الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح نخبة الفكر (4)
الكلام على: (الحسن - وزيادة الثقة - والمحفوظ والشاذ - والمعروف والمنكر - والفرد - والمحكم - ومختلف الحديث
…
)
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
بل هذا ينفي أن يوجد كتاب أصح من صحيح مسلم وكونه ينفي وجود الأصح لا ينفي وجود المساوي، ولذا لا يحسن أن ينسب إليه الجزم بالأصحية، إذا قلت: لا يوجد أعلم من زيد، هل معنى هذا أنه لا يوجد مساوي له؟ أنت تنفي وجود الأعلم لكنك في الوقت نفسه لا تنفي وجود المساوي له في العلم، وعلى هذا لا يحسن أن ينسب إليه الجزم بالأصحية، وهذا يتأيد بحكاية قول ثالث في المسألة، وهو أن الصحيحين في مرتبة واحدة من حيث الأصحية، هما سواء، لكن جماهير أهل العلم والذي يشهد له الواقع أن صحيح البخاري أشد، أقوى في الصحة، أقوى وهو الذي يؤيده الواقع ويشهد له، لا شك أن الإمام البخاري يتحرى، ولا يعني أننا إذا قلنا: إن صحيح البخاري أصح أن في مسلم أحاديث غير صحيحة، لا، هناك الصحيح وهناك الأصح، على أن مسلماً -رحمه الله تعالى- يسوق الحديث في موضع واحد بطرقه وأسانيده، فيجعل الحديث الذي تكلم فيه من بين هذه الأسانيد المذكورة يرتفع وينجبر الكلام فيه بما ذكر معه.
أول من صنف في الصحيحِ
…
محمد وخص بالترجيحِ
ومسلم بعد وبعض الغرب مع
…
أبي علي فضلوا ذا لو نفع
وهذه المفاضلة إجمالية، ولا تعني أن كل حديث في صحيح البخاري أصح من كل حديث في صحيح مسلم، بل إجمالاً الأحاديث المحكوم عليها بأنها أصح في صحيح البخاري أكثر من الأحاديث الأصح في صحيح مسلم، ثم يلي ما خرجه مسلم في صحيحه عرفنا أن الدرجة الأولى المتفق عليه يعني ما خرجه الشيخان، الثاني: ما تفرد به البخاري، ثم ما تفرد به مسلم، ثم يلي ما خرجه مسلم متفرداً به ما حوى شرطهما، شرط الشيخين معاً، يعني عند غيرهم، وكثيراً ما نسمع الحاكم يقول: صحيح على شرطهما، صحيح على شرطهما، وأحياناً يقول: صحيح على شرط البخاري، وأحياناً يقول: صحيح على شرط مسلم، وأحياناً يقول: صحيح فقط من غير أن يضيفه إلى شرطهما أو شرط واحد منهما فما المراد بشرط الشيخين؟ اختلف العلماء في المراد بشرط الشيخين على أقوال:
جمع من أهل العلم يرون أن المراد بشرطهما رواتهما مع باقي شروط الصحيح، يعني إذا وجدنا هذا الحديث عند أبي داود مثلاً مخرج بإسناد خرج له البخاري ومسلم بالصورة المجتمعة نقول: صحيح على شرطهما، نعم، نقول: صحيح على شرطهما، وجدنا حديث عند أبي داود أو عند غيره من أصحاب السنن مخرج بسند خرج فيه البخاري أحاديث في الصورة المجتمعة ولم يخرج لهم أو لبعضهم مسلم نقول: صحيح على شرط البخاري، إذا وجدنا الحديث خرج برواة أخرج لهم البخاري بالصورة المجتمعة لا يعني أننا نلفق مجرد ما ننظر أن هذا الراوي مرموز له برمز البخاري ومسلم، نقول: شرط البخاري ومسلم ولو روى عن شخص ما روى عنه في الصحيحين أو أحدهم، لماذا؟ لأن بعض الرواة قد يوثق توثيق نسبي في روايته عن بعض الشيوخ، ويضعف في روايته عن آخرين، ولو كان الشيخ الثاني الذي ضعفت روايته عنه ثقة، يعني إذا كان شخص ملازم لشيخ فروى عنه تكون روايته مع طول الملازمة أقوى من رواية غيره، فهذا الشخص الذي لازم هذا الشيخ لو روى عن شيخ آخر ما لازمه تلك الملازمة المطلوبة تكون روايته أقل من روايته عن شيخه الذي لازمه، وإن كان الشيخان في رتبة واحدة من التوثيق، فلا بد من أن يكون الحديث على شرطهما من اجتماع الصورة واكتمالها، فلان عن فلان عن فلان بهذا خرج في الصحيح.
بهذا أقول: قال ابن الصلاح والنووي وابن دقيق العيد والذهبي والحافظ ابن حجر وجمع من أهل العلم، يقول السخاوي:"ويقويه تصرف الحاكم في مستدركه، فإذا كان عنده الحديث قد أخرجا معاً لرواته فإنه يقول: صحيح على شرط الشيخين"، يعني وإن كان الحديث عنده قد أخرج لرواته البخاري فقط قال: صحيح على شرط البخاري، وإن كان عند مسلم فقط قال: صحيح على شرط مسلم وهكذا، وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له قال: صحيح الإسناد فحسب ولا يضيفه إلى أحد الشيخين، فلا يقول: على شرطهما ولا على شرط واحد منهما.
ومن أصرح ما يستدل به من كلام الحاكم أنه خرج حديثاً من طريق أبي عثمان وقال بعده: صحيح الإسناد، وأبو عثمان ليس هو النهدي، ولو كان النهدي لقلت: إنه على شرطهما، هذا يقوي القول بأن المراد بشرط الشيخين رواة الصحيحين، واضح وإلا ما هو بواضح؟ نعم، طيب الحاكم نفسه في مقدمة المستدرك يقول:"وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات، احتج بمثلهم الشيخان" احتج بمثلهم، إيش يعني مثلهم؟ يعني ما احتج بهم أنفسهم، احتج بمثلهم الشيخان، ولم يحتج الشيخان بهم أنفسهم، هذا يخالف الكلام الذي قررناه؟ يخالف؛ لأن مثل الشيء ليس هو الشيء نفسه، إذا قلت: هذا الكتاب مثل هذا الكتاب يعني أن هذا الكتاب هو ذلك الكتاب؟ لا، واضح وإلا لا؟ ابن حجر يقرر أن هذا لا يؤثر على ما قرروه، لماذا؟ يقول:"المثلية تستعمل في حقيقتها وفي مجازها -تستعمل في حقيقتها وفي مجازها- فتستعمل في حقيقتها إذا أخرج لرواة غير رجال الصحيحين"، يعني مثل رجال الصحيحين وهم غيرهم، وتستعمل في مجازها إذا خرج لرواة أخرج لهم الشيخان بأنفسهم وأعيانهم، واستعمال اللفظ في معنييه عند الشافعية سائغ، استعمل اللفظ في آن واحد في حقيقته ومجازه ويمنعه الأكثر، ويستدل الحافظ بقصة شخص قال لآخر: اشترِ لي مثل هذا الثوب الذي معك، اشترِ لي مثل هذا الثوب الذي معك، فذهب الوكيل إلى صاحب الثوب نفسه واشترى الثوب، نعم، اشترى الثوب، فلما جاء إلى الموكل قال: أنا ما قلت لك: اشترِ لي الثوب، قلت لك: اشترِ لي مثل هذا الثوب، فتخاصما عند شريح القاضي، فألزم الموكل بأخذ الثوب وقال له: لا شيء أشبه بالشيء من الشيء نفسه، لا شيء أشبه بالشيء من الشيء نفسه، يعني هل هناك هدف للحاكم حينما يعدل عن رواة الصحيحين إلى أمثالهم ونظرائهم؟ هل هناك فائدة؟ نعم، ليس هناك فائدة، يعني لما ترى سيارة تعجبك مع شخص تقول: كم؟ يقول: والله هذه اشتراها فلان بعشرين ألف، تقول له: تراني أنا موكل لك إن وجدت لي مثل هذه، هذه فرصة مثل هذه السيارة بعشرين ألف، سيارة جيدة والسعر مناسب، فذهب إلى صاحب السيارة قال: أعطه إياه بالعشرين، هل لك أن تقول: أنا لا أريد السيارة نفسها أنا أريد مثلها؟ أنت ما حددت سيارة بعينها
تريدها، إنما أعجبتك هذه السيارة ولا شيء أشبه بها منها، فعلى هذا يكون استعمال الحاكم للمثلية هنا للرواة أنفسهم، وخرج في كتابه لرواة رأى من وجهة نظره أنهم مثل رواة الصحيحين في القوة، وإن كان بينهم مفاوز؛ لأن الحاكم -رحمه الله تعالى- معروف تساهله، ذهب الحاكم أبو عبد الله إلى أن شرطهما أن يروي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابي زال عنه اسم الجهالة بأن يروي عنه تابعيان عدلان، ثم يروي عن التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة، وله راويان ثقتان ثم يرويه عنه من أتباع التابعين حافظ متقن وله رواة من الطبقة الرابعة، ثم يكون شيخه البخاري أو مسلم حافظاً مشهوراً بالعدالة في روايته"، هل هذا الكلام صحيح؟ ألا يوجد وحدان في الصحيحين مما ليس إلا راوٍ واحد؟ وجد، إذاً كلام الحاكم هنا غير دقيق، وهذا الذي رد عليه في اشتراط التعدد في الرواية وأنه شرط للصحيح، لما تكلم على العزيز قال:
وليس شرطاً للصحيح فاعلمِ
…
وقيل: شرط وهو قول الحاكمِ
هذا هو، وعلى هذا فقوله ضعيف هنا، واعترض على هذا القول بما في الصحيحين من الغرائب بالنسبة للأحاديث، ومن الوحدان بالنسبة للرواة، قال ابن طاهر في شروط الأئمة:"شرط البخاري ومسلم أن يخرج الحديث المجمع على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور، شرط البخاري ومسلم أن يخرج الحديث المجمع على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور واعترض على هذا القول بأنهما قد خرجا لبعض من مس بضرب من التجريح، فعلى هذا لم يتفق على هؤلاء الرواة، بعض الرواة في الصحيحين قد تكلم فيه، إذاً هم غير متفق عليه، وقال الحازمي: "شرط البخاري أن يخرج ما اتصل إسناده بالثقات المتقنين الملازمين لمن أخذوا عنهم ملازمة طويلة، وقد يخرج أحياناً -هذا شرط البخاري- أن يخرج ما اتصل إسناده بالثقات المتقنين الملازمين لمن أخذوا عنهم ملازمة طويلة"، خلاصة ما يقوله الحازمي أن للرواة مع شيوخهم أحوال، أو يمكن أن يقسم الرواة إلى طبقات:
الطبقة الأولى: من اتصفوا بالضبط والإتقان مع ملازمة الشيوخ، هذه الطبقة الأولى.
الطبقة الثانية: من شاركوا الأولى في الضبط والحفظ والإتقان، وخفة ملازمتهم للشيوخ.
الطبقة الثالثة: من لازموا الشيوخ مع خفة في الضبط والحفظ والإتقان لا يصل إلى حد القدح.
الطبقة الرابعة: من ضعف فيهم الأمران، خفة ملازمتهم للشيوخ مع خفة ضبطهم وحفظهم وإتقانهم.
الطبقة الخامسة: يقول: نفر من الضعفاء والمجهولين.
فالطبقة الأولى هم شرط البخاري الذين اتصفوا بالأمرين معاً: الحفظ والضبط والإتقان مع ملازمة الشيوخ، وقد ينزل فينتقي من أحاديث الطبقة الثانية الذين هم ما زالوا في الحفظ والضبط والإتقان، لكن خفة ملازمتهم للشيوخ.
الإمام مسلم يستوعب أحاديث الطبقة الأولى والثانية، وقد ينزل إلى الثالثة من لازموا الشيوخ مع كونهم خف ضبطهم وإتقانهم شيئاً يسيراً، ينزل إلى الطبقة الثالثة التي هي شرط أبي داود والنسائي، وقد ينزل أبو داود والنسائي إلى الطبقة الرابعة التي هي شرط أبي عيسى الترمذي وابن ماجه، وأما الطبقة الخامسة فلا يعرج عليها إلا أبو عيسى الترمذي أحياناً وابن ماجه، إذا تصورنا هذه الطبقات الخمس للرواة عرفنا ترتيب الكتب وشدة تحري أصحابها، هذا خلاصة ما قاله الحازمي في شروط الأئمة الخمسة، وعلى كل حال الأصح من هذه الأقوال هو القول الأول، وهو أن المراد بشرط الشيخين رواتهما.
وأرفع الصحيح مرويهما
…
ثم البخاري فمسلم فما
شرطهما حوى فشرط الجعفي
…
فمسلم فشرطُ غيرٍ يكفي
وعلى هذا تخرج لنا سبعة أقسام: ما اتفق الشيخان على إخراجه، ما انفرد البخاري بتخريجه، ما انفرد مسلم بإخراجه، ما كان على شرطهما معاً، ما كان على شرط البخاري، ما كان على شرط مسلم، قسم سابع: ما صح عند غيرهما مما هو ليس على شرطهما، وعلى هذا على طالب العلم أن يعتني بما اتفق عليه الشيخان؛ لأنه أصح الصحيح، ما اتفق عليه الشيخان أصح الصحيح، وألفت فيه الكتب، منها:(زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم) هذا كتاب لأحد الشناقطة مطبوع مع شرحه في خمسة أجزاء، لكن ترتيبه غث، أجود منه في الترتيب (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان) لمحمد فؤاد عبد الباقي اعتمد فيه ترتيب مسلم، ومسلم مبدع في الترتيب، ولو اعتنى الإنسان بنفسه وتوصل إلى المتفق عليه بجهده كان أفضل من أن يقلد أحداً، ومن السهولة أن يطلع الإنسان على ما اتفق عليه، الآن كل شيء متيسر، تحفة الأشراف إذا وجدت الرمز فيه الخاء والميم فهو متفق عليه، بهذه الطريقة تجمع ما اتفق عليه الشيخان، وتعتني به وتجعله ديدنك، ثم تعتني بما تفرد به البخاري؛ لأنه هو الدرجة الثانية بعد المتفق عليه، فتأخذ ما زاد عند البخاري، ثم تأخذ ما زاد عند مسلم، بعضهم يقول: أختصر فأخذ البخاري جملة، ثم أخذ زوائد مسلم هذا جيد، هذا جيد وفي ضوء هذا تدرك ما اتفق عليه الشيخان، لكن أولويات المسألة والعمر لا يتسع لحفظ الجميع ومطالعة الجميع دفعة واحدة، فإذا اعتنى الإنسان في المتفق عليه وتصوره وحفظه -إن أمكن- صار مباشرة يسمع حديث يقول: هذا حديث متفق عليه؛ لأنه استخرج هذه الأحاديث بنفسه وتعب عليها، الذي يحفظ العمدة -عمدة الأحكام- مجرد ما يسمع حديث من أحاديث العمدة يقول: هذا في الصحيحين؛ لأن من شرط صاحب العمدة أن يكون مما اتفق عليه، وإن أخل بشرطه أحياناً، لكن هذا نافع لطالب العلم زاد له في المستقبل، ثم بعد هذا يأخذ ما زاد على ما اتفق عليه، ما انفرد به البخاري ثم ما انفرد به مسلم، ثم يأخذ زوائد أبي داود على الصحيحين، ثم زوائد الترمذي، ثم زوائد النسائي، ثم زوائد ابن ماجه، ثم يأخذ زوائد الموطأ والمسند وهكذا ويضيف، ولتكن عنايته ومطالعته ومدارسته للكتب الأصلية بأسانيدها يقرأ ويحلل
ويعتني ويشرح ويراجع الشروح على الكتب الأصلية، الحفظ قد لا يتسنى له الكتب الأصلية بأسانيدها بهذه الطريقة التي ذكرناها، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
اللفظ ليس مقصوداً، إذا اتحد الصحابي والمعنى واحد فهو متفق عليه، إذا اتحد الصحابي والمعنى واحد فهو متفق عليه، ولو اختلف المتن.
طالب:. . . . . . . . .
أقول: في النوع الذي يجمع للحفظ نعم.
طالب: المتابعات والشواهد.
المتابعات والشواهد، أقول: المتابعات والشواهد هي داخلة في كتاب تلقته الأمة بالقبول، وليس فيها الضعيف نعم، قد يوجد فيها ما ينزل عن شرطه، نعم لأنه لم يعتمد عليه، قد يوجد فيها من تكلم فيه بكلام خفيف؛ لأن البخاري أو مسلم لم يعتمد على هذا الإسناد، اعتمد على غيره، ويأتي ذكر المتابعات والشواهد وأنه يتسامح فيها ما لا يتسامح ويتجاوز في الأصول، يأتي هذا -إن شاء الله- قريب.
طالب:. . . . . . . . .
هذه مسألة مهمة والإخوان الذين يوجهون الطلاب إلى الحفظ ويعتنون به كانوا في أول الأمر يعتنون بلفظ مسلم، ويأخذون زوائد البخاري، حصل في هذا مناقشات طويلة، وحجتهم في ذلك أن مسلم يعتني بالألفاظ، بألفاظ الرواة وينبه على الاختلاف، ولو كان يسيراً لا يترتب عليه فائدة، وهذا يدل على دقة تحريه، حدثنا فلان وفلان واللفظ لفلان، حدثنا فلان وفلان قال فلان: أخبرنا، وقال الآخر: حدثنا، يعتني بهذه الأمور بدقة، ويبين فروق الروايات باستيعاب لهذه الفروق، البخاري ما يعتني بهذا أبداً، البخاري ما يعتني بهذا، قد يروي الحديث عن مجموعة اثنين ثلاثة ومع ذلكم لا يبين صاحب اللفظ، لكن ظهر بالاستقراء من صنيعه أن اللفظ يكون للأخير، اللفظ يكون للأخير، هل هذا يرجح لفظ مسلم على لفظ البخاري؟ ويكون ترجيح مسلم في الحفظ على البخاري له وجه أو لا؟ له وجه وإلا ما له وجه؟ أقول: لا وجه له، لماذا؟ الإمام مسلم حينما يبين ألفاظ هؤلاء الرواة الذين أخرج الحديث من طريقهم نعم، وقد جوزنا لهؤلاء الرواة أن يرووا بالمعنى، هل معنى هذا أننا نجزم الذي في صحيح مسلم هو لفظ النبي عليه الصلاة والسلام؟ هو لفظ من نسب إليه من الرواة بدقة، الإمام مسلم يتحرى في هذا، الإمام البخاري ينقل عن رواة وكلهم ثقات ما رووه عن النبي عليه الصلاة والسلام بالمعنى؛ لأن جماهير أهل العلم يجوزون الرواية بالمعنى، فنحن نجزم أن هذا اللفظ لقتيبة بن سعيد من شيوخ مسلم لا لأبي بكر بن أبي شيبة، لكن هل نجزم أن قتيبة بن سعيد روى لنا اللفظ النبوي وهو من يجوز الرواية بالمعنى؟ بينما لو وجد في البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف ومحمد بن سلام نعم وما بين لفظ أحدهما، ما نجزم أن هذا لفظ هذا أو ذاك، لكن نجزم أن هذين وهما من الثقات رووا لنا هذا الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام بالمعنى، وقد يكون رووه باللفظ، فمسلم حين يبين لنا أن هذا اللفظ عن هذا الراوي بدقة، أو عن هذا الراوي بدقة لن يخرج عن كون الرواية بالمعنى جائزة، فهذا اللفظ المسوق لهذا الرواي، لكن هل هذا اللفظ هو لفظ النبي عليه الصلاة والسلام؟ نعم، الله أعلم.
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، أنا أقول لك: مسلم لما يروي الحديث عن مجموعة من رواته -من الرواة- يقول: واللفظ لفلان، لفظ الخبر الذي ساقه لفلان، أي هو رجح هذا اللفظ على اللفظ الثاني حدثنا قتيبة بن سعيد نعم وأبو بكر بن أبي شيبة ويحيى بن يحيى ثلاثة، واللفظ ليحيى، إذاً ما الذي لأبي بكر بن أبي شيبة وقتيبة؟ المعنى قطعاً، وكل من الثلاثة روى الحديث بالمعنى، لا يلزم أن يكون رووه باللفظ، ما الذي يدرينا أن قتيبة أو يحيى رواه باللفظ عن النبي عليه الصلاة والسلام؟ بينما البخاري يروي عن هؤلاء الثلاثة أو اثنين مثلاً ولا يقول: اللفظ لفلان، هل يختلف صنيع هذا عن صنيع هذا بالنسبة لما ينسب إلى النبي عليه الصلاة والسلام؟ ما يختلف ترى، ما في كبير اختلاف، وإن كان بالاستقراء ظهر أن اللفظ الذي يسوقه البخاري للثاني منهما، للأخير وليس للأول، يعني مسلم حينما يعتني ببيان صاحب اللفظ ويهمله البخاري وعرف من طريقته وقاعدته المطردة أنه للأخير منهما لا يعني أن هذا لفظ النبي عليه الصلاة والسلام، ولا أن ذاك لفظ النبي -عليه
الصلاة والسلام-؛ لأن جماهير أهل العلم يجوزون الرواية بالمعنى، وإلا فماذا لو قال: حدثنا قتيبة بن سعيد ويحيى بن يحيى واللفظ، نعم لقتيبة مثلاً، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وآخر من شيوخه واللفظ لفلان ثم جاء لنا بلفظ مخالف عن لفظ الأول، كون هذا لفظ أبي بكر بن أبي شيبة صرح به أنه لفظ أبي بكر بن أبي شيبة، والأول لفظ قتيبة بن سعيد ونقارن بينهما المعنى واحد، لكن هل نجزم أن هذا لفظ النبي أو ذاك؟ الله أعلم.
لا نشك في أن هذا المعنى قاله النبي عليه الصلاة والسلام، جماهير أهل العلم على تجويز الرواية بالمعنى على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
فعلى هذا ينبغي أن يعتني طالب العلم بصحيح البخاري، ويصرف جل همه وأكثر وقته لصحيح البخاري، يعني بعد كتاب الله عز وجل هذا الأمر ما يختلف فيه أحد، ثم يأخذ زوائد مسلم من مسلم على البخاري، ثم يأخذ زوائد أبي داود وهكذا، وبالتدريج لو يحرر كل يوم حديث أو حديثين أو ثلاثة ما يأخذ له عشر سنين إلا وهو منهي الستة، منهي الستة، لكن الإشكال أننا نتعاظم، كم عشرين مجلد؟ مستحيل تحفظ هذه، والتسويف وطول الأمل كل هذا يعوق عن التحصيل، والله الآن إجازة الناس رايحين جايين خلي بيننا ارتبطنا بدنا ما نروح ولا نجي إلى بداية الدراسة، إذا جاءت الدراسة الآن ننتبه لرمضان خليه إذا أفطرنا -إن شاء الله-، ثم إذا أفطر قال: الحين جاء الحج، وإذا تفرغنا بدأ الحج خلاص ما صار عندنا شيء، بعد الحج لا والله جاءت الاختبارات خلينا بالإجازة وهذا .. ، العمر يفوت هكذا، العمر يضيع بهذه الطريقة، لكن من .. ، إذا هممت بأمر خير فاعجل، خلاص قررت ابدأ اليوم، لو تحفظ حديث في اليوم أو آية في اليوم، خليك أسوأ الناس حفظ، على أسوأ الاحتمالات أنك أسوأ الناس حفظ احفظ آية، احفظ آية، عشرين سنة وتحفظ القرآن كامل، لكن تقول: اليوم، غداً، بكرة، الإجازة، ليالي الشتاء المباركة، في نهار الصيف الطويل، ثم خلاص ينتهي العمر وما سويت شيء، ونعرف بعض الشباب وهم أئمة مساجد يحفظون رياض الصالحين، كيف حفظ رياض الصالحين؟ وفي أحد اتجهت همته لحفظ رياض الصالحين؟ نعم، ما في أحد، ليش؟ كيف حفظوا رياض الصالحين؟ بعد صلاة العصر يقرأ على الجمع أحاديث، حفظ الحديث يكلفه شيء؟ يقرأ حفظ بدل ما يقرأ في الكتاب، الحديث ثلاثة أسطر أربعة يحفظه ثم يلقيه على الجماعة سنة واحدة أو سنة ونصف وهو منتهي من الكتاب أو سنتين، وصار عنده خير عظيم من أحاديث الآداب والأخلاق التي يهملها كثير من الناس، لكن مع التدريج، التدريج وترك التسويف وطرح طول الأمل، والله المستعان، يعني إذا حدثتك نفسك أنك إذا جاءت الإجازة تحفظ من يضمن لك أن تدرك الإجازة، والله المستعان.
يقول: ما هي المنهجية المثلى في طلب علم الحديث؟
علم الحديث يشمل القواعد التي يتوصل بها إلى الإثبات والنفي، إلى القبول والرد، وهذا ما يعرف بعلوم الحديث ومصطلح الحديث، وعلم الحديث يطلق ويراد به أيضاً الهدف والغاية الذي هو ما يضاف إلى النبي عليه الصلاة والسلام من قول أو فعل أو تقرير، فما يتعلق بعلوم الحديث وقواعده عرفنا أن طالب العلم عليه أن يسلك الجادة، الطريق المتبع عند أهل العلم فيبدأ بالمختصر وليكن .. ، تكن البداية بالنخبة مثلاً، ثم اختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، ثم الألفية، فإذا أتقن هذه الكتب وضبطها وراجع عليها الشروح وسمع ما عليها من أشرطة فإنه يكون حينئذ أتقن العلم نظرياً على طريقة المتأخرين، وعلى قواعدهم.
يبقى أنه عليه أن يطبق يخرج الأحاديث، وينظر في الأسانيد، ويصحح ويضعف أيضاً على قواعد المتأخرين، فإذا تمرن وتمكن وصارت لديه أهلية للنظر والموازنة بين الطرق، وعرف المخالفة والموافقة واختلاف الرواة، واستطاع أن يحاكي المتقدمين في طريقتهم في أحكامهم على الأحاديث تعين عليه ذلك؛ لأن المتأخرين عالة على المتقدمين، وهذا انتيهنا منه.
علم الحديث الذي هو المتن المضاف إلى النبي عليه الصلاة والسلام، الجادة والطريقة عند أهل العلم أن يبدأ بالمتون الصغيرة، فيحفظ الأربعين، ثم العمدة، ثم البلوغ، ثم بعد ذلكم يقرأ في الكتب المسندة، ويعتني بالصحيحين، ويجعل جل همه للبخاري ثم مسلم، فإذا أتقن الصحيحين انتقل إلى السنن فعني بسنن أبي داود والترمذي، ثم مرحلة ثالثة يعنى بسنن النسائي وابن ماجه ثم ينتقل بعد ذلك إلى المسند والموطأ وغيرها من كتب السنة.
على كل حال هذا خير ما يسلك، لكن بعض الناس يقرأ في الكتب الطويلة وهو ما حفظ الكتب الصغيرة المختصرة، هذا يضيع غالباً، على كل حال العلم مثل السطح يحتاج إلى سلم تصعد فيه درجة درجة حتى تصل، فإذا قرأت في المتون المختصرة وحفظتها، وقرأت شروحها وأتقنتها لك أن ترقى بعد ذلك للكتب المطولة المسندة، وإذا كانت الحاجة تسعف وهناك مزيد حفظ، فليعتني بحفظ الكتاب والسنة؛ لأنهم .. ، هما العدة وهم العمدة التي يعتمد عليها طالب العلم في تأصيل علمه وتأسيسه.
الحديث الحسن ظني الثبوت فهل هو ظني الدلالة أيضاً؟
لا ترابط بين الثبوت والدلالة، لا ترابط بين الثبوت والدلالة، فقد يكون الخبر قطعي الثبوت ظني الدلالة، وقد يكون العكس، قد يكون بالعكس قطعي الثبوت ظني الدلالة.
ما رأيكم في قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] من حيث الثبوت؟
قطعي، لكن دلالة {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} على صلاة العيد مثلاً أو نحر الهدي والأضحية، أو على وضع اليدين على النحر، هل دلالته على هذه المسائل قطعية؟ لا ليست قطعية، إنما هي ظن راجح فهي ظنية، هنا الدلالة ظنية والنص قطعي، هناك أدلة ظنية دلالتها على المسائل قطعية لا تحتمل أكثر من معنى، فالخبر الصحيح إذا لم تحتف به قرينة فهو ظني، الخبر الحسن إذا لم تحتف به قرينة فهو ظني، ومع كونه ظنياً من حيث الثبوت إلا أنه قد يكون قطعياً في الدلالة بحيث لا يحتمل معناه غير ما يتبادر إلى الذهن، فيكون نصاً في الموضوع، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراج العواتق والحيض إلى صلاة العيد، هذا أمر لا يحتمل غير الأمر، فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان، هل في احتمال أن يكون معنى الحديث أنه فرض زكاة المال مثلاً؟ لا، زكاة الفطر من رمضان نص في الباب فهو قطعي الدلالة، وإن كان ثبوته ظنياً، نعم.