الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليهم به فهؤلاء قالوا يحب الكفر والفسوق والعصيان والظلم والبغي والفساد وأولئك قالوا لا يدخل تحت مشيئته وقدرته وخلقه وأولئك قالوا لا يكون في ملكه إلا ما يحبه ويرضاه وهؤلاء قالوا يكون في ملكه ما لا يشاء ويشاء ما لا يكون فسبحان الله وتعالى عما يقول الفريقان علوا كبيرا والحمد لله الذي هدانا لما أرسل به رسوله وأنزل به كتابه وفطر عليه عباده وبرأنا من بدع هؤلاء وهؤلاء فله الحمد والمنة والفضل والنعمة والثناء الحسن ونسأله التوفيق لما يحبه يرضاه وان يجنبنا مضلات البدع والفتن.
الباب التاسع والعشرون: في انقسام القضاء والحكم والإرادة والكتابة والأمر والإذن والجعل والكلمات والبعث
والإرسال والتحريم والانتباه إلى كوني متعلق بخلقه وإلى ديني متعلق بأمره وما يحقق ذلك من إزالة اللبس والإشكال.
هذا الباب متصل بالباب الذي قبله وكل منهما يقرر لصاحبه فما كان من كوني فهو متعلق بربوبيته وخلقه وما كان من الديني فهو متعلق بإلهيته وشرعه وهو كما أخبر عن نفسه سبحانه له الخلق والأمر فالخلق قضاؤه وقدره وفعله والأمر شرعه ودينه فهو الذي خلق وشرع وأمر وأحكامه جارية على خلقه قدرا وشرعا ولا خروج لأحد عن حكمه الكوني القدري وأما حكمه الديني الشرعي فيعصيه الفجار والفساق والأمران غير متلازمين فقد يقضي ويقدر ما لا يأمر به ولا شرعه وقد يشرع ويأمر بما لا يقضيه ولا يقدره ويجتمع الأمران فيما وقع من طاعات عبادة وإيمانهم وينتفي الأمران عما لم يقع من المعاصي والفسق والكفر وينفرد القضاء الديني والحكم الشرعي في ما أمر به وشرعه ولم يفعله المأمور وينفرد الحكم الكوني فيما وقع من المعاصي إذا عرف ذلك فالقضاء في كتاب الله نوعان كوني قدري كقوله: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ} وقوله: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} وشرعي ديني كقوله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} أي أمر وشرع ولو كان قضاء كونيا لما عبد غير الله والحكم أيضا نوعان فالكوني كقوله: {قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ} أي افعل ما تنصر به عبادك وتخذل به أعداءك والديني كقوله: {ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} وقد يرد بالمعنيين معا كقوله: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً} فهذا يتناول حكمه الكوني وحكمه الشرعي والإرادة أيضا نوعان فالكونية كقوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} وقوله: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} وقوله: {إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} وقوله: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} والدينية كقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقوله: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} فلو كانت هذه الإرادة كونية لما حصل العسر لأحد منا ولو وقعت التوبة من جميع المكلفين وبهذا التفصيل يزول الاشتباه في مسألة الأمر والإرادة هل هما متلازمان أم لا فقالت القدرية الأمر يستلزم الإرادة واحتجوا بحجج لا تندفع وقالت المثبتة الأمر لا يستلزم الإرادة واحتجوا بحجج لا تندفع والصواب أن الأمر يستلزم الإرادة الدينية ولا يستلزم الإرادة الكونية فإنه لا يأمر إلا بما يريده شرعا ودينا وقد يأمر بما لا يريده كونا وقدرا كإيمان
من أمره ولم يوفقه للإيمان مراد له دينا لا كونا وكذلك أمر خليله بذبح ابنه ولم يرده كونا وقدرا وأمر رسوله بخمسين صلاة ولم يرد ذلك كونا وقدرا وبين هذين الأمرين وأمر من لم يؤمن بالإيمان فرق فإنه سبحانه لم يحب من إبراهيم ذبح ولده وإنما أحب منه عزمه على الامتثال وأن يوطن نفسه عليه وكذلك أمره محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بخمسين صلاة وأما أمر من علم أنه لا يؤمن بالإيمان فإنه سبحانه يحب من عباده أن يؤمنوا به وبرسله ولكن اقتضت حكمته أن أعان بعضهم على فعل ما أمره ووفقه له وخذل بعضهم فلم يعنه ولم يوفقه فلم تحصل مصلحة الأمر منهم وحصلت من الأمر بالذبح.
فصل: وأما الكتابة فالكونية كقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} وقوله: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} وقوله: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} والشرعية الأمرية كقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} إلى قوله: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} وقوله: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} فالأولى كتابة بمعنى القدر والثانية كتابة بمعنى الأمر.
فصل: والأمر الكوني كقوله: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} وقوله: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} وقوله: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} وقوله: {وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً} وقوله: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا} فهذا أمر تقدير كوني لا أمر ديني شرعي فإن الله لا يأمر بالفحشاء والمعنى قضينا ذلك وقدرناه وقالت طائفة بل هو أمر ديني والمعنى أمرناهم بالطاعة فخالفونا وفسقوا والقول الأول أرجح لوجوده، أحدها أن الإضمار على خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا إذا لم يكن تصحيح الكلام بدونه، الثاني أن ذلك يستلزم إضمارين أحدهما أمرناهم بطاعتنا الثاني فخالفونا أو عصونا ونحو ذلك، الثالث أن ما بعد الفاء في مثل هذا التركيب هو المأمور به نفسه كقولك أمرته ففعل وأمرته فقام وأمرته فركب لا يفهم المخاطب غير هذا، الرابع أنه سبحانه جعل سبب هلاك القرية أمره المذكور ومن المعلوم أن أمره بالطاعة والتوحيد لا يصلح أن يكون سبب الهلاك بل هو سبب للنجاة والفوز فإن قيل أمره بالطاعة مع الفسق هو سبب الهلاك قيل هذا يبطل بالوجه الخامس وهو أن هذا الأمر لا يختص بالمترفين بل هو سبحانه يأمر بطاعته واتّباع رسله المترفين وغيرهم فلا يصح تخصيص الأمر بالطاعة بالمترفين يوضحه، الوجه السادس أن الأمر لو كان بالطاعة لكان هو نفس إرسال رسله إليهم ومعلوم أنه لا يحسن أن يقال أرسلنا رسلنا إلى مترفيها ففسقوا فيها فإن الإرسال لو كان إلى المترفين لقال من عداهم نحن لم يرسل إلينا، السابع أن إرادة الله سبحانه لإهلاك القرية إنما يكون بعد إرسال الرسل إليهم وتكذيبهم وإلا فقبل ذلك هو لا يريد إهلاكهم لأنهم معذورون بغفلتهم وعدم بلوغ الرسالة إليهم قال تعالى:{ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} فإذا أرسل الرسل فكذبوهم أراد إهلاكها فأمر رؤسائها ومترفيها أمرا كونيا قدريا لا شرعيا دينيا بالفسق في القرية فاجتمع أهلها على تكذيبهم وفسق رؤسائهم فحينئذ جاءها أمر الله وحق عليها قوله بالإهلاك والمقصود ذكر الأمر الكوني والديني ومن الديني قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ} وقوله: {نَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} وهو كثير
فصل: وأما الإذن الكوني فكقوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} أي بمشيئته وقدره وأما الديني فكقوله: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} أي بأمره ورضاه وقوله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} وقوله: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} .
فصل: وأما الجعل الكوني فكقوله: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً} وقوله: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} وقوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً} وهو كثير وأما الجعل الديني فكقوله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} أي ما شرع ذلك ولا أمر به وإلا فهو مخلوق له واقع بقدره ومشيئته وأما قوله: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ} فهذا يتناول الجعلين فإنها جعلها كذلك بقدره وشرعه وليس هذا استعمالا للمشترك في معنييه بل إطلاق اللفظ وإرادة القدر المشترك بين معنييه فتأمله.
فصل: وأما الكلمات الكونية فكقوله: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} وقوله: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} وقوله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق" فهذه كلماته الكونية التي يخلق بها ويكون ولو كانت الكلمات الدينية هي التي يأمر بها وينهى لكانت مما يجاوزهن الفجار والكفار وأما الديني فكقوله: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} والمراد به القرآن وقوله صلى الله عليه وسلم في النساء واستحللتم فروجهن بكلمة الله أي بإباحته ودينه وقوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} وقد اجتمع النوعان في قوله: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ} فكتبه كلماته التي يأمر بها وينهى ويحل ويحرم وكلماته التي يخلق بها ويكون فأخبر أنها ليست جهمية تنكر كلمات دينه وكلمات تكوينه وتجعلها خلقا من جملة مخلوقاته.
فصل: وأما البعث الكوني فكقوله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} وقوله: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ} وأما البعث الديني فكقوله: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} وقوله: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} .
فصل: وأما الإرسال الكوني فكقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} وقوله: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ} وأما الديني فكقوله: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} وقوله: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً} .
فصل: وأما التحريم الكوني فكقوله: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} وقوله: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} وقوله: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} وأما التحريم الديني فكقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} و {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} : {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} : {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} .
فصل: وأما الإيتاء الكوني فكقوله: {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ} وقوله: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} وقوله: {وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} وأما الإيتاء الديني فكقوله: {وَمَا آتَاكُمُ