الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الكفاءة والخيار
الكفاءة بمعنى المماثلة والمساواة، يقال: فلان كُفء لفلان. إذا كان مماثلًا له في صفاته، قال الله تعالى:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (1). أي مماثلًا، وهو بضم الكاف والفاء وسكون الفاء وبكسر الكاف، وقد قرئ بها (2).
وهو متفق على اعتبار الكفاءة في الدين، فلا تحل المسلمة للكافر، ومختلف في غير ذلك.
823 -
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العرب بعضهم أكْفاء بعض، والموالي بعضهم أكفاء [بعضٍ] (أ)، إلا [حائكًا] (ب) أو حجامًا". رواه الحاكم، وفي إسناده راوٍ لم يُسم، واستنكره أبو حاتم، وله شاهد عند البزار عن معاذ بن جبل بسندٍ (جـ) منقطع (3).
الحديث أخرجه الحاكم من حديث ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عمر به، والراوي عن ابن جريج لم يُسمَّ، وقد سأل ابن أبي حاتم (4) عنه
(أ) في الأصل: لبعض.
(ب) في الأصل، جـ: حائك.
(جـ) في ب، جـ: سنده.
_________
(1)
الآية 4 من سورة الإخلاص.
(2)
ينظر البحر المحيط 8/ 528.
(3)
البيهقي، كتاب النكاح، باب اعتبار الصنعة في الكفاءة، 7/ 134 عن الحاكم بنحوه، والبزار 7/ 121، ح 2677. دون قوله:"إلا حائكا أو حجامًا".
(4)
العلل 1/ 412، ح 1236.
أباه، فقال: هذا كذب لا أصل له. وقال في موضع آخر (1): باطل. ورواه ابن عبد البر في "التمهيد"(2) من طريق بقية، عن زرعة، عن عمران بن أبي الفضل، عن نافع، عن ابن عمر. قال الدارقطني (3) في "العلل": لا يصح. وقال ابن حبان (4): عمران بن أبي (أ) الفضل يروي الموضوعات عن الثقات. قال ابن أبي حاتم (5): سألت أبي عنه، فقال: منكر. وقد حدث به هشام بن عبيد [الرازي](ب)، فزاد فيه بعد "أو حجامًا":"أو دَبّاغًا". قال: فاجتمع عليه الدباغون وهموا به. وقال ابن عبد البر (2): هذا منكر، موضوع. وذكره ابن الجوزي (6) في "العلل المتناهية" من طريقين إلى ابن عمر؛ في أحدهما عليُّ (جـ) بن عروة، وقد رماه (د) ابن حبان بالوضع (هـ)(7). وفي الأخرى محمد بن الفضل بن عطية (8)، وهو متروك. والأُولى في ابن عَدي (9)،
(أ) ساقطة من: ب، جـ.
(ب) في الأصل، جـ: الرواي.
(جـ) في جـ: عن.
(د) في جـ: رواه.
(هـ) سقط من: جـ.
_________
(1)
العلل 1/ 421، ح 1267.
(2)
التمهيد 19/ 165.
(3)
ينظر التلخيص الحبير 3/ 164.
(4)
المجروحين 2/ 124، بلفظ: الأثبات. بدل: الثقات.
(5)
العلل 1/ 423، 424، ح 1275.
(6)
العلل المتناهية 2/ 128، 129، ح 1018، 1019.
(7)
المجروحين 2/ 107، وهو علي بن عروة القرشي، قال الحافظ: متروك. التقريب ص 403، وينظر تهذيب الكمال 21/ 69.
(8)
تقدمت ترجمته في 3/ 362.
(9)
الكامل 5/ 1852.
والثانية في الدارقطني (1). وله طريق أخرى عن معاذ بن جبل، رواها (أ) البزار (2) في "مسنده"، رفعه:"العرب بعضها لبعض أكفاء، والموالي بعضها لبعضٍ أكفاء". وفيه سليمان بن أبي [الجون](ب). قال ابن القطان (3): لا يُعرف. ثم هو من رواية خالد بن معدان عن معاذ، ولم يسمع منه.
والحديث فيه دلالة على استواء العرب في الكفاءة، وأن الموالي ليسوا (جـ أكفاءً لهم جـ)، وأنهم أكفاء بعضهم لبعضٍ، وهذا فيه دلالة بالنظر إلى العلة المناسبة لاعتبار ذلك، وهو ما يلحق من الغضاضة إذا اتصل الوضيع بالرفيع، فيقاس ما كان فيه عدم مساواة بين الزوجين، إما من جهة النسب أو الحسب أو المال أو الصفات الدنيوية أو الدينية، وللعلماء في ذلك اختلاف؛ فذهب الهادي والقاسم وأبو العباس وأبو طالب والمؤيد بالله إلى أن المعتبر المماثلة في الحسب والدِّين. وزاد أبو حنيفة المماثلة في المال، ونقل صاحب "الإفصاح" (د) (4) عن الشافعي أنه قال: الكفاءة في الدِّين والمال والنسب. ونقل ابن المنذر (5) عن البويطي أن الشافعي قال: الكفاءة في الدِّين. وهو كذلك في "مختصر البويطي"، قال الرافعي: وهو خلاف المشهور. ونقل
(أ) في ب، جـ: رواه.
(ب) في الأصل: الجوت.
(جـ - جـ) في ب، جـ: أكفاءهم.
(د) في جـ: الإيضاح.
_________
(1)
العلل المتناهية 2/ 128، 129، ح 1019 من طريق الدارقطني.
(2)
البزار 7/ 121، ح 2677.
(3)
نصب الراية 3/ 198.
(4)
ينظر الفتح 9/ 137.
(5)
الإشراف 1/ 18.
الآبري (أ) عن الربيع، أن رجلًا سأل الشافعي عنه، فقال: أنا عربي، لا تسألني عن هذا (1). وجزم باعتبار المال أبو الطيب [والصيمري](ب) وجماعة، واعتبره الماوردي في أهل الأمصار، وخص الخلاف بأهل البوادي والقرى، المتفاخرين بالنسب دون المال، وذهب أبو يوسف إلى أن المعتبر المساواة في الحسب -وهو بفتح المهملتين ثم باء موحدة- وهو في الأصل التشرف (جـ) بالآباء وبالأقارب، مأخوذ من الحساب؛ لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها، فيحكم لمن زاد عدده على غيره. وقيل: المراد بالحسب هنا الأفعال الحسنة. وقد يطلق على المال والدِّين (د) والمال والحرفة الرفيعة. والمحترفون أكفاء إلا الحاكة والدبَّاغين والكناسين. وقال محمد بن الحسن: إن المعتبر الحسب والمال لا الدين. ويرد قوله صلى الله عليه وسلم: "ممن ترضون خلقه ودينه"(2). عليه؛ فإنه اعتبر الدين. وذهب زيد بن علي، وأحد قولي الناصر، ومالك، إلى أن المعتبر الدين فقط. قالوا: لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (3). وقوله صلى الله عليه وسلم: "الناس كلهم ولد آدم"(4). و: "الناس كأسنان المشط"(5).
(أ) في ب: الأموي. وينظر سير أعلام النبلاء 16/ 299، 300 والإكمال 1/ 122، 123.
(ب) في الأصل: والصمري.
(جـ) في ب، جـ: الشرف.
(د) بعده في جـ: عطف على الحسب.
_________
(1)
ينظر الفتح 9/ 133.
(2)
الترمذي 3/ 394 ح 1084، وابن ماجه 1/ 632 ح 1967 من حديث أبي هريرة.
(3)
الآية 13 من سورة الحجرات.
(4)
أحمد 2/ 361، وأبو داود 4/ 333 ح 5116، والترمذي 5/ 690، 691 ح 3955، 3956 من حديث أبي هريرة.
(5)
ابن عدي في الكامل 3/ 1099، والقضاعي في مسند الشهاب ح 195، من حديث أنس.
وقد أشار البخاري (1) إلى نصرة هذا القول، فقال في أول باب الأكفاء في الدين: وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا} (2). فاستنبط من الآية الكريمة المساواة بين بني آدم، ثم أردفه بإنكاح أبي حذيفة من سالم بابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مولى لامرأة من الأنصار، وتبناه حذيفة (3). وهذا القول مروي عن عمر وابن مسعود، وعن محمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز، وحديث الباب كما عرفت من ضعفه.
وأما ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم (4) من حديث بُريدة يرفعة: " [إن] (أ) أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال". فهو لا يؤخذ منه أن المال معتبر في الكفاءة، فإن الظاهر من معناه [أن](أ) من شأن أهل الدنيا رفعة من كان كثير المال ولو كان وضيعًا، وضعَةَ من كان مقِلًّا ولو كان كريمًا، كما هو موجود مشاهَد. ولكن هذا الذي يذهب إليه أهل الدنيا من سوء نظرهم، وعدم التفاتهم إلى ما ينفع في العقبى، كما قال الله تعالى:{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (5). وقد كفى سبحانه وتعالى في الرد على مَن اعتبر غير الدين،
(أ) في الأصل: أو.
_________
(1)
البخاري 9/ 131.
(2)
الآية 54 من سورة الفرقان.
(3)
البخاري 9/ 131، ح 5088.
(4)
أحمد 5/ 353، والنسائي 6/ 64، وابن حبان 2/ 474 ح 700، والحاكم 2/ 163.
(5)
الآية 7 من سورة الروم.
بقوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى} . ثم قال: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (1). أي أن الحكمة في ذلك هي أن يعرف بعضكم نسب بعض فلا يعتزي إلى غير آبائه، لا أن يتفاخروا بالآباء والأجداد، ويدَّعوا التفاوت والتفاضل في الأنساب. ثم بين الخصلة التي بها يفضل الإنسان غيره، [ويكتسب](أ) الشرف والكرم عند الله، فقال:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} . كأنه قيل: لم لا يتفاخر بالأنساب؟ فقيل: لأن أكرمكم عند الله أتقاكم لا أنسبكم. وكذلك ما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة لما طاف، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:"الحمد لله الذي أذهب عنكم عبِّيَّة (2) -بضم المهملة وكسرها- الجاهلية وتكبُّرَها، يأيها الناس، إنما الناس رجُلان؛ مؤمن تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله". ثم قرأ الآية (3). وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن سرَّه أن يكون أكرم الناس فليتق الله"(4). فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الالتفات إلى النسب من عبية الجاهلية وتكبرها، فكيف يعتبره المؤمن ويُبنَى عليه حكم شرعي؟! وفي الحديث شيء كثير مما (ب) يفيد التواتر المعنوي في النهي عن الالتفات إلى النسب، لا سيما النسب المنقطع
(أ) في الأصل: يكسب.
(ب) في ب، جـ: ما.
_________
(1)
الآية 13 من سورة الحجرات.
(2)
العُبِّيَّة والعِبِّيَّة: الكِبْر والفخر. اللسان (ع ب ب).
(3)
الترمذي 5/ 363 ح 3270، وابن حبان 9/ 137 ح 3828، من حديث ابن عمر.
(4)
عبد بن حميد 1/ 571 ح 674، والحارث بن أبي أسامة ص 320 ح 1077 - بغية، وابن عدي 7/ 2565، من حديث ابن عباس.
في الدنيا، كنسب من لا ينسب (أ) إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومن اعتبر الكفاءة في النسب اختلفوا في تفصيل ذلك؛ فقال أبو حنيفة: قريش أكفاء بعضهم بعضًا، والعرب كذلك، وليس أحد من العرب كفئًا لقريش كما ليس أحد من غير العرب كفئًا للعَرب. وهو وجه للشافعية، والصحيح (ب عند الشافعية ب) تقديم بني هاشم والمطلب على غيرهم، ومن عدا هؤلاء أكفاء بعضهم لبعضٍ. وقال الثوري (جـ): إذا نكح المولى العربية يفسخ النكاح. وبه قال أحمد في رواية، وتوسط الشافعي فقال: ليس نكاح غير الأكفاء حرامًا فأرُدَّ به النكاح، وإنما هو تقصير بالمرأة والأولياء، فإذا رضُوا صح ويكون حقًّا لهم تركوه، فلو رضُوا إلا واحدٌ فله فسخه.
وهذا هو كقول الهدويَّة، أنه يغتفر برضا (د) الأعلى والولي، ويرد على هؤلاء تزويج النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس القرشية من أسامة (1)، وتقديمه على مَن هو مساوٍ في النسب، مع أنه ما عرف أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض على أحدٍ من قرابتها إسقاط حقه، لو كان لهم حق في ذلك كما ذكر، بل أمر بني بَياضة بإنكاح أبي هند، وقال:"إنما هو امرؤٌ من المسلمين"(2). فنبه على
(أ) في ب، جـ: ينتسب.
(ب - ب) في ب: للشافعية.
(جـ) في جـ: النووي.
(د) في ب: رضا.
_________
(1)
سيأتي ح 824.
(2)
الحاكم 2/ 164، وابن حبان 9/ 375 ح 4067، من حديث أبي هريرة. وسيأتي ح 825.
الوجه المقتضي لمساواتهم (أ)، وهو الاجتماع في وصف الإسلام. والله سبحانه أعلم.
824 -
وعن فاطمة بنت قيس أن (ب) النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "انكحي أسامة". رواه مسلم (1).
هي فاطمة بنت قيس بن خالد الأكبر الفهرية القرشية، أخت الضحاك بن قيس، يقال: إنها كانت أكبر منه بعشرين سنة. وكانت من المهاجرات الأُوَل، وهي راوية لحديث الدجال والجساسة وحديث العدة، روى عنها أبو سلمة بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير والشعبي، وكانت ذات جمال وفضل وكمال، وكانت عند أبي عمرو بن حفص بن المغيرة فطلقها، وزوجها النبي صلى الله عليه وسلم من أسامة بن زيد مولاه، والحديث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك (جـ) لما أخبرته بعد انقضاء عدتها من طلاق أبي عمرو بن حفص، أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد". فكرهته، ثم قال:"انكحي أُسامة". فنكحتُه، فجعل الله فيه خيرًا واغْتَبطتُ. هذا لفظ مسلم.
والحديث فيه دلالة على عدم اعتبار (د) المساواة في النسب، وأنه يستوي
(أ) في ب، جـ: بمساواتهم.
(ب) في جـ: عن.
(جـ) ساقطة من: ب.
(د) ساقطة من: جـ.
_________
(1)
مسلم، كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها 2/ 114 ح 1480.
المولى وغيره، وفيه حجة واضحة على رد قول الثوري، وكذا على من قال: إن الكفاءة معتبرة، وإن تركها يغتفر برضا [الولي](أ). فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرض على أحد من أوليائها، فلو كان لهم حق في ذلك لآذنهم [فيه](ب)، وقد تقدم في الحديث الأول ما فيه كفاية. والمصنف رحمه الله تعالى أورد [هذا](جـ) الحديث بعد الحديث الأول؛ للتنبيه على أن هذا الحديث هو المعول (د) عليه بعد ظهور ضعف الحديث الأول.
825 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يا بني بياضة، أنكحوا أبا هند، وأنكحوا إليه". وكان حجامًا. رواه أبو داود والحاكم بسند جيد (1).
الحديث أخرجاه من طريق [محمد بن عمرو](هـ) عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا. وهذا الحديث أورده المصنف للتنبيه على ما ذكر في الحديث الأول، وذكر بعض الهَدويَّة أنه قد يكتسب الشرف في الصفات فيساوي النسب، وأن من جملة ذلك إذا أمر الإمام بتعظيم شخص، فإنه يكون حكمه حكم شرف النسب، واحتج بهذا الحديث، وهو بعيد، فإنه كان شائعًا في الصحابة رضوان الله عليهم اعتبار مساواتهم في الصحبة واطراح ما
(أ) في الأصل: المولى.
(ب) ساقطة من: الأصل.
(جـ) في الأصل: هنا.
(د) في جـ: المعمول.
(هـ) في النسخ: ليث بن عمر. والمثبت من مصادر التخريج.
_________
(1)
أبو داود، كتاب النكاح، باب في الأكفاء 2/ 240 ح 2102، والحاكم، كتاب النكاح 2/ 164.
سواها، ولذلك نكح بلال هالة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف، وعرض عمر رضي الله عنه على سلمان الفارسي نكاح ابنته، وأضرب عن ذلك سلمان لما قال له بعض ولد عمر: إنه شرف بالمصاهرة لأمير المؤمنين. فصده ذلك وترك، بل في هذا دَلالة واضحة على أن سلمان رضي الله عنه ترفع عن الوضاعة التي يعتبر الرفعة بها مَن لا فهم له في مقاصد الشريعة ونحوها؛ للعادات الجاهلية والمألوفات النفسية المائلة إلى التكبر والتفاخر.
وأبو هند اسمه يسار، وهو الذي حجم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مولى بني بَياضة، وقيل: إن اسمه سالم بن أبي سالم. وقيل: عبد الله بن هند. وقيل: سنان. غلبت عليه كنيته. روى عنه ابن عباسٍ وأبو هريرة وجابر (1).
826 -
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: خيرت بريرة على زوجها حين عتقت. متفق عليه في حديث طويل. ولمسلم عنها أن زوجها كان عبدًا. وفي رواية عنها: كان حرًّا. والأول أثبت. وَصح عن ابن عباسٍ رضي الله عنه عند البخاري أنه كان عبدًا (2).
قوله: "خيرت". هذا بعض من حديث عائشة، وهو: قالت: كانت في بريرة ثلاث سُنن؛ إحدى السنن أنها أُعتقت فخيرت في زوجها. الحديث
(1) الإصابة 7/ 445.
(2)
البخاري، كتاب الطلاق، باب لا يكون بيع الأُمة طلاقا 9/ 404 ح 5279، ومسلم، كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق 2/ 1144 ح 1504/ 5، ورواية مسلم: أن زوجها كان عبدا. في الباب نفسه من كتاب العتق ح 1504/ 9، 11، 13. وروايته أنه كان حرًّا في الباب نفسه ح 1504/ 12. ورواية البخاري عن ابن عباس: أنه كان عبدًا 9/ 406 - 408 ح 5280 - 5283.
أخرجه البخاري في باب: لا يكون بيع الأمة طلاقًا. وظاهر هذا اللفظ يدل على ثبوت الخيار للأمة وإن كان زوجها حرًّا، ولكن البخاري جزم بأنه كان عبدًا، وهذا اللفظ وإن كان مطلقًا ولكنه مقيد بغيرها من الروايات؛ لأن القصة واحدة، والإجماع على ثبوت الخيار إذا كان الزوج عبدًا، واختلف العلماء إذا كان حرًّا؛ فذهب الجمهور إلى أنه لا يثبت الخيار. قالوا: لأن العلة في ثبوت الخيار إذا كان عبدًا هو عدم المكافأة من العبد للحرة في كثير من الأحكام، فإذا عتقت ثبت لها الخيار من البقاء في عصمته أو المفارقة؛ لأنها في وقت العقد عليها لم تكن من أهل الاختيار. وذهبت العترة والشعبي والنخعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يثبت الخيار وإن كان زوجها حرًّا، واحتجوا بحديث الأسود بن يزيد عن عائشة، أن زوج بريرة كان حرًّا (1). وعللوا ذلك بأنها (أ) عند تزويجها لم يكن لها اختيار، لأن (ب) سيدها يزوجها وإن كرهت، فإذا عتقت تجدد لها حال لم يكن قبل ذلك. وأجاب الجمهور عن ذلك بأن حديث الأسود اختلف فيه على راويه؛ هل هو من قول الأسود، أو رواه عن عائشة، أو هو من قول غيره، وهو إبراهيم النخعي كما أخرجه البيهقي (2) عن آدم شيخ البخاري، ولفظه: قال الحكم (جـ): قال إبراهيم: وكان زوجها حرًّا، فخيرت مِن زوجها. فظهر أن
(أ) في جـ: بأنه.
(ب) في ب، جـ: فإن.
(جـ) في جـ: الحاكم. وينظر تهذيب الكمال 7/ 114.
_________
(1)
أخرجه سعيد بن منصور 1/ 299 ح 1259، وأحمد 6/ 170، والنسائي 6/ 163، 7/ 300.
(2)
البيهقي 7/ 224.
هذه مدرجَة. قال إبراهيم بن أبي طالب أحد حفاظ الحديث، وهو من أقران مسلم، فيما أخرجه البيهقي (1) عنه: خَالفَ الأسود الناس في زوج بريرة.
وقال الإمام أحمد (2): إنما يصح أنه كان حرًّا عن الأسود وحده، وما جاء عن غيره فليس بذاك، وصح عن ابن عباسٍ وغيره أنه كان عبدًا، ورواه علماء المدينة، وإذا روى علماء المدينة شيئًا وعملوا به فهو أصح. وأخرج أبو داود (3) من طريق عفان عن ابن عباسٍ بلفظ: إن زوج بريرة كان عبدًا أسود يسمَّى مغيثًا، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد. وساقه أحمد (4) عن عفان عن همام مطولًا. وأخرج البخاري (5) عن ابن عباس ذلك من طريقين؛ قال في أحدهما: ذاك مغيث عبد بني فلان؛ يعني زوج بريرة. وفي الأخرى: كان زوج بريرة عبدًا أسود يقال له: مغيث. وهكذا جاء مِن غير وجه أن اسمه مغيث؛ وهو بضم الميم وكسر المعجمة ثم تحتانية ساكنة ثم مثلثة، ووقع عند العسكري بفتح المهملة وتشديد التحتانية وآخره باء موحدة، والأول أثبت، وبه جزم ابن ماكولا (6) وغيره، ووقع عند المستغفري في "الصحابة" أن اسمه مقسم. قال المصنف (7) رحمه الله: وما أظنه إلا تصحيفًا. قال الدارقطني (8) في "العلل": لم يختلف على عروة عن عائشة
(1) البيهقي 7/ 224.
(2)
ينظر الفتح 9/ 407.
(3)
أبو داود 2/ 277 ح 2232.
(4)
أحمد 1/ 281.
(5)
تقدم تخريجه في حديث الباب.
(6)
الإكمال 7/ 276.
(7)
الفتح 9/ 408.
(8)
ينظر علل الدارقطني 5 ب / 129 - مخطوط، والفتح 9/ 410.
أنه كان عبدًا، وكذا قال جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن عائشة، وأبو الأسود وأسامة بن زيد عن القاسم، وأما ما أخرجه قاسم بن [أصبغ](أ) في "مصنفه"، وابن حزم (1) من طريقه، عن عروة عن عائشة أن زوج بريرة كان حرًّا. فهو وهم من أحمد بن يزيد المعلم أو من موسى بن معاوية، فإن الحفاظ من أصحاب هشام ثم من أصحاب جرير راويه (5) عن هشام قالوا: كان عبدًا. منهم إسحاق بن راهويه وحديثه عند النسائي (2)، وعثمان بن أبي شيبة وحديثه عند أبي داود (3)، وعلي بن حجر وحديثه عند الترمذي (4)، وأصله عند مسلم (5)، وأحال به على رواية أبي أسامة (6) عن هشام، وفيها أنه كان عبدًا. وقد روى شعبة (7) عن عبد الرحمن بن القاسم، فقال: كان حرًّا. ثم رجع عبد الرحمن فقال: ما أدري. قال الدارقطني (8): وقال عمران بن [حدير](جـ) عن عكرمة عن عائشة: كان حرًّا. وهو وَهم في
(أ) في النسخ: صبغة. والمثبت من مصدر التخريج، وينظر السير 15/ 472.
(ب) في جـ: رواه.
(جـ) في الأصل، ب: جرير. وفي جـ: حرر. ولعل الصواب ما أثبتناه. وينظر الفتح 9/ 410، وتهذيب الكمال 22/ 314.
_________
(1)
المحلى 11/ 437.
(2)
النسائي 6/ 164، 165.
(3)
أبو داود 2/ 277 ح 2233.
(4)
الترمذي 3/ 460، 461 ح 1154 عن علي بن حجر به.
(5)
مسلم 2/ 1143 ح 1504/ 9.
(6)
مسلم 2/ 1142، 1143 ح 1504/ 8.
(7)
مسلم 2/ 1144 ح 1504/ 12.
(8)
علل الدارقطني 5 ب / 129 - مخطوط.
شيئين؛ في قوله: حر. وفي قوله: عن عائشة. وإنما هو من رواية عكرمة عن ابن عباسٍ، ولم يختلف على ابن عباس أنه كان عبدًا، وكذا جزم الترمذي (1) عن ابن عمر، وحديثه عند الشافعي (2) والدارقطني (3) وغيرهما، وكذا أخرجه النسائي (4) مِن حديث صفية بنت أبي عبيد قالت: كان زوج بريرة عبدًا. وسنده صحيح. وقال [النووي](أ): يؤيد قول من قال: إنه كان عبدًا. قول عائشة: كان عبدًا، ولو كان حرًّا لم يخيرها. فأخبرت وهي صاحبة القصة بأنه كان عبدًا، ثم عللت بقولها: ولو كان حرًّا لم يخيرها. ومثل هذا توقيف. ولكنه تعقب بأن الزيادة: ولو كان حرًّا. إلخ. مدرجَة مِن قول عروة، بيَّن ذلك في رواية مالك وأبي داود والنسائي (5)، وأما ما أخرجه أحمد (6) عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: كان زوج بريرة حرًّا، فلما عتقت خيرت. الحديث. وأخرج ابن أبي شيبة (7) أيضًا بهذا السند عن عائشة قالت: كان زوج بريرة حرًّا. ومن وجه آخر (8) عن إبراهيم
(أ) في الأصل: الثوري. وينظر صحيح مسلم بشرح النووي 10/ 141.
_________
(1)
الترمذي 3/ 461 عقب ح 1155.
(2)
الأم 5/ 122.
(3)
الدارقطني 3/ 293.
(4)
النسائي في الكبرى 3/ 366 ح 5646.
(5)
النسائي 6/ 164، 165.
(6)
أحمد 6/ 42.
(7)
ابن أبي شيبة 4/ 395.
(8)
ابن أبي شيبة 4/ 396 بنحوه.
عن الأسود أن عائشة حدثته أن زوج بريرة كان حرًّا حين أعتقت، فيحتمل أنه مدرج من قول الأسود أو من دونه، فيكون من أمثلة ما أدرج في أول الخبر، وهو نادر، ويدل على ذلك ما تقدم من الروايات المفصلة التي تقدمت، وأيضًا فإن القاسم ابن أخي عائشة وعروة ابن أختها، وتابعهما غيرهما، هما أعرف بحديث عائشة وأقعد بالمشافَهَة منها، ويرجح ذلك عملها، فإنها كانت تذهب إلى أنه لا خيار للأمة إذا كانت تحت حر. وقد حاول بعض الحنفية اعتبار طريق الجمع بين الروايات بأن راوي: إنه كان عبدًا. باعتبار ما كان عليه، وراوي: إنه كان حرًّا. باعتبار ما صار إليه حال عتق بريرة وأنه أعتق، ويؤيد هذا بأن الحرية تطرأ على الرق دون العكس، والجمع هو الأولى إذا أمكن، ويجاب عنه بأن في بعض الألفاظ تصريحًا بأنه كان عبدًا في ذلك الوقت الذي خيرت فيه كما تقدم (1)، والجمع يتعين مع استواء الروايات، وقد عرفت رجحان رواية كونه عبدًا قوةً وكثرة وحفظًا، ويتبين بما ذكرناه ضعف قول ابن القيم في "الهدي" (2): إن حديث عائشة رواه ثلاثة؛ الأسود، وعروة، والقاسم؛ فأما الأسود فلم يختلف عنه أنه كان حرًّا، وأما عروة فعنه روايتان صحيحتان تتعارضان (أ)، [إحداهما] (ب): أنه كان حرًّا، والثانية: أنه كان عبدًا، وأما عبد الرحمن بن القاسم فعنه روايتان صحيحتان؛ [إحداهما] (ب): أنه كان حرًّا، والثانية: الشك. انتهى. وقد
(أ) في ب، جـ: متعارضتان.
(ب) في النسخ: إحديهما.
_________
(1)
تقدم في حديث الباب.
(2)
زاد المعاد 5/ 168.
عرفت ما في حديث الأسود وغيره، وكذلك قول الإمام المهدي في "البحر"، في الرد على من قال: لا خيار في الحر. قلنا: بل اجتهاد، يعني قول عائشة: ولو كان حرًّا لما خيرها. ومعارض بما روينا، والعلة ملكها نفسها؛ بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:"ملكت نفسك فاختاري"(1). ولم يفصل. انتهى. فبما ظهر لك لا تقوم المعارضة.
وقال ابن القيم (2): مبنى خلاف الفقهاء على تحقيق المناط في إثبات الخيار، وفيه ثلاثة مآخذ؛ أحدها: زوال الكفاءة، وهو قولهم: كانت تحت ناقص. الثاني: أن عتقها أوجب للزوج ملك طلقة ثالثة عليها لم تكن مملوكة له بالعقد، وهذا مأخذ أصحاب أبي حنيفة، وبَنَوه على أصلهم أن الطلاق معتبر بالنساء لا بالرجال. الثالث: ملكها نفسها. وضعف الأول بأنه مبني على أن الكفاءة معتبرة في الدوام كما هي معتبرة في الابتداء، مع أن ذلك غير مُعتبر؛ إذ لا يشترط دوام الشروط واستمرارها، وكذلك الكفاءة؛ فإنه لو فسق الزوج لم يثبت الخيار، وهو اختيار الحنابلة والمالكية، والثاني بأنه لا مناسبة بين ثبوت طلقة ثالثة وبين ثبوت الخيار لها، ورجح المأخذ الثالث بأن السيد عقد عليها بحكم الملك حيث كان مالكًا لرقبتها ومنافعها، والعتق يقتضي تمليك الرقبة والمنافع للمعتق، وهذا مقصود العتق وحكمته، فإذا ملكت رقبتها ملكت بضعها ومنافعها، ومن جملتها منافع البضع، فلا يملك عليها إلا باختيارها، فخيرها الشارع بين أن تقيم مع زوجها وبين أن تفسخ
(1) ابن سعد في الطبقات 8/ 259 من مرسل الشعبي، والدارقطني 3/ 290 من حديث عائشة بنحوه.
(2)
زاد المعاد 5/ 169، 170.
نكاحه، إذ قد ملكت منافع بضعها. وقد جاء في بعض طرق حديث بريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال لها:"ملكت نفسك فاختاري". وهذا كلام محقق إلا أنه لا دليل على العلة المذكورة، والمناسبة تفيد الظن، وهي معارضة بمناسبة الكفاءة، وقد تأيدت مناسبة الكفاءة بقول عائشة: ولو كان حرًّا لما خيرها. فإنه يدل على أن العلة عدم كفاءة العبد للحر، ويختص هذا الحكم من بين سائر شروط النكاح من اعتبار استمراره كما يعتبر في الابتداء، ولا مانع من ذلك ويدل عليه ورود هذا الحكم. وأما قوله:"ملكت نفسك فاختاري". فإنه يحتمل أن المراد من ذلك أنها استقلت بأمر النظر في (أ) مصالحها من غير إجبار عليها من سيدها كما كانت من قبل يجبرها سيدها على الزواج (ب)، بل هذا هو المتبادر فلا يثبت المدعى، فتأمل ذلك. وقد يحتج للجمهور بما أخرجه النسائي (1) من حديث ابن موهَب عن القاسم بن محمد قال: كان لعائشة غلام وجارية. قالت: فأردت أن أعتقهما، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"ابدئي بالغلام قبل الجارية". ولولا أن التخيير يمتنع إذا كان الزوج حرًّا لم يكن للبداية بعتق الغلام فائدة، فإذا بدأت به عتقت تحت حر، فلا يكون لها خيار. وفي "سنن النسائي" (2) أيضًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أيما أمة كانت تحت عبد فعتقت فهي بالخيار ما لم يطأها زوجها". إلا أن
(أ) في جـ: من.
(ب) في ب، جـ: الزوج.
_________
(1)
النسائي 6/ 161.
(2)
النسائي في الكبرى 3/ 180 ح 4937.
الحديث الأول قال (أ) فيه (ب) أبو جعفر العقيلي (1): هذا خبر لا يعرف إلا [بعبيد](جـ) الله بن عبد الرحمن بن موهَب وهو ضعيف (2). وقال ابن حزم (3): هو خبر لا يصح، ثم لو صح لم يكن فيه حجة؛ لأنه ليس فيه أنهما كانا زوجين، ولو كانا زوجين، يحتمل أن [يكون](د) البداية بالرجل، لفضل عتقه على الأنثى، فإن عتق أنثيين (هـ) يقوم مقام عتق رجل واحد، كما في الحديث الصحيح، وأما الحديث الثاني فهو من رواية [حسن](و) بن [عمرو](ز) بن أمية الضَّمري، وهو مجهول.
وقوله: "خيرت". فيه دلالة على أنه تقع الفرقة بلفظ الاختيار، وظاهر قول الهدوية في تفاريع المذهب أنه لا بد من لفظ الفسخ ورضا المفسوخ، أو حكم الحاكم مع التشاجر، وأن هذا عامٌّ في جميع الفسوخ (ح)، وأن الفسخ لا يكون له حكم الرجعي، بل حكم الطلاق البائن، فلا يثبت للزوج الرجعة، وبعضهم قال: له الرجعة. وتمسك بما جاء في بعض ألفاظ
(أ) في ب: فقال.
(ب) ساقطة من: ب، جـ.
(جـ) في النسخ: بعبد. والمثبت من مصدر التخريج، وينظر تهذيب الكمال 19/ 84.
(د) ساقطة من: الأصل.
(هـ) في ب، جـ: اثنتين.
(و) في النسخ: حسين. والمثبت من مصدر التخريج.
(ز) في الأصل: عمر.
(ح) في جـ: المفسوخ.
_________
(1)
الضعفاء الكبير 3/ 120.
(2)
تقدمت ترجمته في 2/ 356.
(3)
ينظر المحلى 11/ 438، 439.
الحديث، قوله صلى الله عليه وسلم:"لو راجعتيه (أ) ". ولا حجة في ذلك؛ لأن المراد بمراجعتها أن ترجع إلى عصمة نكاحه، ولو بعقد مجدد، كما في قوله تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} (1). ولو كان له ذلك لم يكن فائدة لفسخها، وإطلاق التخيير لها يدل على أنه على التراخي؛ إذ لو كان فوريًّا (ب) لبين لها ذلك. وقد ذهب إلى ذلك الهدوية وأبو حنيفة ومالك وأحمد، وللشافعي ثلاثة أقوال؛ هذا أحدها، والثاني (جـ): أنه على الفور، والثالث: أنه إلى ثلاثة أيام. وقيل: بقيامها من مجلس الحاكم. وقيل: من مجلسها. والقولان للحنفية، ولكنه لا يبطل خيارها إلا إذا مكنته من نفسها عالمة بالعتق وثبوت الخيار؛ لما رواه أحمد (2) بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا أعتقت (د) الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها؛ إن تشأ (هـ) فارقته، وإن وطئها فلا خيار لها (و)، ولا تستطع فراقه". وظاهر الحديث أن الوطء مانع من الخيار مطلقًا. وقد ذهب إليه الحنابلة، وكذا في رواية الدارقطني (3):"إن وطئك فلا خيار لك". وإذا فسخت الأمة استحقت المهر إذا كان بعد الدخول،
(أ) في ب، جـ: راجعته.
(ب) في ب: فورا.
(جـ) زاد في ب: على.
(د) في ب، جـ: عتقت.
(هـ) في جـ: شاء. وفي مصدر التخريج: شاءت.
(و) ساقطة من: ب.
_________
(1)
الآية 230 من سورة البقرة.
(2)
أحمد 4/ 65.
(3)
الدارقطني 3/ 294.
وإن وطئت بعد العتق قبل العلم [فإن](أ) لها الفسخ. وقال الإمام يحيى: إنها تستحق مهر المثل في الطرف الثاني، لأنها وطئت وقد صار معرضًا للفسخ، فأشبه النكاح الفاسد، وإن كانت الأمة صغيرة أو مجنونة لم يثبت الخيار لوليها، بل تُنْتَظَرُ، وإن طلقها قبل أن تفسخ صح الطلاق، وأحد قولي الشافعي، أنها إذا فسخت بطل الطلاق، وإن طلقها بعد الفسخ لم يقع، كما إذا طلقها بعد الطلاق البائن.
واعلم أن هذا الحديث ذكره الأئمة في مواضع، في الزكاة، وفي البيع، وفي النكاح، وفي العتق. وقد ذكره المصنف بطوله في البيع، ودل على أحكام كثيرة، فلنذكر بعضًا منها جمعًا للفائدة، وهو جواز كتابة الزوجين الرقيقين، ويلحق به جواز بيع أحدهما دون الاخر، وجواز كتابة من لا مال له ولا حرفة، وهذا محتمل، فإنه لا يلزم من طلبها الإعانة ألا يكون لها حرفة، وبيع المكاتب إذا رضي ولو لم يعجِّز نفسه، وأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم، وأن البيع يكون إلى من يعتقه، وأن بيع الأمة المزوجة لا يكون طلاقًا، وأن عتقها ليس طلاقًا ولا فسخًا، وأن بيعها لا يبيح لمشتريها وطأها، وأن السيد لا يمنع المكاتب من الاكتساب، وأن الكسب من حين الكتابة يكون له، وجواز السؤال للمكاتب، وأن ذلك لا يقتضي تعجيزه، وجواز سؤال ما لا يضطر السائل إليه في الحال، وجواز الاستعانة بالمرأة المزوجة، وجواز تصرفها في مالها بغير إذن زوجها، وحصول الأجر حتى في الشراء بالزيادة عن ثمن المثل لقصد التقرب بالعتق، وجواز الزيادة في الثمن من
(أ) في الأصل، جـ: بأن.
مطلق التصرف، وأن الرقيق له أن يسعى في فكاك رقبته من الرق، وبُطلان الشروط الفاسدة في المعاملات، وصحة الشروط المشروعة؛ لقوله في الحديث:"كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل". وأنه لا يصح إن شرط على المعتق بقاء الخدمة بعد العتق، وأن من شرط شرطًا فاسدًا وهو جاهل لتحريمه لا يستحق العقوبة، وأن السيد يقبل من المكاتب ولو كان من الصدقة، وكذلك إذا سلمه قبل حلول النجوم، وأن التبرع (أ) عن المكاتب يصح ويعتق، وجواز إبطال الكتابة وفسخ عقدها إذا تراضى السيد والعبد، وثبوت الولاء للمعتق، والرد على من خالفه، ومشروعية الخطبة في الأمر المهم والقيام فيها، وتقديم الحمد والثناء، وقول "أما بعد" عند ابتداء الكلام في الحاجة، وأنه لا يعين اسم من يراد الإنكار عليه، وأن استعمال السجع في الكلام لا يكره إلا إذا قصد إليه ووقع متكلفًا، وفيه جواز اليمين فيما لا يجب فيه، ولا سيما عند العزم على فعل الشيء، وأن لغو اليمين لا كفارة فيه، لأن عائشة حَلَفت ألا تشترط، ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم:"اشترطي". ولم ينقل كفارة، وفيه مناجاة الاثنين بحضرة الثالث في الأمر يستحيي منه المناجي ويعلم أن من ناجاه يُعلم الثالث به، ويستثنى ذلك مِن النهي الوارد فيه، وجواز سؤال الثالث عن المناجاة المذكورة إذا ظن أن له تعلقًا به، وجواز إظهار السر في ذلك، ولا سيما إن كان فيه مصلحة للمناجي، وجواز المساومة في المعاملة والتوكيل فيها ولو للرقيق، واستخدام الرقيق في الأمر الذي يتعلق بمواليه وإن لم يأذنوا في ذلك بخصوصه، وثبوت الولاء للمرأة المعتقة، وأن الكافر لا يرث عتيقه المسلم، وأن الولاء لا يوهب ولا يباع،
(أ) في ب: المتبرع.
وفي رواية أن "الولاء لمن أعطى الورق"(1). المراد به المالك لا من باشر الإعطاء بالوكالة، وفي رواية الثوري (2):"لمن أعطى الورق وولي النعمة". وفهم بعضهم من قوله في بعض الطرق أنها عتقت فدعاها فخيرها، أن الخيار على الفور؛ لأن الفاء تقتضي ذلك، وقد تقدم الخلاف في ذلك (3). وفي القصة ذكر محبة مغيث وتعجب النبي صلى الله عليه وسلم. وقد يستدل به على إبطال قول من زعم استحالة أن يحب أحد الشخصين الآخر والآخر يبغضه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"ألا تعجب من حب مغيث بريرة ومن بغض بريرة مغيثًا؟ ". ولعل ذلك أكثريٌّ، ولذلك تعجب منه صلى الله عليه وسلم، واعتبار الكفاءة في الحرية، وسقوط ذلك برضا المرأة التي لا ولي لها، وجواز دخول النساء الأجانب بيت الرجل وإن كان غائبًا، وأن المكاتبة لا يلحقها في الكتابة ولدها ولا زوجها، وتحريم الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم، وأن موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا تحرم عليهم الصدقة وإن حرمت على الأزواج، وجواز أكل الغني [مما](أ) تصدق به على الفقير وبالبيع أولى، وجواز أكل الإنسان من طعام من يظن رضاه، وأن المعتقة لا حجر عليها من معتقها (ب) بل تَصَرَّفُ في مالها، وجواز الصدقة على من يمونه غيره؛ لأن عائشة كانت تمون بريرة، وأن من أهدي لأهله شيء له أن يشرك نفسه معهم في الإخبار عن ذلك؛ لقوله:"وهو لنا هدية". وأن للمرأة أن
(أ) في ب: بما.
(ب) في جـ: معتقيها.
_________
(1)
البخاري 5/ 167 ح 2536، 12/ 45 ح 6758.
(2)
البخاري 12/ 47 ح 6760.
(3)
تقدم ص 158.
تُدخِل إلى (أ) بيت زوجها ما لا يملكه بغير إذنه، وأن تتصرف في بيته بالطبخ وغيره بآلاته ووقوده، وجواز أكل المرء ما يجده في بيته إذا غلب الحل في العادة، وأنه ينبغي تعريفه بما يخشى توقفه عنه، واستحباب السؤال عما يستفاد به علم أو أدب أو بيان حكم أو رفع شبهة، وقد يجب، وسؤال الرجل عما لم يعهده في بيته، وأن هدية الأدنى للأعلى لا تستلزم الإثابة مطلقًا، وقبول الهدية ولو قل (ب) قدرها جبرًا للمهدي، وأن الهدية تملك بوضعها في بيت المهدي له ولا يحتاج إلى التصريح بالقبول، وأن لمن تُصدق عليه بصدقة أن يتصرف فيها كيف شاء ولا ينقص أجر المتصدق، وأنه لا يجب السؤال عن أصل المال الواصل إذا لم يكن فيه شبهة، ولا عن الذبيحة إذا ذبحت بين المسلمين، وفيه مشاورة المرأة زوجها في التصرفات، وسؤال العالم عن الأمور الدينية، وإعلام العالم بالحكم لمن رآه يتعاطى أسبابه ولو لم يسأل، ومشاورة المرأة إذا ثبت لها حكم التخيير في فراق زوجها والإقامة عنده، وأن على الذي يشاور بذل النصيحة، وجواز مخالفة المشير فيما يشير به في غير الواجب، واستحباب شفاعة الحاكم في الرفق بالخصم حيث لا ضرر ولا إلزام، ولا لوم على من خالف ولا غضب ولو عظم قدر الشافع. وترجم له النسائي (1): شفاعة الحاكم في الخصوم قبل فصل الحكم. ولا يجب على المشفوع عنده القبول، وأن [التصميم](جـ) في الشفاعة لا يسوغ فيما يشق الإجابة فيه على المسئول، وحسن الشفاعة قبل أن يسألها المشفوع
(أ) ساقطة من: ب، جـ.
(ب) في ب، جـ: حقر.
(جـ) في الأصل: التفهم.
_________
(1)
النسائي 8/ 245.
له؛ لأنه لم ينقل أن مغيثًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم (أأن يشفع له، وفي بعض الروايات أن العباس هو الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم أ) في ذلك، ويحتمل أن يكون [مغيثٌ](ب) سأل العباس في ذلك، وأن العباس ابتدأ من قبل نفسه شفقة منه على مغيث، وأنه يستحب إدخال السرور على المؤمن. وقد ذكر الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة (جـ) أن الشافع يؤجر وإن لم تحصل إجابته. ومما ذكر في قصة مغيث أنه كان يتبعها في سكك المدينة ودموعه تنحدر، وأن فرط الحب يذهب الحياء، وأنه يعذر من كان كذلك إذا كان بغير اختيار منه، فيعذر أهل المحبة في الله إذا حَصَل لهم الوجد من سماع ما يفهمون منه الإشارة إلى أحوالهم، حيث يظهر منهم ما لا يحصل عن اختيار كالرقص ونحوه (1)، والإصلاح بين المتنافرين من زوجين وغيرهما ولا سيما بين الزوجين إذا كان بينهما ولد، كما قال صلى الله عليه وسلم:"إنه أبو ولدك"(2). وقد قيل: إنه أبو ولدها بالقوة، وأنه لم يكن ثم ولد مَوجود. وهو خلاف الظاهر.
قال المصنف (3) رحمه الله تعالى: ولم أقف على تسمية أحد من أولاد
(أ- أ) سقط من: جـ.
(ب) في النسخ: مغيثا. والمثبت هو الصواب، وينظر الفتح 9/ 414.
(جـ) في ب: حمرة، وفي جـ: حمزة.
_________
(1)
قد كانت الآيات تتلى على الصحابة رضي الله عنهم، وهم سادة المتقين، وأئمة الأولياء، فما كان منهم إلا الوجل والسكينة والخشية، أما ما يذكر من وجد السماع بالرقص والحركة ونحوه، فأمر مبتدع لم يكن عليه السلف الصالح، وهو مناف لوجل القلب؛ لأن القلب لو حصل له الوجل والخشوع لأكسب الجوارح سكونا وطمأنينة. والله أعلم. وينظر مجموع الفتاوى 11/ 599، والاستقامة 1/ 307.
(2)
النسائي 8/ 245، وابن ماجه 1/ 671 ح 2075.
(3)
الفتح 9/ 415.
بريرة. ولذلك قيل: إنه لم يكن ثم ولد.
وأنه ينبغي أن يذكر الشافع ما يكون سببًا للتراجع كما ذكر صلى الله عليه وسلم، وأنه يجوز شراء الأمة دون ولدها، إلا أنه قد يدفع بأن الشراء هنا للعتق وهو يجوز العتق (أ)، وأنه يجوز نسبة الولد إلى أمه، كما قال:"أبو ولدك". وأنه يجوز خطبة الكبير والشريف لمن دونه، وحسن الأدب في الخطاب ولو من الأعلى لمن دونه، وحسن التلطف في الشفاعة، وأن للعبد أن يخطب مطلقته بغير إذن سيده إذا كان قد وقع الفسخ، وأن خِطبة المعتدة لرجوعها إلى زوجها الأول لا تضر، وأن فسخ النكاح لا رجعة فيه إلا بنكاح جديد؛ لقوله:"لو راجعتيه". وأن الحب والبغض بين الزوجين لا لوم فيه على أيهما، وأنه يجوز للمحب البكاء على فراق حبيبه، وعلى ما يفوته من الأمور الدنيوية، والدينية بالطريق الأولى، وأنه لا عار على الرجل في إظهار حبه لزوجته، وأن المرأة إذا بغضت زوجها لم يكن لوليها إكراهها على عشرته. وفي هذا المأخذ خفاء، وأن المرأة إذا أحبته لم يكن لوليها التفريق بينهما، وأنه يجوز للرجل الميل إلى امرأة يطمع في تزويجها أو رجعتها، وأنه يجوز للرجل تكليم مطلقته في الطرق واستعطافها واتباعها أين سلكت، ولعله يقال: عند الأمن من الفتنة. وجواز الإخبار عن حال الشخص بما يفهم من حاله وإن لم يفصح كما قال صلى الله عليه وسلم للعباس، وأنه ينبغي استفصال ما احتمل، فإن بريرة لما احتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم آمرٌ لها أو شافع سألته عن ذلك، وفيه غاية الوقار والتأني منها، وأن كلام الحاكم بين الخصمين لا يكون حكمًا حتى يقصد به فصل شجارهما، وأن المطلوب منه قضاء حاجة يطلب لنفسه الراجح حيث اشترطت عائشة
(أ) كذا في النسخ، ولعل الصواب: للعتق.
الولاء لها إذا صبَّت (أ) الثمن، وأنه يصح التبرع بقضاء الدين على المدين، وهذا بناء على أن عائشة لم تتملك الرقبة وإنما فكت نجوم الكتابة [وأخذتها](ب)، كما تقدم في البيع (1)، وأنه يفتي الرجل زوجته وقريبه بما له فيه حظ وغرض إذا كان حقًّا، وأنه يحكم الحاكم للزوجة بالحق، وأنه يجوز لمشتري الرقيق أن يتحدث بأن شراءه ليعتقه ترغيبًا للبائع في تسهيل البيع، وأنه يجوز المعاملة بالدراهم والدنانير عددًا إذا كان قدرها معلومًا، لقولها: أعدّها. ولقولها: تسع أواقي. ويستنبط (جـ) منه جواز بيع المعاطاة إذ لم يذكر عقد، وأنه يجوز عقد البيع بالكناية، لقوله:"خذيها". وكذا في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الهجرة: "قد أخذتُها بالثمن"(2). وأن حق الله مقدم على حق الآدمي؛ لقوله: "شرط الله أحق وأوثق". ومثله: "دين الله أحق أن يقضى"(3). وأنه يجوز أن يكون مالك الرقيق اثنان فصاعدًا كما في قوله: كانت لناس من الأنصار. ويحتمل أن مالكها واحد، وكان ذلك على المجاز في إطلاق الناس على الواحد، وأن ظاهر اليد هو الملك، إذ لم يسأل عن وجه تملك البائعين، وأن مشتري السلعة لا يجب عليه السؤال عن ذلك إلا
(أ) يعني: أدت الثمن دفعة واحدة. وينظر الفتح 9/ 415.
(ب) ساقطة من: الأصل.
(جـ) في ب، جـ: استنبط.
_________
(1)
تقدم ح 626.
(2)
أحمد 6/ 212، والبخاري 4/ 351 ح 2138 من حديث عائشة.
(3)
أحمد 1/ 224، والبخاري 4/ 192 ح 1953، ومسلم 2/ 804 ح 154، 155/ 1148، وأبو داود 1/ 234 ح 3310، والنسائي في الكبرى 2/ 173 ح 2912، 2913 من حديث ابن عباس.
عند الريبة، وأنه يستحب للعالم إظهار أحكام العقد إذا كان العاقد يجهلها، وأن حكم الحاكم لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالًا، وأنه يقبل الواحد العدل وخبر العبد والأمة، وأن البيان بالفعل أقوى من البيان بالقول، وأنه يجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة، والمبادرة إليه عند الحاجة، وأن الحاجة إذا اقتضت بيان حكم عام وجب إعلامه أو ندب بحسب الحال، وفي رواية ابن عباسٍ أنها أمرت أن تعتد بعدة (أ) الحرة (1) اعتبارًا بالمرأة لا بالرجل، وقد وقع في بعض طرقه: تعتد بحيضة (2). وهو مرجوح، وأن تسمية الأحكام سننًا وإن كانت واجبة جائز كما ورد في بعض ألفاظه، وتسمية غير الواجب سنة هو اصطلاح حادث، وأنه يجوز للسيد إجبار (ب) أمته بتزويج من لا تختاره إما لسوء خلقه أو خلقه والزوجة بخلافه، فإنه قد قيل: إن بريرة كانت جميلة غير سوداء وزوجها بخلافها وقد زوجت به وظهر منها الكراهة بعد العتق، وأن أحد الزوجين قد يبغض الآخر ولا يُظهِر له، وأنه يُعْلَم صاحب الحق بما يستحقه إذا جهله، وأنه يطلق الأهل على السيد (جـ) وإطلاق العبيد على الأرقاء، وأنه يجوز أن يسمى العبد مغيثًا، وأن مال الكتابة لا حد لأكثره، وأن للمعتق أن يقبل الهدية من معتقه ولا يقدح ذلك في ثواب العتق، وأنه يجوز الهدية لأهل الرجل من دون استئذانه، وقبول المرأة لذلك
(أ) في ب، جـ: عدة.
(ب) في جـ: إخبار.
(جـ) كذا في النسخ، ولعل الصواب: السادة. وينظر الفتح 9/ 416.
_________
(1)
أحمد 1/ 361، وإسحاق في مسنده 2/ 247 ح 749.
(2)
ينظر الفتح 9/ 416.
حيث لا ريبة، وأنه ينبغي للرجل أن يسأل عما لم يعهده في بيته كما في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن اللحم، وأنه ينبغي للإنسان السؤال عن أحوال منزله وما عهده فيه، وأنه لا يجب السؤال عن أصل المال الواصل إليه إذا لم يظن تحريمه أو يظهر فيه شبهة؛ إذ لم يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عمن تصدق على بريرة ولا عن حاله، وقد جاء في رواية أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أرسل إلى بريرة بالصدقة (1).
وهذا ما ذكر في فوائد هذا الحديث الشريف وهي مائة واثنتان وعشرون فائدة، وقد وسع فيه بأبسط من ذلك بتفاصيل وزوائد متعلقة بالفوائد. والله ولي التوفيق.
827 -
وعن الضحاك بن فيروز الديلمي عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، إني أسلمت وتحتي أختان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"طلق أيتهما شئت". رواه أحمد والأربعة إلا النسائي، وصححه ابن حبان والدارقطني والبيهقي، وأعله البخاري (2).
الضحاك تابعي، حديثه في المصريين، روى عن أبيه، وروى عنه أبو
(1) ينظر الفتح 9/ 416.
(2)
أحمد 4/ 232، وأبو داود، كتاب الطلاق، باب من أسلم وعنده نساء أكثر من أربع
…
2/ 280، ح 2243، والترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده أختان 3/ 436 ح 1129، 1130، وابن ماجه، كتاب النكاح، باب الرجل يسلم وعنده أختان 1/ 627 ح 1951، وابن حبان، كتاب النكاح، باب نكاح الكفار 9/ 462 ح 4155، والدارقطني 3/ 273 - وليس فيه تصحيحه وقد نقل تصحيحه مغلطاي في الإكمال (4/ 190 - مخطوط)، والمصنف في تهذيب التهذيب 4/ 448 - والبيهقي في المعرفة 5/ 317، والبخاري في التاريخ الكبير 3/ 248، 249.
وهب الجيشاني، قال البخاري (1): لا يعرف سماع بعضهم من بعضٍ. والجيشاني، بفتح الجيم وسكون الياء تحتها نقطتان والشين المعجمة وبالنون، وأبوه فيروز، بفتح الفاء وضم الراء المهملة وبعدها واو ساكنة، وزاي، الديلمي منسوب إلى الديلم وهو الجيل المعروف بفتح الدال المهملة، وهو قاتل الأسود العنسي، وتوفي في خلافة معاوية.
الحديث فيه دلالة على أن نكاح الكافر معتبر (أ)، وإن كان مخالفًا لنكاح الإسلام، وأن مثل هذا المخالف لا يخرج من عهدة النكاح إلا بطلاق بعد الإسلام، ويبقى [بعد الإسلام](ب) بغير عقد مجدد، وقد ذهب إلى هذا الشافعي ومالك وأحمد وداود. وذهب العِترة وأبو حنيفة وأبو يوسف والثوري إلى أنه لا يُقَرُّ منه إلا ما وافق الإسلام؛ فإن كان نكاح الأختين أو العشر مثلًا مرتبًا بقي معه الأول الموافق، وإن كان غير مرتب وكان في عقد واحد، فإنه لا يحل له من ذلك إلا بعقد جديد، وتأولوا مثل هذا الحديث المذكور هنا وحديث غيلان في نكاح العشر بأن الإمساك بعقد، والطلاق المذكور هنا مراد به الاعتزال لا الطلاق الحقيقي، والتأويل هذا متكلف، يستبعد أن يخاطب بمثل هذا النبي صلى الله عليه وسلم من كان لا يعرف الشريعة، قريب عهد بالمألوف المخالف، وأما قوله في حديث غيلان:"أمسك أربعًا وفارق سائرهن". فالفرقة وإن كانت تحتمل الاعتزال، ولكنها تطلق على الطلاق،
(أ) في ب، جـ: يعتبر.
(ب) ساقطة من: الأصل.
_________
(1)
التاريخ الكبير 4/ 333.
كما في قوله تعالى: {أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (1). مع أنه في قوله: "أمسك أربعًا". لم يقل: إن كانت الأوائل. بل ظاهره إطلاق الإمساك لمن شاء، سواء كن متقدمات أو متأخرات. وقال في "نهاية المجتهد" (2): إن سبب الاختلاف معارضة القياس للأثر، والمراد قياس ما كان قبل الإسلام على ما بعد الإسلام؛ وهو أنه كما ليس له أن يعقد بعشر أو بأختين بعد الإسلام فكذلك قبله، والأثر هذان الحديثان. ولكنه يجاب عنه أن القياس عند الجمهور يبطل إذا صادم الأثر. والله أعلم.
828 -
وعن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة أسلم وله عشر نسوة، فأسلمن معه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم يتخير منهن أربعًا. رواه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان والحاكم وأعله البخاري وأبو زرعة وأبو حاتم (3).
غيلان، صاحب القصة؛ هو غيلان بن سلمة الثقفي، ووقع في (أ) كتب الغزالي تبعًا لشيخه في "النهاية": ابن غيلان، وهو خطأ (4). وحكى
(أ) في ب، جـ: فيه.
_________
(1)
الآية 2 من سورة الطلاق.
(2)
الهداية تخريج بداية المجتهد 6/ 473.
(3)
أحمد 2/ 13، والترمذي، كتاب النكاح، باب في الرجل يسلم وعنده عشر نسوة 3/ 435 ح 1128، وابن حبان، كتاب النكاح، باب نكاح الكفار 9/ 463 - 466 ح 4156 - 4158، والحاكم، كتاب النكاح 2/ 192، 193، وعلل الترمذي الكبير ص 164، وعلل ابن أبي حاتم ح 1199، 1200.
(4)
التلخيص الحبير 3/ 170، والذي في الوسيط للغزالي 5/ 132: غيلان.
الخطيب (1) في اسمه ثلاثة أقوال؛ أولها: غيلان بن سلمة، ثانيها: عروة بن مسعود، ثالثها: مسعود (أ) بن عبد ياليل؛ أسلم بعد فتح الطائف ولم يهاجر، وهو أحد وجوه ثقيف ومقدميهم (ب)، وكان شاعِرًا محسنًا، مات في آخر خلافة عمر، روى عنه عبد الله بن عمر، وعروة بن غيلان، وبشر بن عاصم، ونافع أبو السائب مولاه، وكان أسلم قبله، فلما أسلم غيلان رد عليه ولاءه، أخرج الإمام أحمد الحديث في "مسنده"(2) عن ابن عُلية ومحمد بن جعفر جميعًا عن معمر، ولفظه أن ابن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"اختر منهن أربعًا". فلما كان في عهد عمر طلق نساءه، وقسم ماله بين بنيه، فبلغ ذلك عمر، فقال: إني لأظن الشيطان مما يسترق من السمع، سمع بموتك فقذفه في نفسك، وأعلمك أنك لا تمكث إلا قليلًا، وايم الله لتراجعن نساءك، ولترجعن مالك أو لأُوَرِّثُهنَّ منك، ولآمرن بقبرك فيرجم كما يرجم (جـ) قبر أبي رِغال. وأخرجه الترمذي وابن ماجه (3) وابن حبان من طرق عن معمر؛ منهم ابن علية وغُندَر ويزيد بن زريع وسعيد وعيسى بن يونس، كلهم من أهل البصرة. قال البزار (4): جوده معمر بالبصرة، وأفسده باليمن فأرسله.
(أ) في مصدر التخريج: أبو مسعود.
(ب) في ب، جـ: مقدمهم.
(جـ) في ب، جـ: رجم.
_________
(1)
الخطيب في المبهمات ص 362، 363.
(2)
أحمد 2/ 14.
(3)
ابن ماجه 1/ 628 ح 1953.
(4)
مسند البزار 12/ 258 عقب ح 6017.
وقال الترمذي (1): قال البخاري: هذا الحديث غير محفوظ، والمحفوظ ما رواه شعيب عن الزهري. قال: أول حديث جاء عن محمد بن سويد الثقفي أن غيلان أسلم. الحديث. قال البخاري: وأما حديث الزهري عن سالم عن أبيه فإنما هو أن رجلًا من ثقيف طلق نساءه، فقال له عمر: لترجعن نساءك أو لأرجمنك (أ). وحكم مسلم في "التمييز"(2) عن معمر بالوهم فيه. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة: المرسل أصح. وحكى الحاكم (3) عن مسلم أن هذا الحديث مما وهم فيه معمر بالبصرة، قال: فإن رواه عنه ثقة خارج البصرة حكمنا له بالصحة. وقد أخذ ابن حبان والحاكم والبيهقي بظاهر هذا [الحديثِ](ب)، فأخرجوه من طرق عن معمر من حديث أهل الكوفة وأهل خراسان وأهل اليمامة عنه. قال المصنف رحمه الله تعالى (4): ولا يفيد ذلك، فإن هؤلاء كلهم إنما سمعوا منه بالبصرة، وإن كانوا من غير أهلها، وعلى تقدير تسليم أنهم سمعوا منه بغيرها، فحديثه الذي حدث به في غير بلده مضطرب؛ لأنه كان يحدث في بلده من كتبه على الصحة، وأما إذا رحل فحدث من حفظه شيئًا وهم فيه، اتفق على ذلك أهل العلم به كابن المديني والبخاري وابن أبي حاتم
(أ) في مصدر التخريج: لأرجمن قبرك.
(ب) في التلخيص الحبير: الحكم.
_________
(1)
الترمذي 3/ 435 عقب ح 1128.
(2)
التلخيص الحبير 3/ 168.
(3)
الحاكم 2/ 192.
(4)
التلخيص الحبير 3/ 168، 169.
ويعقوب بن شيبة وغيرهم. قال الأثرم عن أحمد: هذا الحديث ليس بصحيح، والعمل عليه. وأعله بتفرد معمر بوصله وتحديثه به في غير بلده. وقال ابن عبد البر (1): طرقه كلها معلولة. وقد أطال الدارقطني في "العلل" تخريج طرقه. ورواه ابن عيينة (2) ومالك (3) عن الزهري مرسلًا، وكذا رواه عبد الرزاق (4) عن معمر، وقد وافق معمرًا على وصله بحر بن كَنِيز السقاء عن الزهري (5)، لكن بحر ضعيف، وكذا وصله يحيى بن سلام عن مالك (6)، ويحيى ضعيف، ولكنه يؤيد وصله ما أخرجه النسائي (7) عن أيوب عن نافِع وسالم [عن](أ) ابن عمر، أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشر نسوة. الحديث، وفيه: فأسلم وأسلمن معه. وفيه: فلما كان زمن عمر طلقهن، فقال له عمر: راجعهن. ورجال إسناده ثقات، ومن هذا الوجه أخرجه الدارقطني (8)، واستدل به ابن
(أ) ساقطة من: الأصل.
_________
(1)
التمهيد 12/ 58.
(2)
الطحاوي في شرح المعاني 3/ 253 من طريق ابن عيينة به.
(3)
الموطأ 2/ 586 ح 76.
(4)
عبد الرزاق 7/ 162 ح 12621.
(5)
الطبراني 18/ 263 ح 658 من طريق بحر به.
(6)
ابن بشكوال في غوامض الأسماء 1/ 193 من طريق يحيى بن سلام به.
(7)
الطبراني في الأوسط 2/ 190 ح 1680، والببهقي 7/ 183، وفي معرفة السنن والآثار 5/ 315 ح 4193 من طريق النسائي بدون زيادة: فلما كان زمن عمر
…
(8)
الدارقطني 3/ 271، 272.
القطان على صحة حديث معمر.
والحديث فيه دلالة على أنه يتخير أربعًا من غير نظر إلى أن نكاح العشر كان مرتبًا أو غير مرتب، ومَن شاء من متقدمة أو متأخرة، وقد تقدم الكلام عليه، والله أعلم.
829 -
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بعد ست سنين بالنكاح الأول ولم يحدث نكاحًا. رواه أحمد والأربعة إلا النسائي، وصححه أحمد والحاكم (1).
الحديث أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباسٍ رضي الله عنه. وقال الترمذي (2): لا بأس بإسناده. ووقع في رواية بعضهم: بعد سنتين (3)، وفي [أخرى] (أ): بعد ثلاث (4). وقد جُمع بين الروايات على أن المراد
(أ) في الأصل: آخر.
_________
(1)
أحمد 1/ 261، وأبو داود، كتاب الطلاق، باب إلى متى ترد عليه امرأته إذا أسلم بعدها 2/ 279 ح 2240، والترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما 3/ 249 ح 1143، وابن ماجه، كتاب النكاح، باب الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر 1/ 647 ح 2009، والحاكم، كتاب معرفة الصحابة 3/ 638، 639.
(2)
الترمذي 3/ 249 عقب ح 1143.
(3)
أحمد 2/ 208، وأبو داود 2240، وابن ماجه ح 2009.
(4)
الطحاوي في شرح المعاني 3/ 256.
بالست ما بين هجرة زينب وإسلامه، فإنه أسر ببدر، وأرسلت [زينب](أ) من مكة في فدائه، فأطلق لها بغير فداء، وشَرط النبي صلى الله عليه وسلم عليه أن يرسل له بزينب، فوفى له بذلك، وأسلم عام (ب)، وهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل يوم اليمامة (1) في خلافة أبي بكر. واسمه مقسم (2)، بكسر الميم وسكون القاف وفتح السين المهملة، وهو ابن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس القرشي، وإليه الإشارة في الحديث الصحيح بقوله صلى الله عليه وسلم في حقه:"حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي"(3). والمراد بالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ} (4) وقدومه مسلما، فإن بينهما
(أ) ساقطة من: الأصل.
(ب) بعده في النسخ بياض بمقدار كلمة، وقد اختلف أهل السير في عام إسلام أبي العاص؛ فقال الذهبي في السير 1/ 330: أسلم قبل الحديبية -وهي في ذي القعدة سنة ست اتفاقا- بخمسة أشهر. وقال الحافظ في الفتح 9/ 424: إن أهل المغازي أطبقوا على أن إسلامه كان في عام الهدنة بعد نزول آية التحريم- وكانت الهدنة آخر سنة ست اتفاقا، وآية التحريم لم يختلف أهل السير أنها نزلت في الحديبية، قاله ابن عبد البر في التمهيد 12/ 22. وقال ابن الأثير 6/ 186: أسلم قبيل الفتح أول السنة الثامنة. قال ابن كثير في تفسيره 8/ 119: إن إسلامه كان سنة ثمان.
_________
(1)
استغرب الحافظ القول بأنه قتل في اليمامة بعد أن رجح أنه توفي في خلافة أبي بكر في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة من الهجرة. الإصابة 6/ 251.
(2)
وهو مما قيل في اسمه، ورجح الذهبي وابن حجر أن اسمه لقيط. سير أعلام النبلاء 1/ 331،
والإصابة 7/ 251.
(3)
أحمد 4/ 326، والبخاري 6/ 212، 213 ح 3110، ومسلم 4/ 1903 ح 95/ 2449، وأبو داود 2/ 232 ح 2069 من حديث المسور بن مخرمة.
(4)
الآية 10 من سورة الممتحنة.
سنتين وأشهرًا.
والحديث فيه دلالة على أن الزوجة إذا أسلمت قبل زوجها فالنكاح باقٍ بينهما، يعني لا ينفسخ، وإن كان المداناة (1) محرمة بعد نزول قوله تعالى:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} (2). وهذا قد روي عن علي رضي الله عنه، أخرجه حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب بأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في الزوجين الكافرين يسلم أحدهما: هو أملك ببضعها ما دامت في دار هجرتها (3). وذكر سفيان بن عيينة عن مطرف [بن طريف](أ) عن الشعبي عن علي: هو أحق بها ما لم تخرج مِن مصرها (4). وذكر ابن أبي شيبة (5) عن [معتمر](ب) بن سليمان عن معمر عن الزهري: إن أسلمت ولم يسلم زوجها فهما على نكاحهما إلا أن يفرق بينهما سلطان. وذهب إلى مثل هذا بعض أهل الظاهر، وأفتى به حماد شيخ أبي حنيفة، والخلاف في هذا للجمهور، فقالوا: إذا أسلمت الحربية
(أ) ساقط من: الأصل.
(ب) في الأصل: معمر.
_________
(1)
المداناة من الدُنُوِّ وهو القرب، وأراد به الجماع. لقوله صلى الله عليه وسلم لابنته زينب رضي الله عنها عندما استجار بها زوجها أبو العاص:"أكرمي مثواه ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له". سنن البيهقي 7/ 185، والاستيعاب 4/ 1702.
(2)
الآية 10 من سورة الممتحنة.
(3)
الطحاوي في شرح المعاني 3/ 260، وذكره ابن حزم في المحلى 7/ 504 من طريق حماد به.
(4)
عبد الرزاق في مصنفه 6/ 84، 7/ 175، ح 10084، 12661 من طريق ابن عيينة به.
(5)
ابن أبي شيبة 5/ 93.
وزوجها حربي وهي مدخولة، فإن أسلم وهي في العدة فالنكاح باقٍ، وإن أسلم بعد انقضاء عدتها وقعت الفرقة بينهما بذلك. وادعى في "البحر" الإجماع على ذلك، وكذلك ابن عبد البر (1) أشار إلى الإجماع، ونسب الخلاف إلى بعض أهل الظاهر ورده بالإجماع، وتأولوا الحديث؛ إما بأن يقال: إن عدة زينب لم تكن قد انقضت، وذلك بعد نزول آية التحريم لبقاء المسلمة تحت الكافر وهو مقدار سنتين وأشهر (أكما تقدم ذكره أ)، لأن الحيض قد يتأخر مع بعض النساء، فردها عليه لما كانت العدة غير منقضية، وهذا حاصل جواب البيهقي (2)، وهو قريب، أو أن المراد بقوله: رد. هو أنه لما أسر أبو العاص يوم بدرٍ قرر نكاحه وهي مستقرة عِنده بمكة، وكان ذلك قبل التحريم لبقاء المسلمة تحت المشرك. ورد هذا ابن القيم في "الهدي النبوي"(3)، وقال: لا يعرف [اعتبار](ب) العدة بشيء من الأحاديث، ولا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل المرأة هل انقضت عدتها أم لا؟ ولا ريب أن الإسلام لو كان بمجرده فرقة لم تكن فرقة رجعية، بل بائنة، فلا أثر للعدة في بقاء النكاح، وإنما أثرها في منع نكاحها للغير، فلو كان الإسلام قد نجز الفرقة بينهما، لم يكن أحق بها في العدة، ولكن الذي [دل عليه
(أ- أ) ساقط من: ب، جـ.
(ب) في الأصل: اختبار. وفي جـ: اعتباره.
_________
(1)
التمهيد 12/ 23.
(2)
ينظر سنن البيهقي 7/ 188.
(3)
زاد المعاد 5/ 137.
حكمه، (أ) صلى الله عليه وسلم أن النكاح موقوف، فإن أسلم قبل انقضاء عدتها فهي زوجته، وإن انقضت عدتها فلها أن تنكح من شاءت، وإن أحبت انتظرته، فإن أسلم كانت زوجته مِن غير حاجة إلى تجديد نكاح، ولا أنعلم أحدًا] (ب) جدد بعد الإسلام نكاحه البتة، بل كان الواقع أحد الأمرين؛ إما افتراقهما [و](جـ) نكاحها غيره، وإما بقاؤها عليه وإن تأخر إسلامه. وأما تنجيز الفرقة أو مراعاة العدة فلا نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بواحد منهما مع كثرة من أسلم في عهده وقرب إسلام أحد الزوجين من الآخر وبعده منه، ولولا إقراره صلى الله عليه وسلم الزوجين على نكاحهما وإن تأخر إسلام أحدهما عن الآخر بعد صلح الحديبية وزمن الفتح -لقلنا بتعجيل الفرقة بالإسلام من غير اعتبار عدة؛ لقوله تعالى:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} . وقوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} . وقد روى مالك في "موطئه"(1) عن ابن شهاب قال: كان بين إسلام صفوان بن أمية وبين إسلام امرأته بنت الوليد بن المغيرة نحو من شهر (د)، أسلمت يوم الفتح وبقي صفوان حتى شهد حنينًا والطائف وهو كافر، ثم أسلم، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، واستقرت عنده امرأته بذلك النكاح. قال ابن عبد البر (2): وشهرة هذا
(أ) في الأصل: حكم به.
(ب) في الأصل: يعلم أحد.
(جـ) في النسخ: أو. والمثبت من مصدر التخريج.
(أ) في الموطأ: شهرين. والمثبت هو الصواب، وينظر التمهيد 12/ 19، 33، والتلخيص الحبير 3/ 176، وبداية المجتهد 2/ 37.
_________
(1)
الموطأ 2/ 544 ح 45.
(2)
التمهيد 12/ 19.
الحديث أقوى من إسناده.
وقال ابن شهابٍ (1): أسلمت أم حكيم يوم الفتح وهرب زوجها عكرمة حتى أتى اليمن، فارتحلت أم حكيم حتى قدمت عليه باليمن، فدعته إلي الإسلام، فأسلم وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فلما [قدِم على](أ) رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وثب [إليه](ب) فرحًا وما عليه رداء حتى بايعه، [فثبتا] (جـ) على نكاحهما ذلك. [قال] (د) ابن شهابٍ: ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى [الله و](هـ) رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجها كافر مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبينه إلا أن يقدم زوجها مهاجرًا قبل انقضاء عدتها. ذكره مالك في "الموطأ"(2)، ومن المعلوم أن أبا سفيان خرج فأسلم عام الفتح قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم[مكة](و)، ولم تسلم هند امرأته حتى فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فبقيا على نكاحهما، وأسلم حكيم بن حزام قبل امرأته، وخرج أبو سفيان بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية عام الفتح فلقيا النبي صلى الله عليه وسلم بالأبواء، فأسلما [قبل
(أ) في مصدر التخريج: رآه.
(ب) في الأصل: عليه.
(جـ) في الأصل: فبنيا.
(د) في النسخ: أخرجه الترمذي قال الترمذي: عن. ولم أقف على تخريج الترمذي له، والمثبت من مصدر التخريج.
(هـ) زيادة من: ب، جـ.
(و) زيادة من: ب، جـ.
_________
(1)
الموطأ 2/ 545 ح 46.
(2)
الموطأ 2/ 544 ح 45.
منكوحتيهما، فبقيا على نكاحهما] (أ)، ولم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين أحد ممن أسلم وبين امرأته. وجواب من أجاب بتجديد نكاح من أسلم في غاية البطلان، و [من](ب) القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا علم.
ثم قال في اعتبار العدة (1): قال ابن شبرمة: كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة، والمرأة قبل الرجل، فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي امرأته، وإن أسلم بعد العدة فلا نكاح بينهما. ولكنه منقطع. انتهى (2).
وذهب الخلال وأبو بكر صاحبه وابن المنذر وابن حزم وهو مذهب الحسن وطاوس وعكرمة وقتادة والحكم -قال ابن حزم: وهو قول عمر ابن الخطاب وجابر بن عبد الله وابن عباس، وبه قال حماد بن زيد والحكم بن عتيبة وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز وعدي بن عدي الكندي [والحسن البصري وقتادة](جـ) والشعبي وغيرهم- وإحدى الروايتين عن أحمد (ب)، أنه تقع الفرقة بالإسلام من غير توقف على مضي العدة كسائر أسباب الفرقة، كالرضاع والخلع والطلاق، وقد تُعقب ابن حزم في الرواية عن عمر؛ فإنه قد ثبت عنه من طريق حماد بن سلمة، عن أيوب وقتادة، كلاهما عن ابن سيرين، عن عبد الله بن يزيد الخطمي أن نصرانيًّا أسلمت
(أ) ساقط من النسخ، والمثبت من زاد المعاد 5/ 139.
(ب) ساقطة من النسخ، والمثبت من مصدر التخريج.
(جـ) ساقطة من: الأصل.
_________
(1)
زاد المعاد 5/ 139.
(2)
يعني كلام ابن القيم.
امرأته، فقال عمر: إن أسلم فهي امرأته، وإن لم يسلم فرق بينهما. فلم يسلم، ففرق بينهما. وكذلك قال لعبادة بن النعمان التغلبي وقد أسلمت امرأته: إما أن تسلم وإلا نزعتها منك. فأبى، فنزعها منه (1). فهذه الآثار صريحة في خلاف ما حكاه ابن حزم عن عمر، ومتمسكهم آثار، فروي عن عمر وابن عباس وجابر أنهم فرقوا بين الرجل وبين امرأته بالإسلام، وهي آثار مجملة ليست بصريحة في تعجيل الفرقة بالإسلام، وقد عارضها الرواية عن عمر وعن علي، و (أ) مثل هذا صرح به الإمام المهدي في "البحر"، قال: إذا أسلم أحدهما دون الآخر انفسخ النكاح إجماعًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تناكح بين أهل ملتين"(2). [فالحربية المدخولة](ب) إنما تبين بمضي العدة، فهي قبل مضيها كالمطلقة رجعيًّا، (جـ أي إن جـ) أسلم كان كالرجعة؛ [لأن](د) له مداناتها مع الكفر، فإن مضت العدة قبل الرجعة إلى الإسلام بانت. اقتضى ذلك خبر أبي سفيان وعكرمة وصفوان، لولاه كان إسلام أحدهما كردته، لكن فرق الدليل. فأما غير المدخولة فتبين بنفس الإسلام كلو طلقت. وهذا تخريج المؤيد وتخريج أبي طالب. فأما الذمية فلا تبين إلا بأحد أمرين، إما بعرض الإسلام، أو بمضي العدة، إذ كُفْر
(أ) زاد في الأصل: إلى.
(ب) في الأصل: فالحربيان فالمدخولة.
(جـ-جـ) في ب: إلى أن.
(د) في الأصل، ب: لا أن.
_________
(1)
ابن أبي شيبة 5/ 91.
(2)
لعل هذا من الأحكام التي انفردت بها الشيعة، والله أعلم.
الذمي أخف؛ بدليل جواز تقريره، لكن إذا عرض عليه الإسلام فامتنع، استأنفت المدخولة لا غيرها، إذ عرض على عمر ذمي أسلمت امرأته، فعرض عليه الإسلام فامتنع، ففرق بينهما بعد امتناعه، ولم ينكره أحد، المؤيد وتخريجه والشافعي، بل حكمهما كالحربيين أسلم أحدهما، وقد مر. إذ هو معنى أوجب الفرقة فاقتضاها في الحال كالطلاق. قلنا: فرق خبر عمر. أبو العباس: والفرق بين ذلك وردة أحدهما أن كفر الردة أغلظ، بدليل جواز إقرار الذمي على دينه لا المرتد، ولأنه قد طعم حلاوة الإيمان بخلاف الأصلي، فجعل حكمه أغلظ بأن بانت بمجرد الردة من دون انتظار عدة، فأما مضي العدة فموجب للفرقة اتفاقًا كحربيين أسلم أحدهما. أبو حنيفة: بل يعرض الإسلام على المتأخر منهما، حربيًّا كان أم ذميًّا، إن كان في دار الإسلام، فإن أسلم بقي النكاح، والا فسخه الحاكم بطلقة وتعتد المدخولة، فإن لم يعرض الإسلام فالنكاح باقٍ ما بقيا في دارنا، مدخولة كانت أم لا، فإن كان المتأخر في دار الحرب بانت بانقضاء العدة. قلت: لا تأثير للدار، بل الملة؛ للخبر. مالك: إن أسلم الزوج بانت في الحال لا الزوجة، فبعد العدة في المدخولة لا غيرها، ففي الحال، قلنا: لا وجه له. انتهى. وحكى في "نهاية المجتهد"(1) عن مالك، أنه إذا أسلم الرجل قبل المرأة وقعت الفرقة إذا عرض عليها الإسلام فأبت. انتهى. فظهر من ذلك أن الحديث المذكور يقضي بما ذكره في "الهدي النبوي"، وأن البينونة بعد انقضاء العدة ثبتت مِن قول ابن شهابٍ والحديث المنقطع عن ابن شبرمة، وأن عرض الإسلام في حق الذمي إنما ثبت عن عمر، ولكنه في حكم الإجماع لعدم المخالف، والله أعلم.
(1) الهداية تخريج بداية المجتهد 6/ 475.
830 -
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على أبي العاص (أ) بنكاح جديد (1). قال الترمذي (2): حديث ابن عباس أجود إسنادًا، والعمل على حديث عمرو بن شعيب.
حديث عمرو بن شعيب تكلم فيه البخاري (3)، وعلته تدليس حجاج بن أرطاة، وله علة أشد مِن ذلك وهي ما ذكره أبو عبيد (4) في كتاب النكاح عن يحيى القطان، أن حجاجًا لم يسمعه مِن عمرو بن شعيب، وإنما حمله عن العرزمي، والعرزمي ضعيف جدًّا (5)، وكذا قال أحمد (6) عقب (ب) تخريجه، قال: والعرزمي لا يساوي حديثه شيئًا. قال: والصحيح أنهما أقرا على نكاحهما الأول. وجنح ابن عبد البر (7) إلى ترجيح ما دل عليه حديث عمرو بن شعيب، وأن حديث ابن عباس لا يخالفه. قال: والجمع بين الحديثين أولى من إلقاء أحدهما، فحمل قوله في حديث ابن عباس بالنكاح الأول؛
(أ) زاد في الأصل: بن الربيع.
(ب) في ب: عقيب.
_________
(1)
أحمد 2/ 208، والترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما 3/ 447 ح 1142، وابن ماجه، كتاب النكاح، باب الزوجين يسلم أحدهما 1/ 647 (2010).
(2)
الترمذي 3/ 449.
(3)
ينظر علل الترمذي الكبير 1/ 166، 167.
(4)
الفتح 9/ 423.
(5)
تقدمت ترجمته في 4/ 316.
(6)
أحمد 11/ 530.
(7)
التمهيد 12/ 24 بنحوه، والفتح 9/ 423.
أي بشروطه، وأن معنى: لم يحدث شيئًا. أي لم يزد على ذلك شيئًا. قال: وحديث عمرو بن شعيب تعضده الأصول، وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد، ومهر جديد، والأخذ بالصريح أولى من الأخذ بالمحتمل (أ)، ويؤيده مذهب ابن عباسٍ، فإنه قائل بما دل عليه حديث عمرو بن شعيب، فإن كانت الرواية عنه المخرجة في السنن ثابتة، فلعله كان يرى تخصيص ما وقع في قصة أبي العاص بذلك العهد كما جاء ذلك عن أتباعه كعطاء ومجاهد؛ ولهذا أفتى بخلاف ظاهر ما جاء عنه في ذلك الحديث، على أن الخطابي (1) قال في إسناد ابن عباس: هذه نسخة ضعفها علي بن المديني وغيره من علماء الحديث. وهو يشير إلى أنه من رواية داود بن الحصين عن عِكرمة. قال: وفي حديث عمرو بن شعيب زيادة ليست في حديث ابن عباسٍ، والمثبت يقدم على النافي، غير أن الأئمة رجحوا إسناد حديث ابن عباسٍ. انتهى.
والكلام فيما (ب) دل عليه الحديث تقدم (جـ) في الحديث الأول.
وقوله: والعمل على حديث عمرو بن شعيب. هذا حكاه الترمذي عن يزيد بن هارون، فإنه حدث بالحديثين عن ابن إسحاق وعن حجاج بن أرطاة، ثم قال يزيد: حديث ابن عباسٍ أقوى إسنادًا، والعمل على حديث عمرو بن شعيب. يريد عمل أهل العراق. وقال الترمذي (2) في حديث ابن
(أ) في ب: بالمجمل.
(ب) في ب، جـ: على ما.
(جـ) في ب، جـ: مقدم.
_________
(1)
معالم السنن 3/ 259.
(2)
الترمذي 3/ 448 عقب حديث 1143.
عباسٍ: لا يعرف وجهه. وأشار بذلك إلى أن ردها إليه بعد ست سنين أو بعد سنتين أو بعد ثلاث مشكل؛ لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة، وقد عرفت الجواب عن ذلك.
831 -
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: أسلمت امرأة فتزوجت، فجاء زوجها (أ) فقال: يا رسول الله، إني كنت أسلمت وعلمتْ بإسلامي. فانتزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوجها الآخر وردها إلى زوجها الأول. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه ابن حبان والحاكم (1).
الحديث فيه دلالة على أن الزوج إذا أسلم قبل أن تزوج امرأته بعد إسلامها أن النكاح باق بينهما، وظاهره من غير فرق بين أن تكون المرأة قد انقضت عدتها أو لا، فإنه لم يستفصل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وهو في محل البيان، فترك الاستفصال يدل على عودها إلى زوجها إذا كان زواجها وقع بعد إسلام الزوج، وهذا يقوي ما ذهب إليه صاحب "الهدي"(2) كما تقدم قريئا. وأما احتمال أن يكون ترك الاستفصال لكونه صلى الله عليه وسلم عرف قرب العهد من الزوجة بالإسلام، وأن إسلامه وقع قبل تجويز انقضاء العدة -فبعيد متكلف، والله أعلم.
(أ) زاد في الأصل: الأول.
_________
(1)
أحمد 1/ 323، وأبو داود، كتاب الطلاق، باب إذا أسلم أحد الزوجين 2/ 279 ح 2239، وابن ماجه، كتاب النكاح باب الزوجين يسلم أحدهما قبل الآخر 1/ 647 ح 2008، وابن حبان كتاب النكاح، باب نكاح الكفار 9/ 467 ح 4159، والحاكم كتاب الطلاق 2/ 200، ولفظ ابن حبان: أن امرأة أسلمت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء زوجها، فقال: يا رسول الله، إنها قد كانت أسلمت معي، فردها عليه.
(2)
ينظر زاد المعاد 5/ 133 - 140.
832 -
وعن زيد بن كعب بن عجرة، عن أبيه قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم العالية (أ) من بني غفار (1)، فلما دخلت إليه ووضعت ثيابها رأى بكشحها بياضًا، فقال:"البسي ثيابك والحقي بأهلك". وأمر لها بالصداق. رواه الحاكم (2). وفي إسناده جميل بن زيد وهو مجهول، واختلف عليه في شيخه اختلافًا كثيرًا.
وقع في الحديث اختلاف عن جميل، فقيل: عنه. كما في الأصل، وقيل: عن ابن عمر. وقيل: عن (ب زيد بن كعب ب). وقيل: عن كعب بن زيد. وأخرجه بن عدي، وأخرجه أبو نعيم في "الطب"، والبيهقي من حديث ابن عمر من دون تعيين اسمها ونسبها، وإنما هو بلفظ (جـ): تزوج بامرأة (3). وجميل بن [زيد](د) هو الطائي، قال ابن معين (4): ليس بثقة. وقال البخاري (5): لم يصح حديثه. وروى أبو بكر بن عياش (هـ عن جميل هـ) قال: هذه أحاديث ابن عمر ما سمعت من ابن عمر شيئًا، إنما قالوا لي: اكتب
(أ) في ب: الغالية.
(ب- ب) في النسخ: كعب بن عجرة، وانظر التلخيص الحبير 3/ 139، والصفحة التالية.
(جـ) ساقط من: ب.
(د) في الأصل: رائد. غير منقوطة.
(هـ- هـ) ساقط من: ب، جـ.
_________
(1)
قيل إنها من بني أبي بكر بن كلاب. انظر البداية والنهاية 8/ 210.
(2)
الحاكم، كتاب معرفة الصحابة 4/ 34.
(3)
ابن عدي 2/ 593، والبيهقي 7/ 257.
(4)
ينظر ميزان الاعتدال 1/ 423.
(5)
التاريخ الصغير 2/ 75.
أحاديث ابن عمر. فقدمت المدينة فكتبتها (1). وقال إسماعيل بن زكريا: حدثنا جميل بن زيد، ثنا ابن عمر قال: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة وخلَّى سبيلها (2). وروى أبو معاوية (3) والقاسم ليت مالك (4) وغيرهما عن جميل عن زيد بن كعب أو كعب بن زيد. وذكر الحديث.
الحديث فيه دلالة على (أ) أن البرص منفر (ب)؛ لرده صلى الله عليه وسلم، وأما كونه يفسخ به النكاح فلا يدل على ذلك صريحًا؛ لاحتمال قوله صلى الله عليه وسلم:"إلحقي بأهلك". أنه قصد به الطلاق، فقد خرجت منه بالطلاق، وقد اختلف العلماء في فسخ النكاح بالعيوب؛ فذهب ابن عباس، وابن عمر، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب (5)، والعترة جميعًا، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، إلى أن النكاح يفسخ بالعيوب، وإن اختلفوا في تفصيل ذلك، فروى (جـ) أصغ، عن ابن وهب، عن عمر وعلي: لا ترد النساء إلا
(أ) في ب: عن.
(ب) في جـ: منقرة.
(جـ) زاد في النسخ: ابن. وينظر تهذيب الكمال 3/ 304، 16/ 277.
_________
(1)
ينظر العلل ومعرفة الرجال لأحمد 1/ 194.
(2)
الطحاوي في شرح شكل الآثار 2/ 104 ح 644 من طريق إسماعيل بن زكريا به.
(3)
سعيد بن منصور في سننه 1/ 214 ح 829، والطحاوى في شرح شكل الآثار 2/ 106 ح 647 من طريق أبي معاوية من حديث زيد بن كعب بن عجرة.
(4)
أحمد 3/ 493 عن القاسم بن مالك من حديث كعب بن زيد أو زيد بن كعب.
(5)
ينظر مصنف عبد الرزاق 6/ 243، 244 ح 10677، 10679، وابن أبي شيبة 4/ 175، والمحلى 11/ 358، 359.
من العيوب الأربعة؛ الجنون، والجذام، والبرص، والداء في الفرج (1). وهو منقطع، وقد رواه سفيان، عن عمرو بن دينار (أ)، عن ابن عباسٍ (2) متصلًا، وروى يحيى بن سعيد الأنصاري، عن ابن المسيب قال: قال عمر: أيما امرأة زوجت وبها جنون، أو جذام، أو برص، فدخل بها ثم اطلع على ذلك، فلها مهرها بمسيسه إياها، وعلى الولي الصداق بما دلس كما غره (3). وأهل الحديث قاطبة مجمعون على قبول رواية ابن المسيب عن عمر. والخلاف للناصر في أحد قوليه في البرص، قال: لأنه (ب) ليس بمفسد للبدن. وزاد الإمام أحمد: أن تكون المرأة فتقاء منخرقة ما بين السبيلين. وزاد الهدوية: العَفَلَة (4) في المرأة، والقَرْن (5)، والرَّتَق (6). وأما الرجل فيشارك المرأة في الثلاثة، وبالجَب (7) والعُنَّة خلافًا للهَدوية في العُنَّة، وزاد أصحاب أحمد:
(أ) زاد في الأصل، ب: و. وينظر تهذيب الكمال 11/ 154.
(ب) في ب: إنه.
_________
(1)
ذكره ابن حزم في المحلى 11/ 358، 359.
(2)
ذكره ابن حزم في المحلى 11/ 358.
(3)
عبد الرزاق 6/ 244 ح 10679 من طريق يحيى بن سعيد به.
(4)
العفلة: غلظ يحدث في الرحم، وهو في الرجال ورم في الدبر. ينظر الخصص لابن سيده 2/ 40.
(5)
القرن: العفلة الصغيرة، هو كالنتوء في الرحم، وهو كالسن في فرج المرأة يمنع من الوطء. ينظر التاج (ق ر ن).
(6)
الرتق: رتقت المرأة رتقا، التصق ختانها فلم تنل، فهي لا يستطاع جماعها، أو هي التي لا خرق لها إلا المبال خاصة. وقيل: الرتقاء المرأة المنضمة الفرج التي لا يكاد الذكر يجوز فرجها لشدة انضمامه. ينظر التاج (ر ت ق).
(7)
الجب: قطع الذكر. اللسان (جـ ب ب).
نتن الفرج والفم، وانخراق مجرى البول والمني في الفرج، والقروح السيالة فيه، والبواسير والناصور، والاستحاضة، واستطلاق البول و (أ) النجو (1)، والخصي وهو قطع البيضتين، والسل وهو سلهما، والوجاء وهو رضهما. ووافق الهدوية في الثلاثة الأخيرة، وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أن المرأة ترد بكل عيب ترد به الجارية في البيع، ونسب هذا القول الإمام المهدي إلى القاضي حسين [و](ب) ابن كجٍّ، وأكثرهم لا يعرف هذا القول ولا مظنته ولا من قاله، وحكاه [أبو](جـ) عاصم العَبَّاداني في كتاب "طبقات أصحاب الشافعي"، ورده الإمام المهدي بأنه لا دليل على ذلك، وارتضى هذا القول ابن القيم، واحتج له في "الهدي النبوي"(2)، قال: والقياس أن كل عيب ينفِرُ الزوجُ الآخرُ منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من المودة والرحمة، يوجب الخيار، وهو أولى من البيع، كما أن الشروط المشروطة في النكاح أولى بالوفاء من الشروط في البيع، ومَن تدبر مقاصد الشرع في مصادره وموارده وعدله وحكمته وما اشتمل عليه من المصالح -لم يخف عليه رجحان هذا القول وقربه من قواعد الشريعة. ثم قال: وكذلك حكم قاضي الإسلام حقًّا الذي يضرب المثل بعلمه ودينه وحكمه، شريح، قال عبد الرزاق: عن معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين: خاصم رجل إلى شريح،
(أ) في ب، جـ: أو.
(ب) ساقط من: النسخ. وينظر السير 17/ 183، 18/ 260، وطبقات الشافعية 4/ 356، 359.
(جـ) في الأصل: ابن. وينظر الأنساب 4/ 122.
_________
(1)
النجو: العذرة. اللسان (ن جـ و).
(2)
زاد المعاد 5/ 183، 184.
فقال: إن هؤلاء قالوا لي: إنَّا نزوجك أحسن الناس. فجاءوا لي بامرأة عمياء. فقال شريح: إن كان دلس لك بعيب لم يجز. فتأمل هذا القضاء، وقوله: إن كان دلس لك بعيب. كيف يقتضي أن كل عيب دلست به المرأة فللزوج الرد به. وقال الزهري: يرد النكاح من كل داء عضال. وبما عرفت أن الدليل على الفسخ هو الحديث المذكور وهو محتمل إلا أن في رواية أحمد [ما](أ) يقرب الاحتجاج به على الفسخ، وهي عن زيد بن كعب بن عجرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني غفار، فلما دخل عليها وضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر بكشحها بياضًا فامَّاز (1) عن الفراش، ثم قال:"خذي عليك ثيابك". ولم يأخذ مما آتاها شيئًا (2). فاللفظ هذا أظهر في قصد الرد وبعده (ب) عن إفادة الطلاق، ويتأيد ذلك بما روي عن علي وعمر وابن عباسٍ، فإن قضاءهم بذلك مما يدل صريحًا بأن هذا أمر ثابت معمول به، ويكون نصًّا في العيوب المنصوصة الواردة، وقياسًا فيما شاركها في المعنى المناسب للعوض المقصود من النكاح، فيتأيد ما ذهب إليه ابن كج وابن القيم (جـ من التعميم جـ) لما وجد فيه ذلك المعنى، وقد روى في "البحر"(3) عن علي أنه فسخ العِذْيَوط، وهو بالعين المهملة المكسورة بعدها ذال ساكنة ثم ياء
(أ) ساقط من الأصل، جـ.
(ب) في جـ: فأعبده.
(جـ- جـ) ساقط من: ب.
_________
(1)
امَّاز: تحول. ينظر التاج (م ى ز).
(2)
تقدم تخريجه ص 186 حاشية 4.
(3)
البحر 4/ 61.
مفتوحة (أ) باثنتين من أسفل، وواو ساكنة آخره طاء مهملة، وهو من يتغوط عند الجماع، وذهب إليه السرخسي من أصحاب الشافعي، وذكره في "الكافي" وفي "الزوائد"، وكذا إذا كان بوَّالًا عند الجماع أو حبَّاقًا (1)، وأجاب الإمام (ب) المهدي بأن ذلك اجتهاد من علي رضي الله عنه فلا يلزمنا. قال الإمام يحيى: ووجه ذلك هو أن هذه حالة تعاف وتستقذر فأشبه البرص، فافهم أن ذلك قياس، وإذا قاس هذه المذكورة اطرد القياس فيما وجد فيه المعنى، ولعل القائلين بانحصار العيوب أخذوا بمفهوم الحصر كما في الرواية عن علي وعمر، ولكنهم لم يقتصروا عليها فلزمهم العمل بالقياس، وذهب الإمام يحيى، وهو أحد قولي الشافعي، إلى أنه لا يفسخ بالسِّل والخصي، قالوا: لأنه يمكنه الوطء، بل جماعه أكثر، إذ لا ينزل فلا يفتر. قال الإمام المهدي: وهو قوي إن كان كذلك. وإذا عم الزوجين العيب لم يبطل الخيار، وإن اتفق جنسه؛ إذ قد يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه. وأحد قولي الشافعي يبطل؛ لاستوائهما. قال الإمام يحيى: والصرع عيب وإن تباعدت نوباته. وقال ابن الجليل: لا لنا تنفيره وإيحاشه. المرتضى: ولا فسخ بعدم البكارة ولو شرطها. أبو العباس: لكن يسقط ما زاد من المهر لأجلها. والخلاف في الفسخ بالعيوب لداود الظاهري وابن حزم ومن تابعهما، فقالوا: لا يفسخ النكاح بعيب البتة. وكأنهم لما لم يكن في الحديث
(أ) زاد في ب، جـ: وهي.
(ب) ساقطة من: ب، جـ.
_________
(1)
حبَّاقا: ضرَّاطا. ينظر التاج (ح ب ق).
تصريح بردها (أ) من دون احتمال طلاق، ولما في [رواته](ب) من جهالة واختلاف، وعقد النكاح قد ثبت فلا يرتفع إلا برافع ثابت بنص صحيح؛ ولذا قال ابن القيم (1): إن القول بالتعميم هو القياس، يعني إذا بني على دلالة الحديث والآثار على ما دلت عليه وقيس ما ناسبها في المعنى، أو قول ابن حزم ومن تابعه، يعني على فرض عدم العمل بالحديث، وأما الاقتصار على عيبين أو أربعة أو ستة أو سبعة أو ثمانية دون ما هو أولى منها أو مساوٍ لها فلا وجه له، فالعمى والخرس والطرش وكونها مقطوعة اليدين والرجلين أو أحدهما، أو كون الرجل كذلك -من أعظم المنفرات، والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش، وهو مناف للدين، والإطلاق إنما ينصرف إلى السلامة فهو كالمشروط عرفًا، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمن تزوج امرأة وهو لا يولد له: أخبرها أنك عقيم. فماذا يقول رضي الله عنه في العيوب التي هذا عندها كمال لا نقص. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
833 -
وعن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أيما رجل تزوج امرأة فدخل بها فوجدها برصاء أو مجنونة [أو مجذومة](جـ)، فلها الصداق بمَسيسِه إياها، وهو له على مَن غَرَّه منها.
(أ) في الأصل: يردها.
(ب) في الأصل، جـ: روايته.
(جـ) ساقط من: الأصل، جـ.
_________
(1)
زاد المعاد 5/ 182، 183.
أخرجه سعيد بن منصور ومالك وابن أبي شيبة، ورجاله ثقات (1). وروى سعيد (2) أيضًا عن عليٍّ نحوه وزاد: أو بها قَرَنٌ، فزوجها بالحيار، فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها.
ومن طريق سعيد بن السيب أيضًا (أ) قال: قضى عمرُ في العِنِّين أن يؤجَّل سنةً. ورجاله ثقات (3).
أخرجه سعيد بن منصور، عن هُشيم، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن ابن السيب، عن عمر. وهو في "الموطأ" عن يحيى، وعن الشافعي (4) عن مالك، وعن [ابن](ب) أبي شيبة عن ابن إدريس، عن يحيى.
وحديث عليٍّ أخرجه سعيد أيضًا، وحديث العِنِّين أخرجه البيهقي (5) من رواية ابن المسيب عن عمرَ وتابعه العلماء عليه، ونقله البيهقي (6) عن عليٍّ والمغيرة وغيرهما، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة (7) عنهما وعن ابن مسعود.
(أ) ساقط من: جـ.
(ب) ساقط من: الأصل.
_________
(1)
سعيد بن منصور في سننه ح 818، ومالك في الموطأ 2/ 526، وابن أبي شيبة في مصنفه 4/ 175.
(2)
سعيد بن منصور في سننه ح 821.
(3)
أخرجه عبد الرزاق 6/ 253 ح 10720، وابن أبي شيبة 4/ 209، والدارقطني 3/ 305 من طريق سعيد بن المسيب به.
(4)
الشافعي في الأم 5/ 84.
(5)
البيهقي 7/ 226.
(6)
البيهقي 7/ 226، 227.
(7)
ابن أبي شيبة 3/ 206.
تقدَّم الكلام على الردِّ بالعيوب.
وقوله: وهو له على مَن غَرَّه منها. هذا ذهب إليه الهادي ومالك وأصحاب الشافعي، والعلة المناسبة لذلك هو أنه غُرْمٌ لَحِقَه بسببه، إلا أنهم اشترطوا علمه بالعيب، فأما إذا جهِل فلا رجوع عليه، وقد أومئ إلى ذلك في الأثر، فإن قوله: على من غرَّه. يدل على العلم، إذ لا غَرَرَ منه إلا مع ذلك، إلا أنه ذكر الإمام يحيى في "الانتصار" أنه يرجع على المحرَم كالأب والجد إذا فرَّط بترك الاستعلام وإن لم يعلم [بالعيب] (أ). ومالك قال: إن كان يُظَن به لقُربه منها أنه عالم بالعيب مثل الأب والأخ رجع عليه، فعلق الحكم بالمظنة، لا غير المحرم كابن العم إلا حيث علم، والقول له في عدم العِلم مع يمينه، ويرجع على من علم من الأولياء وإن لم يكن مباشرًا للعقد؛ إذ هو مدلس. هذا قول الإمام يحيى، ولكنه يرد عليه أنه لا بسبب (ب) منه، لعدم مباشرته (جـ) للعقد، وإن كان لعدم بذله للنصيحة الواجبة لزم غيره من الأجانب. ولا قائل به، فإن تعذر الرجوع على الولي كان الرجوع على المرأة عند المؤيد بالله إذا كانت حرةً، وعند أبي طالب ولو كانت أمَة، للتدليس منها الذي هو وجه الضمان. وذهب أبو العباس والإمام يحيى إلى أنه لا رجوع على المرأة؛ لأنه قد استوفى بَدَله منها، وهو الوطء، فلو رجع عليها كان كآخِذ الغُرْمِ مرتين بخلاف الولي المدلِّس، فلم [يأخذ](د) منه شيئًا
(أ) ساقطة من: الأصل.
(ب) في جـ: سبب.
(جـ) في جـ: مباشرة.
(د) في الأصل: يؤخذ.
يسقط به أرشَ تدليسه، وعلى قول المؤيد وأبي طالب أنه يرجع على المرأة بالمهر كاملًا. وللإمام يحيى وجه، أنه يرجع عليها بما زاد على أقل المهر، إذ لا يخلو الوطء عن عوض. وهو قول مالك؛ لأنه قال: يرجع بالصداق كله إلا ربع دينار فقط. وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه لا رجوع له على أحد. قالوا: قياسًا على النكاح الفاسد الذي وطئ [فيه](أ)؛ فإنه يلزمه المهر بالمسيس. ويرد عليهم بالأثر المذكور، وحديث تأجيل العِنِّين. العنين هو العاجز عن الوطء لعدم انتشار ذَكَره، وهو مأخوذ من عَنَّ الشيءُ إذا عَرَض، لتعرض الإحليل إلى أحد جانبي الفرج وعدم ثباته، أو من عنان الدابة للِينِه ورخاوته (ب)، والمرأة توصف به إذا كانت لا تشتهي الوطء، ويسمى السرس بمهملتين ككتفٍ، وكأميرٍ بزيادة ياء، ويطلق السرس على الذي لا يأتي النساء ومَن لا يولد له، والفحل الذي لا يلقح. كذا في "القاموس"(1)، ومَصْدر عَنّ هنا (جـ) عَنانة وعَنِينة وعَنِينية (د) بزيادة الياء المصدرية، وقول الفقهاء عنَّة بضم العين أو بكسرها خطأ، والعنة الخطيرة (هـ). كذا في "شرح البحر"، والأثر يدل على أن ذلك عَيبٌ يُفسخ به النكاحُ بعد تحققه، وهو
(أ) في الأصل: منه.
(ب) في جـ: رخاوه.
(جـ) في ب، جـ: هذا.
(د) في جـ: عنييه.
(هـ) كذا في النسخ: ولعله تصغير الخطرة، وهي ما يخطر في القلب من تدبير أو أمر. ينظر اللسان (خ ط ر).
_________
(1)
القاموس (س ر س، ع ن ن).
بعد إمهاله سنةً. وقد ذهب إليه عليٌّ وعمر وابن مسعود والمغيرة (أوعثمان ومعاوية أ) وسمرة والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة والباقر والصادق وزيد بن علي والناصر والمؤيد بالله والإمام يحيى وأبو حنيفة والشافعي ومالك، وقياسًا على المجبوب، إلا أنهم اختلفوا في التأجيل، فعمر وابن مسعود أجَّلوه سنة، وعثمان ومعاوية وسَمُرة لم يؤجِّلوه، والحارث بن عبد الله أجَّله عشرة أشهر، وذهب الهادي والقاسم والمرتضي وأبو طالب وأبو العباس وأحمد وداود والحكم بن عُتَيبةَ مِن التابعين إلى أنه لا فسخ بذلك. قالوا: لأن امرأة رفاعة شكت منه ذلك، ولم يخيرها صلى الله عليه وسلم، وهو في موضع التعليم. قال الإمام الهدي ردًّا عليهم: قلنا: لعل زوجها أنكر، والظاهر معه. قالوا: أمَر عليٌّ (ب) امرأة شكت ذلك بالصبر، وقال: لا أستطيع أن أفرق بينكما. قلت: لعل ذلك فيمن عرَضت له العنة بعد الدخول. قالوا: كمن عجز للمرض. قلنا: هو بالمجبوب (جـ) أشبه. انتهى.
وأقول: إن الاحتجاج بقصة أبي رُكَانةَ أظهر، لما نكح امرأة من مُزَينة، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما يُغني عني إلا كما تُغني هذه الشعرة -لشعرة أخذتها من رأسها- ففرِّق بيني وبينه. فأخذت النبي صلى الله عليه وسلم حمِيَّة، فدعا بركانة لاخوته، ثم قال لجلسائه:"أترون فلانًا يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيدَ، وفلانًا -لابنه الآخر- يشبه منه كذا وكذا؟ ". قالوا: نعم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد يزيد: "طلقها". ففعل. الحديث. أخرجه
(أ- أ) ساقط من: ب، جـ.
(ب) في ب: علييًّا.
(جـ) في جـ: بالمجبون.
أبو داود (1) عن ابن عباسٍ، فإنه صلى الله عليه وسلم أمره بالطلاق بعد أن طلبت المفارقة بالفسخ للعنة، واحتمال أنه صلى الله عليه وسلم لم تثبت عنده العنة بقولها -بما يُفهم من تَعرُّف الشَّبَه بينه وبين أولاده- بعيدٌ؛ لأن العنة قد تكون من امرأة دون امرأة، وقد تحدث بعد أن كان بخلافها، ولم يستفصل ذلك صلى الله عليه وسلم، ولا طلب منه إجابة الدعوى، بل عدل إلى طريقة أجمل في دفع ما يُخشَى من الضرر بالإمساك، وهو طلب الطلاق منه؛ فدل على أن هذا العيب لا يقتضي الفسخ.
وأما حديث رفاعة، فإنما قالت زوجته: كنتُ عند رفاعة القرظي فأبَتَّ طلاقي، فتزوجتُ عبد الرحمن بن الزَّبير، إنما معه مثل هدبة الثوب. فقال:"أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك"(2) الحديث. فلم تطلبِ الفُرْقَةَ بينها وبين عبد الرحمن، ولعله قد كان فارقها بالطلاق، وإنما طلَبها رجوعها إلى رفاعة، وهذا أيضًا صريح في رواية "الموطأ"(3)، ولفظه: أن رفاعة طلَّق امرأته تميمة بنت وَهب في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا؛ فنكحت عبد الرحمن بن الزبير، فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها، ففارقها، فأراد رفاعة أن ينكحها وهو زوجها الأول. الحديث. فصرَّح بأنه طلَّقها، وهذه الرواية تفسر الرواية الأولى؛ لاتحاد القصة، فلا يستقيم الاحتجاج به فتَنَبَّه، ولا حاجة إلى ما أجاب به الإمام المهدي، وعلى القول باختلاف القصَّتين، فقد ذكر الطلاق أيضًا في كل
(1) سيأتي ح 887.
(2)
تقدم تخريجه ص 138، 139.
(3)
تقدم تخريجه ص 134.
واحدة منهما، وقد تقدَّم الكلام في كل (أ) منهما مستوفًى فارجع إليه.
وقال ابن المنذر (1): اختلفوا في المرأة تطالب الرجل بالجماع؛ فقال الأكثر: إن وطئها بعد أن دخل بها مرةً واحدةً لم يؤجَّل أجل العِنِّين. وهو قول الأوزاعي والثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وإسحاق. وقال أبو ثور: إن ترك جماعها لعِلَّة أجِّل لها سنة، وإن كان لغير عِلةٍ فلا تأجيل. وقال عياض: اتفق كافة العلماء على أن للمرأة حقًّا في الجماع، فيثبت الخيار لها إذا تزوجت المجبوب والمسوح (2) جاهلة بهما، ويُضْرَب للعِنِّين أجل سنة لاختبار زوالِ ما به. انتهى.
[وقال الفقيه (ب) أبو منصور: وإذا أقر بالعنة فسخ في الحال من غير إمهال. ونظره الإمام يحيى، وروي خلافه عن أكثر العِترة و (جـ) الفقهاء. انتهى](د).
(أ) بعده في جـ: واحد.
(ب) بعده في جـ: يحيى.
(جـ) في جـ: من.
(د) سقط من: الأصل.
_________
(1)
الأشراف 1/ 68.
(2)
يقال: خَصِيٍّ ممسوح، إذا سُلِتت مذاكيره. التاج (م س ح).