الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثامن: استقبال القبلة
، لقول الله تعالى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ} (1). واستقبال جهة البيت الحرام شرط لصحة الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر)) (2)؛ ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما في أهل قباء لما حُوِّلت القبلة، قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُنزل عليه الليلة قرآنٌ، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة، فاستقْبَلُوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة)) (3)؛ ولحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ((صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو
(1) سورة البقرة، الآية:144.
(2)
متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه البخاري، كتاب الأذان، باب أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يتم ركوعه بالإعادة برقم 793، ومسلم، كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، برقم 397.
(3)
متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، برقم 403، ومسلم، كتاب المساجد، باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة، برقم 526.
بيت المقدس ستة عشر شهرًا [أو سبعة عشر شهرًا] ثم صرفنا نحو الكعبة)) (1).
ومن تمكن من رؤية الكعبة وجب عليه استقبال عينها فإن حال بينه وبينها حائل، أو كان بعيدًا عنها استقبل جهتها، وتحرَّى لذلك قدر الإمكان، ولا يضر الانحراف اليسير؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما بين المشرق والمغرب قبلة)) (2). وسمعت سماحة الإمام، شيخنا عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول عن هذا الحديث: ((صحيح، وهذا يؤيد عدم التكلف في الجهة، وأنه متى صلى إلى الجهة ولو انحرف عنها قليلاً هكذا أو هكذا فلا يضره ذلك، فجهته التي صلى إليها هي القبلة، وهكذا قضاء الحاجة، يشرّق أو يغرّب أو يشمّل أو يجنّب على حسب جهته التي تخالف
(1) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، رقم 399، ومسلم، كتاب المساجد، باب تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، برقم 525.
(2)
الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء أن ما بين المشرق والمغرب قبلة، برقم 342، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلوات، باب القبلة، برقم 1011. وصححه الألباني في إرواء الغليل، 1/ 324.
القبلة)) (1). قال – عليه الصلاة والسلام – في ذلك: ((إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا)) (2).
ويسقط استقبال القبلة في الأحوال الآتية:
الحالة الأولى: إذا اجتهد في استقبال القبلة طاقته ثم صلى فأخطأ؛ لقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (3)؛ ولقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا} (4)؛ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما في صلاة أهل قباء إلى الشام، فأُخْبروا أن الله
قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم باستقبال المسجد الحرام، فاستقبلوا الكعبة وهم في صلاتهم)) (5). والشاهد في الحديث أنهم بنوا على ما صلوا، ولم يقطعوا الصلاة، بل استداروا إلى الكعبة. وقد رُوِيَ عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه أنه قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة
(1) سمعته من سماحته أثناء شرحه لحديث 226 من بلوغ المرام.
(2)
متفق عليه من حديث أبي أيوب رضي الله عنه:البخاري، كتاب الصلاة، باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق، برقم 394،ومسلم، كتاب الطهارة، باب الاستطابة، برقم264.
(3)
سورة التغابن، الآية:16.
(4)
سورة البقرة، الآية:286.
(5)
متفق عليه: البخاري برقم 403، ومسلم، برقم 526، وتقدم تخريجه بلفظه.
مظلمة فأشكلت علينا القبلة، فصلينا، فلما طلعت الشمس إذا نحن صلينا لغير القبلة، فنزلت:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله} )) (1). وسمعت الإمام عبد العزيز ابن باز – رحمه الله – يقول عن هذا الحديث: ((ضعيف عند أهل العلم، ولكن معناه صحيح، ويعضده عموم الأدلة والأصول المتبعة في الشريعة:{فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} .
والواجب على المسافر إذا حضرت الصلاة أن يجتهد ويتحرّى القبلة ثم يصلي حسب اجتهاده فإن ظهر بعد ذلك أنه صلى إلى غير القبلة أجزأته صلاته؛ لأنه أدَّى ما عليه)) (2).
والمجتهد يتعرَّف إلى جهة القبلة: بالمحاريب في المساجد، أو بالبوصلة، أو يسأل إن وجد من يدله، أو بأي وسيلة يستطيعها.
الحالة الثانية: عند العجز، كالأعمى الذي لا يجد من
(1) الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة البقرة، برقم 2957وضعفه، ولكن ذكر له العلامة الألباني طرقًا وشواهد عند الحاكم،1/ 206،والبيهقي، 2/ 10، وغيرهما، ثم حسنه في إرواء الغليل، 1/ 223، والآية 115 من سورة البقرة.
(2)
سمعته من سماحته أثناء شرحه لحديث رقم 225 من بلوغ المرام.
يوجهه، وعجز عن معرفة القبلة، والمريض الذي لا يستطيع الحركة، وليس عنده من يوجهه، والمأسور المربوط إلى غير القبلة، فقبلة هؤلاء هي الجهة التي يقدرون عليها، لقول الله تعالى:{فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (1)؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)) (2).
الحالة الثالثة: عند اشتداد الخوف على النفس أو المال، فيستقبل الخائف الجهة التي يقدر عليها؛ لقول الله تعالى:{فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} (3)؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) (4).
الحالة الرابعة: صلاة النفل على الراحلة؛ لحديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: ((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي على راحتله حيث توجهت به)) (5). زاد البخاري: ((ولم يكن رسول الله
(1) سورة التغابن، الآية:16.
(2)
مسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، برقم 1337.
(3)
سورة البقرة، الآية:239.
(4)
مسلم، برقم 1337، وتقدم تخريجه في الحاشية التي قبل السابقة.
(5)
متفق عليه: البخاري، كتاب التقصير، باب صلاة التطوع على الدواب وحيثما توجهت، برقم 1093، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت، برقم 701.
- صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك في الصلاة المكتوبة)) (1). وعن جابر رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي على راحلته حيث توجهت، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة)) (2). وقد جاء في هذا المعنى أحاديث أخرى، عن ابن عمر (3)، وأنس (4) رضي الله عنهم.
وعن أنس رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبّر، ثم صلى حيث وَجَّهَهُ ركابه)) (5). وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز – رحمه الله – يقول عن هذا الحديث: ((هذا ظاهره خلاف الأحاديث الصحيحة في الصحيحين، فليس فيها ذكر استقبال القبلة عند الإحرام، وهذه الزيادة تكون مقيدة، ويكون هذا على سبيل الاستحباب إذا تيسر الاستقبال عند
(1) صحيح البخاري برقم 1097.
(2)
البخاري، كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، برقم 400.
(3)
حديث ابن عمر في صحيح مسلم برقم 700.
(4)
وحديث أنس في صحيح مسلم برقم 702.
(5)
أبو داود، كتاب صلاة السفر، باب التطوع على الراحلة والوتر، برقم 1225، وحسنه الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام.