المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ وصف الأبرار الأخيار - صب الخمول على من وصل أذاه إلى الصالحين من أولياء الله

[ابن المبرد]

الفصل: ‌ وصف الأبرار الأخيار

له: يا أعرابي! على لقمتك شعرة، فقال الأعرابي: وإنك لتلاحظني ملاحظةَ مَنْ يرى الشعرةَ على لقمتي! والله! لا أكلت بعدها على مائدتك قط.

إلى غير ذلك من الحكايات الردية.

فيا لله العجب! كيف نالته الخلافة مع ذلك.

* عدنا إلى‌

‌ وصف الأبرار الأخيار

، الذين من آذاهم أو ضرهم أو عاداهم، أكبه الله وأتعس ماله، وأخمله وأخمل مقاله، وأفسد حاله، ونكس أعلامه، وأذل رجاله.

من عادى ربه كيف يسعد؟! ومن بارزه بالمحاربة كيف يحمد؟! لا تغتر بكثير أعوانك، ولا بجنودك، وكبير سلطانك، ولا يغرنك الشيطان بكثرة الأعوان، {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 99 - 100]، {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّه} [البقرة: 249]، ومن كان مع الله، كان الله معه، ومن زرع التقوى، حمد عند الحصاد ما زرعه، ومن دعاه، سمعه، ومن استغاث به، نفعه.

أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا ابن المحبِّ: أنا القاضي سليمانُ: أنا الحافظُ ضياءُ الدينِ: أنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا أبو عليٍّ الحدادُ: أنا أبو نعيمٍ: ثنا أبو أحمدَ محمدُ بن أحمدَ: ثنا الحسنُ بن محمدِ بن بهرام: ثنا يحيى بن أيوبَ: ثنا عبادُ بن عبادٍ: ثنا الحجاجُ بن فرافضةَ، عن رجلين سماهما، عن الزهريِّ، عن عبيدِ الله بن عبد الله، عن ابن عباسٍ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ له: "يَا غُلامُ! أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ

ص: 89

يَنْفَعُكَ الله عز وجل بِهِنَّ؟ احْفَظِ الله يَحْفَظْكَ، احْفَظِ الله تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إلى الله في الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ، إِذَا سَأَلْتَ، فَاسْأَلِ الله، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ، فَاسْتَعِنْ بِالله، جَفَّ القَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ، وَلَوِ اجْتَمَعَ الخَلْقُ عَلَى أَنْ يُعْطُوكَ شَيْئًا لَمْ يَكْتُبْهُ الله لَكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، وَعَلى أَنْ يَمْنَعُوكَ شَيْئًا كَتَبَهُ الله لَكَ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَاعْمَلْ لله بِالرِّضَا في اليَقِينِ، وَاعْلَمْ أَنَّ في الصَّبْرَ عَلَى ما تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيراً، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا" (1).

وقد قال الله عز وجل في كتابه {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5 - 6].

قالوا: ولن يغلب عسرٌ يُسرينِ.

وبه إلى الحافظِ أبي نعيمٍ: ثنا أحمدُ بن السنديِّ: ثنا الحسنُ بن علويه: ثنا إسماعيلُ بن عيسى: ثنا إسحاقُ بن بشرِ، عن جويبرٍ، عن الضحاكِ، عن ابن عباسٍ: أنه قال: يا صاحبَ الذنب! لا تأمنْ من سوء عاقبته، ولَمَا يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته، فأولُ ذلك قلةُ حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال، وأنت على الذنب أعظمُ من الذنب الذي عملته، وضحكُك وأنت لا تدري ما الله صانعٌ بك أعظمُ من الذنب، وفرحُك بالذنب إذا ظفرتَ به أعظمُ من الذنب، وجرأَتُكَ على الذنبِ أعظمُ من الذنبِ إذا ظفرتَ به، وخوفُك من الريح إذا حركَتْ سترَ بابك وأنتَ على الذنبِ لا يضطربُ فؤادُك من نظرِ الله إليكَ أعظمُ من

(1) ورواه هناد بن السري في "الزهد"(1/ 304).

ص: 90

الذنب، ويحكَ! هل تدري ما كان ذنبُ أيوبَ عليه السلام، فابتلاه الله عز وجل بالبلاء في جسده، وذهاب ماله؟ إنما كان ذنبُ أيوبَ عليه السلام أنه استعان به مسكينٌ على ظلم يدرؤه عنه، فلم يُعنه، ولم يأمر بمعروف، ولم ينه الظالمَ عن ظلم هذا المسكين، فابتلاه الله عز وجل (1).

وبه إلى الحافظِ أبي نعيمٍ: ثنا سليمانُ: ثنا عليُّ بن عبد العزيزِ: ثنا أبو نعيمٍ: ثنا سفيانُ الثوريُّ، عن ابن جُريجٍ، عن ابن أبي مُليكةَ، قال: قال ابن عباس: ذهبَ الناسُ، وبقي النسناس، قيل: وما النسناس؟ قال: الذين يتشبهون بالناس، وليسوا بالناس (2).

* هذا في زمنه، وفي زماننا: ذهب النسناسُ، وبقي الأنجاس، والخناسُ الذي يوسوس في صدور الناس.

وبه إلى أبي نعيمٍ: ثنا عمرُ بن أحمدَ: ثنا عليُّ بن محمدٍ: ثنا محمدُ بن إسماعيلَ: ثنا أبو نعيمٍ: ثنا شريكٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، عن عبد الله بن عباسِ، قال: يأتي على الناس زمانٌ يعرج فيه بعقول الناس، حتى لا تجد فيه أحدًا ذا عقل (3).

وقد روينا في "المسند"، في كثرة القتل، حتى يقتل الرجل أخاه، وحتى يقتل الرجلُ ابن عمه، قالوا: يا رسول الله! وعقولُنا معنا؟ قال: "لا، تَذْهَبُ عُقُولُ أَكْثَرِ النَّاسِ، فَيَصِيرُونَ أَجْسَادًا لا عُقُولَ

(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 324).

(2)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 324).

(3)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 328).

ص: 91

لَهُمْ، يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ" (1).

فيا معشرَ مَنْ يظن أنه عاقلٌ، ولا عقل له! حقِّقِ الأمورَ، يبانُ لك ما أنت فيه من خير وشر، ولا تكن كالبهيمة، تسمعُ ولا تفهمُ ما يراد بالكلام، قال الله عز وجل: ({وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]

وقال عز وجل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 44].

فأكثرُ أهلِ زماننا هذا قد صاروا لا عقولَ لهم، بل أكثرُهم قد صار شرًا من البهائم، لا عقلَ ولا دينَ، وقد فسد الناسُ، وكلُّ ذلك تصديقًا لأحاديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الواردة.

وقد ذكرتُ في كتابي "أشراط الساعة" طرفًا كثيرًا من ذلك، فلينظره الناظر.

وأنت إذا تأملت الناسَ، رأيت جميع محاسن (2).

فأجمَعُوا السماط، وصرخوا بالعياط، قد تركوا الأذكار، وهربت منهم الأنوار، وأظهروا الرقص والغناء، فأنت أنت، وأنا أنا.

(1) رواه الإِمام أحمد في "المسند"(4/ 391) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، ولفظه:"إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان ويخلف له هباء من الناس يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء".

(2)

سقط في الأصل بمقدار لوحة كاملة.

ص: 92

وأما جماعةُ الأتراك، فلا تراني ولا أراك، نفوس طامعة، ولكثرة الأموال جامعة، استحلُّوا دماءَ الناس وأموالَهم وأعراضَهم، وليس ثمة في الدنيا سوى [.....]، لا يعرفون سوى السُّكر، والحرام واللواط والزنى والسلاح، وليس ثَمَّةَ صلاةٌ ولا قيام.

نفوسٌ مبهمة، وأبدانٌ على أكلِ الحرام نَهِمَة، وقصدُه بالمعاصي أن يقيم غيره له أكل الدجاجة والوزة، وشربُ الرَّاح بالأقداح، ومعاشرة الوجوه الصِّباح، من أول الليل إلى الصَّباح.

وأما جماعةُ التجار، فكذَبَةٌ فَجَّار، أكثرُهم تعاطى بالربا والعِينَة، ويترك بفلسٍ آخرتَه ودينَه، ويمنع الزكاة، ويوثق على الدرهم، بخيلٌ بمالهِ، شحيحٌ بحرامه وحلاله، فلا تَفُضَّ منهم يديك، ولا تطلبْ منهم، فاجتنب [أن] يصير من يحبك منهم عليك.

وأما مقدِّمة البلاد، فلا كَثَّرَ الله منهم في العباد، جمعوا المناجيس والخنازير، وقطعوا الطريق، وأخذوا الخليق، وظلموا الفلاحين والفقراء، ونكلوا بلاد الأستاذين والأمراء، وضربوا المساكين ضررًا، فكَمْ لَكْمةٍ، وكم ضربةً! كم تعريصةٍ، وزوج القحبة! وهذا شأنهم هم وأعوانهم، لا كَثَّر الله منهم، ولا رضي عنهم.

وأما الزُّعْر، فقد أصاب الخلقَ منهم الذُّعْر، كلُّ عِلْقٍ وابن قَحْبَة قد أخذ السيفَ والجحفةَ، والقوسَ والنشابَ، والزندَ والحربة، وتجمَّع منهم على الخمر [....] عُصبة، فقتلوا وسرقوا، وأخذوا أموالَ الناس سرًا وجهرًا، وقهروهم أخذًاوقَسْرًا، فلا دينَ ولا إيمان، ولا خيرَ ولا إحسان.

ص: 93

وأما السُّوقة، فعصبة فَسَقَة، لا يرعَوُون عن قبيحٍ ارتكبوه، ولا يروعون في خير فعلوه، بَخَسوا الميزان، واستعملوا البهتان، تركوا الديانة، واستعملوا الخيانةَ، وقلةَ الأمانة، فإذا كان هؤلاء الباغون [

] يستجاب دعاه، أو من يغضب لغضبه، إلا أتاه، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

هذا حال الرجال، وأما الصبيان، فكما قال الله عز وجل:{وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح: 27]، فكلهم فَجَرة، لا يتعلمون خيرًا، ولا يحرصون عليه، وإنما يحرصون على الشر واللواط، والكلام القبيح من الصغر، فكيف [....] هؤلاء وكيف ينسون؟

وأما النساء، فقد صار أكثرُهن قِحاب، أَبخس وأنجس من الرجال [.......].

فيا أيها الدجال! ما أقعدَكَ عن الخروج؟ فقد جاء وقتُك، وما أخَّرك عن الظهور، فقد وُجد أنصارُك وأعوانك، فهذه جنودُك قد كثرت، وهذه أعوانُك قد ظهرت، وهذه عساكرُك قد إنتشرت، كنا نخبر الناس أنك تختفي في البرذعة، فالبرذعة قد فرغت، وصرنا نقول: إنك تعمل في الحزام، فالحزام قد تم.

وصرنا نقول: إنك تصنع اللجام، فاللجام قد انتهى.

صرنا نقول: إنك في فكرة ترتيب عسكرك، وتهيئة آلتك من جنة أو نار، وثريد وطعام، وماء ومُدام، فكأنا بك وقد أشرفتْ أعلامُك، ونُصبت راياتُك وخيامُك، وبرزَ إليك كلُّ يهودي ومنافق، وكلُّ شيطان ناعق، وكلُّ كلب وكلبة، وكل عِلْق وقَحْبَة.

ص: 94

* أقول: وإن غلب الفساد، وعم سائرَ البلاد، فلا بد لها من أوتاد، يدفع الله بهم البلاء عن الناس، ويرفع بهم الشدة والبأس، ولو خلت من الصالحين، لخسف بنا وبهم أجمعين.

كما أخبرنا شيخنا زيدٌ المقرئُ قال: كان قد قَدِمَ علينا هذه المدرسةَ رجل غريب، فأقام مدةً، وكان في المدرسة -إذ ذاك- شرورٌ وقلاقل، فأردنا ننزله، فامتنع الناظر، ثم بعد مدة نزله، فلم يقبل، ولم يأخذ شيئًا من الخبز، ثم أقام مدة، ثم قال لي: يا شيخ! تدري حكايتي؟

قلت: لا.

قال: أنا في البلاد الفلانية -فذكر بلادًا بعيدة-.

قال: حدثتني نفسي: أنه ما بقي في الدنيا أحدٌ من الصالحين.

قال: ونحن نسمع بهذه المدرسة في بلادنا.

قال: فقلت في نفسي: إن كان قد بقي في الدنيا أحدٌ من الصالحين فهو في تلك المدرسة، فقمتُ وسافرت إليها، أَنظرُ هل أجد بها أحدًا من الصالحين؟

قال: فلما جئت، ورأيت هذه الشرورَ والقلاقل، قلت: ما بقي في الدنيا أحدٌ من الصالحين، فلما أنزلتموني، قلت لنفسي: أنتِ جئتِ في طلب شيء لم تجديه، فو الله! لا أطعمتك من هذه المدرسة شيئًا، فلم أقبل، ولم أُطعمها منه شيئًا.

قال: فلما كانت هذه الجمعة، نزلتُ فصليت في جامع الأموي،

ص: 95

فلما خرج الناس من الصلاة، وخرجتُ معهم، فأنا في صحن الجامع، وإذ بشخص يقول: يا فلا [ن]!

فقلت: وكم في هذا الجامع من واحد بهذا الإسم غيرك!

فقال: يا فلان بنُ فلان!

فقلت: ويمكن أن يكون اسمه باسمي، واسم أبيه باسم أبي.

فقال: يا فلان بن فلان الفلاني -لشهرةٍ يعرف بها-.

قال: فقلت: هو أنا.

قال: فجئته، فإذا رجل واقف، فأخذ بطوقي، وهزني، وقال: يا مسكين! لو خَلَتْ من الصالحين، لخسف بها. في الصالحية عندك منهم ستة: ثلاثة في المدرسة، وثلاثة خارج المدرسة، ثم أرسلني، فأُغمي عليَّ، وسقطتُ إلى الأرض، فلم أزل كذلك، حتى أفقتُ، فلما أفقتُ، لم أجد أحدًا.

قال: ثم صَعِدْت، فكان يقول: أما الذين في المدرسة، فاطلعتُ منهم على اثنين، والواحد لم أطلع عليه، ما أدري، لعلوِّ درجته، أو لتقصيري؟

وسمعتُ من عدةٍ من القدماء: أن الواحدَ من الثلاثة كان شيخنا الشيخ صفي الدين رضي الله عنه، وقد كان -في ابتداء أمرنا- أكثرُ من مدّة واحد يعدُّ من الصالحين الأخيار، حتى من يباعد؟ مثل: شيخِنا الشيخ صفيِّ الدين، والشيخ زينِ الدين بن الحبال، وأخيه شهاب

ص: 96

الدين، والشيخ تقيِّ الدين بنِ قُندس، والحاج عليِّ بن مسمارة، والشيخِ أحمدَ الحمصيِّ، والشيخِ أحمدَ الحمصيِّ الآخرِ، والشيخِ أحمدَ المصريِّ، والشيخِ إبراهيمَ اللاوي، وبرهانِ الدينِ بنِ المتقي، والشيخِ خلفٍ، والشيخِ عمرَ اللؤلئيِّ، والشيخِ زيدٍ وشهابِ الدين بن زيدٍ الموصليِّ، والشيخِ ريحان، وشمسِ الدينِ الليبي، والشيخ أميرِ الدين بنِ الكركي، والشيخ محمدٍ الضحاكِ، والحاجِّ محمدٍ الحجيجِ، والشيخِ حسنٍ الخياطِ، وشمسِ الدين الخبراصيِّ، والشيخِ عثمانَ البلبليِّ، والشيخِ أحمدَ الإِمام، ووالدِه الشيخِ حسنٍ، وشمسِ الدينِ الشبليِّ، والشيخ عليِّ بن العلاءِ، والشيخِ السطيحِ، والشيخِ برهانِ الدينِ الباعونيِّ، والشيخِ إسماعيلَ شيخِ الباسطيةِ، والشيخِ محبِّ الدينِ البغداديِّ، والشيخِ عليِّ بن زيدٍ الموصليِّ، والشيخِ أحمدَ الأقباعيِّ، والعداسِ، وخلائقَ.

ثم كان بعدَهم أخيارٌ دونهم في ذلك؛ مثل: تقيِّ الدينِ الجراعيِّ، والقاضي علاءِ الدين المَرْداويِّ، [و] الشيخِ عمرَ العسكريِّ، والشيخِ يوسفَ المرداويِّ، والشيخِ خَطَّابٍ الشافعيِّ، والشيخِ إبراهيمَ بن القدسيِّ، والشيخِ فضلٍ النجديِّ، والشيخِ عليٍّ النجديِّ، وخلائقَ من هذا النحو.

ثم في زماننا هذا خَفِيَ الصالحُ، ونرجو من الله عز وجل أن يكون منهم الشيخُ محمدٌ الغزاويُّ، والشيخُ محمدُ بن الحصنيِّ، والشيخُ محمدُ بن فاتحٍ، والشيخُ أحمدُ بن شعبانَ الغَزِّيُّ، والشيخُ محمدٌ النجديُّ، والشيخُ صالحٌ، والشيخُ أحمدُ العسكريُّ.

ص: 97

* وأنا أؤكد عليك، وأقول: إياك إياك إياك أن يحصل منك أذًى أو ضررٌ لأحد ممن يُتوسم فيه الخيرُ، فربما وقع منه عليك دعوةٌ تستجاب له فيك، فلا تُفلح بعدها أبدًا.

وقد قلتُ في موضع من كلامي: إياكَ والإنكارَ على أحد من المشايخ، أو ذوي الأحوال، أو من العلماء، أو الأخيار، فقد شاهدتُ من ذلك العجبَ العجابَ في غير واقعة، فإني قَطُّ ما أنكرتُ شيئًا، أو وَبَّخْتُ أحدًا، إلا وابتُليت ببعض ذلك في نفسي، أو أحدٍ ممن أحب.

وقد وقع أنه كان عندنا بالصالحية رجل يقال له: الشيخ حسين، لا يزال عُريانًا مكشوفَ العورة، وللناس فيه معتقَدٌ؛ فقد رآه أخي شهابُ الدين-رحمة الله عليه-، وكان من الصالحين الكبار، ومن العلماء الأخيار، وسُمِعَتْ عند موته البشائرُ من السماء، أنكرَ عليه ذلك، وقال: هذا تظهر عورته للرجال والنساء، وطلبَ مني المساعدةَ على ذلك، فقلت له: هذا لا يعقل.

فقال: يُحبس في مكان حتى لا يراه أحد، وسعى في ذلك إلى القاضي الحنبلي وغيره.

فما مضى عليه إلا مدة يسيرة، حتى مرض مرضَ الموت، فكان يتعرَّى في مرضه قدامَ الناس، ولا يستتر، فرأيتُ أن ذلك لكلامه ذلك.

وفي الأمثال: كُلُّ مَنْ عَيَّرَ ابْتُلِي.

ومن قال شيئًا، قيل فيه مثلُه.

وكما تدين تُدان.

ص: 98

وبشِّر القاتلَ بالقتل ولو بعد حين.

وفي "تاريخ ابن خلكان"، في ترجمة الإمام يوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد صاحب الكرامات والأحوال: أنه جلس يومًا للوعظ، واجتمع إليه الناس، فقام مِنْ بينهم فقيه يعرف بابن السقا، وآذاه، وسأله عن مسألة، فقال له: اجلس؛ فإني أجد من كلامك [رائحة] الكفر، ولعلك أن تموت على غير دين الإِسلام، ثم مضى ذلك، وقدم رسولُ ملكِ الروم على الخليفة، فخرج ابن السقا مع الرسول إلى القسطنطينية، فتنصَّر، ومات نصرانيًا، وكان ابن السقا قارئًا للقرآن، محمودًا في التلاوة.

وحكى مَنْ رآه بالقسطنطينية: رأيته مريضًا ملقًى على دَكَّة، وبيده مروحةٌ يذبُّ بها الذبابَ عن وجهه، فقلت له: هل القرآنُ باقٍ على حفظك؟ فقال: ما أَذكر منه إلا آية واحدة {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر: 2]، والباقي أُنسيته. نعوذ بالله من سخط الله وخذلانه، ونسأله حسنَ الخاتمة (1).

قال الدَّميريُّ في "حياة الحيوان" بعد هذه الحكاية: فانظر يا أخي كيف هلك هذا الرجل، وخذل بالإنتقاد، وترك الاعتقاد. نسأل الله السلامةَ.

قال: فعليك يا أخي بالإعتقاد، وترك الإنتقاد على المشايخ العارفين، والعلماء العاملين، والمؤمنين الصالحين، فإن حرابهم مسمومة.

(1) انظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (7/ 78 - 79).

ص: 99

فقلَّ مَنْ تعرض لهم وسلم، فسلِّمْ تسلَمْ، ولا تنتقدْ تندمْ، واقتدِ بإمام العارفين، وعلامة العلماء العاملين، ورأس الصديقين في وقته الشيخِ عبد القادرِ الكيلانيِّ، لما عزم على زيارةِ الغوثِ بمكة، وقال رفيقاه ما قالا، فقال: أما أنا، فأذهب على قدم الزيارة والتبرك، لا على قدم الإنكار والامتحان، فآل أمرُه إلى أن قال: قدمي هذا على رقبة كلِّ وليٍّ لله، وآل أمرُ أحدِ رفيقيه إلى الكفر، وترك الإيمان؛ كما اتفق في هذه الحكاية، وآل أمرُ الآخر إلى اشتغاله بالدنيا، وتركِه خدمة المولى. نسأل الله التوفيقَ والهدايةَ والإماتة على الإيمان بالله وبرسوله، والإعتقاد الحسن في أوليائه وأصفيائه بمحمد وآله، انتهى كلامه.

وحكى ابن خَلِّكانَ أيضًا: أن رجلاً كان يأكل هو وزوجته دجاجةً مشوية، فوقف على الباب سائلٌ، فرده الرجلُ خائبًا، ونال منه، وكسر قلبه، وكان كثير المال، ثم إنه بعد ذلك افتقر، فوقع بينه وبين زوجته، فطلقها، وتزوجت غيرَه، فبينما هي ذات يوم مع الثاني، وبين يديهما دجاجة مشوية، جاء سائلٌ، فسأل، فقال لامرأته: ناوليه هذه الدجاجة وما معها، فناولته، ونظرت إليه، فإذا هو زوجُها الأول، فرجعت متعجبة، وأخبرت زوجَها الثاني أنه زوجُها الأول، وقالت: والله! لقد كنت معه، وكنا قد صنعنا دجاجة وشويناها، وجلسنا نأكلها، فجاء سائل، فوقف علينا، فزجره، وكسر قلبه، ورده خائبًا، فقال لها زوجُها الثاني: وأنا والله! ذلك المسكين الذي وقف عليكم، أعطاني الله وأغثاني، وأعطاني أكثر من ماله، وأعطاني زوجته لقلة شكره (1).

(1) انظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (6/ 108).

ص: 100

فانظر بعين الإعتبار، وتأدب مع الله، ومع عباد الله، وقد وقع لكثير من النساء الفواجر: أنه تزوج بها رجل من الأخيار، فتكرهه وتبغضه، وتناكده حتى يطلقها، وتتزوج بعده برجل من الأشرار، فيبغضها ويناكدها، وتذل معه، ويذيقها الذل والهوان، ويستوفي حق ذلك الصالح.

وقد رأينا كثيرًا ممن قتل شخصًا، نشأ له ولد فقتله.

ورأينا كثيرًا ممن أكل مال أيتام غيره، أكل الغيرُ ماله حين مات.

وقد روينا أن في بعض الكتب، يقول الله عز وجل: ابن آدم! كما تدين تدان، وكما تزرع تحصد.

ورأينا كثيرًا ممن رَبَّى أولادَ غيره، وحَرَصَ عليهم، يَسَّرَ الله له من ربى أولاده، وحرص عليهم.

ورأينا كثيرًا من الناس اتخذ صبيًا يلوط به، فنشأ وكبر، واتخذَ أولادَ ذلك بعده يلوط بهم.

ورأينا كثيراً من الأشرار تسلَّط على ناس من أهل الخير، فسلط الله عليه مَنْ هو أقوى منه، فآذاه بنحو ما آذى ذلك.

وقد روينا في كتاب "الزهد" للإمام أحمد: يقول الله عز وجل: أَنتقمُ من الظَّلَمَة بالظلمة، وأَنتقمُ من الظلمة جميعًا (1).

(1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(3358)، ولفظه: أنتقم ممن أبغض بمن أبغض ثم أصير كلاً إلى النار.

ص: 101