المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ شعره الوصفي: - شعر شوقي في ميزان النقد

[محمد المجذوب]

الفصل: ‌ شعره الوصفي:

وقد حرص على تريد هذه الدعوة في كثير من قصائده، ومن مشهور أقواله في ذلك:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت

فإن هُم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وهذا الرأي في قيمة الأخلاق دعاه إلى مخافة القول المألوف (الحق للقوة) إذ راح يذكر القائد الصليبي الجديد، اللورد (اللنبي) بأن للحق لا للقوة الغلبا. .

وهناك قصائد عديدة من شعر شوقي الاجتماعي يتغلغل بها إلى صميم القضايا الاجتماعية الوطنية والإنسانية تتفاوت في مقدار حظها من الجمال. ومن أروعها قصيدة (مصاير الأيام) وفيها يتحدث عن حياة الطفولة والمدرسة، و (مملكة النحل) وفيها يضرب المثل للجد وأثر العمل في ميزان الحياة.

وبالإجمال فشوقي في شعره الاجتماعي مصلح يريد الأمة قبل الفرد. وقد بلغ من أمره هذا ما جعله شاعر الشعب بل شاعر الشرق الإسلامي كما يقول أحد دارسيه.

ص: 85

6_

‌ شعره الوصفي:

للوصف في شعر شوقي نصيب كبير وفي وصفه روائع حلق بها إلى آفاق بعيدة، ويعتبر من أبرع الوصافين في عصر النهضة وبخاصة من حيث الصور المادية التي كان بها أكثر توفيقاً منه في الصور المعنوية.

ومن وصفه القديم كوصف الخمرة والمرأة والطبيعة، ومنه الحديث كوصف الرقص والطيارة والغواصة وحضارة الغرب، وقد تناول في وصفه بعض الموضوعات المطروقة من قبل فأخرجها في صور جديدة بارعة،، كوصفة آثار الفراعنة والحرب والمدن المنكوبة، وهو غني الصور في وصفه يمتاز بسعة الخيال ووفرة الألوان، ولعل أفضل وصفه ما قصد به إلى العبرة والموعظة، كوصفه نكبة دمشق والمسجد الأموي وقصر الحمراء.

ص: 85

ولقد فتن شوقي بجمال دمشق فهو يراها جنة من جنان الله، بل هي بالنسبة للأرض حديقتها التي تسكب عليها الجمال، وبردى في نظره حارس هذه الجنة، يخرج مصفقاً لاستقبال نزلائها، أما غوطتها فهي زمردة خضراء، وليست منتزهاتها إلا ملاعب ومسارح. . .

جرى وصفق يلقانا بها بردى

كما تلقاك دون الخلد رضوان

دخلتها وحواشيها زمردة

والشمس فوق لجين الماء عقيان

والحَوْر في دمّر أو حول هامتها

حُور كواشف عن ساق وولدان

وربوة الواد في جلباب راقصة

الساق كاسية والنحر عريان

وقد صفا بردى للريح فابتردت

لدى ستور حواشيهن أفنان

هكذا يمضي شوقي في هذا الوصف المترف لدمشق، فيجمع فيه من الألوان والظلال وصور البهجة واللهو ما يعبر عن طبيعته المشبعة بالترف النزاعة إلى اللذائذ.

وإذا وقف شوقي أمام آثار مصر القديمة غَمَره الخشوع، وتفاعلت نفسه بذكريات حزينة على مجد ضائع، فيعرض ما يراه من تلك الآثار ممزوجاً بأحاسيسه النفسية، في صور دقيقة تفرغ الحياة على تلك الجمادات. فلنستمع إليه يصف هيكل أنس الوجود بأسوان وقد غرق بعضه في الماء، وانتصب بعضه في الفضاء:

أيها المنتحي بأسوان داراً

كالثريا تريد أن تنقضا

اخلع النعل واخفض الطرف واخشع

لا تحاول من آية الدهر غضا

قف بتلك القصور في اليم غرقى

ممسكاً بعضها من الذعر بعضا

شاب من حولها الزمان وشابت

وشباب الفنون ما زال غضا

وليست أطلال العرب بأقل أثراً في نفس شوقي من أطلال الفراعنة،

ص: 86

ففي كلتيهما ما يوقظ أساه على هذه الأمة، التي خسرت أمجادها، فلم يبق لها منها سوى هذه الأطلال المحركة لعميق الذكريات.

هاهو ذا يصف قصر الحمراء في الأندلس، فتكاد تلمح الدموع تجول في مقلتيه، وتسمع الآهات تسيل على شفتيه:

مشت الحادثات في غرف الحمرا

ء مَشْيَ النعِيِّ في دار عرس

هتكت عزة الحجاب وفضت

سدة الباب من سمير وأنس

وترى مجلس السباع خلاء

مقفر القاع من ظباء وخُنس

مرمر قامت الأسود عليه

كلة الظفر لينات المجس

وكدأبه في مثل هذا الموقف تتداعى في خياله صور الماضي ممزوجة بعبر الحاضر، فيعرض هذا المشهد التاريخي الرهيب لخروج آخر فوج لمسلمي الأندلس:

خرج القوم في كتائب صم

عن حفاظ كموكب الدفن خُرس

ركبوا بالبحار نعشاً وكانت

تحت آبائهم هي العرش أمس

فهذا وصف دقيق عميق، تمتزج فيه المعنويات بالمحسوسات، امتزاجاً حياً مؤثراً يبعث الروح في أطلال الماضي بما فيها من الروعة والرهبة.

أما وصفه لمظاهر المدنية الحديثة، فلا نكاد نلمس من خلاله ما ألفناه من ذلك التأثر العميق الذي نحسه في وصفه لآثار العرب والفراعنة، أنظر إليه يصف الغواصة تجده يدقق في وصف خطرها، وتتبع حركاتها، وسرعة عملها، دون أن تحس بحرارة العاطفة:

بعث البحر بها كالموج من

لجج السند وخلجان الخزر

ضربتها وهي سر في الدجى

ليس دون الله تحت الليل سر

وجفت قلباً وخارت جوء جؤاً

ونزت جنباً وناءت من أُخر

طُعنت فانبجست فاستصرخت

فأتاها حَيْنها فهي خبر

فهو وصف معركة بين الغواصة والسفينة يروعنا بقوة تعبيره دون تأثيره.

ص: 87