الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومثل ذلك ما نراه في وصفه للطائرة، فهي لا تخرج عن كونها مركباً عجيباً، أشبه بالجواد، ملجماً مهيأ للركوب في كل لحظة:
مركب لو سلف الدهر به
…
كان إحدى معجزات القدماء
نصفه طير ونصف بشر
…
يا لها إحدى أعاجيب القضاء
مسرج في كل حين ملجم
…
كامل العدة مرموق الرواء
7_
الرثاء في شعر شوقي:
أكثر شوقي من الرثاء حتى عيب عليه ذلك فرد عن نفسه مدافعاً:
يقولون: يرثي الراحلين فويحهم
…
أأملت عند الراحلين الجوازيا؟
لم يتكسب برثائه ولكنه لم يرث بدافع من الحزن وحده، بل هناك دوافع شتى، كالمجاملة وحب الشهرة، ومرثيوه من طبقات مختلفة، سياسيون وأدباء وأجانب. . ومن خصائص رثائه ضعف العاطفة _ حتى في أبويه _ ثم التفلسف وكثرة الحكم، تقليداً للقدامى. فهو رثاء عقلي واعٍ، يقوم على هذه العناصر مضافاً إليها تعداد المناقب والمآثر، لنستمع إليه يرثي والده فينسى وصف حزنه بهذا التفلسف البارد:
أنا من مات ومن مات أنا
…
لقي الموت كلانا مرتين
نحن كنا مهجة في بدن
…
ثم صرنا مهجة في بدنين
وتموت أمه وهو منفي فلا يتمالك أن يتخذ من موتها فرصة لمعارضة قصيدة المتنبي في جدلة قافية ووزناً ومعنى، فيصيبه الإخفاق لما يبدو على قصيدته من التقليد الباهت، وبخاصة في الحكمة التي حاول أن يحاكي بها المتنبي، فجاءت فارغة جوفاء أو مسروقة محرفة:
إلى الله أشكو من عوادي النوى سهما
…
أصاب سويداء الفؤاد وما أصمى
ولم أرَ حكماً كالمقادير نافذاً
…
ولا كلقاء الموت من بينها حتما
إلى حيث آباء الفتى يذهب الفتى
…
سبيل يدين العالمون به قدما
زجرت تصاريف الزمان فما يقع
…
لي اليوم منها كان بالأمس لي وهما
وهكذا تخون العاطفة شوقياً في رثاء أقرب الناس إليه، فلا ينتظر أن يكون أشد عاطفة في رثاء الآخرين.
ولكن هذا لا يمنعه أن يجعل من بعض مراثيه صوراً بارعة، تهز النفوس بما فيها من قوة الحبك وروعة العبرة، كالذي نجده في رثائه لسعد وعمر المختار والحسين وفوزي الغزى، ولقد يبالغ في بعض هذه المراثي كما يصنع في سعد على طريقة أبي تمام:
شيعوا الشمس ومالوا بضحاها
…
وانحنى الشرق عليها فبكاها
ليتني في الركب لما أفلت
…
يوشع همت فنادى فثناها
ولكنها مبالغات مقبولة في هذا الموقف، إذ تمثل هول الفاجعة بقائد ركزت عليه الدعاية أنظار مصر والبلاد العربية جميعاً. . ثم يأخذ في تعداد مناقب سعد وأثر موته. . .
طافت الكأس بساقي أمة
…
من رحيق الوطنيات سقاها
عطلت آذانها من وتر
…
ساحر رن ملياً فشجاها
قدر بالمدن ألوى والقرى
…
ودها الأجيال منه ما دهاها
ومن خصائص شوقي في رثائه أنه يتحدث إلى الأموات فيسألهم ويخبرهم، فهو يخاطب الحسين بن علي فيسأله عن السبب الذي دفعه إلى التعاون مع الإنكليز:
قم تحدث أبا علي إلينا
…
كيف غامرت في جوار الأراقم
ويسأل رياض باشا عن أسرار الموت:
رهين الزمن حدثني ملياً
…
حديث الموت تبد لي العظات
سألتك: ما المنية، أي كأس
…
وكيف مذاقها، ومن السقاة!
ويلاحظ أن شوقياً إنما يلجأ إلى ذلك التهويل وهذه التساؤلات والتأملات ستراً لنقصه العاطفي في مواقف الرثاء، على أن أجمل رثائه ما بكى فيه ممالك المسلمين ومدنهم المنكوبة كالحمراء ودمشق وأدرنة، وما بكى فيه زوال الخلافة على يد أياتورك. ففي هذه المراثي يذوب قلب شوقي حسرة وألماً، فيأتي رثاؤه نابضاً بالحس مائجاً بالحياة. وأنى لشاعر غير شوقي أن يعرض مسجد بني أمية في مثل هذه الصورة الحزينة العميقة الباكية:
مررت بالمسجد المحزون أسأله
…
هل في المصلىّ أو المحراب مروان؟
تغير المسجد المحزون واختلفت
…
على المنابر أحرار وعُبدان
فلا الأذان أذان في منارته
…
إذا تعالى، ولا الآذان آذان
وأنىّ لغير الأعلين من فحول الشعراء أن يرتفعوا بمعانيهم وأخيلتهم وصياغتهم إلى مستوى الكارثة الكبرى المتمثلة بسقوط الخلافة، كما صنع شوقي؟
لقد أنشد في انتصار الطاغية على أوشاب اليونان أحفل قصائده بألَق البهجة والاعتزاز، فلما فوجئ بانقلابه المجرم على خلافة المسلمين، لم يستطع أن يحبس مشاعره الثائرة، فانطلق يندب تلك العروس التي اغتيلت ليلة الزفاف، بأيدي الذين تظاهروا بإنقاذها من أيدي أعدائها، وقد أعماهم الهوى حتى نسوا أن التي بها يفتكون إنما هي وشيجة فخرهم ومرتكز مآثرهم وأمجادهم، فعزهم يهدمون، وشرفهم يثلمون، ووحدة المسلمين يمزقون:
يا للَرجال لحرة موءودة
…
قتلت بغير جريرة وجناح
إن الذين أست جراحك حربهم
…
قتلتك سلمهمو بغير جراح
هتكوا بأيديهم ملاءة فخرهم
…
مَوْشِيةً بمواهب الفتاح
وعلاقة فصمت عرى أسبابها
…
كانت أبر علائق الأرواح
نظمت صفوف المسلمين وخطوهم
…
في كل غدوة جمعة ورواح
وفي غمار النكبة لا يفوته أن يوجه إلى العالم الإسلامي، وبخاصة الشعب