الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ: " لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ
"
1282 -
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَزْرَقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهُوَ ابْنُ أَبِي الْخُوَارِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ "
⦗ص: 315⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَلَمْ نَجِدْ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا مُتَّصِلَ الْإِسْنَادِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، فَأَمَّا مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِيهَا، فَمِنْهَا مَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِمَّا لَا يَتَجَاوَزُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَمِنْ ذَلِكَ
مَا حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ، إِنَّهُ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَلْطِمُ وَجْهَ الرَّجُلِ وَيَقُولُ: إِنَّهُ صَرُورَةٌ " فَقِيلَ لِعِكْرِمَةَ وَمَا الصَّرُورَةُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: الَّذِي لَمْ يَحُجَّ وَلَمْ يَعْتَمِرْ
1283 -
وَمِنْهُ مَا قَدْ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَلَمْ يَذْكُرِ ابْنَ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ " قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا لَمْ يَحُجَّ: هُوَ صَرُورَةٌ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:" لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ "
وَمِنْهُ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ الْبَغْدَادِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الْأَعْرَجُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:" لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ " قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَلْطِمُ وَجْهَ الرَّجُلِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، ثُمَّ يَقُولُ: إِنِّي صَرُورَةٌ، فَيُقَالَ: ذَرُوا صَرُورَةَ وَجَهْلَهُ ، وَلَوْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فِي رَحْلِهِ، قُلْتُ لِعِكْرِمَةَ: وَمَا الصَّرُورَةُ؟ قَالَ: الَّذِي لَمْ يَحُجَّ وَلَمْ يَعْتَمِرْ ، أَوْ قَالَ: وَلَمْ يُضَحِّ أَوْ كَمَا قَالَ. وَمِنْهُ مَا يُرْوَى مَوْقُوفًا عَنْ عِكْرِمَةَ غَيْرَ مُتَجَاوِزٍ بِهِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ
كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: " كَانَ يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ: صَرُورَةٌ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِنَقِفَ عَلَى الصَّرُورَةِ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَكُونَ فِي الْإِسْلَامِ مَا هِيَ؟ فَوَجَدْنَا فِي حَدِيثِ فَهْدٍ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَلْطِمُ وَجْهَ الرَّجُلِ ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ صَرُورَةٌ،
⦗ص: 317⦘
فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ الْمَلْطُومُ هُوَ الصَّرُورَةُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ وَلَمْ يَعْتَمِرْ ، وَاحْتُمِلَ أَنَّ اللَّاطِمَ هُوَ الصَّرُورَةُ فَيُعْذَرُ فِي ذَلِكَ لِجَهْلِهِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ لَمْ يَحُجَّ وَلَمْ يَعْتَمِرْ ، فَأَرَدْنَا أَنْ نَقِفَ عَلَى حَقِيقَةِ ذَلِكَ فَوَجَدْنَا فِي حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُونُسَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ اللَّاطِمَ هُوَ الْمُرَادُ فِي ذَلِكَ لَا الْمَلْطُومَ
1284 -
وَأَجَازَ لَنَا هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَسْقَلَانِيُّ مَا ذَكَرَ لَنَا أَنَّ الْغَلَّابِيَّ حَدَّثَهُ إِيَّاهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، يَعْنِي الزُّبَيْرِيَّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَلْطِمُ الرَّجُلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَيَقُولُ: أَنَا صَرُورَةٌ، فَيَقُولُ: دَعُوا الصَّرُورَةَ بِجَهْلِهِ، وَإِنْ رَمَى بِجَعْرِهِ فِي رَحْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ " فَكَانَ فِي ذَلِكَ تَحْقِيقُ مَا ذَكَرْنَا. ثُمَّ احْتَجْنَا أَنْ نَقِفَ عَلَى إبَاحَةِ هَذَا الِاسْمِ وَاسْتِعْمَالِهِ فِي مَنْ لَمْ يَحُجَّ أَوْ فِي كَرَاهَتِهِ ، وَالنَّهْيِ عَنِ اسْتِعْمَالِهِ فَوَجَدْنَا فِي حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:" لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ " فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ فِي الْإِسْلَامِ ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ يُرَادَ بِهِ: أَنْ لَا يَبْقَى فِي الْإِسْلَامِ أَحَدٌ حَتَّى يَحُجَّ ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ انْقِطَاعُ هَذَا الِاسْمِ عَنِ النَّاسِ جَمِيعًا فِي الْإِسْلَامِ، فَتَأَمَّلْنَا ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الرَّجُلَ قَدْ يَعْجِزُ عَنِ الْحَجِّ إمَّا لِزَمَانَةٍ فِي
⦗ص: 318⦘
بَدَنِهِ ، وَإِمَّا لِقِلَّةٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ وَلَا يَحُجُّ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ مَنْ حَمَلَ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ ". أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ بَعِيدًا ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُتَخَلِّفَ عَنِ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ مُخْتَارًا لِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا كَانَ تَخَلُّفُهُ عَجْزًا لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا ، فَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ مَذْمُومًا بِذَلِكَ أَوْ يَكُونَ هَذَا الِاسْمُ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَا مِمَّا أُرِيدَ بِهِ ذَمُّ مَنْ يُسَمَّى بِهِ يَلْزَمُهُ ، وَلَمَّا بَطَلَ هَذَا التَّأْوِيلُ عَقَلْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ أَنْ لَا يُقَالَ هَذَا الْقَوْلُ لِأَحَدٍ ، وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي حَدِيثِ ابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ صَرُورَةٌ، وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُنْقَطِعًا مِمَّا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُنَا لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ
كَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللهِ: " لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي صَرُورَةٌ، فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَيْسَ بِصَرُورَةٍ "،
⦗ص: 319⦘
وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ
كَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ بِشْرٍ أَبِي إِسْمَاعِيلَ قَالَ: قُلْتُ لِعَامِرٍ: الصَّرُورَةُ؟ فَقَالَ: " أَيُّ شَيْءٍ الصَّرُورَةُ؟ لَيْسَ الصَّرُورَةُ شَيْئًا " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا أَوْلَى عِنْدَنَا ; لِأَنَّ الصَّرُورَةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الصَّرُّ عَلَى الشَّيْءٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللهِ جَلَّ وَعَزَّ:{وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] فَمَنْ كَانَ تَخَلُّفُهُ عَنِ الْحَجِّ لَيْسَ لِإِصْرَارِهِ عَلَى أَنْ لَا يَحُجَّ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِعَجْزٍ أَوْ لِمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الْحَجِّ عَنْهُ ، فَلَيْسَ صَاحِبُهُ بِمُصِرٍّ الْإِصْرَارَ الْمَذْمُومَ ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُصِرًّا لَمْ يَكُنْ صَرُورَةً، فَأَمَّا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ إبَاحَةُ هَذَا الْقَوْلِ
كَمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: كَانَ عَطَاءٌ يُقَالُ لَهُ: الصَّرُورَةُ، فَلَا يُنْكِرُهُ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَكَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ هَذَا الْقَوْلِ أَوْلَى عِنْدَنَا ; لِأَنَّهُ وَصْفٌ بِحَالٍ مَذْمُومَةٍ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ