المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اختصار الحديث والرواية بالمعنى: - شرح نخبة الفكر للخضير - جـ ٨

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌اختصار الحديث والرواية بالمعنى:

يعني في القرآن؟ القرآن يصحح بلا شك، القرآن يصحح ويضبط على .. ، لكن ما يهجم على تصحيح قراءة وهو لا يعرف أنها قراءة، يمكن هذه القراءة المعتمدة عند المؤلف "تفسحوا في المجلس" ثم يصحح يقول:"مجالس" قد تكون القراءة التي اعتمدها المؤلف غير القراءة التي اعتمدتها أنت، فكونك تصحح هذه مشكلة، اترك الكتاب كما هو، نعم، إذا بحثت في القراءات ولا وجدت وجه لهذه القراءة لك أن تصحح، على أنك لا تستعجل في التصحيح.

التصحيف والتحريف صنف فيه أبو هلال العسكري كتب، صنف فيه الدارقطني وغيره.

‌اختصار الحديث والرواية بالمعنى:

ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "ولا يجوز تعمد تغيير المتن بالنقص والمرادف إلا لعالم بما يحيل المعاني"، يقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أنه لا يجوز تغيير متن الحديث بنقص من ألفاظه وجمله، وهو ما يعرف باختصار الحديث، والاقتصار على بعضه دون بعض، ولا تعمد إبدال ألفاظه أو بعضها بالمرادف، وهو ما يعرف بالرواية بالمعنى، فعندنا مسألتان: اختصار الحديث، والرواية بالمعنى، كل منهما لا يجوز لكل أحد، إنما يجوز لعالم بما يحيل المعاني ومدلولات الألفاظ، وفي كل من المسألتين خلاف.

المسألة الأولى: اختصار الحديث، اختلف العلماء في حكم اختصار الحديث والاقتصار على بعضه دون بعض

ص: 26

الحديث مكون من جمل تقتصر على جملة من هذه الجمل لكونك بحاجة إليها ولست بحاجة إلى بقية الجمل، منع بعض العلماء مثل هذا التصرف، مثل هذا الاختصار، وأجازه بعضهم مطلقاً، والصحيح التفصيل، وهو المنع من غير العالم، العارف بما يحيل المعاني، وجواز ذلك من العارف إذا كان ما تركه متميزاً عما نقله، غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل المعنى، ولا تختلف الدلالة، سواء رواه قبله تاماً أم لا؛ لأن ذلك بمنزلة خبرين منفصلين، يعني إذا رويت حديث:"نهى عن بيع حبل الحبلة، ونهى عن النجش" إذا اقتصرت على جملة لكونك بحاجة إلى الحديث عن هذا البيع وتركت الأخرى هل يلمزك أن تأتي بالثانية؟ أنت بحاجة وجدت شخص ينجش في السلعة -يزيد وهو لا يريد شرائها- هل يلزمك أن تقول: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة، ونهى عن النجش؟ أو تقتصر على ما تريد وتترك الشق الثاني؟

ص: 27

الصواب في ذلك أنه يجوز أن تقتصر على ما تريد بالشرط المذكور، بحيث لا يكون المذكور متوقف فهمه على المحذوف، يعني لا يتوقف فهم المذكور على المحذوف لكونه وصف مؤثر، أو لكونه استثناء أو ما أشبه ذلك، أو قيد، إذا احتاج المذكور إلى المحذوف لا يجوز لك أن تتصرف، والصحيح حينئذٍ التفصيل وهو المنع من غير العالم وجوازه من العارف إذا كان ما تركه متميزاً عما نقله، غير متعلق بما رواه بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة، سواء رواه قبل تاماً أم لا؛ لأن ذلك بمنزلة خبرين منفصلين، روى البيهقي في المدخل عن ابن المبارك قال:"علمنا سفيان اختصار الحديث"، وهذا الاختصار إنما يجوز من الراوي الذي ترتفع منزلته عن التهمة، أما إذا اتهم الراوي بأنه زاد في الحديث إذا روه تاماً ونقص منه إذا رواه ناقصاً فعليه أن يأتي بالحديث بلفظه من غير نقص؛ فأما من رواه مرة تاماً فخاف إن رواه ناقصاً ثانياً أن يتهم بزيادة فيما رواه أولاً أو نسيان لغفلة وقلة ضبط فيما رواه ثانياً فلا يجوز له النقصان ثانياً، كما أنه لا يجوز له النقصان ابتداء إن تعين عليه أداء تمامه، كما أنه لا يجوز له النقصان ابتداء إن تعين عليه أداء تمامه؛ لئلا يخرج بذلك باقيه عن حيز الاحتجاج به، يعني إذا كان الحديث لا يوجد إلا عنده لا بد أن يأتي به تاماً، وإذا جاز الاقتصار على بعض الآية دون بعض فالحديث بالشرط المتقدم من باب أولى، كما أنه لا يجوز أن تقول:"ويل للمصلين" وتسكت، لا يجوز أن تقول:"ويل للمصلين" وتسكت، لا بد أن تأتي بما بعدها، كذلك لا يجوز أن تقول:((فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم)) وتسكت، فلا بد من إتمام مثل هذا لتعلق ما ذكر بما حذف، لا بد أن تقول:((إذا كان يداً بيد)) لأنك إذا قلت: ((إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم)) يعني متفاضلاً ولو من غير تقابض، لكن الحاجة داعية إلى ذكر الجملة التي بعد ذلك ((إذا كان يداً بيد)) وإذا جاز الاقتصار على بعض الآية في مثل قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] يعني من يتحدث عن الأمانة ويستدل على وجوب أدائها بقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ

ص: 28

أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [(58) سورة النساء] هل يلزم أن تقول: {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(58) سورة النساء]؟ نعم، لا يلزم، ومثله إذا كان الحديث عن العدل، هل يلزمك أن تقول:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [(58) سورة النساء]؟ تقتصر على ما تريد؛ لأن ما حذفته لا تعلق له بما ذكرته، فإذا جاز الاقتصار على بعض الآية في مثل قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ولا يجب الإتمام لمن أراد أن يحتج بالآية على وجوب أداء الأمانات، فلا يلزمه حينئذٍ أن يقول:{وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} وصنيع الأئمة جارٍ على جواز الاقتصار، وصحيح البخاري فيه من ذلك الشيء الكثير، مملوء من أجزاء الأحاديث التي يقتصر فيها الإمام البخاري على موضع الحاجة من الحديث، ومن أمثلة ذلك: صحيفة همام بن منبه عن أبي هريرة صحيفة طويلة تشتمل على أكثر من مائة وثلاثين جملة، سيقت في مسند الإمام أحمد مساقاً واحداً، سيقت في المسند مساقاً واحداً وفرقت في الصحيحين.

أقول: صحيفة همام بن منبه تشتمل على أكثر من مائة وثلاثين جملة، هي مسوقة سياقاً واحداً في مسند الإمام أحمد؛ لأنه مرتب على المسانيد، ففي أحاديث أبي هريرة ذكر هذه الصحيفة كاملة، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- استشهد من هذه الصحيفة في مواضع كثيرة قطع منها ما يحتاجه من الجمل في مواضع، وكذلك مسلم، وللبخاري طريقته فيما يختاره، ولمسلم طريقته، فالبخاري إذا أراد أن ينقل من الصحيفة نقل عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة .. )) ثم يردف هذه الجملة بما يريد، هذه طريقة البخاري، طريقة مسلم يقتصر على ما يريد بعد أن يقول: عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها، ثم يذكر ما يريد، وهذا مصير منهما إلى جواز تقطيع الحديث، والاقتصار على ما يريد منه.

ص: 29

المسألة الثانية: رواية الحديث بالمعنى: إذا كان الراوي عالماً بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها، خبيراً بما يحيل المعاني، بصيراً بمقادير التفاوت بينها جازت له الرواية بالمعنى، أما إذا لم يكن الراوي عالماً بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها ولم يكن خبيراً بما يحيل المعاني بصيراً بمقادير التفاوت بينها فإنه حينئذ لا يجوز له أن يروي ما سمعه بالمعنى، بل عليه أن يؤدي ما سمع باللفظ وهذا بلا خلاف، فالمتعين عليه حينئذٍ إذا كان هذا وصفه أن يؤدي اللفظ الذي سمع، فإن كان عالماً بما يحيل المعاني عارف بمدلولات الألفاظ ومقاصدها خبيراً بما يحيل المعاني فالجمهور على جوازه، إذا كان الراوي عالماً بالألفاظ بهذه القيود لا بد أن تتوفر فيه هذه القيود، إذا كان عالماً بالألفاظ ومدلولاتها ومقاصدها، خبيراً بما يحيل المعاني، بصيراً بمقادير التفاوت بين الألفاظ فاختلف العلماء في حكم روايته الحديث بالمعنى: فقال طائفة من أصحاب الحديث والفقه والأصول: لا يجوز له الرواية بالمعنى كذلك، بل يتعين اللفظ، وإليه ذهب ابن سيرين وثعلب وأبو بكر الرازي من الحنفية، وهو مروي عن ابن عمر، وجوز بعضهم ذلك في غير حديث النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يجوزه في الحديث والكلام في الحديث، وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف: يجوز بالمعنى في جميعه، إذا قطع بأداء المعنى، إذا قطع بأداء المعنى؛ لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف، ويدل عليه روايتهم القصة الواحدة بألفاظ مختلفة، القصة الواحدة تروى عن جمع من الصحابة بألفاظ مختلفة، فهذا يدل على جواز الرواية بالمعنى، قال ابن حجر: ومن أقوى حججهم الإجماع على جواز شرح الشريعة للعجم بلسانهم للعارف به، فإذا جاز الإبدال بلغة أخرى فجوازه بالعربية أولى، وقيل: إنما يجوز في المفردات دون المركبات، وقال الماوردي: إن نسي اللفظ جاز؛ لأنه تحمل اللفظ والمعنى وعجز عن أداء أحدهما فيلزمه أداء الآخر لا سيما أن تركه قد يكون كتماً للأحكام، فإن لم ينسه، لم ينسَ اللفظ لم يجز أن يورده بغيره؛ لأن في كلامه صلى الله عليه وسلم من الفصاحة ما ليس في غيره، إذا نسي اللفظ جاز الأداء بالمعنى، أما إذا لم ينسَ اللفظ فإنه

ص: 30

لا بد أن يؤدي اللفظ على هذا القول، وقيل: عكسه وهو الجواز لمن يحفظ اللفظ ليتمكن من التصرف فيه دون من نسيه، لكن الذي عليه جماهير أهل العلم جواز الرواية بالمعنى بالشروط والقيود التي ذكرت، والاحتياطات التي جعلها أهل العلم:

أن يكون عالم بمدلولات الألفاظ، عارف بما يحيل المعاني، يقول القاضي عياض:"ينبغي سد باب الرواية بالمعنى؛ لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع للرواة كثيراً قديماً وحديثاً" والأولى لا شك أن الأولى إيراد الحديث بلفظه دون التصرف فيه، ولا شك في اشتراط ألا يكون الحديث مما تعبد بلفظه، وقد صرح به الزركشي.

ص: 31

إذا كان الحديث مما تعبد بلفظه لا تجوز روايته بالمعنى، ففي ذكر النوم في حديث البراء:((ونبيك الذي أرسلت)) في آخره لما عرضه البراء على النبي عليه الصلاة والسلام قال: "ورسولك الذي أرسلت" قال: ((لا، قل: ونبيك الذي أرسلت)) لأن هذا اللفظ متعبد به، وهذا الخلاف إنما يجري في غير المصنفات، ولا يجوز تغيير شيء من مصنف أو إبداله بلفظ آخر وإن كان بمعناه قطعاً؛ لأن الرواية بالمعنى رخص فيها من رخص لما كان عليهم في ضبط الألفاظ من الحرج وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه الكتب، يعني شخص يعمد إلى صحيح البخاري مثلاً لينسخ له نسخة من الكتاب فلا يعجبه لفظة فيبدلها بغيرها، يقول: الرواية بالمعنى جائزة، لا تعجبه جملة فيركب جملة هي أعجب إليه، نقول: لا، المصنفات لا يجوز تغييرها، لا يجوز تغييرها بحال، انقل من الكتاب كما وجدته، والسبب في ذلك: أن أداء اللفظ ونقل اللفظ أمر مقدور عليه، والرواية بالمعنى إنما جوزت للحاجة؛ ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره، يعني ماذا نتصور عن كتاب من الكتب المعتمدة عند أهل العلم يأتي شخص لينسخه فيرويه بالمعنى ثم يأتي آخر فيتصرف فيه فيرويه بالمعنى إيش تكون النتيجة بعد عشرة نساخ؟ النتيجة يمسخ الكتاب مسخاً كاملاً، وينبغي للراوي بالمعنى أن يقول عقيبه: أو كما قال، أو نحو ذلك، أو شبهه، أو ما أشبه هذا من الألفاظ، وقد كان قوم من الصحابة يفعلون ذلك، وهم أعلم الناس بمعاني الكلام، خوفاً من الزلل بمعرفتهم بما في الرواية بالمعنى من الخطر، روى الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم عن ابن مسعود أنه قال يوماً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغرورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، ثم قال:"أو مثله، أو نحوه، أو شبيهاً به"، ومثل ذلك في سنن الدارمي عن أبي الدرداء، وفي المسند وابن ماجه عن أنس ابن مالك أنه كان إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرغ قال:"أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"، لكن هذا على سبيل الاستحباب، ليس بلازم، إنما هو على سبيل الاستحباب؛ لأنه هذا نادر أن يقال في مثل هذه المناسبات، كثيراً ما نجد الرواية بالمعنى في الكتب ولا ينصون على أنه شبهه أو نحوه، أو

ص: 32