَبعدهَا يَاء خَفِيفَة اسْم لوعاء السّمن وَهَذَا يعد شبه الْكَيْل وَلَيْسَ بِهِ حَقِيقَة لِأَن النحى لَيْسَ مِمَّا يُكَال بِهِ السّمن وَيعرف بِهِ مِقْدَاره
انما هُوَ اسْم لوعائه فَيكون صَغِيرا وكبيرا وَمثله قَوْلهم وطب لَبَنًا والوطب بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون الطَّاء وبالباء الْمُوَحدَة اسْم لوعاء اللَّبن وَقَوْلهمْ سقاء مَاء وزق خمرًا وراقود خلا الثَّالِث مَا فِي السَّمَاء مَوضِع رَاحَة سحابا فسحابا وَاقع بعد مَوضِع رَاحَة وَهُوَ شَبيه بالمساحة وَالرَّابِع قَوْلهم على التمرة مثلهَا زبدا فزبدا وَاقع بعد مثل وَهِي شَبيهَة ان شِئْت بِالْوَزْنِ وان شِئْت بالمساحة
وَالْقسم الرَّابِع أَن يَقع بعد مَا هُوَ متفرع مِنْهُ كَقَوْلِهِم هَذَا خَاتم حديدا وَذَلِكَ لِأَن الْحَدِيد هُوَ الأَصْل والخاتم مُشْتَقّ مِنْهُ فَهُوَ فَرعه وَكَذَلِكَ بَاب ساجا وجبة خَزًّا وَنَحْو ذَلِك
وَأما أَقسَام التَّمْيِيز الْمُبين لجِهَة النِّسْبَة فَأَرْبَعَة
أَحدهَا أَن يكون محولا عَن الْفَاعِل كَقَوْل الله عز وجل {واشتعل الرَّأْس شيبا} أَصله واشتعل شيب الرَّأْس وَقَوله تَعَالَى {فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا} أَصله فَإِن طابت أَنْفسهنَّ لكم عَن شَيْء مِنْهُ فحول الْإِسْنَاد فيهمَا عَن الْمُضَاف وَهُوَ الشيب فِي الْآيَة الأولى والأنفس فِي الْآيَة الثَّانِيَة الى الْمُضَاف اليه وَهُوَ الرَّأْس وَضمير النسْوَة
فارتفعت الرَّأْس وَجِيء بدل الْهَاء وَالنُّون بنُون النسْوَة ثمَّ جِيءَ بذلك الْمُضَاف الَّذِي حول عَنهُ الْإِسْنَاد فضلَة وتمييزا وأفردت النَّفس بعد أَن كَانَت مَجْمُوعَة لِأَن التَّمْيِيز انما يطْلب فِيهِ بَيَان الْجِنْس وَذَلِكَ يتَأَدَّى بالمفرد
الثَّانِي أَن يكون محولا عَن الْمَفْعُول كَقَوْلِه تَعَالَى {وفجرنا الأَرْض عيُونا} قيل التَّقْدِير {وفجرنا} عُيُون الأَرْض وَكَذَا قيل فِي غرست الأَرْض شَجرا وَنَحْو ذَلِك
الثَّالِث أَن يكون محولا عَن غَيرهمَا كَقَوْلِه تَعَالَى {أَنا أَكثر مِنْك مَالا} أَصله مَالِي أَكثر فَحذف الْمُضَاف وَهُوَ المَال وأقيم الْمُضَاف اليه وَهُوَ ضمير الْمُتَكَلّم مقَامه فارتفع وانفصل وَصَارَ أَنا أَكثر مِنْك ثمَّ جِيءَ بالمحذوف تمييزا وَمثله زيد أحسن وَجها وَعَمْرو أنقى عرضا وَشبه ذَلِك التَّقْدِير وَجه زيد أحسن وَعرض عَمْرو أنقى
الرَّابِع أَن يكون غير محول كَقَوْل الْعَرَب لله دره فَارِسًا وحسبك بِهِ ناصرا وَقَول الشَّاعِر
(يَا جارتا مَا أَنْت جَاره
…
)
يَا حرف نِدَاء جارتا منادى مُضَاف للياء وَأَصله يَا جارتي فقلبت الكسرة فَتْحة وَالْيَاء ألفا مَا مُبْتَدأ وَهُوَ اسْم اسْتِفْهَام أَنْت خَبره والمعني عظمت كَمَا يُقَال زيد وَمَا زيد أَي شَيْء عَظِيم وجارة تَمْيِيز وَقيل حَال وَقيل مَا نَافِيَة وَأَنت اسْمهَا وجارة خبر مَا الحجازية أَي لست جَارة بل أَنْت أشرف من الجارة وَالصَّوَاب الأول وَيدل عَلَيْهِ قَول الشَّاعِر
(يَا سيدا مَا أَنْت من سيد
…
موطأ الأكناف رحب الذِّرَاع)
وَمن لَا تدخل على الْحَال وانما تدخل على التَّمْيِيز
ثمَّ قلت التَّاسِع الْمُسْتَثْنى بليس أَو بِلَا يكون أَو بِمَا خلا أَو بِمَا عدا مُطلقًا أَو بإلا بعد كَلَام تَامّ مُوجب أَو غير مُوجب وَتقدم الْمُسْتَثْنى نَحْو {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم}
وَمَالِي إِلَّا آل أَحْمد شيعَة
…
)
وَغير الْمُوجب إِن ترك فِيهِ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ فَلَا أثر فِيهِ لإلا وَيُسمى مفرغا نَحْو مَا قَامَ إِلَّا زيد وَإِن ذكر فَإِن كَانَ الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِلا فإتباعه للمستثنى مِنْهُ أرجح نَحْو {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُم} أَو مُنْقَطِعًا فتميم تجيز اتِّبَاعه ان صَحَّ التفريغ والمستثنى بِغَيْر وَسوى مخفوض وبخلا وَعدا وحاشا مخفوض أَو مَنْصُوب وتعرب غير بِاتِّفَاق وَسوى على الْأَصَح إِعْرَاب الْمُسْتَثْنى بإلا
وَأَقُول التَّاسِع من المنصوبات الْمُسْتَثْنى
وانما يجب نَصبه فِي خمس مسَائِل احداها أَن تكون أَدَاة الِاسْتِثْنَاء لَيْسَ كَقَوْلِك قَامُوا لَيْسَ زيدا وَقَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا أنهر الدَّم وَذكر اسْم الله فَكُلُوا لَيْسَ
السن وَالظفر فَلَيْسَ هُنَا بِمَنْزِلَة إِلَّا فِي الِاسْتِثْنَاء والمستثنى بهَا وَاجِب النصب مُطلقًا باجماع الثَّانِيَة أَن تكون أَدَاة الِاسْتِثْنَاء لَا يكون كَقَوْلِك قَامُوا لَا يكون زيدا فَلَا يكون أَيْضا بِمَنْزِلَة إِلَّا فِي الْمَعْنى والمستثنى بهَا وَاجِب النصب مُطلقًا كَمَا هُوَ وَاجِب مَعَ لَيْسَ
وَالْعلَّة فِي ذَلِك فيهمَا أَن الْمُسْتَثْنى بهما خبرهما وَسَيَأْتِي لنا أَن كَانَ وَلَيْسَ وأخواتهما يرفعن الِاسْم وينصبن الْخَبَر
فَإِن قلت فَأَيْنَ اسْمهَا
قلت مستتر فيهمَا وجوبا وَهُوَ عَائِد على الْبَعْض الْمَفْهُوم من الْكل السَّابِق وَكَأَنَّهُ قيل لَيْسَ بَعضهم زيدا وَلَا يكون بَعضهم زيدا وَمثله قَوْله تَعَالَى {يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِن كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ} أَي فَإِن كَانَت الْبَنَات وَذَلِكَ لِأَن الْأَوْلَاد قد تقدم ذكرهم وهم شاملون للذكور وَالْإِنَاث فَكَأَنَّهُ قيل أَولا يُوصِيكُم الله فِي بنيكم وبناتكم ثمَّ قيل فَإِن كن وَكَذَلِكَ هُنَا
الثَّالِثَة أَن تكون الأداة مَا خلا كَقَوْلِك جَاءَ الْقَوْم مَا خلا زيدا وَقَول لبيد بن ربيعَة العامري الصَّحَابِيّ
(أَلا كل شَيْء مَا خلا الله بَاطِل
…
وكل نعيم لَا محَالة زائل)
الرَّابِعَة أَن تكون الأداة مَا عدا كَقَوْلِك جَاءَ الْقَوْم مَا عدا زيدا وكقول الشَّاعِر
(تمل الندامى مَا عداني فإنني
…
بِكُل الَّذِي يهوى نديمي مولع)
فالياء فِي مَوضِع نصب بِدَلِيل لحاق نون الْوِقَايَة قبلهَا وَحكى الْجرْمِي والربعي والأخفش الْجَرّ بَعْدَمَا خلا وَمَا عدا وَهُوَ شَاذ فَلهَذَا لم أحفل بِذكرِهِ فِي الْمُقدمَة
فَإِن قلت لم وَجب عِنْد الْجُمْهُور النصب بعد مَا خلا وَمَا عدا وَمَا وَجه الْجَرّ الَّذِي حَكَاهُ الْجرْمِي وَالرجلَانِ
قلت أما وجوب النصب فَلِأَن مَا الدَّاخِلَة عَلَيْهِمَا مَصْدَرِيَّة وَمَا لَا تدخل الا على الْجُمْلَة الفعلية وَأما جَوَاز الْخَفْض فعلى تَقْدِير مَا زَائِدَة لَا مَصْدَرِيَّة وَفِي ذَلِك شذوذ فَإِن الْمَعْهُود فِي زِيَادَة مَا مَعَ حرف الْجَرّ أَن لَا تكون قبل الْجَار وَالْمَجْرُور بل بَينهمَا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {عَمَّا قَلِيل ليصبحن نادمين} {فبمَا نقضهم} {مِمَّا خطيئاتهم أغرقوا}
وَقَوْلِي مُطلقًا رَاجع الى الْمسَائِل الْأَرْبَع أَي سَوَاء تقدم الْإِيجَاب أَو النَّفْي أَو شبهه
الْخَامِسَة أَن تكون الأداة إِلَّا وَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتَيْنِ احداهما أَن تكون بعد كَلَام تَامّ مُوجب ومرادي بالتام أَن يكون الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مَذْكُورا وبالإيجاب أَن لَا يشْتَمل على نفي وَلَا نهي وَلَا اسْتِفْهَام وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم} وَقَوله تَعَالَى {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيس}
الثَّانِيَة أَن يكون الْمُسْتَثْنى مقدما على الْمُسْتَثْنى مِنْهُ كَقَوْل الْكُمَيْت يمدح آل الْبَيْت رضي الله عنهم
(وَمَالِي إِلَّا آل أَحْمد شيعَة
…
وَمَالِي إِلَّا مَذْهَب الْحق مَذْهَب)
وَلما انْتَهَيْت الى هُنَا استطردت فِي بَقِيَّة أَنْوَاع الْمُسْتَثْنى وان كَانَ بعض ذَلِك لَيْسَ من المنصوبات البته وَبَعضه مُتَرَدّد بَين بَاب المنصوبات وَغَيرهَا فَذكرت أَن الْكَلَام اذا كَانَ غير ايجاب وَهُوَ النَّفْي وَالنَّهْي والاستفهام فَإِن كَانَ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ محذوفا فَلَا عمل لإلأ وانما يكون الْعَمَل لما قبلهَا وَمن ثمَّ سموهُ اسْتثِْنَاء مفرغا لِأَن مَا قبلهَا قد تفرغ للْعَمَل فِيمَا بعْدهَا وَلم يشْغلهُ عَنهُ شَيْء تَقول مَا قَامَ الا زيد فَترفع زيدا على الفاعلية
وَمَا رَأَيْت الا زيدا فتنصبه على المفعولية وَمَا مَرَرْت الا بزيد فتخفضه بِالْبَاء كَمَا تفعل بِهن لَو لم تذكر إِلَّا وان كَانَ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ مَذْكُورا فإمَّا أَن يكون الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِلا وَهُوَ أَن يكون الْمُسْتَثْنى دَاخِلا فِي جنس الْمُسْتَثْنى مِنْهُ أَو مُنْقَطِعًا وَهُوَ أَن يكون غير دَاخل
فَإِن كَانَ مُتَّصِلا جَازَ فِي الْمُسْتَثْنى وَجْهَان أَحدهمَا وَهُوَ الرَّاجِح أَن يعرب بإعراب الْمُسْتَثْنى مِنْهُ على أَن يكون بَدَلا مِنْهُ بدل بعض من كل وَالثَّانِي النصب على أصل الِاسْتِثْنَاء وَهُوَ عَرَبِيّ جيد مِثَال ذَلِك فِي النَّفْي قَوْله تَعَالَى {وَلم يكن لَهُم شُهَدَاء إِلَّا أنفسهم} أَجمعت السَّبْعَة على رفع {أنفسهم} وَقَالَ تَعَالَى {مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُم} قَرَأَ السَّبْعَة إِلَّا ابْن عَامر بِرَفْع قَلِيل على أَنه بدل من الْوَاو فِي {فَعَلُوهُ} كَأَنَّهُ قيل مَا فعله إِلَّا {قَلِيل} مِنْهُم وَقَرَأَ ابْن عَامر وَحده إِلَّا قَلِيلا بِالنّصب ومثاله فِي النَّهْي قَوْله تَعَالَى {وَلَا يلْتَفت مِنْكُم أحد إِلَّا امْرَأَتك} قريء بِالرَّفْع وَالنّصب ومثاله فِي الِاسْتِفْهَام قَوْله تَعَالَى {وَمن يقنط من رَحْمَة ربه إِلَّا الضالون} أَجمعت السَّبْعَة على الْإِبْدَال من الضَّمِير الْمُسْتَتر فِي يقنط وَلَو قرئَ {الضَّالّين} بِالنّصب على الِاسْتِثْنَاء لم يمْتَنع وَلَكِن الْقِرَاءَة سنة متبعة
وان كَانَ مُنْقَطِعًا فالحجازيون يوجبون نَصبه وَهِي اللُّغَة الْعليا وَلِهَذَا أَجمعت السَّبْعَة على النصب فِي قَوْله تَعَالَى {مَا لَهُم بِهِ من علم إِلَّا اتِّبَاع الظَّن} وَقَوله تَعَالَى {وَمَا لأحد عِنْده من نعْمَة تجزى إِلَّا ابْتِغَاء وَجه ربه الْأَعْلَى} وَلَو أبدل مِمَّا قبله لقرئ بِرَفْع {إِلَّا اتِّبَاع} و {إِلَّا ابْتِغَاء} لِأَن كلا مِنْهُمَا فِي مَوضِع رفع اما على أَنه فَاعل بالجار وَالْمَجْرُور الْمُعْتَمد على النَّفْي واما على أَنه مُبْتَدأ تقدم خَبره عَلَيْهِ والتميميون يجيزون الْإِبْدَال ويختارون النصب قَالَ الشَّاعِر
(وبلدة لَيْسَ بهَا أنيس
…
إِلَّا اليعافير وَإِلَّا العيس)
فأبدل اليعافير والعيس من أنيس وَلَيْسَ من جنسه
وَذكرت أَيْضا أَن الْمُسْتَثْنى بِغَيْر وَسوى مخفوض دَائِما لِأَنَّهُمَا ملازمان للاضافة لما بعدهمَا فَكل اسْم يَقع بعدهمَا فهما مضافان اليه فَلذَلِك يلْزمه الْخَفْض
وَأَن الْمُسْتَثْنى بخلا وَعدا وحاشا يجوز فِيهِ الْخَفْض وَالنّصب فالخفض على أَن يقدرن حُرُوف جر وَالنّصب على أَن يقدرُونَ أفعالا استتر فاعلهن والمستثنى مفعول هَذَا هُوَ الصَّحِيح وَلم يجوز سِيبَوَيْهٍ فِي الْمُسْتَثْنى بعدا غير النصب لِأَنَّهُ يرى أَنَّهَا لَا تكون الا فعلا وَلَا فِي الْمُسْتَثْنى بحاشا غير الْجَرّ لِأَنَّهُ يرى أَنَّهَا لَا تكون الا حرفأ
ثمَّ قلت والبواقي خبر كَانَ وَأَخَوَاتهَا وَخبر كَاد وَأَخَوَاتهَا وَيجب كَونه مضارعا مُؤَخرا عَنْهَا رَافعا لضمير أسمائها مُجَردا من أَن بعد أَفعَال الشُّرُوع ومقرونا بهَا بعد حرى واخلولق وندر تجرد خبر عَسى وأوشك واقتران خبر كَاد وكرب وَرُبمَا رفع السببي بِخَبَر عَسى فَفِي قَوْله وماذا عَسى الْحجَّاج يبلغ جهده
فِيمَن رفع جهده شذوذان وَخبر مَا حمل على لَيْسَ وَاسم ان وَأَخَوَاتهَا
وَأَقُول الْعَاشِر من المنصوبات خبر كَانَ وَأَخَوَاتهَا نَحْو {وَكَانَ رَبك قَدِيرًا} {فأصبحتم بنعمته إخْوَانًا} {لَيْسُوا سَوَاء} {وأوصاني بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاة مَا دمت حَيا}
الْحَادِي عشر خبر كَاد وَأَخَوَاتهَا وَقد تقدم فِي بَاب المرفوعات أَن خبرهن لَا يكون الا فعلا مضارعا وَذكرت هُنَا أَنه يَنْقَسِم بِاعْتِبَار اقترانه بِأَن وتجرده مِنْهَا أَرْبَعَة أَقسَام أَحدهَا مَا يجب اقترانه بهَا وَهُوَ حرى واخلوق تَقول حرى
زيد أَن يفعل واخلولقت السَّمَاء أَن تمطر وَلَا أعرف من ذكر حرى من النَّحْوِيين غير ابْن مَالك وتوهم أَبُو حَيَّان أَنه وهم فِيهَا وانما هِيَ حرى بِالتَّنْوِينِ اسْما لَا فعلا وَأَبُو حَيَّان هُوَ الواهم بل ذكرهَا أَصْحَاب كتب الْأَفْعَال من اللغويين كالسرقسطي وَابْن طريف وأنشدوا عَلَيْهَا شعرًا وَهُوَ قَول الْأَعْشَى
(ان يقل هن من بني عبد شمس
…
فحرى أَن يكون ذَاك وَكَانَا)
الْقسم الثَّانِي مَا الْغَالِب اقترانه بهَا وَهُوَ عَسى وأوشك مِثَال ذكر أَن قَول الله تَعَالَى {عَسى ربكُم أَن يَرْحَمكُمْ} وَقَول الشَّاعِر
(وَلَو سُئِلَ النَّاس التُّرَاب لأوشكوا
…
اذا قيل هاتوا أَن يملوا فيمنعوا)
وَمِثَال تَركهَا قَول الشَّاعِر
(عَسى فرج يَأْتِي بِهِ الله إِنَّه
…
لَهُ كل يَوْم فِي خليقته أَمر)
وَقَول الآخر
(يُوشك من فر من منيته
…
فِي بعض غراته يُوَافِقهَا)
الْقسم الثَّالِث يتَرَجَّح تجرد خَبره من أَن وَهُوَ فعلان كَاد وكرب مِثَال التجرد مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وَقَول الشَّاعِر
(كرب الْقلب من جواه يذوب
…
حِين قَالَ الوشاة هِنْد غضوب)
وَمِثَال الاقتران بهَا قَول الشَّاعِر
(كَادَت النَّفس أَن تفيض عَلَيْهِ
…
مذثوى حَشْو ريطة وبرود)
وَقَوله
(سَقَاهَا ذَوُو الأحلام سجلا على الظما
…
وَقد كربت أعناقها أَن تقطعا)
تقطع فعل مضارع وَأَصله تتقطع فَحذف احدى التَّاءَيْنِ وَلم يذكر سِيبَوَيْهٍ فِي خبر كرب الا التجرد
الْقسم الرَّابِع مَا يمْتَنع اقتران خَبره بِأَن وَهُوَ أَفعَال الشُّرُوع طفق وَجعل وَأخذ وعلق وَأَنْشَأَ وهب وهلهل قَالَ الله تَعَالَى {وطفقا يخصفان}
وَقَالَ الشَّاعِر
(وَقد جعلت إِذا مَا قُمْت يثقلني
…
ثوبي فأنهض نَهَضَ الشَّارِب السكر)
وَقَالَ الشَّاعِر
(فَأخذت أسأَل والرسوم تُجِيبنِي
…
وَفِي الِاعْتِبَار إِجَابَة وسؤال)
وَقَالَ الآخر
(أَرَاك علقت تظلم من أجرنا
…
)
وَقَالَ
135 -
(أنشأت أعرب عَمَّا كَانَ مكنونا
…
)
وَقَالَ
(هببت ألوم الْقلب فِي طَاعَة الْهوى
…
)
وَقَالَ
(وطئنا ديار الْمُعْتَدِينَ فهلهلت
…
نُفُوسهم قبل الإماتة تزهق)
النَّوْع الثَّانِي عشر خبر مَا حمل على لَيْسَ وَهُوَ أَرْبَعَة
أَحدهَا لات كَقَوْلِه تَعَالَى {فَنَادوا ولات حِين مناص}
وَالثَّانِي مَا كَقَوْلِه تَعَالَى {مَا هَذَا بشرا}
وَالثَّالِث لَا كَقَوْل الشَّاعِر
(تعز فَلَا شَيْء على الأَرْض بَاقِيا
…
وَلَا وزر مِمَّا قضى الله واقيا)
وَالرَّابِع إِن النافية كَقَوْل الشَّاعِر
(إِن هُوَ مستوليا على أحد
…
إِلَّا على أَضْعَف المجانين)
وَقد تقدم شرح شروطهن مُسْتَوفى فِي بَاب المرفوعات
النَّوْع الثَّالِث عشر اسْم إِن وَأَخَوَاتهَا نَحْو إِن زيدا فَاضل وَلَعَلَّ عمرا قادم وليت بكرا حَاضر
ثمَّ قلت وَإِن قرنت بِمَا المزيدة ألغيت وجوبا إِلَّا لَيْت فجوازا
وَأَقُول مِثَال ذَلِك {إِنَّمَا الله إِلَه وَاحِد} {كَأَنَّمَا يساقون إِلَى الْمَوْت} وَقَول الشَّاعِر
(أعد نظرا يَا عبد قيس لعلما
…
أَضَاءَت لَك النَّار الْحمار المقيدا)
وَجه الاستشهاد بهما أَنه لَوْلَا الغاؤهما لم يَصح دخولهما على الْجُمْلَة الفعلية ولكان دخولهما على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَاجِبا واحترزت بالمزيدة من الموصولة نَحْو {أيحسبون أَنما نمدهم بِهِ من مَال وبنين} أَي أَن الَّذِي بِدَلِيل عود الضَّمِير من {بِهِ} اليها وَمن المصدرية نَحْو أعجبني أَنما قُمْت أَي قيامك وَقَوله تَعَالَى {إِنَّمَا صَنَعُوا كيد سَاحر} يحتملهما أَي
ان الَّذِي صنعوه أَو ان صنعهم وعَلى التَّأْويلَيْنِ جَمِيعًا فَإِن عاملة وَاسْمهَا فِي الْوَجْه الأول مَا دون صلتها وَفِي الْوَجْه الثَّانِي الِاسْم المنسبك من مَا وصلتها وَقَالَ النَّابِغَة
(قَالَت أَلا ليتما هَذَا الْحمام لنا
…
الى حمامتنا أَو نصفه فقد)
يرْوى بِنصب الْحمام وَرَفعه على الإعمال والإهمال وَذَلِكَ خَاص بليت أما الإهمال فلأنهم أَبقوا لَهَا الِاخْتِصَاص بِالْجُمْلَةِ الاسمية فَقَالُوا ليتما زيد قَائِم وَلم يَقُولُوا ليتما قَامَ زيد وَأما الإعمال فللحمل على أخواتها
ثمَّ قلت ويخفف ذُو النُّون مِنْهَا فتلغى لَكِن وجوبا وَكَأن قَلِيلا وَإِن غَالِبا ويغلب مَعهَا مُهْملَة اللَّام وَكَون الْفِعْل التَّالِي لَهَا نَاسِخا وَيجب استتار اسْم إِن وَكَون خَبَرهَا جملَة وَكَون الْفِعْل بعْدهَا دعائيا أَو جَامِدا أَو مَفْصُولًا بتنفيس أَو شَرط أَو قد أولو ويغلب لكأن مَا وَجب لِأَن إِلَّا أَن الْفِعْل بعْدهَا دَائِما خبري مفصول بقد أَو لم خَاصَّة
وَاسم لَا النافية للْجِنْس وَإِنَّمَا يظْهر نَصبه ان كَانَ مُضَافا أَو شبهه نَحْو لَا غُلَام سفر عندنَا وَلَا طالعا جبلا حَاضر
وَأَقُول يجوز فِي إِن وَلَكِن وَكَأن أَن تخفف استثقالا للتضعيف فِيمَا كثر اسْتِعْمَاله وتخفيفها بِحَذْف نونها المحركة لِأَنَّهَا آخر
ثمَّ ان كَانَ الْحَرْف المخفف إِن الْمَكْسُورَة جَازَ الإهمال والإعمال
وَالْأَكْثَر الإهمال نَحْو {إِن كل نفس لما عَلَيْهَا حَافظ} فِيمَن خفف مِيم {لما} وَأما من شددها فَإِن نَافِيَة وَلما بِمَعْنى إِلَّا وَمن إِعْمَال المخفف قِرَاءَة بعض السَّبْعَة {وَإِن كلا لما ليوفينهم}
وان كَانَ المخفف أَن الْمَفْتُوحَة وَجب بَقَاء عَملهَا وَوَجَب حذف اسْمهَا وَوَجَب كَون خَبَرهَا جملَة ثمَّ ان كَانَت اسمية فَلَا اشكال نَحْو {أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين} وان كَانَت فعلية وَجب كَونهَا دعائية
سَوَاء كَانَ دُعَاء بِخَير نَحْو {أَن بورك من فِي النَّار} أَو بشر نَحْو {وَالْخَامِسَة أَن غضب الله عَلَيْهَا} فِيمَن قَرَأَ من السبعه بِكَسْر الضَّاد وَفتح الْبَاء وَرفع اسْم الله أَو كَون الْفِعْل جَامِدا نَحْو {وَأَن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى} {وَأَن عَسى أَن يكون قد اقْترب أَجلهم} أَو مَفْصُولًا بِوَاحِد من أُمُور احدها النَّافِي وَلم يسمع إِلَّا فِي لن وَلم وَلَا نَحْو {أيحسب أَن لن يقدر عَلَيْهِ أحد} {أيحسب أَن لم يره أحد} {وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة} فِيمَن قَرَأَ بِرَفْع {تكون} وَالثَّانِي الشَّرْط نَحْو {وَقد نزل عَلَيْكُم فِي الْكتاب أَن إِذا سَمِعْتُمْ آيَات الله يكفر بهَا}
) الْآيَة وَالثَّالِث قد نَحْو {ونعلم أَن قد صدقتنا} وَالرَّابِع لَو نَحْو {أَن لَو نشَاء أصبناهم بِذُنُوبِهِمْ} وَالْخَامِس حرف التَّنْفِيس وَهُوَ السِّين نَحْو {علم أَن سَيكون مِنْكُم مرضى} وسوف كَقَوْلِه
(وَاعْلَم فَعلم الْمَرْء يَنْفَعهُ
…
أَن سَوف يَأْتِي كل مَا قدرا)
وان كَانَ الْحَرْف كَأَن فيغلب لَهَا مَا وَجب لِأَن لَكِن يجوز ثُبُوت اسْمهَا وافراد خَبَرهَا وَقد روى قَوْله
(وَيَوْما توافينا بِوَجْه مقسم
…
كَأَن ظَبْيَة تعطو الى وارق السّلم)
بِنصب الظبية على انه اسْم كَأَن وَالْجُمْلَة بعْدهَا صفة لَهَا وَالْخَبَر مَحْذُوف وَالتَّقْدِير كَأَن ظَبْيَة عاطية هَذِه الْمَرْأَة على التَّشْبِيه المعكوس وَهُوَ أبلغ وبرفع الظبية على أَنَّهَا الْخَبَر وَالْجُمْلَة بعْدهَا صفة وَالِاسْم مَحْذُوف وَالتَّقْدِير كَأَنَّهَا ظَبْيَة وبجر الظبية على زِيَادَة أَن بَين الْكَاف ومجرورها وَالتَّقْدِير كظبية
واذا حذف اسْمهَا وَكَانَ خَبَرهَا جملَة اسمية لم تحتج لفاصل نَحْو قَوْله
(وَوجه مشرق اللَّوْن
…
كَأَن ثدياه حقان)
أَو فعلية فصلت بقد نَحْو
(لَا يهولنك اصطلاء لظى الْحَرْب
…
فمحذورها كَأَن قد ألما)
أَو لم نَحْو {كَأَن لم تغن بالْأَمْس}
وان كَانَ الْحَرْف لَكِن وَجب الغاؤها نَحْو {وَلَكِن الله قَتلهمْ} فِيمَن قَرَأَ بتَخْفِيف النُّون وَعَن يُونُس والأحفش اجازة اعمالها وَلَيْسَ بمسموع وَلَا يَقْتَضِيهِ الْقيَاس لزوَال اختصاصها بالجمل الاسمية نَحْو {وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ}
النَّوْع الرَّابِع عشر اسْم لَا النافية للْجِنْس وَهُوَ ضَرْبَان مُعرب ومبني
فالمعرب مَا كَانَ مُضَافا نَحْو لَا غُلَام سفر عندنَا أَو شَبِيها بالمضاف وَهُوَ مَا اتَّصل بِهِ شَيْء من تَمَامه اما مَرْفُوع بِهِ نَحْو لَا حسنا وَجهه مَذْمُوم أَو مَنْصُوب بِهِ نَحْو لَا مفيضا خَيره مَكْرُوه وَلَا طالعا جبلا حَاضر أَو مخفوض بخافض مُتَعَلق بِهِ نَحْو لَا خيرا من زيد عندنَا
والمبني مَا عدا ذَلِك وَحكمه أَن يبْنى على مَا ينصب بِهِ لَو كَانَ معربا وَقد تقدم ذَلِك مشروحا فِي بَاب الْبناء
ثمَّ قلت والمضارع بعد ناصب وَهُوَ لن أَو كي المصدرية مُطلقًا واذن ان صدرت وَكَانَ الْفِعْل مُسْتَقْبلا مُتَّصِلا أَو مُنْفَصِلا بالقسم أَو بِلَا أَو بعد أَن المصدرية نَحْو {وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي} إِن لم تسبق بِعلم نَحْو {علم أَن سَيكون مِنْكُم مرضى} فَإِن سبقت بِظَنّ فَوَجْهَانِ نَحْو {وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة}
وَأَقُول هَذَا النَّوْع المكمل للمنصوبات الْخَمْسَة عشر وَهُوَ الْفِعْل الْمُضَارع التَّالِي ناصبا والنواصب أَرْبَعَة لن وكي واذن وَأَن
فَأَما لن فَإِنَّهَا حرف بِالْإِجْمَاع وَهِي بسيطة خلافًا للخليل فِي زَعمه
أَنَّهَا مركبة من لَا النافية وَأَن الناصبة وَلَيْسَت نونها مبدلة من ألف خلافًا للفراء فِي زَعمه أَن أَصْلهَا لَا وَهِي دَالَّة على نفي الْمُسْتَقْبل وعاملة النصب دَائِما بِخِلَاف غَيرهَا من الثَّلَاثَة فَلهَذَا قدمتها عَلَيْهَا فِي الذّكر قَالَ الله عز وجل {لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين} {فَلَنْ أَبْرَح الأَرْض} {أيحسب أَن لن يقدر عَلَيْهِ أحد} {أيحسب الْإِنْسَان ألن نجمع عِظَامه} وَأَن فِي هَاتين الْآيَتَيْنِ مُخَفّفَة من الثقلية وَأَصلهَا أَنه وَلَيْسَت الناصبة لِأَن الناصب لَا يدْخل على الناصب
وَأما كي فشرطها أَن تكون مَصْدَرِيَّة لَا تعليلية
وَيتَعَيَّن ذَلِك فِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {لكَي لَا يكون على الْمُؤمنِينَ حرج} فَاللَّام جَارة دَالَّة على التَّعْلِيل وكي مَصْدَرِيَّة بِمَنْزِلَة أَن لَا تعليلية لِأَن الْجَار لَا يدْخل على الْجَار
وَيمْتَنع أَن تكون مَصْدَرِيَّة فِي نَحْو جئْتُك كي أَن تكرمني
اذ لَا يدْخل الْحَرْف المصدري على مثله وَمثل هَذَا الِاسْتِعْمَال انما يجوز للشاعر كَقَوْلِه
(فَقَالَت أكل النَّاس أَصبَحت مانحا
…
لسَانك كَيْمَا أَن تغر وتخدعا)
وَلَا يجوز فِي النثر خلافًا للكوفيين
وَتقول جِئْت كي تكرمني فتحتمل كي أَن تكون
تعليلية جَارة وَالْفِعْل بعْدهَا مَنْصُوبًا بِأَن محذوفة وَأَن تكون مَصْدَرِيَّة ناصبة وَقبلهَا لَام جر مقدرَة
وَقَوْلِي مُطلقًا رَاجع الى لن وكي المصدرية فَإِن النصب لَا يتَخَلَّف عَنْهُمَا
وَلما كَانَت كي تَنْقَسِم الى ناصبة وَهِي المصدرية وَغير ناصبة وَهِي التعليلية أخرتها عَن لن
وَأما اذن فللنصب بهَا ثَلَاثَة شُرُوط
أَحدهَا أَن تكون مصدرة فَلَا تعْمل شَيْئا فِي نَحْو قَوْلك أَنا
اذن أكرمك لِأَنَّهَا مُعْتَرضَة بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَلَيْسَت صَدرا قَالَ الشَّاعِر
(لَئِن عَاد لي عبد الْعَزِيز بِمِثْلِهَا
…
وأمكنني مِنْهَا اذن لَا أقيلها)
فالرفع لعدم التصدر لَا لِأَنَّهَا فصلت عَن الْفِعْل لِأَن فصلها لَا مغتفر كَمَا يَأْتِي
وَالثَّانِي أَن يكون الْفِعْل بعْدهَا مُسْتَقْبلا فَلَو حَدثَك شخص بِحَدِيث فَقلت لَهُ إِذن تصدق رفعت لِأَن نواصب الْفِعْل تَقْتَضِي الِاسْتِقْبَال وَأَنت تُرِيدُ الْحَال فتدافعا
وَالثَّالِث أَن يكون الْفِعْل اما مُتَّصِلا أَو مُنْفَصِلا بالقسم أَو بِلَا النافية فَالْأول كَقَوْلِك إِذن أكرمك وَالثَّانِي نَحْو اذن وَالله أكرمك وَقَول الشَّاعِر
(إِذن وَالله نرميهم بِحَرب
…
تشيب الطِّفْل من قبل المشيب)
وَالثَّالِث نَحْو إِذن لَا أفعل
فَلَو فصل بِغَيْر ذَلِك لم يجز الْعَمَل كَقَوْلِك اذن يَا زيد أكرمك
وَأما أَن فَشرط النصب بهَا أَمْرَانِ
أَحدهمَا أَن تكون مَصْدَرِيَّة لَا زَائِدَة وَلَا مفسرة
الثَّانِي أَن لَا تكون مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَهِي التابعة علما أَو ظنا نزل مَنْزِلَته
مِثَال مَا اجْتمع فِيهِ الشرطان قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِي أطمع أَن يغْفر لي خطيئتي يَوْم الدّين} {وَالله يُرِيد أَن يَتُوب عَلَيْكُم}
وَمِثَال مَا انْتَفَى عَنهُ الشَّرْط الأول قَوْلك كتبت اليه أَن يفعل اذا أردْت بِأَن معنى أَي فَهَذِهِ يرْتَفع الْفِعْل بعْدهَا لِأَنَّهَا تَفْسِير لِقَوْلِك كتبت فَلَا مَوضِع لَهَا وَلَا لما دخلت عَلَيْهِ وَلَا يجوز لَك أَن تنصب كَمَا لَا تنصب لَو صرحت بِأَيّ فَإِن قدرت مَعهَا الْجَار وَهُوَ الْبَاء فَهِيَ مَصْدَرِيَّة وَوَجَب عَلَيْك أَن تنصب بهَا
وانما تكون أَن مفسرة بِثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا أَن يتَقَدَّم عَلَيْهَا جملَة وَالثَّانِي أَن تكون تِلْكَ الْجُمْلَة فِيهَا معنى القَوْل دون حُرُوفه وَالثَّالِث أَن لَا يدْخل عَلَيْهَا حرف جر لَا لفظا وَلَا تَقْديرا وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى {فأوحينا إِلَيْهِ أَن اصْنَع الْفلك} {وَإِذ أوحيت إِلَى الحواريين أَن آمنُوا بِي وبرسولي} {وَانْطَلق الْمَلأ مِنْهُم أَن امشوا}
أَي انْطَلَقت السنتهم بِهَذَا الْكَلَام
بِخِلَاف نَحْو {وَآخر دَعوَاهُم أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين} فَإِن الْمُتَقَدّم عَلَيْهَا غير جملَة وَبِخِلَاف نَحْو {مَا قلت لَهُم إِلَّا مَا أَمرتنِي بِهِ أَن اعبدوا الله} فَلَيْسَتْ أَن فِيهَا مفسرة لَقلت بل لأمرتني وَبِخِلَاف نَحْو كتبت اليه بِأَن افْعَل
وَمِثَال مَا انْتَفَى عَنهُ الشَّرْط الثَّانِي قَوْله تَعَالَى {علم أَن سَيكون مِنْكُم مرضى} {أَفلا يرَوْنَ أَلا يرجع إِلَيْهِم قولا} {وَحَسبُوا أَلا تكون فتْنَة} فِيمَن قَرَأَ بِرَفْع {تكون} أَلا ترى أَنَّهَا فِي الْآيَتَيْنِ الْأَوليين وَقعت بعد فعل الْعلم أما فِي الْآيَة الأولى فَوَاضِح وَأما فِي الْآيَة الثَّانِيَة فَلِأَن مرادنا بِالْعلمِ لَيْسَ لفظ ع ل م بل مَا دلّ على التَّحْقِيق فَهِيَ فيهمَا مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَاسْمهَا مَحْذُوف وَالْجُمْلَة بعْدهَا فِي مَوضِع رفع على الخبرية وَالتَّقْدِير علم أَنه سَيكون أَفلا يرَوْنَ أَنه لَا يرجع اليهم قولا
وَفِي الْآيَة الثَّالِثَة وَقعت بعد الظَّن لِأَن الحسبان ظن وَقد اخْتلف الْقُرَّاء فِيهَا فَمنهمْ من قَرَأَ بِالرَّفْع وَذَلِكَ على إِجْرَاء الظَّن مجْرى الْعلم فَتكون مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَاسْمهَا مَحْذُوف وَالْجُمْلَة بعْدهَا خَبَرهَا وَالتَّقْدِير وَحَسبُوا أَنَّهَا لَا تكون فتْنَة وَمِنْهُم من قَرَأَ بِالنّصب على اجراء الظَّن على أَصله وَعدم تنزله منزلَة الْعلم وَهُوَ الْأَرْجَح فَلهَذَا أَجمعُوا على النصب فِي نَحْو {أم حسبتم أَن تدْخلُوا الْجنَّة} {أم حسبتم أَن تتركوا} {أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا} {تظن أَن يفعل بهَا فاقرة} وَيُؤَيّد الْقِرَاءَة الأولى أَيْضا قَوْله تَعَالَى {أيحسب الْإِنْسَان ألن نجمع عِظَامه} {أيحسب أَن لن يقدر عَلَيْهِ أحد} {أيحسب أَن لم يره أحد} أَلا
ترى أَنَّهَا فِيهِنَّ مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة اذ لَا يدْخل الناصب على ناصب آخر وَلَا على جازم
ثمَّ قلت وتضمر أَن بعد ثَلَاثَة من حُرُوف الْجَرّ وَهِي كي نَحْو {كي لَا يكون دولة} وَحَتَّى إِن كَانَ الْفِعْل مُسْتَقْبلا بِالنّظرِ الى مَا قبلهَا نَحْو {حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى} وَأسْلمت حَتَّى أَدخل الْجنَّة وَاللَّام تعليلية مَعَ الْمُضَارع الْمُجَرّد من لَا نَحْو {ليغفر لَك الله} بِخِلَاف {لِئَلَّا يعلم} أَو جحودية نَحْو مَا كنت أَو لم أكن لأَفْعَل
وَبعد ثَلَاثَة من حُرُوف الْعَطف وَهِي أَو الَّتِي بِمَعْنى الى نَحْو لألزمنك أَو تفضيني حَقي أَو الا نَحْو لأقتلنه أَو يسلم وَفَاء السَّبَبِيَّة وواو الْمَعِيَّة مسبوقين بِنَفْي مَحْض أَو طلب بِغَيْر اسْم الْفِعْل نَحْو {لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا} {وَيعلم الصابرين} وَنَحْو {وَلَا تطغوا فِيهِ فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي}
(وَلَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله
…
)
وَبعد الْفَاء وَالْوَاو وأو وَثمّ إِن عطفن على اسْم خَالص نَحْو {أَو يُرْسل رَسُولا}
و (للبس عباءة وتقر عَيْني
…
)
وَلَك مَعَهُنَّ وَمَعَ لَام التَّعْلِيل اظهار أَن
وَأَقُول اخْتصّت أَن بانها تنصب الْمُضَارع ظَاهِرَة ومقدرة بِخِلَاف أخواتها الثَّلَاث فَإِنَّهَا لَا تنصبه الا ظَاهِرَة وانما تضمر فِي الْغَالِب بعد حرف جر أَو حرف عطف
فَأَما حُرُوف الْجَرّ الَّتِي تضمر بعْدهَا فَثَلَاثَة حَتَّى وَاللَّام وكي التعليلية
أما حَتَّى فنحو {حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله} {حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى} وَلَيْسَ النصب بحتى نَفسهَا خلافًا للكوفيين وَلَا يجوز اظهار أَن بعْدهَا فِي شعر وَلَا نثر
وَيشْتَرط لإضمار أَن بعْدهَا أَن يكون الْفِعْل مُسْتَقْبلا بِالنّظرِ الى مَا قبلهَا سَوَاء كَانَ مُسْتَقْبلا بِالنّظرِ الى زمن التَّكَلُّم أَولا فَالْأول
كَقَوْلِه تَعَالَى {لن نَبْرَح عَلَيْهِ عاكفين حَتَّى يرجع إِلَيْنَا مُوسَى} أَلا ترى أَن رُجُوع مُوسَى عليه السلام مُسْتَقْبل بِالنّظرِ الى مَا قبل حَتَّى وَهُوَ ملازمتهم للعكوف على عبَادَة الْعجل وَكَذَلِكَ قَوْلك أسلمت حَتَّى أَدخل الْجنَّة وَالثَّانِي كَقَوْلِه تَعَالَى {وزلزلوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول} فِي قِرَاءَة من نصب {يَقُول} فَإِن قَول الرَّسُول وَالْمُؤمنِينَ مُسْتَقْبل بِالنّظرِ الى الزلزال لَا بِالنّظرِ الى زمن الْإِخْبَار فَإِن الله عز وجل قصّ علينا ذَلِك بعد مَا وَقع
وَلَو لم يكن الْفِعْل الَّذِي بعد حَتَّى مُسْتَقْبلا بِأحد الاعتبارين امْتنع اضمار أَن وَتعين الرّفْع وَذَلِكَ كَقَوْلِك سرت حَتَّى أدخلها اذا قلت ذَلِك وَأَنت فِي حَالَة الدُّخُول وَمن ذَلِك قَوْلهم شربت الْإِبِل حَتَّى يَجِيء الْبَعِير يجر بَطْنه وَمرض زيد حَتَّى لَا يرجونه فَإِن الْمَعْنى حَتَّى حَالَة الْبَعِير أَنه يَجِيء يجر بَطْنه وَحَتَّى حَالَة الْمَرِيض أَنهم لَا يرجونه وَمن الْوَاضِح فِيهِ أَنَّك تَقول سَأَلت عَن هَذِه الْمَسْأَلَة حَتَّى لَا أحتاج الى السُّؤَال أَي حَتَّى حالتي الْآن أنني لَا أحتاج الى السُّؤَال عَنْهَا
وَأما اللَّام فلهَا أَرْبَعَة أَقسَام أَحدهَا اللَّام التعليلية نَحْو {وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس} وَمِنْه {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر}
فان قلت لَيْسَ فتح مَكَّة عِلّة للمغفرة
قلت هُوَ كَمَا ذكرت وَلكنه لم يَجْعَل عِلّة لَهَا وانما جعل عِلّة لِاجْتِمَاع الْأُمُور الْأَرْبَعَة للنَّبِي صلى الله عليه وسلم وَهِي الْمَغْفِرَة وإتمام النِّعْمَة وَالْهِدَايَة الى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَحُصُول النَّصْر الْعَزِيز وَلَا شكّ فِي أَن اجتماعها لَهُ صلى الله عليه وسلم حصل حِين فتح الله تَعَالَى مَكَّة عَلَيْهِ
وانما مثلت بِهَذِهِ الْآيَة لِأَنَّهَا قد يخفي التَّعْلِيل فِيهَا على من لم يَتَأَمَّلهَا
الثَّانِيَة لَام الْعَاقِبَة وَتسَمى أَيْضا لَام الصيرورة وَلَام الْمَآل وَهِي الَّتِي يكون مَا بعْدهَا نقيضا لمقْتَضى مَا قبلهَا نَحْو {فالتقطه آل فِرْعَوْن ليَكُون لَهُم عدوا وحزنا} فَإِن التقاطهم لَهُ انما كَانَ لرأفتهم عَلَيْهِ وَلما ألْقى الله تَعَالَى عَلَيْهِ من الْمحبَّة فَلَا يرَاهُ أحد إِلَّا أحبه فقصدوا أَن يصيروه قُرَّة عين لَهُم فآل بهم الْأَمر الى أَن صَار عدوا لَهُم وحزنا
الثَّالِثَة اللَّام الزَّائِدَة وَهِي الْآتِيَة بعد فعل مُتَعَدٍّ نَحْو {يُرِيد الله ليبين لكم}
{إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس} {وأمرنا لنسلم لرب الْعَالمين} فَهَذِهِ الْأَقْسَام الثَّلَاثَة يجوز لَك إِظْهَار أَن بعدهن قَالَ الله تَعَالَى {وَأمرت لِأَن أكون}
الرَّابِعَة لَام الْجُحُود وَهِي الْآتِيَة بعد كَون مَاض منفى كَقَوْل الله تَعَالَى {مَا كَانَ الله ليذر الْمُؤمنِينَ على مَا أَنْتُم عَلَيْهِ} {وَمَا كَانَ الله ليطلعكم على الْغَيْب} وَهَذِه يجب إِضْمَار أَن بعْدهَا
وَأما كي فَفِي نَحْو جئْتُك كي تكرمني اذا قدرتها تعليلية بِمَنْزِلَة اللَّام وَالتَّقْدِير جئْتُك كي أَن تكرمني وَلَا يجوز التَّصْرِيح بِأَن بعْدهَا الا فِي الشّعْر خلافًا للكوفيين وَقد مضى ذَلِك
وَأما حُرُوف الْعَطف فَأَرْبَعَة وَهِي أَو وَالْوَاو وَالْفَاء وَثمّ وَهَذِه الْأَرْبَعَة مِنْهَا مَا لَا يجوز مَعَه الْإِظْهَار وَهُوَ أَو وَمِنْهَا مَا لَا يجب مَعَه الْإِضْمَار وَهُوَ ثمَّ وَمِنْهَا مَا تَارَة يجب مَعَه الْإِضْمَار وَتارَة يجوز مَعَه الْإِضْمَار والإظهار وَهُوَ الْفَاء وَالْوَاو وَهَذَا كُله يفهم مِمَّا ذكرت فِي الْمُقدمَة
فَأَما أَو فينتصب الْمُضَارع بِأَن مضمرة بعْدهَا وجوبا اذا صَحَّ فِي موضعهَا الى أَو الا فَالْأول كَقَوْلِك لألزمنك أَو تقضيني حَقي وَقَوله
(لأستسهلن الصعب أَو أدْرك المنى
…
فَمَا انقادت الآمال إِلَّا لصابر)
وَالثَّانِي كَقَوْلِك لأقتلن الْكَافِر أَو يسلم وَقَوله
(وَكنت اذا غمزت قناة قوم
…
كسرت كعوبها أَو تستقيما)
أَي الا أَن تستقيم فَلَا أكسر كعوبها وَلَا يجوز أَن يكون التَّقْدِير كسرت كعوبها الى أَن تستقيم لِأَن الْكسر لَا استقامة مَعَه
وَأما الْفَاء وَالْوَاو فينتصب الْفِعْل الْمُضَارع بِأَن مضمرة بعدهمَا وجوبا بِشَرْطَيْنِ لَا بُد مِنْهُمَا
أَحدهمَا أَن تكون الْفَاء للسَّبَبِيَّة وَالْوَاو للمعية فَلهَذَا رفع الْفِعْل فِي قَوْله
(ألم تسْأَل الرّبع القواء فينطق
…
)
وَذَلِكَ لِأَن الْفَاء لَو كَانَت عاطفة لجزم مَا بعْدهَا وَلَو كَانَت للسَّبَبِيَّة انتصب مَا بعْدهَا فَلَمَّا ارْتَفع دلّ على أَنَّهَا للاستئناف وَقَالَ الله تَعَالَى {وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون} الْفَاء هُنَا عاطفة كَمَا سَيَأْتِي
الثَّانِي أَن يَكُونَا مسبوقين بِنَفْي أَو طلب فَلَا يجوز النصب فِي نَحْو زيد يأتينا فيحدثنا فَأَما قَوْله
(سأترك منزلي لبني تَمِيم
…
وَألْحق بالحجاز فأستريحا)
فضرورة وَقيل الأَصْل فأستريحن بنُون التوكيد الْخَفِيفَة فأبدلت فِي الْوَقْف ألفا كَمَا تقف على {لنسفعا} بِالْألف وَهَذَا التَّخْرِيج هروب من ضَرُورَة الى ضَرُورَة فَإِن توكيد الْفِعْل فِي غير الطّلب وَالشّرط وَالْقسم ضَرُورَة
وَقَوْلنَا طلب يَشْمَل الْأَمر وَالنَّهْي وَالدُّعَاء وَالْعرض والتحضيض وَالتَّمَنِّي والاستفهام فَهَذِهِ سَبْعَة مَعَ النَّفْي صَارَت ثَمَانِيَة
وَهَذِه الْمَسْأَلَة الَّتِي يعبر عَنْهَا بِمَسْأَلَة الْأَجْوِبَة الثَّمَانِية وَلكُل مِنْهَا نصيب من القَوْل يَخُصُّهُ فلنتكلم على ذَلِك بِمَا يكْشف اشكاله فَنَقُول أما النَّفْي فنحو قَوْلك مَا تَأتِينِي فأكرمك وَلَك فِي هَذَا أَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَن تقدر الْفَاء لمُجَرّد عطف لفظ الْفِعْل على لفظ مَا قبلهَا فَيكون شَرِيكه فِي اعرابه فَيجب هُنَا الرّفْع لِأَن الْفِعْل الَّذِي قبلهَا
مَرْفُوع والمعطوف شريك الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فكأنك قلت مَا تَأتِينِي فَمَا أكرمك فَهُوَ شَرِيكه فِي النَّفْي الدَّاخِل عَلَيْهِ وعَلى هَذَا قَوْله تَعَالَى {هَذَا يَوْم لَا ينطقون وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون} فالفاء هُنَا عاطفة كَمَا ذكرنَا وَالْفِعْل الَّذِي بعْدهَا دَاخل فِي سلك النَّفْي السَّابِق فَكَأَنَّهُ قيل لَا يُؤذن لَهُم فَلَا يَعْتَذِرُونَ
الثَّانِي أَن تقدر الْفَاء لمُجَرّد السَّبَبِيَّة وَيقدر الْفِعْل الَّذِي بعْدهَا مستأنفا وَمَعَ استئنافه يقدر مَبْنِيا على مُبْتَدأ مَحْذُوف فَيجب الرّفْع أَيْضا لخلو الْفِعْل عَن الناصب والجازم فَتَقول مَا تَأتِينِي فأكرمك بِمَعْنى فَأَنا أكرمك لكونك لم تأتني وَذَلِكَ اذا كنت كَارِهًا لإتيانه ويوضح هَذَا أَنَّك تَقول مَا زيد قاسيا فيعطف على عَبده أَي فَهُوَ لانْتِفَاء الْقَسْوَة عَنهُ يعْطف على عَبده
وَالْفرق بَين هَذَا الْوَجْه وَالَّذِي قبله وَاضح لِأَن الْوَجْه الأول شَمل النَّفْي فِيهِ مَا قبل الْفَاء وَمَا بعْدهَا وَهَذَا الْوَجْه انصب النَّفْي فِيهِ الى مَا قبل الْفَاء خَاصَّة دون مَا بعْدهَا وَذَلِكَ لِأَنَّك لم تجْعَل الْفَاء لعطف الْفِعْل الَّذِي بعْدهَا على الْمَنْفِيّ الَّذِي قبله فَيكون شَرِيكه فِي النَّفْي وانما أخلصتها للسَّبَبِيَّة
وَيذكر النحويون هذَيْن الْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلك مَا تَأْتِينَا فتحدثنا وَهَذَا
سَهْو اذ يَسْتَحِيل أَن يَنْتَفِي الْإِتْيَان وَيُوجد الحَدِيث وَالصَّوَاب مَا مثلت لَك بِهِ
الثَّالِث أَن تقدر الْفَاء عاطفة لعطف مصدر الْفِعْل بعْدهَا على الْمصدر المؤول مِمَّا قبلهَا وتقدر النَّفْي منصبا على الْمَعْطُوف دون الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فَيجب حِينَئِذٍ النصب بِأَن مضمرة وجوبا وَالتَّقْدِير مَا يكون مِنْك اتيان فإكرام مني أَي مَا يكون مِنْك اتيان فيعقبه مني إكرام بل يكون مِنْك إتْيَان وَلَا يكون مني إكرام
الرَّابِع أَن تقدر أَيْضا الْفَاء لعطف مصدر الْفِعْل الَّذِي بعْدهَا على الْمصدر المؤول مِمَّا قبلهَا وَلَكِن تقدر النَّفْي منصبا على الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فَيَنْتَفِي الْمَعْطُوف لِأَنَّهُ مسبب عَنهُ وَقد انْتَفَى وَيكون معنى الْكَلَام مَا يكرن مِنْك إتْيَان فَكيف يكون مني إكرام
وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ سائغان فِي مَا تَأْتِينَا فتحدثنا اذ يَصح أَن يُقَال مَا تَأْتِينَا مُحدثا بل تَأْتِينَا غير مُحدث وَأَن يُقَال مَا تَأْتِينَا فَكيف تحدثنا
وتلخص أَن لنا فِي الرّفْع وَجْهَيْن وَفِي النصب وَجْهَيْن
فان قلت هَل يجوز أَن يقْرَأ {وَلَا يُؤذن لَهُم فيعتذرون} بِالنّصب على أحد الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورين للنصب
قلت نعم يجوز على الْوَجْه الثَّانِي وَهُوَ مَا تَأْتِينَا فَكيف تحدثنا أَي لَا يُؤذن لَهُم بالاعتذار فَكيف يَعْتَذِرُونَ وَيمْتَنع على الْوَجْه الأول وَهُوَ مَا تَأْتِينَا مُحدثا بل تَأْتِينَا غير مُحدث أَلا ترى أَن الْمَعْنى حِينَئِذٍ لَا يُؤذن لَهُم فِي حَالَة اعتذارهم بل يُؤذن لَهُم فِي غير حَالَة اعتذارهم وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنى مرَادا
فَإِن قلت فَإِذا كَانَ النصب فِي الْآيَة جَائِزا على الْوَجْه الَّذِي ذكرته فَمَا باله لم يقْرَأ بِهِ أحد من الْقُرَّاء الْمَشْهُورين
قلت لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن الْقِرَاءَة سنة متبعة وَلَيْسَ كل مَا تجوزه الْعَرَبيَّة تجوز الْقِرَاءَة بِهِ وَالثَّانِي أَن الرّفْع هُنَا بِثُبُوت النُّون فَيحصل بذلك تناسب رُؤُوس الْآي وَالنّصب بحذفها فيزول مَعَه التناسب
وَمن مَجِيء النصب بعد النَّفْي قَول الله عز وجل {لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا} وَالنّصب هُنَا على معنى قَوْلك مَا تَأْتِينَا فَكيف تحدثنا لَا على معنى قَوْلك مَا تَأْتِينَا مُحدثا بل غير مُحدث
وَلَو قلت مَا تَأْتِينَا الا فتحدثنا أَو مَا تزَال تَأْتِينَا فتحدثنا وَجب
الرّفْع وَذَلِكَ لِأَن النَّفْي فِي الْمِثَال الأول قد انْتقض بإلا وَفِي الْمِثَال الثَّانِي هُوَ دَاخل على زَالَ وَزَالَ للنَّفْي وَنفي النَّفْي ايجاب
وَأما الْأَمر فكقوله
(يَا ناق سيري عنقًا فسيحا
…
الى سُلَيْمَان فنستريحا)
وَشَرطه أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن يكون بِصِيغَة الطّلب فَلَو قلت حَسبك حَدِيث فينام النَّاس بِالنّصب لم يجز خلافًا للكسائي وَالثَّانِي أَن لَا يكون بِلَفْظ اسْم الْفِعْل فَلَا يجوز أَن تَقول صه
فنكرمك بِالنّصب هَذَا قَول الْجُمْهُور وَخَالفهُم الْكسَائي فَأجَاز النصب مُطلقًا وَفصل ابْن جني وَابْن عُصْفُور فأجازاه اذا كَانَ اسْم الْفِعْل من لفظ الْفِعْل نَحْو نزال فنحدثك ومنعاه اذا لم يكن من لَفظه نَحْو صه فنكرمك وَمَا أَحْرَى هَذَا القَوْل بِأَن يكون صَوَابا
وَأما النَّهْي فكقولك لَا تفعل شرا فأعاقبك وَقَول الله تَعَالَى {لَا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بِعَذَاب} {وَلَا تطغوا فِيهِ فَيحل عَلَيْكُم غَضَبي} وَلَو نقضت النَّهْي بإلا قبل الْفَاء لم تنصب نَحْو لَا تضرب الا عمرا فيغضب فَيجب فِي يغْضب الرّفْع
وَأما الدُّعَاء فكقولك اللَّهُمَّ تب عَليّ فأتوب وَقَول الله تَعَالَى {رَبنَا اطْمِسْ على أَمْوَالهم وَاشْدُدْ على قُلُوبهم فَلَا يُؤمنُوا حَتَّى يرَوا الْعَذَاب الْأَلِيم} وَقَول الشَّاعِر
(رب وفقني فَلَا أعدل عَن
…
سنَن الساعين فِي خير سنَن)
وَشَرطه أَن يكون بِالْفِعْلِ فَلَو قلت سقيا لَك فيرويك الله لم يجز النصب
وَأما الِاسْتِفْهَام فشرطه أَن لَا يكون بأداة تَلِيهَا جملَة اسمية خَبَرهَا جامد فَلَا يجوز النصب فِي نَحْو هَل أَخُوك زيد فَأكْرمه
وَلَا فرق بَين الِاسْتِفْهَام بالحرف نَحْو {فَهَل لنا من شُفَعَاء فيشفعوا لنا} والاستفهام بِالِاسْمِ نَحْو {من ذَا الَّذِي يقْرض الله قرضا حسنا فيضاعفه} يقْرَأ بِرَفْع {يُضَاعف} ونصبه وَفِي الحَدِيث حِكَايَة عَن الله تَعَالَى من يدعوني فأستجيب لَهُ وَمن يستغفرني فَأغْفِر لَهُ والاستفهام بالظرف نَحْو أَيْن بَيْتك فأزورك وَمَتى تسير فأرافقك وَكَيف تكون فأصحبك
فَإِن قلت فَمَا بَال الْفِعْل لم ينصب فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام فِي قَول الله عز وجل {ألم تَرَ أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة}
قلت لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن الِاسْتِفْهَام هُنَا مَعْنَاهُ الْإِثْبَات وَالْمعْنَى قد رَأَيْت أَن الله أنزل من السَّمَاء مَاء وَالثَّانِي أَن إصباح الأَرْض مخضرة لَا يتسبب عَمَّا دخل عَلَيْهِ الِاسْتِفْهَام وَهُوَ رُؤْيَة الْمَطَر وانما يتسبب ذَلِك عَن نزُول الْمَطَر نَفسه فَلَو كَانَت الْعبارَة أنزل الله من السَّمَاء مَاء فَتُصْبِح الأَرْض مخضرة ثمَّ دخل الِاسْتِفْهَام صَحَّ النصب
فَإِن قلت يرد هَذَا الْوَجْه قَوْله تَعَالَى {أعجزت أَن أكون مثل هَذَا الْغُرَاب فأواري سوأة أخي} فَإِن مواراة السوأة لَا يتسبب عَمَّا دخل عَلَيْهِ حرف الِاسْتِفْهَام لِأَن الْعَجز عَن الشَّيْء لَا يكون سَببا فِي حُصُوله
قلت لَيْسَ {أواري} مَنْصُوبًا فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام وانما ومنصوب بالْعَطْف على الْفِعْل الْمَنْصُوب وَهُوَ {أكون}
فَإِن قلت فقد جعله الزَّمَخْشَرِيّ مَنْصُوبًا فِي جَوَاب الِاسْتِفْهَام
قلت هُوَ غالظ فِي ذَلِك
وَأما الْعرض فكقول بعض الْعَرَب أَلا تقع فِي المَاء فتسبح وكقولك أَلا تَأْتِينَا فتحدثنا وَقَول الشَّاعِر
(يَا ابْن الْكِرَام أَلا تَدْنُو فتبصر مَا
…
قد حدثوك فَمَا رَاء كمن سمعا)
وَأما التحضيض فكقولك هلا اتَّقَيْت الله تَعَالَى فَيغْفر لَك وهلا أسلمت فَتدخل الْجنَّة وَهُوَ وَالْعرض متقاربان يجمعهما التَّنْبِيه على الْفِعْل الا أَن فِي التحضيض زِيَادَة توكيد وحث
وَأما قَوْله تَعَالَى {لَوْلَا أخرتني إِلَى أجل قريب فَأَصدق} فَمن بَاب النصب فِي جَوَاب الدُّعَاء وَلَكِن استعيرت فِيهِ عبارَة التحضيض أَو الْعرض للدُّعَاء
وَأما التَّمَنِّي فكقوله تَعَالَى {يَا لَيْتَني كنت مَعَهم فأفوز فوزا عَظِيما} وَقَول الشَّاعِر
(أَلا رَسُول لنا مِنْهَا فيخبرنا
…
)
فَهَذِهِ أَمْثِلَة النصب بعد فَاء السَّبَبِيَّة فِي هَذِه الْمَوَاضِع الثَّمَانِية
وَأما النصب بعد وَاو الْمَعِيَّة فِي الْمَوَاضِع الْمَذْكُورَة فَسمع فِي خَمْسَة وقاسه النحويون فِي ثَلَاثَة
فالخمسة المسموع فِيهَا أَحدهَا النَّفْي كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم وَيعلم الصابرين}
) وَالْمعْنَى وَالله أعلم انكم تجاهدون وَلَا تصبرون وتطعمون أَن تدْخلُوا الْجنَّة وانما يَنْبَغِي لكم الطمع فِي ذَلِك اذا اجْتمع مَعَ جهادكم الصَّبْر على مَا يُصِيبكُم فِيهِ فَيعلم الله حِينَئِذٍ ذَلِك وَاقعا مِنْكُم وَالْوَاو من قَوْله تَعَالَى {وَلما} وَاو الْحَال وَالتَّقْدِير بل أحسبتم أَن تدْخلُوا الْجنَّة وحالكم هَذِه الْحَالة
وَالثَّانِي الْأَمر كَقَوْلِه
(فَقلت ادعِي وأدعو ان أندى
…
لصوت أَن يُنَادي داعيان)
وَالثَّالِث النهى كَقَوْل الشَّاعِر
(يَا أَيهَا الرجل الْمعلم غَيره
…
هلا لنَفسك كَانَ ذَا التَّعْلِيم)
(ابدأ بِنَفْسِك فانهها عَن غيها
…
فَإِذا انْتَهَت عَنهُ فَأَنت حَكِيم)
(فهناك يسمع مَا تَقول ويشتفى
…
بالْقَوْل مِنْك وينفع التَّعْلِيم)
(لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله
…
عَار عليلك اذا فعلت عَظِيم)
وَتقول لَا تَأْكُل السّمك وتشرب اللَّبن فَإِذا أردْت بِالْوَاو عطف الْفِعْل على الْفِعْل جزمت الثَّانِي وَكَانَ شريك الأول فِي النَّهْي وكأنك قلت لَا تفعل هَذَا وَلَا هَذَا وَحِينَئِذٍ فيلتقي ساكنان الْبَاء وَاللَّام فتكسر الْبَاء على أصل التقاء الساكنين وَإِن أردْت عطف مصدر الْفِعْل على مصدر مُقَدّر مِمَّا قبله نصبت الْفِعْل بِأَن مضمرة وَكَانَ النَّهْي حِينَئِذٍ عَن الْجمع بَينهمَا وان أردْت الِاسْتِئْنَاف رفعت الثَّانِي
وَالرَّابِع التَّمَنِّي كَقَوْلِه تَعَالَى {يَا ليتنا نرد وَلَا نكذب بآيَات رَبنَا ونكون من الْمُؤمنِينَ}
وَالْخَامِس الِاسْتِفْهَام كَقَوْلِه وَهُوَ الحطيئة
(ألم أك جاركم وَيكون بيني
…
وَبَيْنكُم الْمَوَدَّة والإخاء)
وينتصب الْفِعْل الْمُضَارع بِأَن مضمرة جَوَازًا لَا وجوبا بعد أَرْبَعَة أحرف وَهِي الْفَاء وَثمّ وَالْوَاو وأو وَذَلِكَ اذا عطفن على اسْم صَرِيح
مِثَال ذَلِك بعد أَو قَول الله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل رَسُولا فَيُوحِي بِإِذْنِهِ} يقْرَأ فِي السَّبع بِرَفْع يُرْسل ونصبه وَقَالَ أَبُو بكر بن مُجَاهِد المقريء رحمه الله قريء {لَو أَن لي بكم قُوَّة أَو آوي} بِنصب آوي وَلَا وَجه لَهُ ورد عَلَيْهِ ابْن جني فِي محتسبه وَغَيره وَقَالُوا وَجههَا كوجه قِرَاءَة أَكثر السَّبْعَة {أَو يُرْسل رَسُولا} بِالنّصب وَذَلِكَ لتقدم الِاسْم
الصَّرِيح وَهُوَ {قُوَّة} فَكَأَنَّهُ قيل لَو أَن لي بكم قُوَّة أَو ايواء الى ركن شَدِيد
وَمِثَال ذَلِك بعد الْوَاو قَول مَيْسُونُ بنت بَحْدَل (للبس عباءة وتقر عَيْني
…
أحب الي من لبس الشفوف)
الرِّوَايَة فِيهِ بِنصب تقر وَذَلِكَ بِأَن مضمرة على أَنه مَعْطُوف على اللّبْس فَكَأَنَّهُ قَالَ للبس عباءة وقرة عَيْني
وَمِثَال ذَلِك بعد الْفَاء قَوْله
(لَوْلَا توقع معتر فأرضيه
…
مَا كنت أوثر إترابا على ترب)
وَمِثَال ذَلِك بعد ثمَّ قَول الشَّاعِر (اني وقتلي سليكا ثمَّ أعقله
…
كالثور يضْرب لما عافت الْبَقر)
وَكَانَت الْعَرَب اذا رَأَتْ الْبَقر قد عافت وُرُود المَاء تعمد الى الثور فتضربه فَترد الْبَقر حِينَئِذٍ المَاء وَلَا تمْتَنع مِنْهُ فِرَارًا من الضَّرْب أَن يُصِيبهَا وانما امْتَنعُوا من ضربهَا لِضعْفِهَا عَن حمله بِخِلَاف الثور
وَقَوْلِي اسْم صَرِيح احْتِرَاز من نَحْو مَا تَأْتِينَا فتحدثنا فَإِن الْعَطف فِيهِ وان كَانَ على اسْم مُتَقَدم فَإنَّا قد قدمنَا أَن التَّقْدِير مَا يكون مِنْك اتيان فَحَدِيث لَكِن ذَلِك الِاسْم لَيْسَ بِصَرِيح فإضمار أَن هُنَاكَ وَاجِب لَا جَائِز بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا هَذِه فَإِن إِضْمَار أَن جَائِز بل نَص ابْن مَالك فِي شرح الْعُمْدَة على أَن الْإِظْهَار أحسن من الْإِضْمَار
بَاب المجرورات
ثمَّ قلت بَاب المجرورات ثَلَاثَة أَحدهَا الْمَجْرُور بالحرف وَهُوَ من والى وَعَن وعَلى وَالْبَاء وَاللَّام وَفِي مُطلقًا وَالْكَاف وَحَتَّى وَالْوَاو للظَّاهِر مُطلقًا وَالتَّاء لله وَرب مُضَافا للكعبة أَو الْيَاء وكي لما الاستفهامية أَو أَن المضمرة وصلتها ومذ ومنذ لزمن غير مُسْتَقْبل وَلَا مُبْهَم وَرب لضمير غيبَة مُفْرد مُذَكّر يُمَيّز بمطابق للمعنى قَلِيلا ولمنكر مَوْصُوف كثيرا
وَأَقُول لما أنهيت القَوْل فِي المرفوعات والمنصوبات شرعت فِي المجرورات وقسمتها الى ثَلَاثَة أَقسَام مجرور بالحرف ومجرور بِالْإِضَافَة ومجرور بمجاورة مجرور وبدأت بالمجرور بالحرف لِأَنَّهُ الأَصْل وانما لم أذكر الْمَجْرُور بالتبعية كَمَا فعل جمَاعَة لِأَن التّبعِيَّة لَيست عندنَا هِيَ العاملة وانما الْعَامِل عَامل الْمَتْبُوع وَذَلِكَ فِي غير الْبَدَل وعامل مَحْذُوف فِي بَاب الْبَدَل فَرجع الْجَرّ فِي بَاب التوابع الى الْجَرّ بِالْإِضَافَة
وَقسمت الْحُرُوف الجارة الى سِتَّة أَقسَام
أَحدهَا مَا يجر الظَّاهِر والمضمر وبدأت بِهِ لِأَنَّهُ الأَصْل وَهُوَ سَبْعَة أحرف من والى وَعَن وعَلى وَالْبَاء وَاللَّام
وَفِي وَمن أَمْثِلَة ذَلِك قَوْله تَعَالَى {ومنك وَمن نوح} {إِلَى الله مرجعكم} {إِلَيْهِ مرجعكم} {طبقًا عَن طبق} {رَضِي الله عَنْهُم وَرَضوا عَنهُ} {وَعَلَيْهَا وعَلى الْفلك تحملون} {آمنُوا بِاللَّه وَرَسُوله} {آمنُوا بِهِ} {لله مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْض} {كل لَهُ قانتون}
{وَفِي الأَرْض آيَات للموقنين} {وفيهَا مَا تشتهيه الْأَنْفس}
وَالثَّانِي مَا لَا يجر الا الظَّاهِر وَلَا يخْتَص بِظَاهِر معِين وَهُوَ ثَلَاثَة الْكَاف وَحَتَّى وَالْوَاو
وَالثَّالِث مَا يجر لفظتين بعينهما وَهُوَ التَّاء فَإِنَّهَا لَا تجرا الا اسْم الله عز وجل وَربا مُضَافا الى الْكَعْبَة أَو الى الْيَاء قَالَ الله تَعَالَى {تالله تفتأ تذكر} {تالله لقد آثرك الله علينا} {وتالله لأكيدن أصنامكم} وَقَالَت الْعَرَب ترب الْكَعْبَة وتربي لَأَفْعَلَنَّ
الرَّابِع مَا يجر فَردا خَاصّا من الظَّوَاهِر ونوعا خَاصّا مِنْهَا وَهِي كي فَإِنَّهَا لَا تجر الا أَمريْن أَحدهمَا مَا الاستفهامية وَهِي الْفَرد
الْخَاص يُقَال لَك جئْتُك أمس فَتَقول فِي السُّؤَال عَن عِلّة الْمَجِيء لمه أَو كيمه فَكَمَا أَن لمه جَار ومجرور كَذَلِك كيمه وَالْأَصْل لما وكيما وَلَكِن مَا الاستفهامية مَتى دخل عَلَيْهَا حرف الْجَرّ حذفت ألفها وجوبا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {فيمَ أَنْت من ذكرَاهَا} {عَم يتساءلون} {بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ} وَحسن فِي الْوَقْف أَن تردف بهاء السكت كَمَا قَرَأَ البزي فِي هَذِه الْمَوَاضِع وَغَيرهَا الثَّانِي أَن المضمرة وصلتها وَذَلِكَ هُوَ النَّوْع الْخَاص وَتقول جئْتُك كي تكرمني فَإِن قدرت كي تعليلية فالنصب بِأَن المضمرة وَأَن مَعَ هَذَا الْفِعْل فِي تَأْوِيل مصدر مجرور بكي وكأنك قلت جئْتُك للإكرام
الْخَامِس مَا يجر نوعا خَاصّا من الظَّوَاهِر وَهُوَ مُنْذُ ومذ فَإِن مجرورهما لَا يكون الا اسْم زمَان وَلَا يكون ذَلِك الزَّمَان الا معينا لَا مُبْهما وَلَا يكون ذَلِك الْمعِين الا مَاضِيا أَو حَاضرا لَا مُسْتَقْبلا تَقول مَا رَأَيْته مُنْذُ يَوْم الْجُمُعَة ومذ يَوْم الْجُمُعَة ومنذ يَوْمنَا
ومذ يَوْمنَا وَلَا تَقول لَا أرَاهُ مُنْذُ غَد وَلَا مذ غَد وَكَذَا لَا تَقول مَا رَأَيْته مُنْذُ وَقت
السَّادِس مَا يجر نوعا خَاصّا من الْمُضْمرَات ونوعا خَاصّا من المظهرات وَهُوَ رب فَإِنَّهَا ان جرت ضميرا فَلَا يكون الا ضمير غيبَة مُفردا مذكرا مرَادا بِهِ الْمُفْرد الْمُذكر وَغَيره وَيجب تَفْسِيره بنكرة بعد مُطَابقَة للمعنى المُرَاد مَنْصُوبَة على التَّمْيِيز نَحْو ربه رجلا لقِيت وربه رجلَيْنِ وربه رجَالًا وربه امْرَأَة وربه امْرَأتَيْنِ وربه نسَاء وكل ذَلِك قَلِيل وان جرت ظَاهرا فَلَا يكون الا نكرَة مَوْصُوفَة نَحْو رب رجل صَالح لقِيت وَذَلِكَ كثير
ثمَّ قلت وَيجوز حذفهَا مَعَه فَيجب بَقَاء عَملهَا وَذَلِكَ بعد الْوَاو كثير وَالْفَاء وبل قَلِيل وَحذف اللَّام قبل كي وخافض أَن وَأَن مُطلقًا
وَأَقُول لما ذكرت أَن رب تدخل على الْمُنكر بيّنت أَنه يجوز حذفهَا مَعَه وأشرت بِهَذَا التَّقْيِيد الى أَنَّهَا لَا يجوز حذفهَا اذا دخلت على ضمير الْغَيْبَة ثمَّ بيّنت أَنَّهَا اذا حذفت وَجب بَقَاء عَملهَا وَأَن هَذَا الحكم أَعنِي حذفهَا وَبَقَاء عَملهَا على نَوْعَيْنِ كثير وَقَلِيل فالكثير بعد الْوَاو كَقَوْلِه
(وبلد مغبرة أرجاؤه
…
كَأَن لون أرضه سماؤه)
وَقَوله
(وليل كموج الْبَحْر أرْخى سدوله
…
عَليّ بأنواع الهموم ليبتلي)
وَقَوله
(ودوية مثل السَّمَاء اعتسفتها
…
وَقد صبغ اللَّيْل الْحَصَى بسواد)
والقليل بعد الْفَاء وبل مِثَال ذَلِك بعد الْفَاء قَول امْرِئ الْقَيْس
(فمثلك حُبْلَى قد طرقت ومرضع
…
فألهيتها عَن ذِي تمائم محول)
وَفِي رِوَايَة من روى بجر مثل ومرضع وَأما من رَوَاهُ بنصبهما فمثلك مفعول لطرقت وحبلى بدل مِنْهُ
ومثاله بعد بل قَوْله
(بل بلد ملْء الفجاج قتمه
…
)
ثمَّ بيّنت أَن حذف حرف الْجَرّ لَا يخْتَص بِرَبّ بل يجوز فِي حرف آخر فِي مَوضِع خَاص وَفِي جَمِيع الْحُرُوف فِي موضِعين خاصين
أما الأول فَفِي لَام التَّعْلِيل فَإِنَّهَا اذا جرت كي المصدرية وصلتها جَازَ لَك حذفهَا قِيَاسا مطردا وَلِهَذَا تسمع النَّحْوِيين يجيزون فِي نَحْو جِئْت كي تكرمني أَن تكون كي تعليلية وَأَن مضمرة بعْدهَا وَأَن تكون كي مَصْدَرِيَّة وَاللَّام مقدرَة قبلهَا
وَأما الثَّانِي فَإِذا كَانَ الْمَجْرُور أَن وصلتها أَو أَن وصلتها فَالْأول كَقَوْلِك عجبت أَنَّك فَاضل أَي من أَنَّك وَقَالَ الله تَعَالَى {وَبشر الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أَن لَهُم جنَّات تجْرِي} {صعدا وَأَن الْمَسَاجِد لله فَلَا تدعوا} أَي بِأَن لَهُم جنَّات وَلِأَن الْمَسَاجِد لله وَالثَّانِي كَقَوْلِك عجبت أَن قَامَ زيد أَي من أَن قَامَ وَقَالَ الله تَعَالَى {فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن يطوف بهما} أَي فِي أَن يطوف بهما {يخرجُون الرَّسُول وَإِيَّاكُم أَن تؤمنوا بِاللَّه}
) أَي لِأَن تؤمنوا وَقيل فِي {يبين الله لكم أَن تضلوا} ان الأَصْل لِئَلَّا تضلوا فحذفت اللَّام الجارة وَلَا النافية وَقيل الأَصْل كَرَاهَة أَن تضلوا فَحذف الْمُضَاف وَهَذَا أسهل وَقَالَ الله تَعَالَى {وترغبون أَن تنكحوهن} أَي فِي أَن تنكحوهن على خلاف فِي ذَلِك بَين أهل التَّفْسِير
ثمَّ قلت الثَّانِي الْمَجْرُور بِالْإِضَافَة ك غُلَام زيد ويجرد الْمُضَاف من تَنْوِين أَو نون تشبهه مُطلقًا وَمن التَّعْرِيف الا فِيمَا مر واذا كَانَ الْمُضَاف صفة والمضاف اليه مَعْمُولا لَهَا سميت لفظية وَغير مَحْضَة وَلم تفد تعريفا وَلَا تَخْصِيصًا ك ضَارب زيد ومعطي الدِّينَار وَحسن الْوَجْه والا فمعنوية ومحضة تفيدهما الا اذا كَانَ الْمُضَاف شَدِيد الْإِبْهَام كَغَيْر وَمثل وخدن أَو مَوْضِعه مُسْتَحقّا للنكرة ك جَاءَ زيد وَحده وَكم نَاقَة وفصيلها لَك وَلَا أَبَا لَهُ فَلَا يتعرف وتقدر بِمَعْنى فِي نَحْو {بل مكر اللَّيْل وَالنَّهَار} وَعُثْمَان شَهِيد الدَّار وَبِمَعْنى من فِي نَحْو خَاتم حَدِيد وَيجوز فِيهِ النصب فِي الثَّانِي واتباعه للْأولِ وَبِمَعْنى اللَّام فِي الْبَاقِي
وَأَقُول الثَّانِي من أَنْوَاع المجرورات الْمَجْرُور بِالْإِضَافَة
وَالْإِضَافَة فِي اللُّغَة الْإِسْنَاد قَالَ امْرُؤ الْقَيْس
(فَلَمَّا دخلناه أضفنا ظُهُورنَا
…
الى كل حارى جَدِيد مشطب)
أَي لما دَخَلنَا هَذَا الْبَيْت أسندنا ظُهُورنَا الى كل رَحل مَنْسُوب الى الْحيرَة مخطط فِيهِ طرائق
وَفِي الِاصْطِلَاح اسناد اسْم الى غَيره على تَنْزِيل الثَّانِي من الأول منزلَة تنوينه أَو مَا يقوم مقَام تنوينه وَلِهَذَا وَجب تَجْرِيد الْمُضَاف من التَّنْوِين فِي نَحْو غُلَام زيد وَمن النُّون فِي نَحْو غلامي زيد وضاربي عَمْرو قَالَ الله تَعَالَى {تبت يدا أبي لَهب} {إِنَّا مرسلو النَّاقة} {إِنَّا مهلكو أهل هَذِه الْقرْيَة} وَذَلِكَ لِأَن نون الْمثنى
وَالْمَجْمُوع على حَده قَائِمَة مقَام تَنْوِين الْمُفْرد
والى هَذَا أَشرت بِقَوْلِي ويجرد الْمُضَاف من تَنْوِين أَو نون تشبهه
واحترزت بِقَوْلِي تشبه من نون الْمُفْرد وَجمع التكسير كشيطان وشياطين تَقول شَيْطَان الْإِنْس شَرّ من شياطين الْجِنّ فَتثبت النُّون فيهمَا وَلَا يجوز غير ذَلِك
وَقَوْلِي مُطلقًا أَشرت بِهِ الى أَنَّهَا قَاعِدَة عَامَّة لَا يسْتَثْنى مِنْهَا شَيْء بِخِلَاف الْقَاعِدَة الَّتِي بعْدهَا
وكما أَن الْإِضَافَة تستدعي وجوب حذف التَّنْوِين وَالنُّون المشبهة لَهُ كَذَلِك تستدعي وجوب تَجْرِيد الْمُضَاف من التَّعْرِيف سَوَاء كَانَ التَّعْرِيف بعلامة لفظية أم بِأَمْر معنوي فَلَا تَقول الْغُلَام زيد وَلَا زيد عَمْرو مَعَ بَقَاء زيد على تَعْرِيف العلمية بل يجب أَن تجرد الْغُلَام من أل وَأَن تعتقد فِي زيد الشُّيُوع والتنكير وَحِينَئِذٍ يجوز لَك اضافتهما وَهَذِه هِيَ الْقَاعِدَة الَّتِي تقدّمت الْإِشَارَة اليها آنِفا
وَالَّذِي يسْتَثْنى مِنْهَا مَسْأَلَة الضَّارِب الرجل والضارب رَأس الرجل والضاربا زيد والضاربو زيد وَقد تقدم شرحهن فِي فصل الْمحلى بأل فأغنى ذَلِك عَن إِعَادَته فَلذَلِك قلت الا فِيمَا اسْتثْنى أَي الا فِيمَا تقدم لي اسْتِثْنَاؤُهُ
ثمَّ بيّنت بعد ذَلِك أَن الْإِضَافَة قسمَيْنِ مَحْضَة وَغير مَحْضَة
وَأَن غير الْمَحْضَة عبارَة عَمَّا اجْتمع فِيهَا أَمْرَانِ أَمر فِي الْمُضَاف وَهُوَ كَونه صفة وَأمر فِي الْمُضَاف اليه وَهُوَ كَونه مَعْمُولا لتِلْك الصّفة وَذَلِكَ يَقع فِي ثَلَاثَة أَبْوَاب اسْم الْفَاعِل ك ضَارب زيد وَاسم الْمَفْعُول ك معطي الدِّينَار وَالصّفة المشبهة ك حسن الْوَجْه وَهَذِه الْإِضَافَة لَا يَسْتَفِيد بهَا الْمُضَاف تعريفا وَلَا تَخْصِيصًا أما أَنه لَا يَسْتَفِيد تعريفا فبالإجماع وَيدل عَلَيْهِ أَنَّك تصف بِهِ النكرَة فَتَقول مَرَرْت بِرَجُل ضَارب زيد وَقَالَ الله تَعَالَى {هَديا بَالغ الْكَعْبَة} {هَذَا عَارض مُمْطِرنَا} ان لم تعرب {مُمْطِرنَا} خَبرا ثَانِيًا وَلَا خَبرا لمبتدأ مَحْذُوف وَأما أَنه لَا يَسْتَفِيد تَخْصِيصًا فَهُوَ الصَّحِيح وَزعم بعض الْمُتَأَخِّرين أَنه يستفيده بِنَاء على أَن ضَارب زيد أخص من ضَارب وَالْجَوَاب أَن ضَارب زيد لَيْسَ فرعا عَن ضَارب حَتَّى تكون الْإِضَافَة قد
أفادته التَّخْصِيص وَإِنَّمَا هُوَ فرع عَن ضَارب زيدا بِالتَّنْوِينِ وَالنّصب فالتخصيص حَاصِل بالمعمول أضفت أم لم تضف
وانما سميت هَذِه الْإِضَافَة غير مَحْضَة لِأَنَّهَا فِي نِيَّة الِانْفِصَال اذ الأَصْل ضَارب زيدا كَمَا بَينا وانما سميت لفظية لِأَنَّهَا أفادت أمرا لفظيا وَهُوَ التَّخْفِيف فَإِن ضَارب زيد أخف من ضَارب زيدا
وَأَن الْإِضَافَة الْمَحْضَة عبارَة عَمَّا انْتَفَى مِنْهَا الْأَمْرَانِ الْمَذْكُورَان أَو أَحدهمَا مِثَال ذَلِك غُلَام زيد فَإِن الْأَمريْنِ فيهمَا منتفيان وَضرب زيد فَإِن الْمُضَاف اليه وان كَانَ مَعْمُولا للمضاف لَكِن الْمُضَاف غير صفة وضارب زيد أمس فَإِن الْمُضَاف وان كَانَ صفة لَكِن الْمُضَاف اليه لَيْسَ مَعْمُولا لَهَا لِأَن اسْم الْفَاعِل لَا يعْمل اذا كَانَ بِمَعْنى الْمَاضِي فَهَذِهِ الْأَمْثِلَة الثَّلَاثَة وَمَا أشبههَا تسمى الْإِضَافَة فِيهَا مَحْضَة أَي خَالِصَة من شَائِبَة الِانْفِصَال ومعنوية لِأَنَّهَا أفادت أمرا معنويا وَهُوَ تَعْرِيف الْمُضَاف ان كَانَ الْمُضَاف إِلَيْهِ معرفَة نَحْو غُلَام زيد وتخصيصه ان كَانَ نكرَة نَحْو غُلَام امْرَأَة اللَّهُمَّ الا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يتعرف وَلَكِن يتخصص
احداهما أَن يكون الْمُضَاف شَدِيد الْإِبْهَام وَذَلِكَ كَغَيْر وَمثل وَشبه وخدن بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الدَّال (المهلة) بِمَعْنى صَاحب وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّك تصف بهَا النكرات فَتَقول مَرَرْت بِرَجُل غَيْرك
وبرجل مثلك وبرجل شبهك وبرجل خدنك قَالَ الله تَعَالَى {رَبنَا أخرجنَا نعمل صَالحا غير الَّذِي كُنَّا نعمل}
الثَّانِيَة أَن يكون الْمُضَاف فِي مَوضِع مُسْتَحقّ للنكرة كَأَن يَقع حَالا أَو تمييزا أَو اسْما للا النافية للْجِنْس فالحال كَقَوْلِهِم جَاءَ زيد وَحده والتمييز كَقَوْلِهِم كم نَاقَة وفصيلها فكم مُبْتَدأ وَهِي استفهامية وناقة مَنْصُوب على التَّمْيِيز وفصيلها عاطف ومعطوف والمعطوف على التَّمْيِيز تَمْيِيز وَاسم لَا كَقَوْلِك لَا أَبَا لزيد وَلَا غلامي لعَمْرو فَإِن الصَّحِيح أَنه من بَاب الْمُضَاف وَاللَّام مقحمة بِدَلِيل سُقُوطهَا فِي قَول الشَّاعِر
(أبالموت الَّذِي لَا بُد أَنِّي
…
ملاق لَا أَبَاك تخوفيني)
فَهَذِهِ الْأَنْوَاع كلهَا نكرات وَهِي فِي الْمَعْنى بِمَنْزِلَة قَوْلك جَاءَ زيد مُنْفَردا وَكم نَاقَة وفصيلا لَهَا وَلَا أَبَا لَك
ثمَّ بيّنت أَن الْإِضَافَة المعنوية على ثَلَاثَة أَقسَام مقدرَة بفي ومقدرة بِمن ومقدرة بِاللَّامِ
فالمقدرة بفي ضابطها أَن يكون الْمُضَاف اليه ظرفا للمضاف نَحْو قَول الله تَعَالَى {بل مكر اللَّيْل وَالنَّهَار} {تربص أَرْبَعَة أشهر} وَنَحْو قَوْلك عُثْمَان شَهِيد الدَّار وَالْحُسَيْن شَهِيد كربلاء
وَمَالك عَالم الْمَدِينَة وَأكْثر النَّحْوِيين لم يثبت مَجِيء الْإِضَافَة بِمَعْنى فِي
والمقدرة بِمن ضابطها أَن يكون الْمُضَاف اليه كلا للمضاف وصالحا للاخبار بِهِ عَنهُ نَحْو قَوْلك هَذَا خَاتم حَدِيد أَلا ترى أَن الْحَدِيد كل والخاتم جُزْء مِنْهُ وَأَنه يجوز أَن يُقَال الْخَاتم حَدِيد فيخبر بالحديد عَن الْخَاتم
وَبِمَعْنى اللَّام فِيمَا عدا ذَلِك نَحْو يَد زيد وَغُلَام عَمْرو وثوب بكر
ثمَّ قلت الثَّالِث الْمَجْرُور للمجاورة وَهُوَ شَاذ نَحْو هَذَا جُحر ضَب خرب
وَقَوله
(يَا صَاح بلغ ذَوي الزَّوْجَات كلهم
…
)
وَلَيْسَ مِنْهُ {وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم} على الْأَصَح
وَأَقُول الثَّالِث من أَنْوَاع المجرورات مَا جر لمجاورة الْمَجْرُور وَذَلِكَ فِي بَابي النَّعْت والتأكيد قيل وَبَاب عطف النسق
فاما النَّعْت فَفِي قَوْلهم هَذَا جُحر ضَب خرب روى بخفض خرب لمجاورته للنصب وانما كَانَ حَقه الرّفْع لِأَنَّهُ صفة لِلْمَرْفُوعِ وَهُوَ الْجُحر وعَلى الرّفْع أَكثر الْعَرَب
وَأما التوكيد فَفِي نَحْو قَوْله
(يَا صَاح بلغ ذَوي الزَّوْجَات كلهم
…
أَن لَيْسَ وصل اذ انْحَلَّت عرى الذَّنب)
فكلهم توكيد لِذَوي لَا لِلزَّوْجَاتِ والا لقَالَ كُلهنَّ وَذَوي مَنْصُوب على المفعولية وَكَانَ حق كلهم النصب وَلكنه خفض لمجاورة المخفوض
وَأما الْمَعْطُوف فكقوله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ}
فِي قِرَاءَة من جر الأرجل لمجاورته للمخفوض وَهُوَ الرؤوس وانما كَانَ حَقه النصب كَمَا هُوَ فِي قراء جمَاعَة آخَرين وَهُوَ (مَنْصُوب) بالْعَطْف على الْوُجُوه وَالْأَيْدِي وَهَذَا قَول جمَاعَة من الْمُفَسّرين وَالْفُقَهَاء
وَخَالفهُم فِي ذَلِك الْمُحَقِّقُونَ وَرَأَوا أَن الْخَفْض على الْجوَار لَا يحسن فِي الْمَعْطُوف لِأَن حرف الْعَطف حاجز بَين الاسمين ومبطل للمجاورة نعم لَا يمْتَنع فِي الْقيَاس الْخَفْض على الْجوَار فِي عطف الْبَيَان لِأَنَّهُ كالنعت والتوكيد فِي مجاورة الْمَتْبُوع وَيَنْبَغِي امْتِنَاعه فِي الْبَدَل لِأَنَّهُ فِي التَّقْدِير من جملَة اخرى فَهُوَ محجوز تَقْديرا وَرَأى هَؤُلَاءِ أَن الْخَفْض فِي الْآيَة انما هُوَ بالْعَطْف على لفظ الرؤوس فَقيل الأرجل مغسولة لَا ممسوحة فَأَجَابُوا على ذَلِك بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَن الْمسْح هُنَا الْغسْل قَالَ أَبُو عَليّ حكى لنا من لَا يتهم أَن أَبَا زيد قَالَ الْمسْح خَفِيف الْغسْل يُقَال مسحت للصَّلَاة وخصت الرّجلَانِ من بَين سَائِر المغسولات باسم الْمسْح ليقتصد فِي صب المَاء عَلَيْهِمَا اذ كَانَتَا مَظَنَّة للإسراف وَالثَّانِي أَن المُرَاد هُنَا الْمسْح على الْخُفَّيْنِ وَجعل ذَلِك مسحا للرجل مجَازًا وانما حَقِيقَته أَنه مسح للخف الَّذِي على الرجل وَالسّنة بيّنت ذَلِك
ويرجح ذَلِك القَوْل ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا أَن الْحمل على الْمُجَاورَة حمل على شَاذ فَيَنْبَغِي صون الْقُرْآن عَنهُ الثَّانِي أَنه اذا حمل على ذَلِك كَانَ الْعَطف فِي الْحَقِيقَة على الْوُجُوه وَالْأَيْدِي فَيلْزم الْفَصْل بَين المتعاطفين بجملة أَجْنَبِيَّة وَهُوَ {وامسحوا برؤوسكم} واذا حمل على الْعَطف على الرؤوس لم يلْزم الْفَصْل بالأجنبي وَالْأَصْل أَن لَا يفصل بَين المتعاطفين بمفرد فضلا عَن الْجُمْلَة الثَّالِث أَن الْعَطف على هَذَا التَّقْدِير حمل على المجاور
وعَلى التَّقْدِير الأول حمل على غير المجاور وَالْحمل على المجاور أولى
فَإِن قلت يدل للتوجيه الأول قِرَاءَة النصب
قلت لَا نسلم أَنَّهَا عطف على الْوُجُوه وَالْأَيْدِي بل على الْجَار وَالْمَجْرُور كَمَا قَالَ (يسلكن فِي نجد وغورا غائرا
…
)
بَاب المجزومات
ثمَّ قلت بَاب المجزومات الْأَفْعَال المضارعة الدَّاخِل عَلَيْهَا جازم وَهُوَ ضَرْبَان جازم لفعل وَهُوَ لم وَلما وَلَام الْأَمر وَلَا فِي النَّهْي وجازم لفعلين وَهُوَ أدوات الشَّرْط إِن واذ مَا لمُجَرّد التَّعْلِيق وهما حرفان وَمن للعاقل وَمَا وَمهما لغيره وَمَتى وأيان للزمان وَأَيْنَ وأنى وحيثما للمكان وَأي بِحَسب مَا تُضَاف اليه وَيُسمى أَولهمَا شرطا وَلَا يكون ماضي الْمَعْنى وَلَا إنْشَاء وَلَا جَامِدا وَلَا مَقْرُونا بتنفيس وَلَا قد وَلَا ناف غير لَا وَلم وَثَانِيهمَا جَوَابا وَجَزَاء
وَأَقُول لما أنهيت القَوْل فِي المجرورات شرعت فِي المجزومات وَبِهَذَا الْبَاب تتمّ أَنْوَاع المعربات وبينت أَن المجزومات هِيَ الْأَفْعَال المضارعة الدَّاخِل عَلَيْهَا أَدَاة من هَذِه الأدوات الْخَمْسَة عشر وَأَن هَذِه الأدوات ضَرْبَان
مَا يجْزم فعلا وَاحِدًا وَهُوَ أَرْبَعَة لم نَحْو {لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} وَلما نَحْو {لما يقْض مَا أمره}
{بل لما يَذُوقُوا عَذَاب} {وَلما يعلم الله الَّذين جاهدوا مِنْكُم} وَلَا الْأَمر نَحْو {لينفق ذُو سَعَة من سعته} وَلَا فِي النَّهْي نَحْو {لَا تحزن إِن الله مَعنا} وَقد يستعاران للدُّعَاء كَقَوْلِه تَعَالَى {ليَقْضِ علينا رَبك} {رَبنَا لَا تُؤَاخِذنَا}
وَمَا يجْزم فعلين وَهُوَ الإحدى عشرَة الْبَاقِيَة وَقد قسمتهَا الى
سِتَّة أَقسَام أَحدهَا مَا وضع للدلالة على مُجَرّد تَعْلِيق الْجَواب على الشَّرْط وَهُوَ إِن وَإِذ مَا قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن تعودوا نعد} وَتقول إِذْ مَا تقم أقِم وهما حرفان أما ان فبالإجماع وَأما إِذْ مَا فَعِنْدَ سِيبَوَيْهٍ وَالْجُمْهُور وَذهب الْمبرد وَابْن السراج والفارسي الى أَنَّهَا اسْم
وَفهم من تخصيصي هذَيْن بالحرفية أَن مَا عداهما من الأدوات أَسمَاء وَذَلِكَ بِالْإِجْمَاع فِي غير مهما وعَلى الْأَصَح فِيهَا وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {مهما تأتنا بِهِ من آيَة} فَعَاد الضَّمِير الْمَجْرُور عَلَيْهَا وَلَا يعود الضَّمِير الا على اسْم
الثَّانِي مَا وضع للدلالة على من يعقل ثمَّ ضمن معنى الشَّرْط وَهُوَ من نَحْو {من يعْمل سوءا يجز بِهِ}
الثَّالِث مَا وضع للدلالة على مَا لَا يعقل ثمَّ ضمن معنى الشَّرْط وَهُوَ مَا وَمهما نَحْو قَوْله تَعَالَى {وَمَا تَفعلُوا من خير يُعلمهُ الله} {مهما تأتنا بِهِ من آيَة} الْآيَة
الرَّابِع مَا وضع للدلالة على الزَّمَان ثمَّ ضمن معنى الشَّرْط وَهُوَ مَتى وأيان كَقَوْل الشَّاعِر
(وَلست بحلال التلاع مَخَافَة
…
وَلَكِن مَتى يسترفد الْقَوْم أرفد)
وَقَول الآخر
(أَيَّانَ نؤمنك تأمن غَيرنَا واذا
…
لم تدْرك الْأَمْن منا لم تزل حذرا)
الْخَامِس مَا وضع للدلالة على الْمَكَان ثمَّ ضمن معنى الشَّرْط وَهُوَ ثَلَاثَة أَيْن وأنى وحيثما كَقَوْلِه تَعَالَى {أَيْنَمَا تَكُونُوا يدرككم الْمَوْت}
وَقَول الشَّاعِر
(خليلي أَنى تأتياني تأتيا
…
أَخا غير مَا يرضيكما لَا يحاول)
وَقَوله
(حَيْثُمَا تستقم يقدر لَك الله نجاحا فِي غابر الْأَزْمَان
…
)
السَّادِس مَا هُوَ مُتَرَدّد بَين الْأَقْسَام الْأَرْبَعَة وَهِي أَي فَإِنَّهَا بِحَسب مَا تُضَاف اليه فَهِيَ فِي قَوْلك أَيهمْ يقم أقِم مَعَه من بَاب من وَفِي قَوْلك أَي الدَّوَابّ تركب أركب من بَاب مَا وَفِي قَوْلك أَي يَوْم تصم أَصمّ من بَاب مَتى وَفِي قَوْلك أَي مَكَان تجْلِس أَجْلِس من بَاب أَيْن
ثمَّ بيّنت أَن الْفِعْل الأول يُسمى شرطا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلامَة على وجود الْفِعْل الثَّانِي والعلامة تسمى شرطا قَالَ الله تَعَالَى {فقد جَاءَ أشراطها} أَي علاماتها والأشراط فِي الْآيَة جمع شَرط بِفتْحَتَيْنِ لَا جمع شَرط بِسُكُون الرَّاء لِأَن فعلا لَا يجمع على أَفعَال قِيَاسا الا فِي معتل الْوسط كأثواب وأبيات
ثمَّ يبنت أَن فعل الشَّرْط يشْتَرط فِيهِ سِتَّة أُمُور
أَحدهَا أَن لَا يكون ماضي الْمَعْنى فَلَا يجوز ان قَامَ زيد أمس أقِم مَعَه وَأما قَوْله تَعَالَى {إِن كنت قلته فقد عَلمته} فَالْمَعْنى ان يتَبَيَّن أَنِّي كنت قلته كَقَوْلِه
(اذا مَا انتسبنا لم تلدني لئيمة
…
)
فَهَذَا فِي الْجَواب نَظِير الْآيَة الْكَرِيمَة فِي الشَّرْط
الثَّانِي أَن لَا يكون طلبا فَلَا يجوز إِن قُم وَلَا ان ليقمْ أَو ان لَا يقم
الثَّالِث أَن لَا يكون جَامِدا فَلَا يجوز إِن عَسى وَلَا إِن لَيْسَ
الرَّابِع أَن لَا يكون مَقْرُونا بتنفيس فَلَا يجوز ان سَوف يقم
الْخَامِس أَن لَا يكون مَقْرُونا بقد فَلَا يجوز ان قد قَامَ زيد وَلَا ان قد يقم
السَّادِس أَن لَا يكون مَقْرُونا بِحرف نفي فَلَا يجوز ان لما يقم وَلَا ان لن يقم وَيسْتَثْنى من ذَلِك لم وَلَا فَيجوز اقترانه بهما نَحْو {وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته} وَنَحْو {إِلَّا تفعلوه تكن فتْنَة فِي الأَرْض}
ثمَّ بيّنت أَن الْفِعْل الثَّانِي يُسمى جَوَابا وَجَزَاء تَشْبِيها لَهُ بِجَوَاب السُّؤَال وبجزاء الْأَعْمَال وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقع بعد وُقُوع الأول كَمَا يَقع الْجَواب بعد السُّؤَال وكما يَقع الْجَزَاء بعد الْفِعْل الْمجَازِي عَلَيْهِ
ثمَّ قلت وَقد يكون وَاحِدًا من هَذِه فيقترن بِالْفَاءِ نَحْو {إِن كَانَ قَمِيصه قد من قبل فصدقت} الْآيَة {فَمن يُؤمن بربه فَلَا يخَاف بخسا} أَو جملَة اسمية فيقترن بهَا أَو بإذا الفجائية نَحْو {فَهُوَ على كل شَيْء قدير} وَنَحْو {إِذا هم يقنطون}
وَأَقُول قد يَأْتِي جَوَاب الشَّرْط وَاحِدًا من هَذِه الْأُمُور السِّتَّة الَّتِي ذكرت أَنَّهَا لَا تكون شرطا فَيجب أَن يقْتَرن بِالْفَاءِ
مِثَال ماضي الْمَعْنى {إِن كَانَ قَمِيصه قد من قبل فصدقت وَهُوَ من الْكَاذِبين وَإِن كَانَ قَمِيصه قد من دبر فَكَذبت وَهُوَ من الصَّادِقين}
وَمِثَال الطّلب قَوْله تَعَالَى {قل إِن كُنْتُم تحبون الله فَاتبعُوني يحببكم الله} {فَمن يُؤمن بربه فَلَا يخَاف بخسا وَلَا رهقا} فِيمَن قَرَأَ {فَلَا يخَاف بخسا} بِالْجَزْمِ على أَن لَا ناهية وَأما من قَرَأَ {فَلَا يخَاف} بِالرَّفْع فَلَا نَافِيَة وَلَا النافية تقترن بِفعل الشَّرْط كَمَا بَينا فَكَانَ مُقْتَضى الظَّاهِر أَن لَا تدخل الْفَاء وَلَكِن هَذَا الْفِعْل مَبْنِيّ على مُبْتَدأ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير فَهُوَ لَا يخَاف فالجملة اسمية وَسَيَأْتِي أَن الْجُمْلَة الاسمية تحْتَاج الى الْفَاء أَو اذا وَكَذَا يجب هَذَا التَّقْدِير فِي نَحْو {وَمن عَاد فينتقم الله مِنْهُ} أَي فَهُوَ ينْتَقم الله مِنْهُ وَلَوْلَا ذَلِك التَّقْدِير لوَجَبَ الْجَزْم وَترك الْفَاء
وَمِثَال الجامد قَوْله تَعَالَى {إِن ترن أَنا أقل مِنْك مَالا وَولدا فَعَسَى رَبِّي أَن يؤتين خيرا من جنتك}
{إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} {وَمن يكن الشَّيْطَان لَهُ قرينا}
وَمِثَال المقرون بالتنفيس قَوْله تَعَالَى {وَإِن خِفْتُمْ عيلة فَسَوف يغنيكم الله من فَضله} {وَمن يستنكف عَن عِبَادَته ويستكبر فسيحشرهم إِلَيْهِ جَمِيعًا}
وَمِثَال المقرون بقد قَوْله تَعَالَى {إِن يسرق فقد سرق أَخ لَهُ من قبل}
وَمِثَال المقرون بناف غير لَا وَلم {وَإِن لم تفعل فَمَا بلغت رسَالَته} {وَمَا يَفْعَلُوا من خير فَلَنْ يكفروه} {وَمن يَنْقَلِب على عَقِبَيْهِ فَلَنْ يضر الله شَيْئا}
وَقد يكون الْجَواب جملَة إسمية فَيجب اقترانه بِأحد أَمريْن اما بِالْفَاءِ أَو اذا الفجائية فَالْأول كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِن يمسسك بِخَير فَهُوَ على كل شَيْء قدير} وَالثَّانِي كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِن تصبهم سَيِّئَة بِمَا قدمت أَيْديهم إِذا هم يقنطون}
)
ثمَّ قلت وَيجوز حذف مَا علم من شَرط بعد وَإِلَّا نَحْو افْعَل هَذَا والا عاقبتك أَو شَرطه مَاض نَحْو {فَإِن اسْتَطَعْت أَن تبتغي نفقا فِي الأَرْض} أَو جملَة شَرط وأداته ان تقدمها طلب وَلَو باسمية أَو باسم فعل أَو بِمَا لَفظه الْخَبَر نَحْو {تَعَالَوْا أتل} وَنَحْو أَيْن بَيْتك أزرك وحسبك الحَدِيث ينم النَّاس وَقَالَ مَكَانك تحمدي أَو تستريحي
…
)
وَشرط ذَلِك بعد النَّهْي كَون الْجَواب محبوبا نَحْو لَا تكفر تدخل الْجنَّة
وَأَقُول مسَائِل الْحَذف الْوَاقِع فِي بَاب الشَّرْط وَالْجَزَاء ثَلَاثَة
الْمَسْأَلَة الأولى حذف الْجَواب وَشَرطه أَمْرَانِ أَحدهمَا أَن يكون مَعْلُوما وَالثَّانِي أَن يكون فعل الشَّرْط مَاضِيا تَقول أَنْت ظَالِم إِن فعلت لوُجُود الْأَمريْنِ وَيمْتَنع ان تقم وان تقعد وَنَحْوهمَا حَيْثُ لَا دَلِيل لانْتِفَاء الْأَمريْنِ وَنَحْو ان قُمْت حَيْثُ لَا دَلِيل لانْتِفَاء الْأَمر الأول وَنَحْو أَنْت ظَالِم ان تفعل لانْتِفَاء الْأَمريْنِ
قَالَ الله تَعَالَى {وَإِن كَانَ كبر عَلَيْك إعراضهم فَإِن اسْتَطَعْت أَن تبتغي نفقا فِي الأَرْض أَو سلما فِي السَّمَاء فتأتيهم بِآيَة} تَقْدِيره فافعل والحذف فِي هَذِه الْآيَة فِي غَايَة من الْحسن لِأَنَّهُ قد انْضَمَّ لوُجُود الشَّرْطَيْنِ طول الْكَلَام وَهُوَ مِمَّا يحسن مَعَه الْحَذف
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة حذف فعل الشَّرْط وَحده وَشَرطه أَيْضا أَمْرَانِ دلَالَة الدَّلِيل عَلَيْهِ وَكَون الشَّرْط وَاقعا بعد والا كَقَوْلِك تب والا عاقبتك أَي وَإِلَّا تتب عاقبتك وَقَول الشَّاعِر
(فَطلقهَا فلست لَهَا بكفء
…
وَإِلَّا يعل مفرقك الحسام)
أَي وَإِلَّا تطلقها يعل
وَقد لَا يكون بعد وَإِلَّا فَيكون شاذا إِلَّا فِي نَحْو ان خيرا فَخير فَقِيَاس كَمَا مر فِي بَابه على أَن ذَلِك لم يحذف فِيهِ جملَة الشَّرْط بجملتها بل بَعْضهَا وَكَذَلِكَ نَحْو {وَإِن أحد من الْمُشْركين استجارك} فليستا مِمَّا نَحن فِيهِ وَأكْثر مَا يكون ذَلِك مَعَ اقتران الأداة بِلَا النافية كَمَا مثلت
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة حذف أَدَاة الشَّرْط وَفعل الشَّرْط
وَشَرطه أَن يتَقَدَّم عَلَيْهِمَا طلب بِلَفْظ الشَّرْط وَمَعْنَاهُ أَو بِمَعْنَاهُ فَقَط فَالْأول نَحْو ائْتِنِي أكرمك تَقْدِيره ائْتِنِي فَإِن تأتني أكرمك فأكرمك مجزوم فِي جَوَاب شَرط مَحْذُوف دلّ عَلَيْهِ فعل الطّلب الْمَذْكُور هَذَا هُوَ الْمَذْهَب الصَّحِيح وَالثَّانِي نَحْو قَوْله تَعَالَى {قل تَعَالَوْا أتل}
مَا حرم ربكُم عَلَيْكُم) أَي تَعَالَوْا فَإِن تَأْتُوا أتل وَلَا يجوز أَن يقدر فان تتعالوا لِأَن تعال فعل جامد لَا مضارع لَهُ وَلَا ماضي حَتَّى توهم بَعضهم أَنه اسْم فعل
وَلَا فرق بَين كَون الطّلب بِالْفِعْلِ كَمَا مثلنَا وَكَونه باسم الْفِعْل كَقَوْل عَمْرو بن الإطنابة وَغلط أَبُو عُبَيْدَة فنسبه الى قطري بن الْفُجَاءَة (أَبَت لي عفتي وأبى بلائي
…
واخذى الْحَمد بِالثّمن الربيح)
(وامساكي على الْمَكْرُوه نَفسِي
…
وضربي هَامة البطل المشيح)
(وَقَوْلِي كلما جشأت وجاشت
…
مَكَانك تحمدي أَو تستريحي)
(لأدفع عَن مآثر صالحات
…
وأحمى بعد عَن عرض صَحِيح)
فَجزم تحمدي بعد قَوْله مَكَانك وَهُوَ اسْم فعل بِمَعْنى اثبتي
وَشرط الْحَذف بعد النَّهْي كَون الْجَواب أمرا محبوبا كدخول الْجنَّة والسلامة فِي قَوْلك لَا تكفر تدخل الْجنَّة وَلَا تدن من الْأسد تسلم فَلَو كَانَ أمرا مَكْرُوها كدخول النَّار وَأكل السَّبع فِي قَوْلك لَا تكفر تدخل النَّار وَلَا تدن من الْأسد يَأْكُلك تعين الرّفْع خلافًا للكسائي وَلَا دَلِيل لَهُ فِي قِرَاءَة بَعضهم {وَلَا تمنن تستكثر} لجَوَاز أَن يكون ذَلِك مَوْصُولا بنية الْوَقْف وَسَهل ذَلِك أَن فِيهِ تحصيلا
لتناسب الْأَفْعَال الْمَذْكُورَة مَعَه وَلَا يحسن أَن يقدر بَدَلا مِمَّا قبله كَمَا زعم بَعضهم لاخْتِلَاف معنييهما وَعدم دلَالَة الأول على الثَّانِي
ثمَّ قلت وَيجب الِاسْتِغْنَاء عَن جَوَاب الشَّرْط بدليله مُتَقَدما لفظا نَحْو هُوَ ظَالِم ان فعل أَو نِيَّة نَحْو ان قُمْت أقوم وَمن ثمَّ امْتنع فِي النثر ان تقم أقوم وبجواب مَا تقدم من شَرط مُطلقًا أَو قسم الا إِن سبقه ذُو خبر فَيجوز تَرْجِيح الشَّرْط الْمُؤخر
وَأَقُول حذف الْجَواب على ثَلَاثَة أوجه مُمْتَنع وَهُوَ مَا انْتَفَى مِنْهُ الشرطان الْمَذْكُورَان أَو أَحدهمَا
وَجَائِز وَهُوَ مَا وجدا فِيهِ وَلم يكن الدَّلِيل الَّذِي دلّ عَلَيْهِ جملَة مَذْكُورَة فِي ذَلِك الْكَلَام مُتَقَدّمَة الذّكر لفظا أَو تَقْديرا
وواجب وَهُوَ مَا كَانَ دَلِيله الْجُمْلَة الْمَذْكُورَة
فالمتقدمة لفظا كَقَوْلِهِم أَنْت ظَالِم ان فعلت والمتقدمة تَقْديرا لَهما صُورَتَانِ
احداهما قَوْلك ان قَامَ زيد أقوم وَقَول الشَّاعِر
(وان أَتَاهُ خَلِيل يَوْم مَسْأَلَة
…
يَقُول لَا غَائِب مَالِي وَلَا حرم)
فان الْمُضَارع الْمَرْفُوع الْمُؤخر على نيه التَّقْدِيم على أَدَاة الشَّرْط فِي مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ وَالْأَصْل أقوم ان قَامَ وَيَقُول ان أَتَاهُ خَلِيل والمبرد يرى أَنه هُوَ الْجَواب وَأَن الْفَاء مقدرَة
وَالثَّانيَِة أَن يتَقَدَّم على الشَّرْط قسم نَحْو وَالله ان جَاءَنِي لأكرمنه فان قَوْلك لأكرمنه جَوَاب الْقسم فَهُوَ فِي نِيَّة التَّقْدِيم الى جَانِبه وَحذف جَوَاب الشَّرْط لدلالته عَلَيْهِ ويدلك على أَن الْمَذْكُور جَوَاب الْقسم توكيد الْفِعْل فِي نَحْو الْمِثَال وَنَحْو قَوْله تَعَالَى {وَلَئِن نصروهم ليولن الأدبار} وَرَفعه فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ لَا ينْصرُونَ}
ثمَّ أَشرت الى أَنه كَمَا وَجب الِاسْتِغْنَاء بِجَوَاب الْقسم الْمُتَقَدّم يجب الْعَكْس فِي نَحْو ان تقم وَالله أقِم وَأَنه اذا تقدم عَلَيْهِمَا شَيْء يطْلب الْخَبَر وَجَبت مُرَاعَاة الشَّرْط تقدم أَو تَأَخّر نَحْو زيد وَالله ان يقم أقِم
ثمَّ قلت وَجزم مَا بعد فَاء أَو وَاو من فعل تال للشّرط أَو الْجَواب قوي ونصبه ضَعِيف وَرفع تالي الْجَواب جَائِز
وَأَقُول ختمت بَاب الجوازم بمسألتين أولاهما يجوز فِيهَا ثَلَاثَة أوجه وَالثَّانيَِة يجوز فِيهَا وَجْهَان وكلتاهما يكون الْفِعْل فيهمَا وَاقعا بعد الْفَاء أَو الْوَاو
فَأَما مَسْأَلَة الثَّلَاثَة الْأَوْجه فضابطها أَن يَقع الْفِعْل بعد الشَّرْط
وَالْجَزَاء كَقَوْلِه تَعَالَى {وَإِن تبدوا مَا فِي أَنفسكُم أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبكُمْ بِهِ الله فَيغْفر لمن يَشَاء} الْآيَة قريء {فَيغْفر} بِالْجَزْمِ على الْعَطف و {فَيغْفر} بِالرَّفْع على الِاسْتِئْنَاف وفيغفر بِالنّصب بإضمار أَن وَهُوَ ضَعِيف وَهِي عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما
وَأما مَسْأَلَة الْوَجْهَيْنِ فضابطها أَن يَقع الْفِعْل بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء كَقَوْلِك ان تأتني وتمش الى أكرمك فَالْوَجْه الْجَزْم وَيجوز النصب كَقَوْلِه
(وَمن يقترب منا ويخضع نؤوه
…
وَلَا يخْش ظلما مَا أَقَامَ وَلَا هضما)
بَاب عمل الْفِعْل اللَّازِم والمتعدي
ثمَّ قلت بَاب فِي عمل الْفِعْل كل الْأَفْعَال ترفع اما الْفَاعِل أَو نَائِبه أَو الْمُشبه بِهِ وتنصب الْأَسْمَاء الا الْمُشبه بالمفعول بِهِ مُطلقًا وَإِلَّا الْخَبَر والتمييز وَالْمَفْعُول الْمُطلق فناصبها الْوَصْف والناقص والمبهم
الْمَعْنى أَو النِّسْبَة والمتصرف التَّام ومصدره وَوَصفه والا الْمَفْعُول بِهِ فَإِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ اليه سَبْعَة أَقسَام مَا لَا يتَعَدَّى اليه أصلا كالدال على حُدُوث ذَات كحدث وَنبت أَو صفة حسية كطال وَخلق اَوْ عرض كَمَرَض وَفَرح وكالموازن لَا نَفْعل كانكسر أَو فعل كظرف أَو فعل أَو فعل اللَّذين وصفهما على فعيل فِي نَحْو ذل وَسمن وَمَا يتَعَدَّى الى وَاحِد دَائِما بالجار كغضب وَمر أَو دَائِما بِنَفسِهِ كأفعال الْحَواس أَو تَارَة وَتارَة كشكر ونصح وَقصد وَمَا يتَعَدَّى لَهُ بِنَفسِهِ تَارَة وَلَا يتَعَدَّى اليه أُخْرَى كنقص وَزَاد أَو يتَعَدَّى اليهما دَائِما فإمَّا ثَانِيهمَا كمفعول شكر كأمر واستغفر وَاخْتَارَ وَصدق وَزوج وكنى وسمى ودعا بِمَعْنَاهُ وكال وَوزن أَو أَولهمَا فَاعل فِي الْمَعْنى كأعطى وكسا أَو أَولهمَا وَثَانِيهمَا مُبْتَدأ وَخبر فِي الأَصْل وَهُوَ أَفعَال الْقُلُوب ظن لَا بِمَعْنى اتهمَ وَعلم لَا بِمَعْنى عرف وَرَأى لَا من الرَّأْي وَوجد لَا بِمَعْنى حزن أَو حقد وحجا لَا بِمَعْنى قصد وَحسب وَزعم وخال وَجعل ودرى فِي لغية وهب وَتعلم بِمَعْنى اعْلَم وَيلْزم الْأَمر وأفعال التصيير كجعل وتخذ وَاتخذ ورد وَترك وَيجوز الغاء القلبية المتصرفة متوسطة أَو مُتَأَخِّرَة وَيجب تَعْلِيقهَا قبل لَام الِابْتِدَاء أَو اسْتِفْهَام أَو نفي بِمَا مُطلقًا أَو بِلَا أَو إِن فِي جَوَاب الْقسم أَو لَعَلَّ أَو لَو أَو إِن أَو كم
الخبرية وَمَا يتَعَدَّى الى ثَلَاثَة وَهُوَ أعلم وَأرى وَمَا ضمن مَعْنَاهُمَا من أنبأ ونبأ وَأخْبر وَخبر وَحدث
وَأَقُول عقدت هَذَا الْبَاب لبَيَان عمل الْأَفْعَال فَذكرت أَن الْأَفْعَال كلهَا قاصرها ومتعديها تامها وناقصها مُشْتَركَة فِي أَمريْن أَحدهمَا أَنَّهَا تعْمل الرّفْع وَبَيَان ذَلِك أَن الْفِعْل اما نَاقص فيرفع الِاسْم نَحْو كَانَ زيد فَاضلا واما تَامّ آتٍ على صيغته فيرفع الْفَاعِل نَحْو قَامَ زيد واما تَامّ آتٍ على غير صيغته الْأَصْلِيَّة فيرفع النَّائِب عَن الْفَاعِل نَحْو {وَقضي الْأَمر} وَقد تقدم شرح ذَلِك كُله
الثَّانِي أَنَّهَا تنصب الْأَسْمَاء غير خَمْسَة أَنْوَاع أَحدهَا الْمُشبه بالمفعول بِهِ فَإِنَّمَا تنصبه عِنْد الْجُمْهُور الصِّفَات نَحْو حسن وَجهه وَالثَّانِي الْخَبَر فَإِنَّمَا ينصبه الْفِعْل النَّاقِص وتصاريفه نَحْو كَانَ زيد قَائِما ويعجبني كَونه قَائِما وَلم أذكر تصاريفه فِي الْمُقدمَة لوضوح ذَلِك وَالثَّالِث التَّمْيِيز فَإِنَّمَا ينصبه الِاسْم الْمُبْهم الْمَعْنى ك رَطْل زيتا أَو الْفِعْل الْمَجْهُول النِّسْبَة ك طَابَ زيد نفسا وَكَذَلِكَ تصاريفه نَحْو هُوَ طيب نفسا وَالرَّابِع الْمَفْعُول الْمُطلق وانما ينصبه الْفِعْل
الْمُتَصَرف التَّام وتصاريفه نَحْو قُم قيَاما وَهُوَ قَائِم قيَاما وَيمْتَنع مَا أحْسنه إحسانا وَكنت قَائِما كونا وَالْخَامِس الْمَفْعُول بِهِ وانما ينصبه الْفِعْل الْمُتَعَدِّي بِنَفسِهِ ك ضربت زيدا وَقد قسمت الْفِعْل بِحَسب الْمَفْعُول بِهِ تقسيما بديعا فَذكرت أَنه سَبْعَة أَنْوَاع
أَحدهَا مَا لَا يطْلب مَفْعُولا بِهِ الْبَتَّةَ وَذكرت لَهُ عَلَامَات احداها أَن يدل على حُدُوث ذَات كَقَوْلِك حدث أَمر وَعرض سفر وَنبت الزَّرْع وَحصل الخصب وَقَوله
(اذا كَانَ الشتَاء فأدفئوني
…
فَإِن الشَّيْخ يهرمه الشتَاء)
فَإِن قلت فَإنَّك تَقول حدث لي أَمر وَعرض لي سفر
فعندي أَن هَذَا الظّرْف صفة الْمَرْفُوع الْمُتَأَخر تقدم عَلَيْهِ فَصَارَ حَالا فتعلقه أَولا وآخرا بِمَحْذُوف وَهُوَ الْكَوْن الْمُطلق أَو مُتَعَلق بِالْفِعْلِ الْمَذْكُور على أَنه مفعول لأَجله وَالْكَلَام فِي الْمَفْعُول بِهِ
الثَّانِيَة أَن يدل على حُدُوث صفة حسية نَحْو طَال اللَّيْل وَقصر النَّهَار وَخلق الثَّوْب ونظف وطهر ونجس واحترزت بالحسية من نَحْو علم وَفهم وَفَرح أَلا ترى أَن الأول مِنْهَا مُتَعَدٍّ لاثْنَيْنِ وَالثَّانِي لوَاحِد بِنَفسِهِ وَالثَّالِث لوَاحِد بالحرف تَقول علمت زيدا فَاضلا وفهمت الْمَسْأَلَة وفرحت بزيد
الثَّالِثَة أَن يكون على وزن فعل بِالضَّمِّ كظرف وَشرف وكرم ولؤم وَأما قَوْلهم رحبتكم الطَّاعَة وطلع الْيمن
فضمنا معنى وسع وَبلغ
الرَّابِعَة أَن يكون على وزن انفعل نَحْو انْكَسَرَ وَانْصَرف
الْخَامِسَة أَن يدل على عرض كَمَرَض زيد وَفَرح وأشر وبطر
السَّادِسَة وَالسَّابِعَة أَن يكون على وزن فعل أَو فعل اللَّذين وصفهما على فعيل كذل فَهُوَ ذليل وَسمن فَهُوَ سمين وَيدل على أَن ذل فعل بِالْفَتْح قَوْلهم يذل بِالْكَسْرِ وَقلت فِي نَحْو ذل احْتِرَازًا من نَحْو بخل فَإِنَّهُ يتَعَدَّى بالجار تَقول بخل بِكَذَا
النَّوْع الثَّانِي مَا يتَعَدَّى الى وَاحِد دَائِما بالجار ك غضِبت من زيد ومررت بِهِ أَو عَلَيْهِ
فَإِن قلت وَكَذَلِكَ تَقول فِيمَا تقدم ذل بِالضَّرْبِ وَسمن بِكَذَا
قلت المجروران مفعول لأَجله لَا مفعول بِهِ
الثَّالِث مَا يتَعَدَّى لوَاحِد بِنَفسِهِ دَائِما كأفعال الْحَواس نَحْو رَأَيْت الْهلَال وشممت الطّيب وذقت الطَّعَام وَسمعت الْأَذَان وولمست الْمَرْأَة وَفِي التَّنْزِيل {يَوْم يرَوْنَ الْمَلَائِكَة} {يَوْم يسمعُونَ الصَّيْحَة}
{لَا يذوقون فِيهَا الْمَوْت} {أَو لامستم النِّسَاء}
الرَّابِع مَا يتَعَدَّى الى وَاحِد تَارَة بِنَفسِهِ وَتارَة بالجار كشكر ونصح وَقصد تَقول شكرته وشكرت لَهُ ونصحته وَنَصَحْت لَهُ وقصدته وقصدت لَهُ وقصدت اليه قَالَ الله تَعَالَى {واشكروا نعْمَة الله} {أَن اشكر لي ولوالديك} {وَنَصَحْت لكم}
الْخَامِس مَا يتَعَدَّى لوَاحِد بِنَفسِهِ تَارَة وَلَا يتَعَدَّى أُخْرَى لَا بِنَفسِهِ وَلَا بالجار وَذَلِكَ نَحْو فغر بِالْفَاءِ والغين الْمُعْجَمَة وشحا بالشين الْمُعْجَمَة والحاء الْمُهْملَة تَقول فغر فَاه وشحاه بِمَعْنى فَتحه وفغرفوه وشحافوه بِمَعْنى انْفَتح
السَّادِس مَا يتَعَدَّى الى اثْنَيْنِ وقسمته قسمَيْنِ أَحدهمَا مَا يتَعَدَّى إِلَيْهِمَا تَارَة وَلَا يتَعَدَّى أُخْرَى نَحْو نقص تَقول نقص المَال ونقصت زيدا دِينَارا بِالتَّخْفِيفِ فيهمَا قَالَ الله تَعَالَى {ثمَّ لم ينقصوكم شَيْئا} وَأَجَازَ بَعضهم كَون {شَيْئا} مَفْعُولا مُطلقًا أَي نقصا مَا
الثَّانِي مَا يتَعَدَّى إِلَيْهِمَا دَائِما وقسمته ثَلَاثَة أَقسَام
أَحدهَا مَا ثَانِي مفعوليه كمفعول شكر كأمر واستغفر تَقول أَمرتك الْخَيْر وأمرتك بِالْخَيرِ وَسَيَأْتِي شرحهما بعد
وَالثَّانِي مَا أول مفعوليه فَاعل فِي الْمَعْنى نَحْو كسوته جُبَّة وأعطيته دِينَارا فَإِن الْمَفْعُول الأول لابس وآخذ فَفِيهِ فاعلية معنوية
الثَّالِث مَا يتَعَدَّى لمفعولين أَولهمَا وَثَانِيهمَا مُبْتَدأ وَخبر فِي الأَصْل
وَهُوَ أَفعَال الْقُلُوب الْمَذْكُورَة قبل وأفعال التصيير وَشَاهد أَفعَال الْقُلُوب قَوْله تَعَالَى {وَإِنِّي لأظنك يَا فِرْعَوْن مثبورا} {فَإِن علمتموهن مؤمنات} {تَجِدُوهُ عِنْد الله هُوَ خيرا} {لَا تحسبوه شرا لكم} {وَجعلُوا الْمَلَائِكَة الَّذين هم عباد الرَّحْمَن إِنَاثًا} أَي اعتقدوهم وَقَول الشَّاعِر
(قد كنت أحجو أَبَا عَمْرو أخائقة
…
حَتَّى ألمت بِنَا يَوْمًا ملمات)
وَقَول الآخر
(زعمتني شَيخا وَلست بشيخ
…
)
وَالْأَكْثَر تعدى زعم الى أَن أَو أَن وصلتهما نَحْو {زعم الَّذين كفرُوا أَن لن يبعثوا} وَقَوله
(وَقد زعمت أَنِّي تَغَيَّرت بعْدهَا
…
)
وَقَالَ
(دَريت الوفي الْعَهْد يَا عرو فاغتبط
…
فَإِن اغتباطا بِالْوَفَاءِ حميد)
وَالْأَكْثَر فِي درى أَن تتعدى الى وَاحِد بِالْبَاء تَقول دَريت بِكَذَا
قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا أدراكم بِهِ} وَإِنَّمَا تعدت الى الْكَاف وَالْمِيم بِوَاسِطَة همزَة النَّقْل وَقَوله
(فَقلت أجرني أَبَا خَالِد
…
وَإِلَّا فهبني امْرأ هَالكا)
أَي اعتقدني وَقَوله
(تعلم شِفَاء النَّفس قهر عدوها
…
)
وَالْأَكْثَر فِي تعلم أَن يتَعَدَّى الى أَن وصلتها كَقَوْلِه
184 -
(تعلم رَسُول الله أَنَّك مدركي
…
)
وَشَاهد أَفعَال التصيير قَوْله تَعَالَى {فجعلناه هباء منثورا} {وَاتخذ الله إِبْرَاهِيم خَلِيلًا} {لَو يردونكم من بعد إيمَانكُمْ كفَّارًا حسدا}
وَتَركنَا بَعضهم يَوْمئِذٍ يموج فِي بعض
واحترزت من ظن بِمَعْنى اتهمَ فَإِنَّهَا تتعدى لوَاحِد نَحْو قَوْلك عدم لي مَال فَظَنَنْت زيدا وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {وَمَا هُوَ على الْغَيْب بضنين} أَي مَا هُوَ بمتهم على الْغَيْب وَأما من قَرَأَ بالضاد فَمَعْنَاه مَا هُوَ ببخيل وَكَذَلِكَ علم بِمَعْنى عرف نَحْو {وَالله أخرجكم من بطُون أُمَّهَاتكُم لَا تعلمُونَ شَيْئا} وَرَأى من الرَّأْي كَقَوْلِك رأى أَبُو حنيفَة حل كَذَا أَو حرمته وحجا بِمَعْنى قصد نَحْو حجوت بَيت الله وَمن وجد بِمَعْنى حزن أَو حقد فَإِنَّهُمَا لَا يتعديان بأنفسهما بل تَقول وجدت على الْمَيِّت وحقدت على الْمُسِيء
ثمَّ اعْلَم أَن لأفعال الْقُلُوب ثَلَاث حالات الإعمال والإلغاء وَالتَّعْلِيق
فَأَما الإعمال فَهُوَ نصبها المفعولين وَهُوَ وَاجِب إِذا تقدّمت عَلَيْهِمَا وَلم يَأْتِ بعْدهَا مُعَلّق نَحْو ظَنَنْت زيدا عَالما وَجَائِز إِذا توسطت بَينهمَا نَحْو زيدا ظَنَنْت عَالما أَو تَأَخَّرت عَنْهُمَا نَحْو زيدا عَالما ظَنَنْت
وَأما الإلغاء فَهُوَ إبِْطَال عَملهَا إِذا توسطت فَتَقول زيد ظَنَنْت عَالم وَزيد عَالم ظَنَنْت والإلغاء مَعَ التَّأَخُّر أحسن من الإعمال والاعمال مَعَ التَّوَسُّط أحسن من الإلغاء وَقيل هما سيان
وَأما التَّعْلِيق فَهُوَ إبِْطَال عَملهَا فِي اللَّفْظ دون التَّقْدِير لاعتراض مَاله صدر الْكَلَام بَينهَا وَبَين معموليها وَهُوَ وَاحِد من أُمُور عشرَة
أَحدهَا لَام الِابْتِدَاء نَحْو علمت لزيد فَاضل وَقَوله تَعَالَى {وَلَقَد علمُوا لمن اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَة من خلاق}
الثَّانِي لَام جَوَاب الْقسم نَحْو علمت ليقومن زيد أَي علمت وَالله ليقومن زيد وَقَوله (وَلَقَد علمت لتأتين منيتي
…
إِن المنايا لَا تطيش سهامها)
الثَّالِث الِاسْتِفْهَام سَوَاء كَانَ بالحرف كَقَوْلِك علمت أَزِيد فِي الدَّار أم عَمْرو وَقَوله تَعَالَى {وَإِن أَدْرِي أَقَرِيب أم بعيد مَا توعدون} أَو بِالِاسْمِ سَوَاء كَانَ الِاسْم مُبْتَدأ نَحْو {لنعلم أَي الحزبين أحصى} {ولتعلمن أَيّنَا أَشد عذَابا} أَو خَبرا نَحْو علمت مَتى السّفر أَو مُضَافا إِلَيْهِ الْمُبْتَدَأ نَحْو علمت أَبُو من زيد أَو الْخَبَر نَحْو علمت صَبِيحَة أَي يَوْم سفرك أَو فضلَة نَحْو {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} ف أَي مَنْصُوب على الْمصدر بِمَا بعده وَتَقْدِيره يَنْقَلِبُون أَي انقلاب وَلَيْسَ مَنْصُوبًا بِمَا قبله لِأَن الِاسْتِفْهَام لَهُ الصَّدْر فَلَا يعْمل فِيهِ مَا قبله
وَهَذِه الْأَنْوَاع كلهَا دَاخِلَة تَحت قولي اسْتِفْهَام
الرَّابِع مَا النافية نَحْو علمت مَا زيد قَائِم وَقَوله تَعَالَى {لقد علمت مَا هَؤُلَاءِ ينطقون}
الْخَامِس لَا النافية فِي جَوَاب الْقسم نَحْو علمت وَالله لَا زيد فِي الدَّار وَلَا عَمْرو
السَّادِس فِي إِن النافية فِي جَوَاب الْقسم نَحْو علمت وَالله إِن زيد قَائِم بِمَعْنى مَا زيد قَائِم
السَّابِع لَعَلَّ نَحْو {وَإِن أَدْرِي لَعَلَّه فتْنَة لكم} ذكره أَبُو عَليّ فِي التَّذْكِرَة
الثَّامِن لَو الشّرطِيَّة كَقَوْل الشَّاعِر
(وَقد علم الأقوام لَو أَن حاتما
…
أَرَادَ ثراء المَال كَانَ لَهُ وفر)
التَّاسِع إِن الَّتِي فِي خَبَرهَا اللَّام نَحْو علمت إِن زيدا لقائم ذكره جمَاعَة من المغاربه وَالظَّاهِر أَن الْمُعَلق إِنَّمَا هُوَ اللَّام لَا إِن إِلَّا أَن ابْن الخباز حكى فِي بعض كتبه أَنه يجوز علمت إِن زيدا قَائِم بِالْكَسْرِ مَعَ عدم اللَّام وَأَن ذَلِك مَذْهَب سِيبَوَيْهٍ فعلى هَذَا الْمُعَلق إِن
الْعَاشِر كم الخبرية نَص على ذَلِك بَعضهم وَحمل عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {ألم يرَوا كم أهلكنا قبلهم من الْقُرُون أَنهم إِلَيْهِم لَا يرجعُونَ} وَقدر كم خبرية مَنْصُوبَة بأهلكنا وَالْجُمْلَة سدت مسد مفعولي {يرَوا} {وَأَنَّهُمْ} بِتَقْدِير بِأَنَّهُم وَكَأَنَّهُ قيل أهلكناهم بالاستئصال وَهَذَا الْإِعْرَاب وَالْمعْنَى صَحِيحَانِ لَكِن لَا يتَعَيَّن خبرية {كم} بل يجوز أَن تكون استفهامية وَيُؤَيِّدهُ قِرَاءَة ابْن مَسْعُود / من أهلكنا /
وَجوز الْفراء انتصاب {كم} بيروا وَهُوَ سَهْو سَوَاء قدرت خبرية أَو استفهامية وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ أَن ومعمولاها بدل من {كم} وَهَذَا مُشكل لِأَنَّهُ إِن قدر كم معمولة ليروا لزم مَا أوردناه على الْفراء من اخراج كم عَن صدريتها وَإِن قدرهَا معمولة لأهلكنا لزم تسلط أهلكنا على أَنهم وَلَا يَصح أَن يُقَال أهلكنا عدم الرُّجُوع وَالَّذِي يصحح قَوْله عِنْدِي أَن يكون مُرَاده أَنَّهَا بدل من كم وَمَا بعْدهَا فَإِن يرَوا مسلطة فِي الْمَعْنى على أَن وصلتها فَهَذِهِ جملَة المعلقات
وَالْجُمْلَة الْمُعَلق عَنْهَا الْعَامِل فِي مَوضِع نصب بذلك الْمُعَلق حَتَّى إِنَّه يجوز لَك أَن تعطف على محلهَا بِالنّصب قَالَ كثير
(وَمَا كنت أَدْرِي قبل عزة مَا البكى
…
وَلَا موجعات الْقلب حَتَّى تولت)
يرْوى بِنصب موجعات بالكسرة عطفا على مَحل قَوْله مَا البكا وَمن ثمَّ سمى ذَلِك تَعْلِيقا لِأَن الْعَامِل ملغى فِي اللَّفْظ وعامل فِي الْمحل فَهُوَ عَامل لَا عَامل فَسمى مُعَلّقا أخذا من الْمَرْأَة الْمُعَلقَة الَّتِي هِيَ لَا مُزَوّجَة وَلَا مُطلقَة وَلِهَذَا قَالَ ابْن الخشاب لقد أَجَاد أهل هَذِه الصِّنَاعَة فِي وضع هَذَا اللقب لهَذَا الْمَعْنى
ولنشرح مَا تقدم الْوَعْد بشرحه من الْأَفْعَال الَّتِي تتعدى إِلَى مفعولين أَولهمَا مسرح دَائِما أَي مُطلق من قيد حرف الْجَرّ وَالثَّانِي تَارَة مسرح مِنْهُ وَتارَة مُقَيّد بِهِ وَقد ذكرت مِنْهَا فِي الْمُقدمَة عشرَة أَفعَال
أَحدهَا أَمر قَالَ الله تَعَالَى {أتأمرون النَّاس بِالْبرِّ وتنسون أَنفسكُم} وَقَالَ الشَّاعِر
(أَمرتك الْخَيْر فافعل مَا أمرت بِهِ
…
فقد تركتك ذَا مَال وَذَا نشب)
فَجمع بَين اللغتين
الثَّانِي اسْتغْفر قَالَ الشَّاعِر
(أسْتَغْفر الله من عمدي وَمن خطئي
…
ذَنبي وكل امْرِئ لَا شكّ مؤتزر)
وَقَول الآخر
(أسْتَغْفر الله ذَنبا لست محصيه
…
رب الْعباد إِلَيْهِ الْوَجْه وَالْعَمَل)
الثَّالِث اخْتَار قَالَ الله تَعَالَى {وَاخْتَارَ مُوسَى قومه سبعين رجلا} وَقَالَ الشَّاعِر
(وَقَالُوا نأت فاختر من الصَّبْر والبكى
…
فَقلت البكى أشفى إِذن لغليلي)
أَي اختر من الصَّبْر والبكى أَحدهمَا
الرَّابِع كنى بتَخْفِيف النُّون تَقول كنيته أَبَا عبد الله وبأبي عبد الله وَيُقَال أَيْضا كنوته قَالَ
(هِيَ الْخمر لَا شكّ تكنى الطلا
…
كَمَا الذِّئْب يكنى أَبَا جعدة)
وَقَالَ
(وكتمانها تكنى بِأم فلَان
…
)
الْخَامِس سمى تَقول سميته زيدا وسميته بزيد قَالَ
(وسميته يحيى ليحيا فَلم يكن
…
لأمر قَضَاهُ الله فِي النَّاس من بُد)
السَّادِس دَعَا بِمَعْنى سمى تَقول دَعوته بزيد وَقَالَ الشَّاعِر
(دعتني أخاها أم عَمْرو وَلم أكن
…
أخاها وَلم أرضع لَهَا بلبان)
السَّابِع صدق بتَخْفِيف الدَّال نَحْو {وَلَقَد صدقكُم الله وعده} {ثمَّ صدقناهم الْوَعْد} وَتقول صدقته فِي الْوَعْد
الثَّامِن زوج تَقول زَوجته هندا وبهند قَالَ الله تَعَالَى {زَوَّجْنَاكهَا} وَقَالَ {وزوجناهم بحور عين}
التَّاسِع والعاشر كال وَوزن تَقول كلت لزيد طَعَامه وكلت زيدا طَعَامه ووزنت لزيد مَاله ووزنت زيدا
مَاله قَالَ الله تَعَالَى {وَإِذا كالوهم أَو وزنوهم يخسرون} وَالْمَفْعُول الأول فيهمَا مَحْذُوف
السَّابِع مَا يتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَة مفاعيل وَهُوَ سَبْعَة أَحدهَا أعلم المنقولة بِالْهَمْزَةِ من علم المتعدية لاثْنَيْنِ تَقول أعلمت زيدا عمرا فَاضلا
الثَّانِي أرى المنقولة بِالْهَمْزَةِ من رأى المتعدية لاثْنَيْنِ نَحْو أريت زيدا عمرا فَاضلا بِمَعْنى أعلمته قَالَ الله تَعَالَى {كَذَلِك يُرِيهم الله أَعْمَالهم حسرات عَلَيْهِم} فالهاء وَالْمِيم مفعول أول و {أَعْمَالهم} مفعول ثَان و {حسرات} مفعول ثَالِث
والبواقي مَا ضمن معنى أعلم وَأرى المذكورتين من أنبأ ونبأ وَأخْبر وَخبر وَحدث تَقول أنبأت زيدا عمرا فَاضلا بِمَعْنى أعلمته وَكَذَلِكَ تفعل فِي الْبَوَاقِي
وَإِنَّمَا أصل هَذِه الْخَمْسَة أَن تتعدى لاثْنَيْنِ إِلَى الأول بِنَفسِهَا وَإِلَى الثَّانِي بِالْيَاءِ أَو عَن نَحْو {أنبئهم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أنبأهم بِأَسْمَائِهِمْ} {نبئوني بِعلم} {ونبئهم عَن ضيف إِبْرَاهِيم} وَقد يحذف الْحَرْف نَحْو {من أَنْبَأَك هَذَا}
ثمَّ قلت وَلَا يجوز حذف مفعول فِي بَاب ظن وَلَا غير الأول فِي بَاب أعلم وَأرى إِلَّا لدَلِيل وَبَنُو سليم يجيزون إِجْرَاء القَوْل مجْرى الظَّن وَغَيرهم يَخُصُّهُ بِصِيغَة تَقول بعد اسْتِفْهَام مُتَّصِل أَو مُنْفَصِل بظرف أَو مَعْمُول أَو مجرور
وَأَقُول ذكرت فِي هَذَا الْموضع مَسْأَلَتَيْنِ متممتين لهَذَا الْبَاب
إحدهما أَنه يجوز حذف المفعولين أَو أَحدهمَا لدَلِيل وَيمْتَنع ذَلِك لغير دَلِيل مِثَال حذفهما لدَلِيل قَوْله تَعَالَى {أَيْن شركائي الَّذين كُنْتُم تَزْعُمُونَ}
) أَي تزعمونهم شُرَكَاء كَذَا قدرُوا وَالْأَحْسَن عِنْدِي أَن يقدر أَنهم شُرَكَاء وَتَكون أَن وصلتها سادة مسدهما بِدَلِيل ذكر ذَلِك فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا نرى مَعكُمْ شفعاءكم الَّذين زعمتم أَنهم فِيكُم شُرَكَاء} وَمِثَال حذف أَحدهمَا للدليل وَبَقَاء الآخر قَوْله تَعَالَى {وَلَا يَحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فَضله هُوَ خيرا لَهُم} أَي بخلهم هُوَ خيرا لَهُم فَحذف الْمَفْعُول الأول وَأبقى ضمير الْفَصْل وَالْمَفْعُول الثَّانِي وَقَالَ عنترة
(وَلَقَد نزلت فَلَا تظني غَيره
…
مني بِمَنْزِلَة الْمُحب المكرم)
أَي فَلَا تظني غَيره وَاقعا أَو كَائِنا فَحذف الْمَفْعُول الثَّانِي
وَلَا يجوز لَك أَن تَقول علمت أَو ظَنَنْت مُقْتَصرا عَلَيْهِ من غير دَلِيل على الْأَصَح وَلَا أَن تَقول علمت زيدا وَلَا علمت قَائِما وتترك الْمَفْعُول الأول فِي هَذَا الْمِثَال وَالْمَفْعُول الثَّانِي فِي الَّذِي قبله من غير دَلِيل عَلَيْهِمَا أَجمعُوا على ذَلِك
الثَّانِيَة أَن الْعَرَب اخْتلفُوا فِي إِجْرَاء القَوْل مجْرى الظَّن فِي نصب المفعولين على لغتين
فبنوا سليم يجيزون ذَلِك مُطلقًا فيجوزون أَن تَقول قلت زيدا مُنْطَلقًا
وَغَيرهم يُوجب الْحِكَايَة فَيَقُول قلت زيد منطلق وَلَا يُجِيز إِجْرَاء القَوْل مجْرى الظَّن إِلَّا بِثَلَاثَة شُرُوط أَحدهَا أَن تكون الصِّيغَة تَقول بتاء الْخطاب
الثَّانِي أَن يكون مَسْبُوقا باستفهام
الثَّالِث أَن يكون الِاسْتِفْهَام مُتَّصِلا بِالْفِعْلِ أَو مُنْفَصِلا عَنهُ بظرف أَو مجرور أَو مفعول
مِثَال الْمُتَّصِل قَوْلك أَتَقول زيدا مُنْطَلقًا وَقَول الشَّاعِر
(مَتى تَقول القلص الرواسما
…
يدنين أم قَاسم وَقَاسما)
وَمِثَال الْمُنْفَصِل بالظرف قَول الشَّاعِر
(أبعد بعد تَقول الدَّار جَامِعَة
…
شملي بهم أم تَقول الْبعد مَخْتُومًا)
وَمِثَال الْمُنْفَصِل بالمجرور أَفِي الدَّار تَقول زيدا جَالِسا
وَمِثَال الْمُنْفَصِل بالمفعول قَول الشَّاعِر
(أجهالا تَقول بني لوى
…
لعمر أَبِيك أم متجاهلينا)
وَلَو فصلت بِغَيْر ذَلِك تعيّنت الْحِكَايَة نَحْو أَأَنْت تَقول زيد منطلق