الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الإِيمَانَ أَجْزَاءٌ، وَشُعَبٌ لَهَا أَعْلَى وَأَدْنَى
.
6 -
أَخبَرنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ، قال: حَدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، حَدثنا جَرِيرٌ، قال: حَدثنا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، أَوْ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَرْفَعُهَا لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ".
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رضي الله عنه: أَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْخَبَرِ إِلَى الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ، فَجَعَلَهُ أَعْلَى الإِيمَانِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الشَّيْءِ الَّذِي هُوَ نَفْلٌ لِلْمُخَاطَبِينَ فِي كُلِّ الأَوْقَاتِ، فَجَعَلَهُ أَدْنَى الإِيمَانِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ فُرِضَ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ، وَكُلَّ شَيْءٍ فُرِضَ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ، وَكُلَّ شَيْءٍ هُوَ نَفْلٌ لِلْمُخَاطَبِينَ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ، كُلُّهُ مِنَ الإِيمَانِ.
وَأَمَّا الشَّكُّ فِي أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ، فَهُوَ مِنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ فِي الْخَبَرِ، كَذَلِكَ قَالَهُ مَعْمَرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ. وَقَدْ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَرْفُوعًا، وَقَالَ:"الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً"، وَلَمْ يَشُكَّ. وَإِنَّمَا تَنَكَّبْنَا خَبَرَ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَاقْتَصَرْنَا عَلَى خَبَرِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ لِنُبَيِّنَ أَنَّ الشَّكَّ فِي الْخَبَرِ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. [166]
ذِكْرُ الْخَبَرِ الْمُدْحِضِ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ تَفَرَّدَ بِهِ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ
.
7 -
أَخبَرنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَزْدِيُّ، قال: حَدثنا أَبُو قُدَامَةَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدثنا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، حَدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ".
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رضي الله عنه: اخْتَصَرَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ هَذَا الْخَبَرَ، فَلَمْ يَذْكُرْ ذِكْرَ الأَعْلَى وَالأَدْنَى مِنَ الشُّعَبِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ السِّتِّينَ دُونَ السَّبْعِينَ، وَالْخَبَرُ فِي بِضْعٍ وَسَبْعِينَ خَبَرٌ مُتَقَصًّى صَحِيحٌ لَا ارْتِيَابَ فِي ثُبُوتِهِ، وَخَبَرُ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ خَبَرٌ مُخْتَصَرٌ غَيْرُ مُتَقَصًّى صحيح لا ارتياب في ثبوته. وَأَمَّا الْبِضْعُ، فَهُوَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى أَحَدِ أَجْزَاءِ الأَعْدَادِ، لأَنَّ الْحِسَابَ بِنَاؤُهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الأَعْدَادِ، وَالْفُصُولِ، وَالتَّرْكِيبِ، فَالأَعْدَادُ مِنَ الْوَاحِدِ إِلَى التِّسْعَةِ، وَالْفُصُولُ هِيَ الْعَشَرَاتُ وَالْمِئُونُ وَالأُلُوفُ، وَالتَّرْكِيبُ مَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا. وَقَدْ تَتَبَّعْتُ مَعْنَى الْخَبَرِ مُدَّةً، وَذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَكَلَّمْ قَطُّ إِلَاّ بِفَائِدَةٍ، وَلَا مِنْ سُنَنِهِ شَيْءٌ لَا يُعْلَمُ مَعْنَاهُ، فَجَعَلْتُ أَعُدُّ الطَّاعَاتِ مِنَ الإِيمَانِ، فَإِذَا هِيَ تَزِيدُ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ شَيْئًا كَثِيرًا، فَرَجَعْتُ إِلَى السُّنَنِ، فَعَدَدْتُ كُلَّ طَاعَةٍ عَدَّهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الإِيمَانِ، فَإِذَا هِيَ تَنْقُصُ مِنَ الْبِضْعِ وَالسَّبْعِينَ.
فَرَجَعْتُ إِلَى مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ مِنْ كَلَامِ رَبِّنَا جَلَّ وَعَلَا، وَتَلَوْتُهُ آيَةً آيَةً بِالتَّدَبُّرِ، وَعَدَدْتُ كُلَّ طَاعَةٍ عَدَّهَا اللهُ جَلَّ وَعَلَا مِنَ الإِيمَانِ، فَإِذَا هِيَ تَنْقُصُ عَنِ الْبِضْعِ وَالسَّبْعِينَ، فَضَمَمْتُ الْكِتَابَ إِلَى السُّنَنِ، وَأَسْقَطْتُ الْمُعَادَ مِنْهَا، فَإِذَا كُلُّ شَيْءٍ عَدَّهُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا مِنَ الإِيمَانِ فِي كِتَابِهِ، وَكُلُّ طَاعَةٍ جَعَلَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الإِيمَانِ فِي سُنَنِهِ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْهَا شَيْءٌ، فَعَلِمْتُ أَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ الإِيمَانَ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَنِ، فَذَكَرْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِكَمَالِهَا بِذِكْرِ شُعْبَةٍ شُعْبَةٍ فِي كِتَابِ "وَصْف الإِيمَانِ وَشُعَبِهِ" بِمَا أَرْجُو أَنَّ فِيهِ الْغُنْيَةَ لِلْمُتَأَمِّلِ إِذَا تَأَمَّلَهَا، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ تِكْرَارهَا فِي هَذَا الْكِتَابِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الإِيمَانَ أَجْزَاءٌ بِشُعَبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خَبَرِ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ:"الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ"، فَذَكَرَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ شُعَبِهِ، هِيَ كُلُّهَا فَرْضٌ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ، لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ: وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، وَالإِيمَانُ بِمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَمَا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ أَجْزَاءِ هَذِهِ الشُّعْبَةِ،
وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ جُزْءٍ وَاحِدٍ مِنْهَا، حَيْثُ قَالَ:"أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ". فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ سَائِرَ الأَجْزَاءِ مِنْ هَذِهِ الشُّعْبَةِ كُلُّهَا مِنَ الإِيمَانِ، ثُمَّ عَطَفَ فَقَالَ:"أَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ"، فَذَكَرَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ شُعَبِهِ هِيَ نَفْلٌ كُلُّهَا لِلْمُخَاطَبِينَ فِي كُلِّ الأَوْقَاتِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ سَائِرَ الأَجْزَاءِ الَّتِي هِيَ مِنْ هَذِهِ الشُّعْبَةِ وَكُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الشُّعَبِ الَّتِي هِيَ مِنْ بَيْنِ الْجُزْأَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذَا الْخَبَرِ اللَّذَيْنِ هُمَا مِنْ أَعْلَى الإِيمَانِ وَأَدْنَاهُ كُلُّهُ مِنَ الإِيمَانِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "الْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ"، فَهُوَ لَفْظَةٌ أُطْلِقَتْ عَلَى شَيْءٍ بِكِنَايَةِ سَبَبِهِ، وَذَلِكَ لأَنَّ الْحَيَاءَ جِبِلَّةٌ فِي الإِنْسَانِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَكْثُرُ ذلك فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِلُّ ذَلِكَ فِيهِ، وَهَذَا دَلِيلٌ صَحِيحٌ عَلَى زِيَادَةِ الإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ، لأَنَّ النَّاسَ لَيْسُوا كُلُّهُمْ عَلَى مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْحَيَاءِ، فَلَمَّا اسْتَحَالَ اسْتِوَاؤُهُمْ عَلَى مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ فِيهِ، صَحَّ أَنَّ مَنْ وُجِدَ فِيهِ منه أَكْثَرُ، كَانَ إِيمَانُهُ أَزْيَدَ، وَمَنْ وُجِدَ فِيهِ مِنْهُ أَقَلُّ، كَانَ إِيمَانُهُ أَنْقَصَ. وَالْحَيَاءُ فِي نَفْسِهِ: هُوَ الشَّيْءُ الْحَائِلُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ مَا يُبَاعِدُهُ مِنْ رَبِّهِ عَنِ الْمَحْظُورَاتِ، فَكَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ تَرْكَ الْمَحْظُورَاتِ شُعْبَةً مِنَ الإِيمَانِ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْحَيَاءِ عَلَيْهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. [167]