الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما حكم الإدراج: فلا يخلو: إما أن يكون عن خطأ أو عن عمد، فإن كان عن خطأ فلا حرج على المخطئ، إلا أن كثرة الخطأ تقدح في ضبطه وإتقانه، وإن كان عن عمد فإنه حينئذ يكون حراماً، لما يتضمن من التلبيس والتدليس ومن عزو القول إلى غير قائله إلا أن يكون الإدراج لتفسير شيء في الحديث ففيه بعض التسامح، والأولى أن ينص الراوي على بيانه.
من هذا من الإدراج وهو مما ينبغي العناية به ويقع فيه الكثير، ونحن ونحن نقرر هذا الكلام نقع فيه كثيراً، كيف؟ ننقل كلام لبعض أهل العلم ونعقبه بكلام لنا من غير فصل، السامع إذا سمعك تقول: قال شيخ الإسلام، تنقل كلام شيخ الإسلام وتتبعه بكلام لك من غير فصل هذا إدراج، والأولى أن يقال: انتهى كلامه رحمه الله، قلت، كما يقوله الأئمة، يفصل كلام المنقول عنه من كلام الناقل، هذا الأولى لكن أحياناً يغفل الإنسان، نعم، ويطرأ عليه كلام يخشى أن ينساه فيقحمه أحياناً في أثناء النقل، وأحياناً يعقبه به من غير فصل، والله المستعان، لكن يتجاوز هذا في الكلام العادي لكن في المكتوب ينبغي أن ينص على كل شيء.
المقلوب:
ثم قال الحافظ -رحمه الله تعالى-: "أو بتقديم أو تأخير فالمقلوب"، أو بتقديم أو تأخير فالمقلوب، يقصد الحافظ -رحمه الله تعالى- أن مخالفة الراوي لغيره من الرواة إن كانت بتقديم أو تأخير في أسماء رجال الإسناد أو في متن الحديث فهذا النوع يسمى المقلوب، وهو في اللغة: اسم مفعول من القلب، تقول: قلبته قلباً من باب ضرب، حولته عن وجهه، وكلام مقلوب مصروف عن وجهه، وقلب بالتشديد مبالغة وتكثير، وفي التنزيل:{وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ} [(48) سورة التوبة] فالمقلوب المصروف عن وجهه.
اصطلاحاً: هو الحديث الذي تُصرف في سنده أو متنه بتقديم أو تأخير ونحوه عمداً أو سهواً.
أنواع القلب:
أنواع القلب: القلب في الحديث على ثلاثة أنواع: القلب في الإسناد وله صورتان: الأولى: أن يكون الحديث مشهوراً براوٍ فيجعل مكانه آخر في طبقته، نحو حديث مشهور عن سالم فيجعله الراوي عن نافع، يكون قلب الحديث قلب الإسناد، هو عن سالم فيجعله عن نافع أو العكس.
الثانية: أن يكون القلب بالتقديم والتأخير في رجال الإسناد كأن يقول: كعب بن مرة بدل مرة بن كعب، نصر بن علي بدل علي بن نصر.
القلب في المتن، ومثاله: ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وفي الحديث:((ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمنيه ما تنفق شماله)) كذا وقع في صحيح مسلم، والصحيح المعروف ((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) كما في البخاري وغيره، والصدقة تكون باليمين وإلا بالشمال؟ باليمين، ((حتى لا تعلم يمنيه ما تنفق شماله)) على هذا كانت النفقة بالشمال، والذي في البخاري:((حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) لكن الرواية في صحيح مسلم، كيف نصون الصحيح عن مثل هذا الخطأ؟ جاء في الحديث الصحيح في صحيح البخاري وبغيره:((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة –يعني ليلة ثالثة- وعندي منه دينار))، وفي رواية:" ((وعندي منه شيء إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا وهكذا)) عن يمنيه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه" فلكثرة الإنفاق قد ينفق الإنسان بيمينه وقد ينفق بشماله، وقد ينفق من أمامه ومن خلفه، فعلى هذا يمكن أن يتأول أو تتأول هذه الرواية بأنه لكثرة إنفاقه نعم، إنه أحياناً ينفق عن جهة اليمين، وأحياناً عن جهة الشمال، وبهذا نكون نصون الصحيح من الخطأ، يمكن وإلا ما يمكن؟ له وجه وإلا ما له وجه؟ نعم، له وجه، ونسلك مثل هذا الكلام صيانة للصحيح لئلا يتطاول الجهال على مثل هذه الكتب، وإلا كل من شرح الحديث قال: إنه مقلوب، وصوابه: أنه لا تعلم شماله ما تنفق يمينه؛ لأن الإنفاق يكون باليمين، نقول: هذا الرجل الذي يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كثير الإنفاق جداً، ويبينه حديث:" ((ما يسرني أن لي مثل أحد ذهباً تأتي علي ثالثة وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين إلا أن أقول به هكذا وهكذا وهكذا وهكذا)) عن يمنيه وعن شماله .. " فيمكن الإنفاق من جهة الشمال.
الثالث: القلب في السند والمتن معاً، وهو أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر وبالعكس، من أمثلة المقلوب: حديث البروك قال بعضهم: إنه انقلب على راويه: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)) قال بعضهم: إنه انقلب الحديث وإلا فالأصل: "وليضع ركبتيه قبل يديه" لماذا؟ لأن البروك يقدم يديه قبل ركبتيه، هذا الكلام صحيح وإلا ليس بصحيح؟ مقلوب وإلا ليس بمقلوب؟
طالب:. . . . . . . . .
ممن قال به ابن القيم، وقلده كثير من أهل العلم، ورجحوا الحديث الثاني حديث أبي هريرة عليه أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه، والصواب أن حديث البروك أرجح من هذا وأصوب وأصح، وهذا نص عليه الحافظ ابن حجر وغيره، وهو أقوى من حديث أبي هريرة فإن له شاهد من حديث ابن عمر، حديث البروك أقوى من الحديث الثاني، كيف يكون أقوى وهو مقلوب؟ يعني إذا قلنا: إنه مقلوب والأصل: "وليضع ركبتيه قبل يديه" هل يمكن أن يرجح على الحديث الثاني؟ يمكن أن يرجح عليه؟ ما يمكن، لأن معناهما واحد، متى نرجح هذا الحديث على الحديث الذي يليه؟ إذا قلنا: أنّ ما في قلب سليم "وليضع يديه قبل ركبتيه" وليضع يديه قبل ركبتيه ولا في قلب ولا إشكال، وحينئذ يكون أرجح من حديث:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه".
بقي علينا كيف نوفق بين أول الحديث وآخره؟ كيف يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)) إذا وضع يديه قبل ركبتيه شابه البعير صح وإلا لا؟ كيف نقول: إنه أصح من حديث أبي هريرة ونقول: إنه مقلوب؟ هو في معنى حديث أبي هريرة، إذا قلنا: إنه مقلوب فلا اختلاف بينه وبين حديث أبي هريرة، هذا من قوله وهذا من فعله عليه الصلاة والسلام ومعناهما واحد، إذا قلنا: هو أرجح وليس فيه قلب، الحديث صحيح وهو أصح من حديث أبي هريرة ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) والسنة أن يضع المصلي يديه قبل ركبتيه، كيف نوفق بين أول الحديث وبين آخره؟ ما معنى بروك البعير؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو إذا قدم يديه قبل ركبتيه البعير يقدم يديه قبل ركبتيه، لكن ما معنى بروك البعير؟ بروك البعير يقال: برك البعير وحصحص البعير إذا أثار الغبار وفرق الحصى، إذا ألقى الإنسان بيديه بقوة على الأرض برك مثل ما يبرك البعير، لكن إذا وضع يديه على الأرض مجرد وضع امتثل الأمر ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) ولا أشبه البعير في بروكه، فرق بين أن يضع الإنسان يديه وبين أن يبرك كما يبرك البعير، فبروك البعير هو إلقاؤه بقوة على الأرض، وأنتم تسمعون إذا قيل: إنسان مريض أو كبير في السن ثم أراد أن يجلس وقع على الأرض بقوة يقال: برك، نعم، والبعير بقوة ينزل على الأرض، فإذا نزل مقدماً يديه قبل ركبتيه بقوة أشبه البعير، إذا كان مجرد وضع امتثل الأمر ولم يشبه بروك البعير، لكنه إذا قدم ركبتيه قبل يديه بقوة أشبه الحمار بعد، نعم، يشبه الحمار، وعلى هذا لا يكون فيه قلب، معناه صحيح وأوله يشهد لآخره، وآخره مناسبة لأوله، وليس فيه قلب، ومجرد الوضع يختلف عن الرمي والإلقاء والطرح، ولذا يجيز أهل العلم وضع المصحف على الأرض، تضع المصحف على الأرض جائز، لكن ترمي بالمصحف على الأرض يجوز وإلا لا؟ لا، لا، هذا خطر عظيم، هذا استهتار واستخفاف بالقرآن، بكلام الله عز وجل، وعلى هذا يكون الراجح حديث البروك، لكن إيش معنى البروك؟ نقف عند معنى البروك، ولا قلب في الحديث.
طالب:. . . . . . . . .
اشتبه عليه التبس عليه كيف يقدم يديه ولا يشبه بعير؟ حقيقةً التنصيص على مثل هذا نادر عند أهل العلم، ما ينص عليه، لكن كيف يصحح الحديث مع فهم ابن القيم؟ ما يمكن أن يصحح، والأئمة صححوا الحديث، كيف يصحح الحديث مع اختلاف أوله مع آخره؟ إلا أن معنى الأول يختلف عن معنى الآخر، والله المستعان.
القلب في السند والمتن معاً: وهو أن يؤخذ إسناد متن فيجعل على متن آخر وبالعكس، وهذا النوع قد يقصد به الإغراب فيكون كالوضع، وقد يفعل اختباراً لحفظ المحدث كما وقع للإمام البخاري لما ورد بغداد فيما رواه ابن عدي وغيره، فعمد أصحاب الحديث إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها، ودفعوها إلى عشرة، لكل واحد منهم عشرة أحاديث، إلى آخر القصة.