الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سم.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "فالأول: الموضوع، والثاني: المتروك، والثالث: المنكر على رأي، وكذا الرابع والخامس ثم الوهم إن اطلع عليه بالقرائن وجمع الطرق فالمعلل، ثم المخالفة إن كانت بتغيير السياق فمدرج الإسناد، أو بدمج موقوف بمرفوع فمدرج المتن، أو بتقديم أو تأخير فالمقلوب، أو بزيادة راو فالمزيد في متصل الأسانيد، أو بإبداله ولا مرجح فالمضطرب، وقد يقع الإبدال عمداً امتحاناً أو بتغيير مع بقاء السياق فالمصحف والمحرف".
بعد أن أنهى الحافظ -رحمه الله تعالى- أوجه الطعن في الراوي على سبيل اللف أخذ ينشر ما يتعلق بهذه الأوجه ويبينها بالتفصيل، فقال -رحمه الله تعالى-:"فالأول الموضوع" يقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أن حديث صاحب الوجه الأول من أوجه الطعن وهو الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى الموضوع، وهذا الشروع منه -رحمه الله تعالى- في تفصيل ما أجمله في الأوجه العشرة.
تعريف الموضوع:
فالموضوع: اسم مفعول يقال: وضع الشيء من يده يضعه وضعاً، وموضعاً وموضوعاً حطه، ويقولون: في حسبه ضعة انحطاط ولؤم وخسة، وقد وضع الدين أي أسقطه، قال ابن دحية:"الموضوع الملصق، يقال: وضع فلان على فلان عاراً إذا ألصقه به، والوضع أيضاً الحق والإسقاط".
واصطلاحاً: هو المختلق المصنوع المفترى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمي بذلك لأن الأحاديث التي اختلقها الفسقة ساقطة ومنحطة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هي كلام غيره، وقد استنكر العلماء على الخطابي وابن الصلاح قولهما إنه شر الأحاديث الضعيفة، الموضوع شر الأحاديث، فهم بهذه العبارة يجعلون الموضوع من الحديث، واستنكر عليهما؛ لأن الموضوع ليس من الحديث النبوي، وأفعل التفضيل إنما يضاف إلى بعضه، أفعل التفضيل إنما يضاف إلى بعضه، وقد أجيب بأنهما لم يقصدا بالأحاديث الأحاديث النبوية، بل مرادهما ما هو أعم من ذلك، وهو ما يتحدث به، ما يتحدث به يشمل ما يضاف إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وما يضاف إلى غيره، أو سمي بذلك تجاوزاً حسب دعوى من اختلقه.
أسباب الوضع:
أسباب الوضع: الأسباب التي حملت بعض الناس على اختلاق الأحاديث وافترائها على رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة جداً، لكن يمكن أن نجمل أهمهما فيما يلي:
الأول: التقرب إلى الله تعالى بوضع الحديث ترغيباً للناس في الخيرات، وترهيباً من فعل المنكرات، وهؤلاء قوم ينسبون إلى الزهد والصلاح، وهم شر أنواع الوضاعين لقبول الناس موضوعاتهم ثقة بهم، ومن هؤلاء أبو عصمة نوح بن أبي مريم، لا شك أن عامة الناس يثقون بمن يؤثر الآخرة على الدنيا، الناس يثقون به، الزاهد الذي لا نظر له في الدنيا، بل متجه بكليته إلى الآخرة، مثل هذا محل عناية من الناس يحترمونه ويقدرونه ويثقون بكلامه، فمثل هذا إذا صاحب هذا الزهد جهل وأراد أن ينفع الدين، ويفتري ويكذب على النبي عليه الصلاة والسلام من أجل أن يرد الناس إلى الدين مثل هذا يثق به الناس فصار ضررهم أشد من غيرهم.
السبب الثاني: قصد الواضع إفساد الدين على أهله، وتشكيكهم فيه وهذا إنما صدر عن الزنادقة كعبد الكريم بن أبي العوجاء ومحمد بن سعيد المصلوب.
الأمر الثالث: الانتصار للمذاهب، ولا سيما أصحاب الأهواء والبدع كالخطابية وبعض السالمية، فقد وضعوا أحاديث نصرة لمذاهبهم، أو ثلباً لمخالفهم، فقد روي عن رجل من أهل البدع رجع عن بدعته فقال:"انظروا هذا الحديث ممن تأخذون، فإنا كنا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثاً" وهذا موجود في أهل الأهواء والبدع بكثرة يستجيزون وضع الأحاديث نصرة لمذاهبهم، ويوجد مع الأسف الشديد في بعض من ينتسب إلى الفقهاء الأربعة من يضع الحديث تأييداً لمذهبه، أو تنقصاً لمذهب غيره، ذكر عن بعض الحنفية أنه إذا كان الحكم يدل عليه القياس الجلي فلا مانع من أن تركب له إسناد وتضيفه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، هذا ضلال، نسأل الله العافية.
وضع في مثالب الأئمة: "يكون في أمتي شخص يقال له: محمد بن إدريس هو أضر على أمتي من إبليس" أعوذ بالله هذا الإمام الشافعي.
بعض الجهال من المنتسبين إلى المذاهب الأخرى من باب التنافس بعض المساكين يظن أنه لا يرتفع إلا بغمط الآخرين، وإمامه ومتبوعه لا يرتفع إلا إذا تنقص الآخرين هذا الكلام ليس بصحيح، مع الأسف الشديد نجد بعض طلاب العلم إذا سئل عن بعض الناس غمطه حقه، يظن بذلك أنه يرتفع هو، لا والله، بل العكس، يرتفع لو ذكر أخاه بما يدافع به عن عرضه، ويذب عنه وينزله منزلته من غير تنقص ولا إطراء، فإذا مدح أخاه ارتفع بذلك، أعني الأمر سهل إذا كان شخص يشجع النادي الفلاني وآخر يشجع النادي الفلاني ووقع هذا في هذا عادي النفوس مجبولة على هذا، لكن ممن ينتسب إلى العلم يضع الحديث في مثالب الإمام الفلاني لأنه خالف إمامه بمسائل، أو من باب المشادة والمشاحة، ونعرف أنه في هذا الباب يقع الإنسان في الخطأ في باب المفاضلة والمشاحة، ولذا جاء النهي عن التفضيل بين الأنبياء لما قال اليهودي:"والذي فضل موسى على البشر" فلطمه مسلم، فشكاه إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال:((لا تفضلوا بين الأنبياء)) وقال في الحديث الآخر: ((لا تفضلوني على يونس بن متى)) هذا متى؟ هذا في باب المشادة والمشاحة لئلا يتطرق الطرف الثاني إلى تنقص الكامل، لكن إذا سلمت المسألة من المشاحة صارت من طرف واحد لا مانع من التفضيل وإنزال الناس منازلهم، أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(253) سورة البقرة] والله المستعان.
من الأسباب التي حملت الوضاعين على الوضع: الرغبة في التكسب والارتزاق كبعض القصاص الذين يتكسبون بالتحدث إلى الناس فيوردون بعض القصص المسلية والعجيبة حتى يستمع إليهم، حتى يستمع إليهم الناس ويعطوهم، وقد اشتهر بذلك جماعة منهم أبو سعيد المدائني.
الخامس: قصد الواضع التزلف إلى الخلفاء والنفاق لهم لتتسع لهم مجالسهم وتنفق سوقه عندهم.
المشكلة أن هؤلاء السمار الذين ينادمون الكبار تجدهم يتقربون إليهم بكل شيء، بكل ما يتمكنون إليه ليتمكنوا من قلوبهم ويعطوهم، يتزلفون، ومسألة الارتزاق بالدين مسألة معروفة قديماً وحديثاً، بعض الناس يرتزق وراء هذا الدين، يتكسب من ورائه، فتجده يبرر لهؤلاء الخلفاء والأمراء بعض أعمالهم المحرمة، وإن كان من أهل العلم لكنه مرتزق، يعني إذا كلم الوالي عن الربا مثلاً وانتشاره في بلد من البلدان، فجاء هذا المرتزق المتزلف فقال: النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح يقول: ((إنما الربا في النسيئة))، يعني ربا الفضل الذي تزاوله البنوك ما فيه شيء، هذا مرتزق بلا شك، وإلا لا يمكن أن ينفك ربا الفضل لا سيما ما تزاوله البنوك عن ربا النسيئة، لا يمكن، ما يمكن أن تأتي إلى البنك تقول: أعطني عشرة وأعطك إحدى عشر أو العكس، يمكن هذا؟ ما يمكن، لا بد من ربا النسيئة، نعم ربا الفضل يتصور في الأنواع الأخرى، لكن أكثر صور الربا التي تزاولها البنوك إنما هي في النقود، في الفلوس، ولا يمكن أن يأتي شخص فيقول: أعطني كذا وأعطيك أكثر أو أقل، فالتزلف إلى الخلفاء والأمراء لتتسع مجالسهم وينبسطوا إليهم، لكن الله سبحانه وتعالى يعامل هؤلاء على نقيض قصدهم، فمجرد ما يفهم مقصده وهدفه لا شك أنه يسقط من أعين هؤلاء الخلفاء، يعني مسئول كبير اتصل على واحد وقصده الاختبار لبعض من ينتسب إلى العلم بحضرة مجموعة من الناس وقال لهم: إني أريد أن أختبر المشايخ وأنتم تسمعون، ضغط الاسبكر وقال
…
، على الشيخ الفلاني وقال له: أنا أريد أن أعتمر وعندنا خدم من ذكور وإناث لكنهم غير مسلمين، فكان الجواب: ما داموا معك يا طويل العمر الحمد لله، ويش ما داموا معك تذهب إلى مكة بكفار؟ ضغط على ثاني وقال: نريد أن نعتمر ومعنا خدم غير مسلمين ولا نقدر نخليهم؟ قال: أولاً: من الذي أدخلهم جزيرة العرب، لا يجوز إدخالهم جزيرة العرب، شوف فرق الجواب عن الجواب، وهم يريدون أن يختبروا هؤلاء، ولا شك أن الثاني أرفع عندهم من الأول، وإن جاء لهم بما يريدون، فهذا المتزلف المسكين وإن ظن أنه يقرب من قلوب هؤلاء لكنهم يميزون، ليسوا ببله ما يفهمون، يفهمون، وهم ينزلون الناس
منازلهم، ومن حفظ دين الله حفظه الله بلا شك، ومن ضيع الدين ضيعه الله، والله المستعان.
قصد الواضع الشهرة ومحبة الظهور حيث جعل بعضهم لذي الإسناد الضعيف إسناداً صحيحاً مشهوراً، وجعل بعضهم للحديث إسناداً غير إسناده المشهور ليستغرب ويطلب منه سماعه، بعض الناس يركب إسناد على حديث وهو ليس له على شان يقال: إنه لا يروى هذا الحديث بهذا الإسناد إلا من طريقه، فيجتمع عليه الناس ليأخذوه منه، وهذا يقصد الشهرة، ومن قصد الشهرة ألبسه الله ثوب المذلة في الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية، هذه أسباب دفعت أصحابها إلى تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هناك أسباب أوقعت أصحابها في الكذب من غير تعمد ولا قصد من أهمهما:
غلبة الزهد والعبادة على بعض الناس حتى جعلتهم يغفلون عن الحفظ والتمييز، حتى صار الطابع لكثير من الزهاد الغفلة.
الأمر الثاني: ضياع الكتب أو احتراقها ممن يعتمد عليها ثم بعد ذلك يحدث من حفظه فيقع الغلط في كلامه، وذلك مثل عبد الله بن لهيعة.
الثالث: الاختلاط، فقد حصل لقوم ثقات أن اختلطت عقولهم في أواخر أعمارهم، خلطوا في الرواية، وقلبوا المرويات، وذلك مثل إسماعيل بن عياش وغيره، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا يسأل يقول: تخريج البخاري ومسلم لأحاديث الوحدان هل يكفي لتوثيق الراوي إذا روى في غير الصحيحين؟
لا شك أن تخريج البخاري ومسلم للراوي توثيق وتقوية له، فرواة الصحيحين كما قرر أهل العلم جازوا القنطرة، لكن يبقى أن الاحتياط والنظر في أحاديث غير الصحيحين آكد وأقوى، فننظر في هذا الحديث الذي رواه ذلك الراوي هل ووفق عليه؟ هل خولف؟ يبقى أن ينظر له من عدة جهات، وبقدر ما عند الشيخين من الاحتياط والتحري خرجوا لرواة تكلم فيهم كما تقدم، لكنهم حينما يخرجون لمثل هؤلاء إنما ينتقون من أحاديثهم، ينتقون من أحاديثهم ولا يخرجون لهم كل ما يروون، فقد يكون الراوي ثقة وهو في حديث أضبط منه في حديث آخر، فلا بد من النظر إلى الحديث والراوي من وجوه متعددة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.