المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ما الذي يترتب على هذا الكلام؟ يترتب عليه أننا إذا - شرح نخبة الفكر للخضير - جـ ٧

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ما الذي يترتب على هذا الكلام؟ يترتب عليه أننا إذا

ما الذي يترتب على هذا الكلام؟ يترتب عليه أننا إذا درسنا إسناد ووجدنا فيه راوي قيل عنه في كتب الجرح والتعديل: "مجهول" إن قلنا: الجهالة جرح نقول: الحديث ضعيف؛ لأن فيه راوٍ مجهول، وإذا قلنا: عدم علم بحال الراوي قلنا: الحكم التوقف حتى نعرف حال هذا الراوي المجهول، فرق بين الحكم بالضعف مباشرة وبين التوقف حتى نتبين، وسيأتي لهذه المسألة مزيد بيان -إن شاء الله تعالى-.

‌البدعة:

الوجه التاسع من أوجه الطعن في الراوي البدعة: والبدعة في الأصل: اختراع الشيء لا على مثال سابق، اختراع الشيء لا على مثال سابق، يقال: ابتدع فلان بدعة يعني ابتدع طريقة لم يسبقه إليها سابق، سواءً كانت هذه الطريقة مذمومة أو ممدوحة، وأكثر ما يستعمل الابتداع عرفاً في الذم، والله سبحانه وتعالى بديع السماوات والأرض، يعني هو الخالق والمخترع لهما لا على مثال سابق، فعيل: بمعنى مفعِل، أبدع فهو مبدع.

واصطلاحاً: كل ما أحدث في الدين بعد النبي عليه الصلاة والسلام، كل ما أحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية من كتاب أو سنة فهو بدعة.

عرفها الشاطبي بأنها: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية -يعني يتعبد بها مخترعها- يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية، والابتداع شامل لما تخترعه القلوب، وتنطق به الألسنة، وتفعله الجوارح، كما قرره الطرطوشي، يعني الابتداع يكون في الأقوال والعقائد والأفعال.

تقسيم البدع: بعض العلماء قسم البدع إلى قسمين: بدع حسنة، وبدع قبيحة سيئة، قال ابن الأثير:"البدعة بدعتان: بدعة هدى وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه ورسوله فهو في حيز المدح" فقسم البدعة إلى ممدوحة ومذمومة، هل يوافق على هذا الكلام؟ "ما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه رسوله فهو في حيز المدح" هذا بدعة؟ هذا واقع فيما ندب .... ، في عموم النصوص ليس بقول مخترع.

ص: 3

من القسم الأول وهي البدعة الممدوحة، البدعة الحسنة قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قيام رمضان:"نعمت البدعة هذه، نعمت البدعة هذه" رواه البخاري، فهي بدعة حسنة، ويدل على القسم الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: ((كل بدعة ضلالة)) رواه مسلم، قسم البدع العز بن عبد السلام إلى خمسة أقسام: واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة، ثم قال:"والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشرع، فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة"، ثم مثل لهذه الأقسام بأمثلة.

لكن الشاطبي -رحمه الله تعالى- لم يرتضِ هذا التقسيم بل رده وقوض دعائمه في الاعتصام حيث يقول: "هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي لا من نصوص الشرع ولا من قواعده، إذ لو كان هناك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثم بدعة".

يقول العز بن عبد السلام: "فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة" والشاطبي يقول: "إذ لو كان هناك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثم بدعة"، كيف نسميها بدعة وفي قواعد الشرع وعموماته ما يدل على وجوبها؟ "ولو كان العمل داخلاً في عموم المأمور به أو المخير فيه فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعاً وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين" كلام صحيح.

يعني كيف نقول بدعة واجبة بدعة مستحبة؟ من الذي أوجبها؟ إذا قلنا: بدعة واجبة من الذي أوجبها؟ إن كان الذي أوجبها الشارع ولو بالعموم يعني يشملها عموم نصوص فليست ببدعة، سبق لها شرعية من الشرع، فليست ببدعة، فإذا قلنا: إن هذه بدعة واجبة جمع بين متناقضين، إذاً كيف نجيب عن قول عمر في صلاة التراويح:"نعمت البدعة" سماها بدعة ومدحها فدل على أن من البدع ما يمدح، كيف نجيب؟ نعم؟

طالب:. . . . . . . . .

طيب، هو سماها بدعة.

طالب:. . . . . . . . .

ص: 4

بدعة لغوية، البدعة في اللغة: ما عمل على غير مثال سابق، ما عمل على غير مثال سابق، هذه عملت على غير مثال سابق؟ أو عملت على مثال سبق من فعل النبي عليه الصلاة والسلام في ليلتين أو ثلاثة؟ وكونه عدل عنها لا رغبة عنها ونسخاً لها وإنما خشية أن تفرض.

الإجابة عن قول عمر رضي الله عنه حمل شيخ الإسلام ابن تيمية البدعة في قول عمر في اقتضاء الصراط المستقيم على البدعة اللغوية لا الشرعية، حيث قال في معرض رده التقسيم المذكور:"أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حسنها وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعم كل ما فعل ابتداءً من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية: فهي ما لم يدل عليه دليل شرعي، وذلك أن البدعة –هذا كلام شيخ الإسلام- في اللغة تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سابق"، هل صلاة التراويح عملت على غير مثال سابق ليتم ما قاله شيخ الإسلام؟ نعم؟

طيب حمل شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- البدعة في قول عمر إنما يتم لو لم يصلِ الرسول عليه الصلاة والسلام صلاة التراويح قبل عمر، نعم، لو لم يفعلها النبي عليه الصلاة والسلام قلنا: صحيح هذه الصلاة ما عملت على مثال سابق، فتصير بدعة لغوية، أو على الأقل لو لم يصلها جماعة، يعني صلاها النبي عليه الصلاة والسلام منفرد، وعمر جمع لها الناس فصار الابتداع في جمع الناس عليها، لكن النبي عليه الصلاة والسلام فعلها وفعلها جماعة، فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعلها على مثال سابق، وهو فعل الرسول عليه الصلاة والسلام وتعليله الترك بخشية أن تفرض، إذاً هي ليست بدعة لا لغوية ولا شرعية؛ لأنها من حيث اللغة لا ينطبق عليها التعريف اللغوي؛ لأنها عملت على مثال سباق، والشرعية سبقت شرعيتها من فعله عليه الصلاة والسلام.

ص: 5