المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قول الله عز وجل: {يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد، وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا - البعث والنشور للبيهقي ت حيدر

[أبو بكر البيهقي]

فهرس الكتاب

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل « {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ» } [

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُؤْمِنِ يُفْدَى بِالْكَافِرِ، فَيُقَالُ هَذَا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ، وَالْكَافِرُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فِدْيَةٌ وَلَا تَنْفَعُهُ شَفَاعَةٌ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي آخِرِ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ، وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي حَوْضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ اللَّهُ عز وجل: " {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [

- ‌جِمَاعُ أَبْوَابِ الْإِيمَانِ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَإِنَّهُمَا مَخْلُوقَتَانِ مُعَدَّتَانِ لِأَهْلِهِمَا وَمَا جَاءَ فِيهِمَا وَفِي صِفَتِهِمَا

- ‌بَابُ الْإِيمَانِ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ

- ‌بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى الْجَنَّةَ، وَالنَّارَ وَرَأَى فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَعْضَ أَهْلِهَا، وَمَا أُعِدَّ لِبَعْضِ أَهْلِهَا، وَالْمَعْدُومُ لَا يُرَى وَأُخْبِرَ عَنْ مَصِيرِ أَرْوَاحِ أَهْلِهَا إِلَيْهَا قَبْلَ الْقِيَامَةِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى خَلْقِهِمَا. قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي حَائِطِ الْجَنَّةِ، وَتُرَابِهَا وَحِصَائِهَا

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي سُوقِ أَهْلِ الْجَنَّةِ

- ‌بَابُ السَّمَاعِ فِي الْجَنَّةِ، وَالتَّغَنِّي بِذِكْرِ اللَّهِ عز وجل قَالَ اللَّهُ عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [

- ‌بَابُ أَوَّلِ مَنْ يَدْخُلُ، وَمَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ

- ‌بَابُ آخِرِ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ يَكُونُ أَدْنَى مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، وَمَنْ يَكُونُ مِنْهُمْ أَرْفَعَ مَنْزِلَةً

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي مَوْضِعِ الْجَنَّةِ وَمَوْضِعِ النَّارِ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي عَدَدِ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي خَزَنَةِ جَهَنَّمَ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي أَوْدِيَةِ جَهَنَّمَ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي ثِيَابِ أَهْلِ النَّارِ وَسَلَاسِلِهِمْ وَأَغْلَالِهِمْ، وَمَا يُصَبُّ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَمِيمِ، وَيُقْمَعُونَ بِمَقَامِعَ مِنْ حَدِيدٍ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ

- ‌بَابُ مَا جَاءَ فِي طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ وَشَرَابِهِمْ قَالَ اللَّهُ عز وجل: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ، طَعَامُ الْأَثِيمِ ، كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونُ، كَغَلْيِ الْحَمِيمِ، وَقَالَ: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونِ، لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ، فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ، فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ، فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ

- ‌بَابُ دُعَاءِ أَهْلِ النَّارِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَالزَّفِيرِ وَالشَّهِيقِ وَنَكَالِهِمْ قَالَ اللَّهُ عز وجل: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعُوا هُنَالِكَ ثُبُورًا لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [

- ‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيُّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا

- ‌حَدِيثُ الصُّورِ

الفصل: ‌باب قول الله عز وجل: {يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق، خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد، وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا

‌بَابُ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيُّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا

مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُلَيْمِيُّ رحمه الله فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: 107] وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَمَّا أَخْبَرَ عَنِ الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ بِأَنَّ الَّذِينَ شَقُوا فِي النَّارِ، وَالَّذِينَ سُعِدُوا فِي الْجَنَّةِ، كَانَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ هَذَا الظَّاهِرُ أَنَّ دُخُولَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ الدَّارَ الْمُعَدَّةَ لَهُمْ يَقْتَرِنُ بِإِتْيَانِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ دُخُولَهُمْ حَيْثُ أَعَدَّ لَهُمْ يَتَأَخَّرُ طَوِيلًا بَعْدَ إِتْيَانِ الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ، فَقَالَ جَلَّ ثناؤُهُ:{إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: 107] ، أَيْ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنْ وَقْفِهِمْ حَيْثُ كَانُوا فِيهِ، إِلَى أَنْ حُوسِبُوا وَوُزِنَتْ أَعْمَالُهُمْ، وَسِيقَ كُلُّ فَرِيقٍ إِلَى حَيْثُ قُضِيَ لَهُ، لِئَلَّا يُعَارِضَ الْخَبَرَ الْمُتَقَدِّمَ خَلْقٌ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: {مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} ، لَمْ يُرِدْ أَنَّهُمْ يَبْقَوْنَ حَيْثُ ذَكَرَ وَسَمَّى قَدْرَ مَا بَقِيَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ؛ لِأَنَّ التَّوْقِيتَ يُنَافِي الْخُلُودَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ طُولِ مُدَّةِ بَقَائِهِمْ، فَضَرَبَ لِلْمُخَاطَبِينَ مَثَلَ ذَلِكَ بِمُدَّةِ بَقَاءِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ فِيمَا يَعْلَمُونَهُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ جَلَّ ثناؤُهُ، وَيَعْرِفُونَ حَالَهُ أَطْوَلَ بَقَاءً مِنْهُمَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي جُمْلَتِهِمْ شَيْءٌ أَخْبَرُونَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمُنْقَضٍ، فَيَضْرِبُ لَهُمْ مَثَلَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ بِهِ، فَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمُرَادُ لَا أَنَّ بَقَاءَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَهْلَ النَّارِ

⦗ص: 332⦘

فِي النَّارِ، كَائِنٌ إِلَى وَقْتٍ ثُمَّ يَنْقَضِي، لَكِنَّهُ دَائِمٌ بَاقٍ، وَلَا انْقِضَاءَ لَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ، أَنَّ الْمَعْنَى {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108] ، أَيْ غَيْرَ مَقْطُوعٍ، فَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُقِيمُونَ قَدْرَ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ثُمَّ يَخْرُجُونَ، كَانَ الْعَطَاءُ مَجْذُوذًا، فَلَمَّا أَخْبَرَ أَنَّهُ غَيْرُ مَجْذُوذٍ عَلِمْنَا أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِثناءِ مَا ذَكَرْنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: إِلَّا بِمَعْنَى سِوَى، وَذَلِكَ يَحْسُنُ إِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرَ مِنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، كَرَجُلٍ يَقُولُ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إِلَّا الْأَلْفَيْنِ الَّتِي هِيَ إِلَى سَنَةٍ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى سِوَى الْأَلْفَيْنِ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ تبارك وتعالى فِي أَهْلِ النَّارِ:{إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] بِمَعْنَى: إِنَّهُمْ خَالِدُونَ فِي النَّارِ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ سِوَى مَا شَاءَ رَبُّكَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يَتَعَاظَمَنَّكُمْ ذَلِكَ أَمْرُهُ؛ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونُ ذَكَرَ مُدَّةَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ فِي هَذَا الْوَجْهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْآخِرَةَ لَا تَتَقَدَّرُ بِمِقْدَارِ الدُّنْيَا، لَكِنَّهُمْ إِنِ اسْتَوْفَوْا فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مُدَّةَ الْعَالَمِ الْمُنْقَضِي، فَلَا الْجَزَاءَ الَّذِي لَقُوهُ بمُنْقَضٍ، وَلَا الْمَآبَ الَّذِي أُعِدَّ لَهُمْ مُنْقَضٍ، وَلَكِنْ هَذَا كُلُّهُ دَائِمٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ

604 -

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْجُهَيْمِ السَّمُرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنَ زِيَادٍ الْفَرَّاءَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} ، يَقُولُ الْقَائِلُ: مَا هَذَا الِاسْتِثناءُ وَقَدْ وَعَدَ اللَّهُ أَهْلَ النَّارِ الْخُلُودَ، وَأَهْلَ الْجَنَّةِ الْخُلُودَ؟ فَفِي ذَلِكَ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْعَلَهُ اسْتِثناءً يَسْتَثْنِيهِ وَلَا يَفْعَلُهُ كَقَوْلِكَ: وَاللَّهِ لَأَضْرِبَنَّكَ إِلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ، وَعَزِيمَتُكَ عَلَى ضَرْبِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ:{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} وَلَا يَشَاءُ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ، أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا اسْتَثْنَتْ شَيْئًا كَبِيرًا مَعَ مِثْلِهِ، أَوْ مَعَ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ، كَانَ مَعْنَى إِلَّا وَمَعْنَى الْوَاوِ سَوَاءً، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ

⦗ص: 333⦘

وَالْأَرْضُ} ، سِوَى مَا يَشَاءُ مِنْ زِيَادَةِ الْخُلُودِ، فَيُجْعَلُ إِلَّا مَكَانَ سِوَى، فَيَصْلُحُ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: خَالِدِينَ فِيهَا مِقْدَارَ مَا كَانَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ سِوَى مَا زَادَهُمْ مِنَ الْخُلُودِ وَالْأَبَدِ وَمِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ أَنْ تَقُولَ: لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ إِلَّا الْأَلْفَيْنِ اللَّذَيْنِ مِنْ قِبَلِ فُلَانٍ، أَفَلَا تَرَى أَنَّهُ فِي الْمَعْنَى لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ سِوَى الْأَلْفَيْنِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَهَذَا أَحَبُّ الْوَجْهَيْنِ إِلَيَّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عز وجل لَا خُلْفَ لِوَعْدِهِ، وَقَدْ وَصَلَ الِاسْتِثناءَ بِقَوْلِهِ:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108] ، فَاسْتُدِلَّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثناءَ لَهُمْ فِي الْخُلُودِ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ عَنْهُمْ "

ص: 331

605 -

أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ الطَّرَائِفِيُّ، ثنا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ عز وجل:{عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108]، يَقُولُ: عَطَاءً «غَيْرَ مُنْقَطِعٍ»

ص: 333

606 -

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ مَحْبُوبٍ الدَّهَّانُ، أَنْبَأَ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ، ثنا يُوسُفُ بْنُ بِلَالٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْوَانَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَ تَفْسِيرَ سُورَةِ هُودٍ إِلَى قَوْلِهِ:{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} ، قَالَ: فَقَدْ شَاءَ رَبُّكَ أَنْ يَخْلُدُوا فِي النَّارِ، {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} ، قَالَ: فَقَدْ

⦗ص: 334⦘

شَاءَ رَبُّكَ أَنْ يَخْلُدُوا فِي الْجَنَّةِ، قَالَ: وَقَالَ فِيهَا وَجْهٌ آخَرُ، قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَخْرُجُونَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَهْلَ النَّارِ لَا يَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ، وَيَكُونُونَ فِي الْجَنَّةِ وَفِي النَّارِ كَمَا كَانَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، فَلَمْ يَفْنَ خَلْقُهُمَا حَتَّى هَلَكَ مَنْ عَلَيْهَا وَصَارُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِلَى النَّارِ، وَكَذَلِكَ يَدُومُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِعَطَاءً لَهُمْ، يَعْنِي رِزْقًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، {غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: 108] ، يَقُولُ: غَيْرَ مَقْطُوعٍ عَنْهُمْ. قَالَ: وَيُقَالُ: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} [هود: 106]{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} ، حَبَسَهُمْ عَلَى الصِّرَاطِ يُعَذَّبُونَ، {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} : خُرُوجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَهُوَ الْجَهَنَّمِيُّونِ، {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] ، قَالَ: وَيُقَالُ: مَا دَامَتِ سَمَاءُ الْجَنَّةِ وَأَرْضُ الْجَنَّةِ، وَسَمَاءُ النَّارِ وَأَرْضُ النَّارِ، قَوْلُهُ: خُرُوجُهُمْ مِنَ النَّارِ، يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَدْرَ مَا مَكَثُوا فِيهَا بِذُنُوبِهِمْ، حَتَّى أُخْرِجُوا مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ "

ص: 333

607 -

أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، أَنْبَأَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْفَرَّاءُ، أَنْبَأَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ أَنْبَأَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُزَكِّي، قَالَا: ثنا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، ثنا أَبُو الْبَخْتَرِيِّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ، أَخِي بَنِي فِهْرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَمَا يُدْخِلُ أَحَدُكُمْ يَدَهُ فِي الْبَحْرِ، فَلْيَنْظُرْ بِمَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ»

⦗ص: 335⦘

هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي بِشْرٍ. وَفِي رِوَايَةِ جَعْفَرٍ قَالَ: قَالَ: «وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَضَعُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَا تَرْجِعُ» . وَقَالَ فِي إِسْنَادِهِ: سَمِعْتُ ابْنَ شَاذَانَ: أَبُو زَكَرِيَّا فِي إِسْنَادِهِ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ وَبَيْنَ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ مِسْعَرًا

ص: 334

608 -

وَكَذَلِكَ أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَامِدٍ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ، فِي الثَّالِثِ عَشَرَ مِنْ فَوَائِدِ الْأَصَمِّ، وَقَالَا فِي مَتْنِهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا كَمَا يُدْخِلُ أَحَدُكُمْ يَدَهُ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَا يَرْجِعُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي خَالِدٍ

ص: 335