الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن كنتَ من أهل المعرفة والذَّكاء، بانَ لك الحكماءُ والأطباء، وعرفتَ المقربين والأحباء، كان كنت من أهل الذَّوْق، عرفتَ الخلخالَ من الطَّوق، كان كنت من [أهل] العشق والمحبة، فَرَّقت بين العجوز والشبّه، كان كنتَ من أهل التورع، عرفتَ الأصلَ من الفرع، وإن كنتَ من جنس الثور والحمار، لم تعرفِ النافع من الضار، والماء [الحارَّ] من البارد، والبارد من الحار، والمطعم من الجزار.
* ف
أهلُ الله به كلِفُون
، يُسرعون إلى محبته وطاعته، ويَكْلَفون بعبادته ومحبته، يَغضبون لغضب الله، ويرضَوْن لرضاه.
قد تركوا هواهم لمولاهم، فوالاهم وأدناهم، وناداهم وحياهم، فليس الناس إلا هم.
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا الحافظُ أبو بكرِ بن المحبِّ: أنا القاضي سليمانُ: أنا الحافظُ ضياءُ الدينِ: أنا فاطمةُ بنتُ سعدِ الخيرِ: أخبرتنا فاطمةُ بنتُ محمدٍ: أنا ابن ربذةَ: أنا سليمانُ بن أحمدَ: ثنا أحمدُبن منصورٍ: ثنا محمدُ بن إسحاقَ: ثنا عبد الله بن محمدِ بن يحيى بن عروةَ، عن هشامِ بن عروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"أَنَّ مُوسَى عليه السلام قال: يا ربِّ! أخبرني بأكرِم خلقِك عليكَ، قال: الذي يُسرع إلى هوايَ إسراعَ النَّسرِ إلى هواه، والذي يَكْلَفُ بعباديِ. الصالحينَ كما يَكْلَفُ الصَّبِيُّ بالناس، والذي يغضَبُ إذا انْتُهِكَتْ محارمي غضبَ النَّمِرِ لنفسِه؛ فَإِنَّ النَّمِرَ إِذَا غَضِبَ، لَئم يُبَالِ أَقَلَّ النَّاسُ أَم كَثُرُوا"(1).
(1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(1839).
وأخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا المِزِّيُّ: أنا ابن أبي عمرَ، وابن البخاريِّ: أنا الإمامُ أبو الفَرَج: أنا حمدُ بن أحمَد: أنا أحمدُ بن عبد الله: ثنا أبي: ثنا أحمدُ بن محمدٍ: ثنا أبو عثمانَ سعيدُ بن عثمانَ: ثنا أبو الفيضِ ذو النونِ المصريُّ، قال: إن لله لصفوة من خلقه، كان لله عز وجل لخيرةً [من خلقه]، فقيل له: يا أبا الفيض! فما علامتُهم؟ قال: إذا خلع العبدُ الراحةَ، وأعطى المجهودَ في الطاعة، وأحبَّ سقوطَ المنزلة.
فقالماله بعضُ مَنْ كان في المجلس حاضراً: يا أبا الفيض! من هؤلاء القوم رحمك الله؟ فقال: ويحك! هؤلاء قومٌ جعلوا الركبَ لجباههم وساداً، والترابَ لجنوبهم مِهاداً، هؤلاء خالطَ القرآنُ لحومَهم ودماءهم، فعزلهم عن الأزواج، وحَرَّكهم بالإدلاج، فوضعوه على أفئدتهم فانفرجت، وضموه إلى صدورهم فانشرحت، وتصدعت هممهُم به فكدحت، فجعلوه لظلمتهم سِراجاً، ولنومهم مهاداً، ولسبيلهم مِنهاجاً، ولحجتهم إفلاجاً، يفرح الناسُ ويحزنون، وينام الناسُ ويسهرون، ويُفطر الناسُ ويصومون، ويأمن الناسُ ويخافون. فهم خائفون حَذِرون، وَجِلون مُشْفِقون مشمِّرون، مبادِرُون من الفوت، ويستعدُّون للموت، يتصغر جسيمُ ذلك عندهم لعظم ما يخافون من العذاب، وخطرِ ما يوعدون من الثواب، درجوا على شرائع القرآن، وتخلصوا بخالص القربان، واستناروا بنور الرحمن، فما لبثوا أن أنجز لهم القرآنُ موعودَه، وأوفى لهم عهودَه، وأحلَّهم سُعودَه، وأجارهم وعيدَه، فنالوا به الرغائب، وعانقوا به الكواعب، وأمنوا به العواطب،
وحذروا به العواقب، لأنهم فارقوا الدنيا بعين قالية، ونظروا إلى ثواب الآخرة بعين راضية، واشتروا الباقية بالفانية، فنِغمَ ما اتَّجروا وربحوا الدارين، وجمعوا الخيرين، واستكملوا الفضلين، بلغوا أفضل المنازل، بصبرِ أيامٍ قلائل، قطعوا الأيامَ باليسير، حذارَ يومٍ قمطرير، وسارعوا في المهلة، وبادروا خوفَ حوادث الساعات، ولم يركبوا أيامهم باللَّهو واللذات، بل خاضوا الغمرات للباقيات الصالحات، أوهن والثه قُوّتهم التعب، وَغيَّرَ لونَهم النَّصَب، وذكروا ناراً ذاتَ لهب، يتسارعون إلى الخيرات، منقطعين عن اللذات، بريئون من الريب والخنا، فهم خُرْسٌ فصحاء، عُمْيٌ بصراء، فعنهم تقصر الصفات، وبهم تدفع النقمات، وعليهم تتنزل البركات، فهم أحلى الناس منطقاً ومذاقاً، وأوفى الناس عهداً وميثاقاً، سراجُ العباد، ومنارُ البلاد، ومصابيحُ الدجى، ومعادنُ الرحمة، ومنابع الحكمة، وقوامُ الأمة، تَجَافى جنوبُهم عن المضاجع، فهم أقبلُ الناس للمعذرة، وأصفحُهم بالمغفرة، وأسمحُهم بالعطية، نظروا إلى ثواب الله بأنفُسٍ تائقة، وعيون وامقة، وأعمالٍ موافقة، فحلُّوا عن الدنيا مطيَّ رحالهم، وقطعوا منها حبالَ آمالهم، لم يدغ لهم خوفُ ربهم من أموالهم تليداً ولا عتيداً، فتراهم لم يشتهوا من الأموال كنوزَها، ولا من الأوبار خُزوزَها، ولا من المطايا عزيزَها، ولا من القصور مَشيدَها.
بلى! ولكنهم نظروا بتوفيق الله عز وجل وإلهامِه لهم، فحركهم ما عرفوا بصبر أيام قلائل، فصمُّوا عن المحارم، وكفوا أيديهم عن ألوان المطاعم، وهربوا بأنفسهم عن المآثم، فسلكوا من السبيل رشاده،
ومَهَّدُوا للرشاد مِهادَه، وشاركوا أهلَ الدنيا في آخرتهم، عزوا عن الرزايا، وغُصصِ المنايا، هابوا الموتَ وسكراتهِ، وكُرُباتهِ وفَجَعاته، ومن القبرِ وضِيقه، ومنكبر ونكيرٍ ومن ابتدارهما، وانتهارِهما وسؤالهما، ومن المقامِ بين يدي الله عز وجل، وأمنهم مولاهم من تلك المخاوف.
قال الحافظُ أبو نعيمٍ: وهم مصابيحُ الدجى، وينابيعُ الرشدِ والحِجَى، خُصُّوا بخفيِّ الاختصاص، واتقوا من التصنيع بالإخلاص (1).
* إن حضروا، لم يعرفهم من الناس غيرُ الخواص، وإن غابوا، لم يفقدهم غير شذوذٍ من ذوي الإخلاص.
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا القاضي سليمانُ: أنا الحافظُ ضياءُ الدين: أنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا أبو عليٍّ الحدادُ: أنا الحافظُ أبو نعيم: ثنا عبد الله بن محمدٍ، ومحمدُ بن أحمدَ، وجماعةٌ، قالوا: ثنا الفضلُ بن الحبابِ: ثنا شاذ بن فياضٍ: ثنا أبو قحذمٍ، عن أبي قِلابةَ، عن عبد الله بن عمرَ بن الخطابِ، قال: مرَّ عمرُ بن الخطاب بمعاذِ بن جبلٍ وهو يبكي، فقال: ما يبكيكَ يا معاذُ؟ فقال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أَحَبُّ العِبَادِ إِلَى الله تَعَالَى الأتْقِيَاءُ الأخْفِيَاءُ، الَّذِينَ إِذَا غَابوا، لَمْ يُفْقَدُوا، وَإِذَا شَهِدُوا، لَمْ يُعْرَفُوا، أولئك أَئِمَّةُ الهُدَى، وَمَصَابيحُ العِلْمِ"(2).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 14 - 15).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 15).
أَخْلصوا في العلم، وقَصَّروا الأمَل، تمرُّ الفتنُ، فتنجلي عنهم من غير ضرر، وتصقل قلوبهم، جلَي السيفِ من الران.
كما أخبرنا جدِّي وغيرُه: أنا الصلاحُ بن أبي عمرَ: أنا الفخرُ بن البخاريِّ: أنا الإمامُ أبو الفَرَجِ: أنا حمدُ بن أحمدَ: أنا أحمدُ بن عبد الله: ثنا أبو عمرِو بن حمدانَ: ثنا الحسنُ بن سفيانَ: ثنا أبو موسى إسحاقُ بن إبراهيمَ بن الهرويُّ: ثنا أبو معاويةَ عمرُو بن عبد الجبارِ السنجاريُّ: ثنا عبيدةُ بن حسانَ، عن عبد الحميدِ بن ثابتِ بن ثوبانَ مولى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: حدثني أبي، عن جدي، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: شهدتُ من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مجلساً، فقال:"طُوبَى لِلْمُخْلِصِينَ، أولئك مَصَابيحُ الهُدَى تنجَلِي عَنْهُم كُلُّ فِتنةً ظَلْمَاءَ"(1).
* إن قيل لهم الحقُّ، قبلوه، كان سئلوا ما عندهم، بذلوه، [ولو أنَّ] الحق كان لهم أو عليهم.
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا القاضي سليمانُ: أنا الحافظُ ضياءُ الدينِ: أنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا أبو عليٍّ الحدادُ: أنا الحافظُ أبو نعيمٍ: ثنا محمدُ بن أحمدَ: ئنا بشرُ بن موسى: ثنا يحيى بن إسحاقَ ح.
وأخبرنا جدِّي: أنا الصلاحُ بن أبي عَمر: أنا الفخرُ بن البخاريِّ: أنا حنبل: أنا ابن الحُصَينِ: أنا ابن المُذْهبِ: أنا أبو بكرٍ القطيعيُّ: أنا عبد الله بنُ الإمامِ أحمدَ: ثنا أبي، عن يحيى بن إسحاقَ: ئنا
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 16).
ابن لهيعةَ، عن خالدِ بن أبي عمرانَ، عن القاسمِ بن محمدٍ، عن عائشةَ، قالت: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَتَدْرُوَنَ مَنِ السَّابِقُونَ إِلَى ظِلِّ الله؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلمُ. قال: "الَّذينَ إِذَا أُعْطُوا الحَقَّ قَبِلُوهُ، وَإِذَا سُئِلُوهُ بَذَلُوهُ، وَحَكَمُوا لِلنَّاسِ كَحُكْمِهم لأَنْفُسِهِمْ"(1).
* استوى عندَهم الذهبُ والحجر، والصفوُ والكدر، والمادحُ والذامّ، وجميعُ أنواع الطعام، ولهذا كان أحمدُ يقول: طعامٌ دونَ طعام، وشرابٌ دونَ شراب، وأيامٌ قلائلُ.
وكان يقول: ما بينك وبين لذته، حتى ينزل من بلعومك.
وقال ولدُه: ما رأيتُ أبي أكلَ البطيخَ على سبيل التفكُّه، إلا أن يكون على سبيل الغذاء.
* قلوبُهم بالعرش مُعَلَّقَة، وبما جاء الله مصدِّقة، ينبسطون جَهْراً، وينقبِضُون سراً، يبسطهم الإرتياحُ والاشتياق، ويُقلقهم خوفُ القطيعة والفراقّ، مؤونَتُهم خفيفة، وأرواحُهم لطيفة، ومعاشرتُهم ظريفة.
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا القاضي سليمانُ: أنا الحافظُ ضياءُ الدينِ: أنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا أبو عليٍّ الحداد: أنا الحافظُ أبونعيمٍ: ثنا عبد الله بن محمدِ بن جعفرٍ: ثنا عبد الله بن محمدِ بن زكريا: ثنا سَلَمَةُ بنُ شَبيبٍ: ثنا الوليدُ بن إسماعيلَ: ثنا شيبانُ بن مهرانَ، عن خالدِ بن المغيرةِ، عن مكحولٍ، عن عياضِ بن
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 67).
غنمٍ: أنه سمعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ مِنْ خِيَارِ أُمَّتِي- فِيمَا نبَّأنِي المَلأُ الأعلَي، في الدَّرَجَاتِ العُلا - قَوْماً يَضْحَكُونَ جَهْراً مِنْ سَعَةِ رَحْمَةِ ربّهِم، وَيَبْكُونَ سِرّاً مِنْ خَوْفَ شِدَّةِ عَذَابِ رَبِّهِمْ، يَذْكُرُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ في بُيُوتهِ الطَّيِّبة، وَيَدَعُونَهُ بِألسِنَتِهم رَغَباً وَرهباً، وَيَسْأْلُونَهُ بِأَيْدِيهِم خَفْضاً وَرَفْعاً، ويشتاقون إليه بقلوبهم عَوْداً وبَدْءاً، مَؤُونَتهُم على الناس خفيفة، وعلى أنفسِهم ثقيلة، يَدِبُّون في الأرض حفاةً على أقدامهم دبيبَ النملِ بغيرِ مَرَع ولا بَذْخٍ ولا مُثْلَةٍ، يمشون بالسكينة، ويتقربون بالوسيلة، يلْبَسون الخُلْقان، ويَتْبعون البرهان، ويتلون الفرقان، ويقربون القربان، عليهم من الله شهود حاضرة، وأعين حافظة، ونعمٌ ظاهرة، يتوسمون العباد، ويتفكرون في البلاد، أجسادُهم في الأرض، وأعيثُهم في السماء، أقدامُهم في الأرض، وقلوبهم في السماء، أنفسُهم في الأرض، وأفئدتهم عند العرش، أرواحُهم في الدنيا، وعقولُهم في الآخرة، ليس لهم همّ إلا ما أمامهم، فنورُهم ومقامهم عند ربهم، ثم تلا هذه الآية:{ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: 14].
* يبادرون إلى حقِّ الله من غير تسويفٍ، ويوفون الطاعةَ من غير تطفيف (1).
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا القاضي سليمانُ: أنا الحافظُ ضياءُ الدينِ: أخبرتنا فاطمةُ بنتُ سعدِ الخيرِ: أخبرتنا فاطمةُ
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 16 - 17).
الجوردانيةُ: أنا ابن ربذةَ: أنا سليمانُ بن أحمدَ: ثنا محمدُ بن موسى: ثنا عمرُ بن يحيى: ثنا حكيمُ بن حزامٍ، عن أبي جناب، عن أبي الزبيرِ، عن جابرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال:"إِنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الله ثَلاثَاً. إِذَا رَأَى حَقّاً مِنْ حُقُوقِ الله، لَمْ يُؤَخِّرْهُ إِلَى أَيَّامٍ لا يُدرِكُها، وَأَنْ يَعمَلَ العَمَلَ الصَّالِحَ العَلانِيَة عَلَى قَوَامٍ مِنْ عَمَلِهِ في السَّرِيَرةِ، وَهُوَ يَجْمَعُ مَعَ ما يَعمَلُ صَلاحَ ما يُؤَمِّلُ".
قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فَهكذا وَلِيُّ الله"، وعقدَ بيدِه ثلاثاً، أو قالَ: ثلاثين (1).
* وهم أتمُّ الناسِ عقلَاّ، وأحسنُهم قولاً وفعلاً، زهدوا في الدنيا، وسارعوا إلى رضا الله في سائر الأشياء.
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن البالسيِّ: أنا المِزَّيُّ: أنا ابن أبي عمرَ، وابن البخاريِّ: أنا الإمامُ أبو الفَرَجِ: أنا حمدُ بن أحمدَ: أنا أحمدُ بن عبد الله: ثنا أبو بكرِ بن خلادٍ: ثنا الحارثُ بن أبي أسامةَ: ثنا داودُ بن المحبرِ: ثنا ميسرةُ بن عبدويهِ، عن حنظلةَ بن وداعةَ، عن أبيه، عن البراءِ بن عازبٍ: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ لله خَوَاصَّ يُسْكِنُهُمُ الرَّفيعَ مِنَ الجِنَانِ، كَانُوا أَعقَلَ النَّاسِ"، قلنا: يا رسولَ الله! صلى الله عليه وسلم وكيف كانوا أعقلَ الناس؟ قال: "كَانَتْ هِمَّتُهُمُ المُسَابَقَةَ إِلَى رَبِّهِمْ عز وجل وَالمُسَارَعَةَ إِلَى ما يُرْضِيهِ، وَزَهِدُوا في فُضُولِ الدُّنْيَا وَرِيَاشِها وَنَعِيمِهَا، وهانَتْ عَلَيْهِم فَصَبَرُوا قَلِيلاً، وَاسْتَرَاحُوا طَوِيلاً"(2).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 17).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 17).
وهذه قاعدةٌ معروفة من الناس: من تعبَ قليلاً، استراح طويلاً، ومن خافَ، أَدْلَجَ، ومن أدلجَ، بلغَ المنزلَ، ومن اجتهدَ، نالَ.
* وقد ذكر الله عز وجل كثيراً من صفاتهم في كتابه؛ كقوله:
أخبرنا أبو حفص المقرئُ: أنا أبو الحسن الموصليُّ: أنا المحبوبيُّ: أنبأ ابنةُ علوانَ: أنا أبو محمدٍ المقدسيُّ: أنا ابن المهتدي: أنا أبو طالب اليوسفيُّ: أنا ابن المُذْهبِ: أنا أبو بكرِ بن حمدانَ: أنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمدَ: ثنا شيبانُ: ثنا أبو هلالٍ: ثنا بكرُ بن عبد الله المزنيُّ، قال: لما أُلقي إبراهيمُ عليه السلام في النار، جأرت عامةُ الخليقةِ إلى ربها، فقالوا: يا ربِّ! خليلُك يُلقى في النار، فائْذَنْ لنا أن نُطفئَ عنه، قال: هو خليلي، ليس في في الأرض خليلٌ غيرُه، وأنا ربُّه، ليس له ربٌّ غيري، فإن استغاثَكُم، فَأغيثوه، وإلا، فدعوه. قال: فجاء مَلَكَ القَطْر فقالَ: يا ربّ! خليلُك يُلقى في النار، فائذنْ في أن أُطفئ عنه بالقَطْر، قال: هو خليلي، ليس لي في الأرض خليلٌ غيرُه، وأنا ربُّه، ليس له ربٌّ غيري، فإن استغاثك، فَأغِثْه، وإلا، فدعه، فلما أُلقي في النار، دعا ربَّه عز وجل، فقال الله:
{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69]، قال: فبردت يومئذ على أهل المشرق والمغرب، فلم ينضَجْ بها كُراعٌ (1).
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا المِزِّيُّ: أنا ابن أبي عمرَ، والفخرُ بن البخاري: أنا الإمامُ أبو الفَرَجِ: أنا حمدُ بن أحمدَ: أنا أحمدُ بن عبد الله: أنا أحمدُ بن السنديِّ: ثنا الحسنُ بن علويه: ثنا إسماعيلُ: ثنا إسحاقُ بن بشرٍ، قال: قال مقاتلٌ وسعيدٌ: لما جيء بابراهيمَ صلى الله عليه وسلم، فخلعوا ثيابه، وشدوا قماطه، ووُضع في المنجنيق، بكت السماءُ والأرض، والجبال والشمس والقمر، والعرش والكرسي والسحاب، والربح والملائكة، كلٌّ يقول: يا ربِّ! إبراهيمُ عبدُك بالنار يُحرق، فائذنْ لنا في نصرته، فقالت النار وبكت: يا ربِّ سَخَرتني لبني آدم، وعبدُك يحرَق بي، فأوحى الله إليهم: إن عبدي إيايَ عبدَ، وفي جنبي أوذي، إن دعاني، أجبته، وإن استنصركم، فانصروه. فلما رُمي استقبله جبريل عليه السلام بين المنجنيق والنار، فقال: السلامُ عليك يا إبراهيمُ، أنا جبريل، ألك حاجةٌ؟ قال: أما إليك، فلا، حاجتي إلى الله ربي، فلما قُذف في النار، سبقه إسرافيلُ، فسلط النار على قِماطه فأكلته، وقال الله عز وجل:{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69]، فلو لم يخلط بالسلام، لمات فيها برداً (2).
فهذه النارُ التي هي أضرُّ شيء لبني آدم، أرادَ عدوُّ الله إحراقَ
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 19 - 20).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 20).
نبىِّ الله وخليلهِ بها، فجعلَها الله عليه برداً وسلاما، حتى كانت عليه ألذَّ من جميع لذات الدنيا.
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا القاضي سليمانُ: أنا الحافظُ ضياءُ الدينِ: أنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا أبو عليٍّ الحدادُ: أنا الحافظُ أبونعيمٍ: ثنا الحسينُ بن محمدٍ: ثنا يحيى بن محمدٍ: ثنا يوسفُ القطانُ: ثنا مهرانُ بن أبي عمرَ: ثنا إسماعيلُ بن أبي خالدٍ، عن المنهالِ بن عمرٍو، قال: أُخبرت أنَّ إبراهيمَ عليه السلام لما أُلقي في النار، كان فيها ما أدري إما خمسين، وإما أربعين يوماً، قال: ما كنت أياماً ولياليَ قَطُّ أطيبَ عيشاً مني إذْ كنتُ فيها، ووَدِدتُ أنَّ عيشي وحياتي كلَّها مثل عيشي إذ كنت فيها (1).
فانظر إلى أضر شيء، بقدرة القادر صيره على حبيبه ألذَّ شيء، وكيف لا يكون كذلك، والعذابُ والنعيم، والضرُّ والنفع، الكل بيده، فهو القادرُ أن يجعل العذابَ نعيماً، والنعيمَ عذاباً، والضرَّ نفعاً، والنفعَ ضراً، والكلُّ بيده، إذا أراد شيئاً، فإنما يقول له: كن فيكون.
* وكذلك جعل الله عز وجل الضيقَ وقلَّةَ الدنيا لأوليائه لذةًّ، وجعل الاتساعَ من الدنيا وما فيها عذاباً لأهلها؛ فإن كثيرها هموم وغموم، وهي تدنس المتقين، كما قيل لأبي بكر رضي الله عنه: ألا تستعمل أهلَ بدرٍ؟ قال: إني أرى مكانَهم، ولكني أكره أن أُدَنِّسهم بالدنيا (2).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 20).
(2)
انظر: "حلية الأولياء" لأبي نعيم (1/ 37).
أخبرنا أبو حفص المقرئُ: أنا الإمامُ أبو الحسنِ: أنا المحبوبيُّ: أنبأ ابنةُ علوانَ: أنا أبو محمدٍ المقدسيُّ: أنا ابن المهتدي: أنا أبو طالبٍ اليوسفيُّ: أنا ابن المُذْهبِ، أنا أبو بكرٍ القطيعيُّ: ثنا عبد الله بن أحمدَ: حدثني أبي: ثنا يزيدُ: ثنا المسعوديُّ، عن عونِ بن عبد الله، قال: قالَ عبد الله: لا يبلغُ عبدٌ حقيقةَ الإيمانِ حتى يحلَّ بذروتهِ، ولا يحلُّ بذروته حتى يكونَ الفقرُ أحبَّ إليه من الغنى، والتواضعُ أحبَّ إليه من الشرف، وحتى يكونَ حامدُه وذامُّه عندَه سواءً (1).
قال: ففسرها أصحابُ عبد الله؛ قالوا: حتى يكون الفقرُ في الحلال أحبَّ إليه من الغنى في الحرام، والتواضعُ في طاعة الله أحبَّ إليه من الشرفِ في معصية الله، وحتى يكون حامدُه وذامُّه عندَه في الحقِّ سواءً.
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا القاضي سليمانُ: أنا الحافظُ ضياءُ الدين: أنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا أبو عليٍّ الحدادُ: أنا الحافظ أبو نعيمٍ: ثنا أبو محمدِ بن حيانَ: ثنا أحمد بن عليِّ بن الجارودِ: ثنا عبد الله بن سعيدٍ الكنديُّ: ثنا حفصُ بن غياثٍ، وأبو يحيى التيميُّ، قالا: عن ليثٍ، عن عثمانَ، عن زاذانَ، عن سلمانَ، قال: إن الله تعالى إذا أراد بعبدٍ شراً، أوَ هلَكَةً، نزعَ منه الحياءَ، فلم تلقَه إلامَقيتاً مُمَقَّتاً، فإذا كانَ مَقيتاً ممقَّتاً، نُزعت منه الرحمةُ، فلم تلقَهُ إلا فَظّاً غليظاً، فإذا كان كذلك، نُزعت معه الأمانةُ،
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 132).
فلم تلقه إلا خائنًا مخوَّنًا، فإذا كان كذلك، نزعتْ رِبْقَةُ الإسلام من عُنقه، فكان لعينًا ملعَّنًا (1).
وفي رواية: فلا يبالي الله في أيِّ وادٍ هلك (2).
وقال بعضهم: إذا كان كذلك، أهلكه الله بما شاء من غضبه.
أخبرنا أبو حفص المقرئُ: أنا الإمامُ أبو الحسنِ: أنا المحبوبيُّ: أخبرتنا ابنةُ علوانَ: أنا ابن المهتدي: أنا أبو طالبٍ اليوسفيُّ: أنا ابن المذهبِ: أنا أبو بكرٍ القطيعيُّ: أنا عبد الله بن الإمامِ أحمدَ: حدثني أبي: ثنا أَبو المغيرةِ: ثنا جريرٌ: ثنا حبيبُ بن عبيدٍ: أن رجلاً أتى أبا الدرداء، وهو يريد الغزو، فقال: يا أبا الدرداء! أوصني، فقال: اذكرِ الله في السراء، يذكرك في الضراء، وإذا أشرفت على شيء من الدنيا، فانظر إلى ما يصير (3).
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا القاضي سليمانُ: أنا الحافظُ ضياءُ الدين: أنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا أبو عليٍّ الحدادُ: أنا الحافظُ أبو نعيمٍ: ثنا محمدُ بن أحمدَ: ثنا بشرُ ابن موسى: ثنا أبو عبد الرحمن المقرئُ: ثنا سعيدُ بن أبي أيوبَ، عن عبد الله بن الوليدِ، عن عباسِ بن خليدٍ، عن أبي الدرداءِ: أنه قال: لولا ثلاثُ خلالٍ، لأحببتُ أن لا أبقى في الدنيا، قلت: وما هن؟ فقال:
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 204).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(8/ 147).
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 209).
لولا وضوعُ وجهي للسجود لخالقي في اختلاف الليل والنهار يكون تقدمة لحياتي، وظمأ الهواجر، ومقاعدةُ أقوامٍ ينتقون الكلام كما تنتقى الفاكهة، وتمامُ التقوى أن يتقي الله العبدُ حتى يتقيه في مثل مثقال ذرة، حتى يترك بعضَ ما يرى أنه حلال خشيةَ أن يكون حرامًا، يكون حاجزًا بينه وبين الحرام، إن الله تعالى قد بين لعباده الذي هو مصيرهم إليه، قال الله عز وجل:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8].
* فلا تحقرنَّ شيئًا من الشر أن تتقيه، ولا شيئًا من الخير أن تفعله (1).
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا القاضي سليمانُ: أنا الحافظُ ضياءُ الدين: أنا أبو جعفرٍ: أنا أبو عليٍّ: أنا الحافظُ أبو نعيمٍ: ثنا سليمانُ بن أحمدَ: ثنا المقدامُ بن داودَ: ثنا عليُّ بن معبدٍ: ثنا موهبُ بن راشدٍ: ثنا مالكُ بن دينارٍ، عن جلاسِ بن عمرٍو، عن أبي الدرداءِ، قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الله عز وجل يقولُ: أَنَا الله لا إِلَهَ إِلا أَنَا مَالِكُ المُلْكِ، وَمَلِكُ المُلُوكِ، قُلُوبُ المُلُوكِ في يَدِي، وَإِنَّ العِبَادَ إِذَا أَطَاعُونِي، حَوَّلْتُ قُلُوبَ مُلُوكِهِمْ عَلَيْهِمْ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَإِنَّ العِبَادِ إِذَا عَصَوْنِي، حَوَّلْتُ قُلُوبَ مُلُوكِهِمْ عَلَيْهِمْ بِالسَّخَطِ وَالنَّقْمَةِ، فَسَامُوهُمْ سُوءَ العَذَابِ، فَلا تَشْغَلُوا أَنْفُسَكُمْ بِالدُّعَاءِ عَلَى المُلُوكِ، وَلكن اشْغَلُوا أَنْفُسَكُمْ بِالذِّكْرِ والتَّضَرُّعِ إِلَيَّ أَكْفِكُمْ مُلُوكَكُمْ"(2).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 212).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 388).
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا أبي: ثنا عبد الله بن محمدٍ: ثنا الحسينُ بن الحسنِ: أنا الهيثمُ بن جميلٍ: ثنا عبد الغفورِ، عن همامٍ، عن كعبٍ، قال: إنا نجدُ أن الله تعالى يقول: إني أنا الله لا إله إلا أنا خالقُ الخلق، أنا الملكُ العظيمُ، دَيَّانُ يوم الدين، وملكُ الملوك، قلوبُهم بيدي، فلا تَشَاغَلُوا بذكرهم عن ذكري ودعائي والتوبةِ إليَّ حتى أُعَطِّفهم عليكم بالرحمة، فأجعلَهم رحمةً، وإلا جعلتهم نقمةً (1).
وبه إلى أبي نعيم: ثنا أبي: ثنا أبو الحسنِ بن أبانَ: ثنا عبد الله بن محمدِ بن سفيانَ: حدثني إسماعيلُ بن إبراهيمَ: حدثني صالحٌ، عن مالكِ بن دينارٍ، قال: قرأتُ في الحكمة: أن الله عز وجل يقول: أنا ملكُ الملوك، قلوبُ الملوك بيدي، فمن أطاعني، جعلتُهم عليه رحمةً، ومن عصاني، جعلتهم عليه نقمةً، فلا تشغلوا أنفسَكُم بسبِّ الملوك، ولكن توبوا إليَّ أُعَطِّفْهم عليكم (2).
وبه إلى أبي نعيم: ثنا سليمانُ: ثنا إسحاقُ بن عبد الرزاقِ: ثنا عمرُو بن حمدانَ: ثنا الحسنُ بن سفيانَ: ثنا بشرُ بن الحكم: ثنا عبد الرزاق: ثنا معمرٌ، عن صاحبٍ له: أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان: يا أخي! اغتنم صحتك وفراغك قبل أن ينزل بك من البلاء مالا يستطيع العباد ردَّه، واغتنمْ دعوةَ المبتلى (3).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 25).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 172).
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 214).
أخبرنا أبو حفصٍ المقرئُ: أنا الإمامُ أبو الحسنِ: أنا المحبوبيُّ: أنا ابنةُ علوانَ: أنا أبو محمدٍ المقدسيُّ: أنا ابن المهتدي: أنا أبو طالبٍ اليوسفيُّ: أنا ابن المذهبِ: أنا أحمدُ بن جعفرٍ: ثنا عبد الله ابن أحمد: ثنا أبي: ثنا الوليدُ بن مسلم: ثنا صفوانُ بن عمرٍو: حدثني عبد الرحمن بن جُبيرِ بن نُفيرٍ، عن أبيه، قال الوليد: وثنا ثورٌ، عن خالدِ بن معدانَ، عن جُبيرِ بن نُفيرٍ، قال: لما فُتحت قبرسُ، فُرِّقَ بينَ أهلِها، فبكى بعضُهم إلى بعض، ورأيتُ أبا الدرداء جالسًا وحَده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء! ما يُبكيك في يومٍ أعزَّ الله فيه الإِسلامَ وأهلهَ؟ قال: ويحكَ يا جبير!، ما أهونَ الخلقَ على الله إذا هم تركوا أمره! بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله، فصاروا إلى ما ترى (1).
وبه إلى الإِمام أحمدَ: ثنا معمرُ بن سليمانَ: ثنا قرابُ بن سليمانَ: أن أبا الدرداء كان يقول: ويلٌ لكلِّ جَمَّاعٍ فاغرٍ فاه كأنه مجنون، يرى ما عند الناس، ولا يرى ما عنده، لو يستطيع، لوصلَ الليلَ بالنهار، ويلَه من حساب غليظ، وعذاب شديد (2).
وبه إلى الحافظِ أبي نعيمٍ: ثنا أبي: ثنا أحمدُ بن محمدٍ: ثنا الربيعُ بن تغلبَ: ثنا فرجُ بن فضالةَ، عن لقمانَ بن عامرٍ، عن أبي الدرداءِ، قال: إياكم ودعوةَ المظلومِ، ودعوةَ اليتيم؛ فإنهما تسريانِ بالليلِ والناسُ نيامٌ (3).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 217).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 217).
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 221).
وبه إلى الإمامِ أحمدَ: ثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن أبي وائلٍ، قال: قالَ أبو الدرداءِ: مِنْ أبغضِ الناسِ إليَّ أن أَظلمَه مَنْ لا يستعينُ عليَّ إلا بالله عز وجل (1).
وبه إلى الحافظِ أبي نعيمٍ: ثنا أحمدُ بن إسحاقَ: ثنا عبد الله بن سليمانَ: ثنا عليُّ بن خشرمٍ: ثنا عيسى بن يونسَ، عن الأوزاعيِّ، عن حسانَ بن عطيةَ: أن أبا الدرداءِ كان يقول: اللهمَّ إني أعوذُ بكَ أن تلعنني قلوبُ العلماء، قيل: وكيف تلعنُك قلوبُهم؟ قا [ل]: تكرهني فتلعنني (2).
وبه إلى عبد الله بن الإمامِ أحمدَ: حدثني عبد الله بن صندلٍ: ثنا فضيلُ بن عياضٍ، عن سليمانَ بن مهرانَ، عن عمرِو بن مرةَ، عن عبد الله بن سلمةَ، قال: قال رجلٌ لمعاذِ بن جبلٍ: علمني، قال: وهل أنت مُطيعي؟ قال: إني على طاعتك لحريصٌ، قال: صُمْ وأَفطِرْ، وصَلِّ ونَمْ، واكتسبْ ولا تأثمْ، ولا تموتَنَّ إلا وأنت مسلمٌ، وإياكَ ودعوةَ المظلوم (3).
وبه إلى أبي نعيم: ثنا أبو محمَّد بنُ حيانَ: ثنا عبد الرحمن بن محمدٍ: ثنا هَنَّادُ بن السَّرِيِّ: ثنا وكيعٌ، عن يزيدَ بن إبراهيمَ، عن أبي هارونَ الغنويِّ، عن مسلمِ بن شدَّادٍ، عن عُبيدِ بن عُميرٍ، عن
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 221).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 223)، وليس فيه:"فتلعنني".
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 233).
أبي بن كعبٍ، قال: ما مِنْ عبد ترك شيئًا لله، إلا أبدَلُه الله به ما هو خيرٌ منه من حيثُ لا يحتسب، وما تهاون به أحدٌ، فأخذه من حيث لا يصلح، إلا آتاه الله عز وجل ما هو أشدُّ عليه منه من حيث لا يحتسب (1).
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا أحمدُ بن جعفرٍ: ثنا أبو بكرِ بن النعمانِ: ثنا محمدُ بن سعيدٍ: ثنا أبو جعفر الرازيُّ، عن الربيعِ بن أنسٍ، عن أبي العاليةِ، عن أبي بن كعبٍ، قال: المؤمنُ بينَ أربعٍ: إن ابتُلي صبر، وإن أُعطي شكر، وإن قال صدق، وإن حكم عدل، فهو يتقلَّب في خمسة من النور، وهو الذي بقول الله عز وجل:{نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور: 35]، فكلامُه نور، وعملُه نور، ومدخلُه في نور، ومخرجُه نورٌ، ومصيرهُ إلى النور يومَ القيامة، فكيفما تقلب، فهو في النور. والفاجرُ يتقلَّب في خمسة من الظُّلَم، فكلامُه ظُلمة، وعملُه ظلمة، ومدخلُه ظلمة، ومخرجُه في ظُلمة، ومصيرُه إلى الظلمةِ يومَ القيامة (2).
ولهذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ"(3).
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا أبو أحمدَ محمدُ بن أحمدَ: ثنا عبد الله بن محمدٍ: ثنا إسحاقُ بن راهويه: ثنا الفضلُ بن موسى، عن الوليدِ بن جُميع، عن أبي الطفيل، عن حذيفةَ، قال: ثلاثُ فتنٍ: والرابعةُ
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 253).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 255).
(3)
رواه البخاري (2315)، ومسلم (2579)، عن ابن عمر رضي الله عنهما.
تسوقُهم إلى الدجال: التي ترمي بالرضف، والتي ترمي بالنشف، والسوداءُ المظلمةُ التي تموج كموجِ البحر، والرابعة التي تسوقهم إلى الدجال (1).
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا زينبُ بنتُ الكمالِ: أنا يوسفُ بن خليلٍ: أنا محمدُ بن أبي زيدٍ: أنا الصيرفيُّ: أنا ابن فاذشاه: أنا الطبرانيُّ: ثنا إسحاقُ بن إبراهيمَ: ثنا عبد الرزاقِ: ثنا معمرٌ، عن أبي إسحاقَ، عن عمارةَ بن عبدٍ، عن حذيفةَ، قال: إياكُمْ والفتنَ لا يشخصُ إليها أحدٌ، هو الله! ما شَخَصَ إليها أحدٌ إلا نسفَتْه كما ينسفُ السيل الدِّمَنَ، إنها مشبهة مقبلة، حتى يقولَ الجاهلُ: هذه تشبهُ، وتبين مدبرة، فإذا رأيتموها، فاجتمعوا في بيوتكم، وكَسِّروا سيوفَكم، وقَطِّعوا أوتارَكُم (2).
وبه إلى أبي نعيمِ: ثنا أبو عبد الله الحسينُ بن حمويه: ثنا محمدُ بن عبد الله الحضرميُّ: ثنا مصرفُ بن عمرٍو: ثنا عبد الرحمن بن محمدِ بن طلحةَ، عن أبيه، عن الأعمشِ، عن أبي وائلِ، وزيدِ بن وهبٍ عن حذيفةَ، قال: إن للفتنة وَقَفاتٍ وبغتاتٍ، فمن استطاعَ أن يموتَ في وقفاتها، فليفعلْ، يعني بالوقفات: غمدَ السيف (3).
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا أبو إسحاقَ إبراهيمُ بن حمزةَ: ثنا الحسنُ بن
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 273).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 273)، ورواه الحاكم في "المستدرك"(8385).
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 274).
إبراهيمَ بن بشارٍ: ثنا عبد الله بن عمرانَ: ثنا جريرٌ، عن الأعمشِ، عن إبراهيمَ، عن همامٍ، عن حذيفةَ، قالَ: ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا ينجو فيه إلا مَنْ دعا بدعاءٍ كدعاءِ الغريق (1).
وبه إلى الحضرميِّ: ثنا محمدُ بن عبد الله بن نميرٍ: ثنا محمدُ بن بلالٍ، عن عمرانَ القطان، عن الأعمشِ، عن أبي وائلٍ، عن حذيفةَ، قال: ما الخمرُ صِرْفًا بأذهبَ بعقولِ الرجالِ من الفتنة (2).
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا أبو حامدِ بن جبلةَ: ثنا محمدُ بن إسحاقَ: ثنا عمرُ بن محمدٍ الأسديُّ: حدثني أبي: ثنا سلامُ بن مسكينٍ، قال: سمعتُ الحسنَ يقولُ: لما كانَ من أمر الناس ما كان من أمر الفتنة، أتوا عبد الله بن عمرَ، فقالوا: أنتَ سيدُ الناسِ، وابن سيدِهم، والناسُ بكَ راضون، اخرجْ نُبايِعْك.
فقال: لا والله! لا يُهَراق فيَّ محجمةٌ من دم، ولا في سببي ما كان فيَّ الروح.
قال: ثم أُتي، فَخُوِّف، فقيل له: لتخرجَنَّ، أو لتُقتلنَّ على فراشك.
فقالَ مثلَ قوله الأول.
قال الحسن: فو الله! ما استقلوا منه سنًا حتى لحق بالله عز وجل (3).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 274).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 274).
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 293).
وقد روينا في "الصحيح": أن معاوية لما حجَّ، خطبَ فقالَ: من كان يزعُم أنه أحقُّ منا بهذا الأمر، فليخرجْ، وفي رواية: فليبرزْ لنا قَرْنه، فنحنُ أحقُّ به منه ومن أبيه.
قال عبد الله بن عمرَ: فأردتُ أن أقول: أحقُّ منك بهذا الأمر مَنْ قاتَلَكَ وأباكَ على الإِسلام، فذكرتُ ما أعدَّ الله في الجِنان للمتقين، وخِفْت أن يُنقل عني غيرُ ذلك، فحلَلْتُ حَبْوتي، وسَكَتُّ، فقيل له: حُفظت، وعُصمت (1).
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا أبو حامدِ بن جبلةَ: ثنا محمدُ بن إسحاقَ: ثنا محمدُ بن الصباحِ: ثنا الوليدُ بن مسلمٍ: ثنا ابن جابر، عن القاسمِ بن عبد الرحمن: أنهم قالوا لابن عمرَ في الفتنة الأولى: ألا تخرجُ فتقاتل؟
قال: قد قاتلتُ والأنصابُ بينَ الركنِ والباب، حتى نفاها الله عز وجل من أرض العرب، فأنا أكره أن أقاتل من يقول: لا إله إلا الله.
قالوا: والله! ما رأيك ذلك، ولكنك أردت أن يُفني أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضُهم بعضًا، حتى إذا لم يبق غيرُك، قيل: بايعوا لعبد الله بن عمر بإمارة المؤمنين.
قال: والله! ما ذلك بي، ولكن إذا قلتم: حيَّ على الصلاة، أجبتكم [وإذا قلتم:] حيَّ على الفلاح، أجبتكم، فإذا افترقتم، لم
(1) رواه البخاري (3882).
أجامعكم، وإذا اجتمعتم، لم أفارقكم (1).
ولما أُصيب عمرُ رضي الله عنه، آيسه منها، فقال لأصحاب الشورى: يشهدُكم عبد الله، وليس له من الأمر شيء، كهيئة التعزيةِ له، فلم يلتفتْ إليها بعدَ ذلك، ولم يُرِدْها، ولم يقاتلْ عليها حين قاتل الناسُ عليها، وكان المرجعُ إليه، والإقتداءُ في الدنيا من الخلفاء وغيرهم، حتى إن الخليفةَ عبد الملك بن مروان بعثَ إلى نائبه الحجاجِ أن يقتديَ به في أمر الحجِّ، وأن يجعلهَ قدوةَ جميعِ الناس فيه، وأن يكونَ له تبعًا في ذلك.
حتى إن الحجاجَ ركبَ، وجاء إلى خدمته لأجل الاقتداء به، ومشى في خدمته، حتى إنه لمَّا أصيب في قدمه، قال له الحجاج: لو نعلمُ من أصابك؟ قال: أنت أصبتني، قال: وكيف أصبتك؟ قال: حملتَ السلاحَ في يوم لم يكن يُحمل فيه، وأدخلتَ السلاحَ الحرمَ، ولم يكن السلاحُ يدخل الحرم (2).
* فهذا المقام الذي كان فيه، وصار إليه، أعظمُ وأكبرُ وأجلُّ والله من مقام الخلافة؛ فإن قدوتهم كانت به، فهم محتاجون إليه، وليس به حاجة إليهم، فهو كان في مقام الإقتداء لهم ولغيرهم، وهذا مقام السلطنة الكبرى.
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا إبراهيمُ بن عبد الله: ثنا محمدُ بن إسحاقَ:
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 294).
(2)
رواه البخاري (923) عن سعيد بن جبير.
ثنا قتيبةُ بن سعيدٍ: ثنا محمدُ بنُ يزيدَ: ثنا عبد العزيزِ بن أبي روادٍ: ثنا نافعٌ، قال: دخل ابن عمرَ رضي الله عنه الكعبةَ، فسمعتُه وهو ساجد يقول: قد تعلمُ ما يمنعني من مزاحمة قريشٍ على هذه الدنيا إلا خوفُك (1).
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا القاضي عبد الله بن محمدِ بن عمرَ: ثنا عليُّ بن سعيدٍ: ثنا عبادُ بن الوليدِ: ثنا قرةُ بن حبيبٍ: ثنا عبد الله بن بكرٍ، عن عبيدِ الله (2) بن عمرَ، عن نافعٍ، عن ابن عمرَ: أنه أتاه رجلٌ، فقال: يا أبا عبد الرحمن! أنت ابن عمرَ، وصاحبُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم -وذكر من مناقبه-، فما يمنعك من هذا الأمر؟ قال: يمنعني أن الله تعالى حَرَّم عليَّ دم المسلم.
قال فإن الله عز وجل يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: 193].
قال: قد فعلْنا، قاتلناهم حتى كان الدينُ لله، فأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكونَ فتنةٌ، ويكونَ الدينُ لغير الله عز وجل (3).
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا زينبُ بنتُ الكمالِ: أنا يوسفُ بن خليلٍ: أنا ابن أبي زيدٍ: أنا الصيرفيُّ: أنا ابن فاذشاه: أنا الطبرانيُّ: ثنا عبد الله بن أحمدَ بن حنبلٍ: ثنا الحكمُ بن
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 292).
(2)
في الأصل: "عبد الله" بدل "عبيد الله".
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 292 - 293).
موسى: ثنا إسماعيلُ بن عياش: حدثني المطعمُ بن المقدامِ الصنعانيُّ، قال: كتبَ الحجاجُ بن يوسفَ إلى عبد الله بن عمرَ: بلغني أنك طلبتَ الخلافةَ، وإن الخلافةَ لا تصلُح لِعَيِيٍّ، ولا بخيلٍ، ولا غيورٍ.
فكتب إليه ابن عمرَ: أما ما ذكرتَ من الخلافة أني طلبتُها، فما طلبتُها، وما هي من بالي، وأما ما ذكرتَ من العيِّ والبخلِ والغيرة، فإنَّ من جمعَ كتابَ الله، فليسَ بعييِّ، ومن أَدَّى زكاةَ ماله، فليس ببخيل، وأما ما ذكرتَ من الغيرة، فإن أحقَّ ما غِرْتُ فيه ولدي أن يشرَكني فيه غيري (1).
أخبرنا أبو حفص المقرىُ: أنا الإمامُ أبو الحسن الموصليُّ: أنا المحبوبيُّ: أخبرتنا ستُّ الأهلِ ابنةُ علوانَ: أنا أبو محمدٍ المقدسيُّ: أنا ابن المهتدي: أنا أبو طالبٍ اليوسفيُّ: أنا ابن المذهبِ: أنا أبو بكر أحمدُ بن حمدانَ القطيعيُّ: أنا الإمامُ أبو عبد الرحمن عبد الله بنُ الإمامِ أحمدَ: حدثني أبي: ثنا ابن ادريسَ: ثنا حصينٌ، عن سالمِ بن أبي الجعد، عن جابرٍ، قال: ما رأيتُ، أو ما أدركتُ أحدًا إلا قد مالَتْ به الدنيا، أو مال بها، إلا عبد الله بن عمرَ (2).
فأما قولُ هذا المُبيرِ: إنه لا يصلُح للخلافة، وإنه أرادها، فهذا كذبٌ وافتراء.
وأما قوله: إنها لا تصلُح لعيي ولا بخيل ولا غيور.
يتهمه بالعِيِّ، فإن هذا عينُ الكذبِ والإفتراء، فقد كانَ من أشجع
(1) رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(13048).
(2)
ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 294).
الصحابة، ومن أكرم الصحابة، ووألله! ما بينه وبين أستاذِ الحجاجِ عبد الملكِ بن مروانَ مسافة في الكرم؛ فإن عبد الملك مشهورٌ بالبخل، وقد ذكره غيرُ واحد من العلماء من البخلاء، وعدُّوا ابن عمرَ من الأجواد.
كما أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا القاضي سليمانُ: أنا الحافظُ ضياءُ الدين: أنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا أبو عليٍّ الحدادٌ: أنا الحافظُ أبو نعيمٍ: ثنا إبراهيمُ بن عبد الله: ثنا محمدُ بن إسحاقَ: ثنا قتيبةُ بن سعيدٍ: ثنا محمدُ بن يزيدَ: ثنا عبد العزيزِ بن أبي روادٍ، عن نافعٍ، قال: كان ابن عمرَ إذا اشتدَّ عُجْبُه بشيء من ماله، قَرَّبه لربه عز وجل.
قال نافع: وكان رقيقهُ قد عرفوا ذلك منه، فربما شَمَّرَ أحدُهم، فيلزم المسجدَ، فاذا رآه ابن عمرَ -رضي الله تعالى عنه- على تلك الحالة الحسنة، أعتقه.
فيقول له أصحابه: يا أبا عبد الرحمن! والله! ما بهم إلا أن يخدعوك.
فيقول: من خَدَعَنا بالله عز وجل، انخدَعْنا له.
قال نافع: فلقد رأيتنا ذاتَ عشية، وراح ابن عمرَ على نجيبٍ له قد أخذه بمال، فلما أعجبه سيرُه، أناخَهُ مكانه، ثم نزلَ عنه، فقال: يا نافع! انزعوا زمامَه ورحلَه وجَلِّلوه وأَشْعِروه وأَدخلوه في البُدْن (1).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 294 - 295).
فكان لا يعجبه شيء من ماله إلا قَدَّمه لله عز وجل. وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا أبو حامدِ بن جبلةَ: ثنا أبو العباسِ الثقفيُّ: ثنا محمدُ بن الصباحِ: ثنا سفيانُ، عن عبيدِ الله، عن نافعٍ، قال: بينا ابن عمرَ يسير على ناقة، إذ أعجبتْهُ، فقال: إخ إخ، فأناخها، ثم قال: يا نافعّ! حُطَّ عنها الرحلَ، فكنتُ أرى أنه لشيء يريده، أو لشيء رابَهُ منها، فحططتُ الرحلَ.
فقال لي: انظرْ هل ترى عليها مثلَ رأسها.
فقلت: أنشدك إنك إن شئت بعتها، واشتريت بثمنها.
قال فجللها، وقلَّدها، وجعلَها في بُدْنِه، وما أعجبَه من ماله شيء قَطُّ إلا قَدَّمه (1).
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا أحمدُ بن محمدِ بن سنانَ: ثنا محمدُ بن إسحاقَ: ثنا عمرُو بن زُرارةَ: ثنا أبو عبيدةَ الحدادُ، عن عبد الله بن أبي عثمانَ، قال: كان عبد الله بن عمرَ أعتقَ جاريتَه التي يقال لها: رُمَيثة، فقال: إني سمعتُ الله عز وجل قال في كتابه: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، وإني والله! إن كنتُ لأحبُّك في الدنيا، اذهبي فأنت [حرة] لوجه الله عز وجل (2).
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا القاضي أبو أحمدَ: ثنا جعفرُ بن محمدٍ: ثنا محمدُ بن سعيدٍ: ثنا أبو عاصمٍ، عن مالكِ بن مِغْوَلٍ، عن إبراهيمَ بن
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 295).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 295).
مهاجرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمرَ، قال: لما نزلت: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، دعا ابن عمرَ جاريةً له، فأعتقها (1).
أخبرنا أبو حفصٍ المقرىُ: أنا الإمامُ أبو الحسنِ: أنا المحبوبيُّ: أخبرتنا ابنةُ علوانَ: أنا أبو محمدٍ المقدسيُّ: أنا ابن المهتدي: أنا أبو طالبٍ اليوسفيُّ: أنا ابن المذهبِ: أنا أبو بكرٍ القطيعيُّ: أنا عبد الله بن أحمدَ: حدثني أبي: ثنا عبد الأعلى، عن بردٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمرَ: أنه كان لا يُعجبه شيء من ماله إلا خرج منه لله عز وجل.
قال: وكان ربما تصدق في المجلس الواحد بثلاثين ألفًا.
قال: وأعطاه ابن عامرٍ ثلاثين ألفًا، فقال: يا نافعُ! إني أخاف أن تفتنني دراهمُ ابن عامر، اذهبْ فأنت حرٌّ.
قال: وكان لا يُدْمِنُ اللحمَ شهرًا إلا إذا كان مسافرًا، أو في رمضان، وكان يمكث الشهر لا يذوق فيه مُزْعَة لحم (2).
وبه إلى الطبرانيِّ: ثنا محمدُ بن السَّرِيِّ: ثنا الحكمُ بن موسى: ثنا يحيى بن حمزةَ: عن بردِ بن سنان، عن نافعٍ، قال: إنْ كان ابن عمرَ ليقسمُ في المجلسِ الواحدِ ثلاثين ألفًا، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل فيه مُزْعَةً لحم (3).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 295).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 295).
(3)
رواه الطبراني في "المعجم الكبير"(13045).
وبه إلى الإمامِ أحمدَ: ثنا خالدُ بن حيانَ: ثنا عيسى بن كثيرٍ، عن ميمونِ بن مهرانَ، قال: أتت ابن عمر اثنان وعشرون ألفَ دينار في مجلس، فلم يقم حتى فرقها (1).
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا أبو حامدِ بن جبلةَ: ثنا محمدُ بن إسحاقَ: ثنا أبو همامٍ: ثنا عمرُ بن عبد الواحدِ، عن عمرَ بن محمدٍ، عن نافعِ، قال: ما ماتَ ابن عمرَ حتى أعتقَ ألفَ إنسانٍ، أو زادَ (2).
وبه إلى الإمامِ أحمدَ: ثنا هاشمُ بنُ القاسمِ: ثنا عاصم -يعني: ابن محمدٍ- عن أبيه، قال: أعطى ابن جعفرٍ بنافعٍ عشرةَ آلاف، أو ألفَ دينارٍ، فقلتُ: يا أبا عبد الرحمن! فما تنتظر أن تبيع؟ قال: فهلا ما هو خير من ذلك، هو حرٌّ لوجه الله عز وجل (3).
وبه إلى الإمامِ أحمدَ: ثنا وكيعٌ: ثنا المغيرةُ بن زيادٍ، عن نافعٍ، قال: باع ابن عمر أرضًا له بمئتي ناقة، فحمل على مئة منها في سبيل الله، واشترط على أصحابها أن لا يبيعوا حتى يجاوزوا بها وادي القرى (4).
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا أحمدُ بن محمدِ بن سنانَ: ثنا أبو العباسِ السراجُ: ثنا عمرُو بن زرارةَ: ثنا إسماعيلُ، عن أيوبَ، عن نافعٍ، أن
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 296).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 296).
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 296).
(4)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 296).
معاويةَ بعثَ إلى ابن عمرَ مَائةَ ألف، فما حالَ الحولُ وعنده منها شيء (1).
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا الحسنُ بن محمدٍ: ثنا إسماعيلُ بن إسحاقَ: ثنا سليمانُ بن حربٍ: ثنا أبو هلالٍ: ثنا أيوبُ بن وائلٍ، قالَ: قدمتُ المدينة، فأخبرني رجلٌ جارٌ لابن عمرَ: أنه أتى ابن عمرَ أربعةُ اَلافٍ من قِبل معاويةَ، وأربعةُ اَلافٍ من قِبَلِ آخرَ، وألفانِ من قبل آخر، وقطيفةٌ فجاء إلى السوق يريد عَلَفًا لراحلته بدرهمٍ نسيئةً، فقد عرفتُ الذي جاءه، فأتيتُ سُرِّيته فقلت: إني أريد أن أسألكِ عن شيء، وأحبُّ أن تَصْدُقيني.
فقلتُ: أليس قد أتت أبا عبد الرحمن أربعةُ آلاف من قِبل معاوية، وأربعةُ آلاف من قِبل إنسان آخر، وألفان من قِبل آخرَ، وقطيفة؟
قالت: بلى.
قلت: فإني رأيتُه يطلب عَلَفًا بدرهمٍ نسيئةً.
قالت: ما بات حتى فَرَّقها، فأخذَ القطيفةَ فألقاها على ظهره، ثم ذهبَ فوجَّهها، ثم جاء.
فقلت: يا معشر التجار! ما تصنعون بالدنيا، وابن عمر أتته البارحة عشرةُ آلاف درهم، فأصبح اليوم يطلب لراحلته عَلَفًا بدرهم نسيئة (2)؟!
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 296).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 296 - 297).
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا سليمانُ بن أحمدَ: ثنا أبو يزيدَ القراطيسيُّ: ثنا نعيمُ بن حمادٍ: ثنا ابن المباركِ، عن عمرَ بن محمدٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمرَ: أنه اشتكى، فاشترى له عنقود عنب بدرهم، فجاء مسكينٌ، فقال: أَعطُوه إياه، قال: فأعطَوه إياه، فخالف إليه إنسانٌ، فاشتراه منه بدرهم، ثم جاء به إليه، فجاء المسكينُ يسأل، فقال: أَعطوه إياه، فأعطوه إياه، فخالف إنسان، فاشتراه منه بدرهم، ثم جاء به إليه، فجاءه المسكينُ يسأل، فقال: أَعطوه إياه، ثم خالف إنسان، فاشتراه منه بدرهم، فأراد أن يرجع، فمنع، وأتى به فأكله، ولو علم ابن عمر بذلك العنقود، ما ذاقه (1).
وبه إلى الإمامِ أحمدَ: ثنا يزيدُ بن هارونَ: ثنا مستلمُ بن سعيدٍ الثقفيُّ، عن حبيبِ بن عبد الرحمن، عن نافعٍ: أن ابن عمرَ اشتهى عنبًا وهو مريض، فاشتريتُ له عنقودًا بدرهم، فجئت به، فوضعته في يده، فجاء سائل، فقام على الباب فسأل، فقال ابن عمر: ادفعْه في يده، قال: قلت: كلْ منهُ، ذُقْه، قال: لا، ادفعْه إليه، فدفعتُه إليه، قال: فاشتريتُه منه بدرهم، فجئت به إليه، فوضعته في يده، فعاد السائل، فقال ابن عمر: ادفعْه إليه، قلتُ: ذُقْه، كُلْ منه، قال: ادفعْه إليه، فدفعتُه، فما زال يعود السائل ويأمر بدفعه إليه حتى قلتُ للسائل في الثالثة أو الرابعة: ويحكَ! ما تستحي؟ فاشتريتُه منه بدرهم، فجئت به إليه، فأكله (2).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"((1/ 297).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 297).
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا إبراهيمُ بن عبد الله: ثنا محمدُ بن إسحاقَ: ثنا قتيبةُ بن سعيدٍ: ثنا الليثُ بن سعدٍ، عن خالدِ بن يزيدَ، عن سعيدِ بن أبي هلالٍ: أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه نزل الجُحْفَة وهو شاكٍ، فقال: إني لأشتهي حيتانًا، فالتمسوا له، فلم يجدوا له إلا حوتًا واحدًا، فأخذَتْه امرأته صفيةُ بنتُ أبي عبيد، فصنعته، ثم قربته إليه، فأتاه مسكينٌ حتى وقف عليه، فقال له [ابن] عمر: خذه، فقال أهلُه: سبحانَ الله! قد عَنَّيْتَنا، ومعنا زادٌ نعطيه، فقال: إن عبد الله يحبُّه (1).
وكان لا يحبُّ شيئًا إلا خرجَ عنه لله.
وبه إلى أبي نعيمِ: ثنا أبو محمدِ بن حيانَ: ثنا أبو يحيى الرازيُّ: ثنا هنادُ بن السريِّ: ثنا قَبيصةُ بن عقبةَ: ثنا قيسُ بن سليمٍ العنبريُّ، عن أبي بكرِ بن حفصٍ: أن عمرَ بن سعدٍ قال: اشتكى ابن عمر، فاشتهى حوتًا، فصُنع له، فلما وُضع بين يديه، جاء سائل، فقال: أعطوه الحوتَ، قالت امرأتُه: نعطيه درهمًا، فهو أنفعُ له من هذا، واقْضِ أنتَ شهوتَك منه، فقال: شهوتي ما أريد (2).
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا محمدُ بن عليٍّ: ثنا الحسينُ بن أبي معشرٍ: ثنا أبو الخطابِ: ثنا حاتمُ بن وردانَ: ثنا أيوبُ، عن نافعٍ، قال: اشتهى ابن عمر رضي الله عنه حوتًا، فاشتريتُ له سمكة، فشُويت، فوُضعت بين يديه، فجاء سائل يسأل، فأمر بها كما هي، ما ذاق منها
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 297).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 298).
شيئًا، فقالوا: نعطيه خيرًا من ثمنها، فأبى (1).
وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا إبراهيمُ بن عبد الله: ثنا محمدُ بن إسحاقَ: ثنا قتيبةُ بن سعيدٍ: ثنا كثيرُ بن هشامٍ: ثنا جعفرُ بن برقانَ: ثنا ميمونُ بن مهرانَ: أن امرأةَ ابن عمر عوتبت فيه، فقيل لها: أما تلطفين بهذا الشيخ؟ فقالت: فما أصنعُ به؟ لا نصنع له طعامًا إلا دعا عليه من يأكله، فأرسلَتْ إلى قوم من المساكين كانوا يجلسون في طريقه إذا خرج من المسجد، فأعطتهم، وقالت لهم: لا تجلسوا بطريقه، ثم جاء إلى بيته، فقال: أرسلوا إلى فلان، وإلى فلان، وكانت امرأته أرسلتْ إليهم بطعام، وقالت: إن دعاكم، فلا تأتوه، فقال ابن عمر: أردتم أن لا أتعشى الليلةَ، فلم يتعشَّ تلك الليلة (2).
ولو ذهبنا نذكر جميعَ حكايات كرمه وجوده، وخيره ودينه، لطال بنا الأمر، وبلغ عدة مجلدات، وكل ذلك يردُّ قولَ هذا الغبيِّ (3) الذي قد أفسدَ على نفسه أمرَ آخرته؛ من أنه بخيل، وكيف افترى ذلك وتقوَّله، وحكاياتُ بخلهِ وبخلِ أستاذه (4) مشهورةٌ.
* وقد ذكر ابنُ عبدِ ربِّه عبدَ الملكِ يذمه، وأنَّه من البخلاء [
…
].
وذكر عنه حكاياتٍ عديدةً في ذلك، منها:
أنه أكل عنده مرة أعرابي، فتأخر بعد الناس، فجعل يلاحظه، فقال
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 298).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 298).
(3)
يعني: الحجَّاج.
(4)
يعني: عبد الملك بن مروان.