الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التركي، بعض ما يستحقه من التقريع، على ما أحاط به ذلك الغادر من أمواج الحب والإعظام، التي أوهمته أن المسلمين سيصفقون لكل قرار يصدره ولو كان فيه تخريب الكيان الإسلامي بأسره:
تركته كالشبح المؤلّهِ أمة
…
لم تسلُ بعد عبادة الأشباح
هم أطلقوا يده كقيصر فيهمو
…
حتى تناول كل غير مباح
ويا لها وثبة عبقرية تلك التي تطل بشوقي على ما وراء مصرع الخلافة من فتوق، تفتح على العالم ما لا يمكن حصره من الآفات والكوارث، التي كانت الخلافة الناظمة لوحدة المسلمين هي الحاجز الواقي دونها، فبزوالها سيكون المسلمون فريسة لكل طامع، ونهبة لكل فتنة يثيرها الدجالون من المتقاتلين على تركة الخلافة:
مَن قائل للمسلمين مقالة
…
لم يوحها غير النصيحة واحي
فَلَتَسمعُنّ بكل أرض داعياً
…
يدعو إلى (الكذاب) أو لـ (سجاح)
وَلَتَشهدُنّ بكل أرض فتنة
…
فيها يباع الدين بيع سماح
ويأبى القدر إلا أن تتحقق توقعات شوقي فتمتلئ دنيا المسلمين خلال نصف قرن بالعشرات من أمثال (مسيلمة) وصاحبته (سجاح) . . . ولا حول ولا قوة إلا بالله!. . .
8_
شعر شوقي التمثيلي:
كان اللبنانيون أسبق الجميع إلى معالجة الفن المسرحي تقليداً للغربيين، وقد سبقوا إلى ترجمة المسرحيات الغربية، وإلى تمثيل بعضها، ثم ما لبثوا أن اتجهوا إلى وضع المسرحيات نثراً وشعراً.
ولما جاء شوقي كان الشعر التمثيلي العربي لا يزال يحبو في دور الطفولة، وكان شوقي قد تشبع بهذا الفن بما قرأ من التمثيليات الغربية وبما شهد منها على المسارح الأجنبية، مما أحدث في نفسه ميلاً إلى معالجة هذا الفن، فكانت أولى
محاولاته في فرنسة، إذ وضع أول تمثيلية ولكنه لم ينشرها، وانصرف عن ذلك الاتجاه زمناً حتى أتيح له أن يعود إليه بعد عودته من المنفى، وهنا أخذ شوقي في وضع تمثيلياته الشعرية التي قفزت بشهرته إلى الأوج، وكانت بنفسها حدثاً أدبياً كبيراً في عالم الشعر العربي الحديث، دفعه إلى ما نحسه اليوم في هذا الفن من حيوية تضمن له البقاء. ويمكن حصر هذا التأثير في ثلاثة أشياء:
أ _ في الوزن: كان الشعر التمثيلي قبل شوقي مقيداً بوحدة البحر في مجموع التمثيلية، فحطم شوقي هذا القيد، وجعل تمثيليته متعددة الأوزان يتنقل بها بين البحر والبحر، فيكسبها مرانة وحرية.
ب _ القافية: وكانت القافية في الشعر التمثيلي قبله واحدة في مجموع المسرحية، مما يبعث الملال في نفس القارئ والناظر، فحطم شوقي هذا القيد الآخر، إذ خرج بأشعار التمثيلية من القافية الواحدة إلى القوافي التعددة، في رشاقة محببة تبعث في التمثيلية القوة والحياة.
ج _ الحوار: وكذلك كان الحوار قبل شوقي في جمود يخالف طبيعة الحياة، وذلك أن شخص القصة لا يتم عبارته في أقل من بيت، فأجهز شوقي على هذا القيد الأخير، فإذا هو يتصرف في الحوار تصرفاً بارعاً، فيوزع البيت الواحد أحياناً بين عدة متكلمين من شخصيات القصة.
وهكذا نرى لشوقي فضلاً لا يجحد في إخضاع الشعر لفن التمثيل، فقد حرره من ثقل القيود فخالف في أنواعه، وخالف في أوزانه، وخالف في قوافيه، وذلل مطية الحوار، فقربه من طبيعة الواقع، وبذلك اتسع أمامه مجال القول وانطلق له عنان الفكر والخيال، وقد ساعدت شوقياً على مهمته هذه شاعريته المتدفقة، التي حجبت الكثير من نواحي ضعفه في هذا الفن، فقد ينقصه التوفيق الفني في بعض مشاهد تمثيلياته، ولكنه يعوض عن ذلك بوثبات شعرية رائعة تأخذ باب السامع والقارئ. . .
ومن خصائصه في تمثيلياته أن شعره يتلاءم مع مواقفه العاطفية فيلين