الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب عشرة النساء
834 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ملعون من أتى امرأة في دبرها". رواه أبو داود والنسائي (1) واللفظ له، ورجاله ثقات لكن أُعل بالإرسال.
الحديث روي بألفاظ ومن طرقٍ متعددة إلى أبي هريرة وإلى غيره من الصحابة، منهم علي بن أبي طالب وخزيمة وعمر وعلي بن طلق وطلق بن علي وابن مسعود وجابر وابن عباسٍ وابن عمرو بن العاص والبراء وعقبة بن عامر وأنس وأبو ذر، وجميع الطرق متكلم فيها، ولكنه مع الكثرة يقوي بعضها بعضًا لا سيما مع اختلاف الطرق واختلاف الروي عنهم من الصحابة.
والحديث فيه دلالة على تحريم الإتيان في دبر المرأة، وقد ذهب إلى هذا العترة جميعًا، وأكثر الفقهاء قالوا: لقوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} (2). فشبههن بالحرث، والحرث المطلوب منه نبات الزرع، فكذلك النساء يكون الغرض مِن إتيانهن هو (أ) طلب التناسل لا قضاء الشهوة، وهذا لا يكون إلا في القبل، وهذا وإن (ب لم يكن ب) فيه تعرض لتحريم مَا عدا القبل إلا أنه يفهم من
(أ) ساقطة من: ب، جـ.
(ب- ب) في ب: كان.
_________
(1)
أبو داود، كتاب النكاح، باب في جامع النكاح، 2/ 256 ح 2162، والنسائي في الكبرى، كتاب عشرة النساء، ذكر اختلاف ألفاظ الناقلين لخبر أبي هريرة 5/ 323 ح 9015.
(2)
الآية 223 من سورة البقرة.
قوله: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (1). أن الإباحة وقعت لذلك المحل، فيبقى ما عداه على التحريم، إذ الأصل هو تحريم المباشرة إلا ما أحل بالعقد، وهذا بيان لما حل بالعقد عليهن، فيوقف عليه، ولا يقاس غيره عليه، لعدم المشابهة في كونه محلًّا للزرع، وأما تحليل الاستمتاع فيما عدا الفرج فهو مأخوذ من دليل آخر، كما ورد في إباحة الاستمتاع بما عدا الفرج في حق الحائض، ولهذا الحديث ونحوه، وهو ما أخرجه الترمذي والنسائي (2) وابن ماجه (1) عن علي رضي الله عنه:"إن الله لا يستحيي من الحق، لا تأتوا النساء في أعجازهن". وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ: سئل عن الرجل يأتي المرأة في دبرها، فقال؛ "هي اللوطية الصغرى"(3). وأخرجه النسائي (4) أيضًا وأعله، والمحفوظ عن عبد الله بن عمرو من قوله. كذا أخرجه عبد الرزاق (5) وغيره. وذهبت الإمامية إلى حله في الزوجة وفي الأمة، بل وفي المملوك. وروى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري -أحد فقهاء المالكية، وتفقه بالشافعي وبأبيه، وثقه ابن أبي حاتم (6)
(أ) كذا في: النسخ. والصواب: "ابن حبان" كما في التلخيص 3/ 181، والحديث عند ابن حبان (4199) من حديث علي بن طلق.
_________
(1)
الآية 222 من سورة البقرة.
(2)
الترمذي 3/ 468، 469 ح 1164، والنسائي في الكبرى 5/ 324، 325 ح 9023 - 9026 من حديث علي بن طلق.
(3)
أحمد 2/ 182، 210.
(4)
النسائي في الكبرى 5/ 319 ح 8996.
(5)
عبد الرزاق 11/ 443 ح 20956.
(6)
الجرح والتعديل 7/ 300، 301.
والنسائي (1)، وروى عنه، وهو في غاية من الزهد والورع، وله تصانيف عديدة، منها كتاب "الرد على الشافعي" -عن الشافعي رحمه الله أنه قال: لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه ولا في (أ) تحليله شيء، والقياس أنه حلال. روى هذا ابن أبي حاتم بسماعه من محمد المذكور، وكذلك الطحاوي (2)، وأخرجه عنه في "مناقب الشافعي"(3) له، وأخرجه الحاكم (4) في "مناقب الشافعي" عن الأصم عنه، وأخرجه عن الخطيب (5) عنه، عن أبي سعيد بن موسى، عن الأصم، وروى الحاكم (5) عنه قال: قال لنا الشافعي كلامًا كلم به محمد بن الحسن، فقلت: في مسألة إتيان المرأة في دبرها؛ قال: سألني محمد بن الحسن فقلت له: إن كنت تريد [المكابرة](ب) وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم، وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك. قال: على المناصفة. قلت: فبأي شيء حرمته؟ قال: بقول الله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (6). وقال: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (7). والحرث لا يكون إلا في الفرج. قلت: فيكون ذلك محرِّمًا لما سواه؛ قال: نعم. قلت: فما تقول لو وطئها بين ساقيها، أو في أعكانها أو
(أ) ساقط من: ب.
(ب) في الأصل: المكاثرة.
_________
(1)
ينظر تهذيب الكمال 25/ 499.
(2)
مختصر اختلاف العلماء 2/ 343.
(3)
مناقب الشافعي لابن أبي حاتم ص 217.
(4)
البيهقي في مناقب الشافعي 2/ 10 عن الحاكم به.
(5)
التلخيص الحبير 3/ 181، 182.
(6)
الآية 222 من سورة البقرة.
(7)
الآية 223 من سورة البقرة.
تحت بطنها، أو أخذت ذكره بيدها، أفي ذلك حرث؟ قال: لا. قلت: أفتحرم ذلك؟ قال: لا. قلت: فلم تحتج بما لا حجة فيه؟ قال: فإن الله قال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} (1) الآية. قال: فقلت له: إن هذا ما يحتجون به للجواز، إن الله أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجه وما ملكت يمينه. فقلت: أنت تتحفظ من زوجتك ومَا ملكت يمينك؟ انتهى. وبما ذكرناه أولًا في الاحتجاج للتحريم، يؤخذ الجواب عن هذا. قال الحاكم: لعل الشافعي كان يقول بذلك في القديم، فأما في الحديث، فالمشهور أنه حرمه. انتهى. مع أن الربيع كذب رواية محمد بن عبد الله عن الشافعي، قال الربيع: كذب، والله الذي لا إله إلا هو قد نص الشافعي على تحريمه في ستة كتب، روى هذا أبو العباس الأصم، وحكاه عنه جماعة، منهم الماوردي في "الحاوي" وأبو نصر بن الصباغ في "الشامل" وغيرهم. قال المصنف رحمه الله (2): تكذيب الربيع [لمحمد](أ) لا معنى له؛ فإنه قد تابعه عليه عبد الرحمن بن عبد الله عن الشافعي، وأخرجه أحمد بن أسامة بن أبي السمح [المصري](ب) عن أبيه، قال: سمعت عبد الرحمن. فذكر نحوه عن الشافعي. وأخرج الحاكم عن الأصم، عن الربيع قال: قال الشافعي: قال الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} . احتملت الآية معنيين؛ أحدهما: أن تؤتى المرأة من حيث شاء زوجها، لأن {أَنَّى شِئْتُمْ} تأتي بمعنى أين شئتم. ثانيها: أن الحرث إنما يراد به النبات وموضعه دون ما سواه.
(أ) في الأصل: لأحمد.
(ب) في النسخ: البصري. والمثبت من لسان الميزان 1/ 341.
_________
(1)
الآية 5 من سورة المؤمنون.
(2)
التلخيص 3/ 182.
فاختلف أصحابنا في ذلك، وأحسب (أ) كلًّا من الفريقين تأولوا ما وصفت من احتمال الآية. قال: وطلبنا الدلالة من السنة فوجدنا حديثين مختلفين؛ أحدهما ثابت، وهو حديث خزيمة في التحريم. قال: فأخذنا به. انتهى. وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تأتوا النساء في أدبارهن". أخرجه الشافعي (1) من حديث خزيمة بن ثابت، وفي إسناده [عمرو بن أحيحة (2) وهو مجهول الحال، واختلف في إسناده](ب) اختلافًا كبيرًا، وقد أطنب النسائي (3) في تخريج طرقه وذكر الاختلاف فيه، وقال البزار (4): لا أعلم في هذا الباب حديثًا صحيحًا لا في الحظر ولا في الإطلاق، وكل ما روي فيه عن خزيمة بن ثابت من طريق فيه فغير صحيح. انتهى. وكذا روى الحاكم عن أبي علي النيسابوري، ومثله عن النسائي، وقاله قبلهما البخاري، وذكر الجويني في "مختصره" أن بعضهم أقام ما رواه محمد عن الشافعي قولًا للشافعي، ولكنه يكون مرجوعًا عنه كما قال الربيع، وهذا أولى من تكذيبه، فإنه لا خلاف في ثقته وأمانته، ولعل محمدًا اغتر بكون الشافعي قص له القصة التي وقعت له بطريق المناظرة بينه وبين محمد بن الحسن، ولا شك أن العالم في المناظرة يتقلد القول وهو لا يختاره، فيذكر أدلته إلى أن ينقطع خصمه،
(أ) في ب: أجيب.
(ب) ساقط من: الأصل.
_________
(1)
الأم 5/ 94، 173.
(2)
عمرو بن أحيحة بن الجلاح الأنصاري المدني قال الحافظ: مقبول. التقريب ص 418، وينظر تهذيب الكمال 21/ 540.
(3)
النسائي في الكبرى 5/ 316 - 319 ح 8982 - 8995.
(4)
كشف الأستار 2/ 173.
وروي مثل هذا عن مالك، قال القاضي أبو الطيب (1) في تعليقه: نص في كتاب "السر" عن مالك على إباحته، ورواه عنه أهل مصر وأهل المغرب (أ). انتهى. وقد أنكر الأبهري من المالكية كتاب "السر"، وأنكروا رواية [ذلك عن مالك، وكذا قال الرافعي أن أصحابه العراقيين لم يثبتوا الرواية](ب)، والرواية عن مالك إنما هو في دبر الزوجة فقط، فأما رواية جواز ذلك في دبر الذكر المملوك فغلط فاحش، ورواية نشوان ذلك في رسالة "الحور العين" غير صحيحة، ولعله مأخوذ من تشنيع المعري على علماء الإسلام ذلك في قوله (2):
وأجاز مالك الفقاح (3) تطرفًا.
وهم منزهون عن ذلك. قال المصنف رحمه الله (4): وكتاب "السر" وقفت (جـ) عليه في كراسة لطيفة من رواية الحارث بن مسكين عن عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك، وهو يشتمل (د) على نوادر من المسائل، وفيها كثير مما يتعلق بالخلفاء، ولأجل هذا سمي كتاب "السر"، وفيه هذه المسألة، وقد رواها أحمد بن أسامة التجيبي وهذبه ورتبه على الأبواب،
(أ) في ب، جـ: الغرب.
(ب) ساقط من: الأصل.
(جـ) في ب: وقعت.
(د) في ب: مشتمل.
_________
(1)
ينظر التلخيص 3/ 183.
(2)
هو صدر بيت للمعرى أورده نشوان الحميري مع أبيات أخرى في الحور العين ص 80 وعجزه:
وهم دعائم قبة الإِسلام
(3)
الفقاح: جمع فقحة، وهي حلقة الدبر، وقيل: هي الدبر بجمعها، ثم كثر حتى سمي كل دبر فقحة. التاج (ف ق ح).
(4)
التلخيص 3/ 183.
وأخرج له أشباهًا ونظائر في كل باب، وروى فيه من طريق معن بن عيسى قال: سألت مالكًا عنه، فقال: ما أعلم فيه تحريمًا. وقال ابن رشد (أ) في كتاب "البيان والتحصيل في شرح العُتبية": روى العُتْبي، عن ابن القاسم، عن مالك أنه قال وقد سأله عن ذلك مختليًا به، فقال: حلال ليس به بأس. قال ابن القاسم: ولم أدرك أحدًا أقتدي به في دين يشك (ب) فيه، والمدنيون يروون فيه الرخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم. يشير بذلك إلى ما روي عن ابن عمر وأبي سعيد؛ أما حديث ابن عمر فله طرق رواه عنه نافع وزيد بن أسلم و [عبيد](جـ) الله بن عبد الله بن عمر وسعيد بن يسار (د) وغيرهم، أما نافع فاشتهر عنه من طرق كثيرة جدًّا، منها ما أخرجه مالك مما رواه خارج "الموطأ" عن نافع قال: قال ابن عمر: أمسك عليَّ المصحف يا نافع. فقرأ حتى أتى على هذه الآية: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} . فقال: [أتدري](هـ) يا نافع فيم أنزلت هذه الآية (و) قلت: لا. قال: فقال لي: في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها، فأعظم ذلك [الناس](ز)، فأنزل الله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية. قال نافع: فقلت لابن عمر: من دبرها في قبلها؟ قال: لا، إلا في دبرها (1). قال أبو ثابت:
(أ) في النسخ: رشيد. وينظر البيان والتحصيل 18/ 461.
(ب) في جـ: شك.
(جـ) في الأصل، جـ: عبد. وينظر التلخيص 3/ 183، وتهذيب الكمال 15/ 332.
(د) في ب، جـ: بشار. وينظر تهذيب الكمال 15/ 332.
(هـ) في الأصل، جـ: ما تدري.
(و) زاد في الأصل: قال.
(ز) ساقط من: الأصل، ب.
_________
(1)
الدارقطني في غرائب مالك كما في التلخيص 3/ 183، 184، والفتح 8/ 189.
وحدثني به الدراوردي عن مالك وابن أبي ذئب، وأخرج البخاري (1) في تفسير سورة "البقرة" من حديث ابن عون، عن نافع مثله، إلا أنه أبهم الآية. قال: حتى انتهى إلى مكان فقال: أتدري فيما أنزلت؟ قلت: لا. قال: [أنزلت](أ) في كذا وكذا. ثم مضى. وأخرج (2) من حديث أيوب، عن نافع، عن ابن عمر في قوله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} . قال: يأتيها في دبرها. قال: ورواه محمد بن يحيى بن سعيد، عن أبيه، عن [عبيد](ب) الله بن عمر، عن نافع. هكذا وقع عنده. انتهى. والرواية الأولى المبهمة تفسيرها في "تفسير إسحاق بن راهويه"، فإنه ساق مثل ما ساق، وذكر الآية وهي:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} . وعبر عن كذا وكذا، فقال: أنزلت [في](جـ) إتيان النساء في أدبارهن. وكذا رواه الطبراني (د) من طريق ابن علية، عن ابن عون، ورواية عبد الصمد هي في "تفسير إسحاق" (3) أيضًا عنه. وقال فيه (هـ): يأتيها في الدبر. ورواية محمد بن يحيى أخرجها الطبراني في "الأوسط"(4) بلفظ: إنها أنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} . رخصة في إتيان
(أ) في الأصل: نزلت.
(ب) في الأصل: عبد.
(جـ) ساقط من: الأصل.
(د) كذا في النسخ، والصواب "الطبري" كما في التلخيص 3/ 184، وهو عند ابن جرير في تفسيره 2/ 394.
(هـ) في ب: فيها.
_________
(1)
البخاري 8/ 189 ح 4526.
(2)
البخاري 8/ 189 ح 4527.
(3)
تفسير إسحاق -كما في التلخيص 3/ 184.
(4)
الطبراني في الأوسط 4/ 144، 145 ح 3827.
الدبر. وأما زيد بن أسلم فأخرج الرواية عنه النسائي والطبراني (1)(أ). وأما عبيد الله بن عبد الله بن عمر فأخرج عنه النسائي (2). وأما سعيد بن يسار فروى عنه النسائي والطحاوي والطبراني (3)(ب) من طريق عبد الرحمن بن القاسم قال: قلنا لمالك: إن عندنا [الليث بن سعد](جـ) يحدث عن الحارث بن يعقوب، عن سعيد بن يسار قال: قلت لابن عمر: إنا نشتري الجواري فنحمض لهن. والتحميض (د) الإتيان في الدبر، فقال: أفٍّ، أو يفعل هذا مسلم؟ فقال مالك: أشهد (هـ) على ربيعة [لحدثني](و) عن سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر عنه، فقال: لا بأس به. وأما حديث أبي سعيد فأخرج أبو يعلى وابن مردويه وابن جرير والطحاوي (4) من طريق زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، أن رجلًا أصاب امرأة في دبرها
(أ) كذا في النسخ. والصواب "الطبري" كما في التلخيص 3/ 184، وهو عند ابن جرير في تفسيره 2/ 395.
(ب) كذا في النسخ. والصواب "الطبري" كما في التلخيص الحبير 3/ 184، وهو عند ابن جرير في تفسيره 2/ 394.
(جـ) في النسخ: نصر بن الليث. والمثبت من مصادر التخريج.
(د) في جـ: التحمض.
(هـ) في جـ: أتشهد.
(و) في النسخ: يحدثني. والمثبت من التلخيص 3/ 185. ومصادر التخريج.
_________
(1)
النسائي في الكبرى 5/ 316 ح 8981.
(2)
النسائي في الكبرى 5/ 315، ح 8980.
(3)
النسائي في الكبرى 5/ 315، ح 8979، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 41.
(4)
أبو يعلى 2/ 354، 355 ح 1103، وابن مردويه -كما في التلخيص 3/ 185 - وابن جرير في تفسيره 2/ 395 دون ذكر أبي سعيد، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 40.
فأنكر الناس ذلك عليه، وقالوا: ثفرها. فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
وعلقه النسائي (1) عن هشام بن سعد، عن زيد. وهذا السبب في نزول هذه الآية مشهور، وكأن حديث أبي سعيد لم يبلغ ابن عباسٍ وبلغه حديث ابن عمر فوهَّمه فيه؛ فروى أبو داود (2) من طريق مجاهد، عن ابن عباس قال: ابن عمر أوهم والله يغفر له، إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن (أ) مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب، وكانوا يأخذون بكثير من فعلهم، وكان أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف وذلك أستر (ب) ما تكون المرأة، فأخذ ذلك الأنصار عنهم، وكان هذا الحي من قريش يتلذذون بالنساء مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فتزوج رجل من المهاجرين امرأة من الأنصار فذهب يفعل بها ذلك فامتنعت، فسرى [أمرهما](جـ) حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} . مقبلات ومدبرات ومستلقيات في الفرج.
وأخرج أحمد والترمذي (3) من وجهٍ آخر صحيح عن ابن عباسٍ قال: جاء عمر فقال: يا رسول الله، هلكت؛ حولت رحلي البارحة. فأنزلت هذه الآية:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} . "أقبل وأدبر، واتق
(أ) في جـ: دين.
(ب) في جـ: أيسر.
(جـ) في الأصل: أمرها.
_________
(1)
النسائي في الكبرى 5/ 316، عقب ح 8981.
(2)
أبو داود 2/ 256، ح 2164.
(3)
أحمد 1/ 297، والترمذي 5/ 200، ح 2980.
الدبر والحيضة". ومثل هذا أخرج أحمد (1) عن أم سلمة، وفي "الصحيحين" وغيرهما (2) عن جابر أن نزول هذه الآية في اليهود (أ)، كانت تقول: إذا أتى الرجل امرأته مِن خلفها في قبلها جاء الولد أحول. فأنزل الله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية. والجواب عن هذه الروايات بأنها معارضة بمثلها في سبب النزول، وإذا تعارض المبيح والحاظر فالحظر أرجح على المختار؟ ولقوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" (3). وأما تغليط (ب) نافع في روايته عن ابن عمر، فيرده ما أخرجه النسائي عن سالم بن عبد الله بن عمر (4)، قال النسائي: عن عبد الرحمن بن القاسم: قلت لمالك: إن ناسًا يروون عن سالم أنه قال: كذب العبد على أبي. فقال مالك (جـ): أشهد على يزيد بن رومان أنه أخبرني عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه مثل ما قال نافع. فعرفت أن التغليط (د) غير صحيح عن سالم. وقول الإمام المهدي في "البحر" (5) قلنا: قد غلط نافع في روايته عن ابن عمر. فبنى على هذه الرواية المدفوعة. وقال الإمام يحيى: لا وجه للتغليط ولتكذيب الربيع؛ إذ المسألة اجتهادية، والواجب الحمل على السلامة. انتهى. وهذا التعليل لا
(أ) زاد في جـ: و.
(ب) في ب: تغليظ.
(جـ) ساقط من: جـ.
(د) في ب: التغليظ.
_________
(1)
أحمد 6/ 305.
(2)
البخاري 8/ 189 ح 4528، ومسلم 2/ 1058 ح 1435، وأبو داود 2/ 256 ح 2163، والترمذي 5/ 199 ح 2978.
(3)
أحمد 1/ 200، والترمذي 4/ 576 ح 2518 من حديث الحسن بن علي.
(4)
ينظر تفسير ابن جرير 2/ 394.
(5)
البحر 4/ 80.
يستقيم؛ إذ [التغليط](أ) إنما هُو لصحة الرواية بخلاف مَا رَوى الراوي، والتكذيب كذلك، فتنبه (ب). قال الإمام المهدي: وذكر أبو حامد الجاحري (جـ) وبعض أهل المذهب أنها قطعية (د). ولعل حجته التواتر المعنوي بالتحريم وإجماع أهل البيت، فحينئذٍ للتغليط حكم. انتهى. قال المصنف (1) رحمه الله: فائدة، ما تقدم نقله عن المالكية لم ينقل عن أصحابهم إلا عن (هـ) ناس قليل. قال القاضي عياض: كان القاضي أبو (و) محمد عبد الله بن إبراهيم الأصيلي يُجيزه ويذهب فيه إلى أنه غير محرم، وصنف في إباحته محمد بن سحنون ومحمد بن شعبان، ونقل ذلك عن [جمع] (ز) كثير من التابعين. وفي كلام ابن العربي و [المازري] (ح) مَا يومئ إلى جواز ذلك أيضًا (2). وحكى ابن بزيزة في "تفسيره" عن عيسى بن دينار أنه كان يقول: هذا أحل من الماء البارد. وأنكره كثير منهم أصلًا. وقال
(أ) في الأصل: التغليظ.
(ب) في جـ: وبينه.
(جـ) في ب: الحاحرمي، وفي جـ: الحاحربي.
(د) في جـ: قطعة.
(هـ) في ب، جـ: عند.
(و) في جـ: ابن.
(ز) في الأصل: جميع.
(ح) في الأصل: الماوردي، وفي جـ: الماوزدي.
_________
(1)
التلخيص 3/ 186، 187.
(2)
قال ابن العربي في عارضة الأحوذي 5/ 113: ولقد سألت عنه الشيخ الأكبر فقال: إن الله حرم وطء الحائض بعلة أن بفرجها أذى وهو دم الحيض، فإذا كان الفرج المحلل يحرم بطريان الأذى عليه، فموضع لا يفارقه الأذى أحرى أن يحرم عليه. وهذا ما لا جواب عنه. وينظر أحكام القرآن له 1/ 173، 174.
القرطبي في "تفسيره" وابن عطية قبله (1): لا ينبغي لأحد أن يأخذ بذلك ولو ثبتت الرواية فيه؛ لأنها من الزلات. وذكر الخليلي في "الإرشاد"(2) عن ابن وهب أن مالكًا رجع عنه. وفي "مختصر ابن الحاجب"(3) عن مالك إنكار ذلك وتكذيب من نقله عنه، لكن الذي روى ذلك عن ابن وهب غير موثوقٍ (أ) به، والصواب ما حكاه الخليلي؛ فقد ذكر الطبري عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب، عن مالك أنه أباحه. وروى الثعلبي في "تفسيره" (4) من طريق المزني قال: كنت عند ابن وهب وهو يقرأ علينا رواية مالك، فجاءت هذه المسألة، فقام رجل فقال له: يا أبا محمد، ارو لنا ما رويت. فامتنع أن يروي لهم ذلك، وقال: أحدكم يصحب العالم، فإذا تعلم منه لم يوجب له من حقه ما يمنعه من أقبح ما يروي عنه. و [أبي](ب) أن (جـ) يروي (د) ذلك. وروي عن مالك كراهيته وتكذيب من نقله عنه من وجه آخر أخرجه الخطب في "الرواية عن مالك" من طريق إسماعيل بن [حصن](هـ)، عن إسرائيل بن رَوح (و)، قال: سألت مَالِكًا عنه فقال: ما أنتم
(أ) في جـ: موقوف.
(ب) في الآصل، ب: أني.
(جـ) ساقط من: ب.
(د) في جـ: يرى.
(هـ) في النسخ: حص. والمثبت من التلخيص الحبير 3/ 187. وينظر لسان الميزان 1/ 398.
(و) زاد في النسخ: ثم. والمثبت من التلخيص الحبير 3/ 187.
_________
(1)
المحرر الوجيز 2/ 83، وتفسير القرطبي 3/ 95.
(2)
الإرشاد 1/ 206.
(3)
مختصر ابن الحاجب -كما في التلخيص 3/ 187.
(4)
الثعلبي في تفسيره -كما في التلخيص 3/ 187.
قوم عرب، هل يكون الحرث إلا موضع الزرع؟ قلت: يا أبا عبد الله، إنهم يقولون ذلك. قال: يكذبون علي. والعمدة في هذه الحكاية على إسماعيل؛ فإنه واهي الحديث، وقد روينا في "علوم الحديث" للحاكم (1) قال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن الوليد البيروتي، ثنا أبو عبد الله بشر بن (أ) بكر، سمعت الأوزاعي يقول:(ب يتجنب أو يترك (ب) من قول أهل الحجاز خمس، ومِن قول أهل العراق خمس؛ من [قول](جـ) أهل الحجاز؛ استماع الملاهي، والمتعة، وإتيان النساء في أدبارهن، والصرف، والجمع بين الصلاتين من غير عذر، ومن [قول](جـ) أهل العراق؛ شرب النبيذ، وتأخير العصر حتى يكون ظل الشيء أربعة أمثاله، ولا جمعة إلا في سبعة أمصار، والفرار من الزحف، والأكل بعد الفجر في رمضان. وروى عبد الرزاق، عن معمر قال: لو أن رجلًا أخذ بقول أهل المدينة في استماع الغناء، وإتيان النساء في أدبارهن، وبقول أهل مكة في المتعة والصرف، وبقول أهل الكوفة في المسكر -كان شر عباد الله. وقال أحمد بن أسامة التجيبي: ثنا أبي، سمعت الربيع بن سليمان الجيزي يقول: أنا أصبغ، قال: سئل القاسم عن هذه المسألة وهو في الجامع فقال: لو جعل لي ملء (د) هذا المسجد ذهبًا ما فعلته. قال: وحدثنا أبي قال: سمعت الحارث بن مسكين
(أ) زاد في النسخ: أبي، والمثبت من التلخيص 3/ 187. وينظر تهذيب الكمال 4/ 95.
(ب - ب) في ب: نتجنب أو نترك.
(جـ) في الأصل: أقوال.
(د) ساقطة من جـ، وفي ب: مثل.
_________
(1)
معرفة علوم الحديث 1/ 65.
يقول: سألت ابن القاسم عنه فكرهه لي. قال: وسأله [غيري](ب) فقال: كرهه مالك. انتهى.
835 -
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينظر اللهُ إلى رجل أتَى رجلًا أو امرأة في دُبُرها". رواه الترمذي والنسائي وابن حبان (1) وأُعل بالوقف.
الحديث رواه النسائي (2) موقوفًا، وهو أصح عندهم من المرفوع.
تقدم الكلام فيما يتعلق بالحديث في الحديث الأول.
836 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا يؤذي جارَه، واستوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهن خُلقن من ضِلَع، وإن أعوجَ شيء في الضِّلَع أعلاه، إذا ذهبت تقيمه كسرتَه، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا". متفق عليه (3)، واللفظ
(أ) في جـ: أبي. وينظر التلخيص الحبير 3/ 188.
(ب) في الأصل: غيره.
_________
(1)
الترمذي، كتاب الرضاع، باب ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن 3/ 469 ح 1165، والنسائي في الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب ذكر حديث ابن عباس 5/ 320 ح 9001، وابن حبان، كتاب النكاح، باب النهي عن إتيان النساء في أعجازهن 9/ 517 ح 4203.
(2)
النسائي في الكبرى 5/ 320 ح 9002، بلفظ: بهيمة أو امرأة.
(3)
البخاري، كتاب النكاح، باب الوصاة بالنساء 9/ 252، 253 ح 5185، 5186، ومسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء 2/ 1091 ح 1468/ 62.
للبخاري. ولمسلم (1): "فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها".
الحديث هو حديثان؛ ذكر البخاري الأول في كتاب الأدب (2)، والثاني، وهو:"استوصوا" إلخ. في بدء الخلق (3) وهو من طريق حسين بن علي الجعفي شيخ شيخ البخاري.
وأخرج مسلم (4) الحديث الثاني، وذكر بدلَ الأوَّلِ:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فإذا شَهِد أمرًا فليتكلم بخيرٍ أو ليسكت". والذي يظهر أنها أحاديث كانت عند حسين الجعفي عن زائدة (أ)، فربما جمع، وربما أفرد، وربما استوعب، وربما اقتصر. وزاد في رواية الإسماعيلي (5):"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن قِرَى ضيفه". وفيه دلالة على تحريم إيذاء الجار، وهو يدل بمفهوم (ب) الشرط أن مَن آذى الجارَ فليس بمؤمنٍ (جـ) بالله واليوم الآخر، وهذا وإن كان يلزم منه إثبات الكفر لمن كان كذلك، ولكنه محمول على قصد المبالغة بأن من حَقِّ الإيمانِ ذلك، فلا ينبغي للمؤمن
(أ) بعده في الفتح: بهذا الإسناد.
(ب) في جـ: على مفهوم.
(جـ) في جـ: يؤمن.
_________
(1)
مسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء 2/ 1091 ح 1468/ 61.
(2)
البخاري 10/ 445 ح 6018.
(3)
البخاري 6/ 363 ح 3331، والحديث ليس في بدء الخلق وإنما هو في كتاب الأنبياء.
(4)
مسلم 2/ 1091 ح 1468/ 62.
(5)
الإسماعيلي -كما في الفتح 9/ 253.
الاتصافُ به، وقد عُدَّ إيذاء الجار مِن الكبائر، وورَد في ذلك أحاديث كثيرة، وكفى في ذلك التوصية في كتاب الله سبحانه وتعالى بالجار.
وحَدُّ الجار إلى أربعين بيتًا؛ كما أخرج الطبراني (1) أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله، إني نزلت في محِلةِ بني فلانٍ، وإن أشدهم لي أذًى أقربهم (أ) لي جوارًا. فبعث صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر وعليًّا يأتون (ب) المسجد فيقومون على بابه فيصيحون:"ألَا إنَّ أربعين دارًا جارٌ، ولا يدخل الجنة من خاف جارُه بوائقه".
وأخرج الطبراني في "الكبير" و"الأوسط"(2): "إن اللهَ ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة بيت من جيرانه البلاءَ". وهذا فيه زيادة على الأول. والأذَى وإن كان مُحرَّمًا في حقِّ غير الجار، إلا أنه في حق الجار أشد، فلا يُغتَفر منه شيءٌ وإن كان يسيرًا، بل ما يُعَدُّ في العُرف أذً ى، بخلاف إيذاء غيره فإنه لا يكون كبيرة (جـ) إلا إذا كان فيه ضررٌ بحيث لا يحتمل عادة، ووجه الفرق بينهما ظاهر لما علم من الأحاديث الصحيحة من تأكد حرمة الجار والمبالغة في رعاية حقوقه، حتى كان من حقه ألا يؤذيَه بقُتار (3) قِدْرِه
(أ) في مصدر التخريج: أقدمهم.
(ب) في جـ: فوق.
(جـ) في جـ: كبيرًا.
_________
(1)
الطبراني الكبير 19/ 73 ح 143.
(2)
الكبير -كما في مجمع الزوائد 8/ 164، والأوسط 4/ 239 ح 4080.
(3)
القُتار: دخان ذو رائحة خاصة ينبعث من الطبيخ أو الشواء أو العظم المحروق. ينظر الوسيط (ق ت ر).
إلَّا أن يغرف له من مَرَقَته، ولا يحجب عليه الريحَ إلا بإذنه، وإن اشترى فاكهةً أهدَى إليه منها (1). وغير ذلك من الحقوق التي دلت عليها السُّنة الصحيحةُ.
وقوله: "استوصوا". أي اقبلوا الوصية. والمعنى: إني أوصيكم بهن خيرًا، أو بمعنى: يوصي بعضكم بعضًا فيهن خيرًا.
[وقوله: "فإنهن خُلقن من ضِلَع"](أ). أي: خُلِقن خلقًا فيه اعوجاج، فكأنهن خُلقن مِن أصلٍ مُعْوجٍّ، فعبَّر عنهن بالضِّلَع لما كان معوجًّا، والضِّلَع بكسر الضاد وفتح اللام، وقد يسكن، واحدُ الأضلاع، أو المراد بالضلع ضلع آدم الذي خلق منه حواء -بالمد- فإنها (ب) -كما قاله الفقهاء- خُلِقت من ضِلَع آدم عليه السلام كما قال تعالى:{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} (2). وبين النبي صلى الله عليه وسلم أنها خُلقت من ضِلع من ضِلَع آدم كما أخرجه ابن إسحاق (3) في "المبتدأ" عن ابن عباسٍ، أن حواء خُلقت مِن ضِلَع آدمَ الأقْصَر الأيسر وهو نائم. وأخرجه أيضًا ابن أبي حاتم وغيره (4) من حديث مجاهد. وكأن المعنى أن النساء خُلِقْن من أصلٍ خُلِق من شيءٍ معوجٍّ، وهذا لا يخالف تشبيه المرأة بالضلع، بل يستفاد منه نُكتة التشبيه فإنها عوجاء مثله؛
(أ) ساقط من: الأصل.
(ب) في ب، جـ: وإنها.
_________
(1)
الطبراني 19/ 419 ح 1014، وابن أبي الشيخ في التوبيخ ص 59 ح 25.
(2)
الآية 1 من سورة النساء.
(3)
ابن إسحاق -كما في الفتح 9/ 253.
(4)
ابن أبي حاتم في تفسيره 3/ 853 ح 4719، وابن جرير في تفسيره 4/ 224.
لكون أصلها منه.
وقوله: "وإن أعوج شيء في الضلع". ذكره تأكيدًا لمعنى الكسر؛ لأن الإقامة أمرُها أظهر في الجهة العُليا، أو إشارة إلى أنها خُلقت من أعوج أجزاء الضلع مبالغةً في إثبات هذه الصفة لهن، ويحتمل أن يكون ضرب ذلك مثلًا لأعلى المرأة؛ لأن أعلاها (أ) رأسها وفيه لسانها وهو الذي يحصل منه الأذى، وأعوج هنا هو من باب الصِّفة لا من التفضيل، والظاهر أنه للتفضيل، وقد جاء ذلك شاذًّا، ووجهه لعدم الالتباس بالصفة، والامتناع إنما هو للَّبس، والضمير [في]، (ب)"تقيمه"، وفي "كسرته" للضِّلَع لا لأعلى الضلع، وهي تُذكَّر وتؤنَّث، وقد جاء في روايةٍ للبخاري (1):"أقمتها كسرتها". والضمير للضلع، ويحتمل أن يكون للمرأة، كما في رواية مسلم.
والحديث فيه دلالة على حُسن ملاطفة النساء، والإحسان إليهن، والصبر على عِوج أخلاقِهِن، واحتمال ضعف عُقولِهن، وكراهة طلاقهن بلا سببٍ، وأنه لا يطمع الزوج في سلامة حالهن.
وقوله: "استمتعت بها وبها عوج". قال النووي (2)(جـ) رحمه الله تعالى: ضبطه بعضهم هنا بفتح العين، وضبطه بعضهم بكسرها، ولعل
(أ) في جـ: أعلا.
(ب) في الأصل، ب: من.
(جـ) في الأصل: الثوري.
_________
(1)
البخاري 9/ 252 ح 5184.
(2)
صحيح مسلم بشرح النووي 10/ 57.
الفتح أكثر، وضبطه الحافظ ابن عساكر وآخرون بالكسر، وهو الأرجح.
قال أهل اللغة: العوج بالفتح في كل منتصب، كالحائط والعود وشبهه، وبالكسر ما كان في بِساطٍ أو أرضٍ أو معاش أو دين، ويقال: فلان في دينِه عوج. بالكسر. هذا كلام أهل اللغة. وقال صاحب "المطالع": قال أهل اللغة: العوج بالفتح في كل شخصٍ مَرئي، وبالكسر فيما ليس بمرئي كالرأي والكلام. قال: وانفرد عنهم أبو عمرو (أ) الشيباني، فقال: كلاهما بالكسر ومصدرهما بالفتح.
"وكسرها طلاقها". فيه دلالة على أنه لا ينبغي المسارعة بإيقاع الطلاق تبرُّمًا مِنَ الخُلُق الذي فيه اعوجاج؛ فإن ذلك لازم لجميع هذا النوع، وأن المرضي المنتخبَ من النساء معدومٌ. والله أعلم.
837 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، فلما قدمنا المدينة ذهبنا لندخل فقال:"أمْهِلوا حتى تدخلوا ليلًا -يعني عِشاءً- لكي تمتشطَ الشَّعِثة وتستحد المُغِيبة". متفق عليه (1). وفي رواية للبخاري (2): "إذا [أطال] (ب) أحدكم الغَيْبة فلا يَطرُق أهلَه ليلًا".
(أ) في جـ: عمر.
(ب) في النسخ: طال. والمثبت من مصدر التخريج وبلوغ المرام.
_________
(1)
البخاري، كتاب النكاح، باب تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة 9/ 342 ح 5247، ومسلم، كتاب الإمارة، باب كراهية الطروق 3/ 1527 ح 715/ 181.
(2)
البخاري، كتاب النكاح، باب لا يطرق أهله ليلا إذا أطال الغيبة 9/ 339 ح 5244.
الحديث فيه دلالة على أنه ينبغي عدم المسارعة للقادم إلى أهله مِن غير أن يكون منهم شعور بقدومه، فإن في قوله "أمهلوا". دلالة على [أن](أ) التأني والتأخير للقدوم، وكأنهم قدموا آخو النهار، وكان يمكنهم الوصول أولَ (ب) الليل، فأُمِروا (جـ) بالتأخير إلى وقت العِشاء ليعلم أهلهم بقدومهم، وهذا لا يعارضه النهي عن الطروق بالليل كما في رواية البخاري؛ فإنه (د) مع عدم شعورهم بالقدوم، ولذلك ترجم البخاري (1) الباب بقوله: لا يطرق الرجل أهله ليلًا إذا أطال (هـ) الغَيْبة مخافة أن يتخوَّنهم أو يَلْتمِس عَثَراتهم. وهذه الترجمة هي لفظ الحديث الذي أورده في بعض طُرقه، لكن اختلف في إدراج هذه الزيادة، فاقتصر البخاري على اللفظ الذي وقع الاتفاق على رفعه، وأتى (و) ببقيته في الترجمة. وقد جاء من رواية وكيع عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرُقَ الرجل أهله ليلًا يتخوَّنهم أو يطلب عثراتهم. وأخرجه مسلم (2) عن أبي بكر بن أبي شيبة، وأخرجه النسائي (3) من رواية أبي نعيم عن سفيان كذلك، وأخرجه أبو عوانة (4) من وجه آخر عن سفيان
(أ) ساقطة من: الأصل.
(ب) في جـ: لأول.
(جـ) في جـ: فأمر.
(د) في ب: فإنها.
(هـ) في جـ: طال.
(و) في جـ: إلى.
_________
(1)
الفتح 9/ 339.
(2)
مسلم 3/ 1528 ح 715/ 184.
(3)
النسائي في الكبرى 5/ 361 ح 9141.
(4)
أبو عوانة 3/ 254 ح 4857 - 4859.
كذلك، وأخرجه مسلم (1) من رواية عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان به، لكن قال في آخره: قال سفيان: لا أدري هذا في الحديث أم لا؟ يعني: أن يتخوَّنهم أو يطلب عَثَراتهم. ثم ساقه مسلم (2) مِن رواية شعبة مقتصرا (أ) على المرفوع كرواية البخاري. والعثرة: هي الزلة.
وقوله: "تمتشط الشعِثة". بفتح المعجمة وكسر العين المهملة ثم مثلثة، أطلق عليها ذلك، لأن التي يغيب زوجُها مَظنة لعدم التزيُّن.
وقوله: "وتستحد". بحاء مهملة؛ أي تستعمل الحديدة وهي الموسَى. و "المغُيبة" بضم الميما وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة مفتوحة، أي غاب عنها زوجها، والمراد إزالة الشَّعر عنها. وعَبَّر بالاستحداد، لأن الغالب استعماله في إزالة الشَّعَر، وليس في ذلك ما يدل على منع إزالته بغير الموسَى، وهذا إنما هو مع طول الغَيْبة التي هي مظِنَّة الأمن من الهجوم على الحال التي يكره أن يجد أهله على غير أهبة من التنطيف والتزيُّن المطلوب من المرأة؛ فيكون ذلك سبب النُّفْرةِ بينهما، ويؤخذ منه كراهة مباشرة الرجل امرأته في الحال التي هي فيها غير متنظفة.
وقوله: "إذا أطال (ب) أحدكم الغَيْبة". فيه دلالة على أن الذي لا يُطيل الغَيْبة؛ كأن يخرج لحاجته نهارًا ويرجع ليلًا لا كراهةَ له في ذلك.
(أ) في ب، جـ: يقتصر.
(ب) في جـ: طال.
_________
(1)
مسلم 3/ 1528 ح 715/ 184.
(2)
مسلم 3/ 1528 ح 715/ 185.
وقوله: "فلا يطرق أهله". قال أهل اللغة (1): الطروق بالضم المجيء بالليل من سَفَرٍ أو مِن غيره على غفلة، ويقال لكلِّ آتٍ بالليل: طارق. ولا يقال (أفي النهار أ) إلا مجازا. وقال بعض أهل اللغة: أصل الطروق الدَّفع والضرب، وبذلك سميت الطريق؛ لأن المارَّة تدقُّها بأرجلها، وسُمِّي الآتي بالليل طارقًا؛ لأنه يحتاج غالبًا إلى دَقِّ الباب. وقيل: أصل الطروق السكون، ومنه: أطرق رأسه. فلما كان الليل يُسكَن فيه سُمِّي الآتي طارقًا.
وقوله: "ليلًا". ظاهره النهي عن الطرق في الليل، وأما وصول النهار مع عدم شعور الأهل بذلك فلا كراهةَ، والحكم يختلف باختلاف عِلَّة النهي، فإن كان لأجل ما تحتاج [إليه](ب) المرأة مِنَ التزيُّن والتنظيف، فهذا حاصل في الليل والنهار، وإن كان لما أشار إليه في ترجمة البخاري: مخافة أن يتخوَّنهم ويتطلب (جـ) عثراتهم. فيكون الليل جزءًا مِن العِلة، لأن الأمر الأغلبي فيما (د) يظن من الريِّبةِ (هـ) يكون في الليل ويندر في النهار، ويحتمل أن يكون ذلك معتبرًا في العِلَّة على كِلا التقديرين، فإن الغرض من التنظيف والتزين، إنما هو لتحصيلِ إكمال الغرض من قضاء الشهوة، وذلك في الأغلب يكون في الليل، فالقادم في النهار يتأتَّى لزوجته التنظيف والتزيُّن
(أ- أ) في جـ: بالنهار.
(ب) ساقطة من: الأصل.
(جـ) في ب: يطلب.
(د) في ب: مما.
(هـ) في جـ: الزينة.
_________
(1)
ينظر التاج (ط ر ق).
لوقت المباشرةِ وهو الليل بخلاف القادم في الليل، وكذلك ما يُخشَى منه مِن العثور على ما لا يرضاه مِن وجود أجنبيٍّ هو في الأغلب يكون في الليل. وقد أخرج ابن خزيمة (1) عن ابن عمر رضي الله عنه قال: نَهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُطرق النِّساء ليلًا، فطرق رجلان كلاهما فوجد مع امرأته ما يكره. وأخرج (2) مِن حديث ابن عباس نحوه وقال فيه: فكلاهما وجد مع امرأته رجلًا. ووقع في حديث محارب عن جابر أن عبد الله بن رواحة أتى امرأته ليلًا وعندها امرأة تمشِّطها، فظنها رجلًا فأشار إليها بالسيف، فلما ذُكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم نَهى أن يَطرقَ الرجلُ (أ) أهلَه ليلًا. أخرجه أبو عوانة (3) في "صحيحه".
ويؤخذ مِن الحديث الإغْضَاءُ عن تتبُّع عثرات الأهل ومحبة الستر مهما أمْكَن قبل أن يطلع على ما لا (أ) يرضاه الشرع، والحث على التَّواد والتَّحاب خصوصًا بين الزوجين مع اطلاع كل منهما على ما جرت العادةُ بستره، حتى إن كل واحد منهما لا يخفى عنه من عيوب الآخر شيء في (ب) الغالب، ومع ذلك فنهى عن الطروق لئلَّا يطَّلِعَ على ما يُنفِّر نفسه عنه، فيكون مراعاة ذلك في غير الزوجين بطريق الأوْلَى.
(أ) سقط من: جـ.
(ب) في جـ: من.
_________
(1)
ابن خزيمة -كما في الفتح 9/ 340، 341.
(2)
ابن خزيمة -كما في الفتح 9/ 341.
(3)
أبو عوانة 4/ 513 ح 7534.
ويدل على أن الاستحداد و (أ) نحوه مما تتزين به المرأة ليس داخلًا في النَّهي عن تغيير الخِلْقة، والتحريض على ترك التَّعرُّض لما يوجب سوء الظن بالمسلم.
838 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من شر الناس عند الله منزلةً يوم القيامة الرجل يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه ثم ينشُر [سِرَّها] (ب) ". أخرجه مسلم (1).
قوله: "من شر الناس". لفظ مسلم: "أشر". وقعت به الرواية، قال القاضي (2): وأهل النحو يقولون: لا يجوز أشر وأخْير، وإنما يقال: هو خير منه، وشر منه. قال: وقد جاءت الأحاديث الصحيحة باللغتين جميعًا، وهي حُجة في جوازهما جميعًا وأنهما لُغتان.
والحديث يدل على تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته مِن أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه، وأما مجرد ذِكر الجماع، فإن لم تكن فائدة ولا إليه حاجة فمكروه؛ لأنه خلاف المروءة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل
(أ) ساقط من: ب.
(ب) في الأصل: سرهما.
(جـ) زاد في جـ: الناس.
_________
(1)
مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم إفشاء سر المرأة 2/ 1060 ح 1437.
(2)
صحيح مسلم بشرح النووي 10/ 8.
خيرًا أو ليصمت" (1). فإن كان إليه حاجة أو ترتبت (أ) عليه فائدة؛ بأن تُنكر عليه إعراضه عنها، أو تدَّعي عليه العجز عن الجماع، أو نحو ذلك، فلا كراهةَ في ذكره، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إني لأفعله أنا وهذه" (2).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: "أعرستم الليلة"(3). وقال لجابر: "الكَيْسَ الكَيْسَ"(4).
839 -
وعن حكيم بن معاوية، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوج أحدنا عليه؟ قال:"تطعمها إذا أكلت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلَّا في البيت". رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وعلق البخاري بعضه، وصححه ابن حبان والحاكم (5).
(أ) في ب، جـ: ترتب.
_________
(1)
البخاري 10/ 445 ح 6018، 6019، ومسلم 1/ 68 ح 47/ 74، 75 من حديث أبي هريرة.
(2)
مسلم 1/ 272 ح 350 من حديث عائشة.
(3)
البخاري 9/ 587 ح 5470، ومسلم 3/ 1689 ح 2144/ 23 من حديث أنس.
(4)
البخاري 9/ 341 ح 5245 من حديث جابر، والكَيْسُ هو الولد، كما ورد في الحديث من قول جابر.
(5)
أحمد 4/ 446، وأبو داود، كتاب النكاح، باب حق المرأة على زوجها 2/ 251 ح 2142، والنسائي في الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب حق المرأة على زوجها 5/ 363 ح 9151، وابن ماجه، كتاب النكاح، باب حق المرأة على الزوج 1/ 593، 594 ح 1850، والبخاري، كتاب النكاح، باب هجرة النبي نساءه في غير بيوتهن 9/ 300 ووصله ابن حجر في تغليق التعليق 4/ 430، 431، وابن حبان، كتاب النكاح، باب معاشرة الزوجين 9/ 482 ح 4175 والحاكم كتاب النكاح 2/ 187، 188.
هو حكيم بن معاوية بن حَيْدة، بفتح الحاء المهملة وسكون الياء المنقوطة باثنتين من أسفل والدال المهملة، القُشَيْري بضم القاف و [فتح](أ) الشين المعجمة وسكون الياء، أعرابي حسن الحديث، روى عن أبيه، وسمع منه ابنه بَهْز، بفتح الباء الموحدة وسكون الها وبالزاي المعجمة، الجُريري، بضم الجيم وفتح الراء الأولى وسكون [الياء](أ) الأولى (1).
الحديث فيه دلالة على وجوب نفقة الزوجة وكسوتها، وأنه يجب بقدر الوسع، لا يكلف فوق وسعه (ب)، وذلك لأنه قرن نفقتها بنفقة الزوج، فمتى قدر على تحصيل النفقة، وجب عليه ألا يختص بها دون زوجته، ولعله مقيد بما زاد على قدر سد خلته؛ لحديث:"ابدأ بنفسك"(2) وغيره.
وقوله: "ولا تضرب الوجه". يدل على أنه يجب في التأديب اجتناب الوجه.
وقوله: "ولا تقبح". أي: لا تسمعها المكروه، ولا تشتمها؛ بأن تقول: قبحك الله. وما أشبهه من الكلام.
وقوله: "ولا تهجر إلَّا في البيت". المراد أنه إذا رابه منها أمر،
(أ) ساقطة من: الأصل.
(ب) في جـ: بوسعه.
_________
(1)
تهذيب الكمال 7/ 202.
(2)
أحمد 3/ 369، ومسلم 2/ 692 ح 997، وأبو داود 4/ 26 ح 3957، والنسائي 5/ 73 ح 2545.
واستفزه الغضب، وأراد التأديب لها بالهجر، فيهجرها في المضجع، ولا يتحول عنها إلى دار أخرى، أو يحولها إليها، والله أعلم.
وقوله: وعلق البخاري بعضه. قال البخاري بعد أن بوب: باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في غير بيوتهن: ويذكر عن معاوية بن حيدة يرفعه (أ): "ولا تهجر إلَّا في البيت". والأول أصح. فقول البخاري: والأول أصح. يعني أن إسناد رواية (ب) أن النبي صلى الله عليه وسلم هجر نساءه إلى المشربة شهرًا (1) - أصح إسنادًا من حديث معاوية.
والمراد أن الهجران يجوز أن يكون في البيوت، وفي غير البيوت، والحق أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال؛ فربما كان الهجران في البيوت أشدَّ من الهجران في غيرها، وبالعكس، بل الغالب أن الهجران في غير البيوت آلم للنفوس وخصوصًا النساء؛ لضعف نفوسهن. واختلف أهل التفسير في المراد بالهجران؛ فالجمهور على أنه ترك الدخول عليهن والإقامة عندهن، على ظاهر الآية. وهو من الهجران، يعني البعد. وقيل: يضاجعها ويوليها ظهره. وقيل: يمتنع من جماعها. وقيل: يجامعها ولا يكلمها. وقيل: من الهجر وهو الإغلاظ في الكلام. وقيل: من الهجار، وهو الحبل الذي يربط به البعير، أي أوثقوهن في البيوت. قاله الطبري واستدل له (جـ)، ووهاه ابن العربي (2).
(أ) في ب، جـ: رفعه.
(ب) في جـ: روايات.
(جـ) في جـ: به.
_________
(1)
البخاري 9/ 300 ح 5201.
(2)
تفسير ابن جرير 5/ 66، وانظر أحكام القرآن 1/ 418.
840 -
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من دبرها في قبلها كان الولد أحول. فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} (1) الآية. متفق عليه، واللفظ لمسلم (2).
ولفظ البخاري: سمعت جابرًا يقول: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول. فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} . هذا لفظ البخاري، وفيه احتمال أن يكون موافقا لما رواه ابن عمر (3)، إلّا أن رواية مسلم مفسرة له، فهي من طريق البخاري عن ابن المنكدر، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثوري بلفظ: باركة مدبرة في فرجها من ورائها (4).
وأخرجه مسلم من طريق أبي حازم عن ابن المنكدر بلفظ: إذا أتيت المرأة من دبرها فحملت (5). فقوله: فحملت. يدل على أن مراده أن الإتيان في الفرج لا في الدبر.
وأخرج مسلم أيضًا من حديث جابر زيادة من طريق الزهري عن ابن المنكدر بلفظ: إن شاء مجبية، وإن شاء غير مجبية، غير أن ذلك في صمام واحد (6). إلَّا أن هذه الزيادة تشبه أن تكون من تفسير الزهري؛ بخلوّها من
(1) الآية 223 من سورة البقرة.
(2)
البخاري، كتاب التفسير، باب نساؤكم حرث لكم
…
8/ 189 ح 4528، ومسلم، كتاب النكاح، باب جواز جماعه امرأته في قبلها 2/ 1058 ح 1435/ 117.
(3)
البخاري 8/ 189 ح 4526، 4527.
(4)
السهمي في تاريخ جرجان ص 293 عن الإسماعيلي به.
(5)
مسلم 2/ 1058 ح 1435/ 118.
(6)
مسلم 2/ 1059 ح 1435/ 119.
رواية غيره من أصحاب ابن المنكدر، مع كثرتهم.
والمجبية بجيم وموحدة، أي: باركة، والصمام بكسر المهملة وتخفيف الميم هو المنفذ.
واعلم أنه اختلفت الروايات في سبب نزول الآية الكريمة على أربعة أقوال؛ فالقول الأول كما ذكره المصنف من رواية "الصحيحين"، أنه في إتيان المرأة من ورائها في قبلها، وهذا المعنى خرجه جماعة من المحدثين عن جابر وغيره، واجتمع فيه ستة وثلاثون طريقا، وفي بعضها التصريح بأنه لا يحل إلَّا في القبل، وبعضها غير مصرح بذلك، وفي أكثرها الرد على اعتراض اليهود. القول الثاني، أنها [أنزلت](أ) في إتيان دبر الزوجة وحله. وأخرج عن ابن عمر في سبب نزول الآية في ذلك من اثني عشر طريقًا. القول الثالث، أنها نزلت في حل العزل عن الزوجة. وقد أخرجه وكيع، وابن أبي شيبة، وابن منيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، والضياء في "المختارة" عن ابن عباس (1). وأخرج وكيع وابن أبي شيبة (2) عن أبي ذراع عن ابن عمر قال: قول الله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} . قال: إن شاء عزل، وإن
(أ) في الأصل: أنزلت.
_________
(1)
ابن أبي شيبة 4/ 217، 229، وابن منيع -كما في المطالب العالية 4/ 266 ح 1727 - وابن جرير في تفسيره 2/ 395، وابن أبي حاتم في تفسيره 2/ 405 ح 2136، والطبراني 12/ 125 ح 12663، والحاكم 2/ 279، والضياء 10/ 36 - 38 ح 31 - 33.
(2)
ابن أبي شيبة 4/ 232.
شاء غير العزل. وأخرجه ابن أبي شيبة وابن جرير (1) عن سعيد بن المسيب في قول الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} . قال: إن شئت فاعزل، وإن شئت فلا تعزل. القول الرابع: أن: {أَنَّى شِئْتُمْ} . بمعنى: إذا شئتم. أخرجه عبد بن حميد (2) عن ابن الحنفية في قوله: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} . قال: إذا شئتم.
841 -
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنِّبنا الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتنا. فإنه إن يقدَّر بينهما ولد في ذلك لم يضرَّه الشيطان أبدًا". متفق عليه. هذا لفظ مسلم (3).
قوله: "إذا أراد". فيه دلالة على (أ) أن الذكر يكون قبل الشروع، وهذه الرواية مفسرة لغيرها من الروايات كرواية البخاري:"أما لو أن أحدهم يقول حين يأتي أهله".التي ظاهرها أن الذكر حال المباشرة، فيحمل هذا على المجاز، وهو أن الذكر قريب من وقت الفعل، حتى كأنه [متحد به](ب).
وقوله: "باسم الله، اللهم جنبنا". وجاء في لفظ البخاري: "ذكر
(أ) ساقطة من: ب.
(ب) في الأصل: محدثه.
_________
(1)
ابن أبي شيبة 4/ 232، وابن جرير في تفسيره 2/ 395.
(2)
ينظر الدر المنثور 1/ 267.
(3)
البخاري، كتاب النكاح، باب ما يقول الرجل إذا أتى أهله 9/ 228 ح 5165، ومسلم، كتاب النكاح، باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع 2/ 1058 ح 1434/ 116.
الله ثم قال: اللهم جنِّبني". ولكن المصرح فيه بـ: "باسم الله". تكون مفسرة للذكر، وصيغة المثنى تحتمل أن يريد المتكلم نفسه وزوجه، أو لقصد التعظيم، وجاء في رواية الطبراني (1) عن أبي أُمامة: "جنِّبني وجنِّب ما رزقتني من الشيطان الرجيم".
وقوله: "فإنه إن يقدَّر بينهما". في رواية البخاري: "ثم قدِّر بينهما ولد أو قضي ولد". كذا بالشك. وفي رواية الكشميهني (2): "ثم قدِّر بينهما في ذلك". أي الحال، "ولد". وفي رواية سفيان بن عيينة (3):"فإن قضى الله بينهما ولدًا". ومثله في رواية إسرائيل (4)، وفي رواية شعبة (5):"فإن كان بينهما ولد". ولمسلم من طريقه (6): "فإنه إن يقدَّر بينهما ولد في ذلك". وفي رواية جرير (7): "ثم قدِّر أن يكون". وفي رواية همام (8): "فرُزقا ولدًا".
وقوله: "لم يضرَّه الشيطان أبدًا". وجاء في رواية لمسلم وأحمد (9):
(1) الطبراني 8/ 246 ح 7839.
(2)
ينظر الفتح 9/ 229.
(3)
أحمد 1/ 220، والحميدي 1/ 239 ح 516، والترمذي 3/ 401 ح 1092.
(4)
الدارمي 2/ 145.
(5)
أحمد 1/ 286، والبخاري 6/ 337 ح 3283، والنسائي في الكبرى 6/ 75 ح 10099.
(6)
مسلم 2/ 1058 ح 1434.
(7)
البخاري 11/ 191 ح 6388، 13/ 379 ح 7396، ومسلم 2/ 1058 ح 1434/ 116، وأبو داود 2/ 255 ح 2161.
(8)
البخاري 6/ 335 ح 3271.
(9)
مسلم 2/ 1058 ح 1434، وأحمد 1/ 286.
"لم يسلَّط عليه الشيطان - (أأو: لم يضرَّه الشيطان- "أ). [وفي](ب) رواية: "لم يضرَّه شيطان". وفي سائر ألفاظ البخاري بالتعريف، واللام للعهد الجاري (جـ) لسبق ذكره في الدعاء. وفي لفظ لأحمد (1):"لم يضرَّ ذلك الولد الشيطان أبدًا". وفي مرسل الحسن عند عبد الرزاق (2): "إذا أتى الرجل أهله فليقل: باسم الله، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، ولا تجعل للشيطان نصيبًا فيما رزقتنا". فكان يرجى إن حملت أن يكون ولدًا صالحًا.
قال القاضي عياض: نفي الضرر على جهة العموم في جميع أنواع الضرر غير مراد، وإن كان الظاهر العموم في جميع الأحوال من صيغة النفي مع التأبيد؛ وذلك لما ثبت في الحديث الصحيح أن كل بني آدم يطعُن الشيطان في بطنه حين يولد، إلا مريم وابنها (3)، فإن في هذا الطعن نوع ضرر في الجملة مع أن ذلك سبب صراخه، فاختلف العلماء في الضرر المنفي؛ فقيل: المعنى لم يسلط عليه من أجل تركه التسمية، بل يكون من جملة العباد الذين قيل فيهم:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} (4). ويؤيده
(أ- أ) ساقط من: جـ.
(ب) في الأصل: وقوله.
(جـ) في ب، جـ: الخارجي.
_________
(1)
أحمد 1/ 286.
(2)
عبد الرزاق 6/ 194 ح 10468.
(3)
أحمد 2/ 233، والبخاري 6/ 337، 469 ح 3286، 3431 ومسلم 4/ 1838 ح 2366.
(4)
الآية 42 من سورة الحجر.
مرسل الحسن المذكور. وقيل: المراد لم يطعن في بطنه. وهو بعيد؛ لمنابذته ظاهر الحديث الصحيح المذكور، وليس تخصيصه بأولى من تخصيص هذا. وقيل: المراد لم يصرعه. وقيل: لي يضرَّه في بدنه. وقال ابن دقيق العيد: يحتمل ألا يضرَّه في دينه أيضًا، ولكن يلزم منه العصمة، وليست إلا للأنبياء، ولكنه قد يقال: إن العصمة في حق من ذكر على جهة الوجوب. وفي حق من دعي لأجله بهذا [الدعاء](أ) على جهة الجواز، فلا ممانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية عمدًا، وإن لم يكن ذلك واجبًا له. وقال الداودي: معنى: "لم يضره". أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر، وليس المراد عصمته منه عن المعصية. وقيل: لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه، كما جاء عن مجاهد: إن الذي يجامع ولا يسمي؛ يلتف الشيطان [على](ب) إحليله فيجامع معه (1). ولعل هذا أقرب الأجوبة، ويؤيد الحمل على الأول، [بأن](جـ) الكثير ممن يعرف هذا الفضل العظيم يذهل عنه عند إرادة المواقعة، والقليل الذي يستحضره ويفعله لا يقع معه الحمل، فإذا كان ذلك نادرًا لم يبعد.
وفي الحديث من الفوائد أيضًا استحباب التسمية والمحافظة على ذلك
(أ) ساقطة من: الأصل.
(ب) في الأصل: عن.
(جـ) في الأصل: فإن.
_________
(1)
الحكيم الترمذي في نوادر الأصول 1/ 384، وابن جرير في تفسيره 27/ 151.
حتى في حالة الملاذِّ كالوقاع. وفيه الاعتصام بذكر الله ودعائه من الشيطان، والتبرك باسمه، و [الاستعاذة] (أ) به من جميع الأسواء. وفيه [الاستشعار] (ب) بأنه الميسر لذلك العمل والمعين عليه. وفيه إشارة إلى أن الشيطان ملازم لابن آدم لا ينصرف عنه إلّا إذا ذكر الله. وفيه رد على من منع المُحْدِث من ذكر الله. إلا أن رواية:"إذا أراد". تبعد ذلك، إلا أنه يقال: إنه عند إرادة الوطء يتقدمه مسيس وغير ذلك مما ينقض الوضوء؛ كما ذلك معروف من الخلقة الحيوانية، والله أعلم.
842 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه (جـ عن النبي صلى الله عليه وسلم جـ) قال: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح". متفق عليه، واللفظ للبخاري (1). ولمسلم (2):"كان الذي في السماء ساخطًا عليها، حتى يرضى عنها".
قوله: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه".المراد بالفراش الجماع، كناية عنه، كما في قوله:"الولد للفراش"(3). لمن يطأ في الفراش، والكناية
(أ) في الأصل: الاستشعار.
(ب) في الأصل: الاستعاذ.
(جـ - جـ) ساقطة من: ب.
_________
(1)
البخاري، كتاب النكاح، باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها 9/ 293، 294 ح 5193، ومسلم، كتاب النكاح، باب تحريم امتناعها من فراش زوجها 2/ 1059 ح 1436/ 120.
(2)
مسلم 2/ 1060 ح 1436/ 121.
(3)
البخاري 12/ 32 ح 6749، ومسلم 2/ 1080 ح 1457/ 36.
عن الأشياء التي يستحيا منها كثير في القرآن والسنة. وظاهر الحديث أن استحقاقها للَّعن إذا كان ذلك في الليل؛ لقوله: "حتى تصبح". وكأن السر في ذلك تأكد الداعي في الليل وقوة الباعث عليه، ولا يلزم من المفهوم حل الامتناع في النهار؛ لأن التقييد [لأجل](أ) الحالة [الأغلبية](ب) وندرة ذلك في النهار.
وفي حديث مسلم عدم التقييد بذلك، وكذلك في حديث جابر، أخرجه ابن خزيمة وابن حبان مرفوعًا:"ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا تصعد لهم إلى السماء حسنة؛ العبد الآبق حتى يرجع، والسكران حتى يصحو، والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى"(1). فهذا مطلق [يتناول](جـ) الليل والنهار.
وقوله: "فأبت أن تجيء". زاد البخاري من رواية أبي عوانة عن الأعمش في بدء الخلق: "فبات غضبان عليها"(2). وهذه الزيادة يتجه وقوع اللَّعن لأجلها؛ لأنها حينئذ يتحقق ثبوت معصيتها، بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك، فإنه يكون إما لأنه عذرها، وإما لأنه ترك حقه من ذلك.
(أ) في الأصل: في أجل.
(ب) في الأصل: للأغلبية.
(جـ) في الأصل، جـ: يتناوله.
_________
(1)
ابن خزيمة 2/ 69 ح 940، وابن حبان 12/ 178 ح 5355.
(2)
البخاري 6/ 314 ح 3237.
وفي الرواية الأخرى للبخاري: "إذا باتت المرأة مهاجرة"(1). ظاهره المفاعلة من الجانبين، والظاهر أنه ليس شرطًا في (أ) ذلك، وأن المراد إذا هجرت وهي ظالمة له؛ بأن تكون هي البادئة بالهجرة، فهجرها غضبًا منها، أو هجرته هي من دون أن يحصل منه هجر، وأمَّا لو بدأها بالهجرة ظالمًا لها فلا. ووقع في رواية لمسلم:"إذا باتت هاجرة". بلفظ اسم الفاعل.
وقوله: "لعنتها الملائكة". فيه دلالة على أن منع الحقوق في الأبدان كانت أو في الأموال مما يوجب سخط الله تعالى، إلّا أن يتغمدها بعفوه، وأنه يجوز لعن العاصي المسلم إذا كان على وجه الإرهاب عليه؛ لئلا يواقع المعصية، فإذا واقع المعصية دعي له بالتوبة والهداية. كذا قال المهلب. قال المصنف (2) رحمه الله: ليس هذا التقييد مستفادا من الحديث، بل من أدلة أخرى. ثم قال:[والحق أن](ب) من منع اللعن أراد به معناه اللغوي، وهو الإبعاد من الرحمة، وهذا لا يليق أن يُدعى به على المسلم، بل يطلب له الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية. والذي أجازه أراد به معناه العرفي، وهو مطلق السب، ولا يخفى أن محله إذا كان بحيث يرتدع العاصي به وينزجر، ولعن الملائكة لا يلزم منه جواز اللعن منّا، فإن التكليف يختلف. انتهى.
ويفهم منه أن الملائكة تدعو على أهل المعاصي ما داموا فيها، وذلك يدل
(أ) زاد في الأصل: لي.
(ب) في الأصل: والجواب.
_________
(1)
البخاري 9/ 294 ح 5194.
(2)
الفتح 9/ 294، 295.
على أنهم يدعون لأهل الطاعة ما داموا فيها؛ كما قال تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (1) الآية. والمراد (أبالملائكة هنا أ) هم الحفظة أو غيرهم، ذلك محتمل، يرشد إلى التعميم ما في رواية مسلم:"كان الذي في السماء". إذا أريد به سكانها من الملائكة، ويدل على استجابة دعاء الملائكة من خير أو شر؛ ولذلك خوَّف منه صلى الله عليه وسلم. وعلى أن الزوجة تساعد الزوج، وتطلب مرضاته، وأن صبر الرجل على ترك الجماع أقل من صبر المرأة، وأن منع ذلك منه مع وجود داعيه مشوش على الرجل، ولأن ذلك سبب التناسل المقصود من النكاح. قال ابن أبي جمرة: وفيه إشارة إلى ملازمة طاعة الله، والصبر على عبادته جزاء على مراعاته لعبده، حيث لم يترك شيئًا من حقوقه إلّا جعل له من يقوم به، حتى جعل ملائكته تلعن من أغضب عبده بمنع شهوة من شهواته، فعلى العبد أن يوفي حقوق ربّه التي طلبها منه، وإلّا فما أقبح الجفاء من الفقير المحتاج إلى الغني الكثير الإحسان!
وقوله: "حتى تصبح". جاء في الرواية الأخرى في البخاري (2): "حتى ترجع". وهي أكثر فائدة، والأُولى محمولة على الغالب كما تقدم، و (ب) في رواية الطبراني:"وامرأة عصت زوجها حتى ترجع". وصححه الحاكم (3). ومعنى الحديث أن اللعنة تستمر عليها حتى تزول المعصية بطلوع
(أ- أ) ساقط من: جـ.
(ب) زاد في ب، جـ: كذا.
_________
(1)
الآية 7 من سورة غافر.
(2)
البخاري 9/ 294 ح 5194.
(3)
الطبراني في الأوسط 4/ 67 ح 3628، والصغير 1/ 172، والحاكم 4/ 173 من حديث ابن عمر.
الفجر والاستغناء [عنها](أ)، أو بتوبتها ورجوعها إلى الفراش، والله أعلم.
843 -
وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة. متفق عليه (1).
الواصلة هي التي تصل الشعر بشعر آخر، سواء كانت فاعلة ذلك لنفسها أو لغيرها. والمستوصلة هي التي تطلب فعل ذلك، ويفعل لها. ويقال لها:[موصلة](ب). والحديث يدل على تحريم الوصل، ولعن الواصلة و [المستوصلة](جـ) مطلقا؛ سواء كانت مزوجة أو غير مزوجة، وسواء كانت من ذوات الريب أم لا. وسواء كان شعرًا لمحرم أو غيره، وسواء كان من شعر آدمي أو غيره. وقد ذهب إلى هذا الجمهور. والهدوية منعت الوصل بشعر غير المحرم [من](د) بني آدم، وصرح به الفقيه محمد بن يحيى؛ لأنه يتعلق بالنظر إليه التحريم بعد انفصاله. وقال الفقيه يحيى: إنه يجوز الوصل (هـ)، لأنه بعد انفصاله لا يتعلق به التحريم. وقد روي مثل هذا عن عائشة (2)، وتأولت الحديث [بأن الواصلة](و) التي تفجر في نفسها، ثم تصل ذلك
(أ) في الأصل: عليها.
(ب) في الأصل: موصولة.
(جـ) في الأصل: الموصولة.
(د) في الأصل: و.
(هـ) ساقطة من: ب.
(و) في الأصل: فإن الراغب له.
_________
(1)
البخاري، كتاب اللباس، باب الموصولة 10/ 378 ح 5940، ومسلم، كتاب اللباس، باب تحريم فعل الواصلة والمستوصلة 3/ 1677 ح 2124/ 119.
(2)
تاريخ بغداد 7/ 405، والضعفاء الكبير 2/ 193.
[بالقيادة](أ). وهي رواية ضعيفة، والصحيح عنها مثل كلام الجمهور. وقول الهدوية منابذ للحديث.
وقال الإمام يحيى: إن ذلك لا يحرم إلّا على ذوات الريبة. وهو أيضًا منابذ للأحاديث المصرحة، كما في رواية عائشة: أن جاريةً من الأنصار تزوجت، وأنها مرضت فتمعط شعرها، فأرادوا أن يصلوها، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"لعن الله الواصلة والمستوصلة". أخرجه البخاري (1). فهذا صريح أن ذلك ليس للريبة. قال النووي (2): قد فصَّل أصحابنا فقالوا: إن وصلت شعرها بشعر آدمي، فهو حرام بلا خلاف سواء كان رجلًا أو امرأة، [و](ب) سواء شعر المحرم والزوج وغيرهما؛ لعموم الأحاديث، و [لأنه](جـ) يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته، بل (د يُدفن شعره د) وظفره وسائر أجزائه، وإن وصلته بشعر غير آدمي؛ فإن كان شعرًا نجسًا، وهو شعر الميتة وشعر ما لا يؤكل إذا انفصل في حياته، فهو حرام أيضًا؛ للحديث، ولأنه حمل نجاسة في صلاته وغيرها عمدًا، وسواء في هذين النوعين المزوجة وغيرها من النساء والرجال. وأما الشعر الطاهر من غير الآدمي، فإن لم يكن لها زوج أو سيد فهو حرام أيضًا، وإن كان فثلاثة أوجه؟ أحدها، لا يجوز لظاهر الأحاديث. والثاني، لا يحرم. وأصحها (هـ) عندهم إن فعلته بإذن
(أ) في الأصل: بالسادة.
(ب) ساقطة من النسخ، والمثبت من شرح النووي.
(جـ) في الأصل: أنه.
(د- د) في النسخ: يرمى بشعره. والمثبت من شرح النووي.
(هـ) في ب: أصحهما.
_________
(1)
البخاري 10/ 374 ح 5934.
(2)
صحيح مسلم بشرح النووي 14/ 103.
الزوج أو السيد جاز، وإلّا فهو حرام. قالوا: وأما تحمير الوجه والخضاب والسواد، وتطريف (1) الأصابع، فإن لم يكن لها زوج ولا سيد، أو كان وفعلته بغير إذنه فحرام. وإن أذن جاز على الصحيح. هذا تلخيص كلام أصحابنا. وقال القاضي عياض: اختلف العلماء في المسألة؛ فقال مالك والطبري وكثيرون أو الأكثرون: الوصل ممنوع بكل شيء [سواء](أ) وصلته بشعر أو صوف أو خرق. واحتجوا بحديث جابر، أخرجه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر أن تصل المرأة برأسها شيئًا (2). قال الليث بن سعد: النهي مختص بالوصل بالشعر، ولا بأس بوصله بصوف وخرق وغير ذلك. وقال بعضهم: يجوز جميع ذلك. وهو مروي عن عائشة (3)، ولا يصح عنها (جـ). قال القاضي رحمه الله: فأما ربط خيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهي عنه؛ لأنه ليس بوصل ولا بمعنى مقصود من الوصل، وإنما هو للتجمل والتحسين. انتهى. والمعنى المناسب هو ما في ذلك من الخداع للزوج، فما كان لونه مغايرًا للون الشعر لا خداع فيه، ولا يرد جواز ذلك [بإذن الزوج](جـ)؛ لأنه مظنة للخداع، فإنه قد يطّلع على ذلك من يصفه لغير الزوج، فتخرج من عقدة ذلك الزوج، ويتزوجها ذلك الموصوف له. فالخداع حاصل.
(أ) في الأصل: أو.
(ب) ساقطة من: ب.
(جـ) في الأصل: بأن للزوج.
_________
(1)
طرّفت المرأة بنانها تطريفا: خضبت أطراف أصابعها. المصباح المنير (ط ر ف).
(2)
مسلم 3/ 1679 ح 2126/ 121.
(3)
تقدم تخريجه ص 237.
وقوله: "والواشمة والمستوشمة". الواشمة بالشين المعجمة فاعلة الوشم، وهي أن تغرز إبرة أو مسلة ونحوهما في ظهر الكف [أو](أ) المعصم [أو](أ) الشفة، وغير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم وتحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة فيخضر. وقد يفعل ذلك بدارات ونقوش وقد يكثر وقد يقلل، وفاعلته واشمة، وقد وشمت تشم وشمًا، والمفعول بها موشومة، فإن طلبت فعل ذلك من غيرها فهي مستوشمة.
والحديث يدل على تحريمه على الفاعلة والمفعول بها (ب باختيارها، ويدل ب) على تحريم هذا اللعنُ، ولا يكون اللعن إلَّا على فعل محرم. بل قال القاضي عياض: إن هذه المذكورات من الكبائر للعن فاعله. وخلاف الإمام يحيى يأتي في هذا، والحديث في غير (جـ) رواية ابن عمر منبه على العلة، وهي تغيير خلق الله، فهو يدفع ما فصل به الإمام يحيى. وموضع الوشم يحكم بطهارته عند من قال: الاستحالة مطهرة؛ لأن الدم استحال وصار جلدًا. وأما عند الشافعية فهو نجس. قال النووي (1): فإن أمكن إزالته بالعلاج وجب إزالته، وإن لم يكن إلّا بالجرح؛ فإن خاف منه التلف أو [فوات](د) عضو أو شينًا فاحشًا في عضوٍ ظاهر لم تجب إزالته، وإذا تاب لم يبق عليه إثم، وإن لم
(أ) في الأصل: و.
(ب- ب) في جـ: فاختيارها يدل.
(جـ) زاد في النسخ: هذه. وهي مقحمة والصواب حذفها.
(د) في الأصل: موت.
_________
(1)
صحيح مسلم بشرح النووي 14/ 106.
يخف شينًا من ذلك ونحوه لزمه إزالته، ويعصي في تأخيره، وسواء في هذا الرجل والمرأة. انتهى.
844 -
وعن جدامة بنت وهب رضي الله عنها قالت: حضرت (أ) رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس وهو يقول: "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم، فلا يضر ذلك أولادهم شيئًا". ثم سألوه عن العزل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ذلك الوأد الخفي ". رواه مسلم (1).
هي جُدامة بضم الجيم وبالدال المهملة -ويروى بالذال المعجمة أيضًا، وقال الدارقطني (2): هو تصحيف- بنت وهب الأسدية، أخت عكاشة بن محصن. وقال الطبري (3): هي جُدامة بنت جندل، هاجرت. قال: والمحدثون قالوا فيها: جدامة (جـ) بنت وهب الأسدية، أخت عكاشة بن محصن الأسدي المشهور، وتكون أخته من أمه، ويكون وهب غير أبي عكاشة. أسلمت بمكة وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وهاجرت مع قومها، وكانت تحت أُنيس بن قتادة، تصغير أنس، من بني عمرو بن عوف، روت عنها عائشة رضي الله عنها (4).
(أ) زاد في الأصل: مع.
(ب) ساقطة من: ب، جـ.
_________
(1)
مسلم، كتاب النكاح، باب جواز الغيلة
…
2/ 1066 ح 1442/ 140.
(2)
المؤتلف والمختلف 2/ 899.
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي 10/ 16.
(4)
أسد الغابة 7/ 48، والإصابة 7/ 551.
قوله: "أن أنهى عن الغيلة". قال أهل اللغة: الغِيلة هنا بكسر الغين، ويقال لها: الغَيَل بفتح الغين مع فتح الياء، والغِيال بكسر الغين، كما ذكره مسلم (1) في رواية (أ). وقال جماعة من أهل اللغة: بالفتح المرة الواحدة، وبالكسر الاسم من الغيل. وقيل: إن أريد بها وطء المرضع يجوز بالكسر والفتح. واختلف العلماء ما المراد بها في هذا الحديث؛ فقال مالك في "الموطأ"(2)، والأصمعي وغيره (3) من أهل اللغة: هي أن يجامع امرأته وهي مرضع، يقال منه: أغال الرجل وأغيل، إذا فعل ذلك. قال ابن السكيت (4) رحمه الله: هي أن ترضع المرأة وهي حامل، يقال منه: غالت وأغيلت. فكأن المنهي عنه في الحديث ما يؤدي إلى ذلك وهو الوطء، فإنه يؤدي إلى الحبل الذي يحصل به ضرر الولد. وسبب همه بالنهي أنه يخاف منه ضرر الولد الرضيع، والأطباء يقولون: إن ذلك اللبن داء. والعرب تكرهه وتتقيه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم رد ذلك الهم وبين عدم الضرر الذي تزعمه العرب والأطباء بأن فارس والروم تفعل ذلك ولا ضرر يحدث مع الأولاد. ويكون الهم أولًا من باب الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، فيدل على جواز الاجتهاد، وبه قال جمهور أهل الأصول.
وقوله: "فإذا هم يُغيلون". هو بضم الياء؛ لأنه من أغال يغيل.
(أ) في ب: روايته.
_________
(1)
مسلم 2/ 1067 ح 1442/ 142.
(2)
الموطأ 2/ 607.
(3)
ينظر غريب الحديث لأبي عبيد 2/ 100.
(4)
ينظر تهذيب اللغة 8/ 195.
وقوله: ثم سألوه عن العزل. هو أن ينزع بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج. وهو يُفعل لأحد أمرين؛ أما في حق (أ) الأمة فلكراهة مجيء الولد من الأمة؛ إما أنفة من ذلك، وإما (ب لئلا يتعذر ب) بيع الأمة إذا صارت أم ولد، أو لغير ذلك. وأما في حق الحرة؛ فإنه يكون إما لأجل خشية إضرار الرضيع، أو كراهة لحصول الولد.
وقوله: "الوأد الخفي". الوأد دفن البنت وهي حية. وكانت العرب تفعله خشية الإملاق، وقد تفعله خشية العار. والحديث يدل على تحريم العزل، فإنه شبهه بالوأد وهو محرم. وقد اختلف السلف في حكم العزل؛ فقال ابن عبد البر (1): لا خلاف بين العلماء أنه لا يُعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها؛ لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلّا ما لا يلحقه عزل. ووافقه في نقل الإجماع ابن هبيرة (2)، وتُعقِّب بأن المعروف عند الشافعية أن المرأة لا حق لها في الجماع أصلًا. والهدوية توافق في ذلك إلّا المؤلَى منها والمظاهَرة، ثم في خصوص هذه المسألة عند الشافعية خلاف مشهور في جواز العزل عن الحرة بغير إذنها. قال الغزالي (3) وغيره: يجوز. وهو المصحح عند المتأخرين، واحتج الجمهور لذلك بحديثٍ عن عمر أخرجه أحمد وابن ماجه (4) بلفظ: نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها. وفي
(أ) ساقط من: ب، جـ.
(ب - ب) في ب: ليتعذر.
_________
(1)
التمهيد 3/ 148.
(2)
الإفصاح 2/ 141.
(3)
إحياء علوم الدين 2/ 735، 736.
(4)
أحمد 1/ 31، وابن ماجه 1/ 620 ح 1928.
إسناده ابن لهيعة (1). والوجه الآخر للشافعية، الجزم بالمنع إذا امتنعت. وفيما إذا رضيت وجهان؛ أصحهما الجواز.
وأما الأمة فإن كانت زوجة فهي مرتبة على الحرة، [إن](أ) جاز فيها ففي الأمة أولى، وإن امتنع فوجهان؛ أصحهما الجواز تحرزًا من إرقاق الولد. وإن كانت سُريَّة جاز بلا خلاف إلّا في وجه حكاه الروياني في المنع مطلقًا، كمذهب ابن حزم، وإن كانت السُّريَّة مستولدة، فالراجح الجواز فيها مطلقًا (ب)؛ لأنها ليست راسخة في الفراش. وقيل: حكمها حكم الأمة المزوَّجة. و (جـ) الأمة المزوَّجة عند المالكية تحتاج إلى إذن سيدها، وهو قول أبي حنيفة والراجح عن أحمد. وقال أبو يوسف ومحمد: الإذن لها. وهي رواية عن أحمد، وعنه: بإذنها وإذن سيدها. وعنه: يباح العزل مطلقًا. ودليل من قال بالتفصيل ما أخرجه عبد الرزاق (2) بسند صحيح عن ابن عباس قال: تستأمر الحرة في العزل، ولا تستأمر الأمة السرية، فإن كانت أمة تحت حر فعليه أن يستأمرها. وهو موقوف، ولو كان مرفوعًا كان متعين العمل به؛ لكونه نصًّا في المسألة. قال ابن العربي (3): يبعدُ القول بمنع العزل عند من يقول: إنه لا حق للزوجة في الوطء. وعن الشافعي وأبي حنيفة: لها حق في وطأة واحدة يستقر بها المهر. قال: فإذا كان الأمر كذلك، فكيف لها حق
(أ) في الأصل: أو.
(ب) ساقطة من: ب.
(جـ) زاد في الأصل: في.
_________
(1)
تقدمت ترجمته في 1/ 175.
(2)
عبد الرزاق 7/ 143 ح 12562.
(3)
عارضة الأحوذي 5/ 77.
في العزل؟ فإن خصوه (أ) بالوطأة الأولى فيستقيم. وعن مالك: أن لها حق مطالبته إذا قصد بتركه إضرارها. انتهى. وما نقله عن الشافعي غريب، والمعروف عند أصحابة أن لا حق لها أصلًا. وجزم ابن حزم بوجوب الوطء وتحريم العزل، واحتج بحديث جُدامة هذا. وأجاب الجمهور بأن حديث جدامة معارض بحديثين؛ أحدهما أخرجه النسائي والترمذي (1) وصححه من طريق معمر عن جابر، قال: كانت لنا جوارٍ وكنا نعزل، فقالت اليهود: إن تلك الموءودة الصغرى. فسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "كذبت اليهود، لو أراد الله خلقه لم تستطع رده". وأخرجه النسائي (2) من طريق هشام و [علي](ب) بن المبارك وغيرهما، عن أبي سعيد نحوه. ومن طريق أبي عامر (جـ) عن أبي هريرة نحوه. ومن طريق سليمان الأحول أنه سمع عمرو بن دينار يسأل أبا سلمة بن عبد الرحمن عن العزل فقال: زعم أبو سعيد. فذكر نحوه. قال: فسألت أبا سلمة: أسمعته من أبي سعيد؟ قال: لا، ولكن أخبرني رجل عنه. والحديث الثاني في النسائي من وجه آخر، عن محمد بن عمر، وعن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وهذه طرق يقوى بعضها (د)
(أ) في ب، جـ: خص.
(ب) في النسخ: عن. والمثبت من مصدر التخريج، وينظر الفتح 9/ 308.
(جـ) في مصدر التخريج "عمر". وهو تصحيف، والمثبت هو الصواب كما في تحفة الأشراف 11/ 82، وتهذيب الكمال 13/ 47.
(د) زاد في ب: بعضا.
_________
(1)
النسائي في الكبرى 5/ 340 ح 9078، والترمذي 3/ 442، 443 ح 1136.
(2)
النسائي في الكبرى 5/ 341، 342 ح 9079 - 9084.
ببعض، وجمع البيهقي (1) بينهما بأن حديث جُدامة محمول على التنزيه، وهذا أولى من تضعيف حديث جدامة كما ذهب إليه البعض، قال: لأنه معارض بما هو أكثر طرقًا، مع أنه قد صرح بتكذيب اليهود، فكيف يثبته! فهذا دفع للحديث الصحيح الثابت في "الصحيح" بالتوهم. وبعضهم ادعى أنه منسوخ، ويرد عليه بأن ذلك يستقيم إذا عرف التاريخ، ولم يعرف. وقال الطحاوي (2): يحتمل أن حديث جُدامة قاله صلى الله عليه وسلم موافقة لأهل الكتاب قبل أن ينزل عليه فيه، ثم أعلمه الله بالحكم، وهو كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فيه وحي. وتعقبه ابن رشد ثم ابن العربي (3) بأنه لا يجزم بشيء تبعًا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم فيه. ومنهم من ضعّف معارض حديث جدامة للاختلاف في إسناده، وقد عرفت طرقه و [تقوية](أ) بعضها لبعض، والجمع ممكن. ورجح ابن حزم (4) حديث جُدامة بأن حديث غيرها موافق لأصل الإباحة، وحديثها مانع، فمن ادعى أنه أبيح بعد المنع فعليه البيان، وأجيب بأن حديثها ليس صريحًا في المنع، ولا يلزم من تسميته وأدًا خفيًّا التحريم، وبعضهم خصه بالعزل عن الحامل؟ لأن المني يغذوه، فقد يؤدي العزل إلى موته، أو إلى ضعفه المفضي إلى موته، فيكون وأدًا خفيا. وجمعوا أيضًا بين تكذيب اليهود في قولهم: الموءودة الصغرى. وبين
(أ) في الأصل: تقوم، وفي ب: يقويه. وفي جـ: تقوم. والمثبت أنسب للسياق.
_________
(1)
البيهقي 7/ 232.
(2)
شرح مشكل الآثار 5/ 173، 174.
(3)
عارضة الأحوذي 5/ 76، 77.
(4)
المحلى 11/ 291، 292.
إثبات كونه وأدًا خفيا، بأن قولهم: الموءودة الصغرى. يقتضي أنه وأد ظاهر، لكنه صغير بالنسبة إلى دفن المولود بعد وضعه حيًّا. وقوله:"الوأد الخفي". أنه ليس في حكم الظاهر أصلًا فلا يترتب عليه حكمه، فالتكذيب لا يعارضه هذا الحديث، وشبهه بالوأد اشتراكهما في قطع حياة، فالوأد قطع حياة محققة، وهذا إنما قطع ما قد يؤدي إلى الحياة. وقال ابن القيم (1): إنما كذبت اليهود لأن في زعمهم أن العزل لا يُتصور معه الحمل أصلًا، فأكذبهم وأخبر أنه إذا شاء الله خلْقَه لم يمنع منه العزل، وإذا لم يُرد خلقه لم يكن وأدًا حقيقة، ولكنه سماه وأدًا لما تعلق به من قصد منع الحمل.
واختلف العلماء في علة النهي عن العزل؛ فقيل: لتفويت حق المرأة.
وقيل: لمعاندة [القدر](أ). وهذا الثاني هو الذي تقتضيه معظم الأخبار الواردة في ذلك، وهو مبني على عدم التفرقة بين الحرة والأمة. وقال إمام الحرمين (2): موضع المنع أن ينزع لقصد الإنزال خارج الفرج خشية العلوق، ومتى فقد ذلك لم يمنع. وكأنه راعى سببي المنع، فإذا فقدا بقي أصل الإباحة، فله أن ينزع متى شاء. ويتفرع عن حكم العزل حكم معالجة المرأة إسقاط النطفة قبل نفخ الروح؛ فمن قال بالمنع هناك ففي هذه أولى، ومن قال بالجواز يمكن أن يلتحق (ب) به هذا، ويمكن أن يفرق بأنه أشد؛ لأن العزل لم يقع فيه تعاطي السبب، ومعالجة السقط يقع بعد تعاطي
(أ) في الأصل، جـ: القدرة، وفي ب: القدرة. والمثبت من الفتح 9/ 310.
(ب) في ب، جـ: يلحق.
_________
(1)
زاد المعاد 5/ 145.
(2)
ينظر روضة الطالبين 7/ 206.
السبب. ويلتحق بهذه المسألة تعاطي المرأة ما يقطع الحبل من أصله، وقد أفتى بعض متأخري الشافعية بالمنع، وهو مشكل على قولهم بإباحة العزل مطلقًا، والله أعلم.
845 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي جارية وأنا أعزل عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث أن العزل الموءودة الصغرى. قال:"كذبت يهودُ، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه". رواه أحمد (أأبو داود أ) واللفظ له والنسائي والطحاوي (1) ورجاله ثقات.
الحديث تقدم الكلام عليه.
و (ب) قوله: "لو أراد الله أن يخلقه" إلخ. معناه أن النفس التي قدر الله خلقها لا بد من خلقها، وإن سبقكم الماء فلا تقدرون على دفعه، ولا ينفعكم الحرص على ذلك، فقد يسبق الماء من غير شعور من العازل، لا راد لما قضى الله. وقد أخرج أحمد والبزار وصححه ابن حبان (2) من حديث أنس، أن رجلًا سأل عن العزل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أن الماء الذي يكون
(أ- أ) ساقط من: ب، جـ.
(ب) زاد في الأصل: في.
_________
(1)
أحمد 3/ 51، وأبو داود، كتاب النكاح، باب ما جاء في العزل 2/ 258 ح 2171، والنسائي في الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب العزل 5/ 341 ح 9079، والطحاوى في شرح معاني الآثار، كتاب النكاح، باب العزل 3/ 31.
(2)
أحمد 3/ 140، وكشف الأستار 3/ 29 ح 2163 - وابن حبان في الثقات 7/ 502.
منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدًا". وله شاهدان في "الكبير" للطبراني (1) عن ابن عباس، وفي "الأوسط" له عن ابن مسعود (2).
846 -
وعن جابر رضي الله عنه قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل، لو كان [شيئًا] (أ) يُنهى عنه لنهانا عنه القرآن. متفق عليه (3). ولمسلم (4): فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا عنه.
قوله: كنا نعزل. بنون جمع المتكلم والبناء للفاعل، ووقع في رواية الكشميهني (5): كان يُعزل. بضم أوله وفتح الزاي على البناء للمفعول.
وقوله: على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. جاء في رواية ابن عيينة حدثنا بذكرها، وفي أخرى (ب) له ب (عن) بحذفها.
وقوله: لو كان شيئًا. إلخ. هذه الزيادة لم يذكرها البخاري، ورواها مسلم (6)، عن إسحاق بن راهويه، عن سفيان. فساقه بلفظ: كنا نعزل
(أ) في الأصل: شيء.
(ب) زاد في الأصل: لم يعن وفي أخرى. ولعله مضروب عليها.
_________
(1)
الطبراني في الكبير 9/ 390، 391 ح 9664 عن ابن مسعود موقوفًا.
(2)
الأوسط 7/ 71 ح 6884 عن ابن عباس مرفوعًا. وينظر الفتح 9/ 307، 308.
(3)
البخاري، كتاب النكاح، باب العزل 9/ 305 ح 5207 - 5209، ومسلم، كتاب النكاح، باب حكم العزل 2/ 1065 ح 1440/ 136، 137.
(4)
مسلم 2/ 1065 ح 1440/ 138.
(5)
الفتح 9/ 305.
(6)
مسلم 2/ 1065 ح 1440/ 136.
والقرآن ينزل. قال سفيان: لو كان شيئًا ينهى عنه لنهانا عنه القرآن. فهذا ظاهر في أن سفيان قاله استنباطا. فالمصنف هنا تبع ما فعله صاحب "العمدة"(1) ومَن تبعه مِن جعل الزيادة من جملة الحديث، وليس الأمر كذلك. وقال المصنف رحمه الله في "فتح الباري" (2): تتبعت المسانيد فوجدت أكثر رواته عن سفيان لا يذكرون هذه الزيادة، وبنى ابن دقيق العيد في "شرح العمدة"(1)، على أن ذلك من الحديث فشرحه وقال: استدلال جابر بالتقرير من الله غريب، ويمكن أن يكون استدل بتقرير الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه مشروط بعلمه بذلك. انتهى. لكنه يكفي في علمه به قول الصحابي أنه فعله في عهده. والمسألة مشهورة في الأصول وفي علم الحديث، وهي أن الصحابي إذا أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حكم الرفع عند الأكثر؛ لأن الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم اطّلع على ذلك وأقره لتوفر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام. وإذا لم يضفه فله حكم الرفع أيضًا عند قوم. وهذا من الأول. وأن جابرًا صرّح بوقوعه في عهده صلى الله عليه وسلم، وقد ورد عدة طرق تصرح باطلاعه على ذلك، والذي يظهر لي أن الذي استنبط ذلك سواء كان هو جابرا أو سفيان أراد بنزول القرآن ما هو (أ) أعم من [المتعبد] (ب) بتلاوته أو غيره مما يوحى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه يقول: فعلناه
(أ) في ب: يقرأ.
(ب) في الأصل: التعبد.
_________
(1)
إحكام الأحكام 4/ 74.
(2)
الفتح 9/ 305.
في زمن التشريع، ولو كان حرامًا لم نُقر عليه. وإلى ذلك يشير قول ابن عمر: كنا نتقي الكلام والانبساط إلى نسائنا هيبة أن ينزل فينا شيء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم تكلمنا وانبسطنا. أخرجه البخاري (1).
وقد أخرجه مسلم (2) أيضًا من طريق أبي الزبير عن جابر قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك نبي الله فلم ينهنا. ومن وجه آخر (3)، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رجلًا أتى رسول ألله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي جارية وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل. فقال: "اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها". فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت. قال: "قد أخبرتك". ووقعت هذه القصة عنده (4) من طريق سفيان بن عيينة بإسناد له آخر إلى جابر، وفي آخره فقال:"أنا عبد الله ورسوله". وأخرجه أحمد وابن ماجه وابن أبي شيبة (5) بسند آخر على شرط الشيخين بمعناه. ففي هذه الطرق ما أغنى عن الاستنباط؛ فإن في أحدها التصريح بالاطلاع، وفي الأخرى التصريح في حق الأمة.
847 -
وعن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد. أخرجاه واللفظ لمسلم (6).
(1) البخاري 9/ 253 ح 5187.
(2)
مسلم 2/ 1065 ح 1440/ 138.
(3)
مسلم 2/ 1064 ح 1439/ 134.
(4)
مسلم 2/ 1064 ح 1439/ 135.
(5)
أحمد 3/ 312، وابن ماجه 1/ 35 ح 89، وابن أبي شيبة 4/ 20.
(6)
البخاري، كتاب النكاح، باب من طاف على نسائه في غسل واحد 9/ 316 ح 5215، ومسلم، كتاب الحيض، باب جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له 1/ 249 ح 309.
تقدم الكلام في هذا الحكم في باب الغسل، والحديث قد يتعلق به من يقول: إن القسم لم يكن واجبًا على النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن العربي (1): إنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم ساعة من النهار لا يجب [عليه](أ) فيها القسم، وهي بعد العصر فإن اشتغل عنها كانت بعد المغرب. وفي البخاري (2) ما يومئ إلى هذا وهو عن عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن، فدخل على حفصة فاحتبس أكثر ما كان يحتبس. فقوله: فيدنو من إحداهن. يحتمل الوقاع، ولكنه قد جاء في رواية ابن أبي الزناد عن هشام بزيادة: بغير وقاع (3). ثم إن في حديث أنس في البخاري بلفظ: كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة. وهو يرد على ما قاله ابن العربي، ولأنه يستبعد بعد المغرب أن يسع ذلك الفعل مع الانتظار لصلاة العشاء، لا سيما على جهة الاستمرار. ويظهر على قول من ذهب إلى عدم وجوب القسم عليه صلى الله عليه وسلم كما ذهب إليه طوائف من أهل العلم، وهو ظاهر قوله تعالى:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} (4) الآية. وبه جزم الإصطخري من الشافعية، والمشهور عندهم وعند الأكثرين الوجوب، ويجيبون عن هذا الحديث بأنه كان يفعل هذا برضا صاحبة النوبة، كما استأذنهن أن يمرَّض في بيت عائشة، ويحتمل أن يكون
(أ) ساقطة من: الأصل.
_________
(1)
عارضة الأحوذي 1/ 231.
(2)
البخاري 9/ 316 ح 5216.
(3)
أحمد 6/ 107، 108، وأبو داود 2/ 249 ح 2135.
(4)
الآية 51 من سورة الأحزاب.
فعله عند استيفاء القسمة، ثم يستأنف القسمة. وقيل: يفعله عند إقباله من السفر، لأنه إذا سافر قرع بينهن فيسافر بمن يخرج سهمها. فإذا انصرف استأنف وهو أخص من الاحتمال الثاني. ويحتمل أن يكون ذلك قبل وجوب القسمة.
وقوله في رواية البخاري: وله يومئذ تسع نسوة. وفي رواية أيضًا للبخاري (1): [وهن](أ) إحدى عشرة. قال ابن حبان (2): يجمع بين الروايتين بأن يحمل ذلك على حالتين؛ إحداهما كن تسع زوجات، والأخرى إحدى عشرة؛ فالأولى في أول قدومه المدينة حيث كان تحته تسمع نسوة، والحالة الثانية في آخر الأمر حيث اجتمع عنده إحدى عشرة. ولكن هذا وهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن تحته امرأة سوى سودة، ثم دخل على عائشة بالمدينة، ثم تزوج أم سلمة وحفصة وزينب بنت خزيمة في السنة الرابعة، ثم تزوج زينب بنت جحش في الخامسة، ثم جويرية في السادسة، ثم صفية وأم حبيبة وميمونة في السابعة، هؤلاء جميع من دخل بهن من الزوجات بعد الهجرة على المشهور، واختلف في ريحانة وكانت من نساء بني قريظة، فجزم ابن إسحاق (3) أنه عرض عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فاختارت البقاء في ملكه، والأكثر أنها ماتت في سنة عشر قبل النبي صلى الله عليه وسلم،
(أ) في الأصل: وهو.
_________
(1)
البخاري 1/ 377 ح 268.
(2)
ابن حبان 4/ 10، 11، عقب ح 1209 بنحوه، وينظر الفتح 1/ 378.
(3)
الفتح 1/ 378.
وكذا ماتت زينب بنت خزيمة بعد دخولها عليه بقليل، قال ابن عبد البر (1): مكثتْ عنده شهرين أو ثلاثة. فعلى هذا، لم يجتمع عنده من (أ) الزوجات أكثر من تسع، مع أن سودة كانت وهبت يومها لعائشة. ولعله ضم مارية وريحانة إليهن، وأطلق عليهن لفظ نسائه تغليبًا. وقد جمع الدمياطي (2) في "سيرته" زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ممن دخل بها، أو عقد عليها وطلقها. قبل الدخول، أو خطبها ولم يعقد عليها، فبلغت ثلائين. وفي "المختارة"(3) من وجه آخر عن أنس، تزوج خمس عشرة، ومات عن تسع. وفي "المواهب"(4) أن جملة من عقد بهن ثلاث وعشرون امرأة. وقد سرد أسماءهن أبو الفتح اليعمري، ومغلطاي (2)، فزدن على العدد الذي ذكر الدمياطي. والحق أن في الأسماء اختلافًا في البعض، فحصل التكثير بالنظر إلى الاختلاف في الاسم مع اتحاد المسمى. والله أعلم.
وفي الحديث دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم أكمل الرجال في الرجولية حيث كان له هذه القوة، وقد أخرج البخاري (5)، أنه كان له قوة ثلاثين رجلًا. وفي
(أ) زاد في ب: النساء.
_________
(1)
الاستيعاب 4/ 1853.
(2)
الفتح 1/ 378.
(3)
المختارة 7/ 106 ح 2524.
(4)
المواهب اللدنية 3/ 268.
(5)
البخاري 1/ 377 ح 268.
رواية الإسماعيلي (1): قوة أربعين رجلًا. وفي "صفة الجنة" لأبي نعيم (1) مثله، وزاد: من رجال أهل الجنة. ومن حديث ابن عمرَ (أ)، وأخرجه مرفوعًا:"أعطيت قوة أربعين في البطش والجماع"(1). وعند أحمد، والنسائي، وصححه الحاكم (2) من حديث زيد بن أرقم:"إن الرجل من أهل الجنة ليعطَى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع والشهوة". قال القاضي (3): والحكمة في طوافه عليهن في الليلة الواحدة هو تحصينهن، وكأنه أراد بذلك عدم تشوقهن (ب) للأزواج. قال المصنف (3): وفي هذا نظر؛ لأن الأزواج محرمة عليهن بعده. انتهى. ولعله أراد إكمال الكفاية لهن بأمر النكاح التي تشتاق إليه النساء من غير نظر إلى خصوصية الزوج المواقع، ثم قال: والأولى أن ذلك إنما كان لإرادة العدل بينهن في ذلك. والله أعلم.
(أ) كذا في النسخ، وأخرجه الطبراني في الأوسط 1/ 567 ح 178 من حديث ابن عمرو.
(ب) كذا في النسخ. ولعلها: تشوفهن. وينظر الفتح 9/ 316، والمصباح المنير (ش وف).
_________
(1)
الفتح 1/ 378.
(2)
أحمد 4/ 371، والنسائي في الكبرى 6/ 454 ح 11478، والحاكم -كما في الفتح 1/ 378.
(3)
الفتح 9/ 316.