المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ شعره السياسي: - شعر شوقي في ميزان النقد

[محمد المجذوب]

الفصل: ‌ شعره السياسي:

‌مدخل

شعر شوقي في ميزان النقد

بقلم: فضيلة الشيخ محمد المجذوب المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة

ولد أحمد شوقي في مصر عام 1285 هـ وفيها توفي عام 1351 هـ، وتعتبر هذه الفترة مطلع النهضة في حركة الشعر العربي الحديث، ويعد شوقي أكثر شعراء العربية إنتاجاً، وقد أوتي شاعرية فياضة ومخيلة قوية دعمت بالعلم وغذيت بالأسفار، ووراء ذلك طموح شديد إلى بلوغ أعلى ذرى القريض، فهو يحاكي عددا من أكابر شعراء العربية والفرنجة ففي شعره قوة المتنبي وروعة البحتري، وعمق أبي تمام، ورقة ابن زيدون. ويجاري من شعراء الفرنجة فيكتور هيجو في السياسة والتاريخ والأساطير، ولافنتين في الحكايات الخرافية، وكرناي في المآسي التمثيلية هو يريد أن يبلغ شأوهم جميعاً.

لذلك تعددت أغراض شعره، ففيه التاريخ والسياسة والاجتماع والدين والوصف والغزل والمدح والرثاء والفخر والحكمة. وفيه الشعر التعليمي والتمثيلي. وهو في كل أغراضه ذو طابع خاص يميزه عن جميع الشعراء، الذين حاول محاكاتهم، وإن كان يشبههم في كثير من الخصائص.

ص: 76

1_

‌ شعره السياسي:

تتفاوت نظرة شوقي السياسية تبعاً لظروفه الشخصية وظروف الحياة العامة.

ص: 76

ففي المرحلة الأولى من حياته _ حياة القصر _ يدور مع رأي ولي أمره فيعادي خصومه ويصادق مؤيديه. لذلك نراه يحمل على أحمد عرابي ويعده خائناً:

صغار في الذهاب وفي الإياب

أهذا كل شأنك يا عرابي؟

وهو يعبر بذلك عن نظرة البلاط إلى عرابي. وبمثل ذلك يواجه (رياض باشا) رئيس الوزارة لأنه أثنى على اللورد كرومر بكلمة أساءت إلى مصر وإلى الخديوي عباس الذي كان شوقي شاعره:

خطبت فكنت خطباً لا خطيباً

أضيف إلى مصائبنا العظام

لهجت بالاحتلال وما أتاه

وجرحك منه لو أحسست دامي

ولنستمع إليه يحمل على الأمير حسين واللورد كرومر والشيخ عبد الكريم سلمان بمناسبة سفر كرومر إلى بلاده، وقد خطب هذا في حفلة أقيمت لوداعه فهاجم الخديوي عباساً والمصريين على مسمع من حسين والشيخ دون أن يحركا ساكناً:

لما رحلت عن البلاد تشهدت

فكأنك الداء العياء رحيلا

أوسعتنا يوم الوداع إهانة

أدب لعمرك لا يصيب مثيلا

في ملعب للمضحكات مشيد

مثلت فيه المبكيات فصولا

شهد الحسين عليه لعن أصوله

وتصدر الأعمى به تطفيلا

جبن أقل وحط من قدريهما

والمرء إن يجبن يعش مرذولا

ولكن من العجائب أن ينسى شوقي إساءة الأمير حسين هذا بعد حين، فيمدحه ويمدح معه الإنكليز، الذين خلعوا سيده عباساً وجاءوا بحسين سلطاناً مكانه على مصر. فيعتبر عمل الإنكليز هذا خدمة لمصر وحفظاً للوائها، ويشبههم بالمسلمين الأولين ويسميهم الأحرار العادلين:

حلفاؤنا الأحرار ألا إنهم

أرقى الشعوب عواطفاً وميولا

لما خلا وجه البلاد لسيفهم

ساروا سماحاً في البلاد عدولا

وأتوا بكابرها وشيخ ملوكها

ملكاً عليها صالحاً مأمولا

ص: 77

والأغرب من ذلك أن يتوارد في كلتا القصيدتين على رويّ واحد وبحر واحد دون أن يتذكر تناقضه العجيب!

ولكن شوقي لا يفوته أن يعتذر عن هذا التناقض بين أمس واليوم، فالذي يهمه هو أن يظل الحكم في آل محمد علي لا فرق بين واحد وواحد منهم. لذلك يرى من الوفاء أن ينصر كل ذي سلطان يقوم من أبناء إسماعيل:

أأخون إسماعيل في أبنائه

ولقد ولدت بباب إسماعيلا!

وهكذا كان موقف شوقي من الأتراك فهو بدافع من عرقه التركي يرى الخلافة لا تصلح إلا لهم، ويؤيد سياسة عبد الحميد فيعتبر عهده عهد الرحمة والعدالة والخير، إلاّ أنه لا يرى بأساً أن تنتقل الخلافة إلى أخيه محمد رشاد بعد ذلك، فيبايع هذا ويمدح الدستوريين الذين خلعوا عبد الحميد!. . لأن المهم في نظره أن يبقى السلطان للأتراك، ولذلك نقم شوقي أول الأمر من الشريف حسين لثورته وتعاونه مع الإنكليز، ولما ألغى مصطفى كمال الخلافة خشي أن توسد إلى الشريف حسين، فأخذ يحذر المسلمين من ذلك، ويصف الشريف حسيناً بالمعجز والإضرار للمسلمين:

لا تبذلوا برد النبي لعاجز

عزل يدافع دونه بالراح

بالأمس أوهى المسلمين جراحة

واليوم مدّ لهم يد الجراح

وعلى الرغم من انقطاع علاقة الأتراك بمصر والبلاد العربية ظل شوقي متصل القلب بهم يراقب حوادثهم، وبهذا الحافز اندفع إلى مدح مصطفى كمال عند انتصاره على اليونان، بقصيدة عارض بها (عمورية) أبي تمام، فكانت صورة عن عواطفه نحو الأتراك، وترجماناً عن شعوره العميق بالأخوة الإسلامية التي لا تفرق بين جنس وجنس:

الله أكبر كم في الفتح من عجب!

يا خالد الترك جدد خالد العرب

يوم كبدر فخيل الحق راقصة

على الصعيد وخيل الله في السحب

غر تظللها غراء وارفة

بدرية العود والديباج والعذب

ص: 78