المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عرفنا أن المعتمد عند أهل العلم أنه لا يمكن أن - شرح نخبة الفكر للخضير - جـ ٤

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: عرفنا أن المعتمد عند أهل العلم أنه لا يمكن أن

عرفنا أن المعتمد عند أهل العلم أنه لا يمكن أن يطلق على سند بأنه صح مطلقاً، لماذا؟ لو نظرنا إلى ما اختاره الإمام البخاري إمام أهل الحديث، واختار الإمام البخاري أن أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر، ابدأ بابن عمر هل هو أوثق الصحابة وأضبطهم؟ هل هو أعدل من أبيه وأوثق من أبيه؟ لا، هل هو أضبط من أبي هريرة وأحفظ من أبي هريرة؟ لا، إذاً في الصحابة من هو أوثق وأضبط منه، فكيف نقول: إن ما جاءنا من طريق ابن عمر أصح الأسانيد؟ ننظر إلى نافع الذي بعده الأكثر على أن سالم أجل من نافع، إذاً كيف نقول بقول البخاري وهو يقول: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر؟ يعني في قول الإمام أحمد وقد تلافى مسألة نافع فقال: سالم، ما رواه سالم عن الزهري عن أبيه، يبقى المشكلة في ابن عمر هل هو أوثق من أبيه؟ لنقول: إن ما يرويه أصح مما يرويه أبوه؟ هذه المسألة حقيقة الكلام في أصح الأحاديث، أصح الأسانيد، أصح الكتب كل هذه أمور نسبية، إجمالية، إجمالية، فحينما نقول: إن البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله لا يعني أن كل حديث في البخاري أصح من كل حديث في مسلم، إنما هو ترجيح إجمالي، والله المستعان.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سم.

‌الحسن لذاته:

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "فإن خف الضبط: فالحسن لذاته، وبكثرة طرقه يصحح، فإن جمعا فللتردد في الناقل حيث التفرد، وإلا فباعتبار إسنادين".

ص: 13

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "فإن خف الضبط فالحسن لذاته"، المراد إذا خف الضبط يعين قل الضبط المشترط للصحيح لذاته الذي سبق وهو تمامه مع بقية الشروط مع توافر بقية الشروط، قلنا: إن المشترط لصحة الحديث: عدالة الرواة، تمام الضبط، اتصال السند، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة، نشترط للحسن لذاته: عدالة الرواة، الضبط -لا نقول: تمام الضبط- يخف قليلاً، اتصال الإسناد، انتفاء الشذوذ، انتفاء العلة، إذا خف الضبط ولم يصل إلى حد يكون فيه الراوي سيء الحفظ ولا كثير الغلط، فإنه ينزل حديثه من درجة الصحيح إلى درجة الحسن لذاته، فالحسن لذاته ما اتصل إسناده بنقل عدل خف ضبطه، غير معل ولا شاذ، ما اتصل إسناده بنقل عدل خف ضبطه غير معل ولا شاذ، هذا ما اختاره الحافظ ابن حجر رحمه الله، وتبعه جمع ممن جاء بعده.

عرفه الخطابي بقوله: "ما عرف مخرجه واشتهر رجاله"، فلم يشترط انتفاء الشذوذ، ولا انتفاء العلة، وفيه مناقشات طويلة حول تعريف الخطابي، وأجوبة لا يتسع المقام لبسطها.

الترمذي عرف الحسن بقوله: "كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا، ً ويرى من غير وجه نحو ذاك"، فاشترط لتسمية الحديث حسناً ثلاثة شروط، لكنه لم يشترط اتصال السند، فيدخل فيه المنقطع بكافة أنواعه، ولم يشترط انتفاء العلة القادحة، فيدخل فيه المعل.

ابن الجوزي عرف الحسن بقوله: "الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل"، هناك مناقشات طويلة حول هذا التعريف حتى قال السخاوي: إنه ليس على طريقة التعاريف، ما فيه ضعف قريب محتمل، هذا ليس على طريقة التعاريف يعني التي من شرطها أن تكون جامعة مانعة، لا شك أن الحسن لكونه مرتبة متوسطة مترددة بين الصحة والضعف صعب الحد، تعريفه فيه صعوبة، حتى حكم جمع من أهل العلم أنه ميئوس من تعريفه، لماذا؟ لأنه مرتبة متوسطة، السقف معروف، والأرض معروفة، لكن الهواء الذي بينهما؟ إما أن يطلع حتى يقرب من السقف، أو ينزل نزولاً شديداً حتى يقرب من الأرض، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:

والحسن المعروف مخرجاً وقد

اشتهرت رجاله بذاك حد

(حمد) -يعني الخطابي- وقال الترمذي: ما سلم

من الشذوذ مع راوٍ ما اتهم

ص: 14

بكذب ولم يكن فرداً ورد

قلت: وقد حسن بعض ما انفرد

وقيل: ما ضعف قريب محتمل

فيه وما بكل ذا حد حصل

كل هذه التعاريف ما حصل بها الحد.

وقيل: ما ضعف قريب محتمل

فيه وما بكل ذا حد حصل

فأقرب التعاريف هو تعريف الحافظ الذي ذكره هنا، "بكثرة طرقه يصحح" الحسن لذاته إذا جاء من أكثر من طريق كل منها حسن بذاته فإنه يصل إلى درجة الصحيح لغيره، فالصحيح لغيره هو الحسن لذاته إذا تعددت طرقه، يقول ابن حجر: "لأن للصورة المجموعة قوة تجبر القدر الذي قصر به ضبط راوي الحسن عن راوي الصحيح، عرفنا أن راوي الصحيح في الدرجة العليا من الضبط، وراوي الحسن أقل منه، فإذا جاء من يعضده ممن هو على مستواه نعم، في درجته في الحفظ الذي هو أقل من حفظ راوي الصحيح يجبر بعضهم بعضاً، وينجبر هذا بذاك، ومن ثم تطرق الصحة على الإسناد الذي يكون حسناً لذاته لو تفرد إذا تعدد، يعني إذا تعدد يكون الحديث صحيحاً، وإن لم يكن صحيحاً لذاته بل هو صحيح لغيره، ومثلوا له بحديث محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) رواه الترمذي، وقال: صحيح لأنه قد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا يقول الحافظ العراقي:

والحسن المشهور بالعدالة

والصدق راويه إذا أتى له

طرق أخرى نحوها من الطرق

صححته كمتن (لولا أن أشق)

إذ تابعوا محمد بن عمرِو

عليه فارتقى الصحيح يجري

ارتقى إلى درجة الصحيح لأن محمد بن عمرو بن علقمة توبع وهو في حفظه شيء، عدل لكن في حفظه شيء ينزل حديثه من درجة الصحيح إلى درجة الحسن.

ص: 15

"فإن جمعا فللتردد في الناقل حيث التفرد وإلا فباعتبار إسنادين" إن جمع الحكم بالصحة والحسن على حديث واحد، يعني إذا قيل: هذا حديث حسن صحيح، هل يمكن أن يقال: هذا حديث حسن صحيح؟ نعم؟ نعم، قال الترمذي كثيراً:"هذا حديث حسن صحيح"، هذا فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ ما في إشكال؟ استشكل الجمع بين الصحة والحسن، لا شك أنه مشكل، لماذا مشكل؟ لأنك إذا قلت: هذا حديث حسن حكمت عليه بالدرجة الدنيا، وإذا قلت: صحيح حكمت عليه بأنه بالدرجة العليا، فكونك تجمع بين حكمين مختلفين على شيء واحد هذا لا شك أنه مشكل، يعني لما تنجح في الاختبار ما يقال لك: إيش تقديرك؟ تقول: جيد جداً ممتاز، صحيح وإلا لا؟ تقديرك جيد جداً ممتاز، جيد جداً يعني حسن، ممتاز يعني صحيح، فيه إشكال وإلا ما فيه إشكال؟ فيه إشكال؛ لأنك إذا حكمت عليه بالصحة حكمت بأنه بلغ الدرجة العليا، وإذا قلت: حسن أنزلته عن هذه الدرجة، لا شك أنه مشكل، والإشكال مع اتحاد الجهة، لكن إذا انفكت الجهة انتهى الإشكال، إيش معنى هذا الكلام؟ خلونا في مثالنا العادي إذا قيل: ما تقديرك؟ تقول: جيد جداً ممتاز، إيش جيد جداً ممتاز؟ تقول له: التقدير العام جيد جداً وفي التخصص ممتاز، نقول: كلامك صحيح، مثله إذا قال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح" إن كان مروي من طرق فهو من طريق صحيح ومن طريق حسن، هذا ما فيه إشكال، ولذا يقول الحافظ:"فإن جمعا فللتردد في الناقل حيث التفرد، وإلا فباعتبار إسنادين"، فباعتبار إسنادين واحد صحيح وواحد حسن، طيب، إذا قال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح غريب"، هل نقول: إنه صحيح من طريق حسن من طريق آخر وهو ما له إلا طريق واحد؟ يأتي الاحتمال الأول للتردد في الناقل، يعني الذي حكم على الحديث متردد ما جزم، شاك في الراوي هل يبلغ درجة الصحيح في الضبط والحفظ والإتقان أو ينزل عنها فيكون مما خف ضبطه متردد في الخبر، متردد في حكمه على الحديث تبعاً لتردده في الحكم على ناقله.

ص: 16