الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حول الكتاب
اسم الكتاب: المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع من غير وجود قطع في سندها ولا ثبوت جرح في ناقليها.
أُلِّف الكتاب بترتيب مخترع يتمايز به عن كل الكتب التي أُلِّفَتْ في السنن؛ مثل الصحيح للبخاري والصحيح لمسلم وأمثالهما. فقد قسم المؤلف ابن حبان رحمه الله سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى خمسة أقسام وهي: الأوامر، والنواهي، وإخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم، والإباحات، وأفعاله صلى الله عليه وسلم.
وجعل لكل قسم أنواعاً كما يلي:
- الأوامر مائة وعشرة أنواع.
- النواهي مائة وعشرة أنواع.
- الإخبار ثمانون نوعاً.
- الإباحات خمسون نوعا.
- الأفعال خمسون نوعاً.
فالأحاديث ترد ضمن هذه الأنواع، وتحت ترجمة خاصة للحديث يُسَمِّيهَا الشيخ ابن حبان رحمه الله بـ"الذِّكرِ". فكل من هذه التراجم يحتوي على خلاصة الحديث الذي يليه. وعندما يحتاج المؤلف أن يقول كلمة عن الحديث أو عن سنده أو عن ما شابه ذلك يبدأ بـ"قال أبو حاتم"، ويسرد قوله هناك. في هذا الكتاب حوالي 7500 حديث؛ وهذا يدل على أن في الكتاب تراجم أذكار بنفس العدد.
وإن كل حديث ورد في هذا الكتاب يجب أن يكون جزءاً لقسم من أقسام السنن الخمسة. وهذا يعني أن القارئ إذا قرأ حديثاً من أي قسم، فإنه سيتنبه إلى أن ذلك الحديث يدل على أمر أو نهي أو إخبار أو إباحة من المصطفى صلى الله عليه وسلم أو فعل تفرد به صلى الله عليه وسلم. مثلاً، هب أننا جئنا إلى حديث من أحاديث قسم الأوامر؛ يسهل علينا أن نفهم أن الحديث يحتوي على أمر ما بصفة عامة؛ أما دلالته على وجه من الوجوه
الخاصة، فإن ذلك يتسنى من خلال وصف الأمر الذي في هذا الحديث، فهو يوجد في عنوان نوعه. وإلى ذلك كله، فإن ترجمة الذكر هي التي تضع النقطة الأخيرة التي يرى المؤلف رحمه الله أنها جوهر الحديث.
وبناءً على هذا، فإننا نستطيع أن نقول إن كل حديث في الكتاب، تم تقييمه من أربعة نقاط:
1 -
الأول منها أن كل حديث في هذا الكتاب صحيح يحتج به في الدين عند المؤلف ابن حبان رحمه الله تعالى؛ لأن اسم الكتاب يقتضي هذا.
2 -
أقسام الكتاب تدلنا على أن أي حديث يحتوي إما أمراً أو نهياً أو إباحة أو إخباراً أو فعلاً.
3 -
تراجم الأنواع من أهم ما يُعَيِّنُ ما سيأتينا به الحديث في هذا الكتاب. إن كنا نتحدث عن أمر مثلاً، فسيسهل علينا أن نفقه من ترجمة نوعه حكم ذلك الأمر ومدى وجوبه حتماً أو ندباً ....
أمثلة من تراجم الأنواع في قسم الأوامر:
* النوع الثالث عشر:
الأمر بأربعة أشياء مقرونة في الذكر، الأول منها: فرض على جميع المخاطبين في كل الأوقات، والثاني: فرض على المخاطبين في بعض الأحوال، والثالث: فرض على بعض المخاطبين في بعض الأحوال، والرابع: أمر تأديب وإرشاد أُمِرَ به المخاطب إلا عند وجود علة معلومة وخصال معدودة.
* النوع الحادي والأربعون:
الأمر بالشيء الذي خير المأمور به في أدائه بين صفات ذوات عدد، ثم ندب إلى الأخذ منها بأيسرها عليه.
* النوع التاسع والثمانون:
ألفاظ المدح للأشياء التي مرادها الأوامر بها.
* النوع الرابع والتسعون:
الأوامر المتضادة التي هي من اختلاف المباح.
4 -
أما تراجم الأذكار، فكل واحد منها يأتي قبل الحديث الذي يتعلق به، ويعطينا فكرة الحديث؛ وهي فكرة مجملة بليغة ولكنها بينة. وفي نفس الوقت، يستخدم المؤلف رحمه الله تراجم الأذكار لشرح الموضوع الذي هو بصدده وتحليله.
أمثلة من تراجم الأذكار في التقاسيم والأنواع:
ذكر نفي العذاب في القيامة عمَّن أتى الصلوات الخمس بحقوقها
ذكر البيان بأن الحق الذي في هذا الخبر قصد به الإيجاب
ذكر البيان بأن الصلاة لوقتها من أحب الأعمال إلى الله جل وعلا
من السهل على العاقل أن يلاحظ من خلال كل هذا، أن الشيخ المؤلف رحمه الله قد بني كتابه على أساس يشمل أقساماً متساوية متفقة التقسيم غير متنافية. لذلك، من المستحيل أن يقرأ أحد حديثاً من هذا الكتاب، فيزيل الحديث عن موضع القصد في سننه. فهذه خصلة خاصة لهذا الكتاب.
إن المشكلة الأساسية في عهدنا الحديث، هي عدم فهم كثير من القارئين لمغزى الحديث النبوي؛ لأن الأحاديث تشمل نماذج من حياة بَشَرٍ "صلى الله عليه وسلم" وهي متنوعة مختلفة الأحوال. فعندما نأخذ حديثاً، ونتجاهل أسباب وروده والأحوال التي ورد فيها، وقصد المصطفى صلى الله عليه وسلم حين ذاك، وأقواله بعده، قد نضع أنفسنا في مشكلة تسوقنا إلى فكرة تخالف وتهاتر أسس الدين. فمن السهل أن ترى طبقات من الناس يقرؤون الحديث، ويبتدعون أفكاراً قد تخالف كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. فهذا الكتاب، بترتيبه الممتاز، لا يسمح لأحد أن يسيء فهم الحديث حتى يقع في خطأ من هذا القبيل.
ففي الحديث التالي أن رجلاً جاء إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، وطلب منه أن يقيم عليه الحد؛ لأنه أصاب من امرأة. فأخبره صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة بأن الله قد غفر له بصلاته؛
أخبرنا ابن سلم، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا الوليد، حدثنا الأوزاعي، حدثني شداد أبو عمار، حدثني واثلة بن الأسقع قال:
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أصبت حداً، فأقمه عليَّ!
قال: فأعرض عنه، ثم قال: يا رسول الله، إني أصبت حداً، فأقمه علي، فأعرض عنه، ثم أقيمت الصلاة، فلما سلم قال: يا رسول الله، إني أصبت حداً فأقمه عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"هل توضأت حين أقبلت؟ " قال: نعم. قال: "وصليت معنا؟ " قال: نعم. قال: "فاذهب، فإن الله قد غفر لك".
قد يفهم القارئ من هذا الحديث أن الصلاة تُكَفِّر الحدَّ عن مرتكب الزنا. ولكن المؤلف رحمه الله، أورد ثلاثة أحاديث بعد هذا الحديث تحت تراجم هذه الأذكار الآتية، للحيلولة دون الإخطاء في فهمه:
* الأول:
ذكر البيان بأن الحد الذي أتى هذا السائل لم يكن بمعصية توجب الحد
* الثاني:
ذكر خبر ثانٍ يدل على أن هذا الفعل لم يكن بفعل يوجب الحد مع البيان بأن حكم هذا السائل وحكم غيره من أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم فيه سواءٌ
* الثالث:
ذكر خبرٍ ثالثٍ يُصَرِّحُ بصحة ما ذكرناه
يصر ابن حبان رحمه الله عند بداية كل من أقسام السنن على أنه ألَّف كتابه لئلا يتعذر على الفقهاء حفظ الحديث، ولا يصعب على الحفاظ وَعْيُهُ.
فهذا الترتيب غير المعهود لأهل العلم والذي شرحناه، لا يوجد في أي كتاب من الكتب التي ألِّفت في عهد ابن حبان رضي الله عنه؛ لأن ابن حبان هو الذي أبدع هذا النوع من الترتيب في سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ ولم يستطع أحد بعده أن يتابعه في مثله رحمة الله عليه. ولكن هذا الترتيب لم يعقل، ولذلك لم يُهْتَم به قروناً، ولم يحظ بالعلاقة التي تليق به؛ لأن الناس كانوا مُتَعَوِّدِين على الترتيب المُبَوَّبِ. لذلك لم يَعْقِلوا مدى امتياز الكتاب. حتى إنهم بعد تأليف الكتاب بأربعة قرون تقريباً، استبدلوا ترتيبه بالترتيب على الكتب والأبواب، متعللين في ذلك بصعوبة الحصول على الحديث
المطلوب عند البحث. فجمعوا أحاديث الكتاب، وبَوَّبُوهَا، وأضاعوا ترتيبه الممتاز.
وكادت نسخ الكتاب تغيب عن الوجود نتيجة لقلة اهتمام طالبي العلم بدراسته طوال القرون الماضية بعيدة المدى.