الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ: " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَمِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ حَتَّى ذَكَرَ سِهَامَ الْخَيْرِ وَمَا يُجْزَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا بِقَدْرِ عَقْلِهِ
"
1301 -
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ سُقَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، حَتَّى ذَكَرَ سِهَامَ الْخَيْرِ، وَمَا يُجْزَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا بِقَدْرِ عَقْلِهِ "
⦗ص: 341⦘
فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَوَجَدْنَا مَنْ صَلَّى صَلَاةً مُقْبِلًا عَلَيْهَا حَتَّى وَفَّاهَا خُشُوعَهَا، وَقِيَامَهَا، وَقِرَاءَتَهَا، وَرُكُوعَهَا، وَسُجُودَهَا وَسَائِرَ مَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ
⦗ص: 342⦘
يَأْتِيَ بِهِ فِيهَا مِنْ فَرَائِضِهَا، وَمِنْ سُنَنِهَا، وَمِنَ الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا، وَتَرْكِ التَّشَاغُلِ بِغَيْرِهَا عَنْهَا كَانَ جَزَاؤُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ جَزَائِهِ لَوْ صَلَّاهَا عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ مِنْ تَرْكِ الْخُشُوعِ فِيهَا وَبِالتَّشَاغُلِ بِغَيْرِهَا عَنْهَا، حَتَّى كَانَ فِيمَا أَتَى بِهَا عَلَيْهِ ضِدًّا لِأَحْوَالِهِ الْأُوَلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِمَّا هُوَ مَحْمُودٌ عَلَيْهَا ، وَكَانَ فِي صَلَاتِهِ إِيَّاهَا عَلَى أَحْوَالِ الْحَمْدِ عَاقِلًا لَهَا وَفِي صَلَاتِهِ إِيَّاهَا عَلَى أَحْوَالِ الذَّمِّ غَافِلًا عَنْهَا يُجْزَى بِمِقْدَارِ عَقْلِهِ فِيهَا خِلَافَ مَا يُجْزَى عَلَى أَحْوَالِهِ فِي غَفْلَتِهِ عَنْهَا، وَمِنْ هَذَا عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا مِنْ قَوْلِهِ:" إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ وَمَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا نِصْفُهَا ". ثُمَّ ذَكَرَ أَجْزَاءَهَا حَتَّى تَنَاهَى إِلَى عُشْرِهَا ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الزَّكَاةُ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا بِأَعْلَى مَرَاتِبِ أَهْلِهَا فِيهَا مِنَ الْفَقْرِ إلَيْهَا ، وَمِنَ الزَّمَانَةِ وَالْعَجْزِ عَنْ غَيْرِهَا فِيمَا يُغْنِي عَنْهَا ، وَمِنَ التَّعَفُّفِ حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا ، وَتَرْكِ الْمَسْأَلَةِ لَهَا وَلِمَا سِوَاهَا مِنَ الصَّدَقَاتِ يَكُونُ جَزَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ خِلَافَ جَزَاءِ مَنْ وَضَعَهَا فِي مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فِي تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ لِسُؤَالِهِ النَّاسَ، وَاعْتِرَاضِهِ إِيَّاهُمْ، وَقُوَّتِهِ عَلَى اكْتِسَابِ مَا يُغْنِيهِ عَنْهَا ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللهِ عز وجل:{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاة اللهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ} . فَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ
مَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ، عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {وَتَثْبِيتًا مِنْ
⦗ص: 343⦘
أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 265] قَالَ: " يَتَثَبَّتُونَ أَيْنَ يَضَعُونَ أَمْوَالَهُمْ "
⦗ص: 344⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: يَعْنِي الَّتِي يَتَقَرَّبُونَ بِهَا إِلَى اللهِ عز وجل، فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ كَمَنْ يُعْطِيهَا مَنْ حَضَرَهُ بِغَيْرِ الْتِمَاسِ هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ، وَكَذَلِكَ الصِّيَامُ فِي تَرْكِ اللَّغْوِ فِيهِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الرَّفَثِ وَالْجَهْلِ فِيهِ جَزَاءُ مَنْ أَتَى بِهِ ، كَذَلِكَ خِلَافُ جَزَاءِ مَنْ أَتَى بِهِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ،
⦗ص: 345⦘
وَكَذَلِكَ الْحَجُّ مَنْ جَاءَ بِهِ بِلَا رَفَثٍ، وَلَا فُسُوقٍ، وَلَا جِدَالٍ فِيهِ، فَكَانَ جَزَاؤُهُ عَلَيْهِ خِلَافَ جَزَاءِ مَنْ جَاءَ بِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْمَحْمُودَةِ فِي الْأَصْنَافِ الَّتِي ذَكَرْنَا فَتُعْقَلُ مِنْ فَاعِلِيهَا لِأَفْعَالِهِمُ الَّتِي فَعَلُوهَا فِيهَا حَتَّى كَانُوا بِذَلِكَ مُسْتَحِقِّينَ لِمَا قَدْ وُعِدُوا عَلَيْهَا ، وَكَانُوا بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِمَّنْ شَغَلَتْهُ الْغَفْلَةُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى عَادَ بِذَلِكَ مَذْمُومًا فِي غَفْلَتِهِ تِلْكَ، جَاهِلًا بِمَا لَزِمَ مِنْهَا ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ سِهَامِ الْإِسْلَامِ هِيَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَكَانَ جَزَاءُ مَنْ عَقَلَهَا حَتَّى وَفَّاهَا مِنْ نَفْسِهِ خِلَافَ جَزَاءِ مَنْ جَهِلَهَا حَتَّى أَغْفَلَهَا وَلَمْ نَجِدْ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ أَحْسَنَ مِمَّا ذَكَرْنَا ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِهِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ