الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بم يعرف الوضع
؟
عرفنا الخبر الموضوع، المكذوب، الملصق، المنسوب إلى النبي عليه الصلاة والسلام زوراً وبهتاناً، وعرفنا الأسباب الأسباب الحاملة لمن اقترف هذه الجريمة إلى ما صنع، والآن نعرض إلى شيء يعرف به الحديث الموضوع:
ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- في المنار المنيف أن من تضلع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها ملكة، وله اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه، فيما يأمر به وينهى عنه، ويخبر عنه، ويدعو إليه ويحبه ويكرهه، ويشرعه للأمة بحيث يصير كأنه مخالط للرسول صلى الله عليه وسلم كواحد من أصحابه، فمثل هذا يعرف من أحوال الرسول عليه الصلاة والسلام وهديه وكلامه، وما يجوز أن يخبر به وما لا يجوز ما لا يعرفه غيره، يقول: وهذا شأن كل متبع مع متبوعه، فإن للأخص به الحريص على تتبع أقواله وأفعاله من العلم بها والتمييز بين ما يصح أن ينسب إليه وما لا يصح، ما ليس لمن لا يكون كذلك، وهذا شأن المقلدين مع أئمتهم يعرفون أقوالهم ونصوصهم ومذاهبهم.
هذا ظاهر لو أن شخصاً أحضر آخر ليخدمه بالأجرة ولزمه في الخدمة أكثر الوقت فإنه لا يحتاج إلى وقت طويل حتى يعرف ما يحب هذا الرجل وما يكره، وما يأكل وما يمنع منه إلى غير ذلك، ويعرف أن مثل هذا القول يمكن أن يصدر عنه، إذا درس وضعه ونفسيته وما لا يمكن أن ينسب إليه، وهذا إدراكه سهل بالنسبة للمتبوعين مع من يتبعون، والعلماء الفقهاء التابعون للمذاهب يعرفون ما يمكن أن ينسب إلى إمامهم وما لا ينسب، فلو جاء شخص نسب إلى الإمام أحمد قولاً لا يجري على قواعده وأصوله لبادر الحنابلة بتكذيبه، وهكذا بقيت المذاهب، وذلك لأنهم عرفوا ما يعجب الإمام أحمد وما لا يعجبه، وعرفوا أصوله وفروعه، كذلكم من اعتنى بسنة النبي عليه الصلاة والسلام فإنه مع العناية والتحري وطول المذاكرة والمدارسة يعرف ما يمكن أن يضاف إلى النبي عليه الصلاة والسلام وما لا يمكن أن يضاف إليه.
يقول السراج البلقيني: إن لأئمة الحديث علامات يعرفون بها الموضوع، وشاهد ذلك أن إنساناً لو خدم إنساناً سنين وعرف ما يحب وما يكره فجاء إنسان وادعى أنه يكره شيئاً يعلم ذلك أنه يحبه فبمجرد سماعه يبادر إلى تكذيب من قال: إنه يكرهه، وعلى ضوء تلك المعرفة من قبل هؤلاء النقاد مع خشيتهم من التباس الأمر على من يأتي بعدهم، هبوا لوضع علامات يعرف بها الموضوع، ويميز بها بين الصحيح من غيره، من هذه العلامات وإن لم تكن علامة إلا أنها يعرف بها أن الخبر موضوع:
إقرار الواضع: بأن يقر الواضع أنه وضع الحديث بعينه، كإقرار عمر بن صبح بأنه وضع خطبة نسبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إقرار الواضع، يعني إذا قال الواضع: إنه كذب على النبي عليه الصلاة والسلام فوضع هذا الحديث، هل يكفي إقراره للحكم على الخبر بأنه موضوع؟ نقول: نعم يكفي إذا لم يعرف إلا من طريقه، نحكم عليه بأنه موضوع، إذا لم نعرفه إلا من طريقه، أما إذا ورد من طرق أخرى يثبت بها فلا.
ابن دقيق العيد قال: "وهذا" يعني إقرار الواضع يعني أن إقرار الواضع "كاف في تركه "وهذا -يعني إقرار الواضع- كاف في تركه، لكنه ليس بقاطع في كونه موضعاً لجواز أن يكون كاذباً في هذا الإقرار" كاذباً في هذا الإقرار، متى يتصور أنه كاذب؟ إذا أراد أن يفوت على الأمة العمل بهذا الخبر، فلو افترضنا أن جهمياً قال: أنا وضعت حديث ينسبه إلى النبي عليه الصلاة والسلام يذم الجهمية، يذم به الجهمية، أو يذم به القدرية، لو قال معتزلي: إنه هو الذي وضع حديث: ((القدرية مجوس هذه الأمة)) يصدق؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ هو يريد أن يبطل العمل بهذا الحديث أو يريد أن يقوي العمل بهذا الحديث، نعم؟ لو جاء شخص مثلاً حنفي إلى حديث يستدل به المالكية على مسألة يختلفون فيها مع الحنفية، فقال الحنفي: إنه هو الذي وضع هذا الحديث من أجل أن يبطل العمل به على المالكية، ما يصدق في إقراره، ومثله لو حصل الخلاف بين سني ومعتزلي فقال المعتزلي: أنه هو الذي وضع الحديث الذي يحتج به السني أو العكس، لا يقبل إقراره؛ لأنه يريد أن يفوت العمل بهذا الحديث الذي هو حجة عليه، يقول ابن حجر:"وقد فهم منعه –يعني كلام ابن دقيق العيد- بعضهم أنه لا يعمل بذلك الإقرار أصلاً، وليس ذلك مراده، وإنما نفى القطع بذلك، ولا يلزم من نفي القطع نفي الحكم؛ لأن الحكم يقع بالظن الغالب وهو هنا كذلك" الحكم معلق بالظن، حينما أقر أنه وضع هذا الخبر يغلب على الظن أن الخبر موضوع، لكن من هذا الطريق، من طريقه يغلب على الظن أنه موضوع، لكن لو ثبت لنا من طريق غيره نعم عملنا به، وكون الحديث يروى من طرق صحيحة ويأتي من طريق كذاب لا يضره، يقول:"ولولا ذلك لما ساغ قتل المقر بالقتل، ولا رجم المعترف بالزنا لاحتمال أن يكونا كاذبين فيما اعترفا به".
لو وجد قتيل لا يعلم قاتله، فجاء شخص يريد أن ينتحر فقال: بدلاً من أن ينتحر بدون مقابل لعله يكون سبب في إنقاذ القاتل الحقيقي وقدم نفسه وقال: إنه هو القاتل، أو قدم نفسه وقال: إنه زنى وهو محصن ليرجم، وبدلاً من أن ينتحر بنفسه يتخلص من هذه الحياة على حد زعمه، وينقذ القاتل الحقيقي، يؤاخذ بإقراره، يؤاخذ بإقراره؛ لأن إقراره يورث غلبة ظن، وإلا لو قلنا: إنه احتمال أن يكون كاذباً لما اعتمد شيء من الإقرارات، والإقرار كما هو معروف أقوى من البينات.
الأمر الثاني: ما يتنزل منزلة إقراره كأن يحدث بحديث عن شيخ ثم يسأل عن مولده فيذكر تاريخاً يعلم وفاة ذلك الشيخ قبله، ولا يوجد ذلك الحديث إلا عنده، فهذا لم يعترف بوضعه، ولكن اعترافه بوقت مولده يتنزل منزلة إقراره في الوضع، يعني لو روى حديث عن شخص قلنا: متى مات هذا الشخص؟ قال: سنة مائة، وأنت متى ولدت؟ قال: سنة مائة وعشر كيف تروي عنه؟ هذا ينزل منزلة الإقرار، هو ما أقر بالوضع، لكنه في حكم الواضع.
الأمر الثالث: ما يؤخذ من حال الراوي بحيث تقوم قرينة من حاله تدل على أن ذلك المروي موضوع، من أمثلته ما أخرجه الحاكم عن سيف بن عمر التميمي أنه قال: كنا عند سعد بن طريف فجاءه ابنه يبكي فقال: ما لك؟ قال: ضربني المعلم، قال: لأخزينهم اليوم، هذه قرينة لأخزينهم اليوم، حدثني عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً:"معلمو صبيانكم شراركم، أقلهم رحمة لليتيم، وأغلظهم على المساكين"، الظرف الذي قيل فيه هذا الكلام قرينة على أنه كاذب لأخزينهم اليوم.
الأمر الرابع: ما يؤخذ من حال المروي، وله عدة وجوه، منها: ركاكة معنى الحديث، سواءً ضم إليها ركاكة لفظه أم لا، أما ركاكة اللفظ وحدها فلا تكفي دليلاً على الوضع عند جمهور المحدثين الذين جوزوا الرواية بالمعنى؛ لأن هذه الركاكة يحتمل أن تكون من تصرف الرواة، لا سيما والرواية بالمعنى جائزة عند الجمهور.
كون الحديث مناقضاً لما جاء به القرآن الكريم أو السنة الصحيحة الصريحة مناقضة بينة، فكل حديث يشتمل على فساد، أو ظلم، أو مدح باطل، أو ذم حق، أو نحو ذلك فرسول الله صلى الله عليه وسلم منه بريء.
مخالفة الحديث لصريح العقل، في هذا يقول ابن الجوزي:"كل حديث رأيته يخالف المعقول أو يناقض الأصول فاعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره"، لكن أي عقل يعتبر في مخالفة مثل هذه الأحاديث؟ الكلام على العقل الصريح، السليم، الذي لم تجتله الشياطين بالشهوات والشبهات، وليس في هذا مدخل لمن يسمي نفسه بالعقلاني، أو العقلانيين أن يعارضوا السنن بعقولهم المفتونة الضالة، كمن يعترض على حديث الذباب، يقول: لا أعتقد أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول هذا الكلام في حال كونه مبلغاً عن الله، وإلا فمن أين للذباب أن يدرك الجناح الذي فيه الداء والجناح الذي فيه الدواء؟ بعقله يرد الحديث الصحيح، هذا الكلام باطل لا شك أن لمثل هذه الحشرات والحيوانات قوى مدركة، وإلا فمن أين للنملة إذا أدخلت قوتها أن تقسم الحبة إلى نصفين لئلا تنبت؟ المقصود بالعقل الذي ينظر في الخبر الذي يخالفه العقل الصريح، فالعقل الصريح السليم من الأهواء، الباقي على الفطرة المستقيمة مثل هذا ينظر إليه، ولا يوجد خبر صحيح يناقض العقل الصريح.
لشيخ الإسلام رحمه الله كتاب عظيم اسمه: (درء معارضة العقل للنقل) ما يمكن أن يعارض العقل الصريح النقل الصحيح، واسم الكتاب كما في بعض النسخ:(موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول).
مخالفة الحديث للحس والمشاهدة وحقائق التاريخ: نعم إذا تضمن الحديث مخالفة للحس والمشاهدة لا شك أنه علامة على أنه غير ثابت، وهذه الأحاديث التي يحكم عليها بهذه القواعد هي الأحاديث التي لا تثبت بالأسانيد، أم الأحاديث التي تصح أسانيدها فإنها لا تعارض بمثل هذا، بل ينظر في الحس، أي حس وأي مشاهدة، وإلا قال بعضهم في حديث مخرج في صحيح البخاري:((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) قالوا: هذا مخالف للواقع، ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) يقول بعض المفتونين: هذا مخالف للواقع كيف؟ ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) وغاندي حكمت الهنود سنين وأفلحوا، وتاتشر حكمت الانجليز وأفلحوا، وجلدمائير حكمت اليهود وهزمت العرب، إذاً الحديث هذا غير صحيح؛ لأنه مخالف للواقع والحس، نقول: أي واقع تعيشه أيها المسكين، تعارض حديث في صحيح البخاري بمثل هذه الفاجرات العاهرات، نسأل الله العافية، العبرة بالمسلمين الذين للرجال على النساء القوامة، أما بالنسبة للكفار مع أن عموم الحديث يتناولهم فكثير منهم أقل مرتبة من النساء؛ لأنهم في أحكام الحيوانات بل هم أضل، إذا مسخت الفطر قالت مثل هذا الكلام، نسأل الله السلامة والعافية.
من الأمارات كون المروي خبراً عن أمر جسيم تتوافر الدواعي على نقله ثم لا يرويه إلا واحد، فإن انفرد هذا الواحد برواية هذا الحديث مع جسامة موضوعه وعظيم شأنه دل على أن هذا الواحد مختلق كذاب.
ونكرر ونعيد أنه إذا لم يوجد الحديث في دواوين السنة المعتبرة بالأسانيد الصحيحة فإنا نجري عليه هذه القواعد، وإلا فأي أمر جسيم أعظم من النية المشترطة لجميع العبادات، ولم ينقلها عن النبي عليه الصلاة والسلام إلا عمر بن الخطاب، وقد خطب به عمر بن الخطاب على المنبر فلم ينقله عنه إلا علقمة بن وقاص الليثي، ولم ينقله عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولم ينقله عنه إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، هذا شرط لكل عبادة، هذه أمر جسيم، وتتوافر الدواعي على نقله وما نقله إلا هؤلاء، والحديث صحيح مجمع على صحته، لماذا؟ لأنه ثابت الأسانيد في الصحيح في دواوين الإسلام المعتبرة، لكن لو وقفنا على حديث لا يوجد في دواوين الإسلام إما في كتاب تاريخ أو في كتاب أدب أو ما أشبه ذلك، أو يتناقله الناس نعرضه على هذه القواعد، ونحكم عليه بذلك، يعني كون الخطيب يقتل على المنبر ولا ينقل الخبر من الحاضرين إلا واحد لا شك أن هذه أمارة على أنه كذب، لكن هذا الكلام لا يطرد في الأحاديث التي تروى بالأسانيد الصحيحة.
أن يكون المروي قد تضمن الإفراط بالوعيد الشديد على الأمر الهين اليسير، ومثاله:((من أكل الثوم ليلة الجمعة فليهوِ في النار سبعين خريفاً)) يعني إذا رتب الوعيد الشديد على أمر هين يسير إذا كان هذا الوعيد جاء بسند صحيح وفي ديوان معتبر من دواوين السنة ما المانع؟ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [(23) سورة الأنبياء]((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً)) كلمة، لكنها من سخط الله، أمر هين يسير، لكنه لا يلقي لها بالاً ((فيهوي فيها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب)) هذا في صحيح البخاري، هل نقول: إن هذا شيء عظيم على عمل يسير؟ ما نقول مثل هذا أبداً، قد يخلد الشخص في النار بسبب كلمة يكفر بها، وهي كلمة أمر يسير.
بالمناسبة الثوم الوارد في الخبر الموضوع السابق لما سئل عنه النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم أحرام هو؟ قال: ((لا أحرم ما أحل الله))، وهنا يقول:((من أكل الثوم ليلة الجمعة فليهوِ في النار سبعين خريفاً)) هذه أمارة على وضعه، لكن ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً تكون من سخط الله يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب)) هذا في البخاري، هل يستطيع أحد أن يطبق عليه مثل هذه القاعدة؟ لا، فهذه القواعد لأحاديث لا تروى بأسانيد ولا توجد في دواوين الإسلام.
أو يتضمن الإفراط بالوعد العظيم على الفعل القليل، ومثاله:((من صلى الضحى كذا وكذا أعطي ثواب سبعين نبياً)) مثل هذا الكلام يمكن أن يصدر من النبي عليه الصلاة والسلام؟ وأن العبد لو عُمِّر عمر الدنيا ومكث ساجداً وقلنا: إن هذا مشروع بالنسبة له هل يساوي ثواب نبي واحد؟ لا يمكن، والله المستعان.
ليس من هذا ما يروى بالأسانيد الصحيحة في كتب السنة في الصحيحين وغيرهما: ((من قال في يوم مائة مرة: سبحان الله وبحمده حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) سبحان الله وبحمد في دقيقة ونصف تقال مائة مرة، هذا ثواب عظيم على أمر يسير، لكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، كم من محروم يسمع مثل هذا الكلام ولا يقوله، وليس من ذلك:((من صلى الصبح ثم جلس في مجلسه يذكر الله حتى إذا طلعت الشمس صلى ركعتين كان له أجر حجة تامة)) ليس من هذا، والحديث قابل للتحسين.
من السهل اليسير على الناس أن يذهب إلى مكة ويأخذ عمرة أو يأخذ حجة سهل ميسر على نفسه، لكن من يجلس بعد صلاة الصبح إلى أن تنتشر الشمس؟ هذا من أشق الأمور على النفس، لا سيما من لم يتعود ذلك ويمرن نفسه على ذلك، من السهولة بمكان أن تركب السيارة وتنتقل من بلد إلى بلد، لكن من الصعوبة أن تقوم من فراشك إذا بقي على صلاة الصبح ساعة وتصلي ما كتب لك، أعمال يسيرة لكنها بالنسبة لمن يسرها الله عليه، وإلا فالجنة حفت بالمكاره كما هو معلوم.
المقصود أن مثل هذه القواعد لا تطبق على الأحاديث التي تروى بأسانيد ثابتة في الكتب المعتبرة مهما تضمنت من الوعد أو من الوعيد.
من الأمارات الدالة على وضع الحديث: عدم وجود الحديث في بطون الأسفار بعد تدوين السنن، فإذا فتشت هذه الأسفار وهذه الكتب المعتمدة عند أهل العلم، ولم يظفر به فيها، فإنه يعلم كذبه، لعلمنا أن الأخبار قد دونت، ما نقله ابن الصلاح عن البيهقي، يعني إذا سمعنا حديث وبحثنا عنه في الكتب ما وجدناه، من أين جاء به صاحبه؟ لا بد أن يكون موضوعاً؛ لأن السنة دونت.
ولا يقول قائل: إن الأئمة يحفظون مئات الألوف من الأحاديث ولا وصلنا إلا عشر ذلك، نقول: لا، الأمة معصومة من أن تفرط بشيء من دينها، بل الدين كله محفوظ، ما فرط بشيء منه، لكن الأئمة يحفظون الأحاديث بأسانيدها، فرب حديث يروى من مائة طريق يعدونه مائة حديث، ولا يتصور أن الأمة بكاملها فرطت بشيء من دينها، فإذا نقل الحديث من تقوم به الحجة اكتفوا به عن غيره، وغير ذلك من العلامات التي نصبها الأئمة دلائل على وضع الحديث وليس معنى ذلك أن هذه العلامات يسيرة معلومة لكل إنسان، وإنما ذلك لجهابذة الحديث فقط، فهم الذين لديهم الأدوات الصحيحة التي يميزون بها صحيح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من غيره تمييزاً دقيقاً، ليس لكل أحد أن يقول: أنا أعرف من خلال هذه العلامات أن أطبق على الأحاديث التي تمر علي، يأتي إلى حديث في السنن؟ نقول: لا، هذا حديث تضمن وعد عظيم على عمل يسير، أو وعيد، أو مخالف للحس والمشاهدة، أي حس؟ مخالف للمعقول أي عقل؟ هذا للأئمة.
حكم رواية الحديث الموضوع: اتفق العلماء على تحريم رواية الأحاديث الموضوعة مع العلم بوضعها، سواءً كانت في الأحكام، أم في القصص والترغيب والترهيب ونحوها، إلا مع بيان وضعها، فمن بين فهو مثاب على صنيعه فإنه ينفي الزغل عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما من يرويه من غير أن يبين حاله فهو آثم شديد الإثم لحديث:((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبَين)) ((أو الكاذبِين)) رواه مسلم في مقدمة الصحيح، وبهذا نعلم خطأ من أورد الموضوعات من المفسرين كالنقاش والثعلبي والواحدي والزمخشري والبيضاوي، وإسماعيل حقي وغيرهم، هؤلاء أوردوا أحاديث موضوعة في فضائل السور، النقاش والثعلبي والواحدي والزمخشري والبيضاوي، هؤلاء أوردوها وسكتوا، أما إسماعيل حقي فأوردها وجاء بالحجة السخيفة التي احتج بها من يقول: إننا لا نكذب على النبي عليه الصلاة والسلام بل نكذب له، قال: إن كانت ثابتة فبها ونعمت وإن لم تكن ثابتة فقد قال الأول: إننا لم نكذب على النبي وإنما كذبنا له، وهذا جهل، جهل شديد، الدين ليس بحاجة إلى دعاية أبداً، الدين كامل شامل، ليس بحاجة إلى ترويج بالأقوال الباطلة المزيفة، وكذلك من أوردها من الفقهاء والمؤرخين والأدباء وغيرهم، كثير في كتب هؤلاء، كتب الفقه كتب التاريخ، الأدب، فيها موضوعات كثيرة، فلا يجوز أن تروى هذه الأحاديث الموضوعة إلا مقرونة ببيان كذبها، ولا يجوز للخطيب أن يلقي على الناس في خطبة الجمعة أحاديث لا يعرف حكمها، لعموم حديث:((من حدث عني بحديث يرى -ما يلزم أن يرى هو لو رآه بعض السامعين- يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبِين)) لا بد أن يتأكد مما يلقي، إذا روى حديثاً موضوعاً لتحذير الناس منه لا بد أن يبين أنه موضوع، في السابق كان الأئمة يكتفون بذكر الإسناد؛ لأن الناس يعرفون من خلال الإسناد يعرفون درجة الحديث، ثم بعد ذلكم لما حذفت الأسانيد واختصرت، صار الناس يكتفون بقولهم: هذا حديث صحيح، هذا حديث ضعيف، هذا حديث موضوع، لكن آل الأمر إلى أن لا تعرف هذه الاصطلاحات، يعني ما يكفي أن يؤتى بحديث موضوع على المنبر ويقول الخطيب: هذا حديث موضوع، عامة الناس لا يعرفون موضوع، الموضوع، إيش الموضوع؟
لا بد أن يقول: هذا مكذوب على النبي عليه الصلاة والسلام، يأتي بكلام يفهمه المخاطب.
وقد حصل أن الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- سئل عن حديث فقال: "هذا حديث مكذوب لا أصل له"، فقام إليه شخص ممن ينتسب إلى العلم من الأعاجم، فقال: "كيف تقول يا شيخ: هذا مكذوب وهو موجود في كتب السنة بالأسانيد يروى بالأسانيد؟ فأحضره من الموضوعات لابن الجوزي، فتعجبوا من كونه لا يعرف موضوع الموضوع، والآن عامة الناس بل كثير من المثقفين ما يعرف معنى كلمة موضوع، فعلى هذا لا بد من البيان، والله المستعان.
المتروك:
قال الحافظ: "والثاني: المتروك" الثاني يعني حديث المتهم بالكذب يسمى المتروك، وهو في اللغة: اسم مفعول من الترك يقال: تركه يتركه تركاً وتركاناً، واتركه كافتعله، والتريكة كسفينة البيضة بعد أن يخرج منها الفرخ، والتريك العنقود إذا أكل ما عليه، فهي فعيل بمعنى مفعول، فكل هذه متروكة، فالعنقود إذا أكل ما عليه، البيضة إذا خرج منها الفرخ كلها متروكة؛ لأنها لا فائدة فيها، فالمتروك ما لا فائدة فيه.
واصطلاحاً: هو الحديث الذي في إسناده راوٍ متهم بالكذب، وعرفنا متى يتهم الراوي بالكذب؟ إذا روى حديثاً مخالف للقواعد بحيث لا يروى إلا من طريقه يتهم بالكذب، إذا كان مشتهراً بالكذب في كلامه مع الناس، في كلامه العادي، ولم يعرف عنه الكذب في حديث النبي عليه الصلاة والسلام مثل هذا يتهم بالكذب.
وهذا النوع مستقل ذكره الحافظ، وإن لم يذكره قبله ابن الصلاح ولا النووي، ومثاله: ما رواه ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس قدر ما إذا فرغ من رميه صلى الظهر، فهذا الحديث متروك؛ لأنه من رواية إبراهيم بن عثمان العبسي، وهو متروك الحديث كما في التقريب وغيره.